الصفحات

السبت، 27 أغسطس 2022

الطعن 1844 لسنة 37 ق جلسة 18 / 12 / 1967 مكتب فني 18 ج 3 ق 271 ص 1273

جلسة 18 من ديسمبر سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ محمد محفوظ وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الوهاب خليل، وحسين سامح، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفة.

---------------

(271)
الطعن رقم 1844 لسنة 37 القضائية

(أ) نصب. "الطرق الاحتيالية". جريمة. "أركانها".
جريمة النصب. أركانها؟ الطرق الاحتيالية. ماهيتها؟
(ب، ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". "قرائن".
(ب) عدم تقيد المحكمة بالأخذ بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر. لها الأخذ بما تستخلصه من مجموع العناصر المطروحة عليها.
(ج) تساند الأدلة في المواد الجنائية. أثر ذلك؟

----------
1 - استعانة المتهم بشخص آخر على تأييد أقواله وادعاءاته المكذوبة وتدخل هذا الأخير لتدعيم مزاعمه - يعتبر من قبيل الأعمال الخارجية التي تساعد على حمل المجني عليه على تصديق تلك الادعاءات، وبهذه الأعمال الخارجية يرقى الكذب إلى مرتبة الطرق الاحتيالية الواجب تحققها في جريمة النصب.
2 - المحكمة غير مقيدة بألا تأخذ إلا بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر بل لها أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من مجموع العناصر المطروحة عليها.
3 - الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في إكمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في 3 يونيه سنة 1965 بدائرة قسم الساحل محافظة القاهرة: توصلا إلى الاستيلاء على المبلغ المبين بالمحضر لمصطفى محمود جبر وكان ذلك باستعمال طرق احتيالية من شانها الإيهام بوجود واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن عرض الثاني على المجني عليه شراء "ريكوردر" في مقابل المبلغ المبين بالمحضر وقد استعان كل منهما بالآخر في تأييد مزاعمه فانخدع بذلك المجني عليه وسلمهم المبلغ. وطلبت عقابهما بالمادة 336 من قانون العقوبات. ومحكمة الساحل الجزئية قضت بتاريخ 20 فبراير سنة 1966 عملاً بمادة الاتهام غيابياً للأول وحضورياً للثاني بحبس كل منهما شهرين مع الشغل وكفالة 500 قرش لكل منهما. فعارض المتهم الأول، وقضى في معارضته بتاريخ 22 مايو سنة 1966 بقبولها شكلاً، وفي الموضوع برفضها، وتأييد الحكم المعارض فيه. فاستأنف المتهمان هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 24 ديسمبر سنة 1966 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس كل من المتهمين شهراً واحداً مع الشغل والنفاذ. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة نصب، قد أخطأ في تطبيق القانون، وشابه فساد في الاستدلال، ذلك بأن الثابت من أقوال المجني عليه - التي عول عليها الحكم - أن تسليم النقود إلى الطاعن لم يكن نتيجة لطرق احتيالية قام بها هذا الأخير بل لما توسمه فيه من "الطيبة"، مما لا تتحقق معه جريمة النصب التي دين بها لعدم توافر ركن الاحتيال. ويكون من الخطأ الاستناد إلى أقوال المجني عليه في التدليل على ثبوت تلك الجريمة. كما أنه لا يمكن أن يتخذ من مجرد تضارب الطاعن في أقواله دليلاً على إدانته حسبما ذهب إليه الحكم المطعون فيه وأسس عليه قضاءه.
وحيث إن الحكم الابتدائي لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن المتهم الثاني في الدعوى (وهو الطاعن) عرض على المجني عليه شراء جهاز تسجيل أحضره أحد أصدقائه من اليمن فوافق على شرائه وإثر ذلك توجهاً سوياً إلى المتهم الأول الذي أفهمهما بوجود جهاز التسجيل عند أحد أصدقائه ثم تسلم المتهم الثاني من المجني عليه جنيهاً أعطاه إلى المتهم الأول وتم الاتفاق على أن يتقابلوا في المساء الواحدة صباحاً لاستلام الجهاز ودفع الثمن. وبعد أن اقترض المجني عليه عشرة جنيهات من صديقه الرائد حسام الدين أحمد مهدي ليكمل ثمن الجهاز حضر إليه المتهم الأول في الميعاد المحدد وكان بصحبته المتهم الثاني فقام بتسليم هذا الأخير مبلغ الخمسين جنيهاً وقام المتهم الثاني بدوره بتسليم هذا المبلغ إلى المتهم الأول الذي كان يقف مع شخص آخر على مسافة ثلاثة أمتار، ودار بينهما حديث لم يسمعه المجني عليه ثم انصرف المتهم الأول مع من كان يقف معه وقدم المتهم الثاني إلى المجني عليه وأفهمه بانتظار وصول الجهاز ولكنه ظل منتظراً حضور المتهم الأول دون جدوى مما دعاه إلى الإبلاغ. وبعد أن أورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه والرائد حسام الدين أحمد مهدي، خلص إلى ثبوت التهمة في حق كل من المتهمين بقوله "وحيث إن المحكمة ترى عن يقين مما تقدم أن الاتهام ثابت قبل المتهمين الأول والثاني وتبني اقتناعها بذلك على اطمئنانها لصحة أقوال المجني عليه بمحضر تحقيق النيابة وشهادته بالجلسة والمؤيدة بشهادة الرائد حسام الدين أحمد مهدي والتي تستخلص منها أن المتهم الثاني أوهمه بأنه يستطيع التوسط له في شراء جهاز تسجيل وأيد ذلك بمظاهر خارجية تتحصل في مصاحبته المجني عليه للمتهم الأول الذي صادق على أقوال المتهم الثاني من حيث وجود جهاز تسجيل معروض للبيع عند أحد أصدقائه وأنه سيحضره له لشرائه مقابل خمسين جنيهاً وتحديده موعداً لذلك ثم حضوره في هذا الميعاد الأمر الذي جعل المجني عليه ينخدع في هذه المظاهرة الخارجية ويصدق هذين المتهمين ويسلم ثانيهما المبلغ لتسليمه للأول الذي ينصرف متظاهراً بإحضار الجهاز وأنه لمما يؤيد ذلك أن كلاً من المتهمين الأول والثاني قد أقرا واقعة تقابلهما مع المجني عليه ليلة الحادث كما قرر الثاني بأنه حضر واقعة الاتفاق على شراء هذا الأخير للجهاز وأنه شاهد المتهم الأول يتسلم الثمن من المجني عليه المذكور ثم عدوله عن ذلك القول أمام النيابة وقوله إنه وإن كان قد حضر واقعة اتفاق المجني عليه مع المتهم الأول على شراء الجهاز إلا أنه لم يشترك معهما في ذلك وتستدل المحكمة من تضارب هذا المتهم الثاني في أقواله على ثبوت الاتهام قبله إذ لم كان غير ذي صلة بالاتهام لكان قد استقر على رواية واحدة في أقواله ومن ثم فإنه يتعين معاقبة المتهمين بمادة الاتهام". وما خلص إليه الحكم فيما تقدم سائغ ويتوافر به ركن الطرق الاحتيالية التي تقوم عليها جريمة النصب التي دين الطاعن بها - كما هي معروفة به في القانون - ذلك بأن استعانة الطاعن بالمتهم الأول على تأييد أقواله وادعاءاته المكذوبة وتدخل هذا الأخير لتدعيم مزاعمه، يعتبر من قبيل الأعمال الخارجية التي تساعد على حمل المجني عليه على تصديق تلك الادعاءات، وبهذه الأعمال الخارجية يرقى الكذب إلى مرتبة الطرق الاحتيالية الواجب تحققها في جريمة النصب. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استخلص واقعة الدعوى بما تتوافر به هذه الجريمة كما نصت عليها المادة 336 من قانون العقوبات، وكانت المحكمة غير مقيدة بألا تأخذ إلا بالأقوال الصريحة أو مدلولها الظاهر بل لها أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من مجموع العناصر المطروحة عليها، وكانت الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. ولما كانت الأدلة التي حمل عليها الحكم قضاءه بإدانة الطاعن سائغة ومقبولة لترتيب استخلاصه لواقعة الدعوى، وهي منتجة في إسناد جريمة النصب إلى الطاعن، فإن ما ينعي به الطاعن على الحكم من قالة الفساد في الاستدلال يكون في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق