الصفحات

الاثنين، 25 سبتمبر 2023

الطعن 82 لسنة 4 ق جلسة 27 / 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 134 ص 1596

جلسة 27 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومحمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

------------------

(134)

القضية رقم 82 لسنة 4 القضائية

(أ) موظف - تعيينه تحت الاختبار 

- المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة - مجال تطبيق حكمها أن يكون الموظف معيناً لأول مرة.
(ب) موظف 

- إعادة تعيين موظف له مدة خدمة سابقة - لا تعتبر تعييناً جديداً - عدم سريان حكم المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة بشأن مدة الاختبار في حقه - مدة الخدمة السابقة التي قضاها الموظف - كفايتها لتقدير صلاحيته للوظيفة بما يغني عن وضعه تحت الاختبار.
(جـ) موظف - إعادة تعيين موظف 

- فصله من الخدمة خلال السنتين التاليتين لإعادة تعيينه بمقولة إنه لم يتم فترة الاختبار على وجه مرضٍ - مخالفة ذلك للقانون.

---------------
1 - إن المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن "يكون التعيين لأول مرة في أدنى الدرجات بوظائف الكادرين الفني العالي والإداري، ويكون التعيين في وظائف الكادر الفني المتوسط في الدرجتين السابعة والثامنة حسب الوظيفة المطلوب التعيين فيها، ويكون التعيين في وظائف الكادر الكتابي في وظائف الدرجتين الثامنة والتاسعة، وذلك مع عدم الإخلال بما جاء بالفقرة الأخيرة من المادة 40، ويكون التعيين في الوظائف المشار إليها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر، فإن لم يتم الموظف مدة الاختبار على ما يرام فصل من وظيفته". ومدة الاختبار هذه - على ما سبق أن قضت هذه المحكمة - هي فترة زمنية فعلية أراد الشارع أن يظل الموظف خلالها تحت رقابة الحكومة وإشرافها المباشر لإمكان الحكم على مدى صلاحيته للقيام بالعمل الحكومي المسند إليه بما يستتبعه من مسئوليات وما يتطلبه من استعداد وتأهيل خاصين لاتصاله بالمرافق العامة. ويؤكد ضرورة قضاء هذه المدة بصفة فعلية تحت رقابة الحكومة ما نصت عليه المادة 11 من المرسوم الصادر في 12 من يناير سنة 1953 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة من أن "يدون الرئيس المباشر ملاحظاته شهرياً على عمل الموظف المعين تحت الاختبار، وذلك على النموذج الذي يعده ديوان الموظفين، وتعرض هذه الملاحظات على الرئيس الأعلى للرئيس المباشر في نهاية مدة الاختبار ليضع تقريراً على النموذج سالف الذكر موضحاً به رأيه وأسانيده". ومقتضى هذا أن تعيين الموظف لا يكون في مدة الاختبار المنصوص عليها في المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 نهائياً باتاً، بل إن بقاءه في الوظيفة بعد تعيينه فيها يكون منوطاً بقضائه فترة الاختبار على ما يرام، أي أن موقف الموظف المعين تحت الاختبار هو موقف وظيفي معلق أثناء تلك الفترة؛ إذ لا يستقر وضعه القانوني في الوظيفة إلا بعد قضاء فترة التعليق وانحسام موقف الموظف بقرار من الجهة الإدارية من حيث الصلاحية للبقاء فيها أو عدمها. وليس من شك في أن هذا كله لا يكون إلا في حالة تعيين الموظف لأول مرة.
2 - إذا كان للموظف مدة خدمة سابقة تزيد على الفترة الزمنية المقررة للاختبار ثم أعيد تعيينه، فإن هذا التعيين لا يعتبر تعييناً جديداً في حكم المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة يستتبع وضع الموظف تحت الاختبار مرة أخرى؛ ذلك أن صلاحية الموظف في هذه الحالة للوظيفة قد ثبتت خلال فترة تعيينه الأول، ولم تعد الإدارة بعد ذلك في حاجة لوضعه تحت الاختبار مرة أخرى لتتبين صلاحيته للقيام بأعباء الوظيفة، ما دامت هذه الصلاحية قد ثبتت له فعلاً قبل ذلك. ومما يؤكد أن إعادة الموظف إلى الخدمة لا يعتبر تعييناً جديداً ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 21 من القانون المشار إليه من أن "يمنح الموظف عند التعيين أول مربوط الدرجة المقررة للوظيفة أو المربوط الثابت على الوجه الوارد بجدول الدرجات والمرتبات الملحق بهذا القانون..."، ثم ما نصت عليه المادة 24 من القانون المذكور من أنه "إذا كان للمعينين في الخدمة مدد عمل في الحكومة أو في الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة المشار إليها في المادة السابقة حسبت لهم هذه المدد كلها أو بعضها في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة وفقاً للشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين..."، وبين قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 أحكام وشروط ضم مدد الخدمة السابقة، وجاء بالبند الثاني من هذا القرار أن مدد الخدمة السابقة في الحكومة تحسب كاملة سواء كانت متصلة أو منفصلة، كما جاء بالبند الرابع منه "تقدر الدرجة والمرتب عند عمل حساب مدد الخدمة السابقة على أساس ما كان يستحقه الموظف من مرتب ودرجة في التاريخ الفرضي لبداية خدمته على أساس مؤهله العلمي وطبيعة الوظيفة في ذلك التاريخ وافتراض ترقيته كل خمس سنوات، من المدة المحسوبة"، ثم صدر بعد ذلك قرار رئيس الجمهورية في 20 من فبراير سنة 1958 في شأن حساب مدد العمل السابقة في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة، ناصاً في البند 1 من المادة الثانية منه على أن "مدد العمل السابقة في الحكومة أو في الأشخاص الإدارية العامة ذات الميزانيات المستقلة تحسب كاملة، سواء كانت متصلة أو منفصلة متى كانت قد قضيت في درجة معادلة للدرجة التي يعاد تعيين الموظف فيها وفي نفس الكادر". ولم يقيد قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 ولا القرار الجمهوري الصادر في 20 من فبراير سنة 1958 المشار إليهما حصول الضم بأي قيد خاص بفترة انقطاع الموظف عن عمله الحكومي، على خلاف قراري مجلس الوزراء الصادرين في 30 من يناير سنة 1944 و11 من مايو سنة 1947؛ إذ اشترط الأول ألا تزيد مدة ترك العمل على سنتين، واشترط الثاني ألا تزيد تلك المدة على خمس سنوات. وكشفت المذكرة الإيضاحية للقرار المذكور عن الحكمة من ضم مدد الخدمة السابقة، فذكرت "أنها تقوم على فكرة أساسية هي الإفادة من الخبرة التي يكتسبها المرشح خلال المدة التي يقضيها ممارساً لنشاط وظيفي أو مهني سابق على تعيينه بالحكومة أو إعادة تعيينه بها، تلك الخبرة التي ينعكس أثرها على وظيفته الجديدة، الأمر الذي يقتضي عدم إهدار هذه المدة عند تعيينه في الحكومة؛ ولذلك فقد أصدر مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 القواعد والشروط التي يجب على أساسها حساب تلك المدد". وهذه الخبرة التي يفترض الشارع أن المرشح للتعيين قد اكتسبها خلال فترة عمله السابق سواء في الحكومة أو خارجها تتنافى مع وضعه عند إعادة تعيينه في خدمة الحكومة تحت الاختبار؛ إذ افترض الشارع أن مدة الخدمة السابقة قد أكسبته الصلاحية اللازمة للتعيين، بما يغني بعد ذلك عن وضعه تحت الاختبار، ما دام المقصود من الاختبار هو التحقق من صلاحية الموظف للاضطلاع بمهام وظيفته.
3 - متى كانت إعادة المدعية إلى الخدمة لا تعتبر تعييناً جديداً يستتبع وضعها تحت الاختبار، بل استمراراً لخدمتها السابقة، فإنه لا يغير من ذلك ما نص عليه في قرار تعيينها من وضعها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر بالتطبيق لحكم المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ ومن ثم يكون قرار فصل المدعية من الخدمة استناداً إلى الفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون سالف الذكر قد صدر مخالفاً للقانون.


إجراءات الطعن

في 7 من يناير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 11 من ديسمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 258 لسنة 11 القضائية المرفوعة من درية أحمد رستم ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي "أولاً: بضم الدعوى المستعجلة إلى الدعوى الموضوعية. وثانياً: برفض الدعويين، وإلزام المدعية بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمة المدعية بالتطبيق لحكم المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951". وقد أعلن الطعن للحكومة في 14 من يناير سنة 1958، وللمدعية في 9 من فبراير سنة 1958، وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 9 من مايو سنة 1959 التي قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 30 من مايو سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 6 من ديسمبر سنة 1956 أقامت المدعية الدعوى رقم 258 لسنة 11 القضائية طالبة أولاً: الحكم بصفة مستعجلة باستمرار صرف مرتب المدعية مؤقتاً حتى يفصل في دعوى الموضوع. ثانياً: الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه، واعتباره كأن لم يكن، مع إلزام الوزارة بالمصروفات والأتعاب عن الطلبين. وقالت في بيان ذلك إنها عينت في 14 من أكتوبر سنة 1944 مدرسة للغة العربية بوزارة التربية والتعليم في الدرجة السادسة الفنية، وفي 13 من يوليه سنة 1956 أخطرت بصورة من القرار رقم 711 المؤرخ 5 من يوليه سنة 1956، وهو يقضي باعتبار خدمتها منتهية من تاريخ صدور هذا القرار عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951. وبني هذا القرار على أنها لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل، وأنها لا تحسن معاملة تلميذاتها ورؤسائها، وأنها مثل صارخ للادعاءات الباطلة والتحدي للقانون ولم يجد النصح فيها، ولما كانت هذه الأسباب في غير محلها ولا تمت إلى الحقيقة بصلة؛ نظراً لما هو ثابت من تقارير المفتشين المودعة ملف خدمتها ومن أوراق ملف خدمتها التي تثبت أنه لم يوجه إليها أي إنذار أو لفت نظر، وقد تظلمت المدعية من قرار فصلها في 5 من سبتمبر سنة 1956، ورفضت الوزارة هذا التظلم. من أجل هذا أقامت المدعية هذه الدعوى، يساندها في دعواها أن قرار الفصل صدر باطلاً لمخالفته للواقع وللخطأ في تطبيق المادة 112 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على واقعة الدعوى. وقد ردت الوزارة على الدعوى بأن فصل المدعية قد تم طبقاً للفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وهذا الفصل لا يعد فصلاً تأديبياً؛ ومن ثم لا يخضع للإجراءات التي يشترطها القانون لفصل الموظف بالطريق التأديبي، وأن تقرير صلاحية الموظف لشغل الوظيفة التي شرط القانون لشغلها استمرار الموظف تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر هو تقدير مما تترخص فيه جهة الإدارة بسلطة مطلقة غير محدودة إلا بقيد إحسان استعمال السلطة، وأن صلاحية الموظف هي حالة متغيرة، وتؤدي إلى أن ثبوت صلاحية الموظف للعمل في فترة سابقة على تاريخ إعادة تعيينه تحت الاختبار لا يعد دليلاً على قيام الصلاحية به في فترة الاختبار عندما يعاد تعيينه. وقد أصدرت المحكمة الإدارية العليا في 13 من إبريل سنة 1957 حكماً في الطعن رقم 1654 لسنة 2 القضائية تضمن هذه الأسس. وبجلسة 11 من ديسمبر سنة 1957 حكمت المحكمة "أولاً: بضم الدعوى المستعجلة إلى الدعوى الموضوعية. وثانياً: برفض الدعويين، وألزمت المدعية بالمصروفات". وقد أقامت المحكمة قضاءها على أنه بان لها من الأوراق أن المدعية التحقت بخدمة وزارة التربية والتعليم في 14 من أكتوبر سنة 1944 بوظيفة مدرسة بمرتب 12 جنيهاً في الدرجة السادسة، وأنها استقالت من الخدمة اعتباراً من ديسمبر سنة 1946، ثم أعيد تعيينها في 12 من أكتوبر سنة 1954 في الدرجة السادسة بماهية قدرها 15 جنيهاً شهرياً، واشترط في قرار التعيين أن يكون تعيينها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر، وأنه "في غضون شهر يونيه سنة 1956 صدر القرار الإداري رقم 41823، بتوقيع عقوبة الخصم من المرتب بما يساوي عشرة أيام من مرتبها مع نقلها إلى مدرسة أخرى، وجاء في أسباب ذلك القرار أنها إنما جوزيت لشذوذها وخروجها عن الحدود التي تقضي بها اللوائح والقوانين المعمول بها، وتمردها وعدم إطاعتها الأوامر"، وأن "وكيل الوزارة أصدر في 5 من يوليه سنة 1956 القرار الإداري رقم 711 بإنهاء خدمة المدعية، عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951" بسبب ما نسب إليها من أنها "لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل، ولا تحسن معاملة تلميذاتها ورؤسائها، فضلاً عن أنها مثل صارخ للادعاءات الباطلة والتحدي للقانون، ولم يجد النصح فيها". ثم تناولت المحكمة بحث مدى انطباق الفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على حالة المدعية بعد إعادتها إلى الخدمة، ووصف القرار الصادر في 10 من أكتوبر سنة 1954 "وهل هو يعتبر بمثابة تعيين جديد تنطبق في شأنه أحكام المادة 19 سالفة الذكر، أو ما هو في حقيقته إلا امتداد للخدمة السابقة للمدعية لا يجوز معه المساس بحقوقها المكتسبة"، فأشارت أولاً: إلى أن تعيين المدعية قد تم في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951، وأن التعيين كان في أدنى الدرجات بوظائف الكادرين الفني العالي والإداري، وأن الوزارة احتاطت ونصت بصريح العبارة على أن المدعية معينة تحت الاختبار، ثم قالت المحكمة بعد ذلك إنه يتعين لتطبيق الفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أن يكون التعيين لأول مرة، ولما كان "تعيين درية أحمد رستم بمقتضى القرار رقم 113 يعتبر تعييناً جديداً؛ ذلك أنه عندما أعيد تعيينها في 14 من أكتوبر سنة 1954 كان قد صدر قانون نظام موظفي الدولة، وأصبح من غير الجائز التمسك بقواعد أخرى ألغيت أو نسخت بصدوره، كما أصبح من غير الجائز كذلك التمسك بمركز قانوني خاص فقده الموظف بفقدان وظيفته السابقة نفسها" فإنه "ترتيباً على ما تقدم تكون علاقة درية أحمد رستم بالحكومة قد انقطعت بقبول الاستقالة المقدمة منها منذ أول ديسمبر سنة 1946 كما سلف بيانه بسبب زواجها ورغبتها المشروعة في التفرغ لشئون الزوجية"، وأنه "يتعين أن يراعى أيضاً أنه قد انقضى على ابتعاد المدعية عن الوسط التربوي والتعليمي فترة مديدة من الزمان تربو على ثماني سنوات طوال، تغيرت خلالها أحوال المدعية وحالتها الاجتماعية تغييراً جوهرياً بالزواج والانصراف للأمور المنزلية طيلة تلك المدة؛ الأمر الذي يستفاد منه أن الوزارة كانت على حق حين اعتبرت المدعية موظفة مستجدة من جميع الوجوه عند النظر في إعادة تعيينها، كما كانت الوزارة على حق أيضاً حين اشترطت لعودة المدعية إلى الخدمة وضعها تحت الاختبار، هذا علاوة على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أنه إذا كانت صلاحية الموظف تتخصص بالزمان وبنوع العمل المسند إليه فإن المرجع في تقدير هذه الصلاحية هو إلى الوقت الذي يتم فيه وزنها والحكم عليها دون اعتداد بما قد يكون أمرها في الماضي؛ لأن الصلاحية ليست صفة لازمة، بل قد تزايل صاحبها"، وأنه "متى استبان ذلك وتحددت القاعدة التي تنظم العلاقة الوظيفية بين المدعية والوزارة فإنه يتعين فحص الظروف والملابسات التي أحاطت بالقرار المطعون فيه لمعرفة مدى تعسف جهة الإدارة في استعمال سلطتها التقديرية، كقول المدعية، وهي بسبيل إصدار القرار رقم 117 المطعون فيه". وبعد أن استعرضت المحكمة ما نسب إلى المدعية ونتيجة التحقيق فيه انتهت إلى أن "القرار المطعون فيه يكون بهذه المثابة قد صدر ممن يملك الحق في إصداره، كما أن جهة الإدارة لم تنحرف ولم تتعسف في استعمال السلطة المخولة لها في تقدير صلاحية درية أحمد رستم للخدمة حسبما يستشف من أوراق الدعوى؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المستفاد من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أن الموظف لا يصح وضعه تحت الاختبار إلا عند تعيينه لأول مرة في خدمة الحكومة في الدرجة السادسة بإحدى وظائف الكادرين الفني العالي والإداري، أو إذا ما عين لأول مرة في إحدى وظائف الكادرين الفني المتوسط والكتابي، أما إذا كان للموظف خدمة سابقة في وظيفة معينة بالحكومة تقابلها درجة معينة في كادر معين وقضى فيها فترة كافية لاختباره وانتهت خدمته، ثم أعيد تعيينه في هذه الوظيفة نفسها بعد فترة ما، فإنه لا يمكن القول باعتباره معيناً تحت الاختبار؛ يدعم هذا النظر أن الحكمة المقصودة من وراء وضع الموظف المعين لأول مرة تحت الاختبار هي إفساح المجال للإدارة لتتبين خلال هذه الفترة مدى صلاحية الموظف للوظيفة المعين فيها، فإن ثبتت خلالها صلاحيته ثبت فيها، وإلا فصل منها، وهذه الحكمة لا تتوافر في حالة الموظف الذي سبق أن شغل ذات الوظيفة الحكومية التي أعيد تعيينه فيها وسبق أن أتم فيها مدة الاختبار على ما يرام. وبناء على ذلك لا يمكن اعتبار المدعية معينة لأول مرة في 14 من أكتوبر سنة 1954؛ ومن ثم لا تعتبر أنها معينة تحت الاختبار. ولا ينال من ذلك ما نص عليه في القرار الصادر بإعادتها إلى الخدمة من أن يكون تعيينها تحت الاختبار؛ لأنه من المسلم أن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تخضع للأحكام المقررة في القوانين واللوائح، وهذا من شأنه أن يجعل ما ورد بالقرار بصدد وضعها تحت الاختبار غير ذي أثر؛ لمخالفته حكم المادة 19 سالفة الذكر. كما لا يقدح في ذلك فوات مدة بين استقالة المدعية من الخدمة وبين إعادتها إليها؛ ذلك أن هذه المباعدة، أياً كانت، لا يمكن أن تمحو عن المدعية مدة خدمتها السابقة؛ بدليل أن قواعد ضم المدد التي تضمنها قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 لم تقيد حصول الضم بأي مدة على خلاف قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1944 الذي اشترط ألا تزيد مدة ترك العمل على سنتين، وقرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من مايو سنة 1947 الذي اشترط ألا تزيد هذه المدة على خمس سنوات. ويبين من كل ما تقدم أن قرار فصل المدعية، تطبيقاً للفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951، قد شابه خطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعية التحقت بخدمة وزارة التربية والتعليم في 14 من أكتوبر سنة 1944 بصفة مؤقتة بوظيفة مدرسة بمرتب 12 جنيهاً شهرياً بعقد ينتهي في نهاية العطلة الصيفية لسنة 1945، وفي نوفمبر سنة 1946 استقالت من الخدمة بسبب الزواج، ووافقت الوزارة على قبول استقالتها اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1946، ثم تقدمت في نوفمبر سنة 1953 بطلب إعادتها إلى الخدمة، فطلب بهذه المناسبة الإفادة عن التقارير المقدمة عنها خلال مدة خدمتها السابقة، فقرر السيد مفتش أول اللغة العربية بالوزارة بأن تقريرها الفني في السنة الأخيرة كان بدرجة جيد؛ وبناء على ذلك صدر القرار رقم 113 لسنة 1955 في 11 من أكتوبر سنة 1954 بإعادة تعيين المدعية في وظيفة مدرسة لغة عربية اعتباراً من 14 من أكتوبر سنة 1954 في الدرجة السادسة الفنية العالية الدائمة بماهية شهرية قدرها 15 جنيهاً، وعلى أن يكون تعيينها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر. وفي 19 من مارس 1956 تقدمت ناظرة المدرسة التي بها المدعية بشكوى إلى السيد كبير مفتشي اللغة العربية بالوزارة نسبت فيها إلى المدعية كثرة غيابها؛ مما سبب اضطراب العمل في فصولها وهبوط المستوى العلمي فيها، هذا إلى أنها - أي المدعية - تسيء معاملة الطالبات؛ مما دعا كثيراً من أولياء أمور الطالبات إلى الشكوى من سوء معاملة المدرسة لبناتهم، كما أنها لا تستجيب إلى ما تطلبه إدارة المدرسة منها، ولا تحضر اجتماعات رائدات الفصل، وأن صلتها بالمدرسة ليس فيها ما يدل على التعاون مطلقاً. وقد قام السيد مفتش أول اللغة العربية بسؤال المدعية عما نسب إليها وقدم مذكرة مؤرخة 12 من إبريل سنة 1956 قال فيها إنه بسؤال المدعية عما نسبته إليها الناظرة أجابت بالآتي: (1) أنها تغيبت لمرضها، ورأي الأطباء قاطع في الغياب للمرض. (2) اعترفت أنها كانت تتأخر بعض أيام الامتحانات للمرض. (3) ذكرت أيضاً أنها لم تقم بأعمال البطاقات الخاصة بالفترة؛ أنها مرهقة ومريضة ولا تستطيع القيام بأعمال البطاقات مضافة إلى عملها بالمدرسة. (4) نفت ما نسب إليها من عدم استجابتها لما تطلبه المدرسة وعدم حضورها الطابور ومن إساءتها معاملة طالباتها". واقترح المفتش الأول نقل المدعية إلى مدرسة أخرى في حركة مقبلة. وفي 28 من إبريل سنة 1956 تقدمت السيدة الناظرة بشكوى أخرى من سوء تصرف المدعية مع تلميذاتها وسوء معاملتها لهن وازدياد إهمالها، وأنها تأخرت عن إحدى الحصص، وبسؤالها في ذلك ردت على السيدة الناظرة رداً عنيفاً، كما أنها غير حريصة على مصلحة الطالبات. وطلبت الناظرة اتخاذ إجراء حاسم مع المدعية حتى لا تتحمل السيدة الناظرة سوء نتيجة الطالبات وما قد ينجم عن شكوى أولياء الأمور من سوء معاملتها للتلميذات، كما قدمت السيدة الناظرة شكوى أخرى في التاريخ نفسه أرفقت بها صوراً من خطابات وردت إليها من أولياء أمور بعض الطالبات بشأن سوء معاملة المدعية للطالبات، فأحيل الأمر إلى وكيلة التعليم الثانوي للبنات للنظر والعمل على إيجاد حل يحقق مصلحة العمل، وقد أجرت السيدة وكيلة التعليم الثانوي تحقيقاً فيما نسب إلى المدعية، ثم أعدت مذكرة بنتيجة التحقيق جاء فيها ما يلي: "استدعيت السيدة درية، وبسؤالها عن واقعة الضرب نفت الحادثة، كما هو ثابت في التحقيق المرافق. فاستدعيت التلميذة آمال محمد أحمد بحضورها، فقررت التلميذة أنها ضربتها ودونت أقوالها المرافقة، ولما أصرت السيدة درية على الادعاء بعدم ضربها توجهت معها للفصل، وبسؤال الطالبات قررن حدوث الضرب، وكان ذلك بحضورها، وعند مواجهتها بذلك اتهمت الناظرة بأنها هي المحرضة للتلميذة على الشكوى، وعند مواجهتها بالناظرة ثارت ثورة غير طبيعية وبحالة شاذة تدل على عدم اتزانها؛ إذ تفوهت بألفاظ جارحة لكل من الناظرة ومدرس أول اللغة العربية لا يمكن أن تصدر من شخص في حالة طبيعية يقدر المسئولية، وقامت بحالة عصبية شاذة وغادرت المكتب، وقد حاول المدرس الأول استبقاءها لاستيفاء التحقيق في باقي شكوى الناظرة، ولكنها أصرت على الخروج؛ لذا لم أستطع استجوابها عن باقي التهم الموجهة إليها، واكتفيت بالتحقيق فيما نسبته إليها ولية أمر التلميذة آمال محمد أحمد علي الجنيدي من ضربها لها، وبما أنه ثابت من التحقيق أنها اعتدت على التلميذة آمال محمد أحمد بالضرب بشهادة التلميذات، أرى مؤاخذتها على هذه المخالفة وعلى مغادرتها المكان بدون إذن ورفضها البقاء إلى أن تنتهي مهمة التحقيق في النقط الأخرى وعلى الألفاظ النابية التي وجهتها للناظرة والمدرس الأول بحضوري". وقد أشر السيد المدير العام للتعليم الثانوي بإعداد مذكرة "عن حالة هذه المدرسة في الخدمة بصفة عامة. وإذا كان سبق لها مخالفات تستوجب المؤاخذة حتى يمكن النظر في العقوبة المناسبة". وبعد أن أعددت مذكرة بما تضمنته شكاوى الناظرة صدر قرار في 6 من يونيه سنة 1956 بمجازاتها بخصم عشرة أيام من مرتبها ونقلها إلى مدرسة أخرى، واستند في ذلك إلى ما ظهر من التحقيق "من شذوذ هذه المدرسة وخروجها عن الحدود التي تقضي بها اللوائح والقوانين المعمول بها في الوزارة وتمردها وعدم إطاعتها الأوامر". هذا وقد تبين من جهة أخرى أنه في 21 من إبريل سنة 1956 قدمت المدعية شكوى إلى مدير عام منطقة الجيزة نسبت فيها إلى ناظرة المدرسة أنها تضطهدها، وفصلت في الشكوى أوجه هذا الاضطهاد، فأحيلت الشكوى إلى إحدى المفتشات لبحثها وتقديم بيان بجملة أيام تغيب الشاكية وتأخرها، وقد أعدت إدارة المستخدمين بياناً بإجازات المدعية يتضح منه أنها حصلت على: (أولاً) إجازة مرضية لمدة 15 يوماً من 23 من فبراير إلى 8 من مارس سنة 1956، (ثانياً) إجازة مرضية لمدة 63 يوماً من 7 من نوفمبر سنة 1955 إلى 18 من يناير سنة 1956؛ فيكون مجموع إجازاتها 78 يوماً. ثم أعدت ناظرة المدرسة مذكرة بشأن المدعية أعادت فيها ذكر ما سبق أن ورد بشكاويها السابقة، وقالت في ختامها "أعتقد أن المدرسة المذكورة لما وجدت أن الأستاذ المفتش الأول قام بتحقيق الأمور السابقة معها وتوقعت النتيجة لذلك أرادت أن تدعي أموراً لا صحة لها، وإلا فلماذا لم تتصل بالمنطقة قبل ذلك، وهل هناك أمر واحد يمكنها إثبات صحته، أعتقد أنه لو اتخذ معها إجراء حاسم سريع لما تمادت في هذا الحال، ولما كانت مثلاً سيئاً بين الزميلات"، ثم نشرت المدعية بعد ذلك في جريدة الأهرام شكواها من ناظرة المدرسة في مقال طويل، وقد أحيل المقال إلى أحد مفتشي التعليم الثانوي لبحثه، وأعد تقريراً جاء به أنه بان من التحريات أن شكوى المدرسة من نسج الخيال، وأشار إلى كثرة غيابها وسوء معاملتها للطالبات، ثم قال "ويبدو لي أن هذه السيدة أرادت أن تصنع لها شهرة جوفاء، فاعتلت منبر (زكيبة البريد) وصرخت فوقه هذه الصرخة المتصنعة لتلفت الزملاء والرؤساء إليها..."، وانتهى إلى أن التحقيق مع المدعية كان كاملاً شاملاً عادلاً. وقد أشر مدير منطقة الجيزة على تقرير السيد المفتش بإحالته إلى الإدارة العامة للتعليم الثانوي رجاء نقل هذه المعلمة إلى منطقة أخرى. وقد قدمت السيدة الناظرة شكوى في 9 من يونيه سنة 1956 إلى السيد مدير عام التعليم الثانوي تضمنت أن المدعية لا تذعن لأية تعليمات حتى الواردة من الوزراء، وأنها امتنعت عن حضور طابور الصباح بلا سبب، كما امتنعت عن حضور الاجتماعات التي عقدت لرائدات الفصول، وأنها تثور بلا مبرر كلما طلب إليها أداء أي عمل، وأن مواظبتها سيئة، وأن التلميذات هن ضحايا سوء مواظبتها. وقد أعدت السيدة وكيلة المدير العام للتعليم الثانوي مذكرة مفصلة "بشأن عدم صلاحية السيدة درية أحمد رستم للعمل" رفعتها إلى السيد المدير العام الذي رفعها بدوره إلى السيد وكيل الوزارة بتأشيرة جاء بها أن "هذه المدرسة معينة في 14 من أكتوبر سنة 1954 تحت الاختبار، وبما أن أحوالها وسلوكها قد ساء، ولم تجد النصيحة فيها، فاقترح فصلها تنفيذاً للفقرة الثالثة من المادة 19 من قانون الموظفين". وبناء على ذلك صدر القرار رقم 711 في 5 من يوليه سنة 1956، وهو يقضي بأنه "اعتباراً من تاريخ صدور هذا القرار تنتهي خدمة السيدة درية أحمد رستم المدرسة بمدرسة مصر القديمة الثانوية للبنات عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951".
ومن حيث إن مثار هذه المنازعة هو ما إذا كانت إعادة المدعية إلى الخدمة في 14 من أكتوبر سنة 1954 يعتبر تعييناً جديداً؛ ومن ثم يعتبر أنها معينة تحت الاختبار، أم أن إعادتها إلى الخدمة هي امتداد لخدمتها السابقة؛ ومن ثم لا وجه لوضعها تحت الاختبار.
ومن حيث إن المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تنص على أن "يكون التعيين لأول مرة في أدنى الدرجات بوظائف الكادرين الفني العالي والإداري، ويكون التعيين في وظائف الكادر الفني المتوسط في الدرجتين السابعة والثامنة حسب الوظيفة المطلوب التعيين فيها، ويكون التعيين في وظائف الكادر الكتابي في وظائف الدرجتين الثامنة والتاسعة، وذلك مع عدم الإخلال بما جاء بالفقرة الأخيرة من المادة 40، ويكون التعيين في الوظائف المشار إليها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر، فإن لم يتم الموظف مدة الاختبار على ما يرام فصل من وظيفته". ومدة الاختبار هذه - على ما سبق أن قضت هذه المحكمة - هي فترة زمنية فعلية أراد الشارع أن يظل الموظف خلالها تحت رقابة الحكومة وإشرافها المباشر لإمكان الحكم على مدى صلاحيته للقيام بالعمل الحكومي المسند إليه بما يستتبعه من مسئوليات وما يتطلبه من استعداد وتأهيل خاصين لاتصاله بالمرافق العامة. ويؤكد ضرورة قضاء هذه المدة بصفة فعلية تحت رقابة الحكومة ما نصت عليه المادة 11 من المرسوم الصادر في 12 من يناير سنة 1953 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة من أن "يدون الرئيس المباشر ملاحظاته شهرياً على عمل الموظف المعين تحت الاختبار، وذلك على النموذج الذي يعده ديوان الموظفين، وتعرض هذه الملاحظات على الرئيس الأعلى للرئيس المباشر في نهاية مدة الاختبار ليضع تقريراً على النموذج سالف الذكر موضحاً به رأيه وأسانيده". ومقتضى هذا أن تعيين الموظف في هذه الحالة لا يكون نهائياً باتاً، بل إن بقاءه في الوظيفة بعد تعيينه فيها يكون منوطاً بقضائه فترة الاختبار على ما يرام، أي أن موقف الموظف المعين تحت الاختبار هو موقف وظيفي معلق أثناء تلك الفترة؛ إذ لا يستقر وضعه القانوني في الوظيفة إلا بعد قضاء فترة التعليق وانحسام موقف الموظف بقرار من الجهة الإدارية من حيث الصلاحية للبقاء فيها أو عدمها. وليس من شك في أن هذا كله لا يكون إلا في حالة تعيين الموظف لأول مرة، أما إذا كان للموظف مدة خدمة سابقة تزيد على الفترة الزمنية المقررة للاختبار ثم أعيد تعيينه، فإن هذا التعيين لا يعتبر تعييناً جديداً في حكم المادة 19 سالفة الذكر يستتبع وضع الموظف تحت الاختبار مرة أخرى؛ ذلك أن صلاحية الموظف في هذه الحالة للوظيفة قد ثبتت خلال فترة تعيينه الأول، ولم تعد الإدارة بعد ذلك في حاجة لوضعه تحت الاختبار مرة أخرى لتتبين صلاحيته للقيام بأعباء الوظيفة، ما دامت هذه الصلاحية قد ثبتت له فعلاً قبل ذلك.
ومن حيث إنه مما يؤكد أن إعادة الموظف إلى الخدمة لا يعتبر تعييناً جديداً ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 21 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة من أن "يمنح الموظف عند التعيين أول مربوط الدرجة المقررة للوظيفة أو المربوط الثابت على الوجه الوارد بجدول الدرجات والمرتبات الملحق بهذا القانون..."، ثم ما نصت عليه المادة 24 من القانون المذكور من أنه "إذا كان للمعينين في الخدمة مدد عمل في الحكومة أو في الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة المشار إليها في المادة السابقة حسبت لهم هذه المدد كلها أو بعضها في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة وفقاً للشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين..."، وبين قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 أحكام وشروط ضم مدد الخدمة السابقة، وجاء بالبند الثاني من هذا القرار أن مدد الخدمة السابقة في الحكومة تحسب كاملة، سواء كانت متصلة أو منفصلة، كما جاء بالبند الرابع منه "تقدر الدرجة والمرتب عند عمل حساب مدد الخدمة السابقة على أساس ما كان يستحقه الموظف من مرتب ودرجة في التاريخ الفرضي لبداية خدمته على أساس مؤهله العلمي وطبيعة الوظيفة في ذلك التاريخ وافتراض ترقيته كل خمس سنوات من المدة المحسوبة"، ثم صدر بعد ذلك قرار رئيس الجمهورية في 20 من فبراير سنة 1958 في شأن حساب مدد العمل السابقة في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة، ناصاً في البند (1) من المادة الثانية منه على أن "مدد العمل السابقة في الحكومة أو في الأشخاص الإدارية العامة ذات الميزانيات المستقلة تحسب كاملة، سواء كانت متصلة أو منفصلة، متى كانت قد قضيت في درجة معادلة للدرجة التي يعاد تعيين الموظف فيها وفي نفس الكادر"، ولم يقيد قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 ولا القرار الجمهوري الصادر في 20 من فبراير سنة 1958 حصول الضم بأي قيد خاص بفترة انقطاع الموظف عن عمله الحكومي على خلاف قراري مجلس الوزراء الصادرين في 30 من يناير سنة 1944 و11 من مايو سنة 1947؛ إذ اشترط الأول ألا تزيد مدة ترك العمل على سنتين، واشترط الثاني ألا تزيد تلك المدة على خمس سنوات. وكشفت المذكرة الإيضاحية للقرار المذكور عن الحكمة من ضم مدد الخدمة السابقة، فذكرت "أنها تقوم على فكرة أساسية هي الإفادة من الخبرة التي يكتسبها المرشح خلال المدة التي يقضيها ممارساً لنشاط وظيفي أو مهني سابق على تعيينه بالحكومة أو إعادة تعيينه بها، تلك الخبرة التي ينعكس أثرها على وظيفته الجديدة، الأمر الذي يقتضي عدم إهدار هذه المدة عند تعيينه في الحكومة؛ ولذلك فقد أصدر مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 القواعد والشروط التي يجب على أساسها حساب تلك المدد". وهذه الخبرة التي يفترض الشارع أن المرشح للتعيين قد اكتسبها خلال فترة عمله السابق، سواء في الحكومة أو في خارجها تتنافى مع وضعه عند إعادة تعيينه في خدمة الحكومة تحت الاختبار؛ إذ افترض الشارع أن مدة الخدمة السابقة قد أكسبته الصلاحية اللازمة للتعيين بما يغني بعد ذلك عن وضعه تحت الاختبار، ما دام المقصود من الاختبار هو التحقق من صلاحية الموظف للاضطلاع بمهام وظيفته.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعية عينت مدرسة بوزارة التربية والتعليم في 14 من أكتوبر سنة 1944، ثم استقالت من الخدمة في نوفمبر سنة 1946، أي أنها قضت في الخدمة أكثر من سنتين، وهما أقصى مدة الاختبار، ثم أعيد تعيينها في 14 من أكتوبر سنة 1954؛ وهي بهذه المثابة ممن ينطبق عليهم أحكام قرار 17 من ديسمبر سنة 1952 وقرار 20 من فبراير سنة 1958. وقد بان من الأوراق أيضاً أنه عندما التمست المدعية إعادتها إلى الخدمة في نوفمبر سنة 1953 تأشر على الطلب بالإفادة عن تقاريرها السابقة، فقرر مفتش أول اللغة العربية بأنها قدرت في السنة الأخيرة بدرجة جيد؛ ومن ثم أعيد تعيينها، وفي هذا ما يشعر بأن الوزارة ترى أن إعادة المدعية إلى الخدمة ليس تعييناً جديداً، بل استمراراً لخدمتها السابقة؛ ولذلك طلبت تقاريرها السابقة.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم لا تعتبر إعادة المدعية إلى الخدمة في أكتوبر سنة 1954 تعييناً جديداً يستتبع وضعها تحت الاختبار، بل استمراراً لخدمتها السابقة، ولا يغير من ذلك ما نص عليه في قرار تعيينها من وضعها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر بالتطبيق لحكم المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة.
ومن حيث إنه لذلك يكون قرار فصل المدعية من الخدمة استناداً إلى الفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد صدر مخالفاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه، والحالة هذه، قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله حقيقاً بالإلغاء، على أن هذا لا يؤثر على حق الوزارة في إعادة النظر إدارياً فيما نسب إلى المدعية وتقرير ما تراه في شأنها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الصادر في 5 من يوليه سنة 1956 بإنهاء خدمة المدعية، وألزمت الحكومة بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق