جلسة 26 من نوفمبر سنة 1960
برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة سيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي ومحمد عبد العزيز البرادعي وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.
---------------
(27)
القضية رقم 307 لسنة 5 القضائية
موظف - معاش - بلدية الإسكندرية
- قاعدة عدم الجمع بين المرتب والمعاش - المادة 25 من لائحة بلدية الإسكندرية الصادرة في سنة 1930 - النص فيها على قطع معاش البنات المستخدمات بماهية في مصالح الحكومة - قصد الشارع من هذه المادة - هو ترديد القاعدة العامة السائدة في قوانين المعاشات المختلفة دون اشتراط وحدة المصرف المالي لتحريم الجمع بين المعاش والمرتب - أثر ذلك - عدم جواز الجمع بين معاش البنات من البلدية ومرتباتهن من مصالح الحكومة - أساس ذلك.
إجراءات الطعن
في 16 من فبراير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 18 من ديسمبر سنة 1958 في الدعوى المرفوعة من السيدة دولت عبد اللطيف محمد ضد بلدية الإسكندرية الذي قضى باستحقاقها في الاستمرار في صرف معاشها المستحق من بلدية الإسكندرية اعتباراً من تاريخ وقفه في أول إبريل سنة 1958 مع إلزام الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وطلب الطاعن للأسباب الواردة في عريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً. وفي الموضوع بإلغاء المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام رافعتها بالمصروفات. وقد أعلن الطعن للحكومة في 25 من إبريل سنة 1959 وللمدعية في 28 من إبريل سنة 1959 وتحدد لنظره أولاً جلسة 26 من إبريل سنة 1960 أمام دائرة فحص الطعون التي قررت بجلسة 6 من مارس سنة 1960 بإحالتها إلى هذه المحكمة، وقد سمعت إيضاحات ذوي الشأن وحجزت للحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 13 من أكتوبر سنة 1958 أقامت المدعية دعواها ذاكرة فيها أنها تستحق معاشاً شهرياً بوصفها كريمة المرحوم عبد اللطيف محمد بدوي الذي كان موظفاً في بلدية الإسكندرية التي سلمت لها بهذه الأحقية أولاً واستمرت تصرف لها هذا المعاش منذ سنة 1952 ولكنها توقفت عن الصرف أخيراً من أول إبريل سنة 1958، فاستعملت عن سبب ذلك فأفادتها بأن سبب التوقف يرجع إلى ورود كتاب دوري لها من الإدارة العامة للمعاشات برقم 4830 ملف 234 - 17/ 111 مفاده أنه يتعين قطع معاشات أرباب المعاشات الموروثة إذا ما التحقوا بإحدى الوظائف الحكومية أو بالهيئات أو بالمؤسسات ذات الميزانيات المستقلة أو الملحقة، ونعت المدعية على هذا الكتاب بأنه صدر تنفيذاً لأحكام القانون رقم 25 لسنة 1957، وأن هذا القانون لا ينطبق على حالتها التي ولدت في ظلال لائحة معاشات البلدية الصادرة سنة 1930، وإنه إعمالاً لأحكامها قامت بصرف معاش لها مع علمها بأنها تعمل مدرسة بوزارة التربية والتعليم واعتمدت في ذلك على فتوى استصدرتها من قسم الرأي بالإسكندرية بتاريخ 26 من إبريل سنة 1947 برقم 519 ملف رقم 2/ 1/ 349 جاء بها أن أحكام لائحة معاشات البلدية نقلت أحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية وأن أحكام هذا المرسوم بقانون تحظر الجمع بين المعاش والمرتب إذا كان صاحب المعاش يعمل في خدمة الجهة الإدارية ذاتها التي تصرف له المعاش، ولكنها لا تحظره إذا ما اشتغل في جهة إدارية أخرى مستقلة عن الأولى، ثم انتهت إلى طلب الحكم بأحقيتها في صرف المعاش اعتباراً من تاريخ وقفه في أول إبريل سنة 1958 وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، فقضت لها تلك المحكمة بجلسة 18 من ديسمبر سنة 1958 بطلباتها السابقة، وأسست قضاءها على أن المدعية استحقت معاشاً عن والدها المرحوم عبد اللطيف محمد بدوي الذي كان موظفاً في بلدية الإسكندرية وتوفي سنة 1952، وأن هذا المعاش يخضع لأحكام لائحة معاشات بلدية الإسكندرية الصادرة سنة 1930 ومن بين هذه الأحكام نص المادة 25 الذي يقول "يقطع معاش الأشخاص الآتي بيانهم وهم: أولاً.... وثانياً... وثالثاً... رابعاً - الأبناء والبنات والأخوة والأخوات المستخدمون بماهية في مصالح الحكومة..." ونص الفقرة الأولى من المادة 49 الذي يقول "إذا أعيد صاحب المعاش إلى الخدمة سواء كان بصفة نهائية أو وقتية أو بصفة مستخدم خارج عن هيئة العمال يوقف صرف معاشه" ونص المادة - 56 الذي يقول "إذا استمر صاحب المعاش بعد عودته إلى الخدمة بصفة نهائية أو بصفة وقتية أو بصفة مستخدم خارج عن هيئة العمال مع الاستيلاء على معاشه مع ماهية وظيفته يعزل من الخدمة وتسقط حقوقه في المعاش نهائياً وكذلك الحكم فيما يختص بمستحقي المعاش عن صاحب المعاش أو الموظف أو المستخدم الذين يعينون في إحدى وظائف البلدية ويستمرون على الاستيلاء على معاشهم مع ماهية وظيفتهم" وأن مفاد هذه الأحكام جميعها وأخصها النص الجزائي الوارد في المادة الأخيرة يوحي بأن عبارة "في مصالح الحكومة" التي جاءت في الفقرة الرابعة من المادة - 25 عارها خطأ صياغي والمقصود منها "في البلدية" ويؤكد هذا المفهوم أن اللائحة إنما تنتظم قواعد استحقاق المعاشات والمكافآت لموظفي بلدية الإسكندرية، ومن ثم لا يتعدى مجال إعمالها خدمة هذه البلدية - ولأن نص هذه الفقرة جاء على غرار نصوص قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 والمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 وهما يعتدان باتحاد المصرف المالي للمعاش والمرتب فيحظر الجمع حيث يتحد المصرف، ومفهوم المخالف لهذا، أنه حيث يختلف المصرف يسوغ الجمع، وإنه - لا يؤثر على مركز المدعية ما جاء به القانون رقم 25 لسنة 1957 من أحكام تغاير ما كان من قبل إذ أباح للموظف إذا ما عاد للخدمة أن يجمع بين المرتب والمعاش بإذن من الوزير المختص ولو اتحد المصرف المالي ولأنه لم يجعل هذه الإباحة لمن يتلقون الحق عنه، ومن ثم يكون تطبيق القانون رقم 25 لسنة 1957 على المدعية في غير محله.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفاً للقانون، إذ أباح للمدعية الجمع بين المعاش الذي تستحقه عن والدها من البلدية والمرتب الذي تتقاضاه من وزارة التربية والتعليم، لأن نص المادة - 25 من لائحة معاشات بلدية الإسكندرية صريح في وجوب قطع المعاش في حالة استخدام صاحب المعاش في المصالح الحكومية وقد جاء الحظر فيها إعمالاً للقاعدة العامة، وهي عدم جواز الجمع بين المرتب والمعاش، ولأن المادة 49 من اللائحة توجب وقف صرف المعاش إذا ما أعيد صاحب المعاش إلى الخدمة سواء بصفة نهائية أو مؤقتة أو بصفة مستخدم خارج عن هيئة العمال - وتطبيقاً لحكم المادتين السابقتين يتعين القول بوقف صرف المعاش ثم قطعه.
ومن حيث إن مقطع الفصل في هذه المنازعة مناطه معرفة ما إذا كان صاحب المعاش من البلدية سواء أكان موظفاً أصلياً أو خلفاً له تلقى الحق عنه إذا ما أعيد إلى الخدمة في البلدية أو في إحدى المصالح الحكومية أو كان موظفاً بها حالة استحقاقه المعاش - كما هو الشأن في حالة المدعية - يسوغ له الجمع بين المرتب والمعاش أم أن ذلك أمر محظور تحرمه القواعد المعمول بها في هذا الشأن.
ومن حيث إن القواعد التنظيمية التي تحكم معاش موظفي بلدية الإسكندرية الذين ينتمي إليهم والد المدعية التي تلقت حقها عنه مستمدة من اللائحة الصادرة سنة 1930 الواجبة التطبيق على الحالة المعروضة.
ومن حيث إن الباب الرابع من تلك اللائحة بين أنواع المعاشات إذ قالت المادة 11 تنقسم المعاشات والمكافآت المنصوص عنها في هذه اللائحة إلى ستة أنواع وهي:
أولاً - معاشات التقاعد، ثانياً - معاشات ومكافآت الموظفين والمستخدمين الدائمين المرفوتين بسبب إلغاء الوظيفة أو الوفر أو بقرار خاص من القومسيون البلدي. ثالثاً - المعاشات والمكافآت الممنوحة بسبب عاهات أو أمراض. رابعاً - المعاشات والمكافآت الممنوحة إلى عائلات من يتوفى من أصحاب المعاشات أو الموظفين أو المستخدمين. خامساً - المعاشات والمكافآت الاستثنائية التي تمنح بقرار من القومسيون البلدي.
ومن حيث إن المواد التي تلت هذه المادة فصلت أحكام كل نوع من هذه المعاشات سواء فيما يتعلق بالأحقية أو بمقدار المعاش أو بوقفه وسقوطه، والجدير بالتنويه من هذه الأحكام في خصوصية هذه الدعوى هو النوع الرابع منها، وقد ذكرت المادة 22 الواردة تحت العنوان الذي خصصته اللائحة لهذا النوع الأشخاص الذين لهم الحق في المعاش وكان ذلك على سبيل الحصر ومن بين من ذكرت الأولاد، كما ذكرت المادة 24 الأشخاص الذين لا حق لهم في المعاش أو المكافأة ولو كانت تربطهم بالمتوفى وشائج قربى وكشفت عن علة الحرمان من ذلك، ثم جاءت من بعدها المادة الخامسة والعشرين بالأسباب التي تقطع المعاش فقالت بقطع معاش الأشخاص الآتي بيانهم وهم:
1 - الأرامل والأمهات إذا تزوجن.
2 - الأبناء والإخوة الذين بلغوا إحدى وعشرين سنة كاملة إلا إذا كانوا مصابين بعاهات تمنعهم قطعياً من كسب عيشهم، ففي هذه الحالة يستمر صرف المعاش لهم إلى يوم وفاتهم طبقاً لأحكام المادة السابقة.
3 - البنات والأخوات متى عقد عليهن للزواج على أن يعطى لهن مبلغ يساوي المعاش المقرر لهن في مدة سنة، ومع ذلك فحق البنات في المعاش يعود إليهن إلى سن الحادية والعشرين إذا انتهت هذه الزوجية قبل بلوغهن هذه السن.
4 - الأبناء والبنات والإخوة والأخوات المستخدمون بماهية في مصالح الحكومة على أنه إذا رفتوا من خدمة الحكومة يعود حقهم في المعاش، وذلك في الحدود وطبقاً للشروط المنصوص عليها في الفقرتين 2، 3 من هذه المادة.
من حيث إنه يبين من عرض هذه الأحكام أنها فصلت كل شيء تفصيلاً فيما يتعلق باستحقاق المعاش أو بأسباب سقوط المعاش إذا قامت ظروف معينة.
ومن حيث إن نص المادة 25 صريح العبارة، وهو فضلاً عن ذلك نص خاص فلا مساغ للانحراف عنها عن طريق تفسيرها بحجة البحث عن إرادة المشرع ومعرفة القصد الحقيقي الذي كان يتغياه من هذه العبارة الصريحة أو إحلال عبارة أخرى محلها - كما ذهب الحكم المطعون فيه، بمقولة أن عبارة "في وظائف البلدية" هي التي كان يتغياها المشرع ولكنه تنكب الصواب في سبيل الوصول إليها وأورد العبارة الموجودة في النص سهواً أو عن طريق الخطأ المادي، إذ هذا القول يتجافى والقواعد السديدة في التفسير؛ إذ الأصل في النص الصحة لا الخطأ والعبرة بعموم النص لا بخصوص السبب، كما أن هذا النص أورد العبارة مرتين ليعالج حكمين مختلفين الحكم الأول في صدر البند الرابع من المادة الخامسة والعشرين والحكم الثاني في عجز هذا البند ومن ثم يكون القول باحتمال الخطأ المادي بعيداً عن صحة الصواب.
ومن حيث إن الأحكام التي قررتها هذه المادة تعتبر أحكاماً خاصة فلا محل إذن بمقارنتها بالأحكام العامة وإعمال الأخيرة وهجر الأولى إذا تعارضت معها؛ إذ الخاص يقيد العام ولا عكس، وبخاصة إذا كان الحكم الخاص يستند في وجوده إلى قاعدة عامة هي عدم جواز الجمع بين المرتب والمعاش سواء اتحد المصدر أو اختلف كما هو الشأن في هذه الدعوى.
ومن حيث إن الشارع بإيراده حكم المادة 25 على هذا النحو لم يكن تعنيه وحدة المصدر أو اختلافها بقدر ما عناه حكم القاعدة العامة التي كانت سائدة في قوانين المعاشات المختلفة وقد ساير هذا الاتجاه وقرر حكم هذه القاعدة ومن شأن إعماله عدم الجمع بينهما سواء كان المصدر متحداً أم مختلفاً إذ رأى في أحدهما الكفاية وبه يضمن صاحبه وسيلة العيش في الحياة.
ومن حيث إن الحجة التي أوردها الحكم المطعون فيه المستمدة من نص المادة 56 من اللائحة الذي يقول "إذا استمر صاحب المعاش بعد عودته إلى الخدمة بصفة نهائية أو بصفة وقتية أو بصفة مستخدم خارج عن هيئة العمال على الاستيلاء على معاشه مع ماهية وظيفته يعزل من الخدمة وتسقط حقوقه في المعاش نهائياً. وكذلك الحكم فيما يختص بمستحقي المعاش عن صاحب المعاش أو الموظف أو المستخدم الذين يعينون في إحدى وظائف البلدية ويستمرون على الاستيلاء على معاشهم مع ماهية وظيفتهم" - لا يقدح في ذلك القول بأن المادة 25 يجب أن تقرأ على غرار المادة الأخيرة، إذ أن المادة 56 من قبيل ذكر الخاص بعد العام وليس في النصين من تعارض ولكل منهما مجال إعمال غير الآخر، فالمشرع لم يتحدث بصراحة في المادة 25 عن عودة صاحب المعاش أو من يتلقى الحق عنه إلى خدمة البلدية. ومن ثم رأى أن ينص في المادة 56 حسماً لكل خلاف وقطعاً لكل شك يثار عن حكم موظف البلدية السابق أو من تلقى الحق عنه إذا ما عاد إلى خدمتها بالذات واعتبر ذلك سبباً لقطع معاشه بل ولعزله، ومن ثم لا يستساغ القول بعد ذلك أن عبارة "في مصالح الحكومة" الواردة في المادة 25 خطأ والصواب "في وظائف البلدية" حتى تتطابق العبارتان في المادتين آنفتي الذكر، إذ في ذلك تحكم في عبارات المشرع وانحراف بما هدفه إلى غير ما استهدفه دون مقتضى يبرر ذلك.
ومن حيث إنه سبق القول بأن وحدة المصدر الذي يأخذ منه صاحب المرتب لم تكن تعني المشرع، ومن ثم يكون الاعتماد على وحدة المصدر للقول بعدم جواز الجمع وعلى اختلاف المصدر للقول بجواز الجمع بمفهوم المخالفة قولاً غير سديد، لأن مفهوم المخالفة أضعف طرق الدلالة على تعبير الشارع، ولأنه لا يساغ الاجتهاد وإعمال قواعد التفسير إذا كان النص صريحاً لا خفاء فيه.
ومن حيث إنه يبين من إجماع ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ومن ثم يكون خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن دعوى المدعية لا سند لها من القانون لما سلف من أسباب.
ومن حيث إن المدعية قد خسرت الدعوى فيتعين إلزامها بالمصروفات إعمالاً لنص المادة 357 مرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعية بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق