الصفحات

السبت، 18 مارس 2023

الطعن 232 لسنة 29 ق جلسة 2 / 7 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 140 ص 909

جلسة 2 من يوليه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف مرسي، ولطفي علي، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي.

-----------------

(140)
الطعن رقم 232 لسنة 29 القضائية

(أ) اختصاص. "الاختصاص المتعلق بالولاية". "أجانب". تنفيذ الأحكام الأجنبية.
القول بدخول محكمة بداية القدس في الأراضي التي ضمتها إليها المملكة الأردنية الهاشمية بعد غزو فلسطين لا يغير من أنها من محاكم فلسطين. لا مخالفة فيه للقانون.
(ب) تنفيذ. تنفيذ الأحكام الأجنبية. حكم.
تنفيذ الأحكام الأجنبية. وجوب التحقق من صدور الحكم عن هيئة قضائية مختصة وفقاً لقانون البلد الذي صدر فيه.
(جـ) اختصاص. "الاختصاص المتعلق بالولاية". "أجانب".
الأصل اختصاص المحاكم المصرية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو سكن في مصر. اختصاصها كذلك بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو سكن في مصر في أحوال معينة.
(د) اختصاص. "الاختصاص المتعلق بالولاية". "أجانب". تنفيذ. تنفيذ الأحكام الأجنبية. حكم.
انعقاد الاختصاص لمحكمة أجنبية بنظر دعوى الأجنبي. انعقاده في نفس الوقت للمحاكم المصرية. صدور الحكم من المحكمة الأجنبية وتذييله بالصيغة التنفيذية. توجب دوافع المجاملة ومقتضيات الملاءمة وحاجة المعاملات الدولية اعتباره قد صدر من محكمة أجنبية في حدود اختصاصها. مثال.
(هـ) تنفيذ. تنفيذ الأحكام الأجنبية. حكم. إعلان. نظام عام. بطلان.
وجوب التحقق من إعلان الخصوم على الوجه الصحيح في الحكم الأجنبي قبل تذييله بالصيغة التنفيذية. صحة إعلان المحكوم عليهم وفق الإجراءات التي رسمها قانون البلد الذي صدر فيه الحكم. عدم تعارض هذه الإجراءات مع اعتبارات النظام العام في مصر. لا محل للنعي ببطلان الإعلان.
(و) إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن القانونية". "حجية الأمر المقضي". محكمة الموضوع.
استخلاص النزول عن حجية الأمر المقضي مسألة موضوعية.

---------------
1 - إذا قرر الحكم المطعون فيه أن كون محكمة بداية القدس داخلة في الأراضي التي ضمتها إليها المملكة الأردنية الهاشمية بعد غزو فلسطين لا يغير من أنها من محاكم فلسطين فإنه لا يكون قد خالف القانون.
2 - توجب أحكام التشريع المصري في خصوص تنفيذ الأحكام الأجنبية التحقق من صدور الحكم من هيئة قضائية مختصة وفقاً لقانون البلد الذي صدر فيه، وهو ما تنص عليه المادة 493/ 1 من قانون المرافعات، والمادة 2/ 1 من اتفاقية تنفيذ الأحكام المبرمة بين دول الجامعة العربية في 14 ديسمبر سنة 1952.
3 - مؤدى ما نصت عليه المادة الثالثة من قانون المرافعات من أن تختص المحاكم المصرية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو سكن في مصر في أحوال معينة عددتها، أن الاختصاص ينعقد للمحاكم المصرية أصلاً ومن باب أولى في الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو سكن في مصر وذلك بموجب ضابط إقليمي تقوم على مقتضاه ولاية القضاء المصري بالنسبة للأجنبي.
4 - إذا كانت محكمة بداية القدس مختصة بنظر الدعوى طبقاً لقانونها، وكان اختصاصها يقوم أصلاً على أساس المحل الذي أبرم فيه العقد وكان مشروطاً تنفيذه فيه - وهما ضابطان للاختصاص مسلم بهما في غالبية التشريعات ويقرهما قانون الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها - أي القانون المصري - إذ نصت عليهما الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون المرافعات ضمن الحالات التي يقوم فيها الاختصاص للمحاكم المصرية بالنسبة للأجنبي ولو لم يكن له موطن أو سكن في مصر. وإذ كانت محكمة بداية القدس - وهي إحدى جهتي القضاء المنعقد لهما الاختصاص في النزاع القائم بين الطرفين - قد رفعت إليها الدعوى فعلاً وأصدرت فيها الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية، فإن دوافع المجاملة ومقتضيات الملاءمة وحاجة المعاملات الدولية توجب اعتبار هذا الحكم قد صدر من محكمة أجنبية في حدود اختصاصها.
5 - شرط إعلان الخصوم على الوجه الصحيح هو مما يجب التحقق من توافره في الحكم الأجنبي قبل أن يصدر الأمر بتذييله بالصيغة التنفيذية. وذلك عملاً بما تقرره المادة 493/ 2 من قانون المرافعات واتفاقية تنفيذ الأحكام المعقودة بين دول الجامعة العربية بالمادة 2 فقرة ب منها. وإذ كانت القاعدة الواردة بالمادة 22 من القانون المدني تنص على أنه يسري على جميع المسائل الخاصة بالإجراءات قانون البلد الذي تجري مباشرتها فيه - وكان إعلان الخصوم بالدعوى مما يدخل في نطاق هذه الإجراءات - وقد أعلن الطاعنون إعلاناً صحيحاً وفق الإجراءات التي رسمها قانون البلد الذي صدر فيه الحكم والتي لا تتعارض مع اعتبارات النظام العام في مصر، فإن النعي ببطلان إعلان الدعوى المطلوب تدليل حكمها بالصيغة التنفيذية يكون على غير أساس.
6 - استخلاص النزول عن حجية الأمر المقضي مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أنه بتاريخ 5 يوليه سنة 1953 صدر من محكمة بداية القدس الأردنية حكم لمصلحة المطعون عليه في القضية رقم 150 سنة 1953 يقضي بإلزام الطاعنين بأن يدفعوا له متضامنين مبلغ 3379 ديناراً و222 فلساً والمصاريف والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 25/ 4/ 1953 وخمسين ديناراً مقابل أتعاب المحاماة. وتقدم المطعون عليه بهذا الحكم إلى قاضي الأمور الوقتية بمحكمة القاهرة الابتدائية طالباً إصدار أمر أداء بموجبه. وبتاريخ 27 سبتمبر سنة 1954 صدر هذا الأمر ضد الطاعنين بأداء المبلغ المحكوم به بالعملة المصرية ولما استأنف الطاعنون هذا الأمر قضى في 27 نوفمبر سنة 1956 بإلغائه لصدوره من هيئة غير مختصة. وفي يوليه سنة 1957 أقام المطعون ضده الدعوى الحالية أمام محكمة القاهرة الابتدائية، تقيدت بجدولها برقم 2347 سنة 1957 كلي القاهرة، وطلب القضاء له بتذييل الحكم الصادر من محكمة بداية القدس الأردنية في 5 يوليه سنة 1953 بالصيغة التنفيذية ويجعله بمثابة حكم واجب التنفيذ في مصر. وقدم المطعون ضده صورة رسمية من الحكم المذكور كما قدم العقد الذي نشأت بمقتضاه العلاقة بين الطرفين، وهو تعهد بفتح اعتماد بحساب جار مدين في حدود مبلغ 3000 جنيه فلسطيني حرر بيافا في الأول من إبريل سنة 1946 بين المطعون عليه والطاعنين وورد بالبند الرابع عشر منه أنه في حالة الالتجاء إلى المحاكم فإن الطاعنين يسقطون حقهم في اختيار أية محكمة وللمطعون ضده أن يختار المحكمة ذات الصلاحية من محاكم فلسطين دون ثمة اعتراض من هؤلاء. واستند المطعون ضده إلى اتفاقية تنفيذ الأحكام المعقودة بين دول الجامعة العربية في سبتمبر سنة 1952، وإلى القانون رقم 48 لسنة 1949 بتعديل قانون الإدارة العامة في فلسطين الصادر برقم 19 لسنة 1949 وقانون أصول المحاكمات الحقوقية رقم 42 لسنة 1952 وقدم صوراً منها. وبتاريخ 26 فبراير سنة 1958 قضت محكمة أول درجة بتذييل حكم محكمة بداية القدس رقم 150 سنة 1953 بالصيغة التنفيذية. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 620 سنة 72 ق استئناف القاهرة وحكمت المحكمة الاستئنافية في 11 يوليه سنة 1958 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير مؤرخ في 22 مارس سنة 1959 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 10 يونيه سنة 1962 وفيها طلبت النيابة رفض الطعن وقررت دائرة فحص الطعون إحالته إلى هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات حدد لنظر الطعن جلسة 21 مايو سنة 1964 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على خمسة أسباب يتحصل السببان الثاني والثالث منها في النعي على الحكم بالخطأ في القانون. ويقول الطاعنون في بيان ذلك إنهم تمسكوا بما اتفق عليه في العقد المبرم بينهم وبين المطعون ضده من اشتراط أن يكون الاختصاص لأية محكمة من المحاكم الفلسطينية، ولكن هذا الأخير اختار عنه رفع الدعوى لاستصدار الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية محكمة بداية القدس بالمملكة الأردنية. وقد رد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع بأن محكمة بداية القدس التي كانت من محاكم فلسطين قبل الاعتداء عليها قد أصبحت بموجب قانون الإدارة العامة في فلسطين مختصة بما كانت تختص به المحكمة المركزية في يافا، وهذا القول مخالف للقانون إذ لا يجوز لأية دولة أن تصدر تشريعاً للعمل به خارج حدودها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه في الرد على دفاع الطاعنين الذي يثيرونه بسبب النعي على قوله: "وبما أن الحاكم العسكري العام في الضفة الغربية من المملكة الأردنية الهاشمية - بعد أن أصدر بمجلس الأمة القرار التاريخي بوحدة الضفتين - أصدر المنشور رقم 4 الذي نص في الفقرة الأولى منه على ما يأتي: (أخول محكمة القدس الصلاحية التامة لإجراء محاكمة كافة أصناف الدعاوى الحقوقية التي كانت تدخل ضمن صلاحية المحكمة المركزية في يافا) وبما أن المادة السادسة من قانون تعديل الإدارة العامة في فلسطين رقم 48 لسنة 1949 تنص على أن جميع القوانين والأنظمة والأوامر وسائر التشريعات الأخرى التي أصدرها جلالة الملك أو الحاكم العسكري أو الحاكم الإداري العام تعتبر أنها كانت وما زالت نافذة ومعمولاً بها. وبما أن المستفاد من ذلك أن المنشور رقم 4 السالف الذكر قد اكتسب قوة القانون في المملكة الأردنية الهاشمية بناء على المادة السادسة من قانون تعديل الإدارة العامة في فلسطين إذ جعل محكمة بداية القدس مختصة بالفصل في الدعاوى التي كانت في الأصل من اختصاص المحكمة المركزية في يافا، وقد قررت ذلك محكمة التمييز في المملكة الأردنية الهاشمية في القضية رقم 44 سنة 1954" "وبما أنه تبين للمحكمة من الاطلاع على العقد المبرم بين الخصوم في أول إبريل سنة 1946 والذي بموجبه حصل المدعي - المطعون عليه - على الحكم المطلوب تنفيذه في مصر أن محل المدعي والمدعى عليهم – الطاعنين - هو بلدة يافا وأن البند الرابع عشر من ذلك العقد ينص على أنه في حالة الالتجاء إلى المحاكم فإن المدعى عليهم - الطاعنين - يسقطون حقهم في اختيار أية محكمة وللبنك أي للمطعون عليه أن يختار المحكمة ذات الصلاحية من محاكم فلسطين ولا حق لهؤلاء في الاعتراض على المحكمة التي يختارها البنك. وأن نص المادة 22 من القانون المدني صريح في أن قواعد الاختصاص في جميع المسائل الخاصة بالإجراءات يسري عليها قانون البلد الذي تقام فيه الدعوى أو تباشر فيه الإجراءات وهي قوانين المملكة الأردنية الهاشمية بما فيها القانون رقم 48 لسنة 1949" "وأن الاتفاق على ترك الاختيار للمستأنف ضده - المطعون ضده - يعطيه الحق في اختيار محكمة بداية القدس للتقاضي باعتبارها من محاكم فلسطين قبل الاعتداء عليها: وكون هذه المحكمة داخلة في الأراضي التي ضمتها إليها المملكة الأردنية الهاشمية بعد غزو فلسطين لا يغير من أنها من محاكم فلسطين وفقاً للاتفاق". وهذا الذي أورده الحكم المطعون فيه لا مخالفة فيه للقانون، ويؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها من انعقاد الاختصاص لمحكمة بداية القدس بإصدار الحكم الذي قضى الحكم المطعون فيه بتذييله بالصيغة التنفيذية، ومن ثم فإن النعي بهذين السببين يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون في الحكم المطعون فيه بالسبب الأول مخالفة القانون إذ قضى بتذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية حالة أنه صادر من محكمة غير مختصة. ويقولون في بيان ذلك إنهم نزحوا من فلسطين إلى مصر وتوطنوا بها منذ عام 1950 وكانوا يقيمون بالقاهرة وقت رفع الدعوى عليهم في الأردن، وبذلك تكون المحاكم المصرية هي المختصة بالفصل في القضايا التي تقام ضدهم طبقاً للمادة الثالثة من قانون المرافعات وبالتالي يكون الحكم المطلوب وضع الصيغة التنفيذية عليه قد صدر من محكمة غير مختصة. ولا يعتد في هذا الخصوص بكون المحكمة التي أصدرته - وهي محكمة بداية القدس بالأردن - مختصة وفقاً لقانون الدولة التي صدر فيها، لأن هذا مشروط بألا ينعقد الاختصاص للمحاكم المصرية بنظر الدعوى، وتعد القواعد التي تحدد الاختصاص العام للمحاكم المصرية من النظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على مخالفته.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه في خصوص ما ورد بسبب النعي على ما يلي "وبما أنه تبين للمحكمة من الاطلاع على العقد المبرم بين الخصوم في أول إبريل سنة 1946 أن بلدة يافا هي التي تم فيها التعهد وجرى فيها تسليم المال ووقع فيها الفعل المسبب للدعوى، وأن المستأنفين - الطاعنين صرحوا للمستأنف ضده - المطعون ضده - بأن يختار المحكمة ذات الصلاحية للفصل فيها ينشأ بين الطرفين من نزاع من بين محاكم فلسطين وأنه لا حق لهم في الاعتراض على صلاحية المحكمة التي يختارها البنك. وبما أن المادة الثالثة من قانون أصول المحاكمات الحقوقية الأردني رقم 42 لسنة 1952 تنص على أن تقام الدعوى الحقوقية في المحكمة البدائية التي تقع ضمن دائرة اختصاص المكان الذي - (1) يقيم فيه المدعى عليه أو يتعاطى أعماله فيه. (2) تم فيه التعهد. (3) جرى فيه تسليم المال. (4) تعين لتنفيذ التعهد. (5) وقع فيه الفعل المسبب للدعوى. وأنه إذا عين أحد المتعاقدين لمصلحة العاقد الآخر بنص في العقد مكاناً للتداعي عنه حدوث خلاف بينهما من جراء هذا العقد يكون العاقد الآخر مخيراً بين إقامة الدعوى في محكمة المكان الذي يقيم فيه خصمه أو في محكمة المكان الذي اختاره هذا الخصم في العقد. وبما أنه يبين مما تقدم أن محكمة بداية القدس مختصة دولياً وداخلياً بالفصل في النزاع الذي ثار بين الخصوم" ولما كانت أحكام التشريع المصري في خصوص تنفيذ الأحكام الأجنبية توجب التحقق من صدور الحكم من هيئة قضائية مختصة وفقاً لقانون البلد الذي صدر فيه إذ تنص على هذا الشرط المادة 493/ 1 من قانون المرافعات كما تنص عليه المادة 2/ 1 من اتفاقية تنفيذ الأحكام المبرمة بين دول الجامعة العربية في 14 سبتمبر سنة 1952 والواجبة التطبيق في الدعوى الراهنة لموافقة كل من المملكة الهاشمية الأردنية والجمهورية العربية المتحدة عليها - وكان اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية يقوم بحق على النحو الذي حصله الحكم المطعون فيه لا على أساس إرادة الطرفين أي الخضوع الاختياري عند التعاقد فحسب، وإنما يقوم كذلك وبصفة أصلية على أساس المحل الذي أبرم فيه العقد وكان مشروطاً تنفيذه فيه، وهو أساس يقره القانون الأردني كدعامة لاختصاصه على النحو الذي ذكره الحكم المطعون فيه - وكان الاختصاص على هذا الأساس وإن انعقد لمحكمة يافا إلا أنه انتقل منها إلى محكمة بداية القدس انتقالاً مشروعاً على ما سبق بيانه عند الرد على السببين الثاني والثالث - لما كان ذلك، فقد توافر شرط الاختصاص لمحكمة بداية القدس التي أصدرت الحكم المطلوب تنفيذه طبقاً لقانونها. ولا يغر من ذلك ما يدعيه الطاعنون من أنهم كانوا يقيمون في مصر وقت رفع الدعوى، إذ بفرض صحة هذا القول فإنه لا يؤدي إلى النتيجة التي يرتبونها من نفي الاختصاص عن محكمة بداية القدس واعتبارها غير ذات صلاحية لإصدار الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية، ذلك أن المادة الثالثة من قانون المرافعات إذ تنص على اختصاص المحاكم المصرية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن أو سكن في مصر في أحوال معينة عددتها، وإذ يدل مفهوم عبارتها على أن الاختصاص ينعقد للمحاكم المصرية أصلاً ومن باب أولى في الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو سكن في مصر وذلك بموجب ضابط إقليمي تقوم على مقتضاه ولاية القضاء المصري بالنسبة للأجنبي، إلا أنه لما كان الثابت على النحو المتقدم ذكره أن محكمة بداية القدس - هي الأخرى - مختصة بنظر الدعوى طبقاً لقانونها - وكان اختصاصها يقوم أصلاً على أساس المحل الذي أبرم فيه العقد وكان مشروطاً تنفيذه فيه وهما ضابطان لاختصاص مسلم بهما في غالبية التشريعات ويقرهما قانون الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها - أي القانون المصري - إذ نصت عليهما الفقرة الثانية من المادة الثالثة مرافعات السالفة الذكر ضمن الحالات التي يقوم فيها الاختصاص للمحاكم المصرية بالنسبة للأجنبي ولو لم يكن له موطن أو مسكن في مصر - لما كان ذلك، وكانت محكمة بداية القدس - وهي إحدى جهتي القضاء المنعقد لهما الاختصاص في النزاع القائم بين الطرفين - قد رفعت إليها الدعوى فعلاً وأصدرت فيها الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية في الدعوى الراهنة، فإن دوافع المجاملة ومقتضيات الملاءمة وحاجة المعاملات الدولية توجب في نطاق الظروف المتقدم ذكرها اعتبار هذا الحكم قد صدر من محكمة أجنبية في حدود اختصاصها. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً وبالتالي يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه بالسبب الرابع القصور في التسبيب ومخالفة القانون بقولهم إنه أغفل الرد على ما تمسكوا به من أن إعلان الدعوى المطلوب تذييل حكمها بالصيغة التنفيذية قد وقع باطلاً ومشوباً بالغش لعلم رافعها "المطعون ضده" بأنهم نزحوا من بلادهم وكانوا يقيمون بالقاهرة وقت رفع الدعوى عليهم بالأردن مما حال بينهم وبين إبداء دفاعهم فيها. وكان يتعين على المحكمة المطلوب منها وضع الصيغة التنفيذية أن تحقق هذا الدفاع لتتأكد من صحة الإعلانات ومطابقتها للقانون، وإذ أغفلت ذلك فإن حكمها يكون قاصراً.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي المؤيد أسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في خصوص ما ورد بسبب النعي على ما قرره من:"وبما أن قانون أصول المحاكمات الحقوقية رقم 42 لسنة 1952 بين في المواد من 20 إلى 28 طريقة إعلان المدعى عليه، ثم نص في المادة 29 على أنه إذا اقتنعت المحكمة بأنه لا سبيل لإجراء التبليغ وفق الأحوال المتقدمة لأي سبب من الأسباب يجوز لها أن تأمر بإجراء التبليغ: ( أ ) بتعليق نسخة من الورقة القضائية على موضع بارز من دار المحكمة ونسخة أخرى على جانب ظاهر للعيان من المحل المعروف أنه آخر محل كان يقيم فيه المدعى عليه ويتعاطى فيه عمله إن كان له محل كهذا أو (ب) بنشر إعلان في الجريدة الرسمية أو إحدى صحف الأخبار. ثم نص في المادة 32 على أنه متى أعيدت الأوراق القضائية إلى محكمة مبلغة على أحد الوجوه المبينة في أية مادة من المواد السابقة - تسير المحكمة في الدعوى إذا رأت أن التبليغ موافق للأصول، وإلا فتقرر إعادة التبليغ. وبما أن المستفاد من ذلك أن قانون أصول المحاكمات الحقوقية يجيز إعلان المدعى عليه عن طريق النشر إذا ما اقتنعت المحكمة بأنه لا سبيل لإجراء الإعلان وفق الأحوال المبينة في المواد 20 إلى 28، وأنه جعل لتلك المحكمة حق مراقبة الإعلان بطريق النشر وغيره بحيث إذا رأت أنه موافق للأحوال المقررة سارت في الدعوى وإلا قررت إعادة الإعلان، لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطلوب تنفيذه أن تبليغ - إعلان - المدعى عليهم تم بواسطة النشر وأن المحكمة قررت السير في المحاكمة غيابياً فإن هؤلاء المدعى عليهم يكونوا قد كلفوا بالحضور أمام محكمة بداية القدس تكليفاً صحيحاً وفقاً لقانون تلك المحكمة، خاصة وأنه لم يثبت من أوراق الدعوى أن إعلان المدعى عليهم بطريق النشر في غير موضعه طبقاً لذلك القانون، ولما كان شرط إعلان الخصوم على الوجه الصحيح مما يجب التحقق من توافره في الحكم الأجنبي قبل أن يصدر الأمر بتذييله بالصيغة التنفيذية، إذ نصت على تقريره المادة 493/ 2 من قانون المرافعات واتفاقية تنفيذ الأحكام المعقودة بين دول الجامعة العربية بالمادة 2 فقرة ب منها - وكانت القاعدة الواردة بالمادة 22 من القانون المدني تنص على أنه يسري على جميع المسائل الخاصة بالإجراءات قانون البدل الذي تجرى مباشرتها فيها - وكان إعلان الخصوم بالدعوى مما يدخل في نطاق هذه الإجراءات - وكان الطاعنون على ما قرره الحكم المطعون فيه قد أعلنوا إعلاناً صحيحاً وفق الإجراءات التي رسمها قانون البلد الذي صدر فيه الحكم وهو القانون الأردني - وكانت إجراءات الإعلان طبقاً للقانون المذكور لا تتعارض مع اعتبارات النظام العام في مصر - فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن السبب الخامس من أسباب الطعن يتحصل في النعي على الحكم بفساد الاستدلال. وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إنهم تمسكوا في دفاعهم بأن المطعون ضده تنازل عن حجية الحكم الصادر من محكمة بداية القدس المراد تذييله بالصيغة التنفيذية، واستدلوا على ذلك بأنه لجأ بعد صدور ذلك الحكم إلى طلب الحصول على أمر أداء بالمبلغ المحكوم به على اعتبار أن هذا الأمر يحل محل الحكم مما يفيد نزوله عن التمسك بحجيته نزولاً ضمنياً. ولكن الحكم المطعون فيه رد على ذلك بأن المطعون ضده لم يتنازل عن الحكم المذكور لا صراحة ولا ضمنياً وإنما سكت عن التمسك بحجيته، ولجأ إلى طريق آخر، وهذا من الحكم استخلاص غير سائغ ولا يتفق مع ما تؤدى إليه أورق الدعوى.
وحيث إن هذا النعي مردود بما أورده الحكم المطعون فيه من "أن التجاء المطعون ضده لطلب أمر الأداء من القضاء المصري لا يمكن اعتباره تنازلاً نهائياً عن حجية حكم محكمة بداية القدس بل هو سلوك - لطريق آخر للوصول إلى الحق، فلما انتهى أمر الأداء إلى ما انتهى إليه من الحكم ببطلانه استئنافياً لصدوره من قاض لا ولاية له على إصدار مثل هذا الأمر، عاد المستأنف ضده للتمسك بحجية حكم محكمة بداية القدس وطلب الحكم بتذييله بالصيغة التنفيذية، ولما كان استخلاص النزول عن حجة الأمر المقضي مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع - وكان الثابت أن المطعون ضده قد طلب الحصول على أمر بأداء المبلغ المحكوم به استناداً إلى نفس الحكم الذي قضى له بهذا المبلغ فإن ما استخلصته المحكمة من التجاء المطعون ضده لاستصدار أمر أداء بموجب الحكم الصادر له لا يعتبر نزولاً منه عن حجية هذا الحكم - هو استخلاص سائغ تؤدى إليه المقدمات التي بني عليها، ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس أيضاً.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق