الصفحات

السبت، 18 مارس 2023

الطعن 308 لسنة 29 ق جلسة 25 / 6 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 135 ص 868

جلسة 25 من يونيه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ومحمد عبد اللطيف مرسي، ولطفي علي، وصبري فرحات.

---------------

(135)
الطعن رقم 308 لسنة 29 القضائية

(أ) قانون. "تطبيق القانون من حيث المكان". مسئولية. "مسئولية مدنية". "مسئولية الأشخاص الاعتبارية". "أشخاص اعتبارية". نظام عام.
عدم جواز تطبيق أحكام قانون أجنبي إذا كانت مخالفة للنظام العام أو الآداب في مصر. المادة 28 مدني. مؤدى ذلك، نهى القاضي عن تطبيق القانون الأجنبي كلما كانت أحكامه متعارضة مع الأسس الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الخلقية في الدولة مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع. مساءلة الأشخاص الاعتبارية مدنياً عما يسند إليها من أعمال غير مشروعة. اتصاله بالنظام العام في معنى المادة المذكورة.
(ب) عمل. "إصابات العمل". تعويض. إثراء بلا سبب.
التزام رب العمل بتعويض العامل طبقاً لأحكام قانون إصابات العمل. لا يمنع من التزامه بالتعويض عن الحادث إذا وقع بسبب خطئه الجسيم. اتحاد الالتزامين المذكورين في الغاية وهي جبر الضرر جبراً مكافئاً له ولا يجوز أن يزيد عليه. اعتبار الزيادة إثراء على حساب الغير دون سبب.

---------------
1 - تنص المادة 28 من القانون المدني على أنه "لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عينته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو الآداب في مصر" ومؤدى ذلك نهى القاضي عن تطبيق القانون الأجنبي كلما كانت أحكامه متعارضة مع الأسس الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الخلقية في الدولة مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع. وإذ كان الاعتراف بالأشخاص الاعتبارية وتقرير مساءلتها مدنياً عما يسند إليه من أعمال غير مشروعة يعتبر من الأصول العامة التي يقوم عليها النظام الاجتماعي والاقتصادي في مصر وتعتبر بالتالي من المسائل المتعلقة بالنظام العام في معنى المادة 28 المشار إليها فإن الحكم المطعون فيه إذ استبعد القانون الإيراني وطبق أحكام القانون المصري لما تبينه من أن القانون الأول لا يجيز مساءلة الشخص الاعتباري عن الفعل الضار فإنه لا يكون مخالفاً للقانون، ولا يقدح في صحته ما جاء بالمذكرة الإيضاحية تعليقاً عن قاعدة الإسناد المنصوص عليها في المادة 21 من القانون المدني من أن القانون الأجنبي يختص بالفصل في أهلية المساءلة عن الفعل الضار ذلك أن القانون الأجنبي يمتنع تطبيقه عملاً بالمادة 28 مدني كلما كان حكمه في شأنه المسئولية أو في شأن شرط من شروطها مخالفاً للنظام العام (1).
2 - التزام رب العمل بتعويض العامل طبقاً لأحكام قانون إصابات العمل وإن كان لا يمنع من التزامه بالتعويض عن الحادث طبقاً لأحكام القانون المدني إذ وقع بسبب خطئه الجسيم، إلا أن هذين الالتزامين متحدان في الغاية وهي جبر الضرر جبراً مكافئاً له ولا يجوز أن يكون زائداً عليه، إذ أن كل زيادة تعتبر إثراء على حساب الغير دون سبب (2).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 2465 سنة 1954 مدني كلي القاهرة ضد الشركة الطاعنة طالبة إلزامها بأن تدفع لها مبلغ 10137.697 ج. وذكرت في بيان دعواها أنه بموجب عقد مؤرخ 16/ 3/ 1950 التحق مورثها بالعمل لدى الطاعنة في وظيفة مهندس أرض بقسم صيانة الطائرات ولكن الطاعنة تجاوزت عن العقد وكلفته بالقيام بعمل مهندس جوى على الطائرة التي أقلعت في 21/ 12/ 1951 من الماظه إلى طهران ومهرباد بإيران وقد سقطت هذه الطائرة وهي تتهيأ للهبوط في مطار مهرباد فاحترقت وقتل ركابها وملاحوها ومن بينهم مورث المطعون عليها وقد تبين من التحقيقات التي أجرتها لجنة خبراء الطيران التابعة للمنظمة الدولية للطيران المدني ومن التحقيقات التي قام بها خبراء مصلحة الطيران المدني المصرية أن تسيير الطائرة إلى مطار مهرباد كان مجازفة خطيرة لإهمال المطعون عليها في اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بتأمين هبوط الطائرة بذلك المطار وأن قائد الطائرة وهو موظف تابع للطاعنة خالف التعليمات التي أصدرتها إليه إدارة المطار المذكور وترتب على ذلك كله سقوط الطائرة فتكون الطاعنة قد تسببت بخطئها الجسيم المباشر وغير المباشر في وقوع الحادث الذي أودى بحياة المورث ولذلك رفعت المطعون عليها هذه الدعوى ضدها بطلب إلزامها بالمبلغ السابق وهو يشمل التعويض عن وفاة المورث بسبب الخطأ الجسيم الذي وقع من الطاعنة كما يشمل ما يستحقه المورث بذمة الطاعنة عملاً بأحكام قانون عقد العمل الفردي وأحكام قانون التأمين على إصابات العمل التي يلزم رب العمل بالتعويض عنها. وبعد ذلك قصرت المطعون عليها دعواها على إلزام طلب الطاعنة بتعويض قدره 10000 ج على أساس مسئوليتها عن الخطأ الجسيم وطبقاً للقواعد العامة في المسئولية، ودفعت الطاعنة الدعوى بعدم وقوع خطأ منها يوجب مساءلتها. وبجلسة 29/ 1/ 1958 قضت المحكمة بإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون عليها تعويضاً قدره 6000 ج، استأنفت الطاعنة هذا الحكم إلى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 490 سنة 75 ق وكان مما أثارته في استئنافها أن الحادث وقد وقع بمنطقة مهرباد فإن القانون فإن القانون الإيراني يكون واجب التطبيق عملاً بما تنص عليه قواعد الإسناد في القانون المدني المصري من أن الالتزامات غير التعاقدية يحكمها قانون البلد الذي وقع فيه الفعل المنشئ للالتزام وإذ كان القانون الإيراني يقصر المسئولية على الشخص الطبيعي فإن دعوى المطعون عليها ضد الطاعنة بوصفها شخصاً معنوياً تكون غير جائزة القبول، وبجلسة 24/ 2/ 1959 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، وقررت الطاعنة الطعن في هذا الحكم بطريق النقض ولدى عرض الطعن على دائرة فحص الطعون تمسكت النيابة بالرأي الذي ضمنته مذكرتها بطلب رفض الطعن وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة، وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتقول في بيان ذلك إنها دفعت أمام محكمة الموضوع بعدم قبول الدعوى على أساس أن القانون الإيراني الواجب التطبيق على الواقعة عملاً بالمادة 21 من القانون المدني المصري لا يجيز مساءلة الشخص المعنوي عن الفعل الضار ولكن الحكم المطعون فيه استبعد القانون الإيراني وطبق أحكام القانون المصري وقضى برفض الدفع تأسيساً على أن ما يقرره القانون الإيراني من عدم جواز مساءلة الشخص المعنوي عن الفعل الضار يعتبر مخالفاً للنظام العام في مصر، مع أن ما يقضي به القانون الإيراني في هذا الخصوص لا مخالفة فيه للنظام العام، ويؤيد ذلك ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني تعليقاً على المادة 21 المشار إليها بأن القانون الأجنبي يختص بالفصل في أركان المسئولية ومنها أهلية الشخص للمساءلة عن فعله الضار وأن صلاحية من يقع منه الفعل للتكليف أو المساءلة ليست إلا شرط من شروط المسئولية - ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه مخالفاً للقانون فيما انتهى إليه من استبعاد القانون الإيراني وإنزال حكم القانون المصري على واقعة الدعوى.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أورد في خصوص ما تثيره الطاعنة بهذا السبب ما يلي: - "وبالاطلاع على نصوص القانون الإيراني تبين للمحكمة أن القانون المشار إليه أشار إلى التعويض عن الفعل الضار ولكنه ضيق حدوده وحدد حالاته بأن قصر المسئولية على الشخص الطبيعي الذي تسبب مباشرة في وقوع الحادث، وحيث إنه إزاء قصور القانون المدني الإيراني عن إيراد نص بالتعويض عن الفعل الضار الذي يقع بخطأ الشخص المعنوي وإزاء سكوته عن النص على الحالة الممثلة في واقعة الدعوى فإنه لا مناص من الرجوع إلى قواعد القانون الدولي الخاص والقانون المدني لبحث ما يتبع في هذه الحالة" وأورد الحكم بعد ذلك ما تقرره المادة 28 من القانون المدني المصري من عدم جواز تطبيق أحكام القانون الأجنبي الذي تعنيه قواعد الإسناد إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو الآداب في مصر، وخلص الحكم من ذلك إلى وجوب استبعاد القانون الأجنبي إذا كانت نصوصه تتنافى مع القواعد الأساسية التي يقوم عليها نظام المجتمع في مصر ثم انتهى إلى أن قصور القانون الإيراني عن مساءلة الشخص المعنوي عن العمل غير المشروع يوجب استبعاده وتطبيق أحكام القانون المصري في شأن المسئولية التقصيرية وبني الحكم قضاءه في الدعوى على ذلك الأساس - ولما كانت المادة 28 من القانون المدني تنص على أنه "لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عينته النصوص السابقة (ومن بينها نص المادة 21) إذ كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو الآداب في مصر" وكان مؤدى ذلك نهى القاضي عن تطبيق القانون الأجنبي كلما كانت أحكامه متعارضة مع الأسس الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الخلقية في الدولة مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع. لما كان ذلك، وكان الاعتراف بالأشخاص الاعتبارية وتقرير مساءلتها مدنياً عما يسند إليها من أعمال غير مشروعة يعتبر من الأصول العامة التي يقوم عليها النظام الاجتماعي والاقتصادي في مصر وتعتبر بالتالي من المسائل المتعلقة بالنظام العام في معنى المادة 28 المشار إليها فإن الحكم المطعون فيه إذ استبعد القانون الإيراني وطبق أحكام القانون المصري لما تبينه من أن القانون الأول لا يجيز مساءلة الشخص الاعتباري عن الفعل الضار فإن ذلك الحكم لا يكون مخالفاً للقانون، ولا يقدح في صحته ما جاء بالمذكرة الإيضاحية تعليقاً على قاعدة الإسناد المنصوص عليها في المادة 21 من القانون المدني من أن القانون الأجنبي يختص بالفصل في أهلية المساءلة عن الفعل الضار ذلك أن القانون الأجنبي يمتنع تطبيقه عملاً بالمادة 28 السالف الإشارة إليها كلما كان حكمه في شأن المسئولية أو في شأن شرط من شروطها مخالفاً للنظام العام.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت في الأوراق والقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون وتقول في بيان ذلك إن الحكم بنى قضاءه بمساءلتها عن الحادث وثبوت الخطأ الجسيم في جانبها على أنه قد ثبت بتقرير اللجنة الدولية أن الطاعنة لم تعط طياريها
تعليمات بأن ينفذوا بدقة قوانين الجو والتعليمات المحلية الثابتة بالإعلانات الإيرانية وأنها لم تضع خطة موحدة للاقتراب للهبوط الآلي كما أنها لم تكن حتى تاريخ الحادث قد قامت بتحديد نهايات صغرى للأحوال الجوية أو ذودت طياريها بالمران الكافي للطيران الآلي وذلك في حين أن الثابت بتقرير اللجنة الدولية الذي أحال إليه الحكم أن سبب الحادث هو أن الطيار لم يتبع أية خطة للاقتراب للهبوط الآلي بل حاول أن يظل باستمرار على مرأى من الأرض ففقد القدرة على تقدير موقفه واصطدمت طائرته بهضبة مرتفعة، كما جاء بالتقرير أن الأخطاء التي أخذتها اللجنة على الطاعنة، وهي تلك التي نقلها الحكم، وكذلك الأخطاء التي أحصتها اللجنة على إدارة مطار مهرباد لا يكفي أحدها بذاته أو مجموعة منها لتكون سبباً في وقوع الحادث وبذلك يكون الحكم قد خالف الثابت في الأوراق بما أسنده إلى تقرير اللجنة من أن أخطاء الطاعنة هي السبب المباشر للحادث، كذلك فإن الطاعنة ناقشت لدى محكمة الموضوع الأخطاء التي أسندها إليها تقرير اللجنة الدولية وفندت هذه الأخطاء فذكرت أن قائد الطائرة كان يحمل شهادة الطيران الآلي على ما جاء بتقرير اللجنة ذاته، وأثبتت أنها ذودت طياريها بخطة الاقتراب للهبوط التي جرت عليها سائر الشركات، واستدلت بشهادة أحد طياريها الذي سمعت اللجنة أقواله في التحقيقات على أنها قد حددت النهايات الصغرى للأحوال الجوية كما تمسكت الطاعنة أمام المحكمة بأن سبب الحادث هو الخطأ الذي وقع من القائمين بأمر مطار مهرباد وبينت وجوه هذا الخطأ كما أوردتها اللجنة في تقريرها وهي أن المطار لم يعمل على تحذير الطيار من تدهور الأحوال الجوية كما أهمل في الاتصال بقسم الأرصاد الجوية للحصول على بيانات أخذت عن التغيير في أحوال الطقس علاوة على أن تنبؤاته عن حالة الجو كانت أكثر تفاؤلاً مما ينبغي، وقد التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع كله ولم يرد عليه مما يعيبه بالقصور، هذا إلى أن الحكم وقد أقام مسئولية الطاعنة على أنها ارتكبت خطأ جسيما يستوجب مسئوليتها إلا أنه وهو بسبيل تقدير درجة هذا الخطأ لم يعرض لمقدار ما أسهم به مطار مهرباد من الأخطاء التي تسببت في الحادث ولو أنه فعل لأثر هذا تأثيراً كبيراً على تقديره لدرجة الخطأ الذي أسنده إلى الطاعنة وبذلك يكون الحكم مخالفاً للقانون ومعيباً بالقصور في هذا الخصوص أيضاً.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد ذكر عن الأخطاء التي أسندها إلى الطاعنة ما يلي: "أن الثابت من التحقيقات التي قام بها أعضاء اللجنة الدولية أن الشركة المستأنفة (الطاعنة) لم تعط طياريها تعليمات بأن يتبعوا بدقة قوانين الجو أو التعليمات المحلية الثابتة بالإعلانات الإيرانية الصادرة للطيارين عموماً كما أنها لم تضع خطة موحدة للاقتراب للهبوط الآلي لطياريها بقصد استخدامها في مطار مهرياد وتركت الأمر لقائدي طائراتها لاختيار إحدى خطط الاقتراب التي وضعتها شركات الطيران الأخرى كما أنها لم تكن حتى تاريخ الحادث قد قامت بتحديد نهايات صغرى للأحوال الجوية بالنسبة للخطة التي تختارها فضلاً عن وجوب تمرين طياريها وإعدادهم الإعداد الكافي للطيران الآلي... وحيث إنه مما تقدم جميعه ومما أوردته محكمة أول درجة في حكمها من أسباب صحيحة تقرها هذه المحكمة وتأخذ بها... ويتعين تأييد الحكم المستأنف". وقد جاء بالحكم الابتدائي الذي أحال الحكم المطعون فيه إلى أسبابه "ومن حيث إن سبب الحادث هو عدم استعمال الطيار وسائل الهبوط الآلي بالرغم من قربه للمنطقة الجبلية الوعرة وسوء أحوال الطقس ويرجع هذا على ضوء التقرير إلى أن الشركة المدعى عليها (الطاعنة) لم تعد طياريها الإعداد الكافي للطيران الآلي في أحوال جوية مماثلة بل تركت لهم حرية اختيار خطط شركات أخرى. وهذا بلا شك خطأ جسيم ارتكبته الشركة كان من نتيجته أن نكبت الطائرة... ولا يقال إن البعثة المصرية قد اعترضت على سبب الحادث لأنها من ناحية أخرى وافقت على البديهيات المطلوبة من الشركة المدعى عليها كما أن اللجنة ردت على رأي البعثة المصرية بما تقتنع به هذه المحكمة". وقد جاء بتقرير اللجنة الدولية الذي أخذ به هذا الحكم أن سبب الحادث "هو أن الطيار فيما يبدو لم يتبع أي خطة اقتراب للهبوط باستعمال المناورات اللاسلكية الموجودة وبالرغم من قربه للمنطقة الجبلية الوعرة ورغم أحوال الطقس الرديئة التي كانت سائدة في ذلك الوقت في جيرة مطار مهرباد فقد حاول أن يظل باستمرار على مرأى من الأرض ففقد القدرة على تقدير موقفه ولمس الأرض في بقعة خطيرة شمال المطار" كما جاء بذلك التقرير رداً على رأي البعثة المصرية ما نصه "لا يتفق أعضاء اللجنة الدولية - مع المندوبين المصريين فيما يختص بسبب الحادث وأن رأيهم الخاص أن عدم إبلاغ رداءة الأحوال الجوية وتدهور الرؤيا للطيار ليس سبب الحادث فالأمر دائماً متروك للطيار أن يعتمد على ملاحظاته الخاصة ويقرر الهبوط أو التحول إلى مطار آخر وهو لا يستطيع أن يبني هذا القرار إلا على أساس خطة الاقتراب للهبوط التي ينبغي أن يتبع في جميع الأحوال. ويبين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه نقل عن تقرير اللجنة الدولية الأخطاء التي أحصتها اللجنة من أعمال الطاعنة ولم يذكر أن تلك الأخطاء أو بعضها كانت هي السبب المباشر للحادث. ولما كان الحكم لم يتناول في تقريراته بيان الخطأ الذي اعتبره علة مباشرة للحادث وأحال في أسبابه إلى الحكم الابتدائي فإنه يكون قد أخذ بتلك العلة التي أوردها هذا الحكم نقلاً عن تقرير اللجنة وهي عدم اعتماد الطيار على الهبوط الآلي ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد استند إلى تقرير اللجنة بما ليس فيه، ولما كانت إحالة الحكم الابتدائي إلى ما ورد في تقرير اللجنة الدولية عن سبب الحادث تجعل التقرير بمثابة جزء من بناء الحكم في هذا الخصوص، وكان التقرير قد انتهى في نتيجته إلى أن الخطأ الذي وقع فيه الطيار وأدى مباشرة الحادث - وهو عدم استعمال طريقة الهبوط الآلي رغم لزومها في الظروف التي سقطت فيها الطائرة - ولم يكن سببه ما قرره المندوبون المصريون من أن مطار مهرياد لم يحذر الطيار من سوء الأحوال الجوية وتدهور الرؤيا وإنما وقع الطيار في ذلك الخطأ بسبب أنه لم يكن يستطيع أن يقرر الهبوط بمطار مهرياد أو التحول إلى مطار آخر إلا على أساس خطة موضوعة للاقتراب للهبوط وقد سجل التقرير على الطاعنة أنها لم تكن حتى تاريخ الحادث قد وضعت أية خطة من ذلك النوع لاستخدامها في مطار مهرياد وإنما تركت الأمر لقائدي طائراتها لاختيار إحدى الخطط التي وضعتها شركات الطيران الأخرى ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه باعتماده أسباب الحكم الابتدائي يكون - وفي حدود ما لمحكمة الموضوع من سلطة في تقدير الأدلة - قد أثبت وقوع الخطأ من الطاعنة ونفاه عن القائمين على أمر مطار مهرباد واستدل على ذلك بأدلة سائغة مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها، ولا يعدو ما أوردته الطاعنة في نفي الخطأ عن نفسها أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان ما قرره الحكم المطعون فيه من أن الخطأ الذي وقع من الطاعنة يعد خطأ جسيماً يجوز مساءلتها عنه لا مخالفة فيه للقانون ولا قصور فيه، فإنه يتعين لذلك رفض النعي بهذا السبب.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور والخطأ في تطبيق القانون وتقول في بيان ذلك إنها تمسكت لدى محكمة الاستئناف بأنه لا يجوز للمطعون عليها الجمع بين التعويض الجزافي المقرر بقانون إصابات العمل والذي يلزم به رب العمل دون حاجة لإثبات أي خطأ من جانبه وبين التعويض الذي يستحقه طبقاً للقواعد العامة في المسئولية إذا ثبت أن الحادث مرجعه خطأ جسيم من رب العمل وأوضحت الطاعنة في هذا الوجه دفاعها أنها دفعت للمطعون عليها مبلغ 1476 ج وفاء لما يقضي به قانون إصابات العمل من التزام قبلها ويتعين لذلك خصم هذا المبلغ من جملة التعويض الذي يحكم به للمطعون عليها في الدعوى الحالية ولكن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي فيما قضى به من إلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون عليها تعويضاً شاملاً قدره 6000 جنيه باعتبار هذا المبلغ تعويضاً جابراً لجميع الأضرار التي لحقت بها دون خصم ما سبق أن استأدته المطعون عليها عملاً بأحكام قانون إصابات العمل، ولم يعر الحكم المطعون فيه التفاتاً إلى ذلك الدفاع الذي أبدته الطاعنة مما يعيبه بالقصور ومخالفة ما يقضي به القانون من عدم جواز الجمع بين تعويضين والإثراء بذلك على حساب الغير دون سبب.
"وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم الابتدائي أنه أورد في تقريراته أن المطعون عليها قصرت طلباتها على ما تستحقه من تعويض على أساس مسئولية الطاعنة عن خطئها الجسيم وطبقاً للقواعد العامة في المسئولية" ثم ذكر الحكم بعد ذلك وهو بسبيل تقدير التعويض الذي قضى به على الأساس المتقدم ما يلي "ومن حيث إن المحكمة ترى في مراعاة التعويض المستحق قبل الشركة المدعى عليها (الطاعنة) أن مورث المدعية (المطعون عليها) قد خلف طفلاً صغيراً وحملاً مستكناً انفصل بعد قتل والده وأن الطفلين في حاجة إلى جهاد والدهما في سبيلهما لرعايتهما وإعدادهما لمواجهة أعباء الحياة فأصبحا ولا معين لهما سوى أمهما وهي سيدة لا حول لديها ولا قوة فضلاً عن أن المورث كان شاباً في الثانية والثلاثين يرجو لنفسه مستقبلاً زاهراً - وإزاء هذه الظروف تقدر المحكمة للمدعية عن نفسها وبصفتها تعويضاً قدره ستة آلاف جنيه" وجاء بهذا الحكم في موضع آخر "أن هذه الحالة التي يسمح فيها للعامل بالجمع بين تعويضين عن حادث واحد" كما أورد الحكم المطعون فيه بتقريراته أن المطعون عليها قصرت دعواها على المطالبة بالتعويض طبقا القواعد العامة في المسئولية التقصيرية بعد أن استوفت من الطاعنة ما تستحقه عملاً بأحكام قانون عقد العمل الفردي. ويبين من الصورة الرسمية لمذكرة الطاعنة المقدمة إلى محكمة الاستئناف بجلسة 24/ 11/ 1959 أنها تمسكت في دفاعها أنها أدت إلى المطعون عليها ضمن ما أدته مبلغ التعويض الجزافي المقرر بقانون إصابات العمل وأنه يتعين خصم هذا المبلغ من جملة التعويض الذي تستحقه عن الأضرار التي تدعيها، ولما كان التزام رب العمل بتعويض العامل طبقاً لأحكام قانون إصابات العمل وإن كان لا يمنع من التزامه بالتعويض عن الحادث إذا وقع بسبب خطئه الجسيم إلا أن هذين الالتزامين متحدان في الغاية وهي جبر الضرر جبراً متكافئاً له ولا يجوز أن يكون زائداً عليه، إذ أن كل زيادة تعتبر إثراء على حساب الغير دون سبب، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه وإن صرح في أسبابه أن المطعون عليها استوفت من الطاعنة ما تستحقه طبقاً لأحكام قانون عقد العمل الفردي وأنها قصرت دعواها على طلب إلزام الطاعنة بالتعويض على أساس مسئوليتها عن الخطأ الجسيم طبقاً للقواعد العامة إلا أن الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه قد أورد ضمن تقريراته أن للمطعون عليها أن تجمع بين تعويضين عن الحادث كما بني تقديره للتعويض على أساس الإحاطة بجميع الأضرار التي أصابت المطعون عليها، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعن بالرد على دفاع الطاعنة بأنها أوفت المطعون عليها بالتعويض الذي يقرره قانون إصابات العمل وأنه يتعين خصمه من جملة التعويض الذي تستحقه المطعون عليها عن جميع الأضرار التي لحقتها، ولم يبين ما إذا كان المبلغ الذي قضى به وقدره 6000 ج قد روعي عند تقديره خصم ما تكون المطعون عليها قد قبضته طبقاً للقانون سالف الذكر أم لا، فإن ذلك الحكم يكون معيباً بقصور يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون ويتعين لذلك نقضه في هذا الخصوص وحده.


(1) راجع نقض 27/ 5/ 1964 الطعن 17 ق لسنة 32 ق أحوال شخصية العدد الحالي القاعدة 115.
(2) راجع نقض 14/ 5/ 1942 الطعن 59 س 11 ق، 9/ 12/ 1954 الطعن 265 س 21 ق مجموعة 25 سنة جزء 2 ص 867.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق