جلسة يوم الخميس 9 يناير سنة 1930
برياسة حضرة صاحب السعادة
عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.
-----------------
(373)
القضية رقم 2128 سنة 46
قضائية
العود في الإجرام.
تفسير
المادة الأولى من قانون 11 يوليه سنة 1908.
---------------
ليس المعنىّ بعبارة
"العائد في حكم المادة 50" الواردة بالمادة الأولى من قانون 11 يولية
سنة 1908 هو العائد الذي سبق الحكم عليه بمقتضى المادة 50 ولا العائد الذي استحق
من قبل أن يحكم عليه بالمادة 50 ولم يحكم عليه فعلا. إنما المعنىّ بها هو العائد
الذي قامت به هذه الصفة لسبق الحكم عليه بعقوبتين كلتاهما لمدّة سنة على الأقل أو
بثلاث عقوبات إحداها على الأقل لمدّة سنة. وذلك لسرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو
نصب أو خيانة أمانة أو تزوير أو شروع في هذه الجرائم كما هو مذكور في الشطر الأوّل
من المادة 50. فمثل هذا الشخص إذا ارتكب جريمة جديدة مما نص عليه في المادة 50
سواء أكانت تامة أم كانت مجرّد شروع أمكنت معاملته بالمادة الأولى من قانون 11
يوليه سنة 1908 المذكور.
الوقائع
اتهمت النيابة الطاعنة
المذكورة بأنها في يوم 2 أكتوبر سنة 1928 بدائرة قسم الأزبكية بمحافظة مصر سرقت
سبعة أزواج من الچورابات من محل سمعان صيدناوي حالة كونها عائدة ومجرمة اعتادت الإجرام
إذ سبق الحكم عليها بست عقوبات مقيدة للحرّية في سرقات الأخيرة منها قاضية بالحبس
مع الشغل لمدّة سنتين بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1926 الموافق 5 جمادى الأولى سنة 1345
وطلبت إحالتها على محكمة الجنايات لمحاكمتها بالمواد 275 و48 و50 من قانون
العقوبات والمادة الأولى من دكريتو الإجرام الصادر في 11 يوليه سنة 1908.
وبتاريخ 27 يناير سنة
1929 أصدر حضرة قاضى الإحالة أمرا بإحالتها على محكمة جنايات مصر لمحاكمتها
بالمواد سالفة الذكر على التهمة الموجهة إليها.
وبعد أن سمعت محكمة
الجنايات هذه الدعوى حكمت فيها حضوريا بتاريخ 18 أبريل سنة 1929 عملا بالمواد 278
و48 و50 من قانون العقوبات والمادة الأولى من دكريتو الإجرام رقم 5 الصادر في 11
يوليه سنة 1908 باعتبار المتهمة مجرمة اعتادت الإجرام وبإرسالها للمحل الخاص لتسجن
به حتى يأمر وزير الحقانية بالإفراج عنها.
فطعنت المحكوم عليها في هذا
الحكم بطريق النقض والإبرام في يوم صدوره وقدّم حضرة المحامي عنها تقريرا بالأسباب
في 4 مايو سنة 1929.
المحكمة
بعد سماع المرافعة
الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت
أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن
الجريمة التي ارتكبتها الطاعنة هي شروع في سرقة وقد عاملتها المحكمة بقانون 11 يوليه
سنة 1908 الخاص بالمجرمين المعتادين الإجرام فأمرت بإرسالها لمحل خاص تسجن فيه إلى
أن يأمر وزير الحقانية بالإفراج عنها مع أن القانون المذكور لا يصح تطبيقه إلا إذا
كان العائد قد سبقت محاكمته فعلا بمقتضى المادة 50 من قانون العقوبات. وذلك أوّلا
لأن الشارع جعل جزاء العود درجات يصعد من واحدة للأخرى، فالعود البسيط عاقب عليه
بالمادة 49 عقوبات فان لم تثمر عاقب عليه بالمادة 50 فان لم تثمر عاقب عليه
بالمادة الأولى من قانون الإجرام. وثانيا لأن المادة الأولى من قانون الإجرام بحسب
نصها لا تنطبق إلا على العائد في حكم المادة 50 الذي يرتكب جريمة مما هو مشار إليه
في المادة 50 المذكورة أو يشرع في ارتكابها. والعائد في حكم المادة 50 معناه
العائد الذي تنطبق عليه المادة 50 المذكورة. فالمادة الأولى لا تنطبق إذن إلا اذا
كان المجرم قد حكم عليه من قبل بمقتضى المادة 50 عقوبات ثم عاد للإجرام. وتقول
الطاعنة إنها لم يسبق الحكم عليها بالعقوبة المقررة بالمادة 50 من قانون العقوبات
وإذن فلا سبيل لمعاقبتها بالمادة الأولى من قانون المعتادي الإجرام.
وحيث إنه إذا كان في الحق
أن الشارع قصد بوضع المادة 50 من قانون العقوبات التدرج في التغليظ على العائد
المعتاد الإجرام الذي لا يكفى لردعه تطبيق المادة 49 من القانون المذكور فانه لم
يقصد بقانون 11 يولية سنة 1908 التغليظ على العائد الذي لم يكف لردعه سبق تطبيق
المادة 50 المذكورة. بل الواقع أن عقوبة هذه المادة وهى الأشغال الشاقة التي أقلها
سنتان وأقصاها خمس سنين قد وجد الشارع أنها مع شدّتها المتناهية لم تثمر الثمرة
المرجوة منها فعمد إلى وسيلة تهذيب فكر أنها قد تقوم من أخلاق المجرد وترده إلى
الصلاح وتكون أنجع في هذا السبيل من تطبيق تلك العقوبة القاسية غير المثمرة فأصدر
قانون 11 يوليه سنة 1908 مستعيضا فيه عن الأشغال الشاقة بالسجن الذي هو أخف في نوعه
من الأشغال الشاقة وجعل أقصى مدّته ست سنين ولم يجعل له حدّا أدنى بل ترك الأمر
لوزير الحقانية يأمر بالإفراج عن المحكوم عليه في أى وقت يراه بحيث يجوز له أن
يفرج عنه بعد سنة أو أقل بينما أقل مدّة الأشغال الشاقة بحسب المادة 50 سنتان.
فالقول بأن قانون 11 يوليه سنة 1908 المذكور هو تدرج في التغليظ على العائد الذي لم
ينجح فيه معاملته بالمادة 50 من قانون العقوبات هو قول لا يتفق والواقع. على أن
فكرة الشارع في هذا القانون وكونها الترفيه لا التغليط قد تجلت تمام التجلي في المذكرة
الإيضاحية التي قدّم بها المشروع لمجلس شورى القوانين. ومما يجدر بيانه أن أصل هذا
المشروع كان فيه أن مدّة السجن لا تزيد عن خمس سنوات وإنما زيد أقصاها إلى ست
إجابة لرغبة المجلس. كما أن مما في تلك المذكرة أن المجرم أثناء سجنه يحمل على
تعلم صناعة من الصناعات تنفعه بعد خروجه وأن في استطاعته أن يكسب مبالغ تزيد سنويا
وتحفظ له مما لا يقاس به ما يكسبه من في الأشغال الشاقة. وفى هذا ما يؤكد مراد
الشارع الواضح بباقي المذكرة وأنه التخفيف لا التشديد والتهذيب لا الزجر بالإيلام.
وحيث إن عبارة
"العائد في حكم المادة 50" الواردة بالمادة الأولى من قانون 11 يوليه
سنة 1908 ليس معناها العائد الذي سبق الحكم عليه بمقتضى المادة 50 ولا العائد الذي
استحق من قبل أن يحكم عليه بمقتضى المادة 50 ولكن لم يحكم عليه فعلا. وإنما معناها
العائد الذي قامت به هذه الصفة لسبق الحكم عليه بعقوبتين مقيدتين للحرّية كلتاهما
لمدّة سنة على الأقل أو بثلاث عقوبات مقيدة للحرّية إحداها على الأقل لمدّة سنة
وذلك لسرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو نصب أو خيانة أمانة أو تزوير أو شروع في هذه
الجرائم كما هو مذكور بالشطر الأول من المادة (50). والدليل على ذلك أوّلا أن
قانون 11 يوليه سنة 1908 برمته موضوع كما سلف البيان ليحل عند الاقتضاء محل المادة
50 التي لم تثمر الثمرة المقصودة. فهو يطبق إذن كلما كانت تلك المادة ممكنا
تطبيقها (بقطع النظر عن إمكان تطبيقه فهو أيضا في صورة ما إذا كانت الجريمة
الأخيرة هي الشروع مما لم تنص عليه المادة 50). وفى هذا ما يبرر معنى تلك العبارة
ويجعلها منصبة على الشطر الأوّل من المادة 50. وثانيا - وهو من المفهومات الواضحة
- أن المذكرة الإيضاحية ورد بها "وربما خيف من أن تكون نتيجة هذا القانون
إطالة مدّة حبس العائدين" "الذين ارتكبوا جنحتين أو ثلاثا فقط فيكونون
قد عوقبوا حينئذ بعقوبات أشدّ" "مما يستحقون لكن الإحصاء الخ...".
فواضع القانون نفسه دل بهذا على أن القانون ممكن تطبيقه على من يكون من قبل قد
ارتكب جنحتين أو ثلاثا فقط ثم ارتكب بعد ذلك الجريمة التي تدخله تحت متناول هذا
القانون، والجنحتان أو الثلاث هي هى المشار إليها في الشطر الأوّل من المادة 50.
فلو كان مراد واضع قانون الإجرام أن يكون العائد قد سبق الحكم عليه فعلا بمقتضى
المادة 50 أو أنه كان مرتكبا فعلا من قبل جريمته الأخيرة لجرائم كانت تجعله مستحقا
لعقوبة المادة 50 وإن كان لم يحكم بها عليه - لو كان مراده ذلك لما قال في مذكرته
الإيضاحية ما قال، إذ أقل عدد الجنح التي تكون ارتكبت قبل الجريمة الأخيرة يكون
حينئذ ثلاثا أو أربعا لا اثنين أو ثلاثا فقط.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض
الطعن.
فبناء عليه
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق