الصفحات

الاثنين، 17 أبريل 2023

الطعن 920 لسنة 46 ق جلسة 14 / 2 / 1980 مكتب فني 31 ج 1 ق 101 ص 514

جلسة 14 من فبراير سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ حافظ رفقي نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمدي الخولي، ويوسف أبو زيد، ومصطفى صالح سليم، وعزت حنورة.

-------------------

(101)
الطعن رقم 920 لسنة 46 القضائية

(1، 2) قضاة. "مخاصمة القضاة". مسئولية. محكمة الموضوع.
(1) عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله. الاستثناء. مسئوليته إذا انحرف عن واجبات وظيفته أو أساء استعمالها. أحوال مساءلته عن التضمينات. ورودها على سبيل الحصر.
(2) أحوال مخاصمة القضاة. م 494 مرافعات. الغش والخطأ الجسيم. ماهية كل منهما تقدير جسامة الخطأ. من سلطة محكمة الموضوع.
(3 - 5) بطلان. حكم. قضاة. "مخاصمة القضاة". مسئولية.
اشترك أحد القضاة في المداولة دون سماعه للمرافعة أو عدم إثبات تخلف أحدهم عند النطق بالحكم مع توقيعه على مسودته وحلول غيره محله. أثره. بطلان الحكم. عدم جواز مخاصمة القاضي لهذا السبب طالما لم ينص القانون على مساءلته. القياس على نص المادة 175 مرافعات غير جائز.
(4) وجوب إيداع مسودة الحكم عند صدوره. عدم ترتيب البطلان إذا أودعت المسودة بالملف عندئذ ثم تبين عدم وجودها به في تاريخ لاحق.
(5) القضاء بأن قصور الحكم في أسبابه أو خطئه في تفسير العقد لا يرقى إلى مرتبة الخطأ المهني الجسيم. منازعة الطاعن بشأن مدى جسامة الخطأ. مجادلة موضوعية. تنحسر عنها رقابة محكمة النقض.

----------------
1 - الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله لأنه يستعمل في ذلك حقاً خوله القانون وترك له سلطة التقدير فيه، ولكن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء إذا انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها فنص في قانون المرافعات على أحوال معينة أوردها على سبيل الحصر يسأل فيها القاضي عن التضمينات، والحكمة التي توخاها المشرع من ذلك هي توفير الطمأنينة للقاضي في عمله وإحاطته بسياج من الحماية يجعله في مأمن من كيد العابثين الذين يحاولون النيل من كرامته وهيبته برفع دعاوى كيدية لمجرد التشهير به، ومن ثم فإنه لا يجوز مقاضاته بالتضمينات عن التصرفات التي تصدر منه إبان عمله إلا في هذه الأحوال (1).
2 - النص في الفقرة الأولى من المادة 494 مرافعات يجيز مخاصمة القضاة إذا وقع منهم في عملهم غش أو خطأ مهني جسيم فإن يقصد بالغش انحراف القاضي في عمله عما يقتضيه القانون قاصداً هذا الانحراف وذلك إما إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية في خصم أو تحقيقاً لمصلحة خاصة للقاضي. أما الخطأ المهني الجسيم فهو الخطأ الذي يرتكب القاضي لوقوعه في غلط فاضح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً، ويستوي أن يتعلق بالمبادئ القانونية أو بوقائع القضية الثابتة في ملف الدعوى وتقدير مبلغ جسامة الخطأ يعتبر من المسائل الواقعية التي تدخل في التقدير المطلق لمحكمة الموضوع.
3 - النص في المواد 167 و170 و178 من قانون المرافعات يدل على أنه إذا اشترك أحد القضاة في المداولة ولم يكن قد سمع المرافعة في الدعوى، أو إذا تخلف أحد القضاة الذين أصدروا الحكم في جلسة النطق به بسبب مانع قهري ولم يثبت في الحكم أنه وقع على مسودته المشتملة على منطوقه وأسبابه، وأن غيره حل محله وقت النطق به فإن الأمر المترتب على هذا العوار الذي يلحق بالحكم هو البطلان، بيد أن المشرع لم يقرر بصريح هذه النصوص مساءلة القاضي عن التعويضات، بينما النص في الفقرة الثالثة من المادة 494 من هذا القانون تشترط لجواز المخاصمة أن يكون القانون قد نص على مسئولية القاضي عن المخالفة وعن التعويض عنها، ولا يصح القياس في هذه الحالة على حكم المادة 175 من قانون المرافعات التي تقرر مسئولية القاضي عن التعويض في حالة عدم إيداع مسودة الحكم ملف الدعوى عند صدوره، لأن تقرير مسئولية القاضي عن أعماله بدعوى المخاصمة هو استثناء ورد في القانون في حالات معينة على سبيل الحصر فلا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها.
4 - إيجاب إيداع مسودة الحكم على النحو المبين بالمادة 175 من قانون المرافعات مقصود به ضمان أن يكون الحكم قد صدر بعد مداولة شملت أسبابه ومنطوقه واستقرت عقيدة المحكمة بشأنه على أساس ما ورد بالمسودة التي وقعت وأودعت وقت النطق به مما مفاده أن المشرع قد رتب البطلان على عدم إيداع المسودة وقت صدور الحكم بحيث لا يكون ثمة محل للبطلان إذا أودعت المسودة الملف عند صدور الحكم ثم تبين في تاريخ لاحق عدم وجودها به. يؤيد ذلك أن المادة 177 من القانون ذاته التي أوجبت حفظ المسودة بالملف لم ترتب البطلان جزاء على مخالفة حكمها (2).
5 - تقدير مدى جسامة الخطأ الموجب لمسئولية المخاصم ضده من الأمور الموضوعية التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خلص - في حدود سلطته التقديرية - أن الطعون الموجهة على القضاء الصادر في موضوع الدعوى محل المخاصمة طعون موضوعية مجالها الطعن في الحكم المشار إليه سواء ما تعلق منها بالقصور في الأسباب أو الخطأ في تفسير التعاقد المبرم بين طرفي الخصومة ولا ترقى إلى الخطأ المهني الجسيم فإن النعي على هذا الحكم والمنازعة في جسامة الخطأ المنسوب إلى المطعون ضده يكون مجادلة موضوعية فيما تستقل بتقديره محكمة الموضوع تنحسر عنها رقابة محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن بصفته كان قد أقام الدعاوى أرقام 1659، و1711، 1752 لسنة 1971 تجاري كلي الإسكندرية ضد ربان السفينة "برايت سكاي" وملاكها مطالباً بقيمة نولون الشحن وبتعويض عن الأضرار التي لحقت بضاعته المتفق على نقلها بموجب مشارطة إيجار بحرية وذلك نتيجة عدم شحن بعضها والإهمال في تفريغ بعضها الآخر وقدم ملاك السفينة خطاب ضمان من البنك الأهلي لصالح المذكور على ذمة الفصل في هذه الدعاوى التي نظرت أمام الدائرة التاسعة تجاري كلي برئاسة المطعون ضده وقضى برفضها جميعاً في 3/ 2/ 1976 فأقام الطاعن على المطعون ضده دعوى المخاصمة رقم 170 لسنة 32 ق أمام الدائرة السادسة التجارية لمحكمة استئناف الإسكندرية طالباً الحكم عليه بالتضامن مع وزارة العدل بالتعويضات وببطلان الحكم الصادر في الدعاوى المذكورة ناسباً إليه الغش والخطأ المهني الجسيم وبتاريخ 13/ 6/ 1976 حكمت محكمة الاستئناف بعدم جواز قبول المخاصمة، وألزمت الطاعن بالمصاريف وبتغريمه مائتي جنيه. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعن بأولها على الحكم المطعون فيه القصور والإخلال بحقه في الدفاع وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك بأن المطعون ضده قضى برفض دعواه لوجود صداقة وطيدة تربطه بمحامين خصومة ولكن الحكم المطعون فيه رتب قضاءه بعد جواز قبول المخاصمة على أنه لم يبين مصدر الصداقة التي يدعي وجودها، وأنه لم يقم الدليل عليها فيكون الادعاء بالغش منتفياً بينما كان يتعين على محكمة الاستئناف أن تأمر باستجواب الخصوم أو تحيل الدعوى إلى التحقيق من تلقاء نفسها لإثبات هذه الصداقة عملاً بالرخص المخولة لها بمقتضى المواد 70، 105، 106 من قانون الإثبات إذ هي لم تفعل فإنها تكون قد أخلت بحقه في الدفاع ويكون حكمها المطعون فيه مشوباً بالقصور المبطل مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن الطاعن هو المكلف قانوناً بإثبات دعواه وتقديم الأدلة التي تثبت ما يدعيه، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أورد في خصوص سبب النعي أنه لا دليل في الأوراق على ما يدعيه المذكور من صداقة وطيدة بين المطعون ضده وبين محامي خصومه، فضلاً عن أن الطاعن لم يبين مصدره في هذا الصدد ومظاهر هذه الصداقة، وأنه لا يعقل وقد أصدر المطعون ضده الحكم ضد الطاعن أن يتسبب في بطلانه إن كان لهذه الصداقة المدعاة وجود بل على العكس لحرص على صدوره في شكله القانوني السليم ولجنبه مواطن البطلان مما يقطع بعدم صحة ما نسبه الطاعن للمطعون ضده في الشأن، وكان الطاعن لم يطلب من محكمة الموضوع إجراء من إجراءات الإثبات تحقيقاً لما يثيره في هذا الخصوص فليس له أن يعيب على المحكمة سكوتها عن اتخاذ إجراء لم يطلب منها طالما أنها لم تر من جانبها ما يدعو لذلك، وإذ كان ذلك فإن ما استخلصه الحكم يكون استخلاصاً موضوعياً سائغاً لا إخلال فيه بحق الطاعن في الدفاع ويكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني للنعي بأن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه تمسك بين أسباب الخصومة بنسبة الخطأ المهني الجسيم إلى المطعون ضده لتسببه في بطلان الحكم بسبب عدم توقيع عضو الدائرة الذي سمع المرافعة مسودة الحكم ولكن الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بنفي الخطأ الجسيم عن المطعون ضده في شأن توقيع قاض لم يسمع المرافعة على مسودة الحكم بما قرره من أن هذا الخطأ يحدث كثيراً بسبب تكدس القضايا المحجوزة للحكم وإرهاق القضاة وأن القاضيين الآخرين في الهيئة وقعا في نفس الخطأ ولم توجه إليهما دعوى المخاصمة فضلاً عن أن هذا الخطأ رغم وقوعه وترتب البطلان عليه لا يجوز تأسيس دعوى المخاصمة عليه لأن القانون لا يرتب أية تضمينات بسببه على القاضي وفقاً لما تقضي به المادة 494/ 3 مرافعات - على حين أنه وفقاً للقواعد العامة فإن المسئولية عن البطلان ترتب التعويض في حق من تسبب في هذا البطلان وإذ كان المشرع قد رتب البطلان في حالات أهون من الحالة المعروضة ومنها المادة 175 الخاص بعدم إيداع مسودة الحكم عند النطق به والمواد 174 و176 و178 فمن باب أولى يجوز مخاصمة رئيس الهيئة لبطلان حكمه بسبب عدم توقيع العضو الذي سمع المرافعة على مسودة الحكم وتوقيع عضو آخر لم يشترك في المداولة، وأن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرف في أثناء عمله لأنه يستعمل في ذلك حقاً خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه ولكن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء إذا انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها فنص في قانون المرافعات على أحوال معينة أوردها على سبيل الحصر يسأل فيها القاضي عن التضمينات - والحكمة التي توخاها المشرع من ذلك هو توفير الطمأنينة للقاضي في عمله وإحاطته بسياج من الحماية يجعله في مأمن من كيد العابثين الذين يحاولون النيل من كرامته وهيبته برفع دعاوى كيدية لمجرد التشهير به، ومن ثم فإنه لا يجوز مقاضاته بالتضمينات عن التصرفات التي تصدر منه إبان عمله إلا في هذه الأحوال وإذ كان النص في الفقرة الأولى من المادة 494 مرافعات يجيز مخاصمة القضاة إذا وقع منهم في عملهم غش أو خطأ مهني جسيم فإنه يقصد بالغش انحراف القاضي في عمله عما يقتضيه القانون قاصداً هذا الانحراف وذلك إما إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية في خصم أو تحقيقاً لمصلحة خاصة للقاضي أما الخطأ المهني الجسيم فهو الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في غلط فاضح ما كان ليساور إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً، ويستوي أن يتعلق بالمبادئ القانونية أو بوقائع القضية الثابتة في ملف الدعوى وتقدير مبلغ جسامة الخطأ يعتبر من المسائل الواقعية التي تدخل في التقدير المطلق لمحكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان النص في المادة 167 من قانون المرافعات أنه "لا يجوز أن يشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلاً" وفي المادة 170 من القانون المذكور على أنه "يجب أن يحضر القضاة الذين اشتركوا في المداولة تلاوة الحكم فإذا حصل لأحدهم مانع وجب أن يوقع على مسودة الحكم" وفي المادة 178 على أنه يجب أن يبين في الحكم.. أسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في الحكم وحضروا تلاوته وأن عدم بيان أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم يترتب عليه بطلان الحكم تدل على أنه إذا اشترك أحد القضاة في المداولة ولم يكن قد سمع المرافعة في الدعوى، أو إذا تخلف أحد القضاة الذين أصدروا الحكم في جلسة النطق به بسبب مانع قهري ولم يثبت في الحكم أنه وقع على مسودته المشتملة على منطوقه وأسبابه وأن غيره حل محله وقت النطق به فإن الأثر المرتب على هذا العوار الذي يلحق بالحكم هو البطلان بيد أن المشرع لم يقرر بصريح هذه النصوص مساءلة القاضي عن التعويضات، بينما النص في الفقرة الثالثة من المادة 494 من هذا القانون يشترط لجواز المخاصمة أن يكون القانون قد نص على مسئولية القاضي عن المخالفة وعن التعويض عنها، ولا يصح القياس في هذه الحالة على حكم المادة 175 من قانون المرافعات التي تقرر مسئولية القاضي عن التعويض في حالة عدم إيداع مسودة الحكم ملف الدعوى عند صدوره، لأن تقرير مسئولية القاضي عن أعماله بدعوى المخاصمة - وهو على ما سلف القول استثناء ورد في القانون في حالات معينة على سبيل الحصر فلا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها. إذ كان ذلك، وكان من حق المحكمة عملاً بالمادة 496 من قانون المرافعات أن تبحث مدى تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى لتقضي بقبولها أو عدم قبولها فإن هذا لا يتأتى لها إلا باستعراض أدلة المخاصمة لتتبين مدى ارتباطها بأسبابها. لما كان ذلك كذلك، وكان الحكم إذ قرر أن ما نسب إلى المطعون ضده لا يعتبر غشاً ولا خطأ مهنياً جسيماً قد أقام قضاءه على قوله "أن المخاصم - الطاعن - لم يفصح عن مصدر علمه باشتراك الأستاذ..... القاضي في المداولة إذ لو كان قد اشترك فيها فعلاً لأثبت اشتراكه هذا بتوقيعه على مسودة الحكم وهو ما لم يحدث، ومن الثابت لدى المحكمة أن الأستاذ/ ..... القاضي والذي كان ضمن الهيئة التي سمعت المرافعة لم يشترك في المداولة ولا في التوقيع على مسودة الحكم، وإذ كان القانون يرتب البطلان على هذا الخطأ إلا أنه لم يرتب أية تضمينات على القاضي وبالتالي لا تتدرج هذه الحالة ضمن الفقرة الثالثة من المادة 494 مرافعات كما أنها لا تشكل خطأ مهنياً جسيماً ذلك أنها كثيراً ما تحدث في العمل وترجع في المقام الأول إلى تكدس القضايا المعروضة والمحجوزة للحكم وإرهاق رجال القضاء من وطأة العمل بما ينوء به عاتق خيارهم لا الذين يهتمون اهتماماً عادياً بعلمهم فحسب ولعل أبلغ دليل على ذلك وقوع الأستاذين عضوي الدائرة.... و.... القاضيين في نفس الخطأ وقبول أولهما التوقيع على الحكم والاشتراك في المداولة فيه رغم عدم حضوره بجلسة المرافعة الأخيرة، وعدم ملاحظة الثاني لحضور زميله بالمداولة واشتراكه بالتوقيع على المسودة رغم عدم حضوره بجلسة المرافعة، وبالرغم من ذلك فإن الخاصم - الطاعن - لم يوجه دعواه إلا للسيد رئيس الدائرة المخاصم ضده معللاً ذلك في مذكرته بأنه يوجه دعواه للمخاصم ضده فقط بوصفه رئيساً للدائرة والمستأثر بكتابة الحكم في الدعاوى سالفة الذكر، والحقيقة التي لا مرء فيها أنه لم يختصم عضوي الدائرة في هذا الخصوص إلا ليقينه بأن عدم توقيع الأستاذ.... القاضي على الحكم وتوقيع الأستاذ.... القاضي بدلاً منه كان بطريق السهو والنسيان لا أكثر وهو سهو شمل أكثر من واحد مما يدل على أنه محتمل الوقوع ويعتبر خطاً عادياً" وكانت هذه الاعتبارات التي ساقها الحكم تكفي لحمل قضائه فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما يستقل به قاضي الموضوع من تقدير مدى جسامة الخطأ تنحصر عنه رقابة محكمة النقض ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث النعي بأن الحكم المطعون فيه شابه فساد في الاستدلال إذ استبعد علاقة الصداقة بين المطعون ضده وبين خصوم الطاعن بأن الحكم صدر لمصلحة هؤلاء الخصوم وأنه لا يعقل أن يتسبب رئيس الهيئة في بطلانه بعدم حرصه على إصداره في الشكل القانوني على حين أن الشخص مهما كان حريصاً لا يأمن شر خطئه.
وحيث عن هذا النعي مردود بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن تقدير القرائن مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى فلا يخضع فيه قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه في ذلك سائغاً، ولما كان الحكم قد استدل على انتفاء علاقة الصداقة المدعاة ما بين المطعون ضده وبين محامين الطاعن - وعلى ما سلف البيان - بأن الحكم صدر لمصلحة هؤلاء الخصوم وأنه لا يعقل أن يتسبب رئيس الهيئة في بطلانه إن كان هناك صداقة تربطه بمحاميهم وكان هذا الحكم سائغاً ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها من نفي صلة الصداقة المدعاة فإن ما يثيره الطاعن يكون جدلاً موضوعياً تنحسر عنه رقابة محكمة النقض ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الرابع النعي بأن الحكم المطعون فيه خالف الثابت في الأوراق وشابه الفساد في الاستدلال حين رد على ادعاء الطاعن بأن مسودة الحكم لم تودع ملف الدعوى يوم النطق به في 3/ 2/ 1976 بقوله أن هذا يتعارض مع ما سطره في تقدير المخاصمة ويتخاذل إزاء ما قرره أمام المحكمة بجلسة 11/ 5/ 1976 حيث استخلص الحكم من قوله "أن المسودة لم تودع ملف الدعوى وأنها موجودة بمكتب محامي الخصم بناء على أمر المطعون ضده وأنه بعد أن تقدم بشكواه للسيد رئيس المحكمة في 7/ 2/ 1976 أحضر سكرتير الجلسة الذي قرر أن المسودة بمكتب الأستاذ..... بناء على تعليمات المطعون ضده استخلص الحكم أن قوله هذا" مما يقطع بأن المطعون ضده نطق بالحكم وأودع أسبابه عند النطق به، خاصة بعد ما ثبت من فحص الشكوى ومذكرة رئيس القلم في ذات التاريخ أن المسودة كانت موجودة في ملف الدعوى وأن الطاعن أطلع عليها على حين أن هذا الذي استخلصه الحكم من تقرير المخاصمة يخالف الواقع لأن ما جاء بتقرير المخاصمة يفيد أن المسودة لم تكن مودعة ملف الدعوى وقت النطق بالحكم، كما أن قول سكرتير الجلسة لا يدل على حصول الإيداع وقتئذ وكذلك لا يدل عليه ما ورد بمذكرة رئيس القلم المؤرخة 8/ 2/ 1976 ومن ثم يكون الحكم قد خالف الثابت في الأوراق وشابه فساد في الاستدلال مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح فضلاً عن أنه مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد دل على أن مسودة الحكم أودعت يوم النطق به في 3/ 2/ 1976 بقوله "أما في ادعاء المخاصم - الطاعن - بأنه لاحظ أن مسودة الحكم لم تودع ملف الدعوى يوم النطق به. فإنه يتعارض مع ما سطره بنفس تقرير المخاصمة ويتخاذل إزاء ما قرره أمام المحكمة بجلسة 11 مايو سنة 1976 - فقد ورد في تقرير المخاصمة" أنه لاحظ أن مسودة الحكم لم تودع ملف الدعوى يوم النطق به وأنها موجودة طرف مكتب الأستاذين.... و.... المحامين بناء على أمر من السيد المخاصم ضده ويزيد الأمر إيضاحاً فيقول أنه تقدم بشكوى إلى الأستاذ المستشار رئيس المحكمة في 7/ 2/ 1976 أوضح فيها عدم وجود مسودة الحكم بالملف فأحضر سيادته سكرتير الجلسة أمامه... حيث قرر سكرتير الجلسة أن مسودة الحكم موجودة طرف الأستاذ..... المحامي بناء على تعليمات من الأستاذ المخاصم ضده الذي أصدر إليه تعليماته بأنه يسلمها بشخصه إلى مكتب المحامي المذكور مما يقطع بأن السيد المخاصم ضده - المطعون ضده - نطق بالحكم وأودع أسبابه عند النطق به... أما الزعم بأنه أصدر تعليماته إلى سكرتير الجلسة بتسليم المسودة إلى الأستاذ.... المحامي وأنه سلمها له بناء على هذه التعليمات فهو ما لا دليل عليه في الأوراق، فضلاً عن أنه لو كان السيد سكرتير الجلسة قد سلم المسودة فعلاً إلى المحامي المذكور فإنما كان ذلك بعد إيداعها - أما الاحتماء بتعليمات السيد رئيس الدائرة وأنه أمر بعدم تسليمها للطالب - الطاعن - وتسليمها للأستاذ.... المحامي - فقد يكون تبريراً كاذباً من الموظف لفعله الخاطئ ومخالفته القانون إذ أنه بمجرد إيداع مسودة الحكم يكون مسئولاً عن الاحتفاظ بها، ولا شأن للسيد المخاصم ضده في المحافظة عليها - وقد أكد طالب المخاصمة - الطاعن - ما ذكره بتقريره في هذا الخصوص بمحضر جلسة 11/ 5/ 1976 مندداً بسكرتير الدائرة قائلاً أن هذا الأخير أخبره أن تعليمات السيد رئيس الدائرة أن يسلم المسودة لمكتب..... وتستخلص المحكمة من جماع ما تقدم أن المسودة أودعت يوم النطق بالحكم وبالتالي يضحى ادعاء المخاصم في هذا الصدد على غير أساس سليم من الواقع أو القانون خاصة بعد أن ثبت من صدوره شكواه المؤرخة 8/ 2/ 1976 والمقدمة بحافظته رقم 4 حافظة - بخصوص عدم إيداع المسودة - ما ورد بها من السيد رئيس القلم في ذات التاريخ أنه بفحص الشكوى والقضايا المتعلقة بها اتضح أن مسودة الحكم في القضية 1659 سنة 1971 تجاري المنضمة إليها القضايا 1711 سنة 1971، 1752 لسنة 1971 تجاري كلي مودعة بملف الدعوى وقد تم إطلاع مقدم الشكوى - الطاعن - على مسودة الحكم "ولما كانت هذه القرائن التي أوردها الحكم المطعون فيه مستمدة من وقائع ثابتة ولا تخالف الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من أن مسودة الحكم قد أودعت يوم النطق به، وكان إيجاب إيداع مسودة الحكم على النحو المبين بالمادة 175 من قانون المرافعات مقصود به ضمان أن يكون الحكم قد صدر بعد مداولة شملت أسبابه ومنطوقة واستقرت عقيدة المحكمة بشأنه على أساس ما ورد بالمسودة التي وقعت وأودعت وقت النطق به مما مفاده أن المشرع قد رتب البطلان على عدم إيداع المسودة وقت صدور الحكم بحيث لا يكن ثمة محل للبطلان إذا أودعت المسودة الملف عند صدور الحكم ثم تبين في تاريخ لاحق عدم وجودها به يؤيد ذلك أن المادة 177 من القانون ذاته التي أوجبت حفظ المسودة بالملف لم ترتب البطلان جزاء على مخالفة حكمها، لما كان ذلك، وكان تقدير القرائن مما يستقل به قاضي الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض فيما يستنبطه من هذه القرائن متى كان استنباطه سائغاً، وكان لمحكمة الموضوع وهي تباشر سلطتها في تقدير الأدلة أن تأخذ بنتيجة دون أخرى ولو كانت محتملة متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة كافية لحمله، فإن ما يثيره الطاعن بسبب النعي لا يعدو أن يكون مجادلة موضوعية في تقدير محكمة الموضوع للقرائن بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذت بها تلك المحكمة وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الخامس النعي بأن المطعون ضده لم يلتزم في قضائه حجية الحكم الصادر في الاستئناف رقم 197 تنفيذ الإسكندرية الذي وصف تعاقد الطاعن مع الشركة التي استأجرت السفينة لحسابه" شركة سانتا ماريا نافيجاسيون بأنه مشارطة إيجار وقضى على خلاف ذلك بأنه مشارطة زمنية وبذلك يكون قد خالف حكم المادة 101 من قانون الإثبات بما يعد خطأ جسيماً يجيز مخاصمته.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كان تقدير مدى جسامة الخطأ الموجب لمسئولية المخاصم ضده من الأمور الموضوعية التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص - في حدود سلطته التقديرية - أن الطعون الموجهة إلى القضاء الصادر في موضوع الدعوى محل المخاصمة طعون موضوعية مجالها الطعن في الحكم المشار إليه سواء ما تعلق منها بالقصور في الأسباب أو الخطأ في تفسير التعاقد المبرم بين طرفي الخصومة ولا ترقى إلى الخطأ المهني الجسيم فإن النعي على هذا الحكم والمنازعة في مدى جسامة الخطأ المنسوب إلى المطعون ضده يكون مجادلة موضوعية فيما تستقل بتقديره محكمة الموضوع تنحسر عنها رقابة محكمة النقض.


(1) نقض 29/ 3/ 1962 مجموعة المكتب الفني السنة 13 ص 360.
(2) ونقض 7/ 5/ 1974 مجموعة المكتب الفني السنة 25 ص 813.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق