الصفحات

الجمعة، 2 يونيو 2023

الطعن 270 لسنة 36 ق جلسة 19 / 1 / 1971 مكتب فني 22 ج 1 ق 14 ص 71

جلسة 19 من يناير سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، ومحمد أسعد محمود.

-----------------

(14)
الطعن رقم 270 لسنة 36 القضائية

(أ) أهلية. "تصرف المجنون أو المعتوه". عقد. "إبطال العقد" بطلان. "بطلان التصرفات".
التفرقة بين تصرفات المجنون أو المعتوه في الفترة السابقة على صدور قرار الحجر والفترة التالية له. قرار الحجر قرينة على انعدام أهلية المجنون أو المعتوه. تسجيل ذلك القرار قرينة على علم الغير بذلك. عدم صدور قرار بتوقيع الحجر على المجنون أو المعتوه لا يعني بذاته أن تصرفاته صحيحة. ثبوت علم المتصرف إليه بحالة الجنون أو العته للتمييز لحظة إبرام التصرف. كاف لإبطاله ولو كان صادراً قبل توقيع الحجر وتسجيل قراره.
(ب) محكمة الموضوع. "تقدير حالة العته". نقض "أسباب الطعن". "مسائل الواقع". أهلية.
تقدير حالة العته لدى أحد المتعاقدين مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى. لا معقب من محكمة النقض على القاضي في ذلك متى كان استخلاصه سائغاً.
(ج) أهلية "عوارض الأهلية". "العته". حكم. "عيوب التدليل" "فساد الاستدلال". "ما لا يعد كذلك". إثبات.
التزام مديري المستشفيات والمصحات والأطباء المعالجين بإبلاغ النيابة العامة عن حالات فقد الأهلية الناشئة عن عاهة عقلية وفقاً للقانون. إجراء تنظيمي واجب الإتباع قبل توقيع الحجر. يترتب على مخالفته جزاء جنائي. وليس من شأنه التزام طريق معين لإثبات حالة العته. اعتماد الحكم في إثبات حالة العته على شهادة طبية وما قرره الشهود دون اعتداد بعدم حصول التبليغ المشار إليه. لا فساد.
(د) حكم "حجية الحكم". "التناقض". أهلية.
إحالة الحكم المطعون فيه إلى حكم الإحالة إلى التحقيق في صدد بيان وقائع الدعوى وحدها. عدم اشتمال الحكم المحال إليه على قضاء قطعي له حجية في أي شق من النزاع. أو مناقشة لأدلة الدعوى ومدى كفايتها في الإثبات. استناد الحكم المطعون فيه - من بعد - إلى الأدلة المقدمة أمام محكمة أول درجة. لا تناقض.
(هـ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. أهلية. "عوارض الأهلية". "العته".
سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل من كافة أوراق الدعوى. لا تثريب عليها إن هي استعانت في شأن التدليل على قيام حالة العته وقت صدور التصرف بأقوال الشهود في التحقيق الذي أجرته في شأن صدور التصرف حال مرض موت البائعة.
(و) نقض. "أسباب الطعن". "أسباب يخالطها واقع". أهلية.
السبب القائم على واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. مثال في أهلية.

----------------
1 - إنه وإن كانت المادة 114 من القانون المدني قد واجهت حالة الحجر وصدور قرار به، وفرقت بين الفترة السابقة على صدور قرار الحجر والفترة التالية له، وأقامت من قرار الحجر قرينة قانونية على انعدام أهلية المجنون أو المعتوه. ومن تسجيل ذلك القرار قرينة قانونية على علم الغير بذلك، إلا أنه ليس معنى ذلك أن المجنون أو المعتوه الذي لم يصدر قرار بتوقيع الحجر عليه لسبب لآخر تعتبر تصرفاته صحيحة، إذ الأصل أنه يجب أن يصدر التصرف عن إرادة سليمة، وإلا انهار ركن من أركان التصرف بما يمكن معه الطعن عليه ببطلانه إذا ما ثبت علم المتصرف إليه بحالة الجنون أو العته المعدم للتمييز لحظة إبرام التصرف أخذاً بأن الإرادة تعتبر ركناً من أركان التصرف القانوني.
2 - تقدير حالة العته لدى أحد المتعاقدين هو مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى. فلا يخضع فيه القاضي لرقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه في ذلك سائغاً.
3 - إنه وإن كانت المادة 980 من قانون المرافعات المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 1951 والسارية وقت رفع الدعوى. والتي حلت محل المادة 64 من القانون رقم 99 لسنة 1947 تضع على عاتق مديري المستشفيات والمصحات والأطباء المعالجين إبلاغ النيابة العامة عن حالات فقد الأهلية الناشئة عن عاهة عقلية، إلا أن المشرع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة (1) - لم يقصد بتلك المادة التزام طريق معين لإثبات قيام حالة العته، وإنما استهدف فيها مجرد إجراءات تنظيمية واجبة الإتباع قبل توقيع الحجر، ورتب على مخالفتها جزاء جنائياً نص عليه في المادة 982 من ذات القانون. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استند إلى الشهادة الطبية باعتبارها ورقة صادرة من أحد الفنيين، ومؤيدة بما جرى على لسان الشهود من أن المورثة قد امتدت بها الحياة حتى تجاوزت التسعين من عمرها، وأنها كانت مصابة بعته شيخوخي. وكان من حق المحكمة أن تعتد على هذا الأساس بهذه الشهادة ما دامت قد اطمأنت إليها بما لها من سلطة تامة في تقدير الدليل، فإن ما يثيره الطاعنون من عدم صحة هذه الشهادة أو إهدار قيمتها لعدم اتخاذ الإجراءات المشار إليها لا ينطوي على فساد في الاستدلال.
4 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد أحال إلى حكم الإحالة إلى التحقيق الصادر من نفس المحكمة في صدد بيان وقائع الدعوى وحدها، ولا يفهم منه أنه اعتمد على ذلك الحكم في غير ما أحال عليه صراحة. وكان البادي من الحكم المحال إليه أنه لم يتضمن قضاءً قطعياً له حجيته في أي شق من النزاع، كما أنه لم يناقش الأدلة المقدمة في الدعوى ولا مدى كفايتها في الإثبات، بل استبقى الفصل في الموضوع برمته لحين الانتهاء من تحقيق ثبوت صدور العقد في مرض الموت، دون أن يورد أية إشارة تنم عن قضائه في ثبوت حالة العته لدى المورثة، مما لا يمكن القول بأن حكم الإحالة إلى التحقيق انتهى إلى أن الدعوى بحالتها لا تؤدي إلى إجابة المطعون عليهن إلى طلباتهن، أو أن الشهادة الطبية المقدمة غير صالحة بذاتها لإثبات حالة العته، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالتناقض في هذا الخصوص يكون غير سديد.
5 - إذ كان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير الدليل من كافة الأوراق المقدمة في الدعوى بحيث يكون لها أن تقضي في موضوعها بما تراه حقاً وعدلاً، فإنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه إذا هو استعان في شأن التدليل على قيام حالة العته وقت صدور التصرف بأقوال شهود المطعون عليهن أمام محكمة الاستئناف في التحقيق الذي أجرته في شأن صدور التصرف حال مرض موت البائعة، اعتباراً بأن ما حصله الحكم من هذه الأقوال قرينة تساند الأدلة الأخرى التي أوردها.
6 - إذا كان الطاعن لم يقدم ما يدل على أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن علم المشتري بعته البائع لا ينصرف إليه باعتباره دائناً مرتهناً حسن النية وهو دفاع يخالطه واقع، فإن النعي بهذا السبب لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليهن أقمن الدعوى رقم 1579 لسنة 1962 مدني أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد الطاعنين، وقلن بياناً لها إن المرحومة نعيمه علي عويس مورثة طرفي الخصومة كانت تمتلك العقار الموضح الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى، وإذ أصيبت بحالة عته أضعف قواها العقلية لكبر سنها فقد تقدمن في 8 من مايو 1960 بطلب إعفائهن من رسوم دعوى حجر عليها، غير أن المنية عاجلتها قبل إتمام إجراءاته، وقد كانت تقيم حال حياتها مع ولدها مورث الطاعنين الأربعة الأولين الذي استغل حالتها المرضية ووقع بختمها على عقد يحمل تاريخ 25 ديسمبر 1958 وضمنه بيعها له العقار سالف الذكر لقاء ثمن قدره 1500 جنيه، ثم أقام على والدته بوصفها البائعة له الدعوى رقم 2810 لسنة 1960 مدني كلي القاهرة طالباً الحكم بصحة ذلك العقد وقضى له بطلباته وسجل الحكم الصادر فيها، وإذ كان هذا العقد صورياً قصد به حرمانهن من الميراث علاوة على صدوره من المورثة وهي في حالة عته، وتواطأ المشتري مع الطاعن الأخير على تحرير عقد رهن تأميني على العقار المبيع بمبلغ 500 جنيه في 9 أكتوبر 1961، فقد طلبن الحكم بإبطال عقد البيع المشار إليه وبطلان جميع ما ترتب عليه من إجراءات بما في حكم دعوى صحة التعاقد المسجل وعقد الرهن الموثق. ومحكمة أول درجة حكمت في 29 من يناير 1963 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليهن أن البائعة كانت مصابة بالعته عند صدور عقد البيع وأن ذلك العته كان شائعاً بين الناس، وأن المشتري كان على بينة من أمرها عند التعاقد، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت المحكمة في 30 من إبريل 1963 برفض الدعوى. استأنفت المطعون عليهن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1459 لسنة 80 ق وأضفن إلى طلباتهن احتياطياً اعتبار العقد وصية لصدوره في مرض موت البائعة، ومحكمة الاستئناف حكمت في 29 من مايو 1965 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليهن أن عقد البيع المتنازع عليه صدر من المورثة في مرض موتها وأنها ظلت واضعة اليد على العين المبيعة حتى وفاتها، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت في 19 من مارس 1966 بإلغاء الحكم المستأنف وبإجابة المطعون عليهن إلى طلباتهن، طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أسباب ستة ينعى الطاعنون بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم أسس قضاءه ببطلان العقد الصادر إلى مورث الطاعنين الأربعة الأولين على أن المورثة البائعة كانت في حالة عته وأن المشتري كان على علم بقيام هذه الحالة بوالدته وقت صدور التصرف إليه وفق المادة 114 من القانون المدني، مع أن الفقرة الثانية من تلك المادة توجب لإمكان تطبيقها وجود قرار بالحجر وإن لم يكن قد سجل عند حصول التصرف، وإذ لم يصدر قرار بالحجر في النزاع المعروض فإنه يصبح ولا مجال لتطبيق حكم تلك المادة أصلاً، ولو قيل بجواز انصراف حكم تلك المادة إلى الفترة السابقة على رفع دعوى الحجر وتقديم طلب بها فإنه يلزم التحقيق من توافر شرط جوهري منصوص عليه فيها وهو شيوع حالة العته الأمر الذي لم تبحثه المحكمة، مما يعيب حكمها بالخطأ في تطبيق القانون. هذا إلى أن الحكم أخذ من أقوال الشهود بما لا يكفي لثبوت حالة العته وشيوعها مما يجعل الحكم قاصر التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المادة 114 من القانون المدني - التي تقضي بأنه يقع باطلاً تصرف المجنون أو المعتوه إذا صدر بعد تسجيل قرار الحجر، أما إذا صدر قبله فلا يكون باطلاً إلا إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة منها- وإن واجهت هذه المادة حالة الحجر وصدور قرار به وفرقت بين الفترة السابقة على صدور قرار الحجر والفترة التالية له وأقامت من قرار الحجر قرينة قانونية على انعدام أهلية المجنون أو المعتوه ومن تسجيل ذلك القرار قرينة قانونية على علم الغير بذلك، إلا أنه ليس معنى ذلك أن المجنون أو المعتوه الذي لم يصدر قرار بتوقيع الحجر عليه لسبب أو لآخر تعتبر تصرفاته صحيحة، إذ الأصل أنه يجب أن يصدر التصرف عن إرادة سليمة وإلا انهار ركن من أركان التصرف بما يمكن معه الطعن عليه ببطلانه إذا ما ثبت علم المتصرف إليه بحالة الجنون أو العته المعدم للتمييز لحظة إبرام التصرف أخذاً بأن الإرادة تعتبر ركناً من أركان التصرف القانوني. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بالبطلان على سند من أن مورث الطاعنين الأربعة الأولين كان على بينة من قيام حالة العته بالمورثة الأصلية البائعة وقت صدور التصرف إليه، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ويكون النعي عليه بالخطأ في تطبيقه على غير أساس. لما كان ما تقدم وكان تقدير حالة العته لدى أحد المتعاقدين هو مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى فلا يخضع فيه القاضي لرقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه في ذلك سائغاً، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه اعتمد في قضائه - بعد أن أورد ملخص أقوال شهود الطرفين في مرحلتي التقاضي على ما شهد به شاهدا المطعون عليهن أمام محكمة أول درجة من أن أمارات العته كانت بادية على المورثة الأصلية وقت صدور العقد منها إلى ولدها مورث الطاعنين الأربعة الأول، وأنها في ذلك الوقت كانت قد تقدمت بها السن وكان قد اعتراها خلل في قواها العقلية تمثل في ذهولها عما يدور حولها وفي هذيانها بكلمات لا معنى لها، وأن هذه الحالة المرضية قد تدعمت بأقوال الشهود أمام محكمة الاستئناف وبشهادة طبية معاصرة مقدمة من مفتش الصحة، ثم استخلص من ذلك كله أن المورثة الأصلية كانت معدومة الإرادة يحركها ولدها مورث الطاعنين الأربعة الأول كيف يشاء وأن ذلك الأخير كان على علم بقيام حالة العته لدى والدته وقت إصدار العقد إليه، وكان ما استخلصه الحكم من أقوال شهود المطعون عليهن ومن الشهادة الطبية على النحو السابق تفصيله من شأنه أن يؤدي إلى ما انتهى إليه من قيام حالة العته بالبائعة إبان تصرفها، فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث الفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن الحكم المطعون فيه أسس ثبوت حالة العته بالبائعة على شهادة طبية صادرة من مفتش صحة البلدية بتاريخ 27 من يناير 1960 مع أن المادتين 64، 65 من القانون رقم 99 لسنة 1947 بشأن المحاكم الحسبية نظمتا وسيلة التحقق من حالة العته أو الجنون، وأوجبتا على الأطباء المعالجين التبليغ عن حالات فقدان الأهلية مما يسقط حجية الشهادة المقدمة ويوحي بأنها غير صحيحة، وإذ لم يعن الحكم بإثبات صحة تلك الشهادة ومدى مطابقتها للقانون فإنه يكون فاسد الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه وإن كانت المادة 980 من قانون المرافعات المضافة بالقانون رقم 126 لسنة 1951 والسارية وقت رفع الدعوى والتي حلت محل المادة 64 من القانون رقم 99 لسنة 1947 - تضع على عاتق مديري المستشفيات والمصحات والأطباء المعالجين إبلاغ النيابة العامة عن حالات فقد الأهلية الناشئة عن عاهة عقلية، إلا أن المشرع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لم يقصد بتلك المادة التزام طريق معين لإثبات قيام حالة العته. وإنما استهدف فيها مجرد إجراءات تنظيمية واجبة الإتباع قبل توقيع الحجر، ورتب على مخالفتها جزاءً جنائياً نص عليه في المادة 982 من ذات القانون. لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه استند إلى الشهادة الطبية باعتبارها ورقة صادرة من أحد الفنيين المؤيدة بما جرى على لسان الشهود من أن المورثة قد امتدت بها الحياة حتى تجاوزت التسعين من عمرها وأنها كانت مصابة بعته شيخوخي، وكان من حق المحكمة أن تعتد على هذا الأساس بهذه الشهادة ما دامت قد اطمأنت إليها بما لها من سلطة تامة في تقدير الدليل، وكان استخلاصها في ذلك سائغاً على النحو الوارد بالرد على السببين الأول والثاني، فإن ما يثيره الطاعنون من عدم صحة هذه الشهادة أو إهدار قيمتها لعدم اتخاذ الإجراءات المشار إليها لا ينطوي على فساد في الاستدلال ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن مبنى السببين الرابع والخامس التناقض والإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الحكم المطعون فيه أحال إلى الحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف بتاريخ 29 من مايو 1965، وعلى الرغم مما يؤدي إليه هذا الحكم من أنه وجد أن الدعوى بحالتها التي كانت عليها وبما حوته من مستندات غير كافية بذاتها لإثبات حالة العته لدى المورثة وغير مؤدية بالتالي لإجابة المطعون عليهن إلى طلباتهن، مما دعاه إلى إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات مرض الموت، فإن الحكم المطعون فيه قد عاد رغم ذلك فاتخذ من أقوال الشهود الذين سمعتهم محكمة أول درجة ومن الشهادة الطبية المقدمة إليها دليلاً على قيام حالة العته، فتعارض بذلك مع منطق الحكم الأول مما يعيبه بالتناقض. هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد أخذ بأقوال الشهود الذين سمعتهم محكمة الاستئناف كدليل مؤيد لأقوال شهود محكمة أول درجة لإثبات حالة العته، مع أن التحقيق الذي أجرته محكمة الاستئناف اقتصر على إثبات صدور التصرف في مرض الموت مما كان يمتنع معه مجاوزة هذا النطاق إلى واقعة أخرى لم ترد في الحكم أو الاعتماد على أقوال وردت في ذلك التحقيق عن واقعة لم تكن محله ولم يتناولها بالنفي شهود الطاعنين الأمر الذي ينطوي عليه إخلال حق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي بشقيه في غير محله، ذلك أن الثابت من تقريرات الحكم المطعون فيه أنه إنما أحال إلى حكم الصادر من محكمة الاستئناف بتاريخ 29 من مايو 1965 في صدد بيان وقائع الدعوى وحدها، ولا يفهم منه أنه اعتمد على ذلك الحكم في غير ما أحال عليه صراحة. ولما كان البادي من الحكم المحال إليه أنه لم يتضمن قضاءً قطعياً له حجيته في أي شق من النزاع، كما أنه لم يناقش الأدلة المقدمة في الدعوى ولا مدى كفايتها في الإثبات بل استبقي الفصل في الموضوع برمته لحين الانتهاء من تحقيق ثبوت صدور العقد في مرض الموت، دون أن يورد أية إشارة تتم عن قضائه في ثبوت حالة العته لدى المورثة، مما لا يمكن معه القول بأن حكم الإحالة إلى التحقيق انتهى إلى أن الدعوى بحالتها لا تؤدي إلى إجابة المطعون عليهن إلى طلباتهن أو أن الشهادة الطبية المقدمة غير صالحة بذاتها لإثبات حالة العته، ويكون النعي على الحكم بالتناقض في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك وكان للمحكمة كامل الحرية في تقدير الدليل من كافة الأوراق المقدمة في الدعوى بحيث يكون لها أن تقضي في موضوعها بما تراه حقاً وعدلاً، فإنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه إذا هو استعان في شأن التدليل على قيام حالة العته وقت صدور التصرف بأقوال شهود المطعون عليهن أمام محكمة الاستئناف في التحقيق الذي أجرته في شأن صدور التصرف حال مرض موت البائعة اعتباراً بأن ما حصله الحكم من هذه الأقوال قرينة تساند الأدلة الأخرى التي أوردها الحكم على النحو السالف البيان، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع في هذا الصدد يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن الأخير ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم انتهى إلى بطلان عقد الرهن الصادر لصالحه وإلغاء ما ترتب عليه من تأشيرات مع أن الفقرة الثانية من المادة 114 من القانون المدني إنما قصد بها عدم الإضرار بالغير حسن النية، ذلك أنه مع افتراض علم المشتري مورث الطاعنين الأربعة الأولين، بعته البائعة، فإن ذلك العلم لا يمكن أن ينصرف إلى الدائن المرتهن كما أن عبارة العلم لدى الطرف الآخر المشار إليها في تلك المادة كان يقتضي تطبيقها عليه وتمحيص علاقته بطرفي العقد مما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه لما كان الطاعن لم يقدم ما يدل على أنه تمسك بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع وهو دفاع يخالطه واقع، فإن النعي بهذا السبب يكون مما لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.


(1) نقض 22/ 11/ 1951 مجموعة القواعد في خمسة وعشرين عاماً. حـ 1. ص 314. قاعدة/ 2.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق