الصفحات

الاثنين، 4 يوليو 2022

القضية 3 لسنة 26 ق جلسة 7 / 3 / 2004 دستورية عليا مكتب فني 11 ج 2 تفسير ق 2 ص 3227

جلسة 7 مارس سنة 2004

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حمدي محمد علي ومحمد علي سيف الدين وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي وإلهام نجيب نوار ومحمد عبد العزيز الشناوي،

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (2)
الطلب رقم 3 لسنة 26 قضائية "تفسير"

(1) تفسير تشريعي. "شروطه".
استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن اختصاصها بتفسير النصوص القانونية مشروط بأمرين: (أولهما) أن يكون للنص التشريعي المطلوب تفسيره أهمية جوهرية - لا ثانوية أو عرضية - تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها، ووزن المصالح المرتبطة بها، و(ثانيهما) أن يكون هذا النص - فوق أهميته - قد آثار عند تطبيقه خلافاً حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه، بما يفضي عملاً إلى الإخلال بوحدة القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم؛ والمتماثلة مراكزهم القانونية إزاءها؛ ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم في مجال تطبيقها؛ الأمر الذي يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوئه ما قصده المشرع منها عند إقرارها ضماناً لتطبيقها تطبيقاً متكافئاً بين المخاطبين بها.
(2) تفسير تشريعي "شموله للقرارات بقوانين - عدم انطوائه على الفصل في الدستورية - استظهار قصد المشرع والغاية من النص المطلوب تفسيره - الاستهداء بالتطور التشريعي والأعمال التحضيرية".
اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالنسبة لتفسير النصوص التشريعية لا يجوز أن ينزلق إلى الفصل في دستوريتها. سلطة تفسير النصوص التشريعية بمعناها الشامل لقرارات رئيس الجمهورية بقوانين تفسيراً تشريعياً ملزماً يكون كاشفاً عن إرادة المشرع التي صاغ على ضوئها هذه النصوص محدداً مضمونها لتوضيح ما أبهم من ألفاظها، مزيلاً ما يعتريها من تناقض قد يبدو من الظاهر بينها، مستصفياً إرادة المشرع تحرياً لمقاصده منها، ووقوفاً عند الغاية التي استهدفها من تقريره إياها بلا زيادة أو ابتسار.
(3) تفسير تشريعي - انتخابات - المقصود من عبارة "أعضاء من هيئة قضائية".
إن تحديد المقصود بعبارة "أعضاء الهيئات القضائية" في تطبيق أحكام الفقرة الثانية من المادة (24) من القانون المذكور لا يمكن أن يأتي بمعزل عن تحديد قصد الدستور من عبارة "أعضاء من هيئة قضائية" الواردة بالمادة (88) منه.

-----------------
1 - المادة (175) من الدستور تنص على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتتولى تفسير النصوص القانونية وذلك كله على الوجه المبين في القانون". وإعمالاً لهذا التفويض نصت المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية؛ والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية، وذلك إذا أثارت خلافاً في التطبيق، وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها"، وفي ضوء هذين الحكمين استقر قضاء هذه المحكمة على أن اختصاصها بتفسير النصوص القانونية مشروط بأمرين: (أولهما) أن يكون للنص التشريعي المطلوب تفسيره أهمية جوهرية - لا ثانوية أو عرضية - تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها، ووزن المصالح المرتبطة بها، و(ثانيهما) أن يكون هذا النص - فوق أهميته - قد آثار عند تطبيقه خلافاً حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه، بما يفضي عملاً إلى الإخلال بوحدة القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم؛ والمتماثلة مراكزهم القانونية إزاءها؛ ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم في مجال تطبيقها؛ الأمر الذي يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوئه ما قصده المشرع منها عند إقرارها ضماناً لتطبيقها تطبيقاً متكافئاً بين المخاطبين بها.
2 - إن اختصاص هذه المحكمة بالنسبة لتفسير النصوص التشريعية لا يجوز أن ينزلق إلى الفصل في دستوريتها، ذلك أن المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا لا تخولها سوى استقصاء إرادة المشرع من خلال استخلاصها دون تقييم لها، وعلى أساس أن النصوص التشريعية إنما ترد دوماً إلى هذه الإرادة وتحمل عليها حملاً، سواء كان المشرع حين صاغها مجانباً الحق أو منصفاً، وسواء كان مضمونها ملتئماً مع أحكام الدستور أم كان منافياً لها، ولا يتصور بالتالي أن يكون طلب تفسير النصوص المذكور تفسيراً تشريعياً متضمناً أو مستنهضاً الفصل في دستوريتها لتقرير صحتها أو بطلانها على ضوء أحكام الدستور.
إن قرارات التفسير الصادرة من هذه المحكمة قد تواترت على أنها قد خولت سلطة تفسير النصوص التشريعية بمعناها الشامل لقرارات رئيس الجمهورية بقوانين تفسيراً تشريعياً ملزماً يكون كاشفاً عن إرادة المشرع التي صاغ على ضوئها هذه النصوص محدداً مضمونها لتوضيح ما أبهم من ألفاظها، مزيلاً ما يعتريها من تناقض قد يبدو من الظاهر بينها، مستصفياً إرادة المشرع تحرياً لمقاصده منها، ووقوفاً عند الغاية التي استهدفها من تقريره إياها بلا زيادة أو ابتسار، وتستعين المحكمة في سبيل ذلك بالتطور التشريعي للنص المطلوب تفسيره وبأعماله التحضيرية الممهدة له.
3 - تحديد المقصود بعبارة "أعضاء الهيئات القضائية" في تطبيق أحكام الفقرة الثانية من المادة (24) من القانون المذكور لا يمكن أن يأتي بمعزل عن تحديد قصد الدستور من عبارة "أعضاء من هيئة قضائية" الواردة بالمادة (88) منه، وهو ما يمكن استخلاصه مما ورد معلقاً بهذه الهيئات بأحكام الفصل الرابع من الباب الخامس من الدستور، ومن الأعمال التحضيرية له، حيث يبين أن الدستور بعد أن قرر أن السلطة القضائية مستقلة وتتولها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها أشار إلى الهيئات القضائية في ثلاثة مواضع على النحو التالي:
الأول: - وقصد به تمييز بعض جهات القضاء عن جهة القضاء العادي التي تضم المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وهو ما ورد بالمادة 172 من أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، وما ورد بالمادة 174 من أن المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها في جمهورية مصر العربية، ومقرها مدينة القاهرة.
الثاني: - وبمقتضاه فوض الدستور القانون في تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها وشروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم (المادة 167).
الثالث: - ويقضي بوجود مجلس أعلى يقوم على شئون الهيئات يرأسه رئيس الجمهورية على أن يبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه وأن يؤخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم شئون الهيئات القضائية (مادة 173).
ويبين مما سلف أن الدستور لما يتناول بالحصر والتحديد كل ما يعتبر هيئة قضائية وإنما خول القانون هذا التحديد، يؤيد ذلك ما ورد بمحاضر اجتماع اللجنة التحضيرية للدستور بشأن الضمانات الدستورية للقضاة وتحديد المقصود بالهيئات القضائية، إذ ظهر اتجاه إلى تحديدها في الدستور بمسمياتها: القضاء العادي والنيابة العامة ومجلس الدولة وإدارة قضايا الحكومة، والنيابة الإدارية، بيد أنه عدل عن هذا الاتجاه تقديراً بأن العرف لم يجر به، بحسبانه من الأمور المتروكة للتشريع العادي كما يبين أن الدستور قنن قيام المجلس الأعلى للهيئات القضائية - دستورياً - والذي كان قائماً قبل صدور الدستور وذلك بموجب قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 82 لسنة 1969 ومن بين أعضائه رئيس المحكمة الدستورية العليا، رئيس محكمة النقض، رئيس مجلس الدولة، رئيس هيئة قضائية الدولة ورئيس هيئة النيابة الإدارية.


الإجراءات

بتاريخ التاسع والعشرين من يناير سنة 2004 ورد إلى المحكمة كتاب السيد المستشار وزير العدل الرقيم 159 بطلب تفسير الفقرة الثانية من المادة (24) من القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 167 لسنة 2000 وذلك بناء على طلب السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء طلب بكتابه المؤرخ 29/ 1/ 2004 تفسير الفقرة الثانية من المادة (24) من القانون رقم 73 لسنة 1956، فيما نصت عليه من أن "ويعين كل من رؤساء اللجان العامة واللجان الفرعية من أعضاء الهيئات القضائية..." وذلك تأسيساً على أن هذا النص قد أثار خلافاً في تطبيقه، فقد قررت محكمة النقض في طعون مجلس الشعب أرقام 957 و797 و222 و234 و223 لسنة 2000 أن هيئة قضايا الدولة، وهيئة النيابة الإدارية هيئتان قضائيتان في مفهومه، وسايرت الاتجاه ذاته محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر بجلسة 17/ 10/ 2000 في الدعوى رقم 85 لسنة 55 قضائية، بيد أن محكمة النقض عادت واتخذت منحى مغايراً بما قررته في الطعنين الرقيمين 949 و959 لسنة 2000 حاصله أن الهيئتين عينهما ليستا من الهيئات القضائية التي عنتها المادة (88) من الدستور، وإنما فرعان من فروع جهات الإدارة التابعة للسلطة التنفيذية، ممثلة في وزارة العدل، وخلصت ترتيباً على هذا النظر إلى بطلان إجراءات الانتخابات التي تمت تحت إشراف أعضاء من هاتين الهيئتين.
وأضاف طلب التفسير أن توحيد تفسير ذلك النص له أهمية بالغة لتعلقه بالشروط الواجب توافرها في أعضاء اللجان التي تشرف على عملية الاقتراع، ووجوب صحته باعتباره المدخل الطبيعي لصحة العضوية في مجلسي الشعب والشورى.
وإزاء أهمية توحيد التفسير في هذه المسألة، لتعلقها بممارسة واحد من الحقوق الدستورية الأساسية، وتنظيم مباشرتها، فقد طلب عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا لإصدار تفسير للنص سالف الذكر عملاً بما تنص عليه المادتان (26) و(33) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إن المادة (175) من الدستور تنص على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتتولى تفسير النصوص القانونية وذلك كله على الوجه المبين في القانون". وإعمالاً لهذا التفويض نصت المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية؛ والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية، وذلك إذا أثارت خلافاً في التطبيق، وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها"، وفي ضوء هذين الحكمين استقر قضاء هذه المحكمة على أن اختصاصها بتفسير النصوص القانونية مشروط بأمرين: (أولهما) أن يكون للنص التشريعي المطلوب تفسيره أهمية جوهرية - لا ثانوية أو عرضية - تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها، ووزن المصالح المرتبطة بها، و(ثانيهما) أن يكون هذا النص - فوق أهميته - قد آثار عند تطبيقه خلافاً حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه، بما يفضي عملاً إلى الإخلال بوحدة القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم؛ والمتماثلة مراكزهم القانونية إزاءها؛ ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم في مجال تطبيقها؛ الأمر الذي يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوئه ما قصده المشرع منها عند إقرارها ضماناً لتطبيقها تطبيقاً متكافئاً بين المخاطبين بها.
وحيث إن الشرطين الذين تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير قد توافرا بالنسبة لنص الفقرة الثانية من المادة (24) من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية المشار إليها؛ وذلك لما وقع في شأنها من خلاف في التطبيق بين دوائر محكمة النقض بعضها البعض؛ من جهة، ومحكمة القضاء الإداري من جهة أخرى، فتضاربت قراراتها وقضاؤها بشأن صحة الاقتراع في اللجان التي جرى الاقتراع فيها برئاسة أعضاء من هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية؛ كما لا جرم في أهمية هذا النص؛ تقديراً بوروده في أحد القوانين المكملة للدستور، وتعلقه بممارسة حقين دستوريين أساسيين يتبادلان التأثير فيما بينهما وهما حق الترشيح والانتخاب، ومن ثم، كان الطلب مقبولاً.
وحيث إنه غنى عن البيان أن اختصاص هذه المحكمة بالنسبة لتفسير النصوص التشريعية لا يجوز أن ينزلق إلى الفصل في دستوريتها، ذلك أن المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا لا تخولها سوى استقصاء إرادة المشرع من خلال استخلاصها دون تقييم لها، وعلى أساس أن النصوص التشريعية إنما ترد دوماً إلى هذه الإرادة وتحمل عليها حملاً، سواء كان المشرع حين صاغها مجانباً الحق أو منصفاً، وسواء كان مضمونها ملتئماً مع أحكام الدستور أم كان منافياً لها، ولا يتصور بالتالي أن يكون طلب تفسير النصوص المذكور تفسيراً تشريعياً متضمناً أو مستنهضاً الفصل في دستوريتها لتقرير صحتها أو بطلانها على ضوء أحكام الدستور.
وحيث إن قرارات التفسير الصادرة من هذه المحكمة قد تواترت على أنها قد خولت سلطة تفسير النصوص التشريعية بمعناها الشامل لقرارات رئيس الجمهورية بقوانين تفسيراً تشريعياً ملزماً يكون كاشفاً عن إرادة المشرع التي صاغ على ضوئها هذه النصوص محدداً مضمونها لتوضيح ما أبهم من ألفاظها، مزيلاً ما يعتريها من تناقض قد يبدو من الظاهر بينها، مستصفياً إرادة المشرع تحرياً لمقاصده منها، ووقوفاً عند الغاية التي استهدفها من تقريره إياها بلا زيادة أو ابتسار، وتستعين المحكمة في سبيل ذلك بالتطور التشريعي للنص المطلوب تفسيره وبأعماله التحضيرية الممهدة له.
وحيث إنه باستعراض التطور التشريعي للنص محل طلب التفسير الماثل يبين أن المشرع نظم عملية انتخاب أعضاء المجالس النيابية أولاً بموجب قانون الانتخاب الصادر بالمرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1935 متضمناً في المادة (34) منه معدلة بالقانون رقم 11 لسنة 1943 النص على أن تناط إدارة الانتخاب في كل دائرة عامة أو فرعية بلجنة تؤلف من قاض أو عضو نيابة أو أحد موظفي الحكومة يعينه وزير العدل وتكون له الرياسة ومن مندوب من قبل وزارة الداخلية ومن ناخبين لا يقل عددهم عن ثلاثة يختارون من غير المرشحين.
وبعد صدور دستور سنة 1956 أصدر المشرع القانون رقم 72 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية، ونص في المادة (24) منه على أن "يعين عدد اللجان العامة والفرعية التي تجرى فيها عملية الانتخاب أو الاستفتاء وكذلك مقارها بقرار من وزير الداخلية.
وتشكل كل من هذه اللجان من رئيس وسكرتير وثلاثة أعضاء على الأقل بحيث يكون العدد فردياً ويكون تعيين الرئيس من بين القضاة أو أعضاء النيابة أو أعضاء مجلس الدولة أو الموظفين الفنيين بإدارة قضايا الدولة أو النيابة الإدارة أو من بين الموظفين العموميين الذين لا تقل درجتهم عن السادسة أو ما يعادلها،....".
وإيضاحاً لحكم هذا النص أبانت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور أنه ضماناً للحيدة التامة قُضى بأن يكون تعيين الرئيس من بين القضاة أو أعضاء النيابة أو أعضاء مجلس الدولة أو إدارة قضايا الحكومة أو النيابة الإدارية أو من بين الموظفين العموميين الذين لا تقل درجتهم عن السادسة أو ما يعادلها.
وإثر صدور الدستور الحالي سنة 1971 متضمناً في المادة (88) منه النص على أن: "يحدد القانون الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الشعب وبين أحكام الانتخاب والاستفتاء، على أن يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية" فقد تدخل المشرع بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 ومن بينها حكم المادة (24) وذلك بموجب القانون رقم 23 لسنة 1972 حيث استعاض المشرع عن تعداد الأشخاص الذين يناط بهم رئاسة لجان الانتخاب باستخدام المصطلح الوارد بالمادة (88) من الدستور فنص في الفقرة الثانية من المادة المذكورة على أن "ويعين رؤساء اللجان العامة من بين أعضاء الهيئات القضائية، ويعين رؤساء اللجان الفرعية من بين العاملين في الدولة أو القطاع العام من المستوى الثاني على الأقل، ويختارون بقدر الإمكان من بين أعضاء الهيئات القضائية أو الإدارات القانونية بأجهزة الدولة أو القطاع العام".
وقد اكتفت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون (رقم 23 لسنة 1972) بالإشارة إلى أن هذا التعديل يأتي بناء على ما ورد بالمادة (88) من الدستور، وأنه كان من الممكن أن يعين رؤساء اللجان العامة من الموظفين العموميين الذين لا تقل درجاتهم عن السادسة أو ما يعادلها إلا أن المشرع (مشروع القانون) أوجب دائماً أن يكون رؤساء اللجان العامة من بين أعضاء الهيئات القضائية، كما أشار المشرع إلى أن يكون رؤساء اللجان الفرعية من بين العاملين في الدولة أو القطاع العام من المستوى الثاني على الأقل على أن يختاروا بقدر الإمكان من بين أعضاء الهيئات القضائية....
وحيث إنه يبين من الأعمال التحضيرية للقانون المذكور، أنه صدر بناء على اقتراح من أحد أعضاء مجلس الشعب يقضي باستبدال بعض مواد القانون رقم 73 لسنة 1956 من بينها المادة (24)، وقد أبديت بعض الملاحظات عليها لم يرد من بينها أي تعليق على ما تضمنته فقرتها الثانية من تعديل يقضي بإسناد رئاسة لجان الانتخاب لأعضاء الهيئات القضائية.
ورغم إدخال المشرع عدة تعديلات على حكم الفقرة المذكورة بموجب القوانين أرقام 46 لسنة 1984، 202 لسنة 1990، 13 لسنة 2000 وأخيراً القانونين رقمي 167 لسنة 2000 و1 لسنة 2002 اللذين ناطا رئاسة اللجان العامة والفرعية بأعضاء من الهيئات القضائية، فقد تمسك المشرع باستخدام مصطلح "الهيئات القضائية" على أن تتولى كله هيئة قضائية - بموجب حكم الفقرة الثالثة من ذات المادة - تحديد أعضائها الذين توافق على اختيارهم للإشراف على عملية الاقتراع. ويبدو جلياً أن تمسك المشرع بالمصطلح المذكور يأتي التزاماً منه بحكم المادة (88) من الدستور باعتبار أن الأحكام الواردة بالمادة (24) التي تحوي الفقرة محل طلب التفسير وغيرها من أحكام القانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية تقررت تنفيذاً لم استلزمته مادة الدستور من أن يبين القانون أحكام الانتخاب والاستفتاء، على أن يتم تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم فإن تحديد المقصود بعبارة "أعضاء الهيئات القضائية" في تطبيق أحكام الفقرة الثانية من المادة (24) من القانون المذكور لا يمكن أن يأتي بمعزل عن تحديد قصد الدستور من عبارة "أعضاء من هيئة قضائية" الواردة بالمادة (88) منه، وهو ما يمكن استخلاصه مما ورد معلقاً بهذه الهيئات بأحكام الفصل الرابع من الباب الخامس من الدستور، ومن الأعمال التحضيرية له، حيث يبين أن الدستور بعد أن قرر أن السلطة القضائية مستقلة وتتولها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها أشار إلى الهيئات القضائية في ثلاثة مواضع على النحو التالي:
الأول: - وقصد به تمييز بعض جهات القضاء عن جهة القضاء العادي التي تضم المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وهو ما ورد بالمادة 172 من أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، وما ورد بالمادة 174 من أن المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها في جمهورية مصر العربية، ومقرها مدينة القاهرة.
الثاني: - وبمقتضاه فوض الدستور القانون في تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها وشروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم (المادة 167).
الثالث: - ويقضي بوجود مجلس أعلى يقوم على شئون الهيئات يرأسه رئيس الجمهورية على أن يبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه وأن يؤخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم شئون الهيئات القضائية (مادة 173).
ويبين مما سلف أن الدستور لما يتناول بالحصر والتحديد كل ما يعتبر هيئة قضائية وإنما خول القانون هذا التحديد، يؤيد ذلك ما ورد بمحاضر اجتماع اللجنة التحضيرية للدستور (لجنة نظام الحكم - الاجتماع الثالث عشر بتاريخ 27/ 6/ 1971 والاجتماع الرابع عشر في 28/ 6/ 1971) بشأن الضمانات الدستورية للقضاة وتحديد المقصود بالهيئات القضائية، إذ ظهر اتجاه إلى تحديدها في الدستور بمسمياتها: القضاء العادي والنيابة العامة ومجلس الدولة وإدارة قضايا الحكومة، والنيابة الإدارية، بيد أنه عدل عن هذا الاتجاه تقديراً بأن العرف لم يجر به، بحسبانه من الأمور المتروكة للتشريع العادي كما يبين أن الدستور قنن قيام المجلس الأعلى للهيئات القضائية - دستورياً - والذي كان قائماً قبل صدور الدستور وذلك بموجب قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 82 لسنة 1969 ومن بين أعضائه رئيس المحكمة الدستورية العليا، رئيس محكمة النقض، رئيس مجلس الدولة، رئيس هيئة قضائية الدولة ورئيس هيئة النيابة الإدارية.
وتنفيذاً لتوجيهات الدستور في هذا المجال أصدر المشرع قوانين بإعادة تنظيم كل من السلطة القضائية والهيئات القضائية المختلفة على الترتيب التالي تاريخياً: -
- قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ويتناول بالتنظيم ترتيب المحاكم وتنظيمها، والنيابة العامة، وتحديد ولاية المحاكم وتنظيم جلساتها والأحكام الصادرة عنها والقواعد المتعلقة بتعيين القضاة وكافة شئونهم الوظيفية.
- قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 متضمناً النص في المادة (1) منه على أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة تلحق بوزير العدل.
- قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 مقرراً بالمادة (1) منه أن المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها في جمهورية مصر العربية.
- القانون رقم 10 لسنة 1986 بتعديل القانون رقم 75 لسنة 1963 في شأن تنظيم إدارة قضايا الحكومة متضمناً النص في المادة (1) على أن هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة تلحق بوزير العدل.
وبعد أن أشار تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن مشروع القانون المذكور إلى العبء الواقع على إدارة قضايا الحكومة، أضاف أنه لمواجهة هذا العبء وضمان الحيدة في أدائه على الوجه الأكمل كان من الواجب على الدولة أن تكفل لهذه الإرادة من الاستقلال ما كفلته لسائر الهيئات القضائية الأخرى وأن توفر لأعضائها الضمانات اللازمة التي تمكنهم من أداء عملهم باطمئنان ومن ثم رؤى استبدال عبارة "هيئة قضايا الدولة" بعبارة "إدارة قضايا الحكومة" ونص المشروع على أن هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة تلحق بوزير العدل وأن هذا الإلحاق لا يمس استقلال الهيئة ولا ينطوي على معنى التبعية، إنما قصد به تحديد المسئول عنها سياسياً.
- القانون رقم 12 لسنة 1989 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، مادة (1) "النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة تلحق بوزير العدل".
وقد تضمن تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن مشروع القانون المذكور أنه لمواجهة ما يقع على النيابة الإدارية من أعباء، وضماناً للحيدة في أدائها للرسالة المنوطة بها على الوجه الأكمل كان من الواجب على الدولة أن تكفل للنيابة الإدارية الاستقلال كما كفلته لسائر الهيئات القضائية، وأن توفر لأعضائها الضمانات اللازمة التي تمكنهم من أداء عملهم بحيدة واطمئنان، وتأكيداً لاستقلال النيابة الإدارية حرص المشروع على النص بالمادة (1) على أنها هيئة قضائية مستقلة تلحق بوزير العدل.
وحيث إن المستخلص مما تقدم ما يلي: - (1) أن مصطلح "الهيئة القضائية" في النظام القانوني المصري إن هو إلا اسم جنس تندرج تحته عدة أنواع، منها جهات تمسك بزمام العدالة وتنفرد على وجه الاستقلال بالفصل في القضايا على أسس موضوعية ووفقاً لقواعد إجرائية تكون منصفة في ذاتها، بما يكفل الحماية الكاملة لحقوق من يلوذون بها، وأخصها المحكمة الدستورية العليا، ومحاكم جهتي القضاء العادي والإداري بمختلف درجاتها، ومنها جهات قائمة بذاتها، وهي وإن لم يعهد إلهيا المشرع باختصاص الفصل في القضايا إلا أنه أسبغ عليها صفة الهيئة القضائية تقديراً منها بأنها هيئات - بحكم الاختصاص المنوطة بها - تسهم في سير العدالة، وهي هيئتا قضايا الدولة والنيابة الإدارية.
(2) أن العبرة في اكتساب صفة "الهيئات القضائية" - لغير جهات القضاء التي تضم المحاكم على اختلاف مسمياتها ودرجاته - هي بوجه عام بالتشريع الذي يصدر - بناء على التفويض الوارد بالمادة 167 من الدستور - بإنشاء الهيئة وتنظيمها والذي يسبغ عليها هذه الصفة ويمنحها القدر اللازم من الاستقلال، وبانضمامها إلى تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية.

فلهذه الأسباب

وبعد الاطلاع على نص الفقرة الثانية من المادة (24) من القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 167 لسنة 2000.
قررت المحكمة:
أنه يقصد بعبارة "الهيئات القضائية" الواردة بنص الفقرة الثانية من المادة (24) من القانون رقم 73 لسنة 1956 المشار إليه كل هيئة يسبغ عليها الدستور أو القانون الصادر بإنشائها أو تنظيمها صفة "الهيئة القضائية" وتنضم بهذه الصفة إلى تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ويصدق ذلك على هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق