الصفحات

الثلاثاء، 5 يوليو 2022

الطعن 3354 لسنة 85 ق جلسة 27 / 12 / 2016 مكتب فني 67 ق 147 ص 927

جلسة 27 من ديسمبر سنة 2016
برئاسة السيد القاضي/ عبد المنعم دسوقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ محمود التركاوي، د. مصطفى سالمان، أحمد العزب وإبراهيم الشلقاني نواب رئيس المحكمة.
-------------

(147)
الطعن رقم 3354 لسنة 85 القضائية

(1 - 10) محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع في استخلاص توافر عناصر الابتكار في المصنف". ملكية فكرية "حق المؤلف: الحماية القانونية للمصنف" "حقوق الملكية الفكرية".
(1) إسباغ الحماية القانونية على المصنف. شرطه. انطواؤه على شيء من الابتكار وإفراغه في صورة مادية وإعداده للنشر. مخالفة ذلك. أثره. انتفاء الحماية القانونية له. المادتان 138، 140 ق 82 لسنة 2002.
(2) حقوق الملكية الفكرية. جوهرها.
(3) الإبداع والابتكار. ماهيتهما.
(4) الدلالة الاصطلاحية للإبداع. ماهيته. اندراج الاختراع والإبداع الأدبي أو الفني فيه.(5) التفكير الإبداعي. ماهيته.
(6) الإبداع. أهميته. كونه يمثل إطلاقا لطاقات الخلق والاجتهاد دون قيد على العقل إلى الحد الذي ينال فيه المجتهد أجرا حتى لو أخطأ. شرطه.
(7) الدلالة الاصطلاحية لابتكار الشيء. ماهيته.
(8) الابتكار في نطاق الحماية القانونية لحق المؤلف. إضفاء الطابع الشخصي للمصنف بما يميزه عن سواه من المصنفات التي تنتمي لذات النوع. علة ذلك. تميز الإنتاج الذهني بطابع معين يبرز شخصية صاحبه.
(9) الابتكار المطلق والابتكار النسبي. ماهيتهما. توافر شرط الابتكار في الحالتين. لازمه. وجود خلق ذهني جديد. علة ذلك. إضافة المؤلف إلى فكرة سابقة ما يجعل لها طابعا جديدا تختلف به عما كانت عليه من قبل. كاف لتوافر شرط الابتكار.

(10) محكمة الموضوع. سلطتها في استخلاص توافر عناصر الابتكار في المصنف. شرطه. إفصاح الحكم عن مصادر الأدلة التي كون منها عقيدته وفحواها وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق وأن تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها. عله ذلك.

(11 ، 12) إثبات "إجراءات الإثبات: ندب الخبراء". محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع بالنسبة لمسائل الإثبات: إجراءات الإثبات: سلطة محكمة الموضوع بالنسبة لتقدير عمل الخبير والرد على الطعون الموجهة إليه".
(11) أخذ المحكمة بتقرير الخبير. شرطه. أن تبين كيف أفاد التقرير معنى ما استخلصته منه.
(12) ندب الخبير. المقصود به. الفصل في نزاع قانوني والموازنة بين الآراء الفقهية. عدم جواز تخلي القاضي عنهما للخبير. "مثال: بشأن صاحب السلطة في تقدير توافر شرط الابتكار وإسباغ الحماية القانونية على المصنف".
(13) محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع في استخلاص توافر عناصر الابتكار في المصنف".
فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها ومدى توافر عناصر الابتكار في المصنف. من سلطة محكمة الموضوع. تناول المطعون ضده الأول في كتابه فكرة تمثل ترديدا لذات الأفكار التي سبقه الطاعن إلى نشرها بمقالاته. خلو هذه الأفكار من خلق ذهني جديد أو إضافة فكرة تختلف عما ورد بتلك المقالات. مؤداه. انتفاء عنصر الابتكار عن مصنف المطعون ضده الأول. أثره. عدم خضوعه للحماية المقررة بق 82 لسنة 2002.

----------------

1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن مفاد النص في المادتين 138، 140 من القانون رقم 82 لسنة 2002 بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية أن المشرع وفقا للقانون الأخير - المنطبق على واقعة الدعوى - ومن قبله القانون رقم 354 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 بشأن حماية حق المؤلف، أسبغ الحماية الواردة بهما على مؤلفي المصنفات أيا كان نوعها أو طريقة التعبير عنها أو أهميتها أو الغرض منها، بشرط أن يكون هذا المصنف قد انطوى على شيء من الابتكار بحيث يبين منه أن المؤلف أضفى عليه شيئًا من شخصيته، وأن يتم إفراغه في صورة مادية يبرز فيها إلى الوجود ويكون معدًا للنشر، وبغير ذلك فلا يرقى إلى مرتبة المصنف الجدير بالحماية.

2 - جوهر حقوق الملكية الفكرية أنها ثمرة الابتكار ونتاج الإبداع في شتى مناحي النشاط الإنساني.

3 - الإبداع والابتكار يعدان نمطا من أنماط التفكير ومستوى متقدم في سلم القدرات الذهنية للإنسان يتميز به عن غيره ويتسم بالخروج عن المألوف.

4 - دلالة الإبداع في اللغة تعني إحداث شيء جديد على غير مثال سابق وهو ما اصطلح عليه بأنه إيجاد شيء غير مسبوق بالعدم، وهو أعلى مرتبة من التكوين والإحداث وكليهما يقابل الإبداع من وجه وهما مترتبان عليه، فالإبداع مزيج من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا ما وجدت في بيئة مناسبة يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية لتؤدي إلى نتاجات أصيلة وجديدة على مستوى الاختراعات الإبداعية في ميادين الحياة الإنسانية، ويندرج فيه كل من الاختراع والإبداع الأدبي أو الفني.

5 - التفكير الإبداعي هو العملية الذهنية التي نستخدمها للوصول إلى الأفكار والرؤى الجديدة أو التي تؤدي إلى الدمج والتأليف بين الأفكار، أو الأشياء التي تعتبر سابقا أنها غير مترابطة، فالتفكير الإبداعي يصف العمليات وأسلوب التفكير الذي أنتج هذا الإبداع، ويعبر التفكير الإبداعي عن نفسه في صورة إنتاج شيء جديد أو الخروج عن المألوف أو ميلاد شيء جديد سواء كان فكرة أم اكتشافا أم اختراعا.

6 - تبرز أهمية الإبداع في أنه يمثل إطلاقا لطاقات الخلق والاجتهاد دون قيد على العقل إلى الحد الذي ينال فيه المجتهد أجرا حتى لو أخطأ، بشرط الالتزام بإطار أخلاقي وإنساني لا يحكمه الهوى، وإنما يحكمه الضمير، لكي يكون ملائما وهادفا إلى دعم القيم الإنسانية.

7 - إن الدلالة الاصطلاحية لابتكار الشيء في اللغة هو الاستيلاء على باكورته، بمعنى أن يكون وليد أفكار المرء بالمبادرة إليه وإدراك أوله متسما بالحداثة والإبداع وبطابعه الشخصي.

8 - يقصد بالابتكار - في نطاق الحماية القانونية لحق المؤلف - الطابع الشخصي الذي يعطيه المؤلف لمصنفه، الذي يسمح بتمييز المصنف عن سواه من المصنفات التي تنتمي إلى ذات النوع، حيث تبرز شخصية المؤلف إما في مقومات الفكرة التي عرضها أو في الطريقة التي اتخذها لعرض الفكرة، فالجوهري في الأمر هو تميز الإنتاج الذهني بطابع معين يبرز شخصية صاحبه سواء في جوهر الفكرة المعروضة أو في مجرد طريقة العرض أو التعبير أو الترتيب أو التبويب أو الأسلوب.

9 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن الابتكار إما أن يكون مطلقا وإما أن يكون نسبيا، فيكون مطلقا إذا لم يكن المصنف يستند إلى إنتاج سابق، ويكون نسبيا إذا ما كان المصنف يقتبس عناصر شكلية لإنتاج سابق، ولكن في كلتا الحالتين لا بد من خلق ذهني جديد في جملته لكي يكون شرط الابتكار متوافرا، ليتقرر حق المؤلف على مصنفه أو ليتمتع بالحماية أو ليستحق صاحبه الاعتراف بملكيته الفكرية وما يترتب عليها من حقوق، ويكفي في ذلك أن يضيف المؤلف إلى فكرة سابقة ما يجعل للفكرة طابعا جديدا تختلف به عما كانت عليه من قبل فإذا ما اتضح أن ما تحققه الفكرة لا يعدو أن يكون تطورا عاديا وطبيعيا للقدر القائم أو مألوفا لأهل الاختصاص فإنه عندئذ يتخلف عنصر الابتكار.

10 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - إنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة استخلاص عناصر الابتكار في المصنف حتى يتمتع مؤلفه بالحماية القانونية إلا أنه يتعين عليها أن تفصح عن مصادر الأدلة التي كونت منها عقيدتها وفحواها وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق مؤدية إلى النتيجة التي انتهت إليها حتى يتأتى لمحكمة النقض أن تعمل رقابتها على سداد الحكم.

11 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن أخذ (محكمة الموضوع) بتقرير الخبير مشروط بأن تبين المحكمة كيف أفاد التقرير معنى ما استخلصته منه.

12 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن ندب خبير في الدعوى هو مجرد وسيلة إثبات يقصد بها التحقق من واقع معين يحتاج الكشف عنه إلى معلومات فنية خاصة ولا شأن له بالفصل في نزاع قانوني فهذا من صميم واجب القاضي لا يجوز له التخلي عنه لغيره. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد جرى في قضائه على اعتبار أن المصنف الخاص بالمطعون ضده الأول المعنون "......" ذو طابع ابتكاري وإبداعي ويتمتع بالحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية وأنه وقع اعتداء على هذا المصنف من جانب الطاعن من خلال البرنامج الذي قام بإعداده اقتباسا من كتاب المطعون ضده الأول دون موافقته، أخذا بما خلص إليه تقريري الخبير المقدمين في الدعوى، ورتب على ذلك قضاءه بمنع بث حلقتي برنامج الطاعن مثار النزاع وإلزامه بالتعويض المقضي به، وإذ كان الخبير لم يفصح في أسباب تقريريه عن سنده فيما استخلصه من نتيجة ولم يبين الأساس والمصدر الذي استقى منه رأيه في إضفاء طابع الابتكار والإبداع على المصنف وإسباغ الحماية عليه وهي مسألة قانونية تصدى إليها الخبير دون أن يقوم بتفريغ محتوى الحلقتين الثانية والثالثة من برنامج الطاعن في تقريره ومقارنته بما تضمنته الصفحات من رقم 171 حتى 175 - مثار النزاع - من كتاب المطعون ضده الأول وبيان أوجه التشابه والنقل والاقتباس فيما بينهما، حتى تكون تحت بصر المحكمة صاحبة السلطة في تقدير ما إذا كان المصنف مبتكرا أو غير مبتكر، مكتفيا بالإشارة إلى مشاهدته أجزاء متفرقة من هاتين الحلقتين دون أن يسرد مضمون ما شاهده، وكان ما أورده الخبير في تقريره الأخير بإسباغ الحماية القانونية على المصنف لكونه يحمل اسم المطعون ضده الأول كمؤلف للكتاب ولم ينازعه أحد في هذه الصفة طوال سنوات النشر منذ عام 1996 وإيداعه لدى الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق المصرية لا يفيد بذاته ومجرده أنه ينطوي على عمل مبتكر يستأهل الحماية المقررة للمصنف لخلو قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 من ترتيب ذلك الأثر، فإن الحكم المطعون فيه إذ عول على تقريري الخبير وجعل منهما عمادا لقضائه وأحال في بيان أسبابه إليهما، وكانت أسبابهما لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهيا إليها، وإذ لم يورد الحكم المطعون فيه أسبابا تكفي لحمل ما انتهى إليه، مما يجعله وكأنه خال من التسبيب ويعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون، فيكون قد ران عليه القصور الذي جره إلى مخالفة القانون.

13 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها وتقدير مدى توافر عناصر الابتكار في المصنف حتى يتمتع مؤلفه بالحماية القانونية، وكان الثابت في الأوراق أنه قد سبق تناول قصة اعتناق "......" للدين الإسلامي من خلال المقالات المنشورة في المجلات المتخصصة والمقدم صورها من المدعى عليه - الطاعن - بملف الدعوى باعتباره حدثا تاريخيا في الهند واهتم به العالم، وكان البين من مطالعة كتاب المدعي - المطعون ضده الأول - المعنون "......" أنه تناول في الصفحات من رقم 171 حتى 175 - مثار النزاع - قصة إسلام "......" عبر سرد تاريخي لنشأته وبيان ديانته والطبقة التي ينتهي إليها في الهند ودوافعه لاعتناق الديانة الإسلامية ووصف المشهد الذي أعلن فيه إسلامه نقلا عن مجلة الإسلام المصرية المنشور في العدد رقم (15) بتاريخ يوليو سنة 1936 - وفقا لما أورده المدعي بكتابه - وهو ما يعد ترديدا لذات الأفكار التي سبق نشرها وخلت من خلق ذهني جديد أو إضافة فكرة تختلف عما تم نشره من قبل، بما يتخلف معه عنصر الابتكار عن مصنف المدعي وهو مناط الحماية المقررة بقانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002.

----------------

الوقائع

وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعن الدعوى رقم ... لسنة 3 ق استئناف القاهرة الاقتصادية بطلب الحكم بإيقاف إذاعة الحلقات المنتهكة من كتابه بأي محطة أرضية أو فضائية وإلزامه بأن يؤدي إليه تعويضا ماديا وأدبيا قدره 500000 جنيه نظير ما ارتكبه في حقه من انتهاك لحق الملكية الفكرية، وقال بيانا لذلك إن الطاعن قام باستغلال كتابه المسمى "........" من خلال برنامج تلفزيوني من إعداده وتقديمه تم بثه على قناة ....... بنفس عنوان الكتاب وبذات مضمونه دون إذن منه أو الإشارة إلى أنه مؤلفه، متناولا في الحلقتين الثانية والثالثة من البرنامج قصة ........ التي تضمنتها الصفحات من رقم 171 حتى 175 لمؤلفه، وهو ما يعد اعتداء على حقوقه الفكرية أضر به ومن ثم أقام دعواه، تدخل المطعون ضده الثاني بصفته في الدعوى انضماميا إلى المطعون ضده الأول في طلباته، وجه الطاعن طلبا عارضا بإلزام المطعون ضده الأول بأن يؤدي له مبلغ 500000 جنيه تعويضا عما لحقه من أضرار مادية وأدبية لإساءة استعماله حق التقاضي والتشهير به والإساءة لسمعته واعتباره، ندبت المحكمة خبيرا في الدعوى وبعد إيداع تقريره النهائي قضت بتاريخ 25 من ديسمبر سنة 2014 بمنع بث حلقات البرنامج المأخوذ من كتاب المطعون ضده الأول "......." في كافة المحطات الأرضية والفضائية وألزمت الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضده الأول مبلغ 250000 جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابته. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على دائرة فحص الطعون أصدرت قرارها بأنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول أن الخبير المنتدب في الدعوى خالف نطاق المأمورية المنوطة به، إذ لم يقم بتفريغ محتوى الأقراص المدمجة المتضمنة تسجيلا للحلقتين الثانية والثالثة من البرنامج الذي يعده الطاعن بمحاضر أعماله واكتفى بالإشارة إلى مشاهدته أجزاء متفرقة منها دون الإفصاح عن مضمونها، ولم يقم بنقل محتوى الصفحات من رقم 171 حتى 175 من كتاب المطعون ضده الأول ومقارنتها بالمشاهد الواردة في التسجيلات وبيان أوجه التشابه فيما بينهما وما تم نقله واقتباسه من هذه الصفحات، كما تجاوز الخبير حدود مهمته بأن تصدى إلى مسألة قانونية بإضفائه طابع الابتكار على المؤلف دون بيان الأسس التي ارتكن إليها وتحديد ما انطوى عليه المصنف من أوجه الابتكار في خصوص تلك الصفحات والتي تناولت حدثا تاريخيا لاعتناق "....." الإسلام وهو ما يخلو من الابتكار والإبداع، وإذ عول الحكم المطعون فيه في قضائه باعتبار أن مؤلف المطعون ضده الأول المعنون "......" ذو طابق ابتكاري ويتمتع بالحماية القانونية وتم الاعتداء عليه من جانب الطاعن استنادا إلى تقرير الخبير رغم ما شابه من عوار ودون فحص وتمحيص معنى الابتكار والإبداع وفقا لما جاء بقانون حماية الملكية الفكرية، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك بأن النص في المادة 138 من القانون رقم 82 لسنة 2002 بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية وضع تعريفا للمصنف بأنه "كل عمل مبتكر أدبي أو فني أو علمي أيا كان نوعه أو طريقة التعبير عنه أو أهميته أو الغرض من تصنيفه" كما عرف الابتكار بأنه "الطابع الإبداعي الذي يسبغ الأصالة على المصنف" ثم عرف المؤلف بأنه "الشخص الذي يبتكر المصنف، ويعد مؤلفا للمصنف من يذكر اسمه عليه أو ينسب إليه عند نشره باعتباره مؤلفا له ما لم يقم الدليل على غير ذلك ..." وأن النص في المادة 140 من ذات القانون على أن "تتمتع بحماية هذا القانون حقوق المؤلفين على مصنفاتهم الأدبية والفنية، وبوجه خاص المصنفات الآتية: 1- الكتاب، والكتيبات، والمقالات والنشرات وغيرها من المصنفات المكتوبة ...." ومفاد ذلك، أن المشرع وفقا لقانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 - المنطبق على واقعة الدعوى - ومن قبله القانون رقم 354 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 بشأن حماية حق المؤلف، أسبغ الحماية الواردة بهما على مؤلفي المصنفات أيا كان نوعها أو طريقة التعبير عنها أو أهميتها أو الغرض منها، بشرط أن يكون هذا المصنف قد انطوى على شيء من الابتكار بحيث يبين منه أن المؤلف أضفى عليه شيئا من شخصيته، وأن يتم إفراغه في صورة مادية يبرز فيها إلى الوجود ويكون معدا للنشر، وبغير ذلك فلا يرقى إلى مرتبة المصنف الجدير بالحماية. وبذلك فإن جوهر حقوق الملكية الفكرية أنها ثمرة الابتكار ونتاج الإبداع في شتى مناحي النشاط الإنساني، وكلاهما - الإبداع والابتكار - يعدان نمطا من أنماط التفكير ومستوى متقدم في سلم القدرات الذهنية للإنسان يتميز به عن غيره ويتسم بالخروج عن المألوف، فدلالة الإبداع في اللغة تعني إحداث شيء جديد على غير مثال سابق وهو ما اصطلح عليه بأنه إيجاد شيء غير مسبوق بالعدم، وهو أعلى مرتبة من التكوين والإحداث وكلاهما يقابل الإبداع من وجه وهما مترتبان عليه، فالإبداع مزيج من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا ما وجدت في بيئة مناسبة يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية لتؤدي إلى نتاجات أصيلة وجديدة على مستوى الاختراعات الإبداعية في ميادين الحياة الإنسانية، ويندرج فيه كل من الاختراع والإبداع الأدبي أو الفني، والتفكير الإبداعي هو العملية الذهنية التي نستخدمها للوصول إلى الأفكار والرؤى الجديدة أو التي تؤدي إلى الدمج والتأليف بين الأفكار، أو الأشياء التي تعتبر سابقا أنها غير مترابطة، فالتفكير الإبداعي يصف العمليات وأسلوب التفكير الذي أنتج هذا الإبداع، ويعبر التفكير الإبداعي عن نفسه في صورة إنتاج شيء جديد أو الخروج عن المألوف أو ميلاد شيء جديد سواء كان فكرة أم اكتشافا أم اختراعا، وتبرز أهمية الإبداع في أنه يمثل إطلاقا لطاقات الخلق والاجتهاد دون قيد على العقل إلى الحد الذي ينال فيه المجتهد أجرا حتى لو أخطأ، بشرط الالتزام بإطار أخلاقي وإنساني لا يحكمه الهوى، وإنما يحكمه الضمير، لكي يكون ملائما وهادفا إلى دعم القيم الإنسانية، وأن الدلالة الاصطلاحية لابتكار الشيء في اللغة هو الاستيلاء على باكورته، بمعنى أن يكون وليد أفكار المرء بالمبادرة إليه وإدراك أوله متسما بالحداثة والإبداع وبطابعه الشخصي، ويقصد بالابتكار - في نطاق الحماية القانونية لحق المؤلف - الطابع الشخصي الذي يعطيه المؤلف لمصنفه، الذي يسمح بتمييز المصنف عن سواه من المصنفات التي تنتمي إلى ذات النوع، حيث تبرز شخصية المؤلف إما في مقومات الفكرة التي عرضها أو في الطريقة التي اتخذها لعرض الفكرة، فالجوهري في الأمر هو تميز الإنتاج الذهني بطابع معين يبرز شخصية صاحبه سواء في جوهر الفكرة المعروضة أو في مجرد طريقة العرض أو التعبير أو الترتيب أو التبويب أو الأسلوب، والابتكار إما أن يكون مطلقا وإما أن يكون نسبيا، فيكون مطلقا إذا لم يكن المصنف يستند إلى إنتاج سابق، ويكون نسبيا إذا ما كان المصنف يقتبس عناصر شكلية لإنتاج سابق، ولكن في كلتا الحالتين لا بد من خلق ذهني جديد في جملته لكي يكون شرط الابتكار متوافرا، ليتقرر حق المؤلف على مصنفه أو ليتمتع بالحماية أو ليستحق صاحبه الاعتراف بملكيته الفكرية وما يترتب عليها من حقوق، ويكفي في ذلك أن يضيف المؤلف إلى فكرة سابقة ما يجعل للفكرة طابعا جديدا تختلف به عما كانت عليه من قبل فإذا ما اتضح أن ما تحققه الفكرة لا يعدو أن يكون تطورا عاديا وطبيعيا للقدر القائم أو مألوفا لأهل الاختصاص فإنه عندئذ يتخلف عنصر الابتكار. لما كان ذلك، وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - إنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة استخلاص عناصر الابتكار في المصنف حتى يتمتع مؤلفه بالحماية القانونية إلا أنه يتعين عليها أن تفصح عن مصادر الأدلة التي كونت منها عقيدتها وفحواها وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق مؤدية إلى النتيجة التي انتهت إليها حتى يتأتى لمحكمة النقض أن تعمل رقابتها على سداد الحكم، وأن أخذها بتقرير الخبير مشروط بأن تبين المحكمة كيف أفاد التقرير معنى ما استخلصته منه، وكان ندب خبير في الدعوى هو مجرد وسيلة إثبات يقصد بها التحقق من واقع معين يحتاج الكشف عنه إلى معلومات فنية خاصة ولا شأن له بالفصل في نزاع قانوني فهذا من صميم واجب القاضي لا يجوز له التخلي عنه لغيره. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد جرى في قضائه على اعتبار أن المصنف الخاص بالمطعون ضده الأول المعنون "......" ذو طابع ابتكاري وإبداعي ويتمتع بالحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية وأنه وقع اعتداء على هذا المصنف من جانب الطاعن من خلال البرنامج الذي قام بإعداده اقتباسا من كتاب المطعون ضده الأول دون موافقته، أخذا بما خلص إليه تقريري الخبير المقدمين في الدعوى، ورتب على ذلك قضاءه بمنع بث حلقتي برنامج الطاعن مثار النزاع وإلزامه بالتعويض المقضي به، وإذ كان الخبير لم يفصح في أسباب تقريريه عن سنده فيما استخلصه من نتيجة ولم يبين الأساس والمصدر الذي استقى منه رأيه في إضفاء طابع الابتكار والإبداع على المصنف وإسباغ الحماية عليه وهي مسألة قانونية تصدى إليها الخبير دون أن يقوم بتفريغ محتوى الحلقتين الثانية والثالثة من برنامج الطاعن في تقريره ومقارنته بما تضمنته الصفحات من رقم 171 حتى 175 - مثار النزاع - من كتاب المطعون ضده الأول وبيان أوجه التشابه والنقل والاقتباس فيما بينهما، حتى تكون تحت بصر المحكمة صاحبة السلطة في تقدير ما إذا كان المصنف مبتكرا أو غير مبتكر، مكتفيا بالإشارة إلى مشاهدته أجزاء متفرقة من هاتين الحلقتين دون أن يسرد مضمون ما شاهده، وكان ما أورده الخبير في تقريره الأخير بإسباغ الحماية القانونية على المصنف لكونه يحمل اسم المطعون ضده الأول كمؤلف للكتاب ولم ينازعه أحد في هذه الصفة طوال سنوات النشر منذ عام 1996 وإيداعه لدى الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق المصرية لا يفيد بذاته ومجرده أنه ينطوي على عمل مبتكر يستأهل الحماية المقررة للمصنف لخلو قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 من ترتيب ذلك الأثر، فإن الحكم المطعون فيه إذ عول على تقريري الخبير وجعل منهما عمادا لقضائه وأحال في بيان أسبابه إليهما، وكانت أسبابهما لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهيا إليها، وإذ لم يورد الحكم المطعون فيه أسبابا تكفي لحمل ما انتهى إليه، مما يجعله وكأنه خال من التسبيب ويعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون، فيكون قد ران عليه القصور الذي جره إلى مخالفة القانون مما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إنه إعمالا للمادة الثانية عشرة من قانون المحاكم الاقتصادية، فإنه يتعين التصدي لموضوع الدعوى.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، وكان المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها وتقدير مدى توافر عناصر الابتكار في المصنف متى يتمتع مؤلفه بالحماية القانونية، وكان الثابت في الأوراق أنه قد سبق تناول قصة اعتناق "......" للدين الإسلامي من خلال المقالات المنشورة في المجلات المتخصصة والمقدم صورها من المدعى عليه - الطاعن - بملف الدعوى باعتباره حدثا تاريخيا في الهند واهتم به العالم، وكان البين من مطالعة كتاب المدعي - المطعون ضده الأول - المعنون "......" أنه تناول في الصفحات من رقم 171 حتى 175 - مثار النزاع - قصة إسلام "......" عبر سرد تاريخي لنشأته وبيان ديانته والطبقة التي ينتهي إليها في الهند ودوافعه لاعتناق الديانة الإسلامية ووصف المشهد الذي أعلن فيه إسلامه نقلا عن مجلة الإسلام المصرية المنشور في العدد رقم (15) بتاريخ يوليو سنة 1936 - وفقا لما أورده المدعي بكتابه - وهو ما يعد ترديدا لذات الأفكار التي سبق نشرها وخلت من خلق ذهني جديد أو إضافة فكرة تختلف عما تم نشره من قبل، بما يتخلف معه عنصر الابتكار عن مصنف المدعي وهو مناط الحماية المقررة بقانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، ومن ثم تقضي المحكمة برفض الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق