الصفحات

الخميس، 22 يونيو 2023

الطعن 1132 لسنة 48 ق جلسة 16 / 4 / 1931 مج عمر الجنائية ج 2 ق 239 ص 291

جلسة 16 أبريل سنة 1931

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

----------------

(239)
القضية رقم 1132 سنة 48 القضائية

زواج. 

شهادة الشهود فى تقدير سن الزوجين. عدم الصدق فيها. متى يكون مؤاخذا عليه جنائيا؟ مسئولية المأذون.

--------------
شهادة الشهود لا تصلح ألبتة لأن تكون دليلا فى تقدير سن الزوجين ولا يترتب على عدم صدقهم فيها أية مسئولية جنائية عليهم، فلا يصح للمأذون أن يعتمد عليها فى هذا المقام بل إن عليه أن يعتمد على معاينته الشخصية لذات المتزاوجين، أو على شهادة الميلاد أو ما يقوم مقامها، أو على شهادة طبية؛ فاذا فرّط هو فى واجبه من التحرّى بالطرق المعتبرة أمكن النظر فى أمره إداريا، بل إذا ظهر أنه تعمد التغيير فى إثبات السن مع علمه بالحقيقة أمكن النظر فى أمره جنائيا. ومع ذلك فتصح مؤاخذة الشهود فى صورة ما إذا ثبت أن المأذون تعمد الإخلال بواجبه وهم تواطؤوا معه على هذا الإخلال أو فى صورة ما إذا ثبت أن الشهود قدّموا إلى المأذون شهادة ميلاد مزوّرة أو شهادة طبية مزوّرة. وتأتى مؤاخذتهم فى الصورة الأولى من جهة أنهم أعانوا المأذون على تعمده الإخلال بواجبه، وفى الصورة الثانية من جهة أنهم خدعوه فى ذات الدليل المقبول الذى لا محيص له عن الاعتماد عليه فأفسدوا عليه عمله، وجعلوه يخل بواجبه بلا شعور منه (1).
الطعن المقدّم من النيابة العامة فى دعواها رقم 889 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة رقم 1132 سنة 48 قضائية فى قرار حضرة قاضى الإحالة ضد إبراهيم هاشم إسماعيل وآخرين.


الوقائع

اتهمت النيابة المتهمين المذكورين بأنهم فى يوم 5 يونيه سنة 1928 الموافق 16 ذى الحجة سنة 1346 بناحية السباعية اشتركوا مع موظف عمومى هو المأذون زين العابدين سليم الحسن النية فى ارتكاب تزوير فى ورقة رسمية هى وثيقة زواج محمد أحمد بآمنة يونس عامر فى حالة تحريرها المختص بوظيفته؛ وذلك بجعله واقعة مزوّرة فى صورة واقعة صحيحة بأن أثبت فى وثيقة الزواج أن سن الزوجة يزيد عن ست عشرة سنة حالة أنها لا تزيد عن تسع سنوات ونصف، وقد اتفق المتهمون معه وساعدوه على ارتكاب هذه الجريمة بأن شهد المتهمان الأوّل والثانى على قسيمة الزواج وشهد باقى المتهمين على ورقة عرفية على صحة هذه الواقعة المزوّرة مع علمهم بتزويرها فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة.
وطلبت إحالتهم على محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 181 و40 فقرة ثانية وثالثة و41 من قانون العقوبات.
وبتاريخ 5 فبراير سنة 1931 قرّر حضرة قاضى الإحالة بمحكمة أسوان الأهلية بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية.
وبتاريخ 23 فبراير سنة 1931 قرّر سعادة النائب العمومى بالطعن فى هذا القرار بطريق النقض والإبرام وقدّم تقريرا بالأسباب فى اليوم نفسه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن فى جملته أن قاضى الإحالة إذا أخذ بحكم محكمة النقض الصادر فى 20 نوفمبر سنة 1930 وقرّر بأن لا وجه لإقامة الدعوى قد أخطأ فى تطبيق القانون: (1) لأن المأذون إذا خدعه الشهود فأثبت تلك السن على غير حقيقتها كان سليم النية غير مستحق للعقاب بخلاف الشهود الذين خدعوه وجعلوه يثبت غير الحقيقة فانهم يكونون مستحقين للعقاب عملا بالمادة 42 من قانون العقوبات؛ وأن القول بغير ذلك يعطل مفعول تلك المادة إذ يجعل الشريك لا يعاقب إلا إذا عوقب الفاعل الأصلى، وهذا استثناء لا يحتمله عموم القاعدة الواردة بالمادة المذكورة، و(2) بلوغ الزوجين السن القانونية وإن لم يكن ركنا أساسيا من أركان عقد الزواج فانه حالة من أحوال هذا العقد يجب على المأذون إثباتها على حقيقتها، وكل تغيير فيها يخالف الحقيقة فهو تزوير تنطبق عليه المادة 181 من قانون العقوبات، و(3) لأن محكمة النقض سبق أن أخذت برأى النيابة بحكميها الصادرين فى 26 أكتوبر سنة 1927 و19 يونيه سنة 1930.
وحيث إن قول النيابة فيه شىء كثير من انتقال النظر؛ فان محكمة النقض فى حكمها الصادر بتاريخ 20 نوفمبر سنة 1930 فى القضية نمرة 1778 سنة 47 قضائية بحثت شهادة الشهود من حيث صلاحيتها لأن تكون مصدرا يعتمد عليه المأذون فى تقدير السن، وقد ارتأت أنها لا تصلح مطلقا لأن يعتمدها المأذون فى هذا المقام الذى هو ملزم بتحرّيه بل هى فيه لغو صرف، سواء أصادفت الحقيقة أم لم تصادفها، وأن الأدلة التى ينبغى له أن يعتمد عليها هى معاينته الشخصية لذات المتزاوجين وتقديره الشخصى لسنهما بحسب ما يبدو له من مشاهدته إياهما، وعند تغيهبه أو عند حيلولة العرف المانع من رؤية الزوجة فمعتمده لا يكون إلا على شهادة الميلاد وما ماثلها من الأوراق الرسمية أو الشهادة الطبية - هذا النظر الذى نبهت إليه محكمة النقض متى صح واعتبر أساسا فان القول بانخداع المأذون بشهادة الشهود غير مقبول، لأن لهم أن يخدعوه بشهادتهم ما شاءوا وعليه أن لا ينخدع ما دامت شهادتهم صحيحة كانت أو كاذبة لا يتأدى بها واجبه من التحرّى ولا قيمة لها فيه - ولكن النيابة سارت من مبدأ مخالف لنظر محكمة النقض فى حكمها المذكور فجعلت لهذه الشهادات قيمة يعوّل عليها فى تقدير السن، وهى إذ وجدت أن إثبات المأذون للسن على غير حقيقتها تزوير فى حالة من أحوال العقد المأمور هو بتحريها وبيانها، ووجدت أنه قد ينخدع بتلك الشهادات فيتقبلها كالصحيحة وهو لا يشعر - إذ وجدت ذلك رأت أن عدم مؤاخذة الشهود الخادعين يكون تعطيلا للمادة 42؛ وواضح جدّا أن انتقال نظر النيابة بسيرها من مبدأ غير المبدأ الذى نبهت إليه محكمة النقض هو الذى طوّع لها القول بذلك التعطيل - وزادها اعتصاما برأيها ما ذكرته المحكمة من أن الشهود لا يعاقبون إلا إذا عوقب المأذون ذاته. ولكن ظاهر لأدنى تأمّل أن ما قالته المحكمة من ذلك تشير به إلى الصورة التى يعرف فيها المأذون من معاينته الشخصية للزوجين أن سنّ كليهما أو أحدهما أقل من الحدّ القانونى فيتعمد الإخلال بواجبه، ويثبت السنّ على غير الحق بتواطئه مع الشهود، ففى هذه الصورة لا تكون الشهادة هى التى خدعت المأذون بل يكون المأذون هو الذى أخل بواجبه ويكون الشهود أعانوه على هذا الإخلال، ومن هذه الجهة يأتى استحقاقهم للعقاب لا من جهة مجرّد شهادتهم، بحيث لو ثبت فى قضية ما أن المأذون تعمد الإخلال بواجبه وأن شهودا غير متواطئين معه ولا عالمين بحقيقة فكره من الإخلال بواجبه أدّوا لديه شهادة غير حقة فان هؤلاء الشهود الذين لا اتصال بينهم وبين المأذون فى فكرة الإجرام لا عقاب عليهم. وليلاحظ أن تلك الصورة التى أشارت إليها محكمة النقض مقصورة على حالة الشهود المتواطئين مع المأذون، وهى لا تمنع عقاب الشهود فى صور أخرى يخدعون فيها المأذون كصورة شهادة طبية مزوّرة، أو شهادة ميلاد مزوّرة، فان الشهود فى مثل هذه الصور لا يقتصر خدعهم المأذون على مجرّد شهادة يكون المأذون اتخذها عماده الوحيد فى تقدير السنّ، بل إنهم خدعوه فى ذات الدليل المقبول الذى لا محيص له عن الاعتماد عليه وهو شهادة الميلاد أو الشهادة الطبية فأفسدوا عليه عمله وجعلوه يخل بواجبه بلا شعور منه.
وحيث إن هذه المحكمة لا زالت ترى رأيها من أن شهادة الشهود لا تصلح ألبتة لأن تكون دليلا فى تقدير السن، وأنها سواء أصادفت الواقع أم لم تصادفه فلا عبرة بها فى هذا الصدد، وأنه لا يترتب على عدم الصدق فيها أية مسئولية جنائية. ولقد يجدر فى هذا المقام الإشارة إلى أن هذه المحكمة بعد إصدار حكمها فى القضية نمرة 1778 سنة 47 قضائية علمت أن وزارة الحقانية ذاتها وهى المراقبة لأعمال المأذونين كانت قد بحثت مسألة تقدير سن الزوجين وأخذت رأى الطبيب الشرعى وأصدرت فى سنة 1928 بمنشورها نمرة 45 تعليمات للمحاكم الشرعية قررت فيها أن هذا التقدير بالنسبة للفتيات راغبات الزواج لا يقبل فيه إلا شهادة الميلاد أو شهادة من طبيبين من الأطباء الموظفين بالحكومة. وتعليمات الوزارة هذه التى بلغت للنائب العمومى فى 8 نوفمبر سنة 1928 لها قيمتها من حيث حصر طرق التحرّى الواجب على المأذون اتخاذها، وفيها المصداق الكلى لرأى محكمة النقض، بل بمقتضاها لا تكفى مطلق شهادة من طبيب بل لابد أن تكون من طبيبين اثنين وأن يكونا من موظفى الحكومة. ومهما يكن من قول النيابة إن واقعة هذه الدعوى حدثت قبل العمل بتلك التعليمات وفى وقت كانت شهادة الشهود كافية فى تحرّيات المأذونين - مهما يقل من ذلك فانه قول لا يغير شيئا من رأى محكمة النقض، إذ تلك التعليمات هى اعتراف صريح من الوزارة بأن طرق التحرّى المعقولة المقبولة هى ما جاءت بها، وأن شهادة الشهود غير صالحة فى هذا الباب، وأن اللجوء إليها خطأ قد يجرّ إلى الظلم؛ وبما أن الصواب هو الأصيل والخطأ عارض فمن شأن تلك التعليمات أنها بمفهومها مقررة للصواب لا منشئة له، والصواب يجبّ الخطأ ويمحو كل آثاره، ولا يمكن أن تجيب محكمة النقض ما تطلبه النيابة من اعتماد هذا الخطأ والأخذ بآثاره ما دام الصواب وضح فأبطل كل أثر له. وعليه يكون الوجه الأول متعين الرفض.
وحيث إن ما تقوله النيابة من أن إثبات السن فى عقد الزواج على غير حقيقته هو تزوير فى حالة من أحوال العقد مما يقع تحت متناول المادة 181 من قانون العقوبات - ما تقوله من هذا صحيح فى ذاته ولكنه غير منتج. فان جوهر الدعوى الحالية وأمثالها منحصر فى هل شهادة الشهود المخالفة للحقيقة متى كانت وحدها عماد المأذون فى تحرّياته تجرّ عليهم مسئولية جنائية أم لا؟ وقد قالت هذه المحكمة إنها على الوجه المبين فى القضية نمرة 1778 سنة 47 قضائية وفى الدعوى الحالية وأمثالها لا اعتداد بها ولا تجرّ أدنى مسئولية جنائية. فان كان فى الدعوى الحالية تغيير فى حقيقة السن فى عقد الزواج فأساسه تفريط المأذون فى واجبه من التحرّى بالطرق المعتبرة وهو وحده الملوم فى ذلك ويمكن النظر فى أمره بصفة إدارية متى لم تكن التعليمات الأولى تبيح له الاعتماد على مجرّد شهادة الشهود بل يمكن النظر فيه بصفة جنائية إذا ظهر أنه تعمد التغيير فى السن مع علمه بالحقيقة. أما الشهود فلا مسئولية عليهم قطعا اللهم إلا إذا ثبت كما تقدّم أن المأذون تعمد الإخلال بواجبه وهم تواطؤوا معه على هذا الإخلال وعاونوه فيه وهذا غير ثابت بوقائع الدعوى ولا تدعيه النيابة العامة. وعليه يكون الوجه الثانى غير سديد أيضا.
وحيث إن ما تقوله النيابة فى الوجه الثالث من أن محكمة النقض سبق أن أخذت برأيها فى الحكمين الصادرين منها بتاريخ 26 أكتوبر سنة 1927 و19 يونيه سنة 1930 فالرد عليه أن محكمة النقض غير معصومة من الخطأ؛ على أن الحقائق فى القانون معظمها ظنى، وربما كانت محكمة النقض مخطئة أيضا فى رأيها الجديد ولكن هو رأيها الذى اهتدت إليه وتظن أنها ستستمر على السير عليه ما لم توفق إلى رأى غيره.


(1) يلاحظ أن هذا الحكم يشف عن أن محكمة النقض مالت بعض الشىء عن المذهب القديم فى هذا الصدد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق