الصفحات

الأربعاء، 2 أغسطس 2023

الطعن 717 لسنة 12 ق جلسة 3 / 6 / 1972 إدارية عليا مكتب فني 17 ج 2 ق 75 ص 506

جلسة 3 من يونيه سنة 1972

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوي رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة حسين عوض بريقي ومحمد صلاح الدين السعيد ويحيى توفيق الجارحي وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

------------------

(75)

القضية رقم 717 لسنة 12 القضائية

(أ) جمعيات خيرية "مؤسسات اجتماعية".
القانون رقم 49 لسنة 1945 الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية نصه على أن تعد جمعية خيرية كل جماعة من الأفراد تسعى إلى تحقيق غرض من أغراض البر - مفهوم ذلك أن يخضع لأحكام هذا القانون كل نشاط يسعى إلى تحقيق غرض من أغراض البر في مصر يستقيم في ذلك أن تكون الجمعية التي تباشر نشاطها في مصر مصرية أو تكون فرعاً أو وكالة أو مندوبية لشخص اعتباري أجنبي - لا يحول دون ذلك نص المادة 11 من القانون المدني - أساس ذلك ومثال المندوبية العامة للصليب الأحمر الفرنسي في مصر.
(ب) جمعيات خيرية "حل الجمعية" - حراسة.
التزام الجمعيات القائمة وقت صدور القانون رقم 384 لسنة 1956 بتعديل نظامها وطلب شهرها طبقاً لأحكام هذا القانون - جواز حل الجمعية إذا أخلت بهذا الالتزام - لا يغير من ذلك فرض الحراسة على أموال الجمعية.
(ج) جمعيات خيرية "حل الجمعية".
اختصاص الجهة التي أصدرت قرار حل الجمعية بتوجيه أموالها إلى الوجهة التي حددها القانون - العبرة بالأموال المملوكة للجمعية دون الأموال المملوكة للغير والتي تحوزها الجمعية - بيان ذلك.

---------------------
1 - إن القانون رقم 49 لسنة 1945 الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية والتبرع للوجوه الخيرية وقد قضى بأن تعد جمعية خيرية كل جماعة من الأفراد تسعى إلى تحقيق غرض من أغراض البر وبأن تعد مؤسسة اجتماعية كل مؤسسة تنشأ بمال يجمع كله أو بعضه من الجمهور سواء كانت هذه المؤسسة تقوم بأداء خدمة إنسانية دينية أو علمية أو فنية أو صناعية أو زراعية أم بأي غرض أخر من أغراض البر أو النفع العام، وأوجب أن يكون لكل جمعية خيرية أو مؤسسة اجتماعية مقر في مصر وأن تسجل الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية القائمة عند صدور القانون خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به وإلا حق للجهات المختصة طلب حلها، فإنه يكون بذلك قد أخضع كل نشاط يسعى إلى تحقيق غرض من أغراض البر في مصر لأحكام القانون المشار إليه، واعتبره بحكم القانون جمعية خيرية أو مؤسسة اجتماعية حسب الأحوال، وأوجب تشكيلها وتسجيلها طبقاً لأحكام هذا القانون حتى تثبت لها الشخصية الاعتبارية، وإلا فقد حق حلها، ويستوي في ذلك أن تكون الجمعية الخيرية أو المؤسسة الاجتماعية التي تباشر أغراضها في مصر مصرية أو فرعاً أو وكالة أو مندوبيه لشخص اعتباري أجنبي على ما يبين من أحكام القانون على الوجه السالف البيان ولاتخاذ العلة التي حدت بالمشرع إلى التدخل في تنظيم حق تكوين الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية وكيفية استعمال هذا الحق وتنظيم مراقبة الجهات الحكومية المختصة لها صوناً للنظام العام والسهر على الأمن العام ومراقبة الآداب العامة في البلاد.
ومن حيث إن المندوبية العامة للصليب الأحمر الفرنسي في مصر على ما يبين من لائحتها الداخلية لا تعدو أن تكون جمعية خيرية في حكم القانون رقم 49 لسنة 1945 المشار إليه الذي سجلت طبقاً لأحكامه في مصر باعتبارها جماعة من الأفراد تسعى لتحقيق غرض من أغراض البر هو مساعدة المعوزين من الفرنسيين والمصريين، ولم تدع الجمعية أنه صدر بتنظيمها قانون أو مرسوم أو اتفاق دولي يبرر عدم خضوعها لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 المذكور. وإذ وافقت جمعية الصليب الأحمر الفرنسي في فرنسا على تسجيل مندوبيتها المذكورة في مصر تطبيقاً لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 أثر صدوره على ما أبداه الدفاع عن الجمعية المدعية، فإن هذه المندوبية تكون قد اكتسبت الشخصية الاعتبارية باعتبارها جمعية خيرية وفقاً للقانون المذكور وتخضع لأحكامه، وتستقل شخصيتها بذلك عن شخصية الصليب الأحمر الفرنسي بفرنسا ولا يقدح في ذلك ما انطوت عليه اللائحة الداخلية لهذه المندوبية من اعتبارها وكيلة الصليب الأحمر الفرنسي بفرنسا ذلك أنه فضلاً عن أن المشرع اعتبرها - على ما سلف بيانه - شخصاً اعتبارياً خاضعاً لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 المذكور فإن اللائحة المذكورة قد نصت على أنه يكون مقر المندوبية في مصر وأن تؤدي رسالتها بمراعاة القوانين المصرية وأن يحدد نشاطها الصليب الأحمر في مصر بموافقة وزارة الشئون الاجتماعية، بما يؤكد خضوع هذه المندوبية لأحكام القوانين المصرية.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك، فإنه لا تكون ثمة حجة في الاستناد إلى نص الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون المدني للقول بعدم خضوع المندوبية المشار إليها لأحكام القانون المصري وخضوعها بمقولة أنها تابعة لشخص اعتباري أجنبي لأحكام القانون الفرنسي، لا حجة في ذلك لأن هذه الفقرة وقد نصت على أنه "أما النظام القانوني للأشخاص الاعتبارية الأجنبية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها فيسري عليه قانون الدولة التي اتخذت فيها هذه الأشخاص مركز إدارتها الرئيسي في مصر..." فإنها لا تعني إلا تحديد القانون الواجب التطبيق على الشخص الاعتباري الأجنبي طبقاً لقاعدة الإسناد المصرية، دون وضع معيار الصفة المصرية أو الأجنبية للشخص الاعتباري من حيث مدى تمتعه بالحقوق في مصر، أما هذه الصفة فإنها تحدد وفقاً للقواعد القانونية التي تحكم الأشخاص الاعتبارية، ومؤدى القانون رقم 49 لسنة 1945 اعتبار المندوبية المذكورة على ما سلف ذكره شخصاً اعتبارياً مصرياً خاضعاً لأحكامه.
2 - إن المندوبية المذكورة إذ كانت قائمة عند صدور القانون رقم 384 لسنة 1956 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة الذي حل محل القانون الأول، فإنه كان من المتعين أن يتم تعديل نظامها وطلب شهرها بالتطبيق لأحكام القانون الجديد خلال سنة من تاريخ العمل به وإلا جاز حلها بقرار من السلطة المختصة عملاً بنص المادة الثانية من مواد إصدار هذا القانون. وإذ قعدت المندوبية عن اتخاذ ما قضت به المادة المذكورة، فإن قرار حلها يكون قد قام على أساس سليم من القانون. ولا اعتداد بما أبداه الدفاع عن الجمعية المدعية من أن نشاط المندوبية توقف منذ أول نوفمبر سنة 1956 بسبب وضع أموالها تحت الحراسة باعتبارها من أموال الرعايا الفرنسيين وفقاً لأحكام الأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 384 لسنة 1956 المذكور، ذلك أن وضع الحراسة على أموال المندوبية ما كان ليحول قانوناً بين القائمين عليها وبين المطالبة بتعديل نظامها وطلب شهرها وفقاً لأحكام القانون.
3 - خول القانون رقم 384 لسنة 1956 في المادتين 38 و39 منه الجهة التي أصدرت قرار حل الجمعية الخيرية سلطة تعيين مصف لها وتوجيه أموالها الباقية إلى الوجهة التي حددها القانون، وإذ نص القانون على الجهة التي أصدرت قرار حل الجمعية بصفة عامة، فإنه لا يسوغ القول بتخصيص هذه الجهة بالجهات القضائية التي خولها القانون سلطة الحل في بعض الحالات دون الجهات الإدارية صاحبة الحق في حل الجمعيات الخيرية في الحالات الأخرى كما هو الشأن في المنازعة الماثلة ويكون القرار المطعون فيه فيما قضى به من أيلولة أموال المندوبية إلى جمعية الهلال الأحمر باعتبار أن نشاطها أقرب إلى غرض المندوبية قد صدر صحيحاً بالنسبة لاختصاص مصدره به وبالنسبة للجهة التي وجهت إليها أموال المندوبية.
وإنه وإن كان للجهة الإدارية الحق في تقرير أيلولة أموال المندوبية إلى جمعية الصليب الأحمر. غير أن هذا الحق مقصور على ما تملكه المندوبية المذكورة ويعتبر من مكونات ذمتها المالية، أما الأموال الأخرى المملوكة للغير والتي تضع المندوبية يدها عليها فلا تعتبر من مكونات ذمتها المالية وبالتالي لا تملك الجهة الإدارية المساس بها أو التصرف فيها.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن جمعية الصليب الأحمر الفرنسية أقامت الدعوى رقم 1310 لسنة 17 القضائية ضد السادة/ وزير الشئون الاجتماعية ومحافظ القاهرة والحارس العام على أموال الرعايا الفرنسيين بصفتهم، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 28 من أبريل سنة 1963 طلبت فيها الحكم بإلغاء قرار السيد محافظ القاهرة رقم 1241 المنشور بالجريدة الرسمية في 8 من نوفمبر سنة 1962 الصادر، عملاً بالتفويض المعطى له من المدعى عليه الأول، بحل جمعية الصليب الأحمر الفرنساوي، وأيلولة أموالها إلى جمعية الهلال الأحمر للجمهورية العربية المتحدة، مع إلزام المدعى عليهم متضامنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقالت الجمعية المدعية بياناً لدعواها أنها جمعية ذات نفع عام أسست بموجب القانون الفرنسي الصادر في 7 من أغسطس سنة 1940 ومركزها بباريس بفرنسا، ولا تمارس نشاطها الرئيسي بمصر حسب مفهوم المادة 11 من القانون المدني المصري، وأنه لم يكن لها في مصر إلا مندوب، وبناء على ذلك لا تخضع هذه الجمعية إلا لأحكام القانون الفرنسي باعتباره قانون الدولة التي اتخذت فيها مركز إدارتها والذي أنشئت بموجبه. ويتعين الاعتراف بوجود الشخصية الاعتبارية لها بمصر وعدم المساس بها عملاً بأحكام الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون المدني المصري وأضافت المدعية أنه مع التسليم بتطبيق القانون رقم 384 لسنة 1956 في شأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة، على المؤسسات الأجنبية التي ليس لها مركز رئيسي بمصر فإن جمعية الصليب الأحمر لم تقم بأي نشاط في مصر بعد تاريخ العمل بهذا القانون في 3 من نوفمبر سنة 1956 نظراً لأنه تقرر وضع أموالها تحت الحراسة بموجب الأمر العسكري رقم 5 الصادر في أول نوفمبر سنة 1956، ولا يمكن أن تضار الجمعية لتخلفها عن اتخاذ إجراء لم تكن تملك أو بمقدورها أن تتخذه. وإذا كان القانون المذكور قد أوجب على الجمعيات والمؤسسات الخاصة القائمة وقت العمل به تعديل نظامها وطلب شهره وفقاً لأحكامه خلال سنة من تاريخ العمل به وإلا جاز حلها، إلا أنه لم يخول للإدارة حق التصرف في أموالها إلا في حالات الحل الصادر به قرار من القضاء طبقاً لحكم المادتين 36، 39 من هذا القانون. وأجابت الجهة الإدارية بأن جمعية الصليب الأحمر الفرنساوي التي صدر في شأنها القرار المطعون فيه جمعية مسجلة في مصر تحت رقم 393 طبقاً لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 في شأن تنظيم الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية، وهذه الجمعية طبقاً لنظامها ذات شخصية معنوية مستقلة ومقرها بمدينة القاهرة ومستقلة عن جمعية الصليب الأحمر بفرنسا، وبالتالي فإنها تخضع للقوانين المصرية. وعقبت الجمعية المدعية بأنه كان لها في مصر مندوبية أو توكيل تدير بواسطته مستوصفات في الإسكندرية والقاهرة وبور سعيد والإسماعيلية والسويس وعقارات أخرى تبرع بها بعض الرعايا الفرنسيين بالطريق القانوني إلى الجمعية الفرنسية المدعية وليس لتوكيلها في مصر. وحين صدر القانون رقم 49 لسنة 1945 رؤي بالاتفاق مع وزارة الشئون الاجتماعية وجمعية الصليب الأحمر الفرنسي وجمعية الهلال الأحمر المصري أن يسجل هذا التوكيل باعتباره مجرد توكيل للجمعية الفرنسية يدير ما تملكه الجمعية الفرنسية في مصر من مستوصفات وعقارات وأموال سائلة ومنقولات مملوكة لها هي وليست مملوكة لهذا التوكيل الذي لا يعمل إلا باسمها ولحسابها في الدائرة الضيقة التي رسمها له رئيس الجمعية الفرنسية. وعلى هذا الأساس وضعت هذه الأموال عقب العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956 تحت الحراسة باعتبارها مملوكة لجمعية فرنسية وذلك قبل صدور القرار المطعون فيه ونعت الجمعية هذا القرار الاستيلاء على ممتلكاتها في مصر باعتبارها ملكية لأجنبي يتعين احترامها وعدم نزعها إلا بالطريق القانوني ومقابل دفع قيمتها.
وبجلسة أول فبراير سنة 1966 قضت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعية المصروفات وأقامت قضاءها على أن الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون المدني المصري ينصرف حكمها إلى الأحكام الموضوعية التي يطبق بشأنها القانون الأجنبي الذي يتبعه الشخص المعنوي الأجنبي، أما إجراءات العلانية ورقابة السلطة العامة على الأشخاص المعنوية الأجنبية ووضع قيود على مزاولة نشاطها فإنها تخضع للقانون المصري وهذا القانون رقم 384 لسنة 1956 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة حماية للنظام العام وحتى لا تخرج هذه الجمعيات عن الأهداف التي أنشئت من أجلها. ولما كانت الجمعية المدعية مسجلة تحت رقم 393 طبقاً لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 وكانت بذلك قائمة وقت العمل بالقانون رقم 384 لسنة 1956 المذكور فكان يتعين عليها أن تتخذ إجراءات الشهر في الميعاد الذي حدده القانون الأخير وإذ لم تتخذ هذا الإجراء فإن القرار الصادر بحلها وأيلولة أموالها إلى جمعية الهلال الأحمر يكون مطابقاً للقانون. وما كان وضع الجمعية المدعية تحت الحراسة ليحول دون اتخاذها إجراءات الشهر المذكورة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الجمعية المدعية وهي جمعية الصليب الأحمر الفرنسية بباريس لم ترفع دعواها لتحصل على الحق في ممارسة النشاط الخيري في مصر وهي لا تريد أن تمارس هذا النشاط على أية صورة كانت، وإنما رفعت دعواها لتحمي ملكيتها للعقارات المملوكة لها في مصر والمبينة بحافظة مستنداتها والتي كانت مملوكة لاتحاد نساء فرنسا وآلت ملكيتها إلى الجمعية المدعية بعد أن اندمج الاتحاد المذكور بطريق الاتفاق في الجمعية المدعية وصدر بهذا الاندماج القرار المؤرخ في 22 من يوليو سنة 1944 بالتطبيق للقانون الفرنسي الرقيم 7 أغسطس سنة 1940 ولم تنقل ملكية هذه العقارات قط بأي سبب من أسباب نقل الملكية من اتحاد نساء فرنسا أو من جمعية الصليب الأحمر الباريسية إلى مندوبية الصليب الأحمر في مصر بفرض أن هذه المندوبية لها ذمة مستقلة أو شخصية معنوية قائمة بذاتها، وإنما عهد إلى هذه المندوبية طبقاً لنظامها المسجل بإدارة هذه العقارات وتحصيل ريعها فقط. وعقب الدفاع عن الحكومة أن جمعية الصليب الأحمر بباريس وقد خصصت - على ما تقول الجمعية الطاعنة - العقارات التي أشارت إليها لمباشرة نشاطها في مصر فإن ذلك يتضمن اتفاقاً على رصد هذه الأموال لخدمة جمعية الصليب الأحمر في مصر، وتكون بذلك قد تنازلت عنها بحسبان أن قيام الشخصية الاعتبارية لجمعية الصليب الأحمر في مصر يستلزم وجود ذمة مالية مستقلة عن الأصيل.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على القانون رقم 49 لسنة 1945 الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية والتبرع للوجوه الخيرية، الذي سجلت المندوبية العامة للصليب الأحمر الفرنسي في القطر المصري في ظله وطبقاً لأحكامه تحت رقم 393، أنه قد نص في المادة الأولى منه على أن تعد جمعية خيرية كل جماعة من الأفراد تسعى إلى تحقيق غرض من أغراض البر... ويشترط في جميع الأحوال ألا تكون أغراض الجمعية الخيرية أو المؤسسة الاجتماعية ووسائلها في تحقيق هذه الأغراض مخالفة للنظام العام أو الأمن العام أو الآداب العامة وأشارت المادة الثانية إلى أنه لا تثبت الشخصية المعنوية للجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية القائمة عند صدور هذا القانون أو التي تنشأ بعد صدوره إلا إذا شكلت وسجلت طبقاً لأحكامه وذلك مع عدم الإخلال بالحقوق المخولة للجمعيات والمؤسسات المنظمة بقوانين أو مراسيم أو اتفاقات دولية. وقضت المادة الرابعة بأن يكون لكل جمعية خيرية أو مؤسسة اجتماعية مقر في مصر وأن تتضمن لائحة النظام الأساسي لكل منها اسم الهيئة ومحلها وأسماء الأعضاء والأغراض التي أنشئت من أجلها وشروط العضوية واشتراكات الأعضاء وما إلى ذلك. وخولت المادة 19 وزير الشئون الاجتماعية حق حل الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية القائمة عند صدور هذا القانون إذا لم تتقدم بطلب التسجيل خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به.
ومن حيث إن المشرع وقد قضى بأن تعد جمعية خيرية كل جماعة من الأفراد تسعى إلى تحقيق غرض من أغراض البر وبأن تعد مؤسسة اجتماعية كل مؤسسة تنشأ بمال يجمع كله أو بعضه من الجمهور سواء كانت هذه المؤسسة تقوم بأداء خدمة إنسانية أو دينية أو علمية أو فنية أو صناعية أو زراعية أم بأي غرض أخر من أغراض البر أو النفع العام، وأوجب أن يكون لكل جمعية خيرية أو مؤسسة اجتماعية مقر في مصر وأن تسجل الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية القائمة عند صدور القانون خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به وإلا حق للجهات المختصة طلب حلها، فإنه يكون بذلك قد أخضع كل نشاط يسعى إلى تحقيق غرض من أغراض البر في مصر لأحكام القانون المشار إليه، واعتبره بحكم القانون جمعية خيرية أو مؤسسة اجتماعية حسب الأحوال، وأوجب تشكيلها وتسجيلها طبقاً لأحكام هذا القانون حتى تثبت لها الشخصية الاعتبارية، وإلا فقد حق حلها، ويستوي في ذلك أن تكون الجمعية الخيرية أو المؤسسة الاجتماعية التي تباشر أغراضها في مصر مصرية أو فرعاً أو وكالة أو مندوبية لشخص اعتباري أجنبي على ما يبين من أحكام القانون على الوجه السالف البيان ولاتحاد العلة التي حدت بالمشرع إلى التدخل في تنظيم حق تكوين الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية وكيفية استعمال هذا الحق وتنظيم مراقبة الجهات الحكومية المختصة لها صوناً للنظام العام والسهر على الأمن العام ومراقبة الآداب في البلاد.
ومن حيث إن المندوبية العامة للصليب الأحمر الفرنسي في مصر على ما يبين من لائحتها الداخلية لا تعدو أن تكون جمعية خيرية في حكم القانون رقم 49 لسنة 1945 المشار إليه الذي سجلت طبقاً لأحكامه في مصر، باعتبارها جماعة من الأفراد تسعى لتحقيق غرض من أغراض البر هو مساعدة المعوزين من الفرنسيين والمصريين، ولم تدع الجمعية أنه صدر بتنظيمها قانون أو مرسوم أو أتفاق دولي يبرر عدم خضوعها لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 المذكور. وإذ وافقت جمعية الصليب الأحمر الفرنسي في فرنسا على تسجيل مندوبيتها المذكورة في مصر تطبيقاً لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 أثر صدوره على ما أبداه الدفاع عن الجمعية المدعية، فإن هذه المندوبية تكون قد اكتسبت الشخصية الاعتبارية باعتبارها جمعية خيرية وفقاً للقانون المذكور وتخضع لأحكامه، وتستقل شخصيتها بذلك عن شخصية الصليب الأحمر الفرنسي بفرنسا ولا يقدح في ذلك ما انطوت عليه اللائحة الداخلية لهذه المندوبية من اعتبارها وكيلة الصليب الأحمر الفرنسي بفرنسا ذلك أنه فضلاً عن أن المشرع اعتبرها - على ما سلف بيانه. شخصاً اعتبارياً خاضعاً لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 المذكور، فإن اللائحة المذكورة قد نصت على أن يكون مقر المندوبية في مصر وأن تؤدي رسالتها بمراعاة القوانين المصرية وأن يحدد نشاط الصليب الأحمر في مصر بموافقة وزارة الشئون الاجتماعية، بما يؤكد خضوع هذه المندوبية لأحكام القوانين المصرية.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك، فإنه لا تكون ثمة حجة في الاستناد إلى نص الفقرة الثانية من المادة 11 من القانوني المدني للقول بعدم خضوع المندوبية المشار إليها لأحكام القانون المصري وخضوعها بمقولة أنها تابعة لشخص اعتباري أجنبي لأحكام القانون الفرنسي، لا حجة في ذلك لأن هذه الفقرة وقد نصت على أنه "أما النظام القانوني للأشخاص الاعتبارية الأجنبية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها فيسري عليه قانون الدولة التي اتخذت فيها هذه الأشخاص مركز إدارتها الرئيسي في مصر..." فإنها لا تعني إلا تحديد القانون الواجب التطبيق على الشخص الاعتباري الأجنبي وفقاً لقاعدة الإسناد المصرية، دون وضع معيار الصفة المصرية أو الأجنبية للشخص الاعتباري من حيث مدى تمتعه بالحقوق في مصر، أما هذه الصفة فإنها تتحدد وفقاً للقواعد القانونية التي تحكم الأشخاص الاعتبارية، ومؤدى القانون رقم 49 لسنة 1945 اعتبار المندوبية المذكورة على ما سلف ذكره شخصاً اعتبارياً مصرياً خاضعاً لأحكامه.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم تكون المندوبية المذكورة جمعية خيرية في حكم القانون رقم 49 لسنة 1945، وإذ كانت قائمة عند صدور القانون رقم 384 لسنة 1956 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة الذي حل محل القانون الأول، فإنه كان من المتعين أن يتم تعديل نظامها وطلب شهرها بالتطبيق لأحكام القانون الجديد خلال سنة من تاريخ العمل به وإلا جاز حلها بقرار من السلطة المختصة عملاً بنص المادة الثانية من مواد إصدار هذا القانون. وإذ قعدت المندوبية عن اتخاذ ما قضت به المادة المذكورة، فإن قرار حلها يكون قد قام على أساس سليم من القانون. ولا اعتداد بما أبداه الدفاع عن الجمعية المدعية من أن نشاط المندوبية توقف منذ أول نوفمبر سنة 1956 بسبب وضع أموالها تحت الحراسة باعتبارها من أموال الرعايا الفرنسيين وفقاً لأحكام الأمر العسكري رقم 5 لسنة 1956 قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 384 لسنة 1956 المذكور، ذلك أن وضع الحراسة على أموال المندوبية ما كان ليحول قانوناً بين القائمين عليها وبين المطالبة بتعديل نظامها وطلب شهرها وفقاً لأحكام القانون.
ومن حيث إنه عن الشق من القرار المطعون فيه الخاص بأيلولة أموال هذه المندوبية إلى جمعية الهلال الأحمر المصري، فقد خول القانون رقم 384 لسنة 1956 في المادتين 38، 39 منه الجهة التي أصدرت قرار حل الجمعية الخيرية سلطة تعيين مصف لها وتوجيه أموالها الباقية إلى الوجهة التي حددها القانون، وإذ نص القانون على الجهة التي أصدرت قرار حل الجمعية بصيغة عامة، فإنه لا يسوغ القول بتخصيص هذه الجهة بالجهات القضائية التي خولها القانون سلطة الحل في بعض الحالات دون الجهات الإدارية صاحبة الحق في حل الجمعيات الخيرية في الحالات الأخرى كما هو الشأن في المنازعة الماثلة ويكون القرار المطعون فيما قضى به من أيلولة أموال المندوبية إلى جمعية الهلال الأحمر باعتبار أن نشاطها أقرب إلى غرض المندوبية، قد صدر صحيحاً بالنسبة لاختصاص مصدره به وبالنسبة للجهة التي وجهت إليها أموال المندوبية.
ومن حيث إنه بالنسبة للمنازعة التي تثيرها الطاعنة في شأن الأموال التي تناولها القرار المطعون فيه، فإنه وإن كان للجهة الإدارية الحق في تقرير أيلولة أموال المندوبية إلى جمعية الصليب الأحمر، غير أن هذا الحق مقصور على ما تملكه المندوبية المذكورة ويعتبر من مكونات ذمتها المالية، أما الأموال الأخرى المملوكة للغير والتي تضع المندوبية يدها عليها فلا تعتبر من مكونات ذمتها المالية وبالتالي لا تملك الجهة الإدارية المساس بها أو التصرف فيها. فإذا تضمن القرار أموالاً ثبت أنها مملوكة للغير، فإن القرار يكون مخالفاً للقانون بالنسبة لها.
ومن حيث إن الجمعية المدعية وقد أعلنت أنها لا تبغي من دعواها الحصول على حق ممارسة النشاط الخيري في مصر، وإنما تهدف على ما هو مستفاد من طلباتها إلى إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من أيلولة العقارات المملوكة لها التي كانت قد عهدت بإدارتها - باسمها ولحسابها - إلى المندوبية المذكورة دون أن تنقل إليها ملكية هذه العقارات وقد حددت الجمعية المدعية هذه العقارات بأنها:
1 - فيلا فردان المقامة على قطعة أرض مساحتها 5352 متراً مربعاً بشارع فؤاد الأول رقم 394 برمل الإسكندرية.
2 - فيلا مقامة على أرض مساحتها 662 متراً مربعاً بشارع فؤاد الأول بالإسكندرية.
3 - مجموعة من أربع فيلات بالإسكندرية بشارع فيكتوريا رقم 2، 2 مكرر و 4، 4 مكرر.
4 - ملكية زراعية كائنة بناحية الصرح مساحتها 70 فدان تقريباً.
ومن ثم فإن مقطع النزاع ينحصر في تحديد مالك هذه العقارات، فإذا كانت مملوكة للمندوبية كان القرار مطابقاً للقانون، أما إذا كانت مملوكة للجمعية المدعية فإن القرار يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن اللائحة الداخلية للمندوبية المذكورة المسجلة طبقاً لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1945 المشار إليه تحت رقم 393 قد نصت في البند السادس منها على أن تتكون موارد المندوبية ولجانها المحلية في مصر من اشتراكات الأعضاء ومن إعانات المركز الرئيسي بفرنسا ونص البند السابع على أن المندوبية لها السلطة لتتسلم أموال الصليب الأحمر الفرنسي والاشتراكات والتبرعات المالية والعينية لاستثمارها في الطرق المشروعة ومفهوم هذين النصين أن المندوبية وقد اعتبرت في حكم القانون جمعية خيرية لها الشخصية الاعتبارية وذمة مالية مستقلة، فإن اشتراكات الأعضاء والمعونات والتبرعات تدخل في ذمتها المالية وتعتبر من أموالها المخصصة للقيام بأغراضها، وبالتالي فلا جدال في مشروعية توجيهها إلى جمعية الهلال الأحمر. أما أموال الصليب الأحمر الفرنسي بفرنسا والتي لم تنتقل ملكيتها إلى المندوبية على أي وجه من الوجوه كالبيع أو الهبة، فإنها تظل على ملكية الجمعية المذكورة، ولا يجوز من ثم التصرف فيها باعتبارها من أموال المندوبية.
ومن حيث إنه عن الفيلات والأرض الزراعية آنف الإشارة إليها وهي مثار المنازعة فالثابت من الاطلاع على الصورة الرسمية للمحضر الرسمي المسجل في باريس (قلم التوثيق التاسع) في 12 من ديسمبر سنة 1955 والمصدق عليه من وزارة خارجية مصر برقم 14206 في 13 من أبريل سنة 1971، والتي تقدم بها الدفاع عن الجمعية المدعية دون ثمة إنكار من جانب الحكومة، أن اتحاد نساء فرنسا أندمج بطريق الاتفاق في جمعية الصليب الأحمر الفرنسي بباريس في 22 من يوليه سنة 1940 وانتقلت أموال هذا الاتحاد كلها بما فيها العقارات محل النزاع إلى جمعية الصليب الأحمر الفرنسي بباريس، وصدر بهذا الاندماج قرار في 22 من يوليه سنة 1944 بالتطبيق للقانون الفرنسي الرقيم 7 من أغسطس سنة 1940 الذي أيد بعد انتهاء احتلال فرنسا بالأمر رقم 450833 الصادر في 27 من أبريل سنة 1945. ولما كان الأمر كذلك وكان الثابت من الأوراق أن هذه العقارات لم تنتقل ملكيتها إلى مندوبية الصليب الأحمر الفرنسي في مصر، وإنما سلمت إليها طبقاً لنص البند السابع من لائحتها الداخلية المشار إليه لاستثمارها. فإن مفاد ذلك أن الجمعية الفرنسية المدعية احتفظت لنفسها بملكية هذه العقارات واكتفت في هذا الشأن بتخصيص ريعها لأغراض المندوبية طالما بقيت المندوبية قائمة بنشاطها فإذا انتهى هذا النشاط بحل المندوبية كما هو الشأن في الحالة الماثلة عادت العقارات إلى الأصيل وعاد إليه تبعاً لذلك الحق في استثمارها والحصول على ريعها اعتباراً من تاريخ الحل، وبناء عليه فإن ريع هذه العقارات إلى تاريخ حلها هو الذي يدخل في الذمة المالية للمندوبية باعتباره من الأموال المخصصة للصرف منها على أغراضها دون العقارات المذكورة التي ظلت على ملكية الجمعية المدعية. ويساند هذا النظر أن المندوبية المذكورة كانت في نظر الجمعية المدعية على ما جاء بالبند الرابع من اللائحة الداخلية للمندوبية مجرد وكيله عن الصليب الأحمر الفرنسي بباريس، بما لا يسوغ معه القول بأن الأصيل هدف إلى نقل ملكية أمواله هذه أو التنازل عنها إلى وكيله. وبالبناء على ذلك فإنه ما كان يجوز قانوناً توجيه عقارات الجمعية المدعية إلى جمعية الهلال الأحمر في مصر باعتبارها من أموال المندوبية ويكون القرار المطعون فيه والأمر كذلك قد خالف حكم القانون في هذا الشق منه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر فإنه يكون واجب التعديل وذلك بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من توجيه العقارات - التي سلمتها جمعية الصليب الأحمر الفرنسي بباريس إلى المندوبية لاستثمارها - إلى جمعية الهلال الأحمر المصري، وذلك كله دون مساس بما قد يكون قد اتخذ من إجراءات حيال أموال الجمعية المدعية في مصر باعتبارها من الرعايا الفرنسيين، أو ما يجدر اتخاذه إزاءها قانوناً باعتبارها من الجمعيات الأجنبية التي لا يجوز لها - على سبيل المثال - تملك الأراضي الزراعية، ورفض الطعن فيما عدا ذلك، مع إلزام الجهة الإدارية كامل المصروفات باعتبار أنها هي التي ألجأت الجمعية المدعية إلى سلوك طريق التقاضي لاستخلاص حقوقها.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من أيلولة العقارات مثار المنازعة إلى جمعية الهلال الأحمر، ورفض الطعن فيما عدا ذلك وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق