الصفحات

الأحد، 31 يوليو 2022

الطعن 4360 لسنة 53 ق جلسة 13 / 6 / 2009 إدارية عليا مكتب فني 54 توحيد المبادئ ق 4 ص 53

جلسة 13 من يونيه سنة 2009
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ إسماعيل صديق محمد راشد نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة.
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان، ورمزي عبد الله أبو الخير، وغبريال جاد عبد الملاك، وإدوارد غالب سيفين، ويحيى أحمد راغب دكروري وحسين علي شحاتة السماك، وإبراهيم الصغير إبراهيم يعقوب، ومحمود محمد صبحي العطار، ود. سامي حامد إبراهيم عبده ومحمد الشيخ علي أبو زيد نواب رئيس مجلس الدولة.
بحضور السيد الأستاذ المستشار/ أحمد فرج الأحول مفوض الدولة.

---------------

(4)
)دائرة توحيد المبادئ(

الطعن رقم 4360 لسنة 53 القضائية عليا.

مجلس الدولة - شئون الأعضاء - تأديب - عقوبة اللوم وأثرها في الترقية.
- المادة 66 من دستور 1971.
- المواد (99) و(100) و(101) و(102) و(103) و(120) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم (47) لسنة 1972.
لا يجوز أن يعاقب شخص على فعل لم يكن مجَرمًا وقت ارتكابه، كما لا يجوز أن يعاقب بعقوبة غير واردة في القانون - أوضح المشرع الإداري المخالفات الإدارية التي يحظر على الموظف العام ارتكابها، وحدد إطارًا عامًا في شأن تلك المخالفات بأنها: الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي، أو الظهور بمظهر يمس كرامة الوظيفة. وفي مجال العقاب حدد المشرع على سبيل الحصر الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العامل في قوانين الوظائف العامة المختلفة، وفي بعض الأحيان يرتب المشرع ذاته أثرًا قانونيًا محددًا على توقيع عقوبة بذاتها، وفي هذه الحالة يخضع الأثر المترتب على العقوبة لذات المبادئ الأصلية في العقاب، وهي: لا عقاب بغير نص، ولا أثر للعقاب بغير نص خاص، ولا يجوز العقاب عن الفعل الواحد مرتين - ترتيبا على ذلك: إذا عوقب الموظف عن الفعل بمقتضى النص الحاكم للعقوبات في عمله، وقامت جهة الإدارة بترتيب أثر لا وجود له في إطار ذلك النص عد ذلك عقوبة جديدة عن ذات الفعل، وكان من شأنه مخالفته لأحكام القانون والمبادئ الدستورية في العقاب.
نص المشرع صراحة على جواز تخطي عضو مجلس الدولة في الترقية، سواء كان ذلك لأسباب تتعلق بتقدير الكفاية، وهي وضع تقدير كفاية عن العضو بدرجة (متوسط) أو (أقل من المتوسط)، أو لأسباب لا تتعلق بها، وهي ارتكاب العضو من الأفعال أو المخالفات ما يمس واجبات وظيفته، إلا أنه أوجب في الحالتين إتباع الإجراءات المحددة قانونا من وجوب الإخطار بخطاب موصي عليه بعلم الوصول، ومنح العضو مهلة للتظلم، ثم البت في التظلم من السلطة المختصة وبقرار نهائي، سواء بقبوله أو رفضه، وبدون إتباع هذه الإجراءات لا يجوز تخطي العضو في الترقية - حدد قانون مجلس الدولة في المادة (120) منه العقوبات الجائز توقيعها على عضو مجلس الدولة، وهي اللوم أو العزل، وخلت نصوصه من ترتيب أي أثر لتوقيع عقوبة اللوم - مؤدى ذلك: ترتيب أثر التخطي في الترقية على من تم مجازاته بعقوبة اللوم يعد مخالفة لأحكام القانون، وازدواجا في العقوبة، وتقريرا لجزاء لم ينص عليه القانون.


الإجراءات

بتاريخ 14/ 1/ 2007 أودع الأستاذ ...... المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا, بصفته وكيلا عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 4360 لسنة 53 ق. عليا، طالبا - لما ورد به من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بأحقية الطاعن في إعادة ترتيب أقدميته بين شاغلي درجة (مستشار) بمجلس الدولة، بحيث يكون ترتيبه سابقا على المستشار/ ........، ولاحقا على المستشار/ ........، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال الطاعن شرحا لطعنه: أنه في بداية العام القضائي 2003/ 2004 نقل للعمل بإدارة الفتوى لوزارات الداخلية والخارجية والعدل، وكان حينها يشغل درجة (مستشار مساعد أ)، وبتاريخ 14/ 7/ 2004 حدثت بينه وبين أحد زملائه بتلك الإدارة مشادة، فأحيل إلى مجلس التأديب بتاريخ 27/ 8/ 2005، وذلك عقب انتهاء إدارة التفتيش الفني من التحقيق في تلك الواقعة. وتم ترقية زملاء دفعته لدرجة (مستشار) اعتبارا من 18/ 9/ 2005، بينما تم حجز درجة له. وعقب انتهاء الدعوى التأديبية رقم (3) لسنة 51 ق بصدور قرار مجلس التأديب بمجازاته بعقوبة اللوم بجلسة 25/ 2/ 2006، تقدم الطاعن بطلب لترقيته إلى درجة (مستشار) اعتبارا من 18/ 9/ 2005، إلا أنه صدر القرار الجمهوري رقم (273) لسنة 2006 بتاريخ 27/ 6/ 2006 والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 3/ 8/ 2006 بترقية الطاعن إلى درجة (مستشار)، دون أن يتضمن ترقيته على الدرجة المحجوزة له اعتبارا من 18/ 9/ 2005. فتظلم من هذا القرار بتاريخ 20/ 9/ 2006، وإذ لم يتلق ردا على تظلمه، فقد أقام طعنه الماثل.
ونعى الطاعن على القرار المطعون فيه مخالفته لأحكام القانون، تأسيسا على أن القانون لم يرتب أي أثر لعقوبة اللوم كالتخطي في الترقية أو تأجيلها أو أي أثر آخر. كما أن القرار المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، على سند من القول أنه من المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه لا يجوز عقاب الشخص عن الفعل المؤثم مرتين، وهو ما تم تطبيقه على الطاعن, حيث تمت معاقبته بجزاء اللوم، وأن تخطيه في الترقية يعد عقوبة ثانية عن ذات الفعل، وهو الأمر الذي ترتب عليه ضرر جسيم لحق به، تمثل في أن سبقه في الترتيب عدد (54) عضوا من دفعات 1990 و1991 و1992 رغم أن الطاعن كان يسبقهم في الترتيب منذ التعيين مندوبا مساعدا بالمجلس، وحتى درجة مستشار مساعد ( أ ).
وأعدت هيئة مفوضي الدولة أمام المحكمة الإدارية العليا تقرير بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء القرار المطعون فيه رقم (273) لسنة 2006 الصادر بتاريخ 20/ 7/ 2006 فيما تضمنه من عدم رد أقدمية الطاعن في درجة (مستشار) بمجلس الدولة إلى تاريخ صدور القرار الجمهوري رقم (368) لسنة 2005 في 6/ 11/ 2005 بترقية زملائه لتلك الدرجة، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وتدوول الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، وبجلسة 2/ 7/ 2007 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 2/ 9/ 2007 مع السماح بمذكرات خلال شهر. وبجلسة النطق بالحكم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 23/ 3/ 2008، وبهذه الجلسة قررت المحكمة إعادة الطعن للمرافعة ثم إحالته إلى الدائرة المشكلة طبقا لحكم المادة (54) مكرر من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، وذلك تأسيسا على أن أحكام المحكمة الإدارية العليا قد جرت على أن التخطي في الترقية يتحقق إذا ارتكب العضو من الأفعال ما يمس واجبات وظيفته بما يشكل مخالفة تأديبية لا تستأهل عقوبة العزل، وإنما تقتضي مجازاته بعقوبة الإنذار أو اللوم بناء على حكم مجلس التأديب المختص. والقول بغير ذلك يؤدي إلى أن تصبح أحكام مجلس التأديب عديمة الأثر. (الطعن رقم 340 لسنة 39 ق. عليا بجلسة 29/ 1/ 1995 والطعن رقم 1420 لسنة 38 ق. عليا بجلسة22/ 6/ 1996)، وإن الدائرة السابعة عليا ترى العدول عن هذا المبدأ، تأسيسا على أن قانون مجلس الدولة قد حدد العقوبات التي يجوز توقيعها على العضو، والسلطة المختصة بتوقيعها، وقد جاءت نصوص هذا القانون خالية من أي نص يرتب أي أثر لتلك العقوبات على ترقية العضو. وأن التخطي في الترقية عن ذات الفعل الذي تم مجازاة العضو عنه تأديبيًا يعد بمثابة ازدواج في العقوبة بالمخالفة لأحكام القانون. كما أنه من المقرر أنه ولئن كان لجهة العمل سلطة تحديد الجزاء المناسب بحسب تقديرها للذنب الإداري وما يستأهله من عقاب، ألا أن ذلك منوط بأن يكون ثمة نظام قانوني قد خص ذنبا إداريا معينا بعقوبة محددة. وأنه لا يجوز للسلطة المختصة وهي بصدد تحديد الجزاءات أن تبتدع جزاءات أخرى غير تلك المنصوص عليها قانونا.
وتدوول الطعن أمام دائرة توحيد المبادئ على النحو الثابت بمحاضر الجلسات. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني، انتهت فيه - لما ورد به من أسباب - إلى الرأي بالحكم بأن مجازاة عضو مجلس الدولة بعقوبة الإنذار أو اللوم لا يترتب عليه التخطي في الترقية كأثر لهذه العقوبة.
وبجلسة 14/ 2/ 2009 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 11/ 4/ 2009، وبهذه الجلسة تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 13/ 6/ 2009 لإتمام المداولة، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن مقطع النزاع في شقه المعروض أمام هذه الدائرة (دائرة توحيد المبادئ) هو ما إذا كان يجوز ترتيب أثر التخطي في الترقية فيمن سبق مجازاته من مجلس التأديب بعقوبة اللوم, إزاء خلو قانون مجلس الدولة من ترتيب ذلك الأثر فيمن جوزي بتلك العقوبة, وإن التخطي في الترقية هو في حد ذاته عقوبة قائمة بذاتها، مما يشكل ازدواجا في العقوبة عن ذات الفعل بالمخالفة للقانون، فضلا عن أنه لا يجوز للسلطة المختصة وهي بصدد توقيع الجزاءات أن تبتدع جزاءات أخرى غير تلك المنصوص عليها قانونا.
وحيث إن المادة (99) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن: "تشكل بمجلس الدولة إدارة للتفتيش الفني على أعمال المستشارين المساعدين والنواب والمندوبين والمندوبين المساعدين، برئاسة أحد نواب رئيس المجلس وعضوية عدد كاف من المستشارين والمستشارين المساعدين. ويكون تقدير الكفاية بإحدى الدرجات الآتية: كفء - فوق المتوسط - متوسط - أقل من المتوسط........ ويجب إجراء التفتيش مرة على الأقل كل سنتين. ويجب إيداع تقرير التفتيش خلال شهرين على الأقل من تاريخ انتهاء التفتيش".
وتنص المادة (100) من ذات القانون على أن: "يخطر رئيس مجلس الدولة من تقدر كفايته بدرجة (متوسط) أو (أقل من المتوسط) من الأعضاء وذلك بمجرد انتهاء إدارة التفتيش الفني من تقدير كفايته. ولمن أخطر الحق في التظلم من التقدير خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الإخطار.
كما يقوم رئيس مجلس الدولة قبل عرض مشروع حركة الترقيات على المجلس الخاص للشئون الإدارية بثلاثين يوما على الأقل بإخطار أعضاء مجلس الدولة الذين حل دورهم ولم تشملهم حركة الترقيات لسبب غير متصل بتقارير الكفاية التي فصل فيها وفقا للمادة (102) أو فات ميعاد التظلم منها. ويبين بالإخطار أسباب التخطي, ولمن أخطر الحق في التظلم في الميعاد المنصوص عليه في الفقرة السابقة.
ويتم الإخطار المشار إليه في الفقرتين السابقتين بخطاب موصي عليه مصحوب بعلم الوصول".
وتنص المادة (101) من ذات القانون على أن: "يكون التظلم بعريضة تقدم إلى إدارة التفتيش الفني، وعلى هذه الإدارة إحالة التظلم إلى المجلس الخاص للشئون الإدارية خلال خمسة أيام من تاريخ تقديم التظلم".
كما تنص المادة (102) على أن: "يفصل المجلس الخاص للشئون الإدارية في التظلم بعد الاطلاع على الأوراق وسماع أقوال المتظلم، ويصدر قراره خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إحالة الأوراق إليه وقبل إجراء حركة الترقيات... ويكون قرار المجلس الخاص للشئون الإدارية في شأن تقدير الكفاية أو التظلم منه نهائيا، ويخطر به صاحب الشأن بكتاب موصي عليه بعلم الوصول".
وتنص المادة (103) على أن: "تعرض على المجلس الأعلى للهيئات القضائية عند نظر مشروع حركة الترقيات قرارات المجلس الخاص للشئون الإدارية الصادرة في التظلمات من التخطي للأسباب غير المتصلة بتقارير الكفاية، طبقا لما هو مقرر في الفقرة الثانية في المادة (100) وذلك لإعادة النظر فيها. وتكون قرارات المجلس الأعلى للهيئات القضائية نهائية، ويخطر بها المتظلم بكتاب موصي عليه بعلم الوصول".
كما تنص المادة (120) على أن: "العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على أعضاء مجلس الدولة هي اللوم والعزل... أما عقوبة اللوم فيصدر بتنفيذها قرار من رئيس مجلس الدولة. ولا ينشر هذا القرار أو منطوق الحكم في الجريدة الرسمية".
ومفاد ما تقدم أن المشرع ناط بإدارة التفتيش الفني بمجلس الدولة بالتفتيش على أعمال المستشارين المساعدين والنواب والمندوبين والمندوبين المساعدين. وإن تقدير كفاية العضو عن أعماله التي تم التفتيش عليها يكون بإحدى الدرجات الآتية: كفء - فوق المتوسط - متوسط - أقل من المتوسط. وأوجب المشرع على رئيس مجلس الدولة أخطار من تقدر كفايته بدرجة (متوسط) أو (أقل من المتوسط) من الأعضاء وذلك بمجرد انتهاء إدارة التفتيش الفني من تقدير كفايته. ولمن أخطر الحق في أن يتظلم من التقدير خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إخطاره.
وحيث إن المشرع قد فرق بين التخطي بسبب تقدير الكفاية والتخطي لأسباب أخرى لا تتعلق بتقارير الكفاية، وأوجب في الحالتين على رئيس مجلس الدولة إخطار العضو ويكون الإخطار بشأن تقدير الكفاية للعضو الذي تقدر كفايته بدرجة (متوسط) أو (أقل من المتوسط)، وذلك الإخطار يتم بمجرد انتهاء إدارة التفتيش الفني من تقدير الكفاية. كما يكون الإخطار بشأن الأسباب الأخرى التي لا تتعلق بتقارير الكفاية قبل عرض مشروع حركة الترقيات على المجلس الخاص بثلاثين يومًا على الأقل، مع وجوب أن يتضمن الإخطار أسباب التخطي، وذلك للعضو الذي حل دوره في الترقية، ولم تشمله حركة الترقيات لأسباب لا تتصل بتقارير الكفاية.
وأجاز في الحالتين للعضو أن يتظلم، سواء من تقدير الكفاية أو من الأسباب الأخرى غير المتصلة بتقارير الكفاية، وذلك خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إخطاره. على أن يكون التظلم من تقدير الكفاية بعريضة تقدم إلى إدارة التفتيش الفني؛ وذلك بالنظر إلى أن هذه الجهة هي التي وضعت التقدير، وهي الأقدر على إبداء الرأي في التظلم، إلا أن المشرع ناط بالمجلس الخاص للشئون الإدارية - باعتباره المهيمن على السلطة الأعلى في مجلس الدولة - الفصل في هذا التظلم بعد إحالته إليه من إدارة التفتيش الفني، وذلك بعد الاطلاع على الأوراق وسماع أقوال المتظلم، ويكون قرار المجلس الخاص للشئون الإدارية في تقدير الكفاية أو التظلم منه نهائيًا، ويخطر به صاحب الشأن بكتاب موصي عليه بعلم الوصول.
أما التظلم من قرار التخطي لأسباب لا تتصل بتقارير الكفاية فينظرها المجلس الخاص بعد الاطلاع على الأوراق وسماع أقوال العضو، مع عرضها بعد ذلك على المجلس الأعلى للهيئات القضائية لإعادة النظر فيها، ويكون قرار المجلس الأعلى للهيئات القضائية نهائيًا، ويخطر المتظلم بكتاب موصي عليه بعلم الوصول.
وحيث إن المحكمة الإدارية العليا قد قضت - فيما يتعلق بتقدير الكفاية والتظلم منه - بأن تقدير الكفاية له أثره البالغ في ترقيات أعضاء مجلس الدولة ومستقبلهم الوظيفي، وإن المشرع وضع من الضوابط ما يكفل قيام التقدير على أسس سليمة وعادلة، وناط أمر هذا التقدير بإدارة التفتيش الفني؛ ضمانًا لحسن التقدير. وأجاز القانون لمن قدرت كفايته بدرجة (متوسط) أو (أقل من المتوسط) أن يتظلم خلال المواعيد المقررة بعريضة تقدم إلى إدارة التفتيش الفني، ويفصل فيه المجلس الخاص قبل إجراء حركة الترقيات. ويكون قرار المجلس الخاص في شأن تقدير الكفاية أو التظلم منه نهائيًا.
كما قضت المحكمة الإدارية العليا فيما يتعلق بالتخطي لأسباب لا تتصل بتقدير الكفاية بأن التخطي في الترقية له أثره البالغ في المستقبل الوظيفي لعضو مجلس الدولة؛ لذلك وضع المشرع في التظلم والضوابط ما يكفل إجراء الترقيات على أسس سليمة وعادلة، بما يكفل لأعضاء مجلس الدولة الإحاطة بأسباب التخطي في الترقية، وإبداء دفاعهم، وتقديم أدلتهم لنفي هذه الأسباب، وذلك بإتباع إجراءات محددة، هي إخطار الأعضاء الذين حل دورهم ولم تشملهم حركة الترقيات لسبب غير متصل بتقارير الكفاية التي فصل فيها، أو فات ميعاد التظلم منها مع إيضاح أسباب التخطي، وذلك قبل عرض مشروع حركة الترقيات على المجلس الخاص للشئون الإدارية. يتم الإخطار قبل عرض المشروع بثلاثين يومًا على الأقل، وللعضو الذي أخطر بالتخطي في الترقية أن يتظلم خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ الإخطار بعريضة تقدم إلى إدارة التفتيش الفني، التي تعرضه على المجلس الخاص للشئون الإدارية ليصدر فيه قرار نهائيا خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إحالة الأوراق إليه قبل إجراء حركة الترقيات. وعند نظر مشروع حركة الترقيات تعرض على المجلس الخاص للشئون الإدارية قراراته الصادرة في التظلمات من التخطي في الترقية وذلك لإعادة النظر فيها.
كما قضت المحكمة الإدارية العليا بجواز تخطي عضو مجلس الدولة في الترقية ولو كان حاصلاً على تقدير كفاية بدرجة (كفء) أو (فوق المتوسط) إذا ارتكب أفعالاً تمس واجبات وظيفته، بما من شأنه أن يؤدي إلى مجازاته بعقوبة اللوم. وإن التخطي في الترقية طبقًا لقانون مجلس الدولة المشار إليه حتى وظيفة (مستشار) قد يكون لأسباب متعلقة بتقدير الكفاية أو لأسباب أخرى غير متصلة بتقدير الكفاية، طبقًا لنص المادتين (100) و (103) سالفتي الذكر، ومفادهما: جواز تخطي عضو مجلس الدولة في الترقية حتى ولو كان حاصلاً على تقدير كفاية بدرجة (كفء) أو (فوق المتوسط) وهو ما يتأتى إذا ارتكب من الأفعال أو المخالفات ما يمس واجبات وظيفته.
وحيث إن المشرع قد نص صراحة على جواز تخطي عضو مجلس الدولة، سواء كان ذلك لأسباب تتعلق بتقدير الكفاية، وهي وضع تقدير كفاية عن العضو بدرجة (متوسط) أو (أقل من المتوسط)، أو لأسباب لا تتصل بتقارير الكفاية، وهي ارتكاب العضو من الأفعال أو المخالفات ما يمس واجبات وظيفته، وذلك بإهماله وتقصيره في أداء واجبات وظيفته، إلا أنه أوجب في الحالتين إتباع الإجراءات المحددة قانونًا في وجوب الإخطار بخطاب موصي عليه بعلم الوصول، ومنح العضو مهلة للتظلم، ثم البت في التظلم من السلطة المختصة وبقرار نهائي سواء بقبوله أو رفضه ودون إتباع هذه الإجراءات لا يجوز تخطي العضو في الترقية.
ومن حيث إنه في شأن الأثر المترتب على توقيع عقوبة اللوم على عضو مجلس الدولة فإنه يتعين الوقوف على الطبيعة القانونية للتخطي في الترقية في حق عضو مجلس الدولة، فهذا الإجراء لم يرد في قانون مجلس الدولة أو لائحته إلا في حالتين: الأولى - لأسباب تتصل بتقدير الكفاية، حينما يتم تقدير كفاية العضو بدرجة (متوسط) أو (أقل من المتوسط)، ويرفض المجلس الخاص للشئون الإدارية للتظلم من ذلك التقدير. والثانية - أسباب لا تتصل بتقدير الكفاية، ويقدر المجلس الخاص للشئون الإدارية أنها تمس وظيفته، وتوجب التخطي، ويرفض المجلس الخاص التظلم.
وعلى ذلك فإن هذا الإجراء يتطلب تحديد التكييف القانوني له، وهل هو عقوبة أم أثر لعقوبة. وللقطع في ذلك فإنه من المبادئ السماوية وكذا الدستورية والقانونية انه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. فقد قال البارئ سبحانه وتعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" وفي آية أخرى: "ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى".
كما أورد الدستور في المادة (66) النص على أن: "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون".
وفي ضوء تلك المبادئ التي تعتبر من أساسيات القانون الإنساني فإنه لا يجوز أن يعاقب شخص على فعل لم يكن مجرمًا وقت ارتكابه، كما لا يجوز أن يعاقب بعقوبة غير واردة في القانون.
والتزامًا بذلك من المشرع الإداري فقد أوضح المخالفات الإدارية التي يحظر على الموظف العام ارتكابها، وحدد إطارًا عامًا في شأن تلك المخالفات بأنها: الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي، أو الظهور بمظهر يمس كرامة الوظيفة. ويخضع تحديد هذا المفهوم للفعل المخالف لتقدير المحكمة، وهي بصدد رقابة قرار الجزاء الإداري. أما في مجال العقاب فإن المشرع قد حدد على سبيل الحصر الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العامل في قوانين الوظائف العامة المختلفة، سواء تلك الوظائف التي تخضع للقانون العام، أو تلك التي تخضع لقوانين خاصة، أو تلك التي تباشر في إطار السلطة العامة للدولة، فجميعها يحدد فيها القانون المنظم الجزاءات الخاضع لها المخاطبين بأحكامه وفي بعض الأحيان يرتب المشرع ذاته أثرًا قانونيًا محددًا على توقيع عقوبة بذاتها، وفي هذه الحالة يخضع الأثر المترتب على العقوبة لذات المبادئ الأصلية في العقاب، وهي: لا عقاب بغير نص، كذلك: لا أثر للعقاب بغير نص خاص وتلك المبادئ مستقاة جميعًا من النص الدستوري المشار إليه سلفًا، ولذلك فإنه من المبادئ المسلمة إنه لا يجوز العقاب عن الفعل الواحد مرتين، فإن عوقب الموظف عن الفعل بمقتضى النص الحاكم للعقوبات في عمله، وقامت جهة الإدارة بترتيب أثرًا لا وجود له في إطار ذلك النص عد ذلك عقوبة جديدة عن ذات الفعل، وكان من شأنه مخالفته لأحكام القانون والمبادئ الدستورية في العقاب.
وفي ضوء ما تقدم، ولما كان قانون مجلس الدولة قد حدد العقوبات الجائز توقيعها على عضو مجلس الدولة في المادة (120) المشار إليها سلفا،ً وهي اللوم أو العزل، كما خلت نصوصه من ترتيب أي أثر على عقوبة اللوم، فضلاً عن أنه عالج أسباب تخطي عضو مجلس الدولة في الترقية وحصرها في سببين: الأول - تقرير الكفاية، والثاني - إهماله وتقصيره في أداء واجبات وظيفته، ووضع من الضوابط والشروط ما يكفل للعضو التظلم وإبداء أوجه دفاعه، كما جعل للمجلس الخاص فرصة أخرى لإصدار قراره النهائي بعد أن يكون قد أطلع على دفاع العضو (التظلم) على أسس سليمة وعادلة، لذلك فإننا أمام منظومة شاملة للإجراء كعقوبة، من حيث النص عليه، وسلطة توقيعه، والإجراءات واجبة الإتباع لتوقيعه.
وبناء على ما تقدم فإن ترتيب أثر التخطي في الترقية على من تم مجازاته بعقوبة اللوم يعد مخالفة لأحكام القانون، وازدواجًا في العقوبة وتقرير لجزاء لم ينص عليه القانون.
يؤكد ذلك ويدعمه أن المشرع حين أجاز تخطي العضو لأسباب لا تتصل بتقدير الكفاية، لم يشترط أن يكون قد صدر بشأنها حكمًا تأديبي، وإنما ترك ذلك لتقدير السلطة المختصة، وهي المجلس الخاص للشئون الإدارية، فإذا ارتأى المجلس الخاص للشئون الإدارية لدى عرض مشروع حركة الترقيات عليه تخطي عضو في الترقية لما نسب إليه - وفقًا لتقدير المجلس الخاص - من إهمال وتقصير في أداء واجبات وظيفته، سواء جوزي عن ذلك تأديبيًا أم لم يتم مجازاته، وسواء أكان تقدير كفايته بدرجة (كفء) أو (فوق المتوسط) - وهو التقدير المؤهل للترقية - أم بدرجة أقل، فإنه يحق له تخطيه، شريطة إتباع الإجراءات التي يتطلبها القانون، والتي تكفل صدور القرار على أسس سليمة وعادلة.
وعليه فإن المشرع لم يرتب على عقوبة اللوم بذاتها التخطي في الترقية كأثر لهذه العقوبة، وإن أجاز للمجلس الخاص للشئون الإدارية سلطة تخطي العضو في الترقية إذا قدَّر أن ما نسب إليه يمس واجبات وظيفته بعد إتباع الإجراءات سالفة الذكر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بأن مجازاة عضو مجلس الدولة بعقوبة اللوم لا يترتب عليه بذاته التخطي في الترقية كأثر لهذه العقوبة. وأمرت بإحالة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق