الصفحات

السبت، 4 يونيو 2022

الطعن 2011 لسنة 32 ق جلسة 17 / 12 / 1962 مكتب فني 13 ج 3 ق 204 ص 846

جلسة 17 من ديسمبر سنة 1962

برياسة السيد/ محمد متولى عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركى.

------------------

(204)
الطعن رقم 2011 لسنة 32 القضائية

(أ - هـ) شيك بدون رصيد. قانون "سريانه من حيث المكان". دفاع.
(أ) جريمة إعطاء شيك بدون رصيد. متى تتم؟ بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد، مع علمه بعدم وجود مقابل وفاء له قابل للسحب في تاريخ الاستحقاق. علة ذلك: الشيك أداء وفاء، وحين يطرح في التداول تنعطف عليه الحماية القانونية.
(ب) أين تقع جريمة إعطاء شيد بدون رصيد؟ في مكان إعطاء شيك إلى المستفيد، ولو كان البنك المسحوب عليه يقع في مكان آخر.
(ج) اختلاف التاريخ المثبت بالشيك عن التاريخ الحقيقي لإصداره. لا تؤثر في قيام الجريمة إذا كان الشيك لا يقابله رصيد، ما دام لا يحمل إلا تاريخا واحدا. علة ذلك: تأخير تاريخ الاستحقاق ليس من شأنه في هذه الحالة أن يغير من طبيعة الشيك ومن قابليته للتداول، واستحقاقه الدفع بمجرد الاطلاع.
إصدار شيك على هذا الوضع. تتكون معه جريمة المادة 337 عقوبات: ما دام الساحب يعلم بعدم وجود رصيد قائم له في التاريخ المثبت بالشيك. اندماج ميعاد الإصدار في ميعاد الاستحقاق، وانتقال ملكية مقابل الوفاء إلى المستفيد بمجرد تسليمه الشيك.
تقديم الشيك إلى البنك هو إجراء مادى يتجه إلى استيفاء مقابله، ولا شأن له في توافر أركان الجريمة. إفادة بعدم وجود رصيد: إجراء كاشف للجريمة التي تحققت بإصدار الشيك وإعطائه للمستفيد مع قيام القصد الجنائي، سواء كان هذا الإجراء معاصرا لوقوع الجريمة أو متراخيا عنها.
(د) إعطاء شيك في بلد أجنبي. مسحوبا على بنك في مصر. ثبوت أن الشيك لا يقابله رصيد. سريان أحكام القانون المصري على الساحب المصري ومعاقبته عن هذه الجريمة إذا عاد إلى مصر. شرط ذلك: أن يكون هذا الفعل معاقبا عليه في قانون البلد الذى ارتكب فيه. المادة 3 عقوبات.
(هـ) التمسك بسريان تشريع أجنبي. هو مجرد واقعة تستدعى التدليل عليها. سريان قانون العقوبات المصري على واقعة تمت بالخارج. ذلك يستوجب أن يتحقق قاضى الموضوع من أن هذا الفعل معاقب عليه بمقتضى قانون البلد الذى ارتكب فيه.

-------------------
1 - من المقرر أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتم بمجرد إعطاء الشيك إلى المستفيد مع علمه بعدم وجود مقابل وفاء له قابل للسحب في تاريخ الاستحقاق، إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع على الشيك بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجرى مجرى النقود في المعاملات.
2 - إذا كان مما أورده الحكم المطعون فيه أن إصدار الشيكين موضوع الجريمة وتسليمهما إلى المستفيد قد تم في جدة، وقد عاصر ذلك علم الطاعن بعدم وجود رصيد له يغطى قيمة الشيكين في تاريخ السحب، فإن جريمة إصدار الشيك بدون رصيد تكون قد توافرت في حقه بكافة أركانها القانونية في مكان حصول الإعطاء للمستفيد وهو جدة، ولو كان البنك المسحوب عليه يقع في مصر.
3 - لا يغير من قيام جريمة إعطاء شيك بدون رصيد أن يكون تاريخ استحقاق الشيك مغايرا لتاريخ إصداره الحقيقي، طالما أنه لا يحمل إلا تاريخا واحدا، إذ أن تأخير تاريخ الاستحقاق ليس من شأنه في هذه الحالة أن يغير من طبيعة الشيك ومن قابليته للتداول واستحقاقه الدفع في تاريخ السحب بمجرد الاطلاع. فإصدار الشيك على هذا الوضع يكون الجريمة المنصوص عنها في المادة 337 عقوبات ما دام الساحب يعلم بعدم وجود رصيد قائم له في التاريخ المثبت بالشيك، وبذلك يندمج ميعاد الإصدار في ميعاد الاستحقاق وننتقل ملكية مقابل الوفاء إلى المستفيد بمجرد إصدار الشيك وتسليمه إليه. أما تقديم الشيك إلى البنك فلا شأن له في توافر أركان الجريمة، بل هو إجراء مادي يتجه إلى استيفاء مقابل الشيك، وما إفادة البنك بعدم وجود الرصيد إلا إجراء كاشف للجريمة التي تحققت بإصدار الشيك وإعطائه للمستفيد مع قيام القصد الجنائي، سواء عاصر هذا الإجراء وقوع الجريمة أو تراخى عنها.
4 - لما كان مؤدى نص المادة 3 من قانون العقوبات أن شرط عقاب الطاعن لدى عودته إلى مصر هو أن تكون جريمة إعطاء شيك بدون رصيد التي أقيمت عليه الدعوى الجنائية من أجلها والتي وقعت بالخارج "بجدة" معاقبا عليها طبقا لقانون المملكة العربية السعودية، وإذ ما كان الطاعن يجحد العقاب على هذا الفعل في تلك الدولة، فإنه من المتعين على قاضى الموضوع - وهو بصدد إنزال حكم القانون على الواقعة المطروحة عليه - أن يتحقق من أن الفعل معاقب عليه بمقتضى قانون البلد الذى ارتكب فيه.
5 - الأصل أن التمسك بتشريع أجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة تستدعى التدليل عليها، إلا أنه في خصوص سريان قانون العقوبات المصري خارج الإقليم المصري عملا بحكم المادة الثالثة من هذا القانون، فإنه يتعين على قاضي الموضوع - وهو بصدد إنزال حكم القانون على الواقعة المطروحة عليه - أن يتحقق من أن الفعل معاقب عليه بمقتضى قانون البلد الذى ارتكب فيه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 10 سبتمبر سنة 1957 بدائرة قسم الدرب الأحمر: أعطى بسوء نية شيكا ليوسف محمد الطويل لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب. وطلبت عقابه بالمادتين 336 و337 من قانون العقوبات. وقد ادعى يوسف محمد الطويل بحق مدنى قبل المتهم وطلب القضاء له بقرش واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح الدرب الأحمر الجزئية قضت غيابيا بتاريخ أول ديسمبر سنة 1958 عملا بمادتي الاتهام بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وكفالة 500 قرش لوقف التنفيذ بلا مصاريف. عارض المتهم. وفى أثناء نظر المعارضة دفع الحاضر مع المتهم بعدم قبول الدعوى الجنائية وعدم جواز محاكمته لأن الجريمة وقعت في جدة وهى غير معاقب عليها في المملكة العربية السعودية. وبتاريخ 9/ 5/ 1960 قضت المحكمة الجزئية بقبول المعارضة شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المعارض فيه والاكتفاء بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل وكفالة 200 قرش لوقف التنفيذ، وفى الدعوى المدنية بإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدني قرشا واحدا على سبيل التعويض المؤقت والزام المتهم المصاريف و100 قرش مقابل أتعاب المحاماة بلا مصاريف جنائية. وقد رفضت الدفع. استأنف المتهم الحكم الأخير. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بتاريخ 23/ 2/ 1961 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ أيد الحكم الابتدائي لأسبابه ودانه بجريمة إعطاء شيك بدون رصيد قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأنه دفع في مرحلتي المحاكمة بعدم جواز محاكمته استنادا إلى نص المادة الثالثة من قانون العقوبات لثبوت إصدار الشيك موضوع الجريمة في جدة بالمملكة العربية السعودية، وهو فعل غير معاقب عليها بها، ومن ثم فلا تجوز محاكمة الطاعن عنه في الجمهورية العربية المتحدة، وقد أطرح الحكم الابتدائي هذا الدفع بقوله إن تاريخ استحقاق الشيك قد تراخى عن تاريخ إصداره وأن العبرة في وقوع الجريمة هو بالوقت الذى يقرر البنك المسحوب عليه الشيك أن الساحب ليس له رصيد، وقد تم هذا في مصر، وساير الحكم المطعون فيه هذا النظر الخاطئ في حين أن الصحيح هو أن الجريمة تقع وتتم بمجرد خروج الشيك من يد الساحب دون اعتبار ليوم الاستحقاق.
وحيث إن الحكم الابتدائي الصادر في المعارضة بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعن أعطى المجنى عليه - المدعى بالحق المدني - بجدة بالمملكة العربية السعودية شيكين أحدهما بمبلغ 2100 ج والآخر بمبلغ 130 ج على أن يصرف أولهما من بنك مصر بالقاهرة في 5/ 10/ 1957 والثاني في 9/ 9/ 1957 وذلك قبل تاريخ الاستحقاق، ولما تقدم المجنى عليه إلى البنك لصرف الشيكين تبين عدم وجود رصيد للساحب. وقدم المجنى عليه الشيكين لمحرر محضر جمع الاستدلالات عنه تبليغه عن الواقعة وأرفق بهما إفادة البنك بطلب إعادة التوقيع من الطاعن. وأضاف المجنى عليه أنه حين طلب إلى هذا الأخير التوقيع بإمضاء مطابق للأصل المحفوظ بالبنك رفض، وقدم المجنى عليه صورة شمسية من الشيك الأول. وبسؤال الطاعن قرر أن الشيكين صدرا منه في جدة لمناسبة معاملة جرت بينه وبين المجنى عليه حول اتفاقهما على أن يصنع له الطاعن "فيلا" من الخشب المسلح ثم شحنها من مصر إلى جدة لإقامتها بها لحساب المجنى عليه، ولما رفض هذا الأخير استلام الفيلا اتفقا على فسخ العقد واسترد الطاعن أجزاء الفيلا وحرر للمجنى عليه بقيمتها الشيك الذى بمبلغ 2100 ج واتفق معه بعد ذلك على تسديد المبلغ على أقساط شهرية فلم تكن ثمت ضرورة لإعادة التوقيع على الشيك، وأقر الطاعن بأنه لا يعرف ما إذا كان حسابه بالبنك يغطى قيمة الشيكات أو لا. وعرض الحكم إلى ما أثاره الطاعن من عدم جواز محاكمته على اعتبار أن الجريمة وقعت في جدة - بإصدار الشيك وتسليمه فيها - وهى غير معاقب عليها في المملكة العربية السعودية، فرد عليه في قوله "وحيث إنه عن الدفع الأول - عدم جواز المحاكمة - فإنه وإن كانت قد اتفقت كلمة المدعى بالحق المدني والمتهم (الطاعن) على أن الشيكين قد حررا في جدة، وكان الأصل في جريمة إعطاء الشيك بدون رصيد أنها تقع بإصدار الشيك فكأن إعطاء الشيك للمستفيد هو - كقاعدة - مكان وقوع الجريمة، إلا أن مبنى هذه القاعدة أن يكون تاريخ إصدار الشيك هو تاريخ استحقاقه، فإذا اختلف تاريخ إصدار الشيك في الواقع عن تاريخ استحقاقه فإن العبرة في تمام الجريمة بعدم وجود الرصيد في تاريخ الاستحقاق المعين في الشيك ذاته وهو التاريخ الذى يحق فيه للحامل طلب الوفاء بالقيمة من الرصيد، فلا يسوغ - والحالة هذه - القول بأن الجريمة قد توافرت أركانها (ومنها ركن عدم وجود الرصيد) إلا إذا تحقق في يوم الاستحقاق عدم قيام الرصيد. وقد تبينت المحكمة من ظروف الدعوى ومن أقوال كل من المدعى المدني والمتهم ومن الإقرار المكتوب بتاريخ 7/ 1/ 1377 هـ في جدة والموقع من المتهم - وهو مرفق بالأوراق - تبينت أن الشيكين موضوع الدعوى قد أصدرهما المتهم في تاريخ سابق على التاريخ الثابت بهما - وهو 5/ 10/ 1957 - للشيك الذى قيمته 2100 ج المرفق صورته الشمسية. ومتى كان ذلك، فان ركن عدم وجود الرصيد الكافي القابل للسحب لم يتحقق إلا في يوم الاستحقاق ولم يتحقق إلا في القاهرة حيث يوجد البنك المسحوب عليه، وبذلك يكون تمام الجريمة في مصر بتحقق شرط عدم وجود الرصيد حيث توفر ذلك الشرط في القاهرة بالذات. والمادة 2 من قانون العقوبات تقضى بسريان القانون المصري على كل من ارتكب في خارج مصر فعلا يجعله فاعلا أو شريكا في جريمة وقعت كلها أو بعضها في الإقليم المصري - وبناء على ما تقدم، فان المحكمة ترفض الدفع وتقضى بجواز محاكمة المتهم". لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم فيما تقدم غير سديد، ذلك بأنه من المقرر أن جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتم بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بعدم وجود مقابل وفاء له قابل للسحب في تاريخ الاستحقاق إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع على الشيك بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجرى مجرى النقود في المعاملات، وإذ ما كان ما أورده الحكم من أن إصدار الشيكين موضوع الجريمة وتسليمهما إلى المستفيد قد تم في جدة وقد عاصر ذلك علم الطاعن بعدم وجود رصيد له يغطى قيمة الشيكين في تاريخ السحب، فان جريمة إصدار الشيك بدون رصيد تكون قد توافرت في حقه بكافة أركانها القانونية في مكان حصول الإعطاء للمستفيد وهو جدة. ولا يغير من ذلك أن يكون تاريخ استحقاق الشيكين مغايرا لتاريخ إصدارهما الحقيقي طالما أنهما لا يحملان إلا تاريخا واحدا، إذ أن تأخير تاريخ الاستحقاق ليس من شأنه في هذه الحالة أن يغير من طبيعة الشيك ومن قابليته للتداول واستحقاقه الدفع في تاريخ السحب بمجرد الاطلاع. فإصدار الشيكين على هذا الوضع يكون الجريمة المنصوص عليها في المادة 337 من قانون العقوبات ما دام الساحب يعلم بعدم وجود رصيد قائم له في التاريخ المثبت بالشيك، وبذلك يندمج ميعاد الإصدار في ميعاد الاستحقاق وتنقل ملكية مقابل الوفاء إلى المستفيد بمجرد إصدار الشيك وتسليمه إليه. أما تقديم الشيك إلى البنك فلا شأن له في توافر أركان الجريمة بل هو إجراء مادى يتجه إلى استيفاء مقابل الشيك، وما إفادة البنك بعدم وجود الرصيد إلا إجراء كاشف للجريمة التي تحققت بإصدار الشيك وإعطائه للمستفيد مع قيام القصد الجنائي، وسواء عاصر هذا الإجراء وقوع الجريمة أو تراخى عنها. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في صدد الاستناد إلى نص المادة الثانية من قانون العقوبات مردودا بأن الفقرة الأولى من هذه المادة تفترض أن الجاني قد ارتكب خارج الإقليم المصري فعلا يجعله فاعلا أو شريكا في جريمة وقعت كلها أو بعضها في هذا الإقليم، وواقع الحال في الدعوى المطروحة أن الجريمة المسندة إلى الطاعن وقعت واكتمل تنفيذها خارج الإقليم المصري واقتصر الأمر هنا على كشف وقوعها. لما كان ذلك، وكانت المادة 3 من قانون العقوبات تنص على أن "كل مصري ارتكب وهو خارج القطر فعلا يعتبر جناية أو جنحة في هذا القانون يعاقب بمقتضى أحكامه إذا عاد إلى القطر وكان الفعل معاقبا عليه بمقتضى قانون البلد الذى ارتكبه فيه"، فان مؤدى هذا النص أن شرط عقاب الطاعن لدى عودته هو أن تكون الجريمة التي أقيمت عليه الدعوى الجنائية من أجلها والتي وقعت بالخارج معاقبا عليها طبقا لقانون المملكة العربية السعودية. إذا ما كان الطاعن يجحد العقاب على هذا الفعل في هذه الدولة، وكان الأصل أن التمسك بتشريع أجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة تستدعى التدليل عليها، إلا أنه في خصوص سريان قانون العقوبات المصري خارج الإقليم المصري عملا بحكم المادة الثالثة من هذا القانون، فإنه من المتعين على قاضى الموضوع - وهو بصدد إنزال حكم القانون على الواقعة المطروحة عليه - أن يتحقق من أن الفعل معاقب عليه بمقتضى قانون البلد الذى ارتكب فيه. لما كان ذلك، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق