الصفحات

السبت، 21 مايو 2022

تقرير اللجنة التشريعية عن قانون الأحزاب السياسية 40 لسنة 1977

تقرير اللجنة التشريعية
عن الاقتراح بمشروع قانون المقدم من اللجنة بنظام الأحزاب
السياسية والاقتراحات بمشروعات قوانين الخاصة بتنظيم
الأحزاب السياسية والمقدمة من بعض السادة أعضاء المجلس
(القانون رقم 40 لسنة 1977)

أحال المجلس بجلسته المعقودة بتاريخ 12 من ديسمبر سنة 1976 الثلاثة الاقتراحات بمشروعات القوانين المقدمة من السيد العضو عبد الفتاح حسن إلى اللجنة لنظرها على وجه الاستعجال طبقا لأحكام المواد (274) وما بعدها من اللائحة الداخلية للمجلس.
وبتاريخ 29 من ديسمبر سنة 1976 أحال السيد رئيس المجلس الاقتراح بمشروع القانون المقدم من السيد العضو محمد فتحي الكيلانى وآخرين بنظام الأحزاب السياسية وحماية الوحدة الوطنية إلى اللجنة لارتباطه بالاقتراحات الثلاثة السابقة إحالتها للجنة؛ وذلك طبقا لنص المادة (200) من اللائحة الداخلية.
وقد عقدت اللجنة لدراسة هذه الاقتراحات عدة اجتماعات بتاريخ 1، 5، 6 من يناير سنة 1977.
ثم أحال السيد رئيس المجلس بالنيابة بتاريخ 10 من يناير سنة 1977 الاقتراح المقدم من السيد العضو الدكتور مهندس محمود أحمد القاضي بتنظيم الأحزاب السياسية لارتباطه بالاقتراحات بمشروعات قوانين السابق تقديمها طبقا لأحكام المادة المذكورة من اللائحة. وقد شملت دراسة اللجنة في الاجتماعات التالية لها والتي عقدتها بتاريخ 10، 15، 17 من يناير سنة 1977، 27 من أبريل سنة 1977، 8 من مايو سنة 1977 الاقتراحات بمشروعات قوانين السابقة جميعها.
وقد حضر اجتماعات اللجنة سالفة الذكر - ممثلا للحكومة - كل من السادة:
1 - الدكتور فؤاد محى الدين، وزير الدولة لشئون مجلس الشعب.
2 - محمد حامد محمود، وزير الدولة للحكم المحلى والشباب والتنظيمات الشعبية والسياسية.
3 - محمد رشوان، وكيل الوزارة لشئون مجلس الشعب.
4 - عبد البارى سليمان، وكيل الوزارة لشئون مجلس الشعب.
5 - عبد الآخر محمد عبد الآخر، وكيل الوزارة لشئون مجلس الشعب.
6 - كمال الشاذلى، وكيل الوزارة لشئون مجلس الشعب.
كما حضر بعض هذه الاجتماعات السيد المستشار الدكتور رفعت خفاجى مدير عام التشريع بوزارة العدل ممثلا لهذه الوزارة.
التزمت اللجنة في دراستها للاقتراحات بمشروعات القوانين آنفة الذكر الأحكام المقررة في المواد (168) وما بعدها من اللائحة الداخلية.
ونظرا لما تبين للجنة من أن هذه الاقتراحات جميعها تتفق من حيث المبدأ في كونها تنظيم قيام الأحزاب السياسية وفقا لقواعد وضوابط محددة فقد اعتبرت الاقتراحات بمشروعات قوانين المقدمة من السيد العضو عبد الفتاح حسن في مجموعها اقتراحا بمشروع قانون لتنظيم الأحزاب السياسية لوحدة موضوعها كما اعتبره أساسا لدراستها وذلك باعتباره الاقتراح المقدم سابقا على الاقتراحات الأخرى طبقا للمادة (202) من اللائحة واعتبرت باقى المشروعات تعديلات في الاقتراح الأساسى المذكور.
ونظرا لما أسفرت عنه دراسة اللجنة ومناقشاتها من تعديلات وإضافات لأحكام عديدة وتغيير في صياغة المواد وترتيبها على نحو جوهرى في الاقتراح المتخذ أساسا للدراسة فقد اقتضى الأمر أن تشكل اللجنة لجنة فرعية للصياغة من بين أعضائها وهيئة مكتب اللجنة على أن يضم إليهم السيد الدكتور مصطفى خليل أمين عام الاتحاد الاشتراكى وعضو المجلس وعلى أن يعاون اللجنة في مهمتها/ المستشار محمد حامد الجمل المستشار بمجلس الدولة والمستشار القانونى للمجلس.
وقد عقدت هذه اللجنة الفرعية عدة اجتماعات لأداء مهمتها وانتهت إلى صياغة الأحكام التي انتهت اللجنة التشريعية إلى الموافقة عليها في صورة اقتراح بمشروع قانون بنظام الأحزاب السياسية، وذلك بقصد تحقيق الوضوح والتناسق في الأحكام المتعلقة بنظام هذه الأحزاب على نحو ييسر دراستها، كما أعدت اللجنة مذكرة إيضاحية شارحة لنصوص الاقتراح بمشروع قانون الذي أعدته في هذا الشأن بما يتفق وما انتهى إليه الأمر بشأنها وفقا لما قررته اللجنة التشريعية وقد عقدت اللجنة اجتماعا لمراجعة ودراسة الاقتراح بمشروع قانون الذي انتهت إليه لجنة الصياغة بتاريخ 8 من مايو سنة 1977 ووافقت على هذا الاقتراح بمشروع قانون ومذكرته الإيضاحية بالصيغة المرفقة بهذا التقرير، وقد ألحقت اللجنة بهذا التقرير جميع نصوص الاقتراحات بمشروعات قوانين التي أحيلت إليها ومذكراتها الإيضاحية وفق ترتيب هذه الإحالة، وذلك إعمالا لأحكام اللائحة الداخلية.
وقد اعترض على الموافقة على المشروع من حيث المبدأ من أعضاء اللجنة الأستاذ ممتاز نصار، والسادة الأساتذة: أحمد ناصر، حسن عرفة وكمال سعد. كما اعترض على أحكام المادة (31) من المشروع كل من السادة الأعضاء عبد الفتاح حسن وجمال ربيع، وطلبوا إثبات اعتراضهم طبقا للمادة (92) من اللائحة الداخلية.
استعادت اللجنة في سبيل دراستها الاقتراحات بمشروعات قوانين المذكورة، نصوصها ومذكراتها الإيضاحية، ونصوص دستور سنة 1971 والدساتير المصرية السابقة عليه والصادرة سنة 64، سنة 58، سنة 56، وكذلك دستور سنة 1923 والأعمال التحضيرية لهذه الدساتير.
كما تدارست اللجنة نصوص الدساتير العربية والأجنبية المتصلة بالأحزاب السياسية، كذلك فقد درست اللجنة أحكام المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 بتنظيم الأحزاب السياسية، والاعلان الدستورى الصادر في 17 من يناير سنة 1953 من القائد العام للقوات المسلحة بصفته رئيسا لحركة الجيش بإعلان فترة الانتقال وحل الأحزاب السياسية، والمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953 في شأن حل هذه الأحزاب، والمرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1953 في شأن التدابير المتحدة لحماية حركة 23 يوليو سنة 1952 والقانون رقم 34 لسنة 1972 بشأن حماية الوحدة الوطنية، والقانون رقم (2) لسنة 1977 نشأت حماية حرية الوطن والمواطن، والقانون الأساسى للاتحاد القومى ثم القوانين الأساسية المنظمة للاتحاد الاشتراكى العربى، وأحكام قانون العقوبات
كذلك فقد استعادت اللجنة الوثائق السياسية المصرية المتعلقة بالموضوع فدرست أحكام الميثاق الوطنى الصادر عام 1962، وبيان 30 مارس سنة 1968، وبرنامج العمل الوطنى الذي أقر في 23 من يوليو سنة 1971، وورقة أكتوبر المقدمة في أبريل سنة 1974، وورقة تطوير الاتحاد الاشتراكى المقدمة في أغسطس سنة 1974 ومناقشات وقرارات لجنة مستقبل العمل السياسى سنة 1976، ومحاضر اجتماعى الهيئة البرلمانية للاتحاد الاشتراكى العربى بشأن مستقبل العمل السياسى في 16، 17 مارس سنة 1976، وخطاب السيد رئيس الجمهورية الذي أدلى به أمام المجلس بتاريخ 11 من نوفمبر سنة 1976 في افتتاح الدورة الأولى للفصل التشريعى الحالى، وبيان الحكومة الذي أدلى به السيد رئيس مجلس الوزراء أمام هذا المجلس بتاريخ 11 من ديسمبر سنة 1976 وتقرير لجنة الرد على هذا البيان المؤرخ 23 من ديسمبر سنة 1976، وخطاب السيد الرئيس في عيد العمال في أول مايو سنة 1977.
وقد انتهت اللجنة من دراساتها ومن سماعها المناقشات التي دارت في اجتماعاتها والتى شارك فيها أعضاء اللجنة والعديد من أعضاء المجلس وممثلو الحكومة إلى التقرير التالى:
تعريف الحزب السياسى:
من المسلم به في الفقه الدستورية وفى مبادئ العلوم السياسية أن الحزب لا يعدو أن يكون جماعة منظمة أو جمعية منظمة أو تنظيما لمجموعة من المواطنين يعمل كوحدة سياسية لتجميع الناخبين والحصول على تأييدهم لأهداف وبرامج تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة وصولا إلى الحصول على ثقة أغلبية الناخبين بما يمكنه بشكل شرعى من وضع هذه الأهداف والبرامج موضع التنفيذ، والأحزاب بذلك يقوم على أركان ثلاثة:
( أ ) ركن التجمع أو الجمعية.
(ب) ركن وحدة النظرية أو المبادئ والأهداف أو البرامج.
(جـ) أن تكون النظرية أو المبادئ أو الأهداف ذات طابع سياسى.
ولذلك فإنه لا يختلف الحزب السياسى عن أية جمعية أخرى إلا في أن هدفه أو مبدأه أو برنامجه الذي يتم التجمع حزبيا لتحقيقه يعد مبدأ وهدفا وبرنامجا سياسيا بالدرجة الأولى. فالحزب جمعية لها أهداف وأغراض وبرامج سياسية ووسائل سياسية للوصول إليها، ومن ثم فإن الحق في تشكيل الأحزاب السياسية يعد حقا من الحقوق الدستورية العامة المتفرعة عن حق تكوين الجمعيات أو الجماعات وحق المشاركة بالترشيح والانتخاب والاستفتاء في صنع القرار السياسى يضاف إلى ما سبق أن هذا الحق ينبثق من الحريات العامة التي تقررها الدساتير بصفة أساسية وهى حرية الاجتماع وحرية إبداء الرأى والعقيدة السياسية بوسائل الإعلام المختلفة وهى كلها حريات عامة تحتمها طبيعة النظم الديمقراطية النيابية على اختلاف دساتيرها ويفرضها ركنها الجوهرى الأساسى وهو التسليم بالسيادة للشعب.
ذلك أن السيادة الشعبية يلزمها بالضرورة القدرة الحرة على تجميع الإرادات الفردية وحرية التعبير عن الرأى والعقيدة السياسية بوسائل الإعلام المختلفة كطريقة حتمية للدعوة إلى هذا التجيع في هذا العصر.
وهذه الحريات لا تعدو كونها الأركان المحققة للوجود الحزبى سواء من حيث التكوين ممثلا في حرية التجمع أو من حيث الهدف ممثلا في المشاركة في الحكم لتحقيق الرأى أو العقيدة السياسية أو من حيث الوسيلة من حيث حرية التعبير عن الرأى والعقيدة السياسية.
ومع التسليم بما سبق فإن حق تكوين الأحزاب قد لا يمكن ممارسته في ظل بعض الدساتير إلا لو صدر القانون المنظم لهذه الأحزاب إذا تضمن نص الدستور ما يفيد ذلك صراحة.
الأحزاب في دساتير النظم الديمقراطية الغربية والآسيوية:
رغم اختلاف نشأة الأحزاب السياسية والظروف التاريخية التي أدت إلى وجود كل منها في دول الديمقراطيات الغربية المختلفة فإن النظام الديمقراطية في هذه الدول جميعها تقوم على أساس التسليم بقيام الأحزاب باعتبارها ضرورة واقعية للتعبير عن اختلاف الرأى الذي تحتمه طبيعتها الديمقراطية دون نص في الدستور يبيح صراحة قيام الأحزاب وتنظيمها. بل إن الفقه الدستورى الغربى يقرر أنه "لا ديمقراطية بدون أحزاب" ذلك أن الفرد منفردا لا يكون له أى نفوذ حقيقى في الشئون العامة فالديموقراطية لا تقوم إلا في دولة الأحزاب السياسية.
وقد نشأت الأحزاب السياسية الأوروبية بصفة عامة وليدة النزاع بين المحافظين أى ذوى الميل إلى الاستقرار وعدم التغير في الحياة السياسية والاقتصادية والأحرار الراغبين في التغيير من جهة - ثم النزاع بين الرأسماليين والاشتراكيين من ناحية أخرى - وإن كان لا يمكن ارجاع نشأتها جميعها إلى عامل واحد فقط.
وباستثناء الولايات المتحدة فإن أوربا لم تعرف الأحزاب السياسية حتى سنه 1850 ولكن هذا لا يمنع من أنه كانت توجد منذ القدم "جماعات الرأى" وان كانت جماعات الرأى هذه لا تعتبر أحزابا بالمعنى الحديث لهذه الكلمة - وقد ارتبط نمو أحزاب بتقرير السياسة بنمو وتطور الديموقراطية ذاتها حيث ارتبط نمو الأحزاب بتقرير حق الاقتراع العام، ثم التوسع في الاختصاصات البرلمانية، مما أدى إلى ارتباط مولد الأحزاب السياسية تاريخيا بالجماعات البرلمانية واللجان الانتخابية.
وقد ظهرت الجماعات البرلمانية أولا في معظم دول أوربا، ثم ظهرت بعدها اللجان الانتخابية، ثم مع الزمن وبالربط بين كليهما نشأ نظام الأحزاب السياسية - وقد ساعد على نشوئها - فضلا عما سبق جميعه - عوامل أخرى عديدة منها جمعيات الرأى والنوادى الشعبية والصحف والنقابات العمالية وغيرها من الجماعات.
والظاهرة الغالبة في الديمقراطية الغربية قاعدة تعدد الأحزاب السياسية - ومع ذلك فإنه يغلب على بعض هذه الدول وببنها انجلترا والولايات المتحدة ظاهرة ثنائية الأحزاب الفعالة في الحياة السياسية حيث يوجد حزبان كبيران، أحدهما يحصل على الأغلبية ويحكم والثانى يعارضه، ولا يؤثر وجود أحزاب أخرى صغيرة في حدوث ذلك بالنسبة للحزبين الأساسيين.
ويوجد بالإضافة إلى هذه الظاهرة ظاهرة أخرى هى التعدد المتوازى للأحزاب، وهو النظام السياسى الذي تتوفر فيه ثلاثة أحزاب أو أكثر لا يستطيع أحدهما بلوغ السلطة وحده لعدم إمكان حصوله على الأغلبية المطلقة، ومن ثم يحدد تآلف أو تحالف بين حزبين أو أكثر منها لتشكيل الحكومة، وتبدو هذه الظاهرة في فرنسا خصوصا قبل الجمهورية الخامسة وفى ايطاليا وفى معظم الدول الاسكندنافية.
ويتضح من استعراض دساتير الدول الغربية الليبرالية والنظام الحزبى فيها المبادئ العامة الآتية:
(أولا) أن الأحزاب قد نشأت وتنشأ في ظل نظام يسمح بتعدد الأحزاب دون أى نص صريح في الدساتير يقرر منح المواطنين حق تكوين هذه الأحزاب صراحة، باعتباره حقا طبيعيا مترتبا بالضرورة على حق الاجتماع، وتكوين الجمعيات، وممارسة الحريات العامة المتعلقة بحرية الرأى والصحافة.
(ثانيا أنه في الدول التي ورد نص في دستورها يتعلق بالأحزاب كان مقصود بهذا النص، تقرير مبدأ إمكانية التنظيم بقانون للأحزاب على أساس من عدة مبادئ دستورية أساسية تكفل الحد من مساوئ تعدد هذه الأحزاب، أو استبدادها بأعضائها، وعدم استقرار النظام السياسى نتيجة كثرتها ولم يكن القصد تقرير حق تكوين الأحزاب ذاته وأبرز مثال على ذلك نص المادة (4) من الدستور الفرنسى الصادر سنة 1958 وهو يقضى بأن "تسهم الجماعات والأحزاب السياسية في التعبير عن الرأى بالاقتراع وهى تتكون وتباشر نشاطها بحرية، ويجب عليها احترام مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية."
ويبدو من دساتير بعض الدول الديمقراطية الآسيوية ما يلى:
(أولا) أن بعض هذه الدساتير اتخذ المنهج الإنجلو سكسونى في عدم النص صراحة على تكوين الأحزاب باعتباره حقا طبيعيا مستمدا من حق الاجتماع وإنشاء الجمعيات وحرية الرأى والفكر والصحافة.
(ثانيا) أن البعض الآخر - بسبب ظروف تاريخية خاصة عانت فيها البلاد من نظام الحزب الواحد - قد أورد النص على الأحزاب السياسية لتأكيد حرية إنشاء الأحزاب صراحة ومبرزا أهميتها في الحياة الديمقراطية ويقصد حظر أى مساس تشريعى أو تنفيذى بحرية وجودها وتعددها.
الأحزاب في دساتير الدولة الماركسية:
ويبين من دراسة دساتير الدولة الماركسية المذهب ما يلى:
(أولا) إن دستور الاتحاد السوفيتى وهو الدولة الماركسية الأولى لا يعترف إلا بنظام الحزب الواحد، وغيره من التنظيمات السياسية محظور والمباح فقط الجمعيات أو المنظمات التي لا شأن لها بالسياسة المقصودة على الحزب الشيوعى.
(ثانيا) إن دستور الصين يبرز قيام جبهة ديمقراطية شعبية موحدة يقودها الحزب الشيوعى، إنما يحظر في ذات الوقت أى تنظيم سياسى أو تجمع سياسى غير هذه الجبهة فهى في الحقيقة بمثابة الحزب الوحيد الذي اتسع لشمول بعض التجمعات السياسية الضعيفة لاعتبارات تاريخية تحت سيطرة الحزب الشيوعى الصينى.
(ثالثا) إن نظام الجبهة الشعبية بقيادة الحزب الشيوعى مع إباحة تشكيل الأحزاب التي لا تتعارض مع نظام المجتمع، يمثل الصيغة الغالبة على دساتير دول أوروبا الشرقية، بسبب الظروف التاريخية التي صاحبت تحريرها من احتلال النازى من جهة والنظم الدستورية السابقة لها قبل سيطرة الماركسية عليها من جهة أخرى، وإن كان الوضع لا يخرج في حقيقة الأمر عن سيطرة الحزب الشيوعى كحزب وحيد على عدد من التجمعات السياسية الضعيفة التي لا تأثير ولا وزن لها وحظر تشكيل أى حزب سياسى خارج هذه الحدود.
الأحزاب في دساتير الدول العربية:
ويتضح من دراسة دساتير الدول العربية المختلفة النتائج التالية:
(أولا) أن الدساتير العربية التي يغلب عليها النظام الليبرالى الغربى - لا يرد بها نص صريح لا بإباحة ولا بتنظيم الأحزاب - وهذا يتفق مع التأثير المتغلب عليها من الأنظمة الدستورية للدول الليبرالية الغربية الأساسية متمثلة في انجلتر والولايات المتحدة وبعضها يصل في درجة تأكيده لقيامها وتعددها حظر نظام الحزب الوحيد صراحة مثل الدستور المغربى.
(ثانيا) إن دساتير الدول العربية التي عانت بعض مساوئ التجربة الحزبية أو تقل فيها درجة التأثر بأسس الليبرالية الغربية نتيجة للمبادئ الإشتراكية يغلب عليها وضع نص يؤكد حق إقامة الأحزاب المتعددة ويسمح تشريعيا بتنظيمها.
(ثالثا) إن دساتير الدول العربية التي خاضت حرب تحرير ويغلب عليها الطابع الاشتراكى تقوم على نظام الجبهة الوطنية أو القومية مشكلة من حزب وحيد أو من حزب قوى وعدد من الأحزاب الضعيفة التي يسيطر هذا الحزب عليها مع حظر أى تكوين حزبى خارج هذا النطاق.
(رابعا) إن الدستور السودانى قد أخذ بصيغة تخالف قوى الشعب العاملة وبالاتحاد الإشتراكى السودانى كمعبر عنها - وبالنص الصريح على أنه التنظيم السياسى الوحيد في السودان.
وهذا الدستور صادر بعد الدستور المصرى الحالى بسنتين ويبين بمقارنة ما نص عليه بنص المادة (5) من الدستور المصرى - بوضوح تام أن الدستور المصرى لم يجعل بنصه ذاته الإتحاد الاشتراكى العربى تنظيما سياسيا وحيدا في مصر مثلما فعل المشرع الدستورى السودانى.
الأحزاب السياسية في مصر قبل ثورة 23 يوليو سنة 1952:
أحكام ما قبل الثورة:
لم يرد في دستور سنة 1882 أى نص على إباحة أو حظر تكوين الأحزاب السياسية، فهو يحكم نصوصه وظروف صدوره لم يتعرض إلا نظام عضوية مجلس النواب واختصاصاته الدستورية وبعد الاحتلال الانجليزى لمصر في صيف سنة 1882، ألغى هذا الدستور ووضع القانون النظامى الجديد في أول مايو سنة 1883 على أساس تقرير اللورد "دوفرين" الذي جعل نظام الحكم المطلق بيد المعتمد البريطانى يمارسه بواسطة الخديوى ولم يتغير هذا الوضع في القانون النظامى الصادر سنة 1913 في ظل الاحتلال.
ولم يرد في دستور سنة 1923 أى نص صريح بإباحة تشكيل الأحزاب السياسية أو بتنظيم هذه الأحزاب.
وقد ورد النص في هذا الدستور على أن حرية الرأى مكفولة ولكل إنسان الاعراب عن فكرة بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون (م 14).
وعلى أن للمصريين حق الاجتماع في هدوء وسكينة غير حاملين سلاحا (م 20).
وعلى أن للمصريين حق تكوين الجمعيات وكيفية استعمال هذا الحق يبينها القانون (م 21).
وقد كان نص المادة (21) وهو المادة (19) عند عرضها على اللجنة العامة للصياغة مبادئ هذا الدستور وكانت تنص على أن للمصريين "حق الاشتراك" - أى التجمع والتعاون في سبيل غرض مشترك - وفق المقرر بالقوانين التي تبين كيفية استعمال هذا الحق.
وقد عدلته اللجنة إلى النص على أن "للمصريين حق تكوين الجمعيات... الخ.
وهذا النص مطابق لما ورد في دستور سنة 1930 في المادة (21) منه كما أن نص المادة (14) من دستور سنة 1923 بشأن حق الاجتماع مطابق لنص المادة (20) من دستور سنة 1930.
وقد قامت معظم الأحزاب السياسية في مصر قبل صدور دستور سنة 1923، واستمرت بعده، كما نشأت أحزاب أخرى بعد صدوره دون أن يجادل أحد في أن حق تكوين الجمعيات شامل لها بكافة أنواعها وبينها الأحزاب السياسية وأنه حق متفرغ كذلك بالضرورة على حق الترشيح وحق الانتخاب وعلى حرية الاجتماع وحرية الرأى المقررة في نصوص دستورى سنة 1923، سنة 1930.
ومن دراسة تاريخ الأحزاب المصرية في هذه الفترة يبين ما يأتى:
(أولا) أنه في ظل الاحتلال البريطانى لمصر نشأت الأحزاب السياسية المختلفة، وأن أكبر عدد من هذه الأحزاب قد نشأ في الفترة من سنة 1907 حتى سنة 1922 قبل قيام الدستور سنة 1923 وقد نشأت في هذه الفترة الأحزاب ذات الوزن في الحياة السياسية المصرية - وأيضا الأحزاب الكثيرة غير الجدية. والثابت أن عددا كبيرا من الأحزاب السياسية وبصفة خاصة غير الجدى منها قد نشأ في الفترة من سنة 1907 حتى سنة 1910.
ولم يكن ثمة نص في دستور هذا الوقت بحظر أو بمنع تكوين الأحزاب.
ولذا فإن نشوءها وترك الأمر في تعددها دون تنظيم يضمن جدية الحزب ونشاطه لخدمة الوطن كان أمرا بالبداهة مقصودا من سلطة الاحتلال لتفتيت القوى الوطنية وضربها ببعضها البعض، ذلك أن سلطة الاحتلال لا صالح لها في الحفاظ على وحدة الوطن المحتل ومصالحه القومية العليا.
(ثانيا) أنه بعد صدور دستور سنة 1923 لم يرد فيه نص صريح على إباحة الأحزاب باعتبارها كما سبق القول داخله في نطاق الجمعيات المباح طبقا لقانون تكوينها ولم يصدر قانون ينظم هذه الأحزاب وبقيت الأحزاب السابقة على الدستور قائمة.
إنما أنشأ وجود الدستور الصراع على السلطة بين الملك وممثلى الشعب والأحزاب الشعبية - فوجدت بعد سنتين من نفاذه مند سنة 1925 ظاهرة إنشاء الأحزاب غير الشعبية أو الجماهيرية، لخدمة أغراض مقاومة القصر للأحزاب الجماهيرية ونفوذها الشعبى، وقد استمرت هذه الظاهرة حتى سنة 1932
(ثالثا) أنه لم يصدر أى قانون ينظم الأحزاب السياسية بعد صدور الدستور وقبل ثورة يوليو سنة 1952، ليضع الضوابط الكفيلة لتحقيقها لأهدافها السياسية في خدمة الأمة، وقد أدى ذلك إلى تعددها في صورة لا تميز فيها بين برامج أو أهداف معظمها، كما أدى إلى الصراع الشديد بينها على السلطة، بل وأدى إلى أن عددا لا يستهان بقيمته في الحياة السياسية من هذه الأحزاب، نشأ انشقاقا من أكبر هذه الأحزاب شعبية دون اختلاف جوهرى في المبادئ أو الأهداف.
وقد نتج عن ذلك أن قوة الإرادة الشعبية أصبحت مفتته مجزأة متناحرة في الصراع الحزبى وذلك في مواجهة قوة الاحتلال الذي تسانده قواته الرابضة على أرض الوطن، وقوة القصر الذي يسانده ويدعمه في ذات الوقت استناده إلى استقرار نظام توارث السلطة الملكية.
الأحزاب والتنظيمات السياسية في مصر بعد ثورة 23 يوليو سنة 1952:
- أعلنت الثورة بصوت السيد الرئيس محمد أنور السادات في صبيحة يوم 23 يوليو سنة 1952 مبادئها الستة الأساسية وهى:
(أولا) القضاء على الاستعمار وأعوانه.
(ثانيا) القضاء على الإقطاع.
(ثالثا) القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم.
(رابعا) إقامة جيش وطنى قوى.
(خامسا) إقامة عدالة اجتماعية.
(سادسا) إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
تنظيم وحل الأحزاب السياسية:
- تم صدر في 9 من سبتمبر سنة 1952 المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 بتنظيم الأحزاب السياسية، وقد قام هذا التنظيم على أساس إتاحة الفرصة للأحزاب لتنظيم نفسها وتطهير صفوفها بما يزيل العيوب التي نشأت عن تعددها وأدت إلى تفتيت الوحدة الوطنية وضعفها، وقد تضمن القانون المذكور المبادئ الآتية:
(أولا) حرية المصريين في تكوين الأحزاب السياسية والانتماء إليها (م 2).
(ثانيا) يتم تكوين الاحزاب طبقا لأحكام القانون عن طريق الإخطار لوزير الداخلية، ومن حق الوزير الاعتراض على ذلك أمام محكمة القضاء الإدارى خلال مدة محددة (م 4، 5، 6).
(ثالثا) لا يكون عضوا في الحزب إلا مصريا مدرجا في جدول الانتخاب وغير محكوم عليه في جريمة مخلة بالشرف - ولم يثبت قبله عمل من أعمال استغلال النفوذ أو الحصول على كسب غير مشروع - أو حصوله على أجر أو مكافأة من دولة أو هيئة أجنبية (م 1، 8).
(رابعا) مبدأ انتخاب رئيس الحزب وأعضاء مجلس إدارته بطريق الاقتراع السرى من الجمعية العمومية للحزب (م 6، 7).
وعدم جواز الجمع بين هذه المناصب الحزبية وإدارة أو عضوية مجلس الإدارة أو الخبرة أو الإستشارة في أية شركة مساهمة تكفل لها الحكومة مزايا خاصة، أو ترتبط بالتزام مرفق عام أو بأى عقد إدارى آخر مع الدولة (م 9).
(خامسا) إيداع أموال الحزب في مصرف محدد والصرف منها في أغراضه طبقا للنظام الداخلى للحزب (م 10، 14، 15).
(سادسا) اختصاص الجمعية العمومية للحزب بوضع نظامه الداخلى وعدم جواز تعديله إلا بحضور ثلثى أعضائها وبموافقة ثلاثة أرباع الحاضرين لها على الأقل (م 12).
(سابعا) جواز أن يطلب وزير الداخلية أو كل ذى شأن، حل الحزب أو وقف نشاطه، أو إسقاط عضوية أحد أعضائه، أو تصحيح أى وضع خاطئ مخالف للقانون في قراراته أو تصرفاته، من محكمة القضاء الإدارى.
(ثامنا) سريان أحكام المرسوم بقانون المذكور على الأحزاب القائمة وقت العمل به وضرورة تعديل أوضاعها طبقا له خلال الفترة التي حددها.
- ثم صدر في 10 من ديسمبر سنة 1952 الإعلان الدستورى، بإسقاط دستور 1923، وصدر كذلك في 13 من يناير سنة 1953 مرسوم بتشكيل لجنة الخمسين لوضع دستور جديد يتفق وأهداف الثورة.
وفى 17 من يناير سنة 1953 أصدر القائد العام للقوات المسلحة بصفته رئيسا لحركة الجيش إعلانا دستوريا انتهى فيه إلى إعلان فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات حتى تتمكن الثورة من إقامة حكم ديمقراطى دستورى سليم وحل الأحزاب السياسية إعتبارا من هذا التاريخ ومصادرة جميع أموالها لصالح الشعب، وقد تضمن الإعلان الدستورى النص على أسباب ما انتهى إليه من حل للأحزاب بمقولة أن ذلك قد (1) تقرر "لأن هذه الأحزاب على طريقتها القديمة وبقياداتها الرجعية لا تمثل إلا الخطر الشديد على كيان البلاد ومستقبلها ولأن الهدف الأول من أهداف الثورة هو إجلاء الأجنبى عن أرض الوطن، وقد كان المنتظر من الأحزاب أن تقدر مصلحة الوطن العليا فتقلع عن أساليب السياسة المخربة التي أودت بكيان البلاد وفرقت وحدتها وفرقت شملها لمصلحة نفر قليل من محترفى السياسة وأدعياء الوطنية، ولكن على العكس من ذلك اتضح أن الشهوات الشخصية والمصالح الحزبية التي أفسدت ثورة سنة 1919، تريد أن تسعى ثانية بالتفرقة في هذا الوقت الخطير من تاريخ الوطن فلم تتورع بعض العناصر عن الاتصال بدول أجنبية وتدبير ما من شأنه الرجوع بالبلاد إلى حالة الفساد السابقة بل الفوضى المتوقعة مستعينة بالمال والدسائس في ظل الحزبية المقيتة".
فأساس حل الأحزاب إذن بهذا الإعلان هو الحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة الغاصب الأجنبى، ومنع التأثير الأجنبى على الحياة السياسية الوطنية من خلال التحالف أو الاتصال بين الأحزاب والدول الأجنبية.
وعقب هذا الإعلان الدستورى صدر المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953 في شأن حل الأحزاب السياسية (2) وقد عمل به إعتبارا من 18 من يناير سنة 1953، وقد تضمن هذا المرسوم بقانون تقرير المبادئ الآتية:
(أولا) أيلولة أموال الأحزاب السياسية المنحلة إلى الجهات التي يحددها مجلس الوزراء ووضع نظام لتصفية هذه الأموال (م 1، 3، 4) -
وقد تم استقرار هذا المبدأ بمقتضى أحكام القانون رقم (648)) لسنة 1953 بشأن الأموال المصادرة في محكمة الثورة وأموال الأحزاب المنحلة.
(ثانيا) حظر ممارسة أى نوع من النشاط الحزبى على أعضاء الأحزاب السياسية المنحلة والمنتمين اليها وتحريم تقديم أية مساعدة لهؤلاء الأشخاص في سبيل قيامهم بمثل هذا النشاط (م 2).
(ثالثا) حظر تكوين أية أحزاب سياسية جديدة وإلغاء المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 بتنظيم الأحزاب السياسية (م 6).
هيئة التحرير والاتحاد القومى:
- وفى 10 فبراير سنة 1963 صدر إعلان دستورى تضمن المبادئ الأساسية للحكم في المرحلة الانتقالية المؤقتة السابقة إعلانها، وصدر المرسوم بقانون رقم (36) لسنة 1953 في شأن التدابير المتخذة لحماية حركة 23 يولية سنة 1952 والنظام القائم عليها، وقد قضت أحكامه باعتبار كل تدبير اتخذ خلال سنة من 23 يوليو سنة 1952 بقصد حماية هذه الحركة والنظام القائم عليها من أعمال السيادة.
وإثر إلغاء الأحزاب السياسة أنشئت هيئة التحرير وكانت طبقا لنظامها الأساسى تجمعا شعبيا وطنيا هدفه توحيد جهود المواطنين بكافة طوائفهم وفئاتهم ونزعاتهم لتحقيق الهدف الأول من أهداف الثورة وهو إجلاء المستعمر عن البلاد.
واستمرت هذه الهيئة - وفقا لهذا النظام الذي وضع داخليا وتنظيميا - تؤدى دورها حتى صدر دستور سنة 1956
وقد نص دستور يناير سنة 1956 في أحكامه الانتقالية والختامية بالباب السادس منه على أن، يكون المواطنون اتحادا قوميا للعمل على تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، ولحث الجهود لبناء الأمة بناء سليما من النواحى السياسية والاجتماعية والاقتصادية وقد منح هذا الاتحاد الاختصاص في الترشيح لعضوية مجلس الأمة، وترك الدستور أمر تنظيمه وتكوينه لقرار يصدر من رئيس الجمهورية.
- وبعد قيام الوحدة مع سوريا صدر الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة سنة 1958 وتضمن نص المادة (72) منه الذي قضى بأن يكون المواطنون في إقليمى الجمهورية اتحادا قوميا للعمل على تحقيق الأهداف القومية ولحث الجهود لبناء الأمة بناء سليما من النواحى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى أن تحدد طريقة تكوين هذا الاتحاد بقرار من رئيس الجمهورية.
وكان العمل بالدستور المذكور موقوتا بإعلان موافقة الشعب على الدستور النهائى للجمهورية العربية المتحدة، كما نصت صراحة على ذلك في المادة (73) من هذا الدستور.
الاتحاد الاشتراكى العربى:
- وبعد إعلان الميثاق الذي أقره مؤتمر القوى الشعبية 1962 وتعزيز الفاعلية وقدرة تحالف قوى الشعب العاملة الذي أصبح يتولى مسئولية قيادة العمل الوطنى نصت المادة (3) من دستور سنة 1964 على أن "الوحدة الوطنية التي يصنعها تحالف قوى الشعب العاملة الممثلة للشعب العامل وهى الفلاحون والعمال والجنود والمثقفون والرأسمالية الوطنية هى التي تقيم الاتحاد الاشتراكى العربى ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لإمكانات الثورة والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة".
ولم يتضمن نص الدستور تحديد السلطة التي تملك إصدار القواعد المنظمة لهذا الاتحاد الاشتراكى وقد انتهى - بصدور دستور سنة 1964 - العمل بالدستور المؤقت الصادر في 5 مارس سنة 1958، وبالإعلان الدستورى بشأن التنظيم السياسى لسلطات الدولة العليا الصادر في 27 من سبتمبر سنة 1962 (م 169).
وبعد هزيمة يونية سنة 1967 صدر بيان 30 مارس سنة 1968 متضمنا ما يفيد الوعى بأسباب الهزيمة، حيث بين أن من أسبابها الرئيسية إهدار سيادة القانون، وانعدام الديمقراطية في ظل سيطرة مراكز القوى على الاتحاد الاشتراكى العربى وعلى السلطة في البلاد، وقد تضمن البيان تأكيد أن صيغة الاتحاد الاشتراكى العربى هى أكثر الصيغ ملاءمة لحشد القوى الشعبية بوسيلة الديموقراطية وعلى أساسها، وذكر البيان أن هذه الصيغة تجسيد حى وصحى لمعنى أن تكون الثورة بالشعب وللشعب، ثم إنها الضمان بعد ذلك لتجنب دموية الصراع الطبقى ولكفالة فتح أسرع الطرق وأكثرها أمانا إلى التقدم كما تضمن البيان أن الاتحاد الاشتراكى طبقا للميثاق هو واجهة عريضة تضم تحالف قوى الشعب العاملة كلها وأن المشاكل التي عاناها الاتحاد الاشتراكى كانت راجعة إلى التطبيق وأول هذه الأسباب عدم قيام الاتحاد الاشتراكى على الانتخاب الحر من القاعدة إلى القمة.
التطور الديموقراطى بعد ثورة 15 مايو سنة 1971:
برنامج العمل الوطنى:
فجر الرئيس محمد أنور السادات ثورة 15 مايو سنة 1971 بازاحة مراكز القوى المتسلطة على الشعب، وبدأ الإعداد لإتمام التصحيح الكامل لمسار ثورة 23 يوليو سنة 1952 وبصفة خاصة لوضع مبدئها السادس وهو إقامة الحياة الديموقراطية السليمة موضع التطبيق والتنفيذ الفعلى، وبدأ الاعداد لوضع الدستور الدائم للبلاد كما أقر المؤتمر القومى العام للاتحاد الاشتراكى العربى في 23 من يوليو سنة 1971 برنامج العمل الوطنى، وقد أبرز هذا البرنامج مشكلة التنظيم السياسى واستغلال مراكز القوى له وانعدام الديموقراطية فيه وخنقه الديموقراطية خارجه بقوله أنه "بالرغم من أن الميثاق وبيان 30 مارس قد نصا على اتخاذ بعض الاجراءات السياسية اللازمة لدعم الديموقراطية والعمل الوطنى، إلا أنها لم تنفذ ومنها على سبيل المثال المجالس الشعبية، والمجالس القومية المتخصصة.
ولربما كان أخطر ما واجهنا فكريا خلال السنوات الماضية هو ذلك التناقض المصطنع بين الاشتراكية والحرية والذى افتعله أعداء الحرية والاشتراكية على حد سواء لأن مراكز القوى التي لا يمكن لها أن تظهر أو تعيش بل لابد وأن تختنق، في جو الحرية والديموقراطية وجماعية القيادة اتخذت من الاشتراكية ودعوى حمايتها، ذريعة لتكمم الافواه ولتسكت كل صاحب فكر، ولتفرغ مؤسسات الشعب من مضمونها الثورى لكى تشق طريقها إلى الانفراد بالسلطة والتحكم في مصير البلد بما يحقق أطماعها ونزواتها. الخ.
ولقد كان طبيعيا، أن تكون إعادة تشكيل مستويات الاتحاد الاشتراكى وجميع التنظيمات السياسية من القاعدة إلى القمة، بالانتخاب الحر المباشر هى الخطوة الأولى على طريق البناء ذلك لأن الدولة الجديدة هى دولة قوى الشعب العاملة صانعة الثورة وصانعة الاشتراكية، ودور هذه القوى هو الدور الأساسى في عملية البناء، وهى تقوم به من خلال تنظيمها السياسى وتحت قيادته، ومن هنا كان أمرا حتميا أن يعبر هذا التنظيم حقا عن آمالها وأن يكفل حقا نجاح جهودها وأن يحمى حقا وحدتها الوطنية.
لقد كان لابد ونحن نبنى دولة الإنسان الحر أن يطهر تنظيمنا صفوفه من مراكز القوى التي أرادت بوسائل البطش والإرهاب والخديعة أن تكبت الحريات وتوقف التطور الذي يهدد مصالحها الذاتية وتفتت الوحدة الوطنية التي تخشى أن تكتسحها غير عابئة بمصالح الوطن ولا بخطورة المرحلة التي يعيشها... الخ"
وقد أكد برنامج العمل الوطنى على أنه يتعين توفير مبدأ سيادة الديموقراطية داخل التنظيم السياسى، لأن الديموقراطية تعنى حرية الرأى والتعبير لكل عضو ولكل مستوى ولكل قوة من قوى التحالف وإيجاد الظروف الملائمة لممارسة هذه الحرية، كما تعنى حق النقد وممارسة النقد الذاتى. ولأن الديموقراطية هى الضمان الوحيد ضد ظهور مراكز القوى وضد الشللية وضد الولاء للفرد أو لمجموعة من الأفراد.
وإن الديموقراطية هى الطريق إلى جماعية القيادة، فليست جماعية القيادة في جوهرها سوى اتخاذ القرار على أساس من الخبرة الجماعية للأعضاء ولا سبيل إلى هذا إلا بفتح باب الحوار حول القضايا المثارة أمام جميع المستويات.
إن الديموقراطية هى المناخ الذي تتربى فيه العناصر القيادية الجديدة إنها باختصار جسد التنظيم وروحه".
دستور سنة 1971:
- تضمنت وثيقة المبادئ الأساسية للدستور الدائم التي وافق عليها المؤتمر القومى العام سنة 1971 أن "السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات ويحمى الشعب هذه السيادة ويصون الوحدة الوطنية وتكون ممارسة الشعب للسيادة عن طريق الاستفتاء الشعبى وعن طريق ممثليه على الوجه المبين في الدستور".
وتأتى هذه المبادئ مؤكدة لسلطة تحالف قوى الشعب العاملة محددة لدور الاتحاد الاشتراكى العربى ومقررة أنه "التنظيم السياسى الذي يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديموقراطية تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية وهو أداة هذا التحالف في تعميق قيم الديموقراطية والاشتراكية وفى متابعة العمل الوطنى في مختلف مجالاته ودفع هذا العمل الوطنى إلى أهدافه المرسومة ويؤكد الاتحاد الاشتراكى العربى سلطة تحالف قوى الشعب العاملة عن طريق العمل السياسى الذي تباشره تنظيماته وسط الجماهير وفى مختلف الأجهزة التي تضطلع بمسئوليات العمل الوطنى.
ويبين النظام الأساسى للاتحاد الاشتراكى العربى شروط العضوية في تنظيماته المختلفة وضمانات ممارسة نشاطه بالأسلوب الديموقراطى".
ثم صدر دستور ثورة للتصحيح بعد موافقة الشعب عليه في الاستفتاء العام في 11 من سبتمبر سنة 1971 متضمنا في المادة الأولى منه تحديد نظام الدولة، وفى المادة الثالثة مقررا أن السيادة للشعب وهو وحدة مصدر السلطات وفى المادة الخامسة مقررا وجود الاتحاد الاشتراكى العربى والمبادئ الأساسية التي تنظمه، وفى المادة (55) مقررا حق المواطنين في إنشاء الجمعيات وحظر ما يكون منها سريا أو ذا طابع عسكرى أو معاد لنظام الدولة.
ورقة أكتوبر سنة 1974:
- ومضت خطوات ثورة التصحيح لتطوير النظام السياسى والنظام السياسى على نحو يكفل تحقيق الديموقراطية السليمة، فتقدم قائد ثورة التصحيح بورقة أكتوبر في أبريل سنة 1974 وهى التي وافق عليها الشعب في استفتاء مايو سنة 1974 وقد نص في ورقة أكتوبر على أنه، "قد كان الاتحاد الاشتراكى العربى وما يزال التنظيم السياسى الذي تتحقق من خلاله الديموقراطية السليمة وقد كان لابد لتصحيح مسار ثورة 23 يولية سنة 1952 أن يشعر كل مواطن أنه مسئول عن أقدار بلاده بقدر مسئولية سواه وأن قضاياه الأساسية تناقش أمامه علانية وأنه لا توجد وصاية تمارس عليه في الخفاء.
لهذا لم تقف حركة التصحيح عند حد تنحية مراكز القوى عن الطريق ولكنها انطلقت إلى تحقيق جوهرها الأهم بالعمل على إرساء سيادة القانون وإعزاز كلمة القضاء وإقامة دولة المؤسسات، ووضع الضوابط التي يعرف المواطن من خلالها حقوقه وواجباته بوضوح ويمارسها في طمأنينة.
كما تضمنت ورقة أكتوبر الاعتراف بأنه "إذا كانت الثورة قد أنجزت الكثير في الحرية الاجتماعية فإننا بكل أمانة لابد أن نسلم أن جانب الحرية السياسية لم يتحقق على الوجه الذي يريده الشعب، بل لقد فرضت ومراكز القوى وصايتها على الجماهير وتعددت القيود والاجراءات... الخ".
"إنه لا معنى للحرية السياسية بالنسبة للجائع الذي يضطر لبيع صوته في الانتخابات...... وأيضا فإنه لا جدوى للقمة العيش إذا فقد الإنسان أهم ما يميزه وهو الحرية السياسية.
واليوم بعد انتصار أكتوبر (3) وتأكيد وحدة الصف الوطنى وارتفاع المواطنين إلى مستوى المسئولية لابد أن تؤكد معنى الحرية السياسية جنبا إلى جنب مع الحرية الاجتماعية".
- واستطردت ورقة أكتوبر مؤكدة أن الديمقراطية ليست مجرد نصوص ولكنها ممارسة عملية ويومية وأن الديمقراطية لا تمارس في فراغ بل لابد من إطارات تتحدد من خلالها الاتجاهات التي تخص أمور الوطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأن الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة هو إطار الحياة السياسية الديمقراطية السليمة، وفى ذلك تنص الورقة على أنه "قد ارتض الشعب نظام تحالف قوى الشعب العاملة إطارا لحياته السياسية، وإننا في معركة البناء والتقدم لأحوج ما نكون لهذا التجمع، ومن ثم فإننا نرفض الدعوة إلى تفتيت الوحدة الوطنية بشكل مصطنع عن طريق تكوين الأحزاب بلا ضابط ولا قاعدة، ولكننا لا نقبل نظرية الحزب الواحد الذي يفرض وصايته على الجماهير، ويصادر حرية الرأى ويحرم الشعب من ممارسة حريته السياسية.
ولهذا فإننا نحرص على أن يكون التحالف إطارا صحيحا للوحدة الوطنية تعبر من داخله كل قوى التحالف عن حقوقها المشروعة وعن آرائها بحيث تتضح الاتجاهات التي تحظى بتأيد الأغلبية والتى يجب أن تتبناها الدولة.
إن التنظيم السياسى يجب أن يكون ثورة للحوار تنصهر فيها الأفكار المتعارضة وتتبلور الاتجاهات التي تعبر بحق عما تريده القاعدة الشعبية العريضة".
تطوير الاتحاد الاشتراكى العربى:
- وبعد ذلك وإثر إصرار الجماهير على صيغة تحالف قوى الشعب العاملة منذ الميثاق الوطنى وفى استفتاء بيان 30 مارس سنة 1968 وفى الاستفتاء الذي أجرى على ورقة أكتوبر سنة 1964. فقد تقدم الرئيس محمد أنور السادات بورقة تطوير الاتحاد الاشتراكى العربى في أغسطس سنة 1974
وقد أبرزت هذه الورقة بصفة رئيسية المبادئ الآتية:
(أولا) إن الاتحاد الاشتراكى حسبما نص عليه الدستور في المادة (5) منه جوهر وشكل - أما الجوهر فهو تحالف قوى الشعب العاملة أما الشكل فهو البنيان الهيكلى للاتحاد، أو تنظيم هيكله السياسى وتنظيماته المختلفة، من لجان أساسية إلى مؤتمرات حسب قانونه الأساسى، وأن عيوب التنظيم ليست في جوهره المتمثل في صيغة تحالف قوى الشعب العاملة ولكن في بنيانه التنظيمى وهذا الشكل التنظيمى، يجب إزاء ذلك طرحه للمناقشة للتوصل إلى جعله بوتقة تنصهر فيها الأفكار المتعارضة.
(ثانيا) حتمية الحفاظ على الوحدة الوطنية من خلال صيغة التحالف إذ أن البلاد التي عانت طويلا من الاستعمار وأعوانه من القوى الرجعية تجتمع فيها الغالبية العظمى من المواطنين رغم إختلاف طبقاتهم وفئاتهم الإجتماعية على هدف أساسى، هو تحرير البلاد وتطويرها، ولذا تكون الوحدة الوطنية إطارا حتميا لنجاح العمل الوطنى.
وتضمنت الورقة إنه في ظل الواقع المصرى الذي واجهته ثورة 23 يوليو سنة 1952 فقد كانت الأحزاب التقليدية بعيدة عن أمانى الجماهير وآمالها، وتورطت بدرجات متفاوتة في التعاون مع الاستعمار والاقطاع والرأسمالية المستغلة مما أفقدها قواعدها الشعبية، ومن ناحية أخرى لم تنشأ في مصر أحزاب وطنية قوية، وكان من العبث التفكير في خلق هذه الأحزاب ابتداء لجمعها في جبهة واحدة بعد ذلك بل إنه من المنطقى الاتجاه مباشرة إلى صورة متقدمة من التنظيم السياسى تحقق هذه الوحدة الوطنية دون أن نغفل حقيقة أن هذه الوحدة لا تصفى تلقائيا كل الأوضاع الاجتماعية القائمة وإنما يرتهن نجاحها بأخذ هذه الأوضاع بعين الاعتبار.
ومن هنا كان تحديد القوى الاجتماعية التي يتكون منها التحالف تحديدا، واضحا، والحرص على أن يكون لكل منها دوره المعلوم داخل هذا التخلف حتى لا تطغى عليه إحدى القوى وتحوله في الواقع إلى حزب لها.
وأن هدف الثورة الوطنية الحقيقى لا يتحقق إلا ببلوغ الاستقلال السياسى والاقتصادى بها فهى لا تنجز مهمتها إلا بعد تصفية التخلف والوصول إلى مستوى الدول المتقدمة، وطول مرحلة البناء والتقدم لابد من الحفاظ على الوحدة الوطنية.
وأن طريق التقدم والتنمية في عالم اليوم وفى ظروف شعب كثير العدد محدود الموارد الطبيعية مثل الشعب المصرى ويناضل من أجل التنمية، وبحكم السعى لرسم معالم الطريق الاشتراكى من وحى الواقع المصرى مستلهما قيم المجتمع الروحية والأخلاقية التي تمجد التكافل الاجتماعى وترفض الاستغلال وتنبذ الأنانية والحقد فإن كل ذلك يفرض التمسك بالوحدة الوطنية. ولهذا فإن صورة الوحدة الوطنية التي تلائم هذه المرحلة من العمل الوطنى هى صورة تحالف قوى الشعب العاملة التي تعمل على زيادة الإنتاج وترفض التبعية والخضوع للقوى الأجنبية والاستغلال فتحالف قوى الشعب العاملة ليس وليدا للفكر المجرد وحده، ولكنه نابع من واقع الحياة المصرية وضرورات أهدافها القومية وحتمية ما تقتضيه وضرورات التنمية والتقدم السياسى والاقتصادى للاتجاهات المختلفة التي يجب كفالة كل الحرية لها للتعبير عن نفسها".
(ثالثا) إن الوحدة الوطنية لا تعنى اختلاف المصالح بين قوى التحالف كما لا تعنى صب المواطنين في قالب فكرى واحد بحيث لا يختلف إثنان في الرأى، وإنكار هذه الحقائق الموضوعية لا يدعم الوحدة الوطنية وإنما ينسفها نسفا، ولذا فإنه يتعين لتسليم بأمور ثلاثة:
1 - إن هناك مصالح وطنية يتعين تغليبها على غيرها والعمل على تحقيق الإجماع والوحدة حولها.
2 - إن القوى المختلفة التي تكون التحالف تقر بما بينها من اختلاف في المصالح قد يصل إلى حد التعارض بينها، ولكنها تجمع على أمر جوهرى هو إلتزامها بمعالجة كل الاختلافات، وحل كل المتناقضات بالطرق السلمية وفى إطار صيانة مبدأ التحالف، وعلى أساس احترام الديموقراطية السياسية داخل هذا التحالف، فهذا هو الأسلوب الرشيد للاجتهاد في بحث الحلول الكفيلة لتحقيق المصالح المشتركة والمواجهة الصحية للمصالح المتعارضة. ونجاح مفهوم التحالف في التطبيق رهن بالارتباط الوثيق بالجماهير والتمسك بحقها الأساسى في الديموقراطية.
3 - إن الحافظ على نسبة الـ 50% المقررة للعمال والفلاحين في مجلس الشعب، وفى تنظيمات الاتحاد الاشتراكى العربى، وفى كافة المجالس الشعبية والمحلية، تطبيق صادق للديموقراطية لأن الفلاحين والعمال يمثلون عدديا النسبة الكبرى من السكان، وهو ضرورة اجتماعية يمليها الحرص على الوحدة الوطنية وحماية البلاد من الصراع الطبقى والدموى العنيف.
(رابعا) إنه إذا كان جوهر تحالف قوى الشعب العاملة ومفهومه أمر لا خلاف على حتميته وضرورته، فانه يجب أن تجدد في موضوعية وصراحة مواطن الخطأ ونواحى القصور في ممارسة التحالف عن طريق التنظيمات المتتالية للاتحاد الاشتراكى العربى، للكشف عن أشكال التنظيم وأساليب العمل السياسى التي تجعل من هذا الاتحاد تحالفا حقيقيا يرتكز عليه النظام السياسى للبلاد، ويجعله أداة صادقة للتعبير عن الإدارة الحرة للجماهير.
وقد طرحت ورقة تطوير الاتحاد الاشتراكى العربى المقترحات التي رأت أنها تطور الاتحاد الاشتراكى وتعمل على تنشيطه وتتمثل أهمها فى:
أولا - تحرير العضوية:
نص في الورقة على إنه من الضرورى الغاء كل النصوص التي تجعل من عضوية الاتحاد الاشتراكى العربى شرطا لتولى منصب أو للترشيح لمسئولية انتخابية أو للتصدى لقيادة العمل النقابى أو الاجتماعى، كما نص على ضرورة ضمان توفير حرية الرأى وتقديسها داخل الاتحاد حيث يقابل مبدأ شرعية التنظيم وسيادة الديموقراطية في داخله، سيادة القانون في المجتمع وكفالة الديموقراطية فيه.
ثانيا - تعدد الاتجاهات:
وفى ذلك تقوم الورقة أن نفى فكرة الحزب الواحد لا يتأكد إلا بالتسليم بتعدد الاتجاهات داخل الاتحاد الاشتراكى، فقد صفت ثورة 15 مايو سنة 1971 مراكز القوى التي جعلت من التنظيم السياسى جهازا بيروقراطيا لخدمة طموحها للتسلط، وهذا أمر مرفوض من الشعب لأنه يحول التحالف إلى حزب غير شرعى في خدمة القوى المتسلطة عليه.
ولا التزام لعضو الاتحاد الاشتراكى إلا بالمبادئ الأساسية لثورة 23 يوليو كما عبرت عنها مواثيقها من ميثاق العمل الوطنى حتى ورقة أكتوبر بروح تلك المبادئ وأهدافها السامية وليس بحرفية هذا النص أو ذاك
والالتزام بالحفاظ على صبغة تخالف قوى الشعب العاملة وصيانة الوحدة الوطنية والتزام رأى الأغلبية بعد المناقشة الحرة.
ثالثا - هيكل تنظيمات الاتحاد الاشتراكى وعلاقته بسلطات الدولة:
وفى ذلك تقرر ورقة التطوير أن الاتحاد الاشتراكى ليس حزبا حتى يكون الحزب الحاكم الذي يملى إرادته على الحكومة والبرلمان وإنما هو الإطار المنظم للحركة السياسية للجماهير الشعبية.
وأنه يجب تطوير تشكيلاته بما يحقق كونه صيغة تحالف قوى الشعب العاملة ويكفل الحرية والديموقراطية وتعدد الاتجاهات التي لا تخل بهذا الصيغة.
تنظيم المنابر السياسية:
واستمرارا في طريق التقدم نحو دعم الممارسة الديموقراطية ودولة المؤسسات والحرية وسيادة القانون ورغبة في تعميق هذه الممارسة وتوسيع نطاقها فقد شكل الرئيس محمد أنور السادات بعد ذات بصفته رئيس للاتحاد الاشتراكى العربى لجنة مستقبل العمل السياسى برئاسة المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب، وعضوية خمسين عضوا من أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى، وخمسين عضوا من أعضاء مجلس الشعب وأضيف إليهم ثمانية وستون عضوا آخرون من ممثلى النقابات المهنية والعمالية وأعضاء المجلس الأعلى للصحافة وغيرهم من ذوى الرأى والخبرة، وذلك بقصد دراسة كيفية دعم الممارسة الديمقراطية على ضوء المتغيرات التي صاحبت ثورة التصحيح في 15 من مايو سنة 1971، ونظرا لما برز في مناقشات اللجنة من وجود أربعة اتجاهات رئيسية بين أعضائها فقد شكلت اللجنة في 2 من مارس سنة 1976 أربع لجان فرعية لاعداد وجهة نظر كل منها بالنسبة للاتجاه الذي تؤيده في تنظيم الممارسة الديمقراطية لعرضه على اللجنة، وقد أعدت اللجان الفرعية تقاريرها وتم عرضها على اللجنة وقد تمثلت هذه الاتجاهات الأربعة فيما يلى:
الاتجاه الأول - المنابر الثابتة داخل الاتحاد:
ويذهب هذا الاتجاه إلى تطوير الاتحاد الاشتراكى العربى بإقامة منابر ثابتة دخلة باعتبار أن الاتحاد هو الصيغة الملائمة لتجسيد تحالف قوى الشعب العاملة في المرحلة التي تجتازها البلاد.
وقد حظى هذا الاتجاه بموافقة أغلبية أعضاء اللجنة.
الاتجاه الثانى - المنابر المتحركة داخل الاتحاد:
يرى أصحاب هذا الاتجاه الإبقاء على الاتحاد الاشتراكى العربى بصورته الحالية مع اعطائه الفاعلية، وإقامة منابر متحركة داخله، وذلك باعتبار أن الاتحاد الاشتراكى العربى هو التجسيد السليم لتحالف قوى الشعب العاملة.
الاتجاه الثالث - الاتحاد حزب سياسى تنشأ معه أحزاب أخرى:
ويذهب إلى إقامة الأحزاب، على أن يتحول الاتحاد الاشتراكى كحزب سياسى للثورة يلتزم بمواثيقها وأهدافها، وتقوم خارجه أحزاب أخرى متساوية معه في الحقوق والواجبات، ويضمها جميعا تحالف وطنى يلتزم بمبادئ الدستور.
الاتجاه الرابع - المنابر داخل وخارج الاتحاد:
وقد ذهبت إلى إقامة منابر داخل الاتحاد الاشتراكى العربى وخارجه تكون نواة لقيام الاحزاب مستقبلا.
- وفى خطاب الرئيس الذي ألقاه في نوفمبر سنة 1976 في افتتاح الدورة الأولى لمجلس الشعب الحالى ذكر أنه إثر قرار لجنة مستقبل العمل السياسى باقامة المنابر الثابتة داخل الاتحاد الاشتراكى، تقدمت طلبات بإنشاء (31) منبرا ولكن الأمر طبعا "كان أخطر من أن تترك الأمور بلا ضوابط".
فقد كان ولا يزال من مشاكل الديمقراطية في بلاد كثيرة الفوضى والتسيب، فكان أن أخذنا بما استقر عليه رأى الاغلبية من البدء بتكوين ثلاث تنظيمات تمثل اليمين والوسط واليسار وعندما جاء موعد الانتخابات الجديدة كان القرار الذي اتخذ هو:
(أولا) أن تكون هذه الانتخابات مثالية في حريتها الكاملة ونظافتها الحقة.
(ثانيا) أن تخوض التنظيمات الثلاثة المعركة كتنظيمات مستقلة تماما وقد تمت الانتخابات على هذا الأساس فضلا عن أنها كانت أول انتخابات يطبق فيها النص الدستورى الذي يعطى كل مواطن حق التقدم للترشيح مستقلا دون أى قيد أو شرط أو عقبات..".
ثم ذكر السيد الرئيس أنه - من أجل هذا وبناء على نجاح تجربة الانتخابات واستئنافا للمسيرة التي عاهد الله والشعب عليها نحو الديمقراطية السليمة - قد اتخذ قرار سياسيا شكلته ما أملته المعركة الانتخابية وما أبرزه فيها الشعب من إرادة، وهو قرار سيظل تاريخيا يرتبط بهذا المجلس وبيوم إفتتاح دورته الأولى هو أن تتحول التنظيمات السياسية الثلاثة ابتداء من هذا اليوم إلى أحزاب.
وقد أوضح الخطاب أن هذا القرار ينطوى على تحول أعمق مما يبرز منه وعلى مسئوليات أكثر مما ترى العين في النظرة الأولى، كما شمل النص على المسائل الأساسية الآتية:
1 - دستورية نشوء الأحزاب:
حيث ذكر أن الدستور الدائم يتسع لهذا التطور الجذرى في البناء السياسى العام لبلدنا، وهذا أمر لمجلس الشعب بحثه وتأمله.
2 - وضع النظام الأساسى للاتحاد الاشتراكى العربى:
كما أشار إلى أن هناك نصوصا أخرى لابد من أن يراجعها مجلس الشعب على ضوء هذا القرار وخصوصا النظام الأساسى للاتحاد الاشتراكى العربى إذ أنه قد أصبح من المحتم أن يكون هذا النظام الأساسى منظما للأحزاب بعد أن قفز الشعب بهذه التجربة الديمقراطية هذه القفزة الرائعة.
3 - علاقة الاتحاد الاشتراكى بالأحزاب:
وفى هذا الشأن فقد ذكر إن يد الاتحاد الاشتراكى بالضرورة سوف ترتفع نهائيا عن الأحزاب وسوف يصبح كل حزب حرا تماما في إدارة نشاطه في حدود القوانين والدستور.
وبناء على هذا المبدأ فقد لا يبقى للاتحاد الاشتراكى العربى في المرحلة المقبلة إلا ثلاثة أمور:
(أولا) التنظيمات الجماهيرية المساعدة كتنظيم المرأة والشباب من مرحلة الطلائع إلى مرحلة الاستعداد للانضمام للأحزاب.
(ثانيا) المشاركة في ملكية الصحف حتى لا تعود تلك الأجهزة بالغة الأهمية ملكا لأفراد مع ضمان الكفاية للتعبير عن الأحزاب الثلاثة.
(ثالثا) لجنة مركزية موسعة، تصبح بمثابة المؤتمر العام للاتحاد الاشتراكى مهمتها الأساسية هى المحافظة على صيغة تحالف قوى الشعب العاملة التي ما زلنا نتمسك بها ونحن نواجه معارك عاتية تنتظرنا على طريق التحرير والتعمير، وينضم إلى هذه اللجنة المركزية كل أعضاء مجلس الشعب من أعضاء الأحزاب الثلاثة ومن المستقلين وهيئات مكاتب المنظمات الجماهيرية كالنقابات المهنية والعمالية والتعاونية الزراعية والغرف التجارية.
4 - التعبير عن صيغة التحالف:
وقد تضمن الخطاب أن لجنة مركزية على هذا النحو السابق الواسع النطاق تضم الأحزاب والمستقلين وممثلى كل المنظمات على النحو المبين في الفقرة السابقة هى أصدق تعبير عن بقاء صيغة التحالف، إذ سوف تكون مهمتها الأولى حراسة هذا التحالف وجمع كل هذه القوى كلما لزم الأمر تحت سقف واحد من المصلحة الوطنية العليا التي لا تتجزأ.
5 - تنظيم نشاط الأحزاب:
وفى نفس الوقت تضمن الخطاب النص على أنه لابد أن ينظم للأحزاب نشاطاتها، ولابد أن ينص على أسلوب للرقابة على مواردها المالية، ولا بد أن تكون لها برامج.
6 - الأسس الجوهرية الثلاثة الملزمة للأحزاب:
وأورد الخطاب في هذا الشأن أنه مهما اختلفت الأحزاب في برامجها فهى ملتزمة بالأسس الثلاثة التي لا خلاف عليها وهى:
( أ ) "الوحدة الوطنية" فلا تقوم الأحزاب على أسس دينية وعنصرية
(ب) "وحتمية الحل الاشتراكى" ويعنى ذلك أنه لا رجعة إلى حكم الرأسمالية والإقطاع، ولا نكوص عن مكاسب الفلاحين والعمال وكل المحرومين الذين قامت الثورة أساسا لإزالة ظلم القرون عن كواهلهم.
(جـ) "السلام الاجتماعى" فلا حقد ولا انتقام ولا بث للكراهية بين الفئات.
- وقد تضمن أثر ذلك بيان الحكومة الذي ألقاه السيد/ ممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الشعب في 11 من ديسمبر سنة 1976 الإشارة إلى المناخ الديمقراطى الذي نشأ نتيجة تكوين الأحزاب.
كما تضمن تقرير لجنة الرد على بيان الحكومة في 23 من ديسمبر سنة 1976 أن اللجنة ترى أنه قد صار ضروريا أن يصدر مجلس الشعب قانونا ينظم قيام الأحزاب وأسلوب إعلانها والضوابط الموضوعية التي تصاحب قيامها، وأن اللجنة بعد دراستها لكل الظروف المحيطة بالموضوع ترى السماح بقيام الأحزاب طالما توفرت للأحزاب الضوابط الموضوعية اللازمة لقيامها.
- وفى الخطاب الذي ألقاه الرئيس في عيد العمال في أول مايو سنة 1977 أعلن أن نظامنا الأساسى هو "النظام الاشتراكى الديمقراطى" وهو نظام يقوم على أن الحرية لا تنفصل عن الاشتراكية وإنه لا محل للاجراءات والأساليب الاستثنائية التي تضحى بالفرد في سبيل المجموع، الأمر الذي ينتهى بجعل الفرد ترسا في آلة تطحنه تحت وصاية وسيطرة مراكز القوى، وليس في هذا النظام مكان لمراكز قوة جديدة تفرض وصايتها على الشعب ليبقى دائما هو وحده سيد نفسه وهو الذي يكفل حماية المكاسب الاشتراكية والحفاظ عليها ممثلة في مكاسب العمال من حيث اشتراكهم في الإدارة والأرباح وضمان العدل السياسى وعدم سيطرة الإقطاع ورأس المال على الحكم، والحفاظ على نسبة الخمسين في المائة المقررة للعمال والفلاحين على الأقل في مجلس الشعب وكافة المجالس الشعبية ليتولوا أمرهم بأنفسهم، ويعبروا باعتبارهم الأغلبية الساحقة عن مصالحهم بذواتهم، وليكونوا دائما الرقباء على إصدار قوانين الشعب وعلى كافة الأجهزة الحكومية والعامة.
وانطلاقا من كل ما سبق يتعين أن تتعرض اللجنة لثلاث مسائل دستورية أساسية هى:
(أولا) دستورية قيام الأحزاب السياسية:
ويعنى ذلك بحيث مدى اتفاق تشكيل الأحزاب مع نصوص الدستور وبصفة خاصة نص المادة الخامسة منه.
(ثانيا) الأداة التشريعية التي ينظم بها الاتحاد الاشتراكى العربى:
والمقصود بذلك هل يصدر التنظيم الأساسى له بقانون من السلطة التشريعية أم إن ذلك التنظيم يمكن دستوريا أن يصدر كلائحة أساسية من الاتحاد الاشتراكى ذاته أو من رئيسه.
(ثالثا) القواعد الدستورية والأساسية التي يخضع لها تنظيم الأحزاب السياسية:
من حيث تأسيسها وعضويتها وتمويلها ونشاطها وانقضائها وعلاقتها بالاتحاد الاشتراكى العربى.
دستورية قيام الأحزاب السياسية:
تقضى المادة الأولى من الدستور بأن "جمهورية مصر العربية نظامها ديمقراطى واشتراكى ويقوم على تحالف قوى الشعب العاملة.. ألخ."
كما تقضى المادة الثالثة بأن "السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين في الدستور."
وتقضى المادة (55) من الدستور بأن "للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معاديا لنظام المجتمع أو سريا أو ذا طابع عسكرى".
وتنص المادة الخامسة من الدستور على أن "الاتحاد الاشتراكى هو التنظيم السياسى الذي يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديمقراطية، تحالف قوى الشعب العاملة للفلاحين وللعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية.
وهو أداة هذا التحالف في تعميق قيم الديموقراطية والاشتراكية وفى متابعة العمل الوطنى في مختلف مجالاته، ودفع هذا العمل الوطنى إلى أهدافه المرسومة.
ويؤكد الاتحاد الاشتراكى العربى سلطة تحالف قوى الشعب العاملة عن طريق العمل السياسى الذي تباشره تنظيماته بين الجماهير وفى مختلف الأجهزة التي تضطلع بمسئوليات العمل الوطنى.
ويبين النظام الأساسى للاتحاد الاشتراكى العربى شروط العضوية فيه وتنظيماته المختلفة وضمان ممارسة نشاطة بالأسلوب الديمقراطى على أن يمثل العمال والفلاحون في هذه التنظيمات بنسبة خمسين في المائة على الأقل".
ويبين من نص المادة (5) من الدستور من باقى النصوص الدستورية سالفة الذكر أنها تقرر المبادئ والقواعد الدستورية التالية:
(أولا) الاتحاد الاشتراكى تنظيم سياسى شعبى يمثل تحالف قوى الشعب العاملة، وهو أداة هذا التحالف ووسيلة تأكيد سلطته من خلال تنظيماته بين الجماهير.
(ثانيا) يستهدف الاتحاد الاشتراكى العربى تعميق قيم الديمقراطية والاشتراكية ومتابعة العمل الوطنى لدفعه إلى أهدافه القومية المرسومة.
(ثالثا) أن الدستور لم يتضمن نصا صريحا على أن الاتحاد الاشتراكى العربى هو التنظيم السياسى الوحيد في مصر، أو نصا يحظر تكوين الأحزاب السياسية.
(رابعا) إن التنظيمات السياسية - التي يؤدى الاتحاد الاشتراكى العربى مهمته ويحقق أهدافه من خلالها أو بالتعاون معها - ليس مقررا لها بنص الدستور - حتمية وجودها في شكل معين، ومن ثم فلا يوجد شكل دستورى محدد لها يتعين التزامه سوى الشكل الذي قد تفرضه حتمية مراعاة المبادئ الأساسية التي قررها نص المادة (5) من الدستور.
(خامسا) ضرورة وضع القواعد المتعلقة بتنظيمات الاتحاد الاشتراكى العربى في نظامه الأساسى بحيث تراعى المبادئ السابقة والأسس التالية:
( أ ) قيامها على أساس المبدأ الديمقراطى وممارسة نشاطها بالأسلوب الديمقراطى.
(ب) تمثيل العمال والفلاحين بنسبة 50% في هذه التنظيمات على الأقل.
(سادسا) أن نص المادة (55) من الدستور المتعلق بحق تكوين الجمعيات وإن كان يقرر المبدأ الدستورى على حق المصريين في تكوين أى نوع من الجمعيات، بما في ذلك الجمعيات السياسية إلا أنه لا يمكن مباشرة هذا الحق إلا بصدور القانون الذي ينظم كل نوع من أنواع هذه الجمعيات، وبالنسبة للأحزاب كجمعيات سياسية فانه يتعين صدور القانونى المنظم للأحزاب السياسية حتى يمكن مباشرة الحق الدستورى الذي تضمنه النص طبقا للقواعد التي بينها هذا القانون.
وأساس ذلك ما يلى:
( أ ) أن الحزب السياسى لا يعدو كونه، جماعة منظمة، أو جمعية منظمة أو تنظيما لمجموعة من المواطنين، يعملون كوحدة سياسية لتجميع الناخبين والحصول على تأييدهم لأهداف وبرامج تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة، وصولا إلى الحصول على ثقة أغلبية الناخبين، وبالتالى على السلطة بشكل شرعى لوضع هذه الاهداف والبرامج موضع التنفيذ وبناء على أنه من المسلمات في الفقة الدستورى المصرى والمقارن ومن استقراء الدساتير المصرية السابقة ودساتير دول العالم على اختلاف نظمها واتجاهاتها السياسية والاجتماعية، أو حق تكوين الأحزاب السياسية يعد حقا من الحقوق الدستورية العامة المتفرعة على حق تكوين الجمعيات أو الجامعات ما دام أن الدستور لا يخصص هذا الحق بنوع معين أو محدد منها ولا يحظر بالذات تكوين هذا النوع من الجمعيات السياسية بنص صريح يحظر فيه تشكيل الأحزاب السياسية أو يفرض فيه نظام الحزب الواحد.
كما أنه من المسلمات في هذا الفقه أن حق تكوين الجمعيات وبينها الأحزاب السياسية ينبثق عن الحقوق والحريات العامة التي تقررها الدساتير الديمقراطية بصفة أساسية. وهى حق الانتخاب والترشيح والاستفتاء وحرية الاجتماع وإبداء الرأى والعقيدة السياسية بوسائل الاعلام المختلفة باعتبارها حقوق وحريات حتمية يتعين الاعتراف بها نتيجة التسليم بالسيادة للشعب وهى كذلك يترتب على التسليم بها حتما التسليم بحق التجمع السياسى في صورة الأحزاب.
(ب) أن الفقرة الأولى من المادة (55) من الدستور قررت الحق للمصريين في تكوين الجمعيات طبقا للقانون - وفى ذات الوقت حظرت فقرتها الثانية تكوين الجمعيات ذات النشاط المعادى لنظام المجتمع أو الجمعيات السرية أو ذات الطابع العسكرى ولم يكن ثمة مبرر للنص في هذه الفقرة والثانية على هذا الحظر لهذا النوع من الجمعيات وهى بالضرورة جمعيات سياسية إلا لو كان تعبير الجمعيات في الفقرة الأولى من النص مقصودا به كل أنواع الجمعيات وبينها الجمعيات السياسية أو الأحزاب السياسية.
يؤكد ذلك أن النص الذي عرض في الأعمال التحضيرية للدستور للمادة (55) كان (4) يقتضى بأن "للمواطنيين حق تكوين الجمعيات بقصد تنمية النشاط السياسى والاجتماعى والاقتصادى والثقافى لقوى الشعب العاملة.
والجمعيات السرية محظورة وكذلك الجمعيات التي تسعى ولو بطريق غير مباشرة إلى أهداف سياسية عن طريق تشكلات ذات طابق عسكرى."
وقد عدلت صياغة النص على النحو الوارد في الدستور ولم يطرأ على عبارات النص ما بغير المعنى المقصود بعباراته في فقرتية الأولى والثانية إذا أن ارتباط هاتين الفقرتين يحتم فهم حكم المادة في صياغتها الأخيرة بما يشمل الأحزاب السياسية ولكن ما أضيفت إلى الفقرة الأولى - من النص على أن ممارسة حق تكوين الجمعيات يكون طبقا للقانون - هو الذي جعل هذا الحق معلقا على صدور القوانين التي تنظم الانواع المختلفة منها وبينها قانون الاحزاب السياسية ويقتضى اشتراط الفقرة الأولى من المادة (55) من الدستور صدور القانون المنظم للأحزاب السياسية لقيامها - أن المشرع الدستورى قد ترك أمر تقدير ملاءمة صدور هذا القانون للمشرع العادى فما لم يصدر قانون بنظام الاحزاب السياسية فانه لا يمكن دستوريا قيام هذه الأحزاب.
ومن ثم فان حق المصريين في تكوين الأحزاب السياسية يقوم مستمدا بصورة صريحة من المادة (55) من الدستور التي تقرر حق المصريين في تكوين الجمعيات، وبصورة ضمنية وحتمية من أن نظام الدولة يقوم في الدستورى على الديموقراطية وتحالف قرى الشعب العاملة وأن السيادة للشعب وحدة وهو مصدر السلطات ويحميها ويحمى الوحدة الوطنية على الوجة المبين في الدستور ومن باقى نصوص الدستور التي تقرر الحقوق والحريات والواجبات العامة وبصفة خاصة حرية الرأى (م 47) وحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلان (م 48) وحرية الاجتماع والتظاهر (م 54) وحق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى في الاستفتاء والمساهمة في الحياة العامة (م 62) وحق الهيئات النظامية والاشخاص الاعتبارية في مخاطبة السلطات العامة باسم الجمعيات المختلفة (م 33).
إلا أن مباشرة الحق الدستورى في تكوين الجمعيات بكافة أنواعها لا يمكن ممارسته إلا لو صدرت القوانين المنظمة لكل نوع منها وبالنسبة للجمعية السياسية أو الحزب السياسى فإنه يتعين طبقا لنص الدستورية ممارسة حق قيامها أن يصدر القانون المنظم لها بما يتفق وأحكام هذا الدستور وبخاصة المادة (5) منه وبمراعاة المبادئ الاساسية التي قررتها بالنسبة للاتحاد الاشتراكى العربى وصيغة تخالف قوى الشعب العاملة وأهداف هذا الاتحاد والأسس الجوهرية التنظيمية على أساس الديموقراطية وحماية نسبة الـ 50% المقررة للعمال والفلاحين في داخله.
(جـ) أن العرف الدستور قد جرى في مصر باستقرار ودون أية شبهة على التسليم بحق المصريين في تكوين الأحزاب السياسية حتى في ظل الدساتير التي صدرت خلال فترة الاحتلال والإدارة المباشرة من السلطة المحتلة لشئون البلاد وفى ظل دستورى سنة 1923، سنة 1930 - ولم يتغير هذا المبدأ بعد الثورة من الناحية الدستورية - وإنما حدث التغير من الناحية القانونية إذ أنه صدر في ظل مبادئها الستة المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 بشأن تنظيم الأحزاب السياسية، فاصبح لا يمكن مباشرة الحق الدستورى الا في نطاقه، ثم صدر المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953 الذي قرر صراحة حل الأحزاب القائمة وحظر تشكيل الاحزاب السياسية أو ممارسة أى نشاط حزبى، ولم يرد في أى من الدساتير التي صدرت بعد الثورة في السنوات سنة 1956، سنة 1958، سنة 1964، ولا في دستور سنة 1971 - كما سبق القول - أى نص على أن الاتحاد الاشتراكى العربى هو التنظيم السياسى الوحيد في البلاد ولا أى نص على حظر تكوين الاحزاب السياسية بل وردت كل هذه الدساتير النص على حق المصريين في تكوين الجمعيات طبقا للقانون الذي يصدر بتنظيمها.
(د) ان العرف التشريعى بعد الثورة سواء قبل سنة 1971 وما بعدها قد جرى على أن الحائل دون قيام الأحزاب ليس حائلا دستوريا ولكنه حائل قانونى يتمثل فى:
(أولا) أحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953 بشأن حل الأحزاب السياسية.
(ثانيا) عدم صدور قانون منظم لهذه الأحزاب السياسية باعتبارها نوعا من الجمعيات التي لا يمكن مباشرة الحق في انشائها وتكوينها إلا طبقا للقانون وذلك بعد إلغاء القانون رقم 179 لسنة 1952 بتنظيم الأحزاب السياسية.
(ثالثا) صدور القانون رقم 34 لسنة 1972 بحظر تكوين أية تنظيمات خارج الاتحاد الاشتراكى العربى والنص على أنه التنظيم السياسى الوحيد في البلاد.
يؤكد ما سبق أنه قد صدر هذا القانون مقررا ذلك تأسيسا على أنه رغم حل الأحزاب السياسية وحظر تكوينها بالمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1953 مع عدم ورود نص صريح في الدستور أو في أى قانون أو وثيقة سياسية على كون الاتحاد الاشتراكى هو التنظيم السياسى الوحيد، فإنه حماية لمقتضيات الوحدة الوطنية وسلامة الجبهة الداخلية يتعين النص على ذلك بقانون وهو ما قررته المادة الثانية في قانون حماية الوحدة الوطنية المذكور التي تقضى بأن:


(1) الوقائع عدد (5 مكرر) غير إعتيادى في 18 من يناير سنة 1953
(2) الوقائع العدد (5 مكرر ب) في 18 من يناير سنة 1953
(3) تم الاستفتاء على ورقة أكتوبر والموافقة عليها في مايو 1974
(4) الأعمال التحضيرية لدستور سنة 1971 (لجنة المقومات الأساسية واللجان المتفرعة عنها المحضر الخامس في 12/ 6/ 1971 ص 3 وما بعدها.

 

 


"الاتحاد الاشتراكى العربى هو التنظيم السياسى الوحيد المعبر عن تحالف قوى الشعب العاملة.
وهو يكفل أوسع مدى للمناقشة الحرة داخل تشكيلاته والتنظيمات الجماهيرية المرتبطة به.
ولا يجوز إنشاء تنظيمات سياسية (5) خارج الاتحاد الاشتراكى العربى أو منظمات جماهيرية أخرى خارج المنظمات الجماهيرية التي تشكل طبقا للقانون".
وقد بررت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أحكامه، بأن الوحدة الوطنية تعنى حشد كل الطاقات في مجرى واحد نحو هدف واحد فإنها يجب أن تقف على أرضية مشتركة من المصالح القومية التي لا نزاع فيها فهناك مصالح موحدة ذات وزن قومى شامل ولا خلاف عليها بين مختلف قوى التحالف، وفى مقدمتها تحرير الأرض واستمرار التطور على الطريق الاشتراكى والإنتماء المصيرى للأمة العربية - كما أن هناك مصالح خاصة لكل قوى اجتماعية ويجب تحديدها بحيث لا تتعارض مع المصالح القومية الموحدة، وبحيث تسمح الإمكانيات المتاحة والظروف الراهنة بتحقيقها دون أن يترتب على ذلك إنحراف عن طريق التحول الاشتراكى والديمقراطى السليم.
وعلى هذا فان كل مواطن وكل هيئة أو جهة أو طائفة أو فئة مطالبة بأن تراعى ذلك في تصرفاتها، وأن يكون سلوكها متفقا مع تحديد الأرضية المشتركة التي تقف عليها وحدتنا الوطنية.
واستطردت المذكرة إلى أنه "ما دام الاتحاد الاشتراكى العربى هو التنظيم السياسى الوحيد الذي يعبر عن تحالف قوى الشعب العاملة أى عن وحدته الوطنية فإنه من المحظور بداهة أن يسمح بإقامة تنظيمات سياسية أخرى تفتت الوحدة القائمة على تحالف قوى الشعب العاملة، وبالمثل فإنه لا يجوز إقامة منظمات جماهيرية خارج المنظمات الجماهيرية التي تقوم شرعا في ظل القانون، مثل النقابات والجمعيات التعاونية والغرف التجارية والصناعية والاتحادية.
ومع ذلك فمن الخطأ أن يظن تحقيق الوحدة الوطنية يعنى توحيد كافة الآراء والاتجاهات أو أن هذه الوحدة الوطنية تضيق بالنقاش واختلاف الرأى.
ومن هنا كان النص الصريح في المادة الثانية على أن الاتحاد الاشتراكى العربى يكفل أوسع مدى للمناقشة الحرة داخل تشكيلاته وتنظيماته الجماهيرية المرتبطة به... وكل صاحب رأى يمكن أن يبدى رأيه ويقوم ما يريد بغير حرج في نطاق المؤسسات الدستورية والسياسية وخارجها وأبواب الاتحاد الاشتراكى ومجلس الشعب مفتوحة له ولكن إقامة أى تنظيمات خارج نطاق المؤسسات الدستورية والتنظيمات الشرعية من شأنه أن يتحول إلى معول انقضاض على الوحدة الوطنية وهو ما حظره الاقتراح بمشروع قانون في الفقرة الثانية.
كما أن المادة الثالثة تحظر إقامة أى تنظيمات سياسية خارج نطاق الاتحاد الاشتراكى العربى، وذلك بصرف النظر عن الغرض منها أى دون أن تتطلب أن يكون الغرض منها الدعوى إلى مناهضة المبادئ الأساسية للمجتمع ومن هنا فإن نطاق هذه الجريمة يختلف عن الجريمتين المنصوص عليها في المادتين 98، 98 مكرر من قانون العقوبات.... الخ".
(هـ) بالإضافة إلى ما سبق، فقد كان ثمة (6) رأى في لجنة نظام الحكم التي كانت مكلفة بتحضير نصوص الدستور الحالى. يرى عدم إيراد نص في الدستور عن الاتحاد الاشتراكى العربى ذاته إكتفاء بالنص على حرية المواطنين في تكوين الجمعيات باعتبارها تشمل هذا التنظيم السياسى - ورغم أنه لم يؤخذ بهذا الرأى من غالبية أعضاء اللجنة وانتهت إلى وضع نص في الدستور على الاتحاد الاشتراكى، فإن ذلك لم يكن أساسه أن حق تكوين الجمعيات لا يدخل فيها الجمعيات السياسية أى الأحزاب السياسية، ولكن لأن ثمة مسائل أساسية وجوهرية تتعلق بالحقوق والحريات العامة للمواطنيين وهى الأساس الجوهرى لتنظيم وكيان الاتحاد الاشتراكى ذاته، وما يقوم عليه من التغيير عن تحالف قوى الشعب العاملة والوحدة الوطنية كأساسين دستوريين للنظام السياسى في البلاد وهى لا يجوز تقريرها على نحو مشروع إلا بنص في الدستور وقد صدر الدستور متضمنا المادة (5) منه على النحو السالف ذكره.
(و) أخذ المشروع بهذا النظر الدستورى السديد في المادتين الأولى والثانية من القرار بقانون رقم (2) لسنة 1977 بشأن حماية حرية الوطن والموطن إذ قضت المادة الأولى منه بأن حق تكوين الاحزاب مكفول طبقا لما ينص عليه القانون الخاص بانشاء الأحزاب حال صدوره من السلطة التشريعية أى أن الحق في إنشاء الأحزاب السياسية معلق بصدر القانون المنظم لها حسبما تستلزم ذلك الفقرة الأولى من المادة (55) من الدستور وتنص المادة (2) بأن التنظيمات السرية أو التنظيمات المعادية لنظام المجتمع أو ذات الطابع العسكرى محظورة طبقا للدستور وهذا الحظر هو ذاته الوارد في الفقرة (2) من المادة (55) من الدستور فأساس حرية تكوين الأحزاب السياسية إذن في نظر القرار بالقانون رقم 2 لسنة 1977 الذي وافق عليه الشعب في الاستفتاء هو نص المادة (55) من الدستور التي قررت للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون، وحظرت في فقرتها الثانية الجمعيات السرية أو المعادية لنظام المجتمع أو ذات الطابع العسكرى وهو ذاتها شاملة للتنظيمات الحزبية المحظورة طبقا للمادة (2) من القانون المذكور.
وبناء على كل ما سبق وعلى أن الدستور المصرى الحالى لم ينص صراحة على حظر تكوين الأحزاب السياسية، أو على أن الاتحاد الاشتراكى العربى هو التنظيم السياسى الوحيد في مصر كما لم يتضمن الدستور في مادته الخامسة تحديدا ملزما لشكل تنظيمى معين وحيد لهذا الاتحاد على أساس هرمى أو جغرافى للتنظيمات السياسية لصيغة تحالف قوى الشعب العاملة التي يعبر عنها الاتحاد الاشتراكى العربى، وعلى تقرير الدستور في المادة (55) منه حق المصريين في تكوين الجمعيات بصفة عامة طبقا لأحكام القانون واستنادا إلى باقى مواد الدستور التي تقضى بأن نظام الدولة ديمقراطى واشتراكى والتى تقرر الحقوق والحريات العامة للمواطنين وبصفة خاصة حق مباشرة الحقوق السياسية وحق الاجتماع وحرية الرأى والصحافة ووسائل الإعلام، فإنه ليس ثمة ما يمنع دستوريا قيام الأحزاب السياسية بعد تنظيم هذه الأحزاب بقانون خاص يتفق مع أحكام الدستور ويراعى بصفة خاصة الأحكام المقررة في المادة (5) منه بشأن الاتحاد الاشتراكى العربى.
الأداة التشريعية اللازمة لتنظيم الاتحاد الاشتراكى العربى:
ورد النص في دستور يناير سنة 1956 الذي أنشأ الاتحاد القومى على أنه يتم تنظيمه وتكوينه بقرار يصدر من رئيس الجمهورية. وقد تكرر هذا النص في المادة (72) من دستور سنة 1957 - ومع ذلك فانه لم يرد في دستور سنة 1964 أى نص على السلطة التي تضع القانون الأساسى للاتحاد الاشتراكى العربى، وقد أحال الدستور الحالى في المادة (5) منه إلى النظام الأساسى للاتحاد الاشتراكى العربى في تحديد تنظيماته وشروط العضوية فيه وضمان ممارسة نشاطه بالأسلوب الديمقراطى.
وغنى عن البيان أن عبارة النظام الأساسى للاتحاد الاشتراكى العربى لا تفيد في التوصل إلى تحديد نوعية الأداة التشريعية التي يصدر بها فإن القوانين تصدر كذلك لوضع أنظمة أساسية لأية جهة أو هيئة أو شخص معنوى، وكذلك فإن مجرد قرار من جمعية عمومية لشخص معنوى قد يضع لها لائحة أو نظاما أساسيا إذا قرر القانون الذي يخضع له هذا الشخص المعنوى ذلك.
لقد ورد النص في الدستور الحالى مغفلا تحديد السلطة التي تضع النظام الأساسى للاتحاد، ودون أن يضع تحديدا قاطعا لهذه السلطة سواء في داخل الاتحاد ذاته أو في خارجه، ولم يرد كذلك نص دستورى يخطر على السلطة التشريعية أن تمارس ولايتها العامة في التشريع بالنسبة للاتحاد الاشتراكى العربى. ومن ثم يثور البحث فيمن يقنن ويشرع للإتحاد الاشتراكى العربى، هل هى السلطة التشريعية ومن ثم يكون النظام السياسى واجب الصدور بقانون، أم أنه رئيس الجمهورية بصفته رئيس دولة أم بصفته سلطة داخلية في الاتحاد الاشتراكى ذاته، أم أن الأمر يتوقف على طبيعة القواعد المراد تشريعها، بحيث يتحدد الاختصاص للسلطة التشريعية أو للسلطة النظامية الداخلية في الاتحاد بحسب طبيعة هذه القواعد التنظيمية.
والمقرر في الغالبية العظمى للأنظمة الدستورية المعاصرة أنها تقوم على أن سلطة التشريع يتولاها بصفة أساسية البرلمان. واختصاصه يشمل كل شئ حتى ما تنظمه السلطة التنفيذية أو غيرها بلوائح ويوجد عدد ضئيل من الدساتير مثل الدستور الفرنسى المسمى بدستور (7) ديجول يقوم الاختصاص التشريعى فيه على الأساس العكسى، حيث حددت إختصاصات السلطة التشريعية على سبيل الحصر ونص صراحة على أن باقى الموضوعات تنظم بلوائح تصدرها السلطة التنفيذية.
وبالنسبة للنظم الدستورية التي تقوم على أساس أن السلطة التشريعية هى السلطة الأصلية وصاحبة الولاية العامة في التشريع فإن من المسلم به أن لهذه السلطة تنظيم حتى ما يمكن تنظيمه بلوائح تنفيذية بقوانين، بينما يبقى اختصاص السلطة التنفيذية أو أية سلطة أخرى في الدولة اختصاصا مقيدا من الناحية التشريعية أو التنظيمية لا يجوز لها تجاوزه أو الافتئات على الاختصاص المحجوز للسلطة التشريعية في الدستور أو تعديل ما تكون قد أصدرت قوانين بتنظيمه ولو كان أصلا ليس محجوزا لتنظيمه صراحة بنص الدستور بهذه الأداة التشريعية. ومن ثم فإنه في مثل هذه النظم الدستورية فإن الأصل أن خطاب المشرع الدستورى عندما يقرر إصدار نظام أساسى لتنظيم موضوع معين - دون أن ينص على أن يصدر هذا النظام صراحة كلائحة تنفيذية أو تفويضية من السلطة التنفيذية أو من سلطة محددة - يكون بالضرورة موجها إلى السلطة الأصلية المختصة بالتشريع وهى السلطة التشريعية وليس لأية سلطة أخرى وخاصة السلطة التنفيذية التي لا شأن لها بالتشريع الأعلى سبيل الاستثناء والحصر.
يؤكد ذلك مقارنة نص المادة الخامسة من الدستور والمنهج الذي اتبعته في شأن النظام الاساسى للاتحاد الاشتراكى العربى والمادة (104) منه التي أناطت بمجلس الشعب صراحة وضع لائحة تنظيم أسلوب العمل فيه وكيفية ممارسته لوظائفه.
ونظام الدستور (8) المصرى الصادر سنة 1971 يجعل الأصل في التشريع للسلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشعب والاستثناء في حالات على سبيل الحصر للسلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية ومن ثم فإن النظام الأساسى للاتحاد الإشتراكى العربى هو على هذا الأساس نظام يجوز أن يصدر بقانون من السلطة التشريعية أى من مجلس الشعب.
كذلك فإن الإتحاد الإشتراكى العربى ليس - بنص الدستور ذاته - ويحسب أعماله التحضيرية سلطة دولة على أى وجه وهو لا يشارك سلطات الدولة الثلاث سلطاتها بأية صورة، إنما هو تنظيم سياسى شعبى يمثل صيغة تحالف قوى الشعب العاملة، ومن ثم فإنه لا يمكن أن يكون له صفة أو لأية جهة داخله في التشريع لنفسه إلا وفقا لما يحدده القانون الذي قد يصدر من السلطة التشريع في هذا الشأن بمراعاة القواعد المقررة في الدستور.
وقد أثير في مناقشات الأعمال (9) التحضيرية للدستور - الاعتراض على وضع النظام الأساسى للاتحاد الاشتراكى العربى بقرار من رئيس الجمهوريه وصدوره باسم قانون الاتحاد الاشتراكى العربى - لأن ما يتضمنه هذا النظام الأساسى مما يتصل بالحريات والحقوق العامة للمصريين - ومن ثم مما يجب النص عليه في الدستور ذاته وقد وافقت لجنة نظام الحكم على ضرورة أن ينص في الدستور على أن:
1 - الاتحاد الاشتراكى ليس سلطة دولة وليس بذاته حزبا وإنما هو تنظيم سياسى شعبى
2 - إن الإنضمام اليه حق لكل مواطن وأن من الضرورى أن تحدد في الدستور ذاته حالات الحرمان من هذه العضوية فيما لو أبقى اشتراط العضوية للترشيح لمجلس الأمة أو لغير ذلك من المناصب والوظائف المختلفة، وضرورة أن ينص على أن هذا الشرط ذاته في الدستور لو أريد الابقاء عليه رغم انتقاده والاعتراض عليه.
3 - النص على نسبة الـ 50% المقررة في تنظيمات الاتحاد الاشتراكى كحد أدنى للعمال والفلاحين.
4 - النص على اتباع الأسلوب الديموقراطى في كافة تشكيلاته.
5 - النص على أن رئيس الدولة المنتخب هو رئيس الاتحاد الاشتراكى
وقد صدر نص (10) المادة (5) من الدستور متضمنا في صياغته مراعاة المبادئ (1)، (3)، (4). مما أنتهت اليه اللجنة التحضيرية من مبادئ بشأن هذا الاتحاد وترك أمر التنظيمات وشروط العضوية كما سبق البيان للنظام الأساسى للاتحاد الذي لم يحدد الدستور السلطة المختصة تشريعيا بوضعه.
وإذ ما تم النظر بتعمق إلى ما أورده نص المادة الخامسة من الدستور من أحكام أساسية بالنسبة للاتحاد الاشتراكى العربى سواء من حيث إن هذا الاتحاد هو التنظيم السياسى الشعبى الممثل لتحالف قوى الشعب العاملة وأن تنظيماته هى وسيلة تأكيد سلطته بين الجماهير وما يستهدفه وجوده دستوريا من تعميق قيم الديموقراطية والاشتراكية ومتابعة العمل الوطنى وما يحتمه الدستور من كفاية اتباع الأسلوب الديموقراطى في تنظيمات هذا الاتحاد فإن كل ذلك يتعلق بلا خلاف بالنظام السياسى وحرية ممارسة العمل السياسى ونظامه في الدولة ككل ويثير قضايا العلاقة بين هذا التنظيم الشعبى وغيره من سلطات الدولة على نحو يقتضى أن يكون تنظيمه بحكم الضرورة ذا علاقة حتمية بالحقوق والحريات العامة للمواطنين ويستلزم دستوريا أن يكون هذا التنظيم فيما يتعلق بذلك كله بقانون.
وإذا كان النص في الدستور ذاته فيما يتعلق بما ورد في المادة (5) ذاتها كان مبرره أساسا هو اتصال هذه الأحكام بالحريات والحقوق العامة من جهة فضلا عن أهمية الاتحاد الاشتراكى العربى ودوره بالنسبة لصيغة تحالف قوى الشعب العاملة في الحياة السياسية المصرية من جهة أخرى - فإن كل ما يتعلق إذن بالحريات والحقوق العامة للمصريين، أو يتصل بصفة عامة بأمر من الأمور التي ورد النص في الدستور على أن يكون تنظيمها بقانون ولو كان يتعلق بالاتحاد الاشتراكى العربى يجب أن ينظم بقانون وليس بأداة تشريعية أدنى من ذلك.
وأنه وإن جاز أن تصدر بعض القواعد التنظيمية الداخلية لهذا الاتحاد بأداة أدنى من القانون إلا أن هذا التنظيم الداخلى يجب أن يتحدد نطاقه والسلطة المختصة بوضع القواعد المتعلقة به داخل الاتحاد الاشتراكى ذاته بالقانون الذي يصدر في هذا الشأن.
وبناء على ذلك فإن المسائل التنظيمية الداخلية للاتحاد الاشتراكى العربى وإن كان يمكن أن تصدر وأن تتولاها أجهزته القيادية إلا أنها بالضرورة يتعين ألا تكون مما يتحتم تقريره بقانون أو بناء على قانون طبقا لنصوص الدستور كما أنه يتعين أن يحدد القانون ذاته السلطة التي لها دخل تشكيلات هذا الاتحاد وضع القواعد التنظيمية الداخلية المتفقة مع قواعد الديموقراطية التي حتم نص الدستور ذاته التزامها في تنظيماته وتشكيلاته المختلفة.
ويؤكد ما سبق أنه قد جرى العرف التشريعى في مصر سواء قبل ثورة التصحيح أو بعدها على التسليم بأن تنظيم ما يتعلق بالحقوق والحريات العامة للمواطنين ولو اتصل بالاتحاد الاشتراكى العربى يجب أن يصدر بقانون والأمثلة على ذلك متعددة نجتزئ منها ما يلى:
1 - اشتراط عضوية الاتحاد الاشتراكى العربى للترشيح لعضوية أى منصب انتخابى أو نقابى بقوانين خاصة أو بإضافة الشرط إلى القوانين المنظمة للنقابات المهنية والجمعيات التعاونية والعمد والمشايخ وتمثيل العمال في مجالس الإدارة... الخ.
2 - تقرير أن الاتحاد الاشتراكى هو التنظيم السياسى الوحيد وقد سبق بيان أن ذلك قد تقرر بالقانون رقم (34) لسنة 1972 بشأن حماية الوحدة الوطنية للاعتبارات التي صدر من أجلها هذا القانون.
3 - تعريف العامل والفلاح وقد تضمنته أحكام المادة (3) من القانون رقم (38) لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب بعد تعديلها بالقانون رقم (109) لسنة 1976
4 - إثبات صفة المرشح لعضوية مجلس الشعب - وقد تضمنت أحكام القانون رقم (38) لسنة 1972 الاكتتاب بتقديم بطاقة العضوية، في الاتحاد الاشتراكى لإثبات ذلك ثم بعد تعديله بالقانون رقم 109 لسنة 1976 نظم المشرع ذلك حيث اكتفى بإقرار المرشح ذاته.
5 - إلغاء اشتراط العضوية العاملة في الاتحاد الاشتراكى العربى لشغل المناصب أو الوظائف وقد تقرر ذلك بالقانون رقم (36) لسنة 1975 وبناء على ما سبق فإنه طبقا للمبادئ الدستورية وأصول التفسير السليمة لنص المادة (5) من الدستور والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها هذا النص ومبدأ سيادة القانون الذي كرسته مواد الباب الرابع منه فإنه يتعين التسليم بما يلى:
(أولا) إن كل ما يتعلق بالحريات والحقوق العامة للمصريين أو بما ورد بشأنه نص صريح في الدستور يستلزم أن يكون تنظيمه بقانون وليس بأداة تشريعية أدنى يجب أن ينظم بقانون ولو تعلق بالاتحاد الاشتراكى العربى.
(ثانيا) إنه يتعين على السلطة التشريعية بل إنه من واجبها أن تحدد بقانون القواعد الأساسية اللازمة لتنظيم الاتحاد الاشتراكى العربى بما يحقق المبادئ المقرره في المادة (5) من الدستور والتى لا يمكن تحقيقها إلا بناء على قانون يصدر من السلطة الشرعية صاحبة الولاية الأصلية في التشريع، تحدد فيه القواعد التي تضع مبادئ الدستور موضع التنفيذ بالنسبة لهذا الاتحاد الاشتراكى وتحدد أيضا نطاق القواعد التنظيمية الداخلية والتنظيمات المختصة بإصدارها، ويعد هذا القانون من القوانين الأساسية المكملة للدستور.
(ثالثا) إنه لا يوجد دستوريا ما يمنع السلطة التشريعية أن تضع بقانون أية تنظيمات تراها للاتحاد الاشتراكى العربى بما لا يخالف نص الدستور ولو كان ما تضعه يتصل بصميم التنظيم الداخلى لشئون هذا الاتحاد سواء من حيث تنظيماته أو أجهزته أو أمواله أو أعضائه أو العاملين فيه أو إجراءات وأسلوب ممارسة نشاطه.. الخ.
وأنه تملك السلطة التشريعية بقانون إلغاء أية قواعد تنظيمية داخلية صدرت من أية جهة أو مستوى تنظيمى في هذا الاتحاد.
ويؤكد سلامة هذه النتائج وصحتها من الناحية الدستورية أن المادتين (1)، (2) من القرار بقانون رقم (2) لسنة 1977 الذي تمت موافقة الشعب عليه في الاستفتاء تقومان على أساس التسليم بالمبادئ الدستورية السابقة - فأحكام هاتين المادتين تسلم صراحة بأن مجلس الشعب هو صاحب الولاية التشريعية العامة وصاحب الولاية بالتالى في وضع القانون الذي ينظم الأحزاب السياسية وينظم صلتها وعلاقتها بالاتحاد الاشتراكى العربى وتنظيمات هذا الاتحاد بمراعاة أحكام الدستور وبصفة خاصة المادة الخامسة منه.
القواعد الدستورية الأساسية التي يخضع لها تنظيم الاتحاد الاشتراكى والأحزاب السياسية:
وتأسيسا على كل ما سبق فإن اللجنة قد انتهت في هذا الشأن إلى النتائج الدستورية الأساسية التالية:
(أولا) إن المحظور طبقا للدستور هو إلغاء الإتحاد الإشتراكى العربى إلغاء تاما إلا بتعديل في المادة الخامسة وطبقا للقواعد المقررة في المادة (189) من الدستور فالاتحاد الاشتراكى العربى، تنظيم دستورى سياسى ديمقراطى شعبى يمثل تحالف قوى الشعب العاملة وأساس وجوده هو الدستور ذاته.
(ثانيا) إن الدستور لم يجعل من الإتحاد الإشتراكى العربى التنظيم السياسى الوحيد - وإنه وإن جرى العمل على عدم وجود أية تنظيمات سياسية أخرى غيره إلا أنه لم يرد أى نص على ذلك إلا في المادة الثانية من القانون رقم (34) لسنة 1972 بشأن حماية الوحدة الوطنية فهو مانع تشريعى أداته القانون وليس مانعا دستوريا.
(ثالثا) إن قيام الأحزاب السياسية حق دستورى للمصريين لا يحول نص المادة الخامسة في الدستور دون مباشرته وكل ما يحظر قيامها هى نصوص قانونى حل الأحزاب السياسية وحماية الوحدة الوطنية وعدم وجود قانون منظم لإنشاء هذه الأحزاب كما تستلزم ذلك أحكام المادة (55) من الدستور.
(رابعا) إنه لا يتقيد مجلس الشعب في تنظيمه للإتحاد الإشتراكى العربى أو للأحزاب السياسية إلا بالمبادئ الأساسية الواردة في الدستور وبصفة خاصة في المادة الخامسة منه - وليس في هذه المبادئ والقواعد ما يقيد السلطة التشريعية بصدد الشكل التنظيمى للاتحاد الإشتراكى ما دام أن هذه التنظيمات يراعى في تشكيلها المبدأ الديمقراطى ويراعى في تنظيم مباشرتها لمهمتها هذا المبدأ وما دام يلتزم هذا التنظيم السياسى باداء مهمته المحددة في تلك المادة باعتباره تنظيما سياسيا شعبيا يمثل تحالف قوى الشعب العاملة وهو أداة هذا التحالف ووجوده يستهدف تعميق قيم الديمقراطية والاشتراكية.
(خامسا) إن على مجلس الشعب بصفته صاحب ولاية التشريع العامة أن ينظم الشئون المتعلقة بالاتحاد الاشتراكى العربى وأن يضع القواعد القانونية الأساسية اللازمة له سواء فيما يتعلق بتنظيمه أو تنظيماته أو بعلاقته بهذه التنظيمات أو في مباشرته لنشاطه أو حدود اختصاصاته أو أى أمر أو شأن يتعلق به ولا يتقيد المجلس في هذا الشأن إلا بالأحكام الواردة في الدستور سواء في المادة الخامسة منه أو في باقى مواد الدستور بل إن المشروع الدستورى يدعو المجلس إلى إصدار هذا التنظيم بقانون بما يتلاءم مع التطوير المستمر للحياة السياسية في البلاد وبما يمكن من تحقيق الأهداف المقصودة من الوجود الدستورى للاتحاد الاشتراكى العربى.
- وقد تضمنت مقدمة الدستور هذه الدعوة عندما نصت على أن "جماهير شعب مصر باسم الله وبعون الله تلتزم إلى غير ما حد وبدون قيد أو شرط بالتطوير المستمر للحياة في وطننا، عن إيمان بأن التحدى الحقيقى الذي تواجهه الأوطان هو تحقيق التقدم، والتقدم لا يحدث تلقائيا بمجرد الوقوف عند إطلاق الشعارات وإنما القوة الدافعة لهذا التقدم هى إطلاق جميع الإمكانات الخلاقة والمبدعة لشعبنا الذي سجل في كل العصور إسهامه عن طريق العمل وحده في أداء دوره الحضارى لنفسه وللإنسانية.
لقد خاض شعبنا تجربة تلو أخرى، وقدم أثناء ذلك واسترشد خلال ذلك بتجارب غنية وطنية وقومية وعالمية، عبرت عن نفسها في نهاية مطاف طويل بالوثائق الأساسية لثورة 23 يوليو سنة 1952 التي قادها تحالف القوى العاملة في شعبنا المناضل، والذى استطاع بوعيه العميق وحسه المرهف، أن يحافظ على جوهرها الأصيل وأن يصحح دواما وباستمرار مسارها وأن يحقق بها تكاملا يصل حد الوحدة الكلية بين العلم والإيمان وبين الحرية السياسية والحرية الاجتماعية وبين الاستقلال الوطنى والانتماء القومى وبين عالمية الكفاح الإنسانى من أجل تحرير الإنسان سياسة واقتصادا وثقافة وفكرا والحرب ضد قوى ورواسب التخلف والسيطرة والاستغلال.
كما تلتزم بتحقيق الحرية لإنسانية المصرى عن إدراك لحقيقة أن إنسانية الإنسان وعزته هى الشعاع الذي هدى ووجه خط سير التطور الهائل الذي قطعته البشرية نحو مثلها الأعلى وأن كرامة الفرد هى انعكاس طبيعى لكرامة الوطن ذلك أن الفرد هو حجر الأساس في بناء الوطن وبقيمة الفرد وبعمله وبكرامته تكون مكانته وقوته وهيبته.
وإن سيادة القانون ليست ضمانا مطلوبا لحرية الفرد فحسب ولكنها الاساس الوحيد لمشروعية السلطة في ذات الوقت وان صيغة تحالف قوى الشعب العاملة ليست سبيلا للصراع الاجتماعى نحو التطور التاريخى ولكنها في هذا العصر الحديث ومناخه ووسائله صمام أمان يصون وحدة القوى العاملة في الوطن، ويحقق إزالة المتناقضات فيما بينها في التفاعل الديموقراطى.. إلخ".
ولقد كرر هذه الدعوة للمجلس السيد رئيس الجمهورية في خطابه في أول دور انعقاد للمجلس الحالى في 11 من نوفمبر سنة 1976.
كما تكررت هذه الدعوة في القرار بقانون رقم (2) لسنة 1977 بشأن حماية حرية الوطن والمواطن عندما قضى في مادته الأولى بأن حرية تكوين الأحزاب السياسية مكفولة للمصريين طبقا للقانون الذي يتولى هذا المجلس إعداده والموافقة عليه.
القواعد الأساسية التي يقوم عليها الاقتراح بمشروع قانون بنظام الأحزاب السياسية:
إن التوصل إلى هذه القواعد يقتضى دراسة العيوب والمساوئ التي صاحبت التنظيمات السياسية المختلفة في التطور الدستورى في مصر منذ ما قبل ثورة يوليو سنة 1952 حتى الآن، وذلك سواء في الأحزاب السياسية التي كانت موجودة قبل حلها، أو في هيئة التحرير، ثم في الاتحاد القومى، ثم الاشتراكى هذا فضلا عن دراسة مزايا ومساوئ الاحزاب السياسية في الفكر الدستورى والسياسى المقارن أو في الفكر السياسى والدستورى المصرى، متمثلا في وثائقنا السياسية العديدة منذ ثورة سنة 1952 وبعد تصحيح مسارها بعد ثورة 15 مايو سنة 1971 بصفة خاصة والسالف التعرض لما ورد فيها بشأن الأحزاب في هذا التقرير.
ويتعين كذلك دراسة نصوص الدستور الحالى واستلهام المبادئ الأساسية الواجب التزامها في تنظيم الأحزاب السياسية والاتحاد الاشتراكى العربى على النحو الذي يحقق دعم الديموقراطية وتعميقها ويكفل الحرية السياسية والديمقراطية الحقيقية للوطن والمواطنين. والاستناد إلى ذلك كله في وضع الأحكام المنظمة للاتحاد الاشتراكى العربى وللأحزاب في الاقتراح بمشروع قانون الذي أعدته اللجنة بنظام الاحزاب السياسية.
أسس ومبادئ تنظيم الاتحاد الاشتراكى العربى في المشروع:
لقد كان اهتمام الشعب بالاتحاد الاشتراكى العربى أكبر دليل على تقبل الجماهير لفكرة التحالف تقبلا إيجابيا وحرصها على بقائها.
وكان وجود الاتحاد الاشتراكى العربى تعبيرا عن تمسك الشعب بوحدة قوى الشعب العاملة وحرصها على تطوير المجتمع تطويرا سلميا.
ولعل أبرز دليل على ذلك نتيجة الاستفتاء على الميثاق الوطنى سنة 1962 وبرنامج 30 مارس سنة 1968 وبرنامج العمل الوطنى سنة 1971 ومناقشات لجنة الإعداد لدستور التصحيح، وفيما انتهت إليه من اقتراح نص المادة الخامسة منه، ومن موافقة الشعب على الدستور في الاستفتاء في 11 من سبتمبر سنة 1971 ثم في موافقة الشعب على صيغة التحالف في الاستفتاء على ورقة أكتوبر سنة 1974، وعلى ورقة تطوير الاتحاد الاشتراكى سنة 1975، وفى مناقشات لجنة مستقبل العمل السياسى والقرارات التي انتهت إليها هذه اللجنة في 9 مارس سنة 1976، وفى مناقشات الهيئة البرلمانية للاتحاد الاشتراكى العربى في 16، 27 مارس سنة 1976 فجوهر هذا الاتحاد وهو تحالف قوى الشعب العاملة يمثل الصيغة التي تحفظ الوحدة الوطنية، وهى الهدف الأسمى والغرض القومى الذي يلتقى عنده الجميع، وقد أدى الاتحاد الاشتراكى دورا غير منكور في الحفاظ على الوحدة الوطنية، وفى تدريب وإبراز عدد من القيادات السياسية النافعة للوطن ومع ذلك فإن الاجماع ينعقد باستقراء الوثائق السياسية السالفة الذكر بعد إلغاء الأحزاب السياسية وتجربة هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى على أن هذه التنظيمات السياسية قد شابها وبصفة خاصة الاتحاد الاشتراكى العربى العيوب الآتية:
(أولا) فقدان النشأة الشعبية:
لم ينشأ التنظيم برغبة الأعضاء الذين يكونونه ابتداء على نحو تلقائى نتيجة للتجمع السياسى الحر حول أهداف ومبادئ محددة تؤمن هذه الجماهير بالتجمع من أجل تحقيقها والحصول على ثقة المواطنين والوصول بذلك بشكل شرعى إلى السلطة، ولكن نشأ التنظيم بدعوة من السلطة، وبقيادة تمارس بالفعل السلطة مما أدى إلى احتشاد عدد كبير في عضوية التنظيم ليست لها الفعالية السياسية اللازمة.
(ثانيا) عدم التزام الديمقراطية:
ويتمثل ذلك في عدة أمور أساسية هى:
( أ ) قام التنظيم أول الأمر على التعيين رغم كونه ليس حزبا، ورغم انتقاد الأحزاب من هذه الناحية، وتغلب بعد ذلك مبدأ الانتخاب المحدود حتى مستوى معين دون المستويات القيادية العليا، ولم تتم الانتخابات قبل ثورة التصحيح على أساس جدى سليم، حتى في المستويات الدنيا الأمر الذي ترتب عليه بدلا من وجود الممثلين الحقيقيين للجماهير الذين يعبرون عن الاتجاهات المختلفة للشعب، أن تمتع بالعضوية من يرتبط منهم بأصحاب النفوذ، وقد حدث ذلك بصفة خاصة نتيجة لسيطرة مراكز القوى على التنظيم، وهذه العناصر التي أفرزتها صلتها بالمراكز القيادية لم تكن بالضرورة العناصر الفعالة والإيجابية في العمل السياسى لحساب الجماهير.
(ب) قام التنظيم على أساس هرمى وجغرافى في مستوياته المختلفة بينما المفروض أن تضم تنظيماته جبهة عريضة من الآراء والاتجاهات المتباينة لفئات التحالف ذات المصالح المشتركة والمتعارضة في ذات الوقت - وقد أدى ذلك التنظيم الهرمى والجغرافى إلى الحيلولة دون التجمع الفعال حول الاتجاهات السياسية الحقيقية للجماهير.
(جـ) إنه رغم قيام الاتحاد القومى ومن بعده الاتحاد الاشتراكى على أساس أنه التنظيم السياسى الجماهيرى القومى الواسع الذي يضم فئات تخالف قوى الشعب العاملة، فقد عزلت فئات متعددة بسبب اتجاهاتها السياسية عن الانضمام، إليه وبصفة خاصة الفئات التي خضعت للحراسات رغم ما شابها من أخطاء فرضها لاعتبارات شخصية بوصفها فئات معزولة توصف بأنها مستغلة، وأصبحت نتيجة لذلك هناك قوى شعبية ممثلة داخل الاتحاد وقوى لا تمثيل لها فيه وموجودة خارجه بالفعل، وهى محرومة في ذات الوقت من التعبير السلمى والديموقراطى عن اتجاهاتها ومصالحها والدفاع المشروع عن وجودها في نطاق ما تسمح به أحكام الدستور.
(د) إن المؤتمر القومى العام للاتحاد الاشتراكى العربى الذي يمثل أعلى سلطة فيه لم يباشر نشاطا سياسيا جديا ولا رقابة سياسية ما إذ هو فضلا عن ضخامة عدد أعضائه وتعذر جمعهم، لم يكن ليجتمع إلا على فترات متباعدة ولمناسبات معينة، ورغم الهزيمة سنة 1967 وما جاء في بيان 30 مارس سنة 1968 - من أن يظل المؤتمر القومى المنتخب للاتحاد الاشتراكى العربى قائما إلى ما بعد إزالة آثار العدوان ويعقد دورة عامة بكامل هيئته مرة كل ثلاثة شهور لكى يتابع مراحل النضال ويوجهها ويصدر في شأنها ما يراه، وأن تظل اللجنة المركزية المنتخبة من المؤتمر القومى في حالة انعقاد دائم وتقوم لجانها الفرعية برسم سياسات العمل في جميع المجالات - فإن شيئا من ذلك لم يتحقق.
وقد انتقلت سلطة المؤتمر القومى العام من حيث الواقع إلى اللجنة المركزية ثم إلى اللجنة التنفيذية العليا بل إلى أشخاص وأفراد فيها فأصبح لأمين لجنة شئون التنظيم حق إسقاط (11) عضوية اللجنة أو مؤتمر الاتحاد.
(هـ) أدى نشوء التنظيم الطليعى (12) السري وسيطرة مراكز القوى عليه وعلى قيادة التنظيم السياسى إلى سطوة وإرهاب هذه المراكز لكل صاحب رأى أو فكر وإلى خنق الديمقراطية في داخله وإعدام حرية الرأى في تنظيماته المختلفة، فلم يكن ثمة ضمان ولا عاصم في أى من هذه المستويات لصاحب الرأى أو الفكر بل تحول التنظيم السياسى في حقيقة الأمر إلى حزب سياسى واحد حديدى القبضة على أعضائه يعمل لحساب مراكز القوى وتحت سيطرتها وليس لحساب تحالف قوى الشعب العاملة.
فحيث كان الدستور يكفل الضمان لعضو مجلس الأمة بالحصة البرلمانية ويقرر عدم مسئوليته عما يبديه من آراء أو أفكار في المجلس، لم تكن ثمة قاعدة قانونية تحمى أصحاب الرأى في المستويات التنظيمية المختلفة بل إن عضوية المجلس والمنصب والوظيفة والرزق أصبح كل ذلك رهينة بإرادة مراكز القوى المسيطرة وحدها على التنظيم.
ثالثا - التحول إلى سلطة والتداخل في سلطات الدولة:
( أ ) تحول التنظيم من تنظيم جماهيرى يضم قوى الشعب العاملة المتحالفة في سبيل أهدافها القومية ويقوم تأثيره على العمل السياسى بين الجماهير بتنظيماته المختلفة إلى سلطة هرمية تتداخل في سلطات الدولة الأخرى وتسيطر وتهيمن هيمنة تامة عليها وقد تحقق ذلك عندما تقرر اشتراط العضوية في التنظيم لعضوية مجلس الأمة؛ وفى كافة المناصب القيادية والسياسية والوظائف العامة والنقابات المهنية أو العمالية وتحقق إحكام القبضة الحديدية لمراكز القوى على التنظيم لحسابها عندما تقرر ارتباط العضوية في مجلس الأمة وفى أى من هذه المراكز والمناصب بعضوية التنظيم وسيطرة أفراد قلائل على إسقاط هذه العضوية دون أى ضمان جدى.
وقد أدى التزام عضو مجلس الأمة بعضوية الاتحاد الاشتراكى والتزامه بقرارات مراكز القوى المسيطرة عليه وإسقاط العضوية في المجلس بانقضاء عضوية الاتحاد إلى جعل اجتماع الهيئة البرلمانية في جلساتها المغلقة مجرد تلقين للأعضاء لما يلتزمون بأدائه من أدوار في الجلسات العلمية لمجلس الأمة في غالبية الأحوال مما أضعف - في حقيقة الأمر كقاعدة عامة فيما عدا بعض الاستثناءات - ممارسة العمل البرلمانى في جانبيه من الرقابة والتشريع وحرم هذه الممارسة في غالبية الظروف والأحوال من أية فاعلية.
وقد أصبح ذلك أمرا مؤكدا ومقننا على خلاف أحكام الدستور ذاته وفى النظام الأساسى للاتحاد الاشتراكى (13) قبل ثورة التصحيح وهو ما قامت بإلغائه وتصحيحه بعد ذلك ويعد انجازا ديموقراطيا عظيما لهذه الثورة.
(ب) ترتب على تداخل ذات الأشخاص وتغلغلهم وسيطرتهم على التنظيمات القيادية العليا للتنظيم في السلطات الثلاث للدولة مع هيمنة وسيطرة التنظيم السرى ومراكز القوى على هؤلاء الأعضاء إلى إهدار سيادة القانون وضياع الديمقراطية والحريات العامة.
كما أصبح حتما بالضرورة من السائد في غالبية الأحوال أن الحصول على ثقة مراكز القوى هو المدخل إلى تولى وشغل المناصب السياسية والوظائف القيادية والعمل في أية وظيفة عامة ومباشرة أى نشاط مشروع وليس الحصول على ثقة الشعب وخدمته والولاء له ولمصالحه العامة هو الذي يؤدى إلى هذه المناصب والوظائف كما تحتم ذلك أصول الديمقراطية.
وقد أدى ذلك جميعه إلى أنه بدلا من انصراف التنظيم السياسى إلى أداء مهمته السياسية الأساسية في حل تناقضات فئات تحالف قوى الشعب العاملة سلميا وديموقراطيا وخدمة أهدافها القومية ودفع عجلة التقدم وتنشيط حركة الجماهير وتوجيهها قدما نحو التنمية الشاملة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا أن تحول هذا التنظيم السياسى إلى جهاز بيروقراطى يبرر تصرفات القلة المهيمنة على قيادته وتحقيق أهدافها في تكريس السلطة والقبض على أزمتها والسيطرة عليها بكل سبيل.
وانطلاقا من نصوص الدستور وبصفة خاصة نص المادة الخامسة منه والتزاما بالمبادئ التي نظمت على أساسها أحكامه الاتحاد الاشتراكى العربى والسالف بيانها وتلافيا لكل العيوب والمساوئ السابقة التي شابت تنظيميه فقد انتهت اللجنة في الإقتراح بمشروع القانون المقدم منها بعد دراسة ما تضمنته الاقتراحات بمشروعات القوانين المقدمة من السادة الأعضاء ومستلهمة ما تضمنه خطاب الرئيس محمد أنور السادات من مبادئ في خطابه في افتتاح الدورة الأولى لهذا المجلس إلى وضع القواعد المنظمة للاتحاد الاشتراكى العربى في نصوص الاقتراح المرفق على أساس المبادى التالية:


(5) منشور في الجريدة الرسمية في 21 سبتمبر سنة 1972 عدد 38
(6) محضر الاجتماع الثالث جلسة 9/ 6/ 1971
(7) الدستور الفرنسى الصادر في 4 أكتوبر سنة 1958. المواد (34)، (37)، (23)، (25)، (27)
(8) المواد (86) و(74) و(108) و(147) من الدستور سنة 1972
(9) محاضر مناقشات لجنة نظام الحكم - محضر الاجتماع الثالث في 9/ 6/ 1971 ومحضر 21 يونيو سنة 1971 - لجنة المقومات الأساسية الاجتماع الأول في مايو سنة 1971 ص 3 لجنة الحريات العامة محضر 6 و12 يونيو سنة 1971 ص 6.
(10) الأعمال التحضيرية سنة 1971 - تقرير اللجنة التحضيرية لاعداد الدستور الدائم مضبطة الجلسة (38) لمجلس الشعب سنة 1971
(11) طبقا لقرار اللجنة التنفيذية العليا رقم (1) لسنة 1969.
(12) الأعمال التحضيرية لدستور سنة 1971 محضر لجنة نظام الحكم جلسة 9/ 6/ 1971
(13) نص قانون الاتحاد المذكور على أن "الاتحاد الاشتراكى العربى هو السلطة الشعبية التي تقوم بالعمل القيادى والتوجيه وبالرقابة التي يمارسها باسم الشعب بينما يقوم مجلس الأمة وهو سلطة الدولة العليا ومعه المجالس النقابية والشعبية لتنفيذ السياسة التي يرسمها الاتحاد الاشتراكى العربى".
وقد أبرزت مناقشات اللجنة التحضيرية لدستور ثورة التصحيح - بطلان هذه الأحكام لمخالفتها للدستور حتى في الوقت الذي صدرت فيه في ظل دستور سنة 1964 - محاضر لجنة نظام الحكم الاجتماعى ص 10 - وقارن بالمواد 29، 31 وديباجة النظام الأساسى للاتحاد الصادر سنة 1975 بعد ثورة التصحيح.




(أولا) قومية الاتحاد الاشتراكى العربى:
ويقوم هذا المبدأ على أساس أن هذا الاتحاد بحكم مهمته ورسالته في الدستور يعبر عن - صيغة تحالف قوى الشعب العاملة - وهى صيغة قومية وهو بحكم رسالته ومهمته يتحمل مسئولية الحفاظ على هذا التحالف والمكاسب الاشتراكية وتوطيد السلام الاجتماعى والمبادئ الأساسية للنظام الاشتراكى الديمقراطى ويعمل على تعميق الاشتراكية الديمقراطية وتوسيع مجالاتها على المستوى القومى.
وبناء على ذلك فهو تنظيم سياسى يقوم على المستوى القومى وحده وليس على أى مستوى جغرافى أو جماهيرى أدنى من ذلك ومن ثم فإن الاتحاد الاشتراكى العربى لم يعد له أى تنظيم في المشروع سوى اللجنة المركزية (م 18) من المشروع) والتنظيم النسائى، وتنظيم الطلائع وما قيد يبقى من تنظيماته ذات الطابع القومى التي تحددها لجنته المركزية - مع إلغاء كل أمانات ووحدات ومستويات التنظيم فيما عدا ذلك (م 29 من المشروع) وتشكل هذه اللجنة المركزية برئاسة رئيس الدولة على أساس قومى فرئيس الدولة هو المسئول دستوريا بهذه الصفة طبقا للمادة (73) من الدستور عن السهر على تأكيد سيادة الشعب واحترام الدستور وسيادة القانون وحماية الوحدة الوطنية والمكاسب الاشتراكية ويراعى الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها في العمل الوطنى - وباقى أعضاء اللجنة يتمتعون بعضويتها بصفتهم التمثيلية والجماهيرية على المستوى القومى.
وقد نص صراحة تطبيقا لهذا المبدأ على أن يمتنع أمين عام الاتحاد الاشتراكى المنتخب من اللجنة عن أى نشاط حزبى فور انتخابه لو كان منتميا لأحد الأحزاب السياسية.
(ثانيا) ديمقراطية الاتحاد الاشتراكى العربى:
نظم المشروع تشكيل اللجنة المركزية باعتبارها التنظيم الأساسى والرئيسى للاتحاد الاشتراكى العربى ذو الطابع القومى على أساس ديموقراطى (المادة 21 من المشروع) فهى تشكل من الممثلين الشرعيين لقوى الشعب العاملة فضلا عن رئيسها المنتخب من الشعب طبقا للمادة (76) من الدستور والذى يرأسها بصفته القومية كرئيس للدولة فإن أعضاءها هم كافة أعضاء مجلس الشعب المنتخبون انتخابا مباشرا بالطريق السرى العام المباشر طبقا لأحكام المواد (87)، (88) من الدستور ولأحكام قانون مجلس الشعب ومباشرة الحقوق السياسية - وذلك أيا كانت انتماءات هؤلاء الأعضاء الحزبية.
كما ينضم لعضوية اللجنة الممثلون المنتخبون لسائر قوى التحالف في النقابات المهنية والاتحاد العام للعمل والنقابات العمالية والاتحادات التعاونية والغرف التجارية والصناعية... الخ.
ورغم إضافة عدد من ذوى الرأى والخبرة إلى عضوية اللجنة بقرار من رئيسها لاستكمال تعبيرها عن كافة الاتجاهات والآراء السياسية على المستوى القومى - فإنه إعمالا لأسس الديموقراطية السليمة قد روعى أن يكون غير أعضاء مجلس الشعب من أعضاء اللجنة - في حدود ثلث هؤلاء الأعضاء ليكون للممثلين الشرعيين للشعب المنتخبين بإدارته ثلثا مقاعد هذه اللجنة، كما نص صراحة إعمالا لنص المادة (5) من الدستور على أن يكون نصف مجموع عدد أعضاء اللجنة من العمال والفلاحين في كل الأحوال.
وقد نص في المشروع صراحة كذلك على أن ينتخب أمين اللجنة وهو ذاته أمين الاتحاد الاشتراكى العربى من بين أعضائها بالطريق السرى المباشر وأن يمتنع عليه مباشرة أى نشاط حزبى كما سبق القول بعد انتخابه لكى يؤدى مهمته في حياد وإستقلال بين الاتجاهات السياسية التي يعبر عنها ممثلو الأحزاب المختلفة داخل اللجنة.
وتأكيدا للحرية والديموقراطية فقد نص صراحة على عدم مؤاخذة أعضاء اللجنة على ما يبدونه من آراء وأفكار في أداء عملهم بها أو باللجان المتفرعة عنها على غرار ما هو مقرر بالنسبة لأعضاء مجلس الشعب في المادة (98) من الدستور.
كذلك نص على اختصاص اللجنة بوضع لائحة داخلية لتنظيم أسلوب العمل فيها وكيفية ممارستها لاختصاصاتها على غرار المقرر في المادة (104) من الدستور بالنسبة لمجلس الشعب.
وغنى عن البيان أنه رغم ما تقتضيه الأصول الديموقراطية من ترك وضع هذه اللائحة لإدارة اللجنة لتنظيم الشئون الداخلية البحتة لها، فإن هذه اللائحة لا يجوز أن تنظم أى شأن من الشئون الواجب تنظيمها بقانون وهى لا شك سوف توضع متقيدة بأحكام المشروع وأيضا بكافة القوانين القائمة وهى سوف يراعى في أحكامها حتما قبل كل ذلك نصوص وروح أحكام الدستور.
(ثالثا) علاقة الاتحاد الاشتراكى بالأحزاب:
يستتبع هذا المبدأ أن تتحد اختصاصات الاتحاد الاشتراكى العربى في نطاق ما حدده الدستور، فلا يكون سلطة، ولا يتدخل في سلطات الدولة الأخرى، ولا شأن له بالنشاط السياسى للأحزاب السياسية إلا في الحدود التي حددتها نصوص الدستور لمهمته القومية، ولذلك فقد تحددت اختصاصات الاتحاد الاشتراكى العربى بشأن الأحزاب السياسية في المشروع على النحو الذي قررته المادة (5) من الدستور، فهو يستهدف من خلال اللجنة المركزية وطبقا للمادة (20) من المشروع، دعم الوحدة الوطنية عن طريق الحفاظ على تحالف قوى الشعب العاملة والمكاسب الاشتراكية وتوطيد السلام الاجتماعى والنظام الاشتراكى الديمقراطى وتعميق الاشتراكية الديمقراطية وتوسيع مجالاتها وذلك بالبداهة في حدود أحكام الدستور والقانون. ولا شأن للاتحاد الاشتراكى العربى بنشاط الأحزاب السياسية إلا إذا تعلق الأمر بهذه الأهداف - وطبقا لما حدده المشرع من اختصاصات فإن قرارات اللجنة المركزية لا تكون نافذة وملزمة إلا في حدود الاختصاصات المحددة في المشروع طبقا للمادة (20) منه فاللجنة المركزية هى التي تضع القواعد المنظمة لاتصال الحزب السياسى بأى حزب أو تنظيم سياسى أجنبى (المادة 22 من المشروع) - وهى التي تقرر معونة مادية أو عينية للحزب بمراعاة ظروفه وحجم موارده وعدد أعضائه وذلك من أموال الاتحاد الاشتراكى العربى أو من المبالغ المخصصة للاتحاد في موازنة الدولة (المادة 23 من المشروع) وهى التي تضع الحد الأقصى لما يجوز أن يقبله الحزب من تبرعات أو يفرضه من اشتراكات على أعضائه (المادة 22 من المشروع).
وهذه الاختصاصات التي خولها المشروع للجنة مقصود بها حماية الوحدة الوطنية وكفالة تحقيق وطنية النشاط السياسى للأحزاب وعدم السماح بتدخل قوى سياسية أجنبية في الحياة السياسية للبلاد عن طريقها، كما أنها تكفل ضمان تحرر الأحزاب من سيطرة قوى اقتصادية أو اجتماعية معينة عليها عن طريق التبرع أو الاشتراك غير المحدود لهذه الأحزاب بما يهدد بالتالى الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة، وتمكن هذه الأحكام اللجنة المركزية من معاونة الأحزاب على أداء رسالتها السياسية الوطنية والتعبير عن كافة الإتجاهات السياسية والفكرية للشعب في حالة حاجتها إلى ذلك بسبب ضعف هذه الموارد أو عدم كفايتها، مما يسمح بإتاحة الفرصة لكل الاتجاهات السياسية الحزبية من التعبير تعبيرا سليما عن نفسها الأمر الذي يكفل دعم الديمقراطية والسلام الاجتماعى معا.
وقد خول المشروع الاتحاد الاشتراكى العربى اختصاصا يمارسه من خلال الأمين العام للاتحاد الاشتراكى وأمين اللجنة المركزية المنتخب منها وتحت إشرافها ورقابتها، وهو الاختصاص في تلقى الإخطار عن تأسيس الأحزاب السياسية (م 7 من المشروع)، ورئاسة اللجنة المختصة بفحص توفر الشروط التي حددها المشروع ملتزما أحكام الدستور - كما سوف يجئ - لشرعية قيام الأحزاب (م 8 من المشروع) وحق تبليغ اعتراض هذه اللجنة إلى مؤسسى الحزب بأسباب الاعتراض التي يجب أن تكون أسبابا من بين الأسباب المحددة في أحكام المشروع مع خضوع قرار الاعتراض لرقابة مجلس الدولة.
كما ألزم المشروع رئيس الحزب بإخطار الأمين العام الاشتراكى بأية قرارات جوهرية تتعلق بكيان الحزب ونظامه على النحو المبين في المادة (6) من المشروع.
ومنح الأمين العام للاتحاد الاشتراكى بعد موافقة لجنة شئون الأحزاب السياسية الحق في أن يطلب من محكمة القضاء الإدارى حل الحزب وتصفية أمواله وتحديد الجهة التي تؤول إليها هذه الأموال للأسباب المحددة في المادة (17) من المشروع وهى أسباب خطيرة تهدد الأهداف والأغراض الأساسية التي يقوم على المحافظة عليها الاتحاد الاشتراكى العربى.
كما أجيز له سلطة وقف أى قرار من قرارات الحزب لأحد الأسباب المذكورة وذلك في حالات الضرورة والاستعجال التي تقتضيها المصلحة القومية العليا على أن يعرض الأمر على القضاء على التفصيل الذي حددته المادة (18) من المشروع.
أسس ومبادئ تنظيم الأحزاب السياسية في المشروع:
يبين من استقراء، كتابات الساسة وفقهاء القانون الدستورى وعلم السياسية
فى مختلف دول العالم وفى مصر وكذلك باستقراء التجربة الحزبية المصرية والوثائق السياسية السالف بيانها أن قيام الأحزاب السياسية، يعد ركنا جوهريا لقيام الحياة الديموقراطية الصحيحة وهى هدف اساسى من الأهداف الستة لثورة 23 يوليو سنة 1952 فوجود الأحزاب المتعددة البرامج والاتجاهات يحقق في الحياة السياسية المزايا الآتية:
(أولا) تشجيع التجمع الإنسانى بكل صورة لتحقيق أهداف مشتركة وبصفة خاصة التجمع السياسى وتدريب المواطنين على العمل السياسى والمشاركة الديموقراطية في شئون بلادهم - وتشجيع الفرد من خلال شعوره بالإنتماء إلى جماعة سياسية منظمة في حزب من الأحزاب بالأمن السياسى مما تتحقق معه الشجاعة الأدبية في إبداء الرأى في المسائل العامة في مواجهة السلطة وكفالة الضمانات الحقيقية لممارسة الأفراد لحرياتهم العامة المختلفة.
(ثانيا) إعطاء فرصة للمواطنين للاختيار بين برامج وسياسيات مختلفة علاوة على أن وجود الأحزاب يكفل تحقيق المشروعات العامة نتيجة التأييد السياسى العام الذي تحققه الأحزاب الحاكمة لها.
(ثالثا) الحيلولة دون طغيان الحكومة وتحكمها واستبدادها لخضوعها لرقابة واعية ويقظة من أحزاب المعارضة.
(رابعا) تحديد المسئولية السياسية للحكومات المتعاقبة حيث تكون كل حكومة مسئولة مسئولية سياسية أمام الشعب هى والحزب الذي تنتمى اليه عما نفدته من أعمال وسياسات خلال فترة توليها الحكم أمام الشعب، ويكون للشعب تجديد الثقة بالحزب الذي شكلت منه أو عدم تجديدها في الانتخابات العامة على ضوء ما حققته تلك الحكومة من سياسات وما التزمت به من رعاية مصالح الشعب العامة.
(خامسا) حماية السلام الاجتماعى بكفالة الانتقال الشرعى والسلمى للسلطة بالطريق الديموقراطى إلى الحكومة والبرلمان المشكلين من الحزب الذي يجوز على ثقة جماهير الناخبين في حالة تغير اتجاه الرأى العام وميولة السياسية وفقا للمتغيرات المختلفة للآراء والأوضاع والمصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المختلفة.
وفى ذات الوقت فإنه من المسلم به كثرة عيوب تعدد الأحزاب السياسية عندما يترك إنشاؤها وممارستها لنشاطها بلا ضوابط ولا قواعد، مما يؤدى إلى إضرارها بالحياة الديموقراطية الصحيحة بل واجهاض هذه الديموقراطية ذاتها وأبرز العيوب المسلم بها في هذا الصدد ما يلى:
(أولا) التعدد غير الجدى:
إن نشوء العديد من الأحزاب غير ذات البرامج أو الأغراض الجديدة أو المحددة وعلى نحو متماثل أو متشابه مع بعضها البعض مما يؤدى إلى بلبلة الرأى العام وتشتيت كتلة الناخبين على عدد من الأحزاب الضعيفة ذات الطابع غير الجدى.
(ثانيا) تهديد الوحدة الوطنية:
يهدد تعدد الأحزاب وصراعها من أجل السلطة الوحدة الوطنية والقومية، وانقسام الأمة بسببها إلى جماعات وطوائف متنافرة ومتنافسة على نحو قد يمكن من نفوذ الدول الأجنبية والتدخل الأجنبى في شئون الوطن من خلال هذه الأحزاب المتنافرة، ويكون أثر هذا التدخل خطيرا بالنسبة للدول النامية، بل قد يؤدى التناحر والأنقسام والتدخل الأجنبى إلى تمزيق كيان الأمة في حرب أهلية تشغلها الفتنة الطبقية أو الطائفية من خلال الأحزاب المتحاربة.
(ثالثا) عدم الاستقرار الوزارى:
ويحدث ذلك نتيجة لتعدد الأحزاب الصغيرة مما يستحيل معه على حزب واحد تشكيل الوزارة في الدول البرلمانية ويؤدى إلى حتمية تشكيل حكومات ائتلافية ترتبط قوتها السياسية وحياتها باستمرار التآلف الحزبى وهى فرص ضئيلة بسبب التنافس والصراع الحزبى - الأمر الذي يترتب عليه عدم استقرار السلطة وإنعدام القدرة على رسم سياسات مجدية في الشئون العامة وتنفيذها.
(رابعا) اساءة استخدام قيادات الحزب للسلطة:
ويحدث ذلك إذا لم تتبع الديمقراطية في شئون الحزب بحيث تسيطر زعاماته سيطرة مطلقة على شئونه دون رقابة أو مراجعة ويظهر ذلك بصفة خاصة في العملية الانتخابية حيث يكون الحزب وسيطا بين هيئة الناخبين والمرشحين لأهمية الترشيح الحزبى وإسهام الحزب في تحمل مصاريف الدعاية الانتخابية ومساعدة المرشح في الانتخابات.
وإذا لم تراع قيادات الحزب في الترشيح اختيار أفضل وأكفأ العناصر الصالحة للترشيح للنيابة أو للوظائف العامة وأخذت بنظرية الغنائم وأساءت بحكم التسلط والأغراض والأهواء الشخصية هذا الاختيار فإنه بالضرورة سوف يؤدى ذلك إلى فساد السلطة وضعفها.
كذلك فإن تشخيص السلطة في زعامات الحزب السياسى مع ضمان حصولها على التأييد الآلى المنتظم المضطرد في البرلمان - وذلك يحدث في حالة حصول حزب قوى على أغلبية واسعة فيه في مواجهة معارضة من أحزاب ضعيفة لا وزن لها في القرار البرلمان - قد يغرى مع سيطرة زعامة الحزب على نوابه وعلى الحكومة - هؤلاء الزعماء بالاستبداد والتحكم في الأغلبية الآلية المتوفرة في البرلمان ويؤدى بالتالى إلى تقوية سلطتهم ونفوذهم على نحو يهدد الديمقراطية والمصالح القومية.
(خامسا) سيطرة المصالح الاقتصادية القوية على الأحزاب:
وينتقد الفقه الدستورى والسياسى وبصفة خاصة في الولايات المتحدة التأثير البالغ لرجال الأعمال على الأحزاب السياسية القائمة عن طريق التبرعات والتمويل بدون رقابة أو مراجعة مع التزام الحزب برعاية مصالح المتبرعين والممولين في نشاطه السياسى وعدم اهتمام المواطن العادى بنشاط الأحزاب، إلا في أوقات الانتخابات ويرون ضرورة تقرير الرقابة الحكومة على موارد الأحزاب، وينشر حساباتها على الرأى العام ويطلب الفقه الدستورى والسياسى الأمريكى بعلاج تشريعى لهذه الأمور لإزالة المساوئ الناتجة عنها.
ويبدو هذا الخطر شديدا في البلاد النامية حيث تكون الموارد الحزبية الوطنية محدودة نتيجة للتخلف الاقتصادى للأفراد والفقر المنتشر في البلاد مما قد يغرى بالحصول على تمويل من جهات أجنبية يتسلل من خلاله النفوذ والسيطرة الأجنبية على الحياة السياسية الوطنية - ومن الثابت أنه قد شاب التجربة الحزبية - في مصر العديد من العيوب السابقة فقد تعددت الأحزاب تعددا غير جدى ولم يكن فعالا منها في الحياة السياسية المصرية قبل إلغائها إلا عددا محدودا بالنسبة لعددها الكثير، بل لقد بلغ عدد المنضمين إلى بعض الأحزاب غير الجدية قبل دستور سنة 1923 عدد لا يزيد على أصابع اليد الواحدة ولقد تكررت هذه الظاهرة وقت إعلان إنشاء المنابر سنة 1976 حيث بلغ عدد المطلوب تأسيسه منها عددا غير معقول وكان تعددها دون مبرر أو سبب جدى يحمل على ذلك.
كذلك فإن التناحر الحزبى على السلطة قبل الثورة كان من أسباب عدم الاستقرار السياسى وتفتيت كتلة الناخبين في مواجهة القصر والسفارة البريطانية على نحو لم يسمح بمواجهتهما بما يحقق مصالح الشعب في الجلاء والتقدم السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وقد ظهرت أيضا ظاهرة الزعامات الشخصية والانشقاقات والاستبداد في قيادات الأحزاب في التصرف في شئونها نتيجة لعدم التزام الأساليب الديمقراطية في كل شئون هذه الأحزاب.
ولقد كان مرجع كل ذلك بلا شك قبل ثورة 23 يوليو سنة 1952 إلى الاعتبارات الثلاثة الرئيسية الآتية:
(الاعتبار الأول): وجود سلطة الاحتلال ممثلة في جيوشه على أرض الوطن وسيطرته على السلطة السياسية في مصر من خلال المندوب السامى ثم السفير البريطانى. ووجود سلطة القصر في حماية هذه السلطة الأجنبية وفى الاستقرار الذي يكفله توارث العرش وتحالف كلاهما على حرية الحياة السياسية للشعب المصرى واصطناعهما للأحزاب المناوئة للاحزاب صاحبة الأغلبية الشعبية وحرمان الاخيرة بكل سبيل من بلوغ السلطة.
(الاعتبار الثانى): عدم وجود تنظيم قانونى أو ميثاق وطنى يكفل التزام هذه الأحزاب جميعها بالوحدة الوطنية في مواجهة القوتين الغاشمتين وانصراف معظم الأحزاب إلى الصراع من أجل السلطة.
(الاعتبار الثالث): انخفاض المستوى الاقتصادى والثقافى والتعليمى وبالتالى السياسى للناخبين وتخلف الرأى العام المصرى عن إدراك حقائق القوى السياسية المتغلبة على شئون البلاد وكشفه لمؤامراتها وتحالفها ضده وعدم قدرته على فرض الوحدة الوطنية ومقتضياتها على العمل الحزبى سياسيا أو تشريعيا - وانتشار شراء أصوات الناخبين من القوى الاقتصادية المتحكمة في البلاد.
وللافادة من المزايا التي يحققها وجود الأحزاب في الحياة السياسية للبلاد من حيث دعم الحرية والديمقراطية وضمان وسلامة ونزاهة الحكم، ولتلافى العيوب التي يؤدى إليها تعدد الأحزاب وبمراعاة ما تقتضيه طبيعة وظروف الوطن ومصالحه القومية العليا التي جعلت من تحالف قوى الشعب العاملة مبدأ يقرره صراحة نص المادة الخامسة من الدستور فقد وضعت اللجنة نصوص الاقتراح بمشروع قانون المقدم منها بشأن نظام الأحزاب السياسية على أساس المبادئ العامة التالية:
أولا - وطنية الأحزاب السياسية:
ومقتضى ذلك أن الأحزاب السياسية رغم التسليم باختلاف برامجها عن بعضها البعض وسعيها المشروع في الحصول على ثقة الناخبين بالوسائل الديمقراطية للمشاركة في الحكم لتحقيق هذه البرامج (المادة (1) من المشروع) فإنها قبل كل شئ تقوم بنشاطها من أجل الوطن - ولذلك فإنها:
1 - تلتزم بأن تسهم في تحقيق التقدم السياسى والاقتصادى والاجتماعى للبلاد على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعى والاشتراكية الديموقراطية - وهى تعمل باعتبارها تنظيمات وطنية وشعبية وديمقراطية (م 2 من المشروع).
2 - يلتزم الحزب بناء على ما سبق بعدم تعارض مبادئه وأهدافه وبرامجه مع الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى أو تحالف قوى الشعب العاملة أو النظام الاشتراكى الديموقراطى (م 4 من المشروع البندين أولا وثالثا).
كما يلتزم بعدم قيامه على أساس طبقى أو طائفى أو فئوى أو جغرافى أو على أساس التفرقة بسبب العقيدة الدينية أو العنصر أو الجنس وغنى عن البيان أنه تحتم التزام الحزب بهذه المبادئ النصوص الصريحة للدستور وخاصة المواد (1)، (3)، (4)، (5)، (7)، (23 - 39)، (40)، (46)، (49)، (60) منه.
3 - كذلك فإنه تفريعا على هذا المبدأ فان المصريين وحدهم هم الذين لهم حق تكوين الأحزاب السياسية والانتماء إلى هذه الأحزاب (م 2 من المشروع).
ولا يقبل في عضوية الحزب غير مصرى ولا يقبل المتجنس إلا بعد عشر سنوات من تجنسه (المادة فقرة 2 من المشروع).
4 - ولا يجوز للحزب أن يقوم كفرع لحزب في الخارج (م 4 بند سادسا).
5 - ولا يجوز للحزب قبول أى تبرع أو ميزة أو منفعة من أجنبى أو من أية جهة أجنبية (م 11 من المشروع فقرة 2).
ولا يجوز للحزب الاتصال بأى حزب أو تنظيم سياسى أجنبى إلا طبقا للقواعد التي تحددها اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى (م 32 من المشروع).
ولا يجوز له التعاون أو التحالف مع أى حزب أو تنظيم سياسى أجنبى (م 22).
6 - ويعاقب، من ينشئ أو يؤسس أو ينظم أو يدير على خلاف أحكام المشروع تنظيما جزئيا غير مشروع ولو كان متسترا في وصف جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أيا كانت التسمية أو الوصف الذي يطلق عليه إذا تم ذلك بناء على تخابر مع دولة أجنبية بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
وتكون العقوبة على هذه الجريمة إذا ارتكبت بناء على تخابر مع دولة معادية الأشغال الشاقة المؤبدة (م 24 من المشروع).
ويعاقب بالسجن كل من انضم أو دعا إلى إنشاء أو روج للانضمام إلى تنظيم حزبى غير مشروع إذا كان التنظيم قد نشأ بالتخابر مع دولة أجنبية وكان الجانى يعلم بذلك (م 25 من المشروع).
وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة إذا كان التنظيم المذكور قد نشأ بالتخابر مع دولة معادية وكان الجانى يعلم بذلك. (م 35) من المشروع).
كذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن كل رئيس حزب سياسى أو أى عضو وعامل فيه وعد بقبول أو قبل أو تسلم مباشرة أو بالوساطة مالا أو حصل على ميزة أو منفعة بأية صورة كانت من شخص أجنبى أو من أية جهة أجنبية لممارسة نشاط متعلق بالحزب. (م 27 من المشروع).
ويعاقب المسئول عن قبول غير مصرى في عضوية الحزب أو يقبل أى تبرع أو ميزة أو منفعة من أجنبى أو من جهة أجنبية أو يعمد إلى التعاون أو التحالف مع أى حزب أو تنظيم سياسى أجنبى بالحبس وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين (م 28 من المشروع).
(ثانيا) جدية تكوين الأحزاب السياسية:
والمقصود بذلك أن يكون قيام الحزب جديا وممثلا لاتجاه شعبى محدد وواقعى، وليس مجرد وجود صورى لا يعبر إلا عن مؤسسيه ودون أن تكون له قاعدة جماهيرية واضحة، ودون أن يكون لوجوده إضافة جديدة للعمل السياسى في البلاد - وقد تضمنت نصوص المشروع الأحكام المتفرعة على هذا المبدأ متمثلة فيما يلى.
1 - ضرورة تميز برنامج الحزب تميزا جوهريا عن برنامج الأحزاب القائمة وقت الاخطار عن تأسيس الحزب، وقد انتهت اللجنة إلى ذلك في المادة (4) بند (ثانيا) من المشروع، أى أنه لا يشترط التميز في مبادئ وأهدف الحزب وذلك بقصد التيسير في شروط نشوء الأحزاب وذلك اكتفاء بتميز البرامج الخاصة بها لما في التزامها الوطنى جميعها من تقيد بالمبادئ والأهداف العامة السالف ذكرها.
2 - ضرورة وضع نظام داخلى للحزب بالأسلوب الديموقراطى ينظم كل شئونه السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية بما يتفق وأحكام المشروع وبحيث يشمل هذا النظام بصفة خاصة الأمور المتعلقة بكيان واسم الحزب ومبادئه وأهدافه، والعضوية فيه وتشكيلاته، وأمواله وقواعد وإجراءات حله واندماجه الاختيارى في غيره على النحو المبين تفصيلا في المادة (5) من المشروع.
3 - اشتراط أن يكون من بين الموقعين على الإخطار بتأسيس الحزب بصفة دائمة عشرون عضوا على الأقل من أعضاء مجلس الشعب المادة (7 من المشروع).
مع اشتراط أن يكون من بين الموقعين على هذا الاخطار خمسون عضوا على الأقل من أعضاء الحزب (المادة 7 من المشروع).
4 - اعتبار أى حزب سياسى لا يحصل على عشرين مقعدا في مجلس الشعب على الأقل في الانتخابات العامة التالية مباشرة لتأسيسه أو أية انتخابات عامة لاحقة منحلا بقوة القانون وأيلولة أمواله إلى الجهة التي تحددها اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى (المادة 19 من المشروع).
5 - ويقتضى ما سبق اعتبار أى حزب من الأحزاب سواء الثلاثة الموجودة عند العمل بالمشروع وهى (حزب مصر العربى الاشتراكى - الأحرار الاشتراكيين - التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى) أو أى حزب آخر يؤسس بعد العمل بالقانون لا يحصل على هذا الحد الأدنى من المقاعد على الأقل في أية انتخابات عامة لاحقة على العمل بالمشروع ملغى بقوة القانون وتئول في هذه الحالة أمواله إلى الجهة التي تحددها اللجنة المركزية (المادة 19 من المشروع).
(ثالثا) حرية تكوين الأحزاب السياسية:
ومعنى ذلك حرية أية جماعة سياسية منظمة - في نطاق الجدية التي راعاها المشروع والشروط التي قررها - في تأسيس أى حزب سياسى وأن يتم هذا التأسيس عن طريق الأخطار المقيد وليس عن طريق الترخيص وعدم تقييد نشوء الأحزاب في نصوص المشروع بأى عدد ما دامت يتوفر فيها الشروط الواردة في المشروع - وقد تقررت هذه القواعد على النحو التالى في مواده.
1 - حق المصريين في تكوين الأحزاب وحقهم في الانتماء إليها مطلق من حيث العدد المحدد لهذه الأحزاب (م 3 من المشروع).
2 - يتم تشكيل الحزب عن طريق الأخطار إلى أمين عام الاتحاد الاشتراكى العربى من خمسين من أعضائه المؤسسين على الأقل ويكون بينهم عشرون من أعضاء مجلس الشعب وذلك حتى تتحقق الجدية في نشوء الأحزاب السياسية بعد العمل بالمشروع على نحو يشبه الأسلوب الذي نشأت به المنابر التي أصبحت متمثلة في الأحزاب الثلاثة الحالية.
ويتمتع الأحزاب بالشخصية الاعتبارية ويمارس نشاطه السياسى اعتبارا من اليوم التالى الانقضاء ثلاثين يوما على عرض الاخطار بتأسيس الحزب على لجنة شئون الاحزاب السياسية المنصوص عليها في المادة (8) من المشروع دون أن تعترض على تأسيسه اعتراضا مسببا، واللجنة لا يجوز لها الاعتراض إلا استنادا إلى عدم توفير الشروط اللازمة قانونا لتأسيس الحزب فيه.
وهى تمارس هذا الاختصاص تحت رقابة القضاء الإدارى فللحزب أن ينشأ رغم اعتراض اللجنة إذا حكمت محكمة القضاء الإدارى بوقف قرار الاعتراض أو بإلغاء هذا القرار (المواد 7، 8، 9).
رابعا - ديمقراطية التنظيمات والتشكيلات والقرارات الحزبية:
ومقتضى هذا المبدأ ضرورة وضع اللوائح والأنظمة الداخلية للأحزاب السياسية بأسلوب ديموقراطى واختبار التشكيلات والقيادات المختلفة للحزب بطريقة ديموقراطية واتخاذ قرارات الحزب وممارسته لنشاطه السياسى بهذا الأسلوب ضمانا لعدم استبداد قياداته باعضائه ولقد تضمنت نصوص المشروع تقرير هذا المبدأ على النحو التالى:
1 - إلزام الاحزاب بالعمل باعتبارها تنظيمات شعبية ووطنية وديموقراطية على تجميع المواطنين وتمثلهم سياسيا (م 2).
2 - اشتراط عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أية تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية ويشمل هذا الحظر أن يكون ذلك علنيا أو سريا أو بطريق مباشر أو غير مباشر عن طريق استخدام أية أساليب أخرى قد تؤدى إلى ذلك وقد نص على ما سبق كشرط من شروط التأسيس (م 4 رابعا)
3 - اشتراط قيام تشكيلات الحزب ومباشرته لنشاطه وتنظيم علاقته بأعضائه على أساس ديموقراطى وكفالة نظام الحزب لأوسع مدى للمناقشة الديموقراطية والحوار الحر داخل تشكيلاته (م 4 خامسا).
4 - إلزام الحزب بعلانية وأهدافه ووسائله وتشكيلاته وقيادته (م 4 سابعا).
5 - إلزام الحزب بأن تضمن نظامه الأساسى القواعد المتعلقة بما يلى:
( أ ) شروط العضوية في الحزب وقواعد وإجراءات انضمام إليه والفصل من عضويته والانسحاب منه (م 5 ثالثا).
(ب) طريقة وإجراءات تكوين تشكيلات الحزب واختيار قياداته وأجهزته القيادية وتحديد الاختصاصات السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية لأى من هذه القيادات والتشكيلات والأجهزة الحزبية (م 5 رابعا).
(جـ) قواعد وإجراءات الحل والاندماج الاختيارى للحزب وتنظيم تصفية أمواله والجهة التي تئول إليها هذه الأموال (م 5 سادسا).
(د) إلزام رئيس الحزب باخطار أمين عام الاتحاد الاشتراكى العربى والوزير المختص بالتنظيمات الشعبية والسياسية بأى قرار يصدره الحزب بتغيير رئيسية أو بحل الحزب أو باندماجه أو بأى تعديل في نظامه الداخلى وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ صدور القرار (16 من المشروع).
خامسا - منع سيطرة المصالح الاقتصادية على الحزب:
القصد من ذلك أن يعتمد الحزب في ممارسة نشاطه على التمويل الذاتى من أعضائه بصفة أساسية - وأن يؤدى دوره السياسى الديموقراطى دون أن يعتمد على تمويل من الدولة كقاعدة عامة - ودون أن يخضع في سياسته للقادرين على مده بالأموال اللازمة لمباشرته لنشاطه السياسى وذلك حتى يتحقق في الحزب شعبيته وديموقراطيته ولا يسقط تحت سيطرة الإقطاع ورأس المال وتعود السيطرة لهما من خلال الأحزاب على الحكم.
وقد تقرر هذا المبدأ في أحكام المشروع على النحو التالى:
1 - إلزام الحزب بأن يحدد في نظامه الداخلى النظام المالى له شاملا تحديد مختلف موارده والمصرف الذي تودع فيه أمواله والقواعد والإجراءات المنظمة للصرف من هذه الأموال وقواعد وإجراءات إمساك حسابات الحزب ومراجعتها وإقرارها وإعداد موازنته السنوية واعتمادها. (م 5 خامسا).
2 - النص على أن موارد الحزب تتكون من اشتراكات وتبرعات أعضائه وحصيلة عائد استثمار أمواله في الأوجه غير التجارية التي يحددها نظامه الداخلى (م 11/ 2).
3 - حظر حصول الحزب على أى تبرع أو ميزة أو منفعة من أجنبى أو من جهة أجنبية (م 11/ 2).
4 - حظر قبول الحزب أى تبرع أو ميزة أو منفعة من أى شخص اعتبارى ولو كان متمتعا بالجنسية المصرية (م 11/ 2).
5 - إلزام الحزب بالإعلان عن اسم المتبرع له وقيمة ما تبرع به إحدى الصحف اليومية على الأقل وذلك إذا زادت قيمة التبرع على خمسمائة جنيه في المرة الواحدة أو على ألف جنيه في العام الواحد. (م 11/ 3).
6 - عدم جواز خصم التبرعات التي تقدم للأحزاب من وعاء أية ضريبة نوعية أو الضريبة العامة على الإيراد. (م 11/ 4).
وقد ورد النص الصريح على عدم إعفاء التبرع من الضريبة النوعية أو من ضريبة الإيراد العام حتى يكون هذا الحكم الخاص هو الواجب التطبيق دون القوانين التي ترد في قوانين أخرى بشأن الإعفاء من الضرائب النوعية للتبرعات بما يستتبع قانونا الإعفاء من ضريبة الإيراد العام طبقا للقواعد العامة التي تخضع لها هذه الضريبة أو إذا ورد الاعفاء من ضريبة الايراد العام لمثل هذه التبرعات دون الضرائب النوعية في بعض الأحوال وذلك رغبة في عدم تشجيع التبرعات من القوى الاقتصادية الرأسمالية بمبالغ كبيرة بسبب التمتع بالاعفاء الضريبى من الضريبة النوعية أو من الضريبة العامة المذكورة.
7 - إلزام الحزب بايداع أمواله في أحد المصارف المصرية وإمساك دفاتر منتظمة إيراداته ومصروفاته طبقا للقواعد التي يحددها نظامه الداخلى (م 12/ 2).
8 - اختصاص الجهاز المركزى للمحاسبات بصفة دورية بمراجعة دفاتر ومستندات وحسابات إيرادات ومصروفات الحزب وغير ذلك من شئونه المالية وذلك للتحقق من سلامة موارد الحزب ومشروعية أوجه الصرف لأمواله (م 12/ 3) والزم الجهاز باعداد تقرير سنوى عن كافة الأوضاع والشئون المالية للحزب وإخطار الأمين العام للاتحاد الاشتراكى العربى والوزير المختص بالتنظيمات السياسية والشعبية لهذه التقارير (م 12/ 4).
9 - إجازة منح اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى معونة مادية أو عينية للحزب بمراعاة ظروفه وحجم موارده وعدد أعضائه وذلك من أموال الاتحاد الاشتراكى العربى، أو من المبالغ المخصصة للاتحاد في موازنة الدولة (م 22/ 1).
10 - حق اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى في وضع حد أقصى لما يجوز أن يقبله الحزب من تبرعات أو يفرضه من اشتراكات على أعضائه. (م 22/ 2).
11 - إعفاء مقار الحزب ومنشآته المملوكة له وأمواله من جميع الضرائب والرسوم العامة والمحلية (م 13).
12 - معاقبة كل رئيس حزب سياسى أو أى عضو أو عامل فيه وعد بقبول أو قبل أو تسلم مباشرة أو بالوساطة مالا أو حصل على ميزة أو منفعة بأية صورة كانت من شخص اعتبارى مصرى لممارسة نشاط يتعلق بالحزب بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات (م 27/ 1).
13 - تقرير عقوبة الحبس والغرامة التي لا تتجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين لكل من يخالف القاعدة المبينة آنفا في (7) (م 28 من المشروع).
(سادسا) تقرير الحقوق والمزايا والحصانات اللازمة لتمكين الحزب من مباشرة نشاطه:
يقوم المشروع على أن الأحزاب تنظيمات وطنية وشعبية وديموقراطية تسهم إسهاما أساسيا وجوهريا في الحياة السياسية للوطن وتعمل على تحقيق تقدمه ورخائه - وهى على هذا الأساس لازمة لدعم وتوسيع وتعميق الاشتراكية الديموقراطية في البلاد وتنشأ بالإرادة الحرة للمواطنين وتمارس نشاطها بحرية في نطاق أحكام الدستور والقانون.
والأحزاب السياسية رغم عدم وجود أى سيطرة أو هيمنة عليها أو على نشاطها في أحكام المشروع للاتحاد الاشتراكى العربى - إلا أنها في حقيقة الأمر تقوم على أساس الطبيعة السابقة لها وأسس تنظيمها في هذه الأحكام بممارسة النشاط السياسى الحر المتعدد الاتجاهات بدلا من المنابر السياسية والتنظيمات الهرمية المختلفة في المستويات المتعددة للاتحاد الاشتراكى العربى في صورته الحالية قبل العمل بالمشروع، ولكن دون أن تكون ملحقة أو تابعة أو خاضعة لوصاية أو لولاية عامة من هذا الاتحاد، وليس له عليها من سبيل إلا في الحدود التي تقتضيها صيغة تحالف قوى الشعب العاملة والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والاشتراكية الديموقراطية التي تعد المسئولية الأساسية للاتحاد الاشتراكى العربى بنص الدستور وتتولاها اللجنة المركزية له طبقا لأحكام المشروع، لذلك فانه كان يتعين أن تتقرر للحزب السياسى في أحكام المشروع كافة الحقوق والمزايا والضمانات اللازمة لتمكينه من القيام برسالته وأداء مهمته في الحياة السياسية للوطن والمواطنين وهى تتمثل فيما يلى:
1 - بتقرير الشخصية الاعتبارية للحزب وحقه في ممارسة نشاطة الحزبى والتصرف في شئونه بمجرد تمتعه بهذه الشخصية الاعتبارية طبقا للفقرة الأولى من المادة (9) من المشروع على النحو السالف بيانه.
كما أجاز المشروع في الفقرة الثانية من هذه المادة لمؤسسى الحزب ممارسة النشاط الحزبى وإجراء التصرفات باسم الحزب بصفة مؤقته في الحدود اللازمة لتأسيسه ولا يجوز لهم بداهة ممارسة أى نشاط أو تصرف خارج على هذه الحدود (م 9/ 2).
2 - وباعتبار أن الحزب شخص قانونى سياسى عام فإن رئيس الحزب يكون هو الممثل القانونى له في كل ما يتعلق بشئونه أمام القضاء أو أمام أية جهة أخرى أو في مواجهة الغير.
وقد أجازت المادة (10) من المشروع لرئيس الحزب أن ينيب عنه واحدا أو أكثر من قيادات الحزب في مباشرة بعض اختصاصات رئيسه وذلك طبقا للقواعد التي يحددها نظامه الداخلى. (م 10).
3 - وتأسيسا على أن الحزب شخص معنوى له غرض سياسى عام يتعين أن تنفق أمواله على الغرض الذي نشأ من أجله - فقد حظرت المادة (12) من المشروع صراحة صرف أموال الحزب إلا على أغراضه وأهدافه طبقا للقواعد والإجراءات التي يتضمنها نظامه الداخلي (م 12/ 1).
4 - ونظرا لما لنشاط الحزب السياسي من حيث إسهامه في تقدم الوطن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من تحقيق للصالح القومى فقد نصت المادة (13) على إعفاء الغاز والمنشآت المملوكة للحزب السياسى وأمواله من جميع الضرائب والرسوم العامة والمحلية معاونة له على أداء رسالته.
5 - وحماية لأموال الحزب بصفتها أمولا مرصودة للأهداف وللأغراض السياسية العامة للحزب وباعتبارها محصلة من أموال أعضائه لهذا الغرض فقد نصت المادة (14) على اعتبار هذه الأموال في حكم الأموال العامة في تطبيق أحكام قانون العقوبات، كما اعتبرت القائمين على شئون الحزب والعاملين فيه في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام القانون المذكور، وتسرى عليهم جميعا أحكام قانون الكسب غير المشروع بصفتهم هذه أى سواء أكانوا من القائمين على شئون الحزب أو من بين المعينين للعمل بمرتب أو بأجر فيه. (م 14).
6 - عدم جواز تفتيش أى مقر من مقار الحزب السياسى في غير حالة التلبس بجناية أو جنحة إلا بحضور أحد رؤساء النيابة العامة. (م 14)، والزام النيابة العامة باخطار أمين اللجنة المركزية بأى إجراء أتخذ بمقر الحزب السياسى خلال ثمان وأربعين ساعة من اتخاذه.
7 - حق الحزب السياسى في إصدار صحيفة أو أكثر للتعبير عن آرائه وذلك دون التقيد بالحصول على ترخيص من الاتحاد الإشتراكى والذى تضمنت الإشارة إليه أحكام المادتين (1)، (2) من القانون رقم 156 لسنة 1960 بشأن تنظيم الصحافة - ومن المسلم به بداهة إنه فيما عدا هذا الاستثناء من الترخيص المذكور فإن إصدار الحزب لصحيفة يخضع للقواعد المقررة قانونا لصدور الصحف.
(سابعا) الأحكام الوقتية والختامية في المشروع:
1 - الأحكام الخاصة بالأحزاب الحالية:
نظرا لأن التنظيمات السياسية الحالية وهى:
1 - حزب مصر العربى الإشتراكى.
2 - حزب الأحرار الإشتراكيين.
3 - حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى.
قد نشأت كمنابر ثابتة داخل الاتحاد الإشتراكى العربى اثر صدوره قرارات لجنة مستقبل العمل السياسى في 9 مارس سنة 1976 وذلك وفقا للقواعد التي قررتها اللجنة - وقد دخلت هذه المنابر المعركة الإنتخابية مستقلة عن الاتحاد الإشتراكى بناء على القرار السياسى الذي اتخذه رئيس هذا الاتحاد، ثم أعلن الرئيس قراره السياسى باعتبارها أحزابا سياسية مع اتخاذ الإجراءات الدستورية والتشريعية اللازمة لذلك اعتبارا من بداية الفصل التشريعى الحالى لمجلس الشعب.
فإن الأمر أصبح يقتضى الاعتراف قانونا بقيامها منذ وجدت وإستمرار وجودها على هذا الأساس بصفتها أحزابا تتمتع بالشخصية الاعتبارية وعلى أن تمارس نشاطها السياسى بأوضاعها الحالية وقت نفاذ المشروع على أن يخطر كل منها الأمين العام للاتحاد الإشتراكى العربى والوزير المختص بالتنظيمات السياسية والشعبية بالأوراق والمستندات المتعلقة بتأسيسها خلال ثلاثين يوما من تاريخ العمل بالمشروع.
وفيما عدا ذلك فإن هذه الأحزاب تخضع لكافة أحكام المشروع.
وتأكيدا لمبدأ الجدية الذي التزمه المشروع بالنسبة للاحزاب التي تنشأ بعد نفاذ أحكامه وبمراعاة سبق قيام الأحزاب الحالية على النحو السابق - مع ضرورة أن يستند استمرارها على أساس من التمثيل الشعبى في مجلس الشعب بما يؤكد جديتها ووجود قاعدة شعبية تمثلها في الحياة السياسية للبلاد فإنه طبقا لأحكام المادة (19) من المشروع يعتبر أى حزب من هذه الأحزاب السياسية لا يحصل على عشرين مقعدا على الأقل في الفصل التشريعى القادم لمجلس الشعب أو في أى فصل تشريعى لاحق ملغى بقوة القانون وتئول أمواله إلى الجهة التي تحددها اللجنة المركزية للاتحاد الإشتراكى العربى.
أيلولة أموال الأتحاد الاشتراكى العربى إلى الحزب:
ونظرا لما يترتب على أحكام المشروع وبخاصة المادة (30) منه من إلغاء كافة أمانات ومؤتمرات ووحدات الاتحاد الإشتراكى العربى في كافة أنحاء البلاد فيما عدا ما حددته هذه المادة - من الاستغناء عن مقار عديدة لهذا الاتحاد - وتوفر قدر من الأموال العقارية والمنقولة المملوكة له فإنه يتعين تحقيقا للمصلحة العامة ولدعم الحياة السياسية الديموقراطية من خلال الأحزاب السياسية التي تخضع لأحكام المشروع أن يحدد بقرار من أمين اللجنة المركزية للاتحاد الإشتراكى العربى وطبقا للقواعد التي تحددها اللجنة المركزية للاتحاد ما يئول إلى الأجزاب المشكلة طبقا لأحكام المشروع من أموال الاتحاد الإشتراكى وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذه الأحكام. (م 33 من المشروع).
كما أجيز بقرار من أمين عام الاتحاد الاشتراكى العربى التنازل عن حق إيجار الأماكن التي يشغلها الاتحاد الاشتراكى العربى إلى أى من الأحزاب المذكورة أو إلى وحدات الجهاز الإدارى للدولة أو الهيئات العامة أو إلى غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة.
وفى هذه الحالة تحل الجهة التي يصدر القرار بالتنازل إليها عن حق الإيجار بقوة القانون محل الاتحاد الاشتراكى العربى.
3 - الاحكام الملغاة من القوانين المتصلة بالمشروع:
نظرا لما تضمنته نصوص المشروع من أحكام تتعارض مع ما تضمنته المواد الثانية والثالثة والتاسعة من القانون رقم 34 لسنة 1972، بشأن حماية الوحدة الوطنية والتى تقرر مبدأ أن الاتحاد الاشتراكى العربى هو التنظيم السياسى الوحيد، وتقرر حظر إنشاء أية تنظيمات سياسية على خلاف ذلك وتقرر كذلك العقوبة الجنائية على مخالفة ذلك ولما تضمنته نصوص المادتين (2)، (6) من المرسوم بقانون رقم (37) لسنة 1952 من حظر إنشاء أحزاب سياسية وحظر مباشرة أى نشاط سياسى لمن كانوا أعضاء في الأحزاب السياسية المنحلة بهذا المرسوم بقانون ولما تقضيه حرية إنشاء الأحزاب التي قام عليها المشروع وتنظيمه لها من إلغاء تلك الأحكام فقد نصت المادة (34) على إلغائها كذلك فإنه نظرا لورود التنظيم الكامل للأحزاب السياسية في أحكام المشروع ولورود النص على الجرائم الحزبية والعقاب عليها في مواد المشروع بشكل يتناسب ويتناسق مع الأحكام والمبادئ التي أوردها في تنظيم الأحزاب السياسية ونشاطاتها، ولما تضمنه المشروع من النص في المادة (28) منه على عدم إخلال أحكامه بأية عقوبة أشد ينص عليها في قانون العقوبات أو أى قانون آخر فانه لم يعد ثمة محل للابقاء على نص المادتين (1)، (2) من القانون رقم (2) لسنة 1977، بشأن حماية حرية الوطن والمواطن - ولذلك نصت المادة (32) من المشروع على إلغاء هاتين المادتين وإلغاء كل حكم يخالف أحكامه.
ويتضمن الاقتراح بمشروع قانون الذي أعدته اللجنة بنظام الأحزاب السياسية (34) مادة موزعة على ثلاثة أبواب على النحو التالي:
الباب الأول:
ويتكون من (23) مادة تتضمن التنظيم الخاص بالأحزاب السياسية والاتحاد الاشتراكي العربي.
الباب الثاني:
وينطوي على (6) مواد تتضمن العقوبات على الجرائم الحزبية.
الباب الثالث:
وينطوي على (5) مواد تتضمن الأحكام الختامية والوقتية.
والمشروع يقوم بصفة عامة على حرية الشعب في تأسيس أحزابه السياسية ويكفل الحفاظ على الوحدة الوطنية وتخالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعي والاشتراكية الديموقراطية والأسس والمبادئ الجوهرية الأخرى التي يقوم عليها الدستور.
وترجو اللجنة من المجلس الموافقة عليه، وعلى مذكرته الإيضاحية التي تولت إعدادها لنصوصه بالصيغة المرفقة بهذا التقرير.

رئيس اللجنة التشريعية
حافظ بدوى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق