الصفحات

الجمعة، 3 مارس 2023

الطعن 1202 لسنة 22 ق جلسة 25/ 11/ 1952 مكتب فني 4 ج 1 ق 68 ص 169

جلسة 25 من نوفمبر سنة 1952

برياسة حضرة الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة؛ وبحضور حضرات الأساتذة ابراهيم خليل ومحمد أحمد غنيم واسماعيل مجدى ومصطفى حسن المستشارين.

------------------

(68)
القضية رقم 1202 سنة 22 القضائية

قتل خطأ. 

رابطة السببية. قيامها أو عدم قيامها. موضوعي.

-------------
إن قيام رابطة السببية بين الخطأ والضرر وعدم قيامها من المسائل الموضوعية التي يفصل فيها قاضي الموضوع بغير معقب ما دام حكمه مؤسسا على أسانيد مقبولة مستمدة من وقائع الدعوى. فإذا كانت المحكمة قد أوردت ردا سليما على أن قيادة المتهم للسيارة المعيبة بالخلل الذي يقول عنه الطاعن لا يقطع صلته هو بالحادث الذي ساهم بخطئه في وقوعه - فلا يقبل الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة لطفي لبيب أرمانيوس والصاغ سعد محمد عثمان بأنهما: تسببا بغير قصد ولا تعمد في قتل الأميرالاي أحمد شوقي وإصابة العسكري حسن عبد الباسط محمد بأن كان ذلك ناشئا عن إهمالهما وعدم احتياطهما بأن قاد كل منهما سيارة في مفترق طريقين بسرعة زائدة فاصطدما سويا وحدثت بالمجني عليه الأول الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت عقابهما بالمادتين 238و244 من قانون العقوبات. وقد ادعى بحق مدني كل من 1 - الست نجية علي محمد عن نفسها وبصفتها وصية على قصر المرحوم أحمد شوقي وهم حسن ومحمد و2 - الست محاسن أحمد شوقي قبل المتهمين ووزارة الحربية بصفتها مسئولة عن الحقوق المدنية متضامنين. وطلبتا الحكم لهما بمبلغ عشرة آلاف جنيه. ونظرت محكمة جنح الرمل الجزئية هذه الدعوى وقضت فيها حضوريا بتاريخ 8 من مارس سنة 1952 عملا بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات: أولا - بحبس المتهم الأول ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لوقف التنفيذ وبتغريم المتهم الثاني مبلغ خمسين جنيها وأعفتهما من المصاريف الجنائية. ثانيا - في الدعوى المدنية إلزام المتهمين والمسئولة عن الحقوق المدنية متضامنين بأن يدفعوا للمدعين بالحقوق المدنية عن نفسها وبصفتها مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض وألزمتهم متضامنين بالمصاريف المدنية. فاستأنف المتهمان والمسئولة عن الحقوق المدنية والمدعية بالحق المدني. وفي أثناء نظر هذا الاستئناف دفع الحاضر عن وزارة الحربية بعدم قبول الدعوى المدنية لرفعها من غير ذي صفة, لأنه لم تثبت صفة المدعية بالحق المدني, وبعد نظره قضت فيه حضوريا: أولا - بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عقوبة قبل المتهم الثاني الصاغ سعد محمد عثمان وبتعديله بالنسبة للمتهم الأول لطفي لبيب والاكتفاء بحبسه شهرا واحدا مع الشغل بلا مصروفات جنائية. ثانيا - وفي الدعوى المدنية برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وبقبولها وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى إلزام المتهمين ووزارة الدفاع المسئولة عن الحقوق المدنية بأن يدفعوا للمدعيتين بالحق المدني متضامنين مبلغ سبعة آلاف جنيه على سبيل التعويض وإلزامهم بالمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة وذلك عن الدرجتين. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الوجه الأول من أوجه طعن الطاعن الأول يتحصل في القول بأن المحكمة لم ترد في الحكم المطعون فيه على دفاع جوهري تمسك به أمامها شفويا وفي مذكرته. وهذا الدفاع حسبما يقول الطاعن يتحصل في أن الحادث إنما يرجع إلى اختلال أجهزة توجيه وضبط سيارة المتهم الآخر وأنه على فرض الإسراع من الجانبين أو من أحدهما فان السبب المباشر للحادث هو تحول السيارة اللوري إلى اليسار بعد أن كانت انعطفت إلى اليمين وهذا التحول المفاجئ والغير الطبيعي يرجع إلى خلل السيارة وربما ساعد عليه عدم إتقان المتهم الآخر للقيادة وعلى أية حال كل هذا راجع إلى رعونته وإهماله وحده أي أنه لا يرجع إلى خطأ الطاعن الأول المشترك أو المنفرد وإنما يرجع إلى إهمال المتهم الآخر وإهماله وحده بقيادته سيارة, أجهزة توجيهها وضبطها مختلة, مما جعلها لا تسير وفق الاتجاه الذي يريده سائقها, يؤيد هذا أيضا موضع التلف في كل من السيارتين وقد أيد دفاعه هذا بما ورد في تقرير المهندس الفني لوزارة الحربية المرافق للأوراق من أن سبب الحادث يرجع إلى خطأ المتهم الآخر حسبما فصله المهندس من الناحية الفنية وأن الطاعن غير مسئول عنه - ويقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه لم يتعرض لهذا الدفاع ولا رد عليه, وفوق هذا فإن المحكمة إذ تعرضت للمعاينة لم تورد وصف أثر سيارة النقل على حقيقته كما هو واضح في معاينة معاون البوليس وكما هو ثابت في حكم محكمة أول درجة, ذلك بأنها أوردته بما لا يعبر عن حقيقة الواقع بل يغفل أهم جزء يدور عليه دفاع الطاعن وهو أن سيارة المتهم الآخر بعد أن إنحرفت إلى اليمين عادت وإندفعت إلى اليسار وكان هذا سببا في الحادث.
وحيث إن الحكم الابتدائي بعد أن بين واقعة الدعوى واستعرض الأدلة القائمة فيها انتهى إلى أن كلا من الطاعن والمتهم الآخر قد ساهم في وقوع الحادث ولم يغفل الخلل الذي تبين وجوده بسيارة المتهم الآخر ولا آثار فرامل كل من السيارتين التي تبين من المعاينة وجودها بمكان الحادث - تلك الآثار التي يسلم الطاعن بأن ذلك الحكم أثبتها على وجهها الصحيح ولكنه يستخلص منها غير ما استخلصه كلا الحكمين الابتدائي والاستئنافي, ثم انتهى الحكم الابتدائي إلى النتيجة الآتية: "وحيث إنه بالنسبة للمتهم الأول فإنه قد سار بسيارة نقل تالفة وبسرعة بحيث امتنع عليه إيقافها أو الانحراف بها فنشأ عن ذلك أنه اصطدم بالجانب الأيسر الأمامي لسيارة الجيش وكان من أثر قوة الصدمة أن كلتا السيارتين اندفعتا متباعدتين في اتجاهين متضادين الأمر الذي لو لم يقد السيارة التالفة بسرعة لأمكن تفادي الواقعة. أما بالنسبة للمتهم الثاني فانه لو لم يكن مسرعا ومحتاطا أولا لانحدار الشارع الذي كان يسلكه ولقرب سلوكه لتقاطع شارع رئيسي بحيث لو كان في حالة استعداد لإيقاف السيارة مع السير بطيئا لأمكنه أولا إيقاف السيارة قبل ولوج التقاطع أو الإنحراف بطيئا حيث كانت المصادمة أخف مما سبق بيانه لهذا كان كلا المتهمين مخطئا خطأ تسبب عنه الحادث ولا يمكن إعفاء أيهما من المسئولية ولهذا ترى المحكمة عقابهما - وقد مات المجني عليه الأميرالاي محمود شوقي وأصيب العسكري حسن عبد الباسط حسن - بالمادتين 238و244 عقوبات مع تطبيق المادة 32 منه لارتباط التهمتين إلا أن المحكمة ترى التفريق بين عقاب المتهم الأول وعقاب المتهم الثاني إذ أن المتهم الأول كان يصل بإهماله إلى حد العمد بقيادته سيارة لا تصلح للسير. أما المتهم الثاني فانه قد ارتكب خطأ نشأ عن رعونة وعدم تحرز في قيادة السيارة, لهذا ترى الحكم على الأول بالحبس وعلى الثاني بالغرامة." - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استند في قضائه بثبوت التهمة في حق الطاعن والمتهم الآخر معا إلى أسباب الحكم الابتدائي وأضاف إليها أسبابا أخرى أنتهى منها إلى قوله "فإن كليهما قد ارتكب خطأ آخر كان من نتيجته المساهمة في وقوع الحادث وهو استمرار كل منهما في السير في طريقة الذي كان يسير فيه رغم اجتيازه للتقاطع الواقع بين شارعي الجيش ورياض شحاته دون حذر أو تمهل أو تأكد من خلو الطريق الذي سيجتازه, الأمر الذي كان من نتيجته أن فوجئ كل منهما بسيارة الآخر, ونظرا لسرعتهما. استحال على كلا منهما أن يتفادى الحادث فقد كان ذلك ميسورا بوقف سيارته لو أن كلا منهما أو أحدهما كان يلتزم الهدوء في سيره وعمل على اكتشاف خلو الطريق الذي سيعبره وهو ما تحتمه عليهما لوائح المرور وقواعده المرعية إذ كان على المتهم الثاني وهو يسير بسيارته في طريق فرعي مخترقا طريقا رئيسيا أن يقف بسيارته عند عبور الطريق وألا يعبره قبل التأكد من خلوه خصوصا وقد كان الوقت ليلا - أما المتهم الأول فكان عليه ولو أنه يسير في الطريق الرئيسي أن يهدئ من سرعة سيارته عندما يصل بها إلى تقاطع الشارعين وأن يعلن عن استمراره في السير بأن يطلق آلة التنبيه بسيارته, هذا فضلا عن قيادته لسيارة ثبت من التقارير الفنية عدم صلاحيتها للاستعمال. وحيث أن الخطأ الذي وقع من كلا المتهمين لسيرهما بسرعة غير عادية وعدم احتياطهما عند وصولهما لتقاطع الطريقين وعبورهما له كان نتيجته وقوع الحادث وبذلك يكون كل من المتهمين قد ارتكب خطأ جسيما تسبب عنه الحادث ومن ثم يكون مسئولا عنه". ولما كان فيما أثبته الحكمان الرد على سائر ما ساقه الطاعن من وجوه الدفاع الموضوعية وكان الحكم قد أشار صراحة إلى التقارير الفنية التي يستند الطاعن إلى أحدها وأخذ بما يستند إليه الطاعن منها من وجود الخلل بسيارة المتهم الآخر مما اعتبره الحكم سببا من أسباب إهماله بقيادته إياها مع وجود تلك العيوب ومع ذلك فقد رأت محكمة الموضوع بما له من تقدير أدلة الدعوى أن هذا الإهمال من المتهم الآخر لا يمحو مسئولية الطاعن المؤسسة على إهماله هو أيضا ومساهمته بذلك في حصول الحادث. لما كان ذلك كله فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل لورده على تقدير أدلة الدعوى مما لا معقب فيه لحكم الموضوع.
وحيث إن الوجه الثاني يتحصل في القول بأن الطاعن دفع بأنه على فرض وقوع خطأ منه فإن هذا الخطأ قد انقطعت صلته بالحادث بتدخل عامل شاذ غير متوقع الحدوث عادة وهو قيادة المتهم الآخر لسيارته وهى في حالة سيئة ما كان يصح تسييرها بها فيكون هذا العامل الشاذ هو الذي سبب الحادث وتكون علاقة السببية بين خطئه هو وبين الحادث منتفية.
وحيث إن الحكم قد رد على ما يثيره الطاعن ردا صريحا بأن قيادة المتهم الآخر للسيارة المعيبة بالخلل الذي يقول عنه الطاعن لا يقطع صلته هو بالحادث الذي ساهم في وقوعه بخطئه. ولما كان قيام رابطة السببية وعدم قيامها هو من المسائل التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دامت قد أسست حكمها على أسس مقبولة ومستمدة من وقائع الدعوى - وهو الحاصل في الحكم المطعون فيه - فإن المجادلة فيما انتهت إليه لا تكون مقبولة أمام محكمة النقض.وحيث إن الوجه الثالث يتحصل في القول بأن الحكم الابتدائي أسس خطأه على أنه كان يسير في شارع فرعي بينما كان المتهم الآخر يسير في شارع رئيسي وذلك من غير أن يبين وجه القول بذلك وبأن القادم من الطريق الفرعي يجب عليه أن يتمهل قبل دخول الشارع الرئيسي وقد اعترض الطاعن أمام المحكمة الاستئنافية على ما قرره الحكم الابتدائي في هذا الشأن فكان يتعين عليها أن تحقق هذا الأمر وتبين مصدر الحكم التشريعي الذي أخذت به من غير لائحة تقضي به.
وحيث إن الحكم الابتدائي قد أسهب في وصف الشارعين بما يسوغ الرأي الذي انتهى إليه. ولما كان الطاعن لا ينازع فيما أورده الحكم من بيانات واقعية استند إليها فإن الحكم الاستئنافي يكون سليما إذ اكتفى بالأخذ بها ولم يلتفت إلى منازعة الطاعن في النتيجة التي انتهى إليها.
وحيث إن طعن الطاعنة الثانية لا يعدو أن يكون تكرارا للأوجه التي استند إليها الطاعن الأول مما سبق القول بعدم وجاهته.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن موضوعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق