الصفحات

الثلاثاء، 2 مايو 2023

الطعن 47 لسنة 11 ق جلسة 18 / 5 / 1944 مج عمر المدنية ج 4 ق 137 ص 372

جلسة 18 مايو سنة 1944

برياسة سعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك ومحمود فؤاد بك المستشارين.

---------------

(137)
القضية رقم 47 سنة 11 القضائية

تعهدات. 

اتفاق قبائل من العرب على الاحتكام إلى قومسيون تحكيم في نزاع بينهم نشأ بسبب حوادث قتل بعض أفراد هذه القبائل واتهام قبيلة منها في القتل. إصدار المجلس حكمه بثبوت القتل على هذه القبيلة وبإلزام الموقعين على اتفاق التحكيم بدية مقدرة لكل قتيل تدفع بعد حلف أولياء كل قتيل أيماناً معدودة بأن القتل حصل من القبيلة المتهمة. هذا الحكم يرتب على أفراد الموقعين عليه من تلك القبيلة تعهداً قانونياً صحيحاً بدفع مبالغ الدية معلقاً على شرط حلف الأيمان المنصوص عليها في الحكم. تعليق تنفيذ التعهد على شرط الحلف. ليس مخالفاً للقانون. أصله القسامة في مسائل الدية في الشريعة الإسلامية.

------------------
إذا كانت واقعة الدعوى هي أنه، حسماً للنزاع القائم بين فريق قبيلتي السناقرة والقطعان وبين فريق الجبيهات بسبب حادثة قتل أحد أفراد السناقرة وآخر من القطعان واتهام قبيلة الجبيهات فيهما، اتفق بعض أفراد الفريقين، بمقتضى كتابة موقع عليها منهم، على أن يحكموا في هذا النزاع قومسيون تحكيم مؤلفاً من حكمدار مديرية البحيرة رئيساً، وثمانية أعضاء محكمين اختار كل فريق أربعة منهم، وقرر الجميع أنهم قابلون للحكم الذي يصدر من هذا القومسيون مهما كان، وأنهم مستعدون لتنفيذه بكل الطرق، وأن قومسيون التحكيم المذكور أصدر حكمه بثبوت حصول القتل من قبيلة الجبيهات وبإلزام الموقعين عليه من أفراد هذه القبيلة بأن يدفعوا إلى الموقعين عليه من أفراد قبيلتي السناقرة والقطعان مبلغ أربعمائة جنيه دية عن كل واحد من القتيلين بمجرد إتمام حلف أولياء دم كل قتيل خمسة وخمسين يميناً بأن القتل حصل من قبيلة الجبيهات، ووقع على هذا الحكم بعض أفراد هذه القبائل، فإن هذا الحكم يرتب على الموقعين عليه من أفراد قبيلة الجبيهات تعهداً بدفع مبلغ ثمانمائة جنيه للموقعين عليه من قبيلتي السناقرة والقطعان معلقاً على شرط حلف عدد معلوم من الأيمان؛ وهذا الشرط الذي قبل الطرفان تعليق تنفيذ التعهد على تحققه ليس مخالفاً للقانون بل له أصله في القسامة في مسائل الدية في الشريعة الإسلامية، فهو إذن تعهد مستوف كل العناصر القانونية الواجب توافرها في التعهدات، وسببه، وهو حصول المتعهدين على الصلح بينهم هم وباقي أفراد قبيلتهم وبين المتعهد لهم وباقي أفراد القبيلتين الأخريين بخصوص حادثة القتل، هو سبب صحيح جائز قانوناً، فالحكم الذي لا يعتبر هذا تعهداً ملزماً يكون مخالفاً للقانون.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أنه في سنة 1927 قتل عبد السيد عبد الله أبو قليلة وحميدة خميس، واتهم في قتلهما سالم شعيب راجيل وعائلته. والفريقان من عرب البادية، فالقتيل الأول من قبيلة السناقرة والثاني من قبيلة القطعان، والمتهم بالقتل من قبيلة الجبيهات، وهذه القبائل الثلاث تتفرع أصلاً من قبيلة أولاد علي. ولم يسفر التحقيق الذي قامت به نيابة أبي حمص عن إثبات التهمة، فحفظت القضية لعدم كفاية الأدلة. غير أن آل القتيلين ظلوا يلاحقون المتهم وذوي قرابته يطالبونهم بدية قتيليهم اعتماداً على العرف السائد بين القبائل العربية، وتقدموا إلى مديرية البحيرة بطلب عقد قومسيون مصالحات العربان للنظر في هذه المسألة بين رؤساء قبيلتي السناقرة والقطعان المدعيتين ورؤساء قبيلة الجبيهات المدعى عليها. فعقد قومسيون لهذا الغرض برياسة مأمور مركز أبو حمص يوم 30 من يونيه سنة 1933 وقد أثبت في محضره أن الفريقين حضرا أمامه وأنه تبين بعد سماع أقوالهما والمناقشة في الموضوع وجود "لوث شرعي" في التهمة يوجب تحليف فريق المدعين يمين القسامة، وبعد حلف اليمين يدفع سالم شعيب وعائلته دية القتيلين وقدرها مائتا جنيه لكل منهما. وقد وقع على هذا المحضر من فريق المدعين أي قبيلتي السناقرة والقطعان كل من سعداوي كريم وموسى صالح وعبد الله محمد وهاشم خميس ومحمد عوض جبريل وامتنع عن التوقيع فريق قبيلة الجبيهات المدعى عليها. لكن هذا القرار لم ينفذ إذ مضى الفريق المدعى عليه في رفضه والاعتراض عليه، ولم تفد شيئاً المكاتبات المتبادلة في هذا الشأن بين مركز أبي حمص ومأمور قسم مطروح ومحافظة الصحراء الغربية التي كان من رأيها في كتابها المؤرخ 12 من يوليو سنة 1934 تنفيذ حكم القومسيون، لأن عدم توقيع فريق المدعى عليهم على المحضر وامتناعهم عن انتخاب من يحلفون اليمين ليس إلا هروباً من المسئولية فلا يؤثر على صحة الحكم، إذ أنهم حضروا الجلسة وأبدوا دفاعهم، وأن توجيه اليمين للمدعين صحيح لأنهم قدموا أدلة ضد المدعى عليهم، وتوجيههاً هو لتوكيد هذه الأدلة، فإنه من العوائد الثابتة عند العرب أن يلزم المدعي في مثل هذه الحالة باليمين، وفي كتابها المؤرخ 2 أغسطس سنة 1934 تقول إن سالم شعيب المتهم بالقتل والأشخاص الموجودين معه بالبحيرة لا يعتبرون مسئولين وحدهم عن دفع الدية لأن طريقة الدفع عند العربان في مسائل الدية هي التعاون فتتولى عائلة القبيلة دفع الدية.
وفي 21 من أغسطس سنة 1934 قدم عيسى نوح المطعون ضده الأول، إلى محافظة الصحراء شكوى يتظلم فيها من التعرض لأغنامه بناءً على أمر قسم مرسى مطروح تنفيذاً لحكم القومسيون المذكور، ويقول إنه يطلب إعادة النظر في الدعوى كما طلب ذلك غيره من عاقلة قبيلة الجبيهات وهما صابر معيوف (المطعون ضده الثاني) وبحيري مسعود، وإنه في حالة عدم قبول هذا الطلب واعتماد الحكم فإن الدية توزع على جميع العائلات العمار (القادرة على الدفع) وهو مستعد لدفع ما يخص عائلته. وبتاريخ 17 ديسمبر سنة 1934 تقدمت إلى مأمور قسم مطروح شكوى أخرى من المطعون ضدهما الأول والثاني ومن بحيري مسعود يطعنون فيها على صحة تشكيل القومسيون مدعين أنهم لم يشتركوا في انتخاب أعضائه، ويطلبون عدم تنفيذ الحكم الصادر منه عليهم، أما إن تقرر تنفيذه فإن العوائد الجارية تقضي بالابتداء بالتنفيذ على المتهم سالم شعيب وقرابته ثم عليهم بعد ذلك، وهم بوصفهم دفاعه لا يعارضون في دفع ما يخصهم. وبناءً على ذلك تقرر إعادة النظر في الدعوى أمام قومسيون مصالحات آخر، وعين لعقده بمديرية البحيرة يوم 5 من أغسطس سنة 1935، وأخذ على المطعون ضدهما الأول والثاني وعلى ميكائيل نوح بوصفهم عواقل قبيلة الجبيهات إقرار مؤرخ في 15 من يوليو سنة 1935 بعلمهم بذلك وبتعهدهم بالحضور إلى ديوان المديرية لاختيار المحكمين. وفي 5 من أغسطس سنة 1935 عقد بمديرية البحيرة اجتماع برياسة الحكمدار وعضوية عمد قبائل العربان ثبت بمحضره حضور الفريقين، الفريق المدعي أي قبيلتي السناقرة والقطعان والفريق المدعى عليه أي قبيلة الجبيهات، وأن كلاً من الفريقين اختار محكمين أربعة، وقرر الحاضرون من الفريقين بأنهم يقبلون الحكم الذي يصدر من لجنة التحكيم المشكلة من الحكمدار رئيساً والمحكمين الثمانية أعضاء مهما كان، وأنهم مستعدون لتنفيذه بكل الطرق، وعين لانعقاد اللجنة يوم أول سبتمبر سنة 1935. ووقع على هذا المحضر من كان حاضراً من هؤلاء المحكمين، كما وقع عليه من الفريق الأول المدعي كل من سعداوي كريم وموسى صالح وعبد الله محمد شنيبات وهاشم خميس، ومن الفريق الثاني المدعى عليه سالم شعيب وعيسى نوح وصابر معيوف، وتعهد الفريقان بإحضار شهودهما في هذا اليوم، ومنه تأجل الاجتماع إلى اليوم التالي لغياب أحد المحكمين، وتم الاجتماع فعلاً في 2 سبتمبر سنة 1935 وسمع المجلس أقوال الفريقين وشهادات الشهود، ثم أصدر حكمه بأن جميع القرائن والأدلة التي ظهرت له من التحقيق تثبت حصول القتل من قبيلة الجبيهات. ولذلك حكم: أولاً - بأن يحلف أولياء الدم خمسة وخمسين يميناً عن كل قتيل في مقام سيدي عبد الرحمن بالضبعة. وثانياً - بأن يدفع المتهمون أربعمائة جنيه دية عن كل قتيل بمجرد إتمام الحلف الذي يتم بحضور مأمور قسم الضبعة في خلال شهر. ووقع على هذا الحكم من الفريق المدعي سعداوي كريم وموسى صالح وتميم خير الله وعبد الله محمد شنيبات وهاشم خميس، ومن الفريق المدعى عليه سالم شعيب راجيل وعيسى نوح وبحيري مسعود وصابر معيوف، كما وقع عليه الحكمدار بصفته رئيساً للقومسيون ووقع معه الأعضاء المحكمون الثمانية. وأثبت الرئيس في ذيل المحضر أن الفريقين اتفقا على أن يقدم فريق قبيلة الجبيهات كشفاً بأسماء من يدعونهم لحلف اليمين، ثم يعرض هذا الكشف على أولياء الدم، ومتى أقروه يكتب إلى مأمور الضبعة لإجراء الحلف بحضوره وحضور اثنين من المحلفين عن كل فريق، وتحدد لتقديم الكشف والاطلاع عليه يوم 22 سبتمبر سنة 1935، لكن هذا الميعاد مضى دون أن تقدم قبيلة الجبيهات الكشف المذكور، فكتبت مديرية البحيرة إلى مصلحة الحدود تطلب منها تنفيذ الحكم، فأجابتها المصلحة بتاريخ 8 من أكتوبر سنة 1935 بأنها مستعدة لتنفيذه بجميع الوسائل القانونية المقررة بقانون الصحراء إذا ذيلته المديرية بأمر تنفيذ، فردت المديرية بتاريخ 14 من ذلك الشهر بأن مجالس الصلح بالمديرية هي هيئات عرفية ليس لها صفة رسمية ولا تملك المديرية سلطة تذييل أحكامها بالصيغة التنفيذية، وهذه الأحكام تنفذ عادة بالتراضي وفي حالة امتناع المحكوم عليه عن تنفيذ مقتضاها يكون للفريق الآخر أن يتخذها أساساً لرفع دعوى أمام المحاكم العادية. ولما كان هذا النزاع بين عربان ينتسبون إلى قبائل داخلة في اختصاص مصلحة الحدود وفصل فيه محكمون منهم طبقاً لعوائدهم فقد أرسلت المديرية الأوراق للمصلحة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم إن كانت القواعد المرعية في الصحراء تسمح بهذا التنفيذ، أما إذا كان يشترط للتنفيذ أن يكون الحكم صادراً من مجلس صلح في الجهة فيمكن طرح الموضوع من جديد على مجلس آخر وتقدم هذه الأوراق إليه للاسترشاد بها. وبعد أخذ ورد كتبت محافظة الحدود إلى المديرية بتاريخ 22 من نوفمبر سنة 1936 بأن محامي المدعين ما زال متمسكاً بقرار قومسيون مديرية البحيرة الصادر بتاريخ 2 سبتمبر سنة 1935 ولا يقبل بأية حال إعادة النظر في القضية بمحاكم البدو في محافظة الصحراء الغربية الخاضعة لقانون الصحراء، وبما أن هذا القرار صادر من هيئة عرفية ليس لها صفة رسمية ولا تسمح القواعد المرعية في الصحراء بتنفيذه، إلا برضاء الفريق المحكوم عليه، وبما أن هذا الفريق وهو قبيلة الجبيهات غير راض به فلا سبيل إلى التنفيذ بالطرق الجبرية.
وبناءً على ذلك رفع الطاعنون الأربعة الأولون ومورث الطاعنة الأخيرة الدعوى رقم 473 سنة 1938 بمحكمة الإسكندرية الابتدائية على المطعون ضدهما الأول والثاني وسالم شعيب راجيل وبحيري مسعود أشاروا في صحيفتها إلى الوقائع سالفة الذكر وطلبوا إلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا إليهم مبلغ الثمانمائة جنيه قيمة الدية التي صدر بها حكم القومسيون بتاريخ 2 سبتمبر سنة 1935. وقد عرضوا عليهم في عريضة الدعوى استعدادهم لحلف اليمين على ما جاء بهذا الحكم وكلفوهم بأن يقدموا إلى حكمدار مديرية البحيرة في خلال خمسة عشر يوماً من إعلانهم بعريضة الدعوى كشفاً بأسماء مائة فرد وعشرة من قبيلتي المدعين السناقرة والقطعان وأن يخطروا المدعين بذلك تلغرافياً في محلهم المختار لمراجعة هذا الكشف وتحديد يوم لحلف اليمين في المكان المعين بالحكم المذكور، فإن تأخروا عن ذلك سقط حقهم في اليمين وتعين الحكم عليهم بهذا المبلغ. وقد أدخل المدعون مصلحة الحدود في الدعوى لتسمع الحكم عليها بما يوجهونه إليها من الطلبات بالجلسة ولتقدم الأوراق التي تطلب منها.
وبتاريخ 30 من نوفمبر سنة 1939 قضت المحكمة بإلزام المطعون ضدهما الأولين وسالم شعيب راجيل وبحيري مسعود متضامنين بأن يدفعوا للمدعين (الطاعنين) مبلغ 800 ج مع المصاريف و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنف المطعون ضدهما الأول والثاني وسالم شعيب راجيل وبحيري مسعود هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر. وفي 10 من فبراير سنة 1941 قضت المحكمة المذكورة: أولاً - بإبطال المرافعة بالنسبة إلى كل من سالم شعيب راجيل وبحيري مسعود وإلزامهما بمصاريف الاستئناف الخاصة بهما، وثانياً - بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليهم الخمسة الأولين (الطاعنين الأربعة الأول ومورث الطاعنة الأخيرة) قبل باقي المستأنفين (المطعون ضدهما الأولين) وبإلزامهم بالمصاريف عن الدرجتين ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما.
وقد أعلن هذا الحكم للطاعنين في 5 من يوليو سنة 1941 فقرر وكيلهم الطعن فيه بطريق النقض.
وعين لنظر هذا الطعن جلسة يوم الخميس 12 من مارس سنة 1942 وفيها نظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة استمرار المرافعة إلى جلسة 28 من مايو سنة 1942 وعلى الطاعنين تقديم مذكرات تكميلية في المسائل التي أثيرت بالجلسة، وبعد تقديم المذكرات التكميلية سمعت المرافعة وعين للنطق بالحكم يوم 11 يونيه سنة 1942 ثم يوم 25 من ذلك الشهر وفيه قررت المحكمة فتح باب المرافعة لاستيضاح الطاعنين بعض أمور متعلقة بأوجه الطعن، وعينت لذلك جلسة 12 من نوفمبر سنة 1942. وبتاريخ 4 نوفمبر سنة 1942 كتب الأستاذ عبد الفتاح كرشاه المحامي إلى هذه المحكمة بأن الطاعنين كانوا أعلنوه بتقرير الطعن بوصفه وكيلاً عن المطعون ضدهم فرفض قبول الإعلان فسلم الإعلان إلى المحافظة. ويقول إنه لما كان هذا الإعلان باطلاً وليس في مقدوره إخطار المطعون ضدهم به لوقوعهم أسرى حرب بسبب استيلاء الألمان على مرسى مطروح فإنه يعرض الأمر على المحكمة لتقرير إيقاف السير في إجراءات الطعن. وبجلسة 12 من نوفمبر سنة 1942 أبدى وكيل الطاعنين والنيابة ملاحظاتهما بشأن هذا الكتاب، وللأسباب المدونة في محضر الجلسة قررت المحكمة تأجيل الدعوى إلى جلسة 22 من إبريل سنة 1943 وكلفت الطاعنين بإعلان المطعون ضدهما الأولين بالطريق القانوني، وفي الجلسة المذكورة أبدى وكيل الطاعنين أن المطعون ضدهما مقيمان في منطقة عسكرية ولم يرد أصل الإعلان منها بعد، فقررت المحكمة التأجيل إلى جلسة 28 من أكتوبر سنة 1943 ليتيسر للطاعنين إعلان المطعون ضدهما الأول والثاني بتقرير الطعن، ومنها إلى جلسة 27 من يناير سنة 1944 لتنفيذ القرار السابق، وفيها قدم وكيل الطاعنين صورتي التقريرين المعلنتين إلى المطعون ضدهما بتاريخ 25 ديسمبر سنة 1943 و4 من يناير سنة 1944 وطلب التأجيل للاستعداد للمرافعة فأجلت المحكمة الدعوى إلى جلسة 9 من مارس سنة 1944 وفيها سمعت المرافعة إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ أقيم على أن الحكم الصادر من قومسيون التحكيم بتاريخ 2 سبتمبر سنة 1935 لا يرتب أي التزام على المطعون ضدهما الأول والثاني يكون مخطئاً. ذلك لأنهما قد وقعا عليه كما كانا قد وقعا على مشارطة التحكيم المؤرخة في 5 من أغسطس سنة 1935 التي انعقد القومسيون وأصدر حكمه بموجبها، ولا معنى لتوقيعهما على الحكم بعد صدوره إلا أنهما راضيان به وقابلان له، وغير سائغ قول المحكمة بأنه قبول لمجرد الإجراءات التي حصلت أمام القومسيون مما يتنافى مع البند الثاني من مشارطة التحكيم الذي تقرر فيه قبول الجميع لحكم القومسيون مهما كان واستعدادهم لتنفيذه بكل الطرق، كما يتنافى مع مسلكهما الثابت بالإقرار المؤرخ في 15 من يوليو سنة 1935 الذي أعقبته المشارطة، ولذلك يكون استخلاص المحكمة مستحيلاً عقلاً، ولا محل لما عابته المحكمة على حكم القومسيون من أنه لم يحقق صفات الطرفين من ناحية تمثيلهم لقبائلهم، لأن شيئاً من هذا الذي أثارته هي من تلقاء نفسها لم يكن محل خلاف أمامها بين طرفي الخصومة عملاً بالعادات والتقاليد المقررة ضدهم. ولا محل كذلك لقولها بأن المطعون ضده الثاني لم يوقع على مشارطة التحكيم فإن له توقيعاً عليها لكن المحكمة غفلت عنه، ولا لقولها بأنه توقيعه على الحكم هو لإثبات أن حضوره أمام القومسيون كان لمجرد المساعدة في الدفاع عن قبيلته دون أن يكون مسئولاً عما يحكم به فإن ذلك مناقض لمشارطة التحكيم التي وقع عليها ومناقض لإقراره بمسئوليته بوصفه من العاقلة في العريضتين المقدمتين منه بالطعن على حكم قومسيون أبي حمص المؤرختين في 13 من أغسطس سنة 1934 و17 من ديسمبر سنة 1944. ولا محل أخيراً لقول المحكمة بأن حكم القومسيون مبهم لخلوه من تعيين المحكوم لهم والمحكوم عليهم لأن الحكم حاو للبيان الكافي بأن المحكوم لهم هم الخمسة المدعون والمحكوم عليهم هم الأربعة المدعى عليهم.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعنين أقاموا الدعوى على أساس مستندين: مشارطة التحكيم المؤرخة في 5 من أغسطس سنة 1935 والحكم الصادر في 2 من سبتمبر سنة 1935 من قومسيون التحكيم الذي انعقد بناءً على هذه المشارطة، وطلبوا من المحكمة الحكم بموجب هذين المستندين.
وحيث إنه من الاطلاع على المستند الأول يبين أن عيسى نوح المطعون ضده الأول وقع عليه بخاتمه، وأن صابر معيوف المطعون ضده الثاني وقع عليه بإمضائه. وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في قوله إنه لم يوقع على محضر التحكيم ولم يشترك فيه. ويبين من الاطلاع على المستند الآخر أنه بعد صدور منطوق حكم القومسيون وقع عليه عيسى نوح ببصمة إبهامه وصابر معيوف بإمضائه. وهذه التوقيعات وتلك لا يمكن أن يكون لها من معنى إلا قبول أصحابها لموجب المستندين المذكورين المبني أحدهما على الآخر. وباطل بالبداهة ما قاله الحكم المطعون فيه خلافاً لذلك من أن الغرض من التوقيعات كان مجرد إقرار الإجراءات التي تمت أمام القومسيون دون حكمه الذي ذيل بها، إذ لا مفهوم لما يسمى إقرار الإجراءات أمام القومسيون ولا نتيجة له تستدعي توقيعاً، ثم إن هذا القول لا يجوز على مشارطة التحكيم، وهي تكفي وحدها في إلزام الموقعين عليها بحكم القومسيون الذي صدر بناءً عليها بلا حاجة إلى توقيع آخر منهم. فإذا ما صدر هذا الحكم ووقع عليه أيضاً فلا يسوغ في العقل أن ينصب التوقيع إلا على قبوله.
وحيث إن المستند الأول يفيد بجلاء أنه - حسماً للنزاع القائم بين فريق قبيلتي السناقرة والقطعان وبين فريق قبيلة الجبيهات بسبب حادثة قتل عبد السيد عبد الله من السناقرة وحميدة خميس من القطعان واتهام قبيلة الجبيهات فيهما - اتفق الموقعون عليه من أفراد الفريقين على أن يحكموا في هذا النزاع قومسيون تحكيم مؤلفاً من حكمدار مديرية البحيرة رئيساً وثمانية أعضاء محكمين اختار كل فريق أربعة منهم، وقرر الجميع أنهم قابلون للحكم الذي يصدر من هذا القومسيون مهما كان وأنهم مستعدون لتنفيذه بكل الطرق. والمستند الآخر يفيد بجلاء كذلك أن قومسيون التحكيم المذكور أصدر حكمه بثبوت حصول القتل من قبيلة الجبيهات وبإلزام الموقعين عليه من أفراد هذه القبيلة بأن يدفعوا إلى الموقعين عليه من أفراد قبيلتي السناقرة والقطعان مبلغ أربعمائة جنيه دية عن كل واحد من القتيلين بمجرد إتمام حلف أولياء دم كل قتيل خمسة وخمسين يميناً بأن القتل حصل من قبيلة الجبيهات. وبعد صدور هذا الحكم وقع عليه سالم شعيب وعيسى نوح مسعود وصابر معيوف من قبيلة الجبيهات ثم وقع عليه سعداوي كريم وموسى صالح ونعيم خير الله وعبد الله محمد شنيبات وهاشم خميس من قبيلتي السناقرة والقطعان. وهذا المستند الثابت به حكم قومسيون التحكيم ثم توقيعات الفريقين قد رتب على الموقعين عليه من أفراد قبيلة الجبيهات، ومنهم المطعون ضدهما الأولان، تعهدا بدفع مبلغ ثمانمائة جنيه للموقعين عليه من قبيلتي السناقرة والقطعان، وهم الطاعنون، معلقاً على شرط حلف عدد معين من الأيمان. وهذا الشرط الذي قبل الطرفان تعليق تنفيذ التعهد على تحققه ليس مخالفاً للقانون، بل له أصل في يمين القسامة المقرر في مسائل الدية في الشريعة الإسلامية، فهذا التعهد قد استوفى كل العناصر القانونية الواجب توافرها في التعهدات المدنية الصحيحة، وسببه حصول المتعهدين على الصلح بينهم هم وباقي أفراد قبيلتهم وبين المتعهد لهم وباقي أفراد القبيلتين الأخريين بخصوص حادثة القتل المذكورة آنفاً وهو سبب جائز قانوناً.
وحيث إنه لما كان ذلك كذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أقيم على أساس أن المستندين المذكورين اللذين بنيت عليهما الدعوى لا يرتبان لمصلحة الطاعنين أي التزام على المطعون ضدهما الأولين يكون قد خالف القانون ويتعين نقضه بلا حاجة إلى البحث في أوجه الطعن الأخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق