الصفحات

السبت، 18 مارس 2023

الطعن 14 لسنة 29 ق جلسة 7 / 7 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 142 ص 937

جلسة 7 من يوليه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.

----------------

(142)
الطعن رقم 14 لسنة 29 القضائية

حق. مؤلف. "حق المؤلف". "استغلاله". "الاعتداء عليه". بيع. "المنافسة غير المشروعة".
تقليد الطاعن طبعة المطعون ضده تقليداً تاماً. نشر الطاعن لطبعته وطرحها للبيع في السوق. منافسته كتاب المطعون ضده منافسة غير مشروعة. لا ينفي قيام هذه المنافسة غير المشروعة اعتزال المطعون ضده مهنة الطباعة والنشر وتصفية أعماله فيهما ما دام كتابه ما زال مطروحاً في السوق.

----------------
متى كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن الطبعة التي أخرجها الطاعن مقلدة عن الطبعة التي أخرجها المطعون ضده تقليداً تاماً وهو أمر لا يقره القانون، فإن من شأن نشر الطاعن لطبعته وطرحها للبيع في السوق منافسة كتاب المطعون ضده وهي منافسة لا شك في عدم شرعيتها، ولا ينفي قيام هذه المنافسة غير المشروعة أن يكون المطعون ضده قد اعتزل مهنة الطباعة والنشر وصفى أعماله فيهما ما دام كتابه ما زال مطروحاً للبيع في السوق (1).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد والمداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون ضده أقام في 15 من فبراير سنة 1955 الدعوى رقم 395 سنة 1955 تجاري كلي القاهرة ضد الطاعن بصفته طالبا إلزامه بأن يدفع له على سبيل التعويض المؤقت مبلغ 1500 جنيه وقال في بين دعواه إنه قام في سنة 1928 بإعداد وطبع كتاب "زاد المعاد في هدى العباد" لابن القيم الجوزي في صورة مبتكرة لم يسبقه إليها أحد فرتبه ترتيباً خاصاً وبوبه وراجعه على نسخته الأصلية وصححه تصحيحاً دقيقاً وطبعه على ورقة ممتاز بحروف استوردها من ألمانيا حتى لقد جعل منه نموذجاً فنياً لا يدانيه أي مطبوع من نوعه أخرجته المطابع المصرية ووضع على الكتاب اسمه واسم مطبعته. وبعد نشر هذا الكتاب وتداوله في السوق علم بأن الطاعن قام بتقليده بطريق الزنكوغراف ووضع أكليشهات له طبع عليها سائر الكتاب عدة طبعات متماثلة وجاء الكتاب الذي أصدره الطاعن صورة مطابقة تماماً لكتابه فيما عدا ما لجأ إليه الطاعن من رفع اسمه واسم مطبعته من على الكتاب ووضع اسمه هو واسم مطبعته بدلاً منهما ومضي المدعي (المطعون ضده) قائلاً إنه لما كان له حق المؤلف على كتابه سالف الذكر بما يترتب على هذا الحق من أن يكون له وحده الحق في استغلال المصنف والتصرف فيه وكان ما فعله المدعى عليه (الطاعن) بغير إذن منه يعتبر اعتداء على حقه هذا وأمراً مخالفاً للقانون وقد ناله ضرر منه فقد رفع الدعوى بطلب تعويضه عن هذا الضرر بالمبلغ المطالب به، دفع الطاعن الدعوى: أولاً - بسقوط الحق في إقامتها بالتقادم تأسيساً على القول بأن المدعي طبع كتابه في سنة 1928 وهجر العمل في الطباعة والنشر وصفى أعماله في سنة 1934 وأنه مضى بين أي من هذين التاريخين وبين رفع الدعوى مدة تزيد على الخمس عشرة سنة المسقطة للحقوق طبقاً لنص المادة 208 من القانون المدني القديم المنطبق على الواقعة. ثانياً - بعدم قبول الدعوى تأسيساً على القول بأن حماية الملكية الأدبية لا تكون إلا للمؤلف والمدعي لا يصدق عليه هذا الوصف وبالتالي فلا تكون له صفة في رفع الدعوى المستندة إلى هذه الحماية. وتحصل دفاع الطاعن في موضوع الدعوى في أن الكتاب المدعي بتقليده هو من الكتب الدينية القديمة التي أصبحت ملكاً للمجتمع والمباح طبعها ونشرها وقد قام بطبعه كثيرون قبل أن يطبعه المدعي وكان من بين هؤلاء مورث الطاعن الذي قام بطبعه في سنة 1906 وأهدى نسخة منه إلى دار الكتب المصرية وأن الطبعة التي طبعها المطعون عليه والمدعي بتقليدها طبعت لحساب الطاعن وعلى نفقته، هذا إلى أن التقليد المدعى به منتف لوجود أوجه خلاف بين هذه الطبعة والطبعة التي نشرها هو (الطاعن). وبتاريخ 16 من مايو سنة 1957 حكمت المحكمة الابتدائية بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ مائة وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض. ورفضت المحكمة الدفعين في أسباب حكمها. فاستأنف الطرفان هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وطلب المطعون ضده في استئنافه الذي قيد برقم 280 سنة 74 ق زيادة التعويض المقضى له به إلى مبلغ 1500 ج وطلب الطاعن في استئنافه الذي قيد برقم 349 سنة 74 ق إلغاء الحكم المستأنف والحكم بسقوط حق المستأنف عليه (المطعون ضده) في التقاضي سواء بالتقادم الخمسي أو بالتقادم الطويل، وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة والحكم في الموضوع برفض الدعوى. وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت فيهما بتاريخ 18/ 11/ 1958 بقبولهما شكلاً وبرفض الدفعين السابقين وبرفض الاستئناف المرفوع من الطاعن وفي موضوع الاستئناف المرفوع من المطعون ضده بتعديل الحكم المستأنف وبزيادة التعويض المقضى به إلى مبلغ خمسمائة جنيه. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 18 من أكتوبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على المذكرة المقدمة منها والتي رأت فيها رفض الطعن وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن على هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى الطاعن في أولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إن وصف المؤلف لا يصدق قانوناً إلا على من قام بمجهود ذهني يتسم بطابع الابتكار وأن مجهود المطعون ضده في إخراج كتابه المدعي بتقليده لا يعدو أن يكون مجهوداً مادياً بحتاً إذ اقتصر على ما قاله هو في عريضة دعواه - على استعمال ورق جيد وحروف استوردها من الخارج في طبع الكتاب ولم يكن له فضل ابتكار هذه الحروف أو التفنن في تصميمها وإنما انحصر عمله في جمعها وتنسيقها بواسطة عمال فنيين. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في القانون حين اعتبر أن للمطعون ضده حق المؤلف على الكتاب الذي أخرجه وأن له أن يفيد من الحماية التي أضفاها المشرع على حقوق المؤلفين ولا يشفع للحكم ما قاله من أن المطعون ضده قام بتصحيح الكتاب على نسخته الأصلية وأنه صدره بترجمة للمؤلف الأصلي للكتاب وأنه وضع لها فهرساً من صنعه، ذلك أن التصحيح والتنقيح وتحقيق الكتب القديمة بمطابقتها على أصولها كل هذه الأعمال لا تعتبر من قبيل التأليف الجدير بالحماية لأنها لا تتسم بالطابع الشخصي لمن قام بها ولا تتميز بطابع الابتكار كما أن التصحيح من عمل الطابع وهو عمل مادي لا يستلزم مجهوداً ذهنياً، أما عن تصدير الكتاب بترجمة للمؤلف الأصلي فإن المطعون ضده لم يدع أنه ألف هذه المقدمة بل قال إنه نقلها عن تذكرة الحفاظ وغيرها فعمله في وضع هذه المقدمة لا يعدو دائرة التجميع وهو لا يندرج في أعمال المؤلف إلا إذا داخله التفنن في النقل عن كتب الغير أو ترتيبها على نحو خاص يكسوها جدة وهو الأمر المنتفي في المقدمة التي صدر بها المطعون ضده كتابه، كما وأن وضع الفهرس يدخل في عمل الطابع ولا يمكن أن يوصف بأنه ابتكار لأن الفهرس لا يضيف جديداً إلى المصنف - على أن المطعون ضده لم يغير في فهرس الكتاب الأصلي الذي نقل عنه شيئاً من ترتيبه ولم يعرض موضوعاته عرضاً جديداً أو مبتكراً، ومجرد وضع فهارس للكتب الدينية ليس فكرة مبتكرة اهتدى إليها المطعون ضده لأنها موجودة في كل الكتب الدينية القديمة وانتهى الطاعن إلى أنه لما كان الحكم المطعون فيه لم يثبت أن المطعون ضده قد ابتكر شيئاً جديداً أو أنه أضاف إلى طبعته إضافات ذات قيمة علمية فإنه لم يكن ثمة مبرر لإضفاء الحماية المقررة لحقوق المؤلفين عليه والحكم له تبعاً لذلك بالتعويض.
وحيث إنه ورد بأسباب الحكم الابتدائي التي أحال إليها الحكم المطعون فيه، بصدد ما يثيره الطاعن في هذا السبب ما يلي "وبما أنه متى تقررت حماية حق المؤلف حتى من قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 تعين البحث في نطاق هذا الحق وهل الحماية تشمل المجهود الذي بذله المدعي (المطعون ضده) في إصدار كتاب زاد المعاد محل النزاع. وبما أن الفقه والقضاء قد وسعا في نطاق حماية حق المؤلف حتى لقد شمل كل صور الابتكار مهما ضؤلت، فإعادة طبع الكتب القديمة تخول حق الملكية الأدبية في الطبعة الحديثة متى كانت مختلفة عن القديمة ولو في الترتيب الذي ينم عن جهد خاص" وبعد أن أورد الحكم بعض آراء للشراح وأحكام للمحاكم ذكر "أن القانون رقم 354 لسنة 1954 صدر متضمناً المبادئ التي استقر عليها الفقه والقضاء قبل صدوره ومنظماً لها" وأشار الحكم إلى ما تضمنته المادة الرابعة من هذا القانون ثم قال "وبما أن المحكمة تستلهم من هذه المبادئ جميعها التي سادت قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 ومن النص التشريعي الذي أورده القانون المذكور في نهاية المادة الرابعة، القول بأن ما قام به المدعي من جهد في شأن كتاب زاد المعاد من حيث ترتيبه ترتيباً خاصاً لم يسبق إليه وتصحيحه بمعرفة أحد كبار العلماء المختصين وتقديمه بترجمة للمؤلف ثم وضع فهرس منظم له ثم طبعه بأحرف ممتازة لم يثبت للمحكمة وجود شبيه لها من قبل في مثل هذه الكتب الدينية - كل أولئك يعتبر من قبيل الابتكار والمجهود الشخصي الذي بذله المدعي ليخرج للناس كتاباً تقبل قراءته ويرتاح إليه النظر، فإذا عدا معتد على هذا الكتاب بوضعه المشار إليه وصور صفحاته على نحو ما فعل المدعى عليه بطريق الزنكوغراف وطبع عليه مصنفاً نسبه إلى نفسه فإن هذا الفعل يندرج ولا شك تحت الصور التي تستأهل تدخل القانون لحماية واضع المصنف في صورته المعتدى عليها، إذ المصنفات التي يحميها القانون غير مقصورة على المصنفات الأصلية تشمل كافة صور إعادة إظهار المصنفات الموجودة في شكل جديد" وقرر الحكم في موضع آخر "أن الطبعة التي أخرجها المدعي (المطعون ضده) في سنة 1928 لم يثبت أن أحداً من أصحاب المطابع قد أخرج مثيلاً لها من قبل" وهذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن للمطعون ضده حق المؤلف على كتابه لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أنه وإن كان من المقرر قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 بشأن حق المؤلف أن الأصل هو أن مجموعات المصنفات القديمة التي آلت إلى الملك العام بانقضاء مدة حمايتها إذا أعيد طبعها ونشرها لا يكون لصاحب الطبعة الجديدة حق المؤلف عليها إلا أنه إذا تميزت الطبعة الأصلية المنقول عنها بسبب يرجع إلى الابتكار أو الترتيب في التنسيق أو بأي مجهود آخر ذهني يتسم بالطابع الشخصي فإن صاحب الطبعة الجديدة يكون له عليها حق المؤلف ويتمتع بالحماية المقررة لهذا الحق إذ لا يلزم لإضفاء هذه الحماية أن يكون المصنف من تأليف صاحبه وإنما يكفي أن يكون عمل واضعه حديثاً في نوعه ومتسماً بطابع شخصي خاص بما يضفى على المصنف وصف الابتكار، وهذه القواعد التي قررها الفقه والقضاء من قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 قد قننها هذا القانون بما نص عليه في المادة الرابعة من أنه لا تشمل الحماية: أولاً - المجموعات التي تنتظم مصنفات عدة كمختارات الشعر والنثر والموسيقى وغيرها من المجموعات وذلك مع عدم المساس بحقوق مؤلف كل مصنف. ثانياً - مجموعات المصنفات التي آلت إلى الملك العام. ثالثاً - مجموعة الوثائق الرسمية - ومع ذلك تتمتع المجموعات سالف الذكر بالحماية إذا كانت متميزة بسبب يرجع إلى الابتكار أو الترتيب أو أي مجهود شخصي آخر يستحق الحماية - لما كان ذلك، وكان ما سجلته محكمة الموضوع بحكمها المطعون فيه وفي حدود سلطتها الموضوعية من أن المطعون ضده مهد لكتابه بمقدمة بقلمه تتضمن ترجمة لحياة المؤلف الأصلي لكتاب "زاد المعاد في هدى العباد" الذي أعاد طبعه وأن كتاب المطعون ضده يتميز عن الطبعة الأصلية بترتيب خاص مبتكر وبفهرس منظم من صنعه وأنه أدخل على النسخة الأصلية تنقيحات أجراها أحد العلماء المختصين - هذا الذي سجلته المحكمة الموضوع تتوافر به عناصر الابتكار الذي يتسم بالطابع الشخصي لصاحبه فإنه لا يكون على محكمة الموضوع معقب فيما انتهت إليه من اعتبار المطعون ضده مستأهلاً للحماية المقررة لحق المؤلف ويكون النعي على حكمها في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تفسير القانون وفي تأويله ذلك أنه قضى برفض الدفع بسقوط حق المطعون ضده بالتقادم استناداً إلى القول بأن له حق المؤلف على الكتاب الذي أخرجه وأن الحق الأدبي للمؤلف لا يسقط بالتقادم هذا في حين أنه من جهة فإن المطعون ضده لا يعتبر - على ما بينه الطاعن في السبب السابق - مؤلفاً بالمعنى القانوني ومن جهة أخرى فإن حق المؤلف كغيره من الحقوق حق مؤقت بطبيعته إذ أنه ليس حق ملكية - ولم يكن حق المؤلف قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 - الذي لا ينطبق على واقعة الدعوى - محلاً للحماية إلى بقدر ما تمليه المبادئ العامة في القانون ولمدة معقولة متروك تقديرها للمحاكم ولم يكن للقاضي أن يتجاوز في تقديرها الحد الأقصى للمدد المقررة لسقوط جميع الحقوق بالتقادم وهو خمسة عشر عاماً، هذا إلى أن مقتضى حماية حق المؤلف وهو التزام الغير بعدم التعرض لإنتاجه وهذا الالتزام كسائر الالتزامات ينقضي بمضي خمسة عشر عاماً وإذا صح ما قرره الحكم من أن الحق الأدبي للمؤلف أو الجانب الأدبي من حق المؤلف لا يسقط أبداً فإن حقوق الاستغلال المادية وهي موضوع النزاع في الدعوى الحالية تسقط بالتقادم.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سلف بيانه عند الرد على السبب الأول من أن للطاعن حق المؤلف على الكتاب الذي أخرجه وبأنه وإن لم يوجد نص قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 يحدد مدة حماية حق الاستغلال المالي المقرر للمؤلف إلا أن الرأي كان مستقراً على أن هذه الحماية تظل للمؤلف طيلة حياته على الأقل وكان عماد هذا الرأي ما أجمعت عليه التشريعات الأجنبية والاتفاقات الدولية من إضفاء الحماية المقررة لحقوق المؤلفين طوال حياة المؤلف ومدة معينة بعد وفاته وقد اقتصر الخلاف في الرأي قبل صدور القانون رقم 354 لسنة 1954 على تحديد المدة التي تستمر فيها الحماية بعد وفاة المؤلف وذلك لأن تلك التشريعات الأجنبية والاتفاقات الدولية قد اختلفت في تحديد هذه المدة، ولما كان المطعون ضده قد رفع الدعوى أثناء حياته طالباً تعويضه عن اعتداء الطاعن على حقه في استغلال مصنفه مالياً فإن حقه في رفع هذه الدعوى يكون ثابتاً وقائماً بلا جدال - وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى هذه النتيجة الموافقة للقانون فإنه لا يؤثر على سلامته بعد ذلك ما عسى أن تكون قد اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون وشابه قصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه تمسك لدى محكمة الموضوع بأن الطبعة التي أخرجها المطعون ضده والمدعى بتقليدها إنما أعدت لحساب مورث الطاعن وطبعت على نفقته ودلل على ذلك بصدور إقرار من المطعون ضده نفسه أمام محكمة الاستئناف بجلسة 13 مايو سنة 1958 تضمن أنه طبع لمورث الطاعن ألف نسخة من كتاب زاد المعاد بواقع سبعين قرشاً عن كل ملزمة وأن هذه النسخ وضع عليها اسم هذا المورث وعبارة تفيد أن الطبع تم على نفقته - ورتب الطاعن على ذلك أمام محكمة الموضوع أن من حقه والأمر كذلك أن ينقل عن هذا الكتاب ويصدر منه طبعات أخرى دون أن يتعرض لأية مسئولية - لكن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بهذا الدفاع وأهدر الإقرار القضائي الصريح سالف الذكر وأوله على غير معناه فذكر أن اسم مورث الطاعن وضع بناء على طلبه على النسخ التي اشتراها دون غيرها من نسخ الكتاب وأن ما دفعه هذا المورث من مبالغ للمطعون ضده إنما كان تغطية لثمن النسخ المحددة الكمية التي اشتراها من المطعون ضده ولم يكن ثمناً لطبعة المطعون ضده بأكملها ويرى الطاعن أن هذا الذي استخلصه الحكم غير صحيح ويناقض مدلول الإقرار القضائي الصادر من المطعون ضده كما يخالف الثابت من الأوراق ذلك أن دفع مبلغ عن كل ملزمة لا يفهم منه أن الطاعن اشترى بضع نسخ فقط من الكتاب - كما ذهب الحكم - لأن المحاسبة على أساس سعر الملزمة لا تكون إلا إذا كان الطبع تم لحساب الطاعن وعلى نفقته.
وحيث إنه يبين من الصورة الرسمية لمحضر جلسة 13 مايو سنة 1958 أن نص ما أثبت فيه على لسان المطعون ضده هو "أقرر بأن الخصم تقدم بدفتر ثابت فيه أنه طبع كتاب زاد المعاد 1000 ألف نسخة بمبلغ 70 سبعون قرشاً عن كل ملزمة وأقر بأن هذه النسخة نفسها موجود عليها اسمه واسم المطبعة التي قامت بالطبع وأيضاً يوجد بآخره خاتم باسمي أنا شخصياً وأقر أيضاً بأن الطبعة المذكورة مكتوب عليها أنها طبعت على نفقة مصطفى البابي الحلبي وعليها اسم المطبعة المصرية واسم محمد محمد عبد اللطيف" (المطعون ضده) وأثبتت المحكمة في هذا المحضر بعد ذلك أنها اطلعت على نسخة الكتاب المذكور المقدمة من المستأنف (الطاعن) جزء ثالث ورابع وأنه موجود على نفس الجزء عبارة طبعت على ذمة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر وذكر بذيل الصحيفة الأولى المطبعة المصرية إدارة محمد محمد عبد اللطيف كما ذكر في صلب الصحيفة الأولى أن الطبعة صححت بمعرفة بعض أفاضل العلماء وقوبلت على عدة نسخ وقرئت في المرة الأخيرة على فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ حسن محمد المسعودي المدرس بالقسم العالي بالأزهر. وقد ورد بأسباب الحكم الابتدائي التي أحال إليها الحكم المطعون فيه في خصوص ما يثيره الطاعن في هذا السبب ما يلي "ولا تلتفت المحكمة لما أثاره المدعى عليه (الطاعن) من أنه كلف المدعي بطبعها لحسابه فانتهز الأخير هذه الفرصة وطبع الكتاب لنفسه أيضاً، إذ أنه ثابت أن المدعي إنما طبع لحساب المدعى عليه عدداً من نسخ الكتاب بصفته تاجراً دون أن يتخلى له عن حق الطبع بطريق الزنكوغراف كما ثبت أيضاً على النسخ التي عملت بمعرفة المدعي لحساب المدعى عليه من هذه الطبعة الأولى والتي ظهر عليها اسم ومطبعة المدعى عليها ثبت في نهايتها الخاتمة التي وضعها مصحح الكتاب المرحوم الشيخ حسن المسعودي والتي ضمنها تقريظاً لصنيع المدعي، ولو أن هذه الطبعة ملك للمدعي عليه لما سمح بإثبات هذا التقريظ في ختام النسخ التي اختص بها - هذا إلى جانب أن ما فعله المدعي مع المدعى عليه من طبع عدد من النسخ لحسابه عمل مثله لآخرين من أصحاب المطابع مثل السيد عبد الحميد الطوبى الذي أثبت على غلاف النسخ الخاصة به أنها طبعت على نفقته وجاء في ختامها نفس التقريظ سالف الذكر الأمر الذي يطابق ما حدث بالنسبة للنسخ التي عملت لحساب المدعى عليه، ولو أن هذا الأخير كان مالكاً للطبعة الأولى التي أخرجها المدعي لما سمح لهذا بأن يتجر بها ويبيع منها نسخاً أخرى لآخرين. وأضاف الحكم المطعون فيه أن كعوب الشيكات التي أشار إليها الحلبي في دفاعه كانت تغطيه لثمن النسخ المحددة الكمية التي اقتناها الحلبي من الخطيب ولم تكن على أية حال ثمناً لطبعة الخطيب بأكملها. ولما كان هذا الذي استخلصه الحكم هو استخلاص موضوعي سائغ من وقائع تؤدى إليه ولها أصلها في الأوراق وليس في هذا الاستخلاص ما ينبو عن مدلول الإقرار الصادر من المطعون ضده بجلسة 13 مايو سنة 1958 أو ما يخالف الثابت في الأوراق فإن النعي في هذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن السبب الرابع - بعد استبعاد ما يعتبر منه تكراراً لما ورد في الأسباب السابقة - يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه القصور ذلك أنه أورد في أسبابه عند تقديره التعويض أن عمل الطاعن ينطوي على منافسة غير مشروعة للمطعون ضده لأنه يؤدى إلى انصراف عملائه عنه، هذا في حين أن الثابت في الدعوى والمسلم به من المطعون ضده أنه اعتزل مهنة الطباعة والنشر وصفى أعماله فيهما منذ سنة 1934 وبذلك فلم يعد له عملاء يخشى انصرافهم عنه ولم يعد هناك مجال لمنافسته هذا، إلى أن محل القول بالمنافسة غير المشروعة هو عند تقليد العلامة التجارية وليس عند الاعتداء على حق المؤلف.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عند تقديره التعويض قال "وحيث إنه عن مدى التعويض الذي قضت به محكمة أول درجة فإن أوضح ما يعيب اعتمادها لذلك التقدير المنخفض أنها وإن لم تغب عنها الاعتبارات المعنوية تأثرت أكثر ما تأثرت بما لحق الخطيب من ضرر مادي نتيجة لاعتداء الحلبي هذا إلى أن المحكمة لا يسعها أن تقرها على القول بأن الحلبي لم يعمد إلى منافسة الخطيب منافسة غير مشروعة طالما أنه يتضح من مجرد تقليده لطبعة الخطيب وإعدادها بمظهر يقل جودة عما امتازت به طبعة الحلبي أن هذا العمل من شأنه أن يسئ إلى الخطيب إساءة بالغة قد تحمل الكثيرين من عملائه على الانصراف على اقتناء طبعته المتقنة إلى الطبعة المقلدة التي نقل عنها ثمناً وجودة وفضلاً عن ذلك فقد كان أجدر بمحكمة أول درجة أن تولى الناحية الأدبية قسطاً أوفر من عنايتها عند تقدير التعويض إذ أن الحلبي لم يقنع بمجرد تقليد عمل الخطيب بل تجاوزه إلى نسبة هذا العمل إلى نفسه وهو اعتداء واضح على حق خصمه من الناحيتين المادية والأدبية وذلك ما يبرر تعديل الحكم ورفع التعويض إلى خمسمائة جنيه" ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في أسبابه الأخرى أن الطبعة التي أخرجها الطاعن مقلدة عن الطبعة التي أخرجها المطعون ضده تقليداً تاماً وهو أمر لا يقره القانون فإن من شأن نشر الطاعن لطبعته وطرحها للبيع في السوق منافسة كتاب المطعون ضده وهي منافسة لا شك في عدم شرعيتها ولا ينفي قيام هذه المنافسة غير المشروعة أن يكون المطعون ضده قد اعتزل مهنة الطباعة والنشر وصفى أعماله فيهما ما دام كتابه ما زال مطروحاً للبيع في السوق ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس أيضاً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته غير صحيح متعيناً رفضه.


(1) تضمن هذا الحكم مبادئ أخري تضمنها حكم الطعن رقم 13 لسنة 29 ق بذات الجلسة ونشر بالعدد الحالي ص 920.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق