الصفحات

الاثنين، 1 مايو 2023

الطعن 74 لسنة 13 ق جلسة 27 / 4 / 1944 مج عمر المدنية ج 4 ق 125 ص 338

جلسة 27 إبريل سنة 1944

برياسة سعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك وأحمد محمد حسن بك المستشارين.

---------------

(125)
القضية رقم 74 سنة 13 القضائية

شركة:
أ - شركة ظاهرة لها اسم معين. جريان معاملاتها مع الغير باسم الشريكين. هي شركة تضامن لا شركة محاصة.
ب - شركة التضامن. ليست من العقود الشكلية. هي من التعهدات التي لا يجوز إثباتها إلا بالكتابة. وجود مبدأ ثبوت بالكتابة. يكفي لإثباتها إذا كلمته الشهود والقرائن.
جـ - شركة التضامن. عدم إشهارها. متى يترتب عليه بطلانها فيما بين الشريكين؟
د - فاتورة من أحد عملاء الشركة موقعة من أحد الشريكين. مبدأ ثبوت بالكتابة.
هـ - عدم وجود اتفاق بين الشريكين على حصة كل منهما. كل يكون بحق النصف فيها.
و - موت أحد الشركاء. تنتهي به شركة التضامن. متى يصح القول باستمرارها بعد وفاته؟
ز - انتهاء الشركة. زوال شخصها المعنوي. وجوب الامتناع عن إجراء أي عمل جديد من أعمالها. هي تعتبر قائمة حكماً لكي تمكن تصفيتها. قول الحكم إن الشركة تعتبر قائمة في الحقيقة حتى تتم تصفيتها. خطأ. (المواد 46 و54 تجاري و215 و454 مدني).

-----------------
1 - إذا كانت الشركة التي أثبتت المحكمة قيامها بين الأخوين غير مستترة بل ظاهرة، ولها اسم معين، ومعاملاتها مع الغير لا تجري باسم شريك واحد بل باسم الشريكين معاً، فهي شركة تضامن لا شركة محاصة.
2 - إن شركة التضامن ليست من العقود الشكلية حتى يصح القول ببطلانها إذا لم يحرر عقدها بالكتابة، وإنما هي من التعهدات التي لا يجوز إثباتها إلا بالكتابة. لأن المادة 46 من قانون التجارة لم تنص على وجوب الكتابة إلا لبيان الدليل الذي يقبل في إثبات وجود شركة التضامن، كما هي الحال بالنسبة للمادة 215 من القانون المدني حين نصت على وجوب الإثبات بالكتابة إذا زادت قيمة التعهد على ألف قرش. ولما كان مبدأ الثبوت بالكتابة يقوم في التعهدات المدنية، على وجه العموم، مقام الإثبات بالكتابة إذا كملته الشهود والقرائن، فمن باب أولى تكون الحال في شركة التضامن باعتبارها من المسائل التجارية، والقاعدة في المسائل التجارية أنه يجوز فيها على وجه العموم الإثبات بغير الكتابة.
3 - إن عدم إشهار شركة التضامن لا يترتب عليه بطلانها فيما بين الشريكين إلا إذا طلب ذلك أحدهما وحكم به، وعندئذ تسوى حقوقهما في الأعمال التي حصلت، كما هو صريح نص المادة 54 من قانون التجارة.
4 - إن الفاتورة الصادرة من أحد المحلات التي تعامل الشركة والتي وقعها أحد الشريكين تعتبر بلا شك مبدأ ثبوت بالكتابة في إثبات الشركة ما دام من شأنها أن تجعل ثبوت قيامها في حقه قريب الاحتمال. فإذا كملت هذه الفاتورة بشهادة الشهود والقرائن فإن شركة التضامن يثبت قيامها بين الشريكين.
5 - إذا كان لا يوجد بين الشريكين اتفاق على حصة كل منهما في الشركة فإن كلاً منهما يكون بحق النصف فيها.
6 - إن المادة 454 من القانون المدني قد نصت على أن شركة التضامن التجارية تنتهي بموت أحد الشركاء. وإذن فلا يصح القول باستمرارها بعد وفاة أحد الشركاء إلا باتفاق صريح، أو إذا كانت طبيعة عمل الشركة والغرض من إنشائها يتحتم معهما استمرارها رغم موت أحد الشركاء حتى يتم العمل الذي أنشئت من أجله. وإذن فإذا قال الحكم باستمرار الشركة بناءً على أن الاتفاق على استمرارها مستفاد من الفكرة في إنشاء المحل التجاري الذي هو محلها والغرض الذي توخاه الشريكان من إنشائه ونوع التجارة وما بين الشريكين من صلة الأخوة والثقة المتبادلة إلخ إلخ، فكل ما قاله من ذلك لا يصح أن يترتب عليه وجوب استمرار الشركة. وخصوصاً إذا كان من بين ورثة الشريك المتوفى قصر لا أهلية لهم.
7 - إن الشركة متى انتهت بوفاة أحد الشريكين زال شخصها المعنوي ووجب الامتناع عن إجراء أي عمل جديد من أعمالها، ولا يبقى بين الشركاء من علاقة إلا كونهم ملاكاً على الشيوع لموجوداتها، ولا يبقى للشركة مال منفصل عن الأموال الشخصية للشركاء. على أنه لما كان الأخذ بهذا القول على إطلاقه يضر به الشركاء ودائنو الشركة، على السواء، إذ يضطر كل شريك إلى مطالبة كل مدين للشركة بنصيبه في الدين، ويضطر كل دائن إلى مطالبة كل شريك بنصيبه في الدين إلى غير ذلك، لهذا وجب بطبيعة الحال - لتجنب كل هذه المضار - اعتبار الشركة قائمة محتفظة بشخصيتها، حكماً لا حقيقة، لكي تمكن تصفيتها. وعلى ذلك فإذا قال الحكم بإطلاق إن الشركة تعتبر قائمة في الحقيقة حتى تتم تصفيتها، ورتب على ذلك أن جعل من مأمورية الخبير تصفية حسابها حتى يوم تقديم الحساب كل ذلك خطأ في تطبيق القانون.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن في أن المطعون ضدهم رفعوا الدعوى رقم 384 تجاري سنة 1939 أمام محكمة مصر الابتدائية على الطاعن وقالوا في صحيفتها إنه كان شريكاً لأخيه (مورثهم علي محمد الديب) في محل التجارة الكائن بالسبع قاعات البحرية بالسكة الجديدة بالقاهرة لتجارة أصناف الحراير الهندية، وظلت تلك الشركة قائمة بين الأخوين حتى وفاة ذلك المورث في 30 من مارس سنة 1922، ثم استمرت قائمة أيضاً بعد ذلك يديرها الطاعن لحساب الشركة، ولذا طلبوا الحكم: أولاً - بتثبيت ملكيتهم إلى نصيبهم الشرعي في ذلك المحل ومقداره ثمانية قراريط ونصف قيراط من أربعة وعشرين قيراطاً ومنع منازعة الطاعن لهم فيه مع التسليم. ثانياً - إلزام الطاعن بتقديم حساب تفصيلي عن نصيبهم في ذلك المحل وعن أرباحهم من يوم وفاة مورثهم إلى يوم تقديم الحساب مشفوعاً بالمستندات المؤيدة له، وذلك في الموعد الذي تحدده المحكمة وإلا يلزم بغرامة يومية تقدرها المحكمة حتى يقوم بتقديم الحساب مع إلزامه برصيده بعد فحصه وتحقيقه. ثالثاً - إلزام الطاعن بالمصاريف والأتعاب والنفاذ.
وفي 12 من مايو سنة 1940 حكمت تلك المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعون (المطعون ضدهم) وجود شركة محاصة بين مورثهم وبين الطاعن بجميع طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالباً إلغاء الحكم المستأنف، ورفض دعوى المطعون ضدهم إلخ.
وبجلسة 21 من نوفمبر سنة 1940 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً، ورفضه موضوعاً، وتأييد الحكم المستأنف إلخ إلخ.
سارت محكمة مصر في التحقيق وسمعت شهود الطرفين ثم قضت في 26 من يونيه سنة 1941 برفض الدفع بسقوط حق السيدة نعمات وإبراهيم أفندي في المطالبة بنصيبهما بمضي المدة إلخ إلخ. وقد أقيم هذا الحكم على أساس أن الشركة انتهت بالوفاة.
استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالباً قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المطعون ضدهم بكامل أجزائها، واحتياطياً قبول الدفع بسقوط حق المطعون ضدهما الأولى والثانية في التمسك بالتقادم ورفض دعواهما لهذا السبب إلخ. كما استأنفه أيضاً المطعون ضدهم طالبين إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض باقي طلباتهم والحكم بالطلبات الابتدائية وبعد أن ضمت محكمة الاستئناف هذين الاستئنافين أحدهما إلى الآخر حكمت فيهما بتاريخ 12 من نوفمبر سنة 1942 بقبول الاستئنافين شكلاً وبتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدفع الفرعي وقبل الفصل في الموضوع بتعيين خبير لأداء المأمورية المبينة بأسباب ذلك الحكم وهي فحص حسابات المحل على أساس أن الشركة ظلت مستمرة بعد الوفاة إلخ إلخ.
أعلن ذلك الحكم إلى الطاعن في 29 من إبريل سنة 1943 فطعن فيه وكيله بطريق النقض في 24 من مايو سنة 1943 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدهم إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن بنى طعنه على جملة أسباب محصلها: (أولاً) أن الحكم المطعون فيه جاءت أسبابه قاصرة ومتناقضة. أما عن القصور فإن الطاعن قد دفع الدعوى بأن المطعون ضدهم وصفوا الشركة في دعواهم بأنها شركة محاصة للوصول إلى إثبات وجودها بالبينة، مع أن الوقائع والأدلة التي ذكروها تجعل الشركة على فرض وجودها شركة تضامن، إذ زعموا أنها كانت معروفة باسم (علي وعبد العزيز الديب) أو باسم "إخوان الديب" واستندوا إلى معاملات مع الغير باسم علي وعبد العزيز الديب، والشركة على هذا الاعتبار تكون شركة باطلة لعدم إثبات عقدها بالكتابة ولعدم إشهارها. كما دفع الطاعن بأنه إذا لم تكن الشركة شركة محاصة أو شركة تضامن وكانت شركة بالفعل فلا يمكن اعتبارها قائمة بصفة مستمرة، وإنما يعترف بقيامها تجوزاً بالنسبة للعمليات الفردية التي ثبت قيامها بها. وكل ذلك لم تعن المحكمة بالرد عليه. هذا فضلاً عن أنها اعتبرت الشركة مناصفة بين الأخوين، واعتبرتها مستمرة بعد وفاة أحد الشريكين دون إيراد سند أو دليل على ذلك. وأما عن التناقض فقد ذهبت المحكمة أولاً إلى أن الشركة شركة محاصة مستمرة وليس الدليل الكتابي بلازم لإثبات وجودها، وأحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات وجودها بالبينة، ثم ذكرت تسعة أدلة تثبت ظهورها واتخاذها اسماً معيناً أي أنها شركة تضامن. ثم ترددت بين القول بأنها شركة محاصة والقول بأنها شركة تضامن. (ثانياً) أن المحكمة خالفت المواد 46 و48 و49 و51 و54 من قانون التجارة التي تقضي بوجوب إثبات شركات التضامن بالكتابة وإشهارها وببطلانها إذا لم تتبع هذه الإجراءات وتصفية ما قد تكون قامت به من أعمال وخالفت أحكام المواد 59 - 64 التي تتضمن أن شركات المحاصة ليس لها اسم تجاري وليس لها رأس مال. (ثالثاً) أن المحكمة خالفت أيضاً المادة 454 من القانون المدني التي تنص على انتهاء الشركة بموت أحد الشركاء إذا لم يشترط غير ذلك مع عدم الإخلال بما يتعلق بالشركات التجارية التي لا تنفسخ بموت أحد الشركاء غير المتضامنين. والشركة المزعومة سواء كانت شركة محاصة أو شركة تضامن فهي تنتهي بموت أحد الشركاء لأنها ليست من نوع شركات رؤوس الأموال.
وحيث إن الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه من حيث قيام الشركة، وكذلك الحكم المطعون فيه وإن كانا قد تضمنا أن الشركة موضوع الدعوى كما يصح أن تعتبر شركة محاصة كذلك يصح أن تعتبر شركة تضامن إلا أن الحكم الابتدائي أقيم (أولاً) على أن هناك فاتورة صادرة من محل صقال مؤرخة 20 أغسطس سنة 1920 تدل على شراء بضاعة منه موقعاً عليها بخط الطاعن عبد العزيز محمد الديب بإمضاء "علي وعبد العزيز محمد الديب". (وثانياً) على أن هناك خطاباً من بنك الأنجلو مؤرخاً في 15 ديسمبر سنة 1921 إلى "السادة علي وعبد العزيز الديب بحارة السبع قاعات البحرية رقم 5" بمطالبتهما بسندين قيمتهما 20890 قرشاً لإخوان جبارة وشركائهم بالإسكندرية، وخطاباً من محل تجارة موسى يعقوب بطون بالإسكندرية مؤرخاً 18 يناير سنة 1923 بعنوان "حضرات الأكرمين السادات علي وعبد العزيز الديب بمصر" بإخطارهما بإرسال بضاعة إليهما داخل عشرة طرود باسم بنك روما فرع الموسكي بمصر" حسب البيان الموضح بالفاتورة المرافقة وإخبارهما بتحويل باقي الثمن وتكليفهما بدفعه لأمر البنك المذكور، ومع هذا الخطاب الفاتورة المشار إليها بنفس التاريخ ومطلوب قيمتها من السادات علي وعبد العزيز الديب والتحويل والأمر بالدفع إلى بنك روما وهو باسم الأخوين "علي وعبد العزيز الديب بمصر" بالتاريخ عينه، وخطاباً مؤرخاً 29 مارس سنة 1920 من محل حبيب شلهوب وجدعون إخوان إلى "جناب الأكرمين السادات علي وعبد العزيز محمد الديب" بإخبارهما بورود كمية من الحراير ودعوتهما لمعاينتها، ورسالة تلغرافية رمزية مرسلة بطريق شركة الإيسترون من مصنع زارا في يوكوهاما باليابان رقم 52 بتاريخ 11 أغسطس سنة 1920 إلى شركة الديب بالقاهرة بطلب اعتماد، ورسالة أخرى مثلها بتاريخ 13 - 11 - 1920 بضرورة فتح اعتماد قبل إجابة الطلبات، وخطاباً من محل تجارة جورج درال بألمانيا إلى شركة الديب بالقاهرة في أول أكتوبر سنة 1920 وفاتورة من مطبعة ليوشريني بالإسكندرية مؤرخة 15 سبتمبر سنة 1921 عن مطبوعات لشركة الديب. (وثالثاً) على أن محمد بك الفرنواني شهد بأن المدعى عليه (الطاعن) ومورث المدعين (المطعون ضدهم) كانا يتجران معاً في أصناف الحرير ويشتريان بضاعتهما منه حتى توفي الأخير في سنة 1922 واتخذا لتجارتهما محلاً بجهة السبع قاعات البحرية وكان في بادئ الأمر محلاً مقفلاً أي أنه لم يكن معداً لاستقبال العملاء، وكان المدعى عليه يدير هذا المحل بينما كان مورث المدعين يتنقل لمباشرة البيع والشراء، ثم يعود إلى المحل ليقضي فيه بقية أيام الأسبوع، وأن المدعى عليه لم يحضر إلى القاهرة إلا بإيعاز من أخيه الأكبر ليسير على هدي ما فعل الشاهد وإخوته ويترسم خطاهم في أساليب التجارة وافتتاح محل بالقاهرة، وأن الشيخ علي الشريك المتوفى كان يضع خطط التجارة ويتحرى أسماء المصانع الأجنبية في اليابان لاستيراد البضائع الحريرية منها. وحدث أن أتجر المدعى عليه بعض الوقت في الجوارب ونحوها فنهاه أخوه عن ذلك وعاد إلى الاتجار في الحراير وحدها، واتسع نطاق تجارتهما حتى بلغت مبيعاتهما اليومية من 300 ج إلى 1000 ج وتعاملا في البضاعة الحاضرة مع كثير من التجار منهم الخواجات صقال، وكانا يكتفيان بربح يسير حتى بدأ المدعى عليه يباشر التعامل بالعقود، وتوفي الشيخ علي وقتئذ، وبعد الوفاة لم يقف الشاهد على مدى العلاقة التي قامت بين المدعى عليه وأولاد أخيه. وأشار الشاهد إلى أنه لم تكن للمحل دفاتر منظمة لأول عهده وأن بعض الصفقات التي تمت بين متجره ومحل المدعى عليه وأخيه ومنها الصفقة التي تمت بفاتورة مؤرخة 14 ديسمبر سنة 1920 كانت باسم المدعى عليه وحده لأنه كان الشريك المقيم في المحل، وأن صفقات أخرى تمت مع تجار آخرين باسم المدعى عليه وأخيه، وأن الخواجة ميشيل يوسف صقال شهد بأن الأخوين كانا شركاء في محل القاهرة لتجارة الأقمشة والمناديل الحريرية وما شابهها وكانا يتعاملان مع شركة صقال (التي من أعضائها الشاهد) باسم "إخوان الديب" أو "علي وعبد العزيز الديب" إلى أن توفي الشيخ علي الديب، واستمرت المعاملة حتى الآن باسم المدعى عليه وحده، وأن الخواجة زكي يوسف صقال شهد بمعنى ذلك وأشار إلى عقد صادر من محل صقال ببيع بضاعة قيمتها 800 ج تقريباً باسم "الشيخ علي وعبد العزيز الديب بمصر ودسوق"، وهذا العقد ثابت بدفتر الكوبيا، وأن الخواجة جوزيف بركات شهد بذلك أيضاً وأيد شهادته بدفاتر شركة إخوان صقال المنتظمة ومنها ما هو مسجل مثل دفتر اليومية وغيره. وتبين من الاطلاع عليها أثناء التحقيق أن معاملة هذه الشركة مع الأخوين بدأت من 16 يوليه سنة 1920 ودونت الصفقات أولاً باسم مورث المدعين تحت حساب جاري علي الديب. ثم تأشر بدفتر الذمامات بعبارة "أصبح المحل باسم إخوان الديب". وذلك ابتداءً من 20 أغسطس سنة 1920 طبقاً للفاتورة الصادرة من محل صقال إخوان عن إحدى الصفقات في هذا التاريخ باسم "السادات إخوان الديب" وهي الموقع عليها من المدعى عليه باسم "علي وعبد العزيز محمد الديب". ثم قالت المحكمة "وقد تبين أيضاً من الاطلاع على تلك الدفاتر أن المعاملة بين محل صقال وشركة إخوان الديب استمرت على صورة منتظمة ثابتة باسم "إخوان الديب أي حساب جاري علي وعبد العزيز محمد الديب" لغاية تاريخ 29 مارس سنة 1922 ثم دون الحساب بعد ذلك أي بعد وفاة الشيخ علي الديب مباشرة باسم عبد العزيز محمد الديب المدعى عليه ابتداءً من إبريل سنة 1922، فقيدت البضاعة التي استجرها من محل صقال في ذلك اليوم باسمه وحده، وقيدت دفعات النقود التي وردها إلى محل صقال ابتداءً من 3 إبريل سنة 1922 باسمه وحده بعد أن كانت تورد باسمه واسم أخيه المتوفى. وقد قدم هذا الشاهد كشفاً ببيان تلك المعاملات مطابقاً لما ورد بدفاتر محل صقال، وهو يدل على أن الأخوين اشتريا من هذا المحل ابتداء من 20 أغسطس سنة 1920 لغاية 29 مارس سنة 1922 - وهو تاريخ آخر فاتورة صدرت باسم إخوان الديب - بضاعة قيمتها 32627 ج. ويدل سير المعاملة على أنها كانت في ازدياد مستمر حتى أصبحت باسم المدعى عليه وحده عقب وفاة أخيه مورث المدعين". ثم قالت: "وحيث إن المحكمة ترى أن تأخذ بشهادة شهود الإثبات هؤلاء نظراً لأنهم تعاملوا مع المحل التجاري منذ عهد إنشائه تقريباً، ولأن شهادتهم تأيدت بتلك الدفاتر المنتظمة المسجلة الخاصة بشركة صقال والتي لا يطعن عليها وعلى ما ثبت فيها من بيانات قديمة العهد ومجردة عن الهوى. أما ما نعاه المدعى عليه على شركة إخوان صقال وعلى الشهود من أعضائها من أنهم يتحاملون عليه بسبب أنه تنازع معهم بشأن استعمالهم علامة تجارية شبيهة بعلامته فمردود بأن هذا النزاع انتهى بالصلح وعادت المعاملة التجارية بينهم، فضلاً عن أنه نزع حديث العهد جداً بينما ما ثبت في تلك الدفاتر المسجلة لمحل صقال يرجع إلى ما قبل ذلك بحوالي عشرين عاماً". ثم قالت: "وحيث إنه فضلاً عن تلك الأدلة جميعاً فهناك الفاتورة الصادرة بتاريخ 20 أغسطس سنة 1920 من محل صقال إخوان المتقدم ذكرها التي قدمت صورتها إلى محكمة الاستئناف أثناء نظر الاستئناف المرفوع عن الحكم التمهيدي المقيد تحت رقم 43 سنة 57 قضائية والموقع عليها بإمضاء "علي وعبد العزيز محمد الديب" بخط المدعى عليه نفسه طبقاً لإقراره بذلك أثناء التحقيق فتوقيعه هذا باسمه واسم أخيه على تلك الفاتورة فيه اعتراف صريح بوجود الشركة بينه وبين أخيه".
وحيث إنه يبين مما أورده الحكم على الوجه المتقدم أن الشركة التي أثبت قيامها بين الأخوين هي كما قال الطاعن شركة تضامن لا شركة محاصة لظهورها وعدم استتارها واتخاذها اسماً وتعاملها مع الغير باسمها لشريكين.
وحيث إنه عن عدم إثبات عقد هذه الشركة بالكتابة فإن عقد شركة التضامن ليس من العقود الشكلية حتى يبطل إذا لم تحرر به كتابة بل حكمه حكم سائر التعهدات التي يشترط فيها الإثبات بالكتابة، إذ أن المادة 46 من قانون التجارة لم تنص على وجوب الكتابة إلا لبيان نوع الدليل الذي يقبل لإثبات وجود شركة التضمن، كما نصت المادة 215 من القانون المدني على وجوب الإثبات بالكتابة إذا زادت قيمة التعهد على ألف قرش. ولما كان مبدأ الثبوت بالكتابة يقوم في التعهدات المدنية مقام الإثبات بالكتابة إذا أيدته الشهود والقرائن فمن باب أولى في مسألة تجارية لأن القاعدة في المواد التجارية أنه يجوز الإثبات بغير الكتابة طبقاً للمادة 215 المذكورة. والفاتورة التي ذكرتها المحكمة وهي الفاتورة الصادرة من محل صقال في 20 أغسطس سنة 1922 والموقع عليها بخط الطاعن بإمضاء "علي وعبد العزيز محمد الديب" واعتبرتها اعترافاً بقيام الشركة هي بلا شك مبدأ ثبوت بالكتابة لجعلها إثبات الشركة قريب الاحتمال، ولما كان مبدأ الثبوت بالكتابة هذا قد تأيد بشهادة الشهود والقرائن التي ذكرتها المحكمة تفصيلاً فيما تقدم فشركة التضامن يكون قد ثبت قيامها بين الأخوين مناصفة لعدم وجود اتفاق على تقسيم آخر. وعلى الأساس المتقدم إيراده يكون الحكم مستقيماً.
وحيث إنه عن عدم إشهار هذه الشركة فإنه لا يترتب عليه بطلانها فيما بين الشريكين إلا إذا طلب ذلك أحدهما وحكم به وعندئذ تسوى حقوقهما في الأعمال التي حصلت قبل الطلب كما قالت بذلك المادة 54 من قانون التجارة، ولا نزاع بين الطرفين في أنه لم يقدم طلب بهذا الخصوص حتى وفاة مورث المطعون ضدهم.
وحيث إن الحكم الاستئنافي قد ذهب - خلافاً للحكم الابتدائي - إلى أن الشركة ظلت مستمرة بين الطاعن وورثة شريكه بعد وفاة هذا الأخير استناداً إلى أنه ولو أن الأصل أن شركة التضامن تنتهي بوفاة أحد الشركاء إلا أنه يمكن أن يتفق على استمرارها. ويمكن أن يستفاد هذا ضمناً من طبيعة أعمال الشركة والغرض منها، وأن إنشاء المحل التجاري موضوع النزاع عند تكوينه والغرض الذي توخاه الشريكان من إيجاده وما بينهما من صلة الأخوة والثقة المتبادلة ونوع تجارتهما كلها عناصر توحي بأن الشريكين قصدا تكوين محل تجاري يستمر في أعماله لمصلحة الشريكين وورثتهما من بعدهما. ثم قالت المحكمة: "إنه على فرض أن شركة التضامن تنتهي بوفاة أحد الشركاء يجب تعيين مصف لها عند الوفاة، وإذا لم يعين لها مصف كان باقي الشركاء هم المصفون. وحتى تتم التصفية تعتبر الشركة قائمة من قبيل التجوز للمصلحة وإلا ضاعت حقوق الشركاء".
وحيث إن المادة 454 من القانون المدني نصت صراحة على انتهاء شركة التضامن التجارية بموت أحد الشركاء فلا يصح القول باستمرارها بعد الوفاة إلا باتفاق صريح، أو إذا كانت طبيعة عمل الشركة والغرض من إنشائها يحتم استمرارها رغم موت أحد الشركاء حتى ينتهي العمل الذي أنشئت من أجله. وقول الحكم "إن إنشاء المحل التجاري موضوع النزاع عند تكوينه والغرض الذي توخاه الشريكان من إيجاده وما بينهما من صلة الأخوة إلخ" ليس من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه من وجوب استمرار الشركة. هذا فضلاً عن أن من بين ورثة الشريك المتوفى قصراً لا أهلية لهم.
وحيث إنه عن قول الحكم إن الشركة تعتبر قائمة حتى تتم التصفية فإن هذا الاستمرار حكمي فقط لإمكان إجراء التصفية ليس إلا. ذلك لأن الشركة متى انتهت زال شخصها المعنوي ولا يبقى بين الشركاء من علاقة إلا كونهم ملاكاً على الشيوع لموجوداتها ولا يبقى للشركة مال منفصل عن أموال الشركاء الشخصية. وهذا القول إذا أخذ به على إطلاقه لا يمكن إجراء التصفية، ولضر الشركاء ودائنو الشركة، واضطر كل شريك لمطالبة كل مدين للشركة بنصيبه في الدين، واضطر كل دائن لمطالبة كل شريك بنصيبه في الدين، بل وعجز عن الحصول على دينه من أموال الشركة مستقلاً في ذلك عن الدائنين الشخصيين للشركاء. فلتجنب كل هذه المضار يجب أن تظل الشركة قائمة محتفظة بشخصيتها المعنوية اعتباراً لا حقيقة. وهذا لا يؤثر على انتهاء الشركة فعلاً بالوفاة ووجوب الامتناع عن إجراء أي عمل جديد من أعمال الشركة القديمة التي انتهت.
وحيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في اعتبار أن الشركة موضوع الدعوى قد استمرت بعد وفاة أحد الشريكين بين الطاعن وورثة الشريك المتوفى وفيما رتبه على ذلك من تعيين خبير لتصفية حساب الشركة حتى يوم تقديم الحساب ويتعين نقضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق