الصفحات

الجمعة، 25 أغسطس 2023

الطعن 397 لسنة 49 ق جلسة 13 / 2 / 1985 مكتب فني 36 ج 1 ق 59 ص 265

جلسة 13 من فبراير سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ محمود عثمان درويش نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد إبراهيم خليل، عبد المنصف هاشم، أحمد شلبي ومحمد عبد الحميد سند.

-----------------

(59)
الطعن رقم 397 لسنة 49 القضائية

(1- 3) أهلية "عوارض الأهلية: السفه "الحجر للسفه". محكمة الموضوع.
(1) السفه. ماهيته. تبذير المال وإتلافه فيما لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضاً صحيحاً. ضوابطه.
(2) إبطال تصرف السفيه قبل تسجيل قرار الحجر. شرطه أن يكون نتيجة استغلال أو تواطؤ. تقديرهما من سلطة محكمة الموضوع.
(3) قرار الحجر للسفه، ينتج أثره من تاريخ صدوره. انسحابه على التصرفات السابقة عليه إذا حصلت بطريق الاستغلال أو التواطؤ.

-----------------
1 - السفه هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تبذير المال وإتلافه فيما لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضاً صحيحاً، ومن ضوابطه أنه خفة تعتري الإنسان فتحمله على إنفاق المال وإتلافه على غير ما يقتضيه العقل والشرع.
2 - يكفي وفقاً للفقرة الثانية من المادة 115 من القانون المدني لإبطال التصرف الصادر من السفيه قبل تسجيل قرار الحجر أن يكون نتيجة استغلال أو تواطؤ والمقصود بالاستغلال أن يعلم الغير بسفه شخص فيستغل هذه الحالة ويستصدر منه تصرفات لا تتعادل فيها التزاماته مع ما يحصل عليه من فائدة، وتقدير ما إذا كانت الفائدة التي حصل عليها السفيه من التصرف الذي أصدره قبل تسجيل قرار الحجر تتعادل مع التزاماته أو لا تتعادل هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع.
3 - قرار الحجر للسفه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس له أثر إلا من تاريخ صدوره ولا ينسحب على التصرفات السابقة عليه ما لم تكن قد حصلت بطريق الاستغلال أو التواطؤ.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1808 سنة 1972 مدني جنوب القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليه الثاني بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقدي البيع المؤرخين 4/ 11/ 1970 و10/ 11/ 1971، وقال بياناً للدعوى إنه اشترى بموجب كل منهما من المطعون عليه المذكور حصة قدرها ثلاثة قراريط مشاعاً في العقار المبين بالأوراق لقاء ثمن مقداره 3450 ج للحصة موضوع العقد الأول و1610 ج للحصة موضوع العقد الثاني، غير أن البائع لم يقم بتسليمه المستندات الدالة على الملكية فأقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. طلبت المطعون عليهن من الثالثة إلى السادسة قبول تدخلهن في الدعوى وطلبن الحكم برفضها. وبتاريخ 15/ 12/ 1972 حكمت المحكمة بقبول التدخل وبندب مكتب خبراء وزارة العدل بالقاهرة لبيان ما إذا كان القدر المبيع يدخل في ملكية البائع أم أنه مملوك للمتدخلات. اختصمت المطعون عليها الأولى في الدعوى بوصفها قيمة على زوجها المطعون عليه الثاني لتوقيع الحجر عليه بتاريخ 2/ 6/ 1974 ودفعت ببطلان عقدي البيع سالفي الذكر لإيرادهما نتيجة استغلال من الطاعن، وبتاريخ 26/ 2/ 1976 أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن الطاعن حال إبرامه عقدي البيع كان يعلم بسفه البائع له، وبعد سماع أقوال الشهود حكمت المحكمة بتاريخ 28/ 2/ 1977 برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1820 سنة 94 ق مدني، وبتاريخ 28/ 12/ 1978 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالثلاثة الأولى منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن إقرار المطعون عليها الأولى بأن زوجها المطعون عليه الثاني أنفق المال الذي حصل عليه من الطاعن بمناسبة تزويج بناته الثلاث - يفيد عدم قيام حالة السفه، وبأن التصرفين الصادرين إليه كانا بأكثر من ثمن المثل الوارد بالعقد المسجل بتاريخ 26/ 4/ 1974 بشأن عقار مجاور للعقار سالف الذكر و بالعقدين المؤرخين 17/ 11/ 1963 و6/ 8/ 1966، وبأنه لا محل للأخذ بتقدير الخبير المنتدب من لجنة القسمة لأنه يراعي في هذا التقدير صالح الخزانة العامة، وبأن عقدي البيع موضوع النزاع تما علانية ولم يصدرا نتيجة استغلال للمطعون عليه الثاني وقد وقع شقيق البائع كشاهد على عقد البيع الأول كما وقع شاهد للمطعون عليها الأولى على العقد الثاني ووقعت المطعون عليها المذكورة على العقدين، غير أن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفاع على سند من القول بأنها أنكرت توقيعها على العقد الثاني، وأن هذا التوقيع يخالف توقيعها على العقد الأول الذي شهد شاهد بأن زوجها المطعون عليه الثاني أكرهها على التوقيع عليه دون أن يبين الحكم وسيلة الإكراه، واستخلص الحكم قيام حالة السفه من إسراف المطعون عليه الثاني في تعاطي الخمر حتى يغيب عن وعيه فضلاً عن حاجته الدائمة إلى المال لإنفاقه في ملذاته، ومن القضاء بإبطال عقد البيع المؤرخ 2/ 6/ 1966 الصادر من المطعون عليه الثاني إلى آخرين رغم أن المطعون عليها الأولى لم تطلب توقيع الحجر على زوجها إلا بعد مضي عدة سنوات من تاريخ إبرام ذلك العقد، فيكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن السفه هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تبذير المال وإتلافه فيما لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضاً صحيحاً، ومن ضوابطه أنه خفة تعتري الإنسان فتحمله على إنفاق المال وإتلافه على غير ما يقتضيه العقل والشرع، ويكفي وفقاً للفقرة الثانية من المادة 115 من القانون المدني لإبطال التصرف الصادر من السفيه قبل تسجيل قرار الحجر أن يكون نتيجة استغلال أو تواطؤ والمقصود بالاستغلال أن يعلم الغير بسفه شخص فيستغل هذه الحالة ويستصدر منه تصرفات لا تتعادل فيها التزاماته مع ما يحصل عليه من فائدة، وتقدير ما إذا كانت الفائدة التي حصل عليها السفيه من التصرف الذي أصدره قبل تسجيل قرار الحجر تتعادل مع التزاماته أو لا تتعادل هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع، لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع قد خلصت في حدود سلطتها في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها وما اطمأنت إليه من أقوال الشهود إلى قيام حالة السفه لدى المطعون عليه الثاني وعلم الطاعن بذلك واستغلاله له، وأقامت قضاءها على ما يكفي لحمله وأوردت في أسبابه كثرة احتساء المطعون عليه المذكور الخمر حتى يغيب عن وعيه وأنه كان في حاجة دائمة إلى المال لينفقه على ملذاته وأنه لم يكن يتورع عن التوقيع على أية ورقة في سبيل الحصول على المال، وقد اشتهر عنه ذلك، وأنه سبق أن تصرف إلى آخر في جزء من العقار محل النزاع بعقد مؤرخ 2/ 6/ 1966 وقضى برفض الدعوى رقم 2717 سنة 1973 مدني جنوب القاهرة الابتدائية التي أقيمت بطلب الحكم بصحة ونفاذ ذلك العقد استناداً إلى أن المشتري كان يعلم بسفه البائع واستغل تلك الحالة وما عرف عنه من طيش بين وهوى جامح، هذا إلى تردد المطعون عليه الثاني الدائم على صيدلية الطاعن التي تقع بالعقار سالف الذكر وحصول البيع موضوع العقد المؤرخ 4/ 11/ 1970 بسعر المتر المربع 15 ج في حين أن المستفاد من الشهادة الرسمية الصادرة من لجنة القسمة بوزارة الأوقاف أن الخبير المنتدب في المادة 374 سنة 1963 - قدر ثمن المتر المربع من العقار المبيع في سنة 1965 بمبلغ 45 ج، وحصول البيع الثاني موضوع العقد المؤرخ 10/ 11/ 1971 بسعر المتر المربع من ذات العقار سبعة جنيهات، لما كان ما تقدم وكان بحسب محكمة الموضوع أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب تكفي لحمله ولا عليها بعد ذلك أن تتبع كل حجة للخصوم وترد عليها استقلالاً طالما أن في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها - الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها، وهذا النعي لا يعدو أن يكون في حقيقته جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض، ومن ثم يكون هذا النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بسقوط الحق في الدفع بإبطال عقدي البيع محل النزاع لأن المطعون عليه الثاني أبرم هذين العقدين معه قبل توقيع الحجر عليه بتاريخ 2/ 6/ 1974 ولم تبد زوجته المطعون عليها الأولى الدفع إلا بتاريخ 26/ 1/ 1976 بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على تحرير العقدين المذكورين، وأن التقادم المنصوص عليه في المادة 140 من القانون المدني لا يرد عليه الوقف، غير أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع على سند من القول بأن مدة الثلاث سنوات سالفة الذكر تبدأ في حالة نقص الأهلية من تاريخ زوال سببها أو إذا انقضت خمس عشرة سنة من تاريخ التصرف وأن حالة الحجر ما زالت قائمة بالتصرف، فيكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن قرار الحجر للسفه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس له أثر إلا من تاريخ صدوره ولا ينسحب على التصرفات السابقة عليه ما لم تكن قد حصلت بطريق الاستغلال أو التواطؤ, لما كان ذلك وكانت محكمة الموضوع قد خلصت - وعلى ما سلف البيان في الرد على الأسباب السابقة - في حدود سلطتها في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها إلى أن الطاعن كان يعلم بسفه المطعون عليه الثاني وأنه استغل حالته هذه وحصل على عقدي البيع موضوع النزاع وأقامت قضاءها على ما يكفي لحمله، فإن قرار الحجر الصادر بعد إبرام العقدين سالفي الذكر ينسحب عليهما ولا تبدأ مدة سقوط الحق في إبطالهما وفقاً للمادة 140 من القانون المدني إلا من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب، لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون هذا النعي في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق