الصفحات

الأربعاء، 5 أكتوبر 2022

الطعن 80 سنة 47 ق جلسة 9 / 1 / 1930 مج عمر ج 1 ق 376 ص 425

جلسة يوم الخميس 9 يناير سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

-----------------

(376)
القضية رقم 80 سنة 47 قضائية

(أ) إتلاف مزروعات. الفرق بين الفقرتين الأولى والثالثة من المادة 321 عقوبات.
(ب) حكم بعقوبة في جريمة إتلاف. لا داعي لبيان الطريقة التي حصل بها الإتلاف مع ذكر حصوله فعلا.
(جـ) إتلاف. حصوله من أشخاص يحمل أحدهم سلاحا. البيانات اللازمة ذكرها بالحكم.
(المادتان 322 عقوبات و149 تحقيق)

--------------
1 - إن الفقرة الأولى من المادة 321 عقوبات هي التي تنطبق على الإتلاف الواقع بمجموعة من النبات سواء أكانت تلك المجموعة شجيرات صغيرة من أي نوع تكون أم كانت زروعا من ذوات المحاصيل أو هي نفسها محاصيل كالغلال والبرسيم والخضر أو ثمارا على أشجارها أو ما ماثل ذلك من أنواع النبات. وذلك بقطع النظر عن طريقة الإتلاف وعما إذا كان الإتلاف أماتها فعلا أو لم يمتها لأن الإماتة غير ملحوظة للشارع في هذه الفقرة.
وأما الفقرة الثالثة فتطبق على الإتلاف المميت الواقع بصنف الأشجار وبطعوم الأشجار وبالنباتات التي هي من قبيل الأشجار وللواحدة منها قيمة تذكر، ولا يلزم فيه أن يكون واقعا على مجموعة بل يكفى أن يكون واقعا ولو على فرد واحد.
2 - يكفي أن يثبت بالحكم الصادر بالعقوبة في جريمة الإتلاف حصول الإتلاف فعلا. ولا ضرورة لبيان الطريقة التي حصل بها.
3 - يشترط لتطبيق المادة 322 عقوبات - في حالة اشتراك شخصين يحمل أحدهما سلاحا - أن تذكر في الحكم العناصر المكوّنة للجريمة كما هي الحال في جميع المسائل الجنائية. فاذا لم تذكر في الحكم واقعة حمل السلاح إلا بإشارة بسيطة في نص التهمة مما لا يتسنى معه لمحكمة النقض معرفة مَن مِن الفاعلين كان يحمل السلاح وما هي الآلة التي اعتبرها الحكم سلاحا كان ذلك قصورا واضحا يستوجب نقض الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعن المذكور بأنه هو وعبد السلام العوضي في ليلة 20 أبريل سنة 1929 الموافق 10 القعدة سنة 1347 بأراضي ناحية صافور أتلفا زراعة بصل لإسماعيل إسماعيل القصاص حالة كون الطاعن يحمل سلاحا "بندقية"، وكان الإتلاف بواسطة جذب الشجيرات باليد. وطلبت معاقبتهما بالمادتين 321 فقرة أولى و322 فقرة ثانية من قانون العقوبات.
وادعى المجنى عليه مدنيا بمبلغ عشرة جنيهات تعويضا.
ومحكمة جنح السنبلاوين الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 18 يوليه سنة 1929 عملا بالمادتين المذكورتين بحبس كل من المتهمين ستة شهور مع الشغل وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعى بالحق المدني مبلغ ستمائة قرش والمصاريف المدنية المناسبة.
فاستأنف المتهمان هذا الحكم في يوم صدوره.
ومحكمة المنصورة الابتدائية بهيئة استئنافية نظرت هذا الاستئناف وقضت فيه حضوريا بتاريخ 11 سبتمبر سنة 1929 بقبوله شكلا وبرفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف والزمت المتهمين بالمصاريف المدنية.
فقرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض والإبرام في 26 سبتمبر سنة 1929 وقدّم حضرة المحامي عنه تقريرا بالأسباب في 28 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وتلاه بيان الأسباب في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إنه يتعين رفض الوجه الأوّل لأن كلمة "أتلف" واضحة الدلالة على معناها فيكفى أن يثبت في الحكم حصول الإتلاف حتى لا تبقى ضرورة لبيان الطريقة التي توصل بها الفاعلون إلى هذه النتيجة المستوجبة للعقاب. على أنه - مع ذلك - قد أشير صراحة بنص التهمة إلى أن الإتلاف حصل بالجذب باليد.
وحيث إنه بتفهم الوجه الثاني وجد أنه يجب وضعه كما يلى: إنه ما دامت الواقعة التي أثبتها الحكم المطعون فيه لا يمكن أن تقع تحت نص الفقرة الأولى من المادة 321 من قانون العقوبات بل هي مما تتناوله الفقرة الثالثة من المادة المذكورة فمن الخطأ اعتبار المحكمة للظرف المشدّد المنصوص عنه في المادة 322، إذ هذه المادة لا يمكن تطبيقها في الحالة المنصوص عنها في الفقرة الثالثة من المادة 321.
وحيث إنه متى وضع الوجه على هذه الصورة الجلية فالرد عليه واضح وهو أن نظر الطاعن يكون صحيحا متى كان الأساس الذي بنى عليه صحيحا أيضا. أى متى كانت الوقائع موضوع المحاكمة لا تقع حقيقة تحت نص الفقرة الأولى من المادة 321 التي طبقها الحكم المطعون فيه بالفعل. وتعرّف ذلك مترتب على حل مسألة تستلزم شيئا من التمعن.
وحيث يلوح أن الطاعن يريد أن يقول إن الفعل المنسوب له هو جذب البصل باليد وإن هذا الجذب باليد هو الاقتلاع وإن كلمة "الاقتلاع" لم ترد بالنص العربي إلا بالفقرة الثالثة فهو إذن يدعى أن البصل المنسوب له اقتلاعه لا يدخل لا ضمن الشجر أو المغروسات أو النبات (plantes ou plantation) المنصوص عنها في الفقرة الأولى بل ولا ضمن الزروع (récoltes)  الواردة بها وإنما يجب اعتباره ضمن "نبات " (plantation) الذي تنص عليه الفقرة الثالثة لأنه في الواقع نبات وقد اقتلع.
وحيث إنه قد يظن لأوّل وهلة أن في عبارة هاتين الفقرتين شيئا من الخلط لأنه بينما الفقرة الأولى من النسخة الفرنسية تنص على النبات والغراس (plantes ou plantation) عقب نصها على المحصولات القائمة على سوقها (récoltes sur pied) وشأنها في ذلك شأن المادة 444 من قانون العقوبات الفرنسي والمادة 535 من قانون العقوبات البلجيكي إذا بالفقرة الثالثة تعود فتنص هي أيضا على الغراس (plantation) ولم تقتصر على الأشجار والطعوم كما فعلت المادتان المقابلتان لها وهما 444 فرنسي و535 بلجيكي. وبينما النسخة الفرنسية المذكورة تنص على ذلك إذا بالنسخة العربية تستعمل في الفقرة الأولى كلمة "زرع" مقابل كلمة (récoltes) وكلمة "شجر" مقابل كلمة (plantes) وكلمة "نبات" مقابل كلمة (plantation) ثم تستعمل في الفقرة الثالثة كلمة "اقتلاع" مقابل كلمة (abattre) وكلمة "نبات" أيضا مقابل كلمة (plantation) وعبارة "ليميتها" مقابل عبارة (de manière à les faire périr) وعبارة "طعمة في شجر" مقابل عبارة  (une ou plusieurs greffes) وفي ذلك ما فيه من عدم الدقة في تخير الألفاظ التي تجعل المطابقة تامة بين عبارة النصين العربى والفرنسى. كما أن فيه على الأخص من تكرير لفظ (plantation) في الفرنسية ولفظ "نبات" (والأصح غراس) في العربية ما يدعو إلى الحيرة في معرفة الفوارق بين المعاني التي أرادت المادة المذكورة أن تضعها لهذا التعبير الواحد (plantation) "نبات" بحسب استعماله في الفقرة الأولى أو الثالثة.
وحيث إنه يوجد فارقان جوهريان الأوّل أن الفقرة الثالثة تنص على الاجتثاث أو الإتلاف الذي يؤدى بالشجرة أو النبات حتما إلى الموت، وهذا يستلزم في كلتا الحالتين هلاكهما بالكلية. يدل لذلك استعمال النسخة العربية للفظ "اقتلاع" والاقتلاع اجتثاث مهلك لحياة المغروس واستعمال النسخة الفرنسية للفظ (abattre) ومعناه القطع المبيد للحياة ثم استعمال النسخة الفرنسية في بيان قيد أعمال الإتلاف الأخرى التي ليست اجتثاثا عبارة (de manière à les faire périr) أي "بكيفية تميتها" لا "ليميتها" كما تقول النسخة العربية. أما الفقرة الأولى فتنص على مجرد القطع أو الإتلاف فهي تشير إلى الضرر الذي يقع في حدّ ذاته بقطع النظر عما إذا كان هذا الضرر يؤدى أوْ لا يؤدّى إلى هلاك النبات بالكلية. فقد تقطع فروع الشجيرات الصغيرة من شجيرات الفاكهة أو من غيرها أو قد يمثل بها بحيث يشوّه شكلها أو يؤدّى ذلك إلى اضمحلالها مع بقائها حية. كما أن بعض الشجيرات يمكن قطعها أو نزع قشرتها ولكنها تنبت من الساق ثانية. وقد يمكن في زراعة كزراعة طماطم مثلا أن يقطف جانب كبير من ثمارها قبل أن ينضج تماما أو قبل أن تبلغ حجمها المعتاد وذلك بغير نية الاستيلاء على هذه الثمار بل بقصد الإساءة ليس إلا. فكل تلك الصور وأشباهها هي مما لا تنطبق عليه سوى الفقرة الأولى وإن كان قد يترتب على هذه الأفعال موت النبات من أي صنف كان. ولكن ظرف الموت هذا غير جوهري والشارع لم يقصده بالذات لتطبيق الفقرة الأولى. أما الفقرة الثالثة فإن تطبيقها يقتضيه لأنه فيها الظرف الجوهري المقصود بالذات.
والفارق الثاني بين الفقرتين هو أن الأولى تشير إلى المجاميع (collectivités) حالة أن الثالثة تشير إلى الوحدات. لأن الفقرة الأولى إذ نصت على "الزرع" وهو اسم جمع وبالنسخة الفرنسية (récolte) وهو اسم جمع أيضا وعلى "الشجر" بصيغة الجمع وبالفرنسية (plantes) بصيغة الجمع أيضا قد أفادت أن كلمة "النبات" فيها مستعملة لإفادة معنى المجموعة من النبات لا معنى النباتة الواحدة. ثم دلت بسياقها هذا دلالة لا نزاع فيها على أن المقصود بها هو حماية المجاميع النباتية كالتي تشاهد في غيط قطن أو قمح أو فول أو في مزرعة بصل أو خضار آخر أو كالشجيرات التي تشاهد في مشتل أو حديقة زهور مثلا أو كالثمار التي تشاهد على أشجار الفاكهة من بلح وعنب وبرتقال مثلا - دلت على هذا كما دلت على أن إتلاف هذه النباتات لا يمكن القول به إلا إذا تناول منها كمية وافرة ذات شأن يذكر. أما إذا لم يتناول ضرر الإتلاف إلا شجيرة واحدة من المجموعة أو شتلة واحدة أو كان منحصرا في قلع عود من القمح مثلا أو جملة عيدان لا تذكر فان الفقرة المذكورة لا تنطبق. وبلوغ الكمية المتلفة حدّ الوفرة التي لها شأن يذكر أمر متروك لتقدير قاضى الموضوع ورأيه. أما الفقرة الثالثة فإنها إذ وردت فيها عبارة "شجرة أو أكثر" وورد في نصها الفرنسي "طعمة واحدة أو أكثر" فان سياق تعبيرها هذا يشير إلى أن حكمها يتناول أيضا إتلاف الوحدة الواحدة من مدلول كلمة "نبات آخر" المستعملة فيها وتكون الفقرة المذكورة برمتها إذن موضوعة لتتناول أضرار الإتلاف ولو كانت تلك الأضرار لاحقة بفرد واحد فقط من النباتات المنصوص عليها فيها بشرط أن يؤدى إلى موت هذا النبات الفرد وبشرط آخر يفهم من مقارنة عبارات النص وهو أن يكون النبات المتلف شجرا (وهو عند النباتيين وفى عرف الجمهور كل نبات ذى ساق خشبية ترتفع عن الأرض بعض الارتفاع) أو يكون من قبيل الأشجار له أجزاء تقطع وقشرة تنزع ذلك الشرط الذي ينتفى معه إمكان تطبيق هذه الفقرة على الإتلاف الحاصل بوحدات متفرقة لا تذكر من عيدان القمح أو الغلال الأخرى مثلا.
وحيث إن هذا الفارق الأخير المتعلق بمدى التلف ونطاقه وهو الذي يدل عليه المنطق السليم والنصوص المصرية ذاتها متى فهمت حق فهمها - هذا الفارق يؤيده الأصل الذي أخذت عنه هذه النصوص وهو القانون الفرنسي والبلجيكي، إذ فيهما يعاقب على الإتلاف الحاصل للزروع ذات المحاصيل وما ماثلها من أنواع الغراس بعقوبة واحدة حالة أن التعدي على الأشجار والطعمة يجازى عليه بعقوبات تتعدّد بتعدد الشجر والطعوم التي صار إتلافها. فاذا كان الشارع المصري لم يشأ مجاراة شدّة القانون الفرنسي والبلجيكي في تعدد العقوبة ورأى إلحاق بعض أنواع النبات بالأشجار والطعوم فانه لا شك قد استبقى المبدأ الذي جرى عليه القانونان المذكوران فيما يتعلق بالتفرقة واحتذاه. ولا مناص من التسليم بأنه استبقاه بمعناه في ذينك القانونين وهو التمييز بين "المجموع أو الطائفة" (groupe) وبين الوحدة (unité). ويكون حاصل كل ما تقدم أن الفقرة الأولى تنطبق على الإتلاف الواقع بمجموعة من النبات سواء أكانت تلك المجموعة شجيرات صغيرة من أي نوع تكون أم كانت زروعا من ذوات المحاصيل أو هي نفسها محاصيل كالغلال والبرسيم والخضر أو ثمارا على أشجارها أو ما ماثل ذلك من أنواع النبات. وهذا كله بقطع النظر عن طريقة الإتلاف وعما إذا كان الإتلاف أماتها فعلا أو لم يمتها لأن الإماتة غير ملحوظة للشارع في هذه الفقرة. وأما الفقرة الثالثة فتطبق على الإتلاف المميت الواقع بصنف الأشجار وبطعوم الأشجار وبالنباتات التي هي من قبيل الأشجار وللواحدة منها قيمة تذكر ولا يلزم فيه أن يكون واقعا على مجموعة بل يكفى أن يكون واقعا ولو على فرد واحد.
وحيث إنه بناء على ذلك يكفى ما أثبته الحكم المطعون فيه من إتلاف زراعة البصل - وهى مجموعة وافرة من الزرع ذي المحصول - للدلالة على أن الواقعة تقع تحت نص الفقرة الأولى لا الثالثة من المادة 321؛ ومن ثم تكون مما ينطبق عليه الظرف المشدّد المنصوص عنه في المادة 322 من قانون العقوبات.
وحيث إن الوجه الثالث لا أساس له لأن الحكم نص فيه على المواد والفقرات التي طبقت.
وحيث إن الوجه الخامس يرد عليه أن الطاعن حكم عليه كفاعل أصلى مع فاعل أصلى آخر وأنه بناء على ذلك لم يكن هناك محل للتمييز بين فاعل وشريك.
وحيث إنه فيما يتعلق بالوجه الرابع يشترط لتطبيق المادة 322 في حالة اشتراك شخصين يحمل أحدهما على الأقل سلاحا أن تذكر في الحكم العناصر المكوّنة للجريمة كما هو الحال في جميع المسائل الجنائية. وبما أن واقعة حمل السلاح لم تذكر في الحكم المطعون فيه إلا بإشارة بسيطة في نص التهمة مما لا يتسنى معه لمحكمة النقض معرفة من مِن الفاعلين كان يحمل السلاح وما هي الآلة التي اعتبرها الحكم سلاحا يستوجب تطبيق المادة 322 المذكورة وهذا قصور واضح يتعين معه قبول هذا الوجه الرابع.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى لمحكمة الجنح الاستئنافية بالمنصورة للقضاء فيها ثانية من دائرة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق