الصفحات

الجمعة، 17 مارس 2023

الطعن 442 لسنة 35 ق جلسة 27 / 1 / 1970 مكتب فني 21 ج 1 ق 33 ص 202

جلسة 27 من يناير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، ومحمد أسعد محمود.

---------------

(33)
الطعن رقم 442 لسنة 35 القضائية

(أ) حكر. "انتهاء الحكر". وقف. "انتهاء الوقف الأهلي". تعويض. إيجار.
زوال الوقف الأهلي. مؤداه انقضاء الحكر على الأرض الموقوفة ورد الأرض إلى المحكر. بقاء المحتكر في العين بغير سند. وجوب إلزامه بالتعويض دون تقيد بالحد الأقصى للأجرة المحددة في قوانين الإيجار.
(ب) حكر. "تقدير أجرة الحكر". إيجار. قانون.
أجرة الحكر عند طلب تصقيعه تقدر بأجرة المثل، وباعتبار أن الأرض المحكرة خالية من البناء. إقامة المحتكر بناء على الأرض لا أثر له. نبذ المشرع نظرية "النسبة" بين أجرة الحكر وقت التحكير وقيمة الأرض في ذلك الوقت.
(ج) وقف. "انتهاء الوقف الأهلي". حراسة. "سلطة الحارس". حكر. دعوى. "الصفة في الدعوى".
انتهاء الوقف الأهلي. صيرورة الناظر حارساً. ليس له حق التقاضي فيما يمس أصل الحق. طلب إزالة البناء والغراس من الأرض المحكرة هو مما يمس أصل الحق. للمستحقين وحدهم حق التقاضي في شأن هذا النزاع.
(د) نقض. "أثر نقض الحكم".
نقض الحكم. أثره. إلغاء جميع الأحكام أياً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها.

--------------
1 - مقتضى أحكام المادتين الثانية والسابعة من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 - بإنهاء الوقف على غير الخيرات - الذي صدر وعمل به في 14/ 9/ 1952 والمادة 1008/ 3 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو انتهاء الأحكار القائمة على الأراضي التي كانت موقوفة وقفاً أهلياً بزوال صفة هذا الوقف (1) ويتعين على المحتكر تبعاً لانتهاء الحكر في 14/ 9/ 1952 أن يرد الأرض المحكرة التي تحت يده إلى المحكر ليستغلها على الوجه الذي يراه، فإن هو بقى في العين بغير سند, فإنه يلزم بريعها للمحكر تعويضاً عما حرمه من ثمار, وليس له أن يتحدى في هذا الخصوص بالأجرة التي حددتها قوانين الإيجار لأن هذه القوانين لا تحكم سوى العلاقة الإيجارية التي تقوم بين طرفي العقد، وهما المحتكر والمستأجرين منه دون العلاقة بين المحكر والمحتكر.
2 - القاعدة الصحيحة الواجبة الإتباع، في تقدير أجرة الحكر عند طلب تصقيعه هي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أخذاً من المبادئ الشرعية أن يكون التقدير على اعتبار أن الأرض المحكرة حرة خالية من البناء وأن لا يلاحظ فيه سوى حالة الصقع الذي فيه الأرض المحكرة ورغبات الناس فيها، وأن يصرف النظر عن التحسين اللاحق بذات الأرض، وبصقع الجهة بسبب البناء الذي أقامه المحتكر، وأن لا يكون لحق البناء والقرار الذي للمحتكر تأثير في التقدير، وأنه لا محل للأخذ بنظرية "النسبة" التي تقضي بالمحافظة على النسبية بين أجرة الحكر وقت التحكير، وقيمة الأرض في ذلك الوقت، إذ لا أصل لها في الشريعة الإسلامية، وأن أجرة الحكر يجب أن تكون دائماً هي أجرة المثل. وقد أخذ المشرع بهذه القاعدة وقننها بما نص عليه في المادة 1005 من القانون المدني. ولئن تضمنت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني عبارات تفيد الأخذ بهذه النظرية، إلا أن الثابت من الأعمال التحضيرية أن المشرع قد نبذها بما أدخلته لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ من تعديلات على النص الذي كان وارداً في المشروع التمهيدي، وما ظهر جلياً من اتجاه هذه اللجنة إلى عدم الأخذ بتلك النظرية، وإن فات واضعي المشروع بعد إدخال هذا التعديل أن يصححوا على مقتضاه ما تضمنته المذكرة في هذا الخصوص (2).
3 - مؤدى نص المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات بعد تعديلها بالمرسوم بقانون رقم 342 لسنة 1952، أن ناظر الوقف قد أصبح حارساً على الأعيان التي كانت موقوفة ويخضع لأحكام الحراسة القضائية. ولما كانت سلطة الحارس وفقاً لهذا النص والمادة 734 من القانون المدني التي وردت بشأن الحراسة، أصبحت تقف عند حد المحافظة على أعيان الوقف التي تحت يده والقيام بإدارتها وما يستتبع ذلك من حق التقاضي فيما ينشأ عن هذه الأعمال من منازعات لا تمس أصل الحق، وذلك إلى أن يتم تسليم الأعيان التي في حراسته لأصحابها، وإذ كان ما طلبته الحارسة على الوقف من إزالة ما على الأرض المحكرة من بناء وغراس وتسليمها خالية مما عليها إنما تستند فيه إلى ما تقضي به الفقرة الأولى من المادة 1010 من القانون المدني التي تعطي للمحكر عند انتهاء الحكر الخيار بين أن يطلب إما إزالة البناء والغراس من الأرض المحكرة حتى يستردها خالية أو أن يطلب استبقاءها مقابل أن يدفع للمحتكر أقل قيمتهما مستحقي الإزالة، أو البقاء، إلا إذا كان هناك اتفاق بين المحكر والمحتكر يقضي بغير ذلك، وكانت ممارسة المحكر الخيار على النحو السالف البيان ومواجهته من المحتكر، إنما تمس أصل الحق، فإنها تخرج عن مهمة الحارس على الوقف، ولا يكون له صفة في تمثيل المستحقين فيما ينشأ عن ذلك من منازعات أمام القضاء سواء كان مدعياً أو مدعى عليه فيها، بل يتعين أن يترك هذا الحق للمستحقين أنفسهم من الطرفين حتى يدافعوا عن مصلحتهم في الدعوى.
4 - يترتب على نقض الحكم طبقاً لما تقضي به المادة 271 من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968، إلغاء جميع الأحكام أياًًًً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض، متى كان ذلك الحكم أساساً لها (3).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المرحومة نفيسة داود - مورثة الفريق الرابع من المطعون عليهم - بصفتها ناظرة على وقف محرم أغا أقامت الدعوى رقم 3535 سنة 1950 القاهرة الابتدائية ضد الطاعنين بصفتهما ناظرين على وقف محمد شريف الكبير بصحيفة معلنة في 4/ 1/ 1950، طلبت فيها الحكم باعتبار أجرة تحكير الأعيان الأربعة الموضحة الحدود والمعالم بالصحيفة مبلغ 2820 ج و870 مليماً سنوياً من تاريخ رفع الدعوى، وبإلزام الطاعنين بدفع الأجرة على هذا الأساس. وقالت شرحاً لدعواها إن من بين أعيان وقف محرم أغا الذي تتنظر عليه والمحررة حجته في 15 شعبان سنة 1128 هـ أربع قطع من الأرض محكرة إلى وقف محمد شريف الكبير الذي يتنظر عليه الطاعنان بأجرة قدرها 37 قرش ونصف سنوياً، وإذ كانت هذه الأجرة لا تتناسب مع أجرة المثل لتلك الأعيان وهي تبلغ 2820 ج و870 مليم فقد أقامت دعواها للحكم لها بالطلبات سالفة البيان. ولما صدر المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 342 لسنة 1952 وأنهى الوقف على غير الخيرات وتحكيره، وصار الوقف ملكاً لمستحقيه وجعل كلاً من طرفي الخصومة حارساً على الأموال والأعيان الموقوفة التي كانت تحت نظارته، فقد عدلت المدعية شكل الدعوى بصحيفة معلنة في 18/ 4/ 1953 بأن وجهتها بصفتها حارسة قانونية على وقف محرم أغا إلى الطاعنين بصفتهما حارسين قانونيين على وقف محمد شريف الكبير، وطلبت الحكم بإلزامهما بأن يدفعا لها من مال الحراسة مبلغ 300 ج قيمة أجرة الحكر المتأخرة عليهما من سنة 1943 حتى سنة 1950، وباعتبار أجرة الحكر مبلغ 2820 ج و870 مليماً سنوياً من تاريخ رفع الدعوى، مع إلزامهما بأن يدفعا لها من مال الحراسة مبلغ 5641 ج و740 مليماً قيمة أجرة الحكر عن سنتي 1951 و1952 وما يستجد من مقابل الانتفاع بعد 14/ 9/ 1952 بواقع 2820 و870 مليماً سنوياً حتى الإزالة وبإلزامهما بإزالة ما على الأرض من بناء وغراس وتسليمها خالية مما عليها. وبتاريخ 19/ 1/ 1954 حكمت محكمة أول درجة بإلزام الطاعنين بأن يدفعا للمدعية مبلغ 300 قرش أجرة الحكر من سنة 1943 حتى سنة 1950 وبندب أحد الخبراء المهندسين بالجدول لمعاينة العقارات موضوع النزاع، وتقدير قيمة الحكر تقديراً ملحوظاً فيه القيمة الإيجارية وقت التقدير مع مراعاة صقع الأرض ورغبة الناس فيها بغض النظر عما يوجد فيها من بناء أو غراس، ودون اعتبار لما أحدثه المحتكر فيها من تحسين أو إتلاف في ذات الأرض أو في صقع الجهة، ودون تأثير بما للمحتكر على الأرض من حق القرار وذلك عن المدة من أكتوبر سنة 1950 حتى 13/ 9/ 1952 وتقدير ريع هذه الأعيان من 14/ 9/ 1952 حتى 18/ 4/ 1953، وبعد أن أودع الخبير تقريره وجهت إليه المدعية عدة اعتراضات فحكمت المحكمة بتاريخ 29/ 3/ 1955 بندب مكتب الخبراء بوزارة العدل لأداء نفس المأمورية على أن يكون تقدير الربع حتى تاريخ وضع التقرير. وقدم الخبير تقريره ثم حكمت المحكمة بتاريخ 11/ 6/ 1957 بإلزام الطاعنين بأن يدفعا للمدعية مبلغ 6700 ج و700 مليم ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 1120 سنة 74 ق القاهرة طالبين إلغاءه ورفض الدعوى، ورفعت عنه المدعية استئنافاً فرعياً قيد برقم 155 لسنة 76 ق طالبة الحكم لها بباقي الطلبات. دفع الطاعنان بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وعلى غير ذي صفة. ومحكمة الاستئناف حكمت بتاريخ 14/ 2/ 1960 بندب مكتب الخبراء بوزارة العدل لتطبيق مستندات الطرفين على الطبيعة بما في ذلك عقد التحكير المؤرخ في 21 شعبان سنة 1244 هـ لتحديد مساحة الأرض المحكرة وبيان مقدارها وما إذا كانت دخلت كلها أو جزء منها في المنافع العامة. وبتاريخ 29/ 1/ 1964 حكمت المحكمة بانقطاع سير الخصومة لوفاة المستأنف عليها نفيسة داود واستأنفت الدعوى سيرها بإعلان من الطاعنين وجهاه إلى ورثتها - الفريق الرابع من المطعون عليهم - وإلى المطعون عليهما الأول والثاني بصفتهما حارسين قضائيين منضمين على أعيان وقف محرم أغا وإلى المستحقين في هذا الوقف - الفريق الثالث من المطعون عليهم -.... وبعد أن قدم الخبير تقريره وبتاريخ 20/ 5/ 1965 حكمت المحكمة في الاستئناف الأصلي برفض الدفع وقبول الدعوى وبتعديل الحكم المستأنف وإلزام الطاعنين بأن يدفعا إلى المطعون عليهما الأولين مبلغ 6543 ج و414 مليماً، وفي الاستئناف الفرعي بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الطاعنين بإزالة ما على الأرض المحكرة المبينة بتقرير الخبير من مبان وغراس وتسليمها للمطعون عليهما الأولين خالية مما عليها، طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب، ينعى الطاعنان بالسبب الرابع منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، ويقولان في بيان ذلك إن الحكم أخذ بتقرير مكتب الخبراء الذي ندبته محكمة أول درجة من تقدير ريع الأرض موضوع الدعوى عن المدة من 14/ 9/ 1952 إلى 30/ 12/ 1956 بمبلغ 4748 ج و49 م، في حين أن ريع الأراضي المبنية لا يجوز أن يزيد عن صافي الأجرة طبقاً لما حددته قوانين الإيجار، وأنه ثبت من تقرير الخبير أن جملة الأجرة الشهرية من واقع عقود الإيجار 151 ج و156 م ويتعين أن تخصم منها 8 ج و415 م شهرياً قيمة أجرة المنزلين رقمي 1، 3 لأنهما محكران لوقف آل الوفا على ما أثبته تقرير مكتب الخبراء المقدم إلى محكمة الاستئناف، وأن تخصم منها قيمة ما يخص المباني المملوكة للمحتكر وتقدر بالنصف ثم يوزع الباقي بين المحكر والمحتكر بنسبة الثلث إلى الثلثين مراعاة لما للمحتكر من حق القرار ولما زاد في قيمة الأرض بإصلاحها، وأنه على هذا الاعتبار يكون نصيب وقف محرم في الريع السنوي للأرض المحكرة هو مبلغ 214 ج 118 م، وإذ أخذ الحكم رغم ذلك بتقدير الخبير للريع ولم يرد على دفاع الطاعنين سالف البيان مع تمسكهما به أمام محكمة الاستئناف، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان مقتضى أحكام المادتين الثانية والسابعة من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 الذي صدر وعمل به في 14/ 9/ 1952 والمادة 1008/ 3 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو انتهاء الأحكار القائمة على الأراضي التي كانت موقوفة وقفاً أهلياً بزوال صفة هذا الوقف، وكان يتعين على المحتكر تبعاً لانتهاء الحكر في 14/ 9/ 1952 أن يرد الأرض المحكرة التي تحت يده إلى المحكر ليستغلها على الوجه الذي يراه فإن هو بقي في العين بغير سند فإنه يلزم بريعها للمحكر تعويضاً عما حرمه من ثمار، وليس له أن يتحدى في هذا الخصوص بالأجرة التي حددتها قوانين الإيجار لأن هذه القوانين لا تحكم سوى العلاقة الإيجارية التي تقوم بين طرفي العقد، وهما المحتكر والمستأجرين منه دون العلاقة بين المحكر والمحتكر. لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه إن المحكمة أخذت في حدود سلطتها الموضوعية بتقدير الخبير لريع الأرض موضوع الدعوى طبقاً للمساحة المبينة بتقرير مكتب الخبراء المقدم أمام محكمة الاستئناف، والذي استبعد فيه الخبير الأرض المحكرة لوقف آل الوفا فإن الحكم يكون قد التزم صحيح القانون، ويكون النعي عليه بالقصور في التسبيب لأنه لم يرد على دفاع الطاعنين بهذا الخصوص غير منتج.
وحيث إن مبنى السبب، الخامس خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون وقصوره في التسبيب، ويقول الطاعنان في بيان ذلك إن الحكم قدر أجرة الحكر للأرض موضوع الدعوى عن المدة من أكتوبر سنة 1950 إلى 13/ 9/ 1952 بمبلغ 950 جنيه سنوياً طبقاً لما جاء بتقرير مكتب الخبراء، وهو من الحكم خطأ في تطبيق القانون لأن هذا المبلغ يزيد عن صافي أجرة الأرض المحكرة طبقاً لما حددته قوانين الإيجار مع أنه لا يجوز أن يزيد عن هذه الأجرة المحددة، هذا إلى أن الحكم خالف القاعدة التي تقضي بأن زيادة أجرة الحكر المقررة في حجة التحكير يجب أن تكون بنسبة زيادة ثمن الأرض عما كانت عليه في تاريخ التحكير، وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المدني تعليقاً على المادة 1005 من هذا القانون. يضاف إلى ذلك أن الحكم أغفل الرد على دفاعه بهذا الخصوص، وعلى ما تمسك به من إعادة المأمورية للخبير لتحديد القدر الذي نزعت ملكيته من الأرض المحكرة لتوسيع شارع عمرو بن العاص، وهو ما يعيبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن القاعدة الصحيحة الواجبة الاتباع في تقدير أجرة الحكر عند طلب تصقيعه هي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أخذاً من المبادئ الشرعية أن يكون التقدير على اعتبار أن الأرض المحكرة حرة خالية من البناء، وأن لا يلاحظ فيه سوى حالة الصقع الذي فيه الأرض المحكرة ورغبات الناس فيها، وأن يصرف النظر عن التحسين اللاحق بذات الأرض وبصقع الجهة بسبب البناء الذي أقامه المحتكر وأن لا يكون لحق البناء والقرار الذي للمحتكر تأثير في التقدير، وأنه لا محل للأخذ بنظرية "النسبة" التي تقضي بالمحافظة على النسبة بين أجرة الحكر وقت التحكير وقيمة الأرض في ذلك الوقت، إذ لا أصل لها في الشريعة الإسلامية وأن أجرة الحكر يجب أن تكون دائماً هي أجرة المثل، ولقد أخذ المشرع بهذه القاعدة وقننها بما نص عليه في المادة 1005 من القانون المدني من أنه "يرجع في تقدير الزيادة أو النقص إلى ما للأرض من قيمة إيجارية وقت التأجير ويراعى في ذلك صقع الأرض ورغبات الناس فيها بغض النظر عما يوجد فيها من بناء أو غراس ودون اعتبار لما أحدثه المحتكر فيها من تحسين أو إتلاف في ذات الأرض أو في صقع الجهة ودون تأثير بما للمحتكر على الأرض من حق القرار" ولئن تضمنت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني عبارات تفيد الأخذ بهذه النظرية، إلا أن الثابت من الأعمال التحضيرية أن المشرع قد نبذها بما أدخلته لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ من تعديلات على النص الذي كان وارداً في المشروع التمهيدي، وما ظهر جلياً من اتجاه هذه اللجنة إلى عدم الأخذ بتلك النظرية، وإن فات واضعي المشروع بعد إدخال هذا التعديل أن يصححوا على مقتضاه ما تضمنته المذكرة في هذا الخصوص. كذلك لا محل للقول بأن أجرة الحكر يجب ألا تزيد عن صافي الأجرة التي حددتها قوانين الإيجار، لأن هذه القوانين - على ما سلف بيانه في الرد على السبب الرابع - لا تحكم سوى العلاقة الإيجارية التي تقوم بين طرفي العقد وهما المحتكر والمستأجرين منه دون العلاقة بين المحكر والمحتكر. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة أخذت في حدود سلطتها الموضوعية بتقدير أجرة الحكر وفقاً لتقرير مكتب الخبراء الذي ندبته محكمة أول درجة، وكان يبين من هذا التقرير أن الخبير التزم في تقديره الأسس التي رسمها له الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ 29/ 3/ 1995 وهي ذات الأسس التي أوردتها المادة 1005 من القانون المدني سالفة البيان، وإذ احتسب الحكم الأجرة على أساس المساحة المبينة بتقرير مكتب الخبراء المقدم أمام محكمة الاستئناف والذي استبعد فيه الخبير القدر الذي نزعت ملكيته لتوسيع شارع عمرو بن العاص، فإن الحكم يكون قد التزم - في تقديره أجرة الحكر - صحيح القانون، ويكون النعي عليه بالقصور لعدم رده على دفاع الطاعنين على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الأول خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون، ويقول الطاعنان في بيان ذلك، أنهما دفعا بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وعلى غير ذي صفة تأسيساً على أن المرحومة نفيسة داود مورثة الفريق الرابع من المطعون عليهم أقامت دعواها بصفتها حارسة على وقف محرم أغا ضد الطاعنين بصفتهما حارسين على وقف محمد شريف الكبير، وذلك على الرغم من أن من بين طلباتها إزالة ما على العين المحكرة من بناء وغراس وتسليمها خالية وأن مهمة من بين قاصرة على حفظ ما تحت يده من أعيان الوقف وإدارتها ولا تخوله حق التقاضي بالنسبة لهذه الطلبات، وأن الدعوى في هذا الخصوص إنما تقبل من مستحقي وقف محرم ضد مستحقي وقف شريف. هذا إلى أن حكم محكمة الأمور المستعجلة الذي قدمه المطعون عليهم بعد حلولهم محل المرحومة نفيسة داود أثناء نظر الاستئناف لإثبات تعيين المطعون عليهما الأولين حارسين قضائيين على وقف محرم وإن تضمن هذا الحكم بياناً بأسماء المستحقين في هذا الوقف، إلا أن هذا البيان ورد بالحكم بناء على قرار الخصوم أنفسهم ولم يقدم قرار المحكمة الشرعية المشار إليه في هذا الحكم إلى محكمة الاستئناف حتى يمكن إثبات أشخاص المستحقين وأنصبتهم بمقتضاه، وإذ قضى الحكم المطعون فيه رغم ذلك برفض الدفع فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إنه لما كانت المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات بعد تعديلها بالمرسوم بقانون رقم 342 لسنة 1952 قد نصت في فقرتها الثالثة على أنه "إلى أن يتم تسلم أعيان الوقف تبقى تحت يد الناظر لحفظها وإدارتها وتكون له صفة الحارس" مما مؤداه أن ناظر الوقف قد أصبح حارساً على الأعيان التي كانت موقوفة ويخضع لأحكام الحراسة القضائية، وكانت سلطة الحارس وفقاً لما تقضي به المادة الخامسة سالفة البيان والمادة 734 من القانون المدني التي وردت بشأن الحراسة أصبحت تقف عند حد المحافظة على أعيان الوقف التي تحت يده والقيام بإدارتها وما يستتبع ذلك من حق التقاضي فيما ينشأ عن هذه الأعمال من منازعات لا تمس أصل الحق وذلك إلى أن يتم تسليم الأعيان التي في حراسته لأصحابها، وكان ما طلبته المرحومة نفيسة داود بصفتها حارسة على وقف محرم أغا من إلزام الطاعنين بصفتهما حارسين على وقف محمد شريف الكبير بإزالة ما على الأرض المحكرة من بناء وغراس وتسليمها خالية مما عليها, إنما تستند فيه إلى ما تقضي به الفقرة الأولى من المادة 1010 من القانون المدني التي تعطي للمحكر عند انتهاء الحكر الخيار بين أن يطلب إما إزالة البناء والغراس من الأرض المحكرة حتى يستردها خالية, أو أن يطلب استبقاءهما مقابل أن يدفع للمحتكر أقل قيمتيهما مستحقي الإزالة أو البقاء إلا إذا كان هناك اتفاق بين المحكر والمحتكر يقضي بغير ذلك، وكانت ممارسة المحكر الخيار على النحو سالف البيان ومواجهته من المحتكر إنما تمس أصل الحق فتخرج عن مهمة الحارس على الوقف، ولا يكون له بالتالي حق التقاضي فيما ينشأ عن ذلك من منازعات سواء كان مدعياً أو مدعى عليه فيها بل يتعين أن يترك هذا الحق للمستحقين أنفسهم من الطرفين حتى يدافعوا عن مصلحتهم في الدعوى. لما كان ذلك فإنه لا يكون للحراس على الوقفين المحكر والمحتكر بالنسبة للطلبات سالفة الذكر صفة في تمثيل المستحقين فيهما أمام القضاء. وإذ لم تصح الدعوى بالنسبة لوقف شريف المحتكر برفعها على المستحقين فيه، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون فيما قضى به من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لطلبي الإزالة والتسليم بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص. وإذ يترتب على نقض الحكم طبقاً لما تقضي به المادة 271 من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 إلغاء جميع الأحكام أياًًًً كانت الجهة التي أصدرتها والأعمال اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساساً لها, فإن نقض الحكم للسبب سالف الذكر يستتبع نقضه أيضاً بالنسبة لما قضى به من إلزام الطاعنين بصفتهما حارسين على وقف شريف بالإزالة والتسليم (موضوع النعي بالسبب الثالث)، مما مقتضاه عدم جدوى بحث السبب الثاني من أسباب الطعن لتعلقه بتعييب الحكم المطعون فيه في قضائه بتسليم العين المحكرة، دون أن يقرر لوقف شريف المحتكر حقاً في التعويض مقابل ما صرفه في استصلاحها وتعميرها وتصقيعها.
وحيث إن الموضوع في هذا الخصوص صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين الحكم بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة لطلبي الإزالة والتسليم وبقبول الدفع وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لهذين الطلبين، ولا محل بعد ذلك للتعرض لأمر إدخال المستحقين في وقف محرم أثناء نظر الدعوى أمام محكمة الاستئناف، ذلك إنه أياً كان وجه الرأي فيه من حيث تصحيحه لشكل الدعوى أو عدم تصحيحه لها بالنسبة لهذا الوقف فإنه لا أثر لذلك على الحكم في الدعوى.


(1) نقض 14 مارس 1967 مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 618.
(2) نقض 16 إبريل 1964 مجموعة المكتب الفني س 15 ص 556.
(3) نقض 14 نوفمبر 1967 مجموعة المكتب الفني س 18 ص 1654.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق