الصفحات

الأربعاء، 8 ديسمبر 2021

بحث في دعوى صحة التوقيع وعلاقتها بقانون التسجيل عباس محمد الدسوقي المحامي

مجلة المحاماة - العدد الأول 

 السنة التاسعة عشرة

بحث
في دعوى صحة التوقيع وعلاقتها بقانون التسجيل

قرأت في مجلة المحاماة بالصفحة (547) وما تلاها بعدد يناير وفبراير سنة 1938 بحثًا للأستاذ صبحي أفندي بهجت تحت العنوان السابق ولما كانت لي وجهة نظر مخالفة لحضرته فقد حررت هذا النقد.
1 - قال حضرته أن دعوى صحة التوقيع مبنية على المادة (251) مرافعات أهلي ونصها (يجوز لمن بيده سند غير رسمي أن يكلف من عليه ذلك السند بالحضور أمام المحكمة ولو لم يحل ميعاده لأجل اعترافه بأن هذا السند بخطه أو إمضائه ويكون ذلك التكليف بصفة دعوى أصلية على حسب الأصول المعتادة فيها).
2 - ثم ذكر حضرته نصوص قانون التسجيل الجديد ونص المادة الأولى منه التي توجب تسجيل جميع العقود التي تنشئ الحقوق العينية أو تنقلها الخ - كما ذكر نص المادة السادسة من ذلك القانون التي توجب التصديق على إمضاءات أو أختام الطرفين بمعرفة أحد الموظفين أو المأمورين العموميين الذين يعينون بالقرارات المذكورة في المادة السابعة عشرة.
3 - وقرر حضرته أن القانون حتم أن يكون التصديق على الإمضاءات أمام الموظف المختص، وقد يمتنع أحد الطرفين عن الحضور للتصديق أمام هذا الموظف المختص، وأنه لعلاج هذا التعنت رُئي الالتجاء إلى المادة (251) مرافعات أهلي برفع دعاوى صحة التوقيع بناءً على هذه المادة، وأخيرًا يرى حضرته أن أكثر هذه الدعاوى لم يكن مرجعه تعنت صاحب الإمضاء بل أنها ترجع غالبًا إلى سوء استعمال الحق.
4 - ثم أبدى حضرته اعتراضه على مشروعية دعاوى صحة التوقيع وقرر أنها مخالفة للقانون وضرب مثلاً على ذلك ما يأتي:
( أ ) فمن بيده عقد ابتدائي لم تستوفِ شروطه ولم يقصد المتعاقدان فيه إلى نقل الملكية إلا بعد استيفاء الشروط، يسرع إلى رفع دعوى صحة التوقيع ويسجل العقد فتنقل الملكية.
(ب) ومن يعجز عن تحرير عقد صحيح وفقًا للشروط التي يوجبها القانون وتقتضيها لوائح مصلحة المساحة سواء كان عجزه نتيجة عيوب في مستنداته أو غش في معاملته، يلجأ إلى دعوى صحة التوقيع متخطيًا هذه القيود.
(ج) ومن يتواطأ مع آخر على تحرير عقد عن ملك غيره برفع دعوى صحة التوقيع ليسجل الحكم إضرارًا بالمالك الأصلي، ولا يقبل المالك الحقيقي خصمًا في الدعوى لأنها قاصرة على صحة التوقيع هذه هي مقدمة لآراء حضرته وفيما يلي الأدلة التي يحتج بها على عدم مشروعية دعوى صحة التوقيع وردي عليها.
أولاً: مخالفة هذه الدعوى للقانون العام ولنصوص قانون التسجيل:
وجه المخالفة في رأي حضرته أنها لم تصبح دعوى صحة توقيع أو إمضاء وإنما أصبحت دعوى إرغام على الاعتراف بالتوقيع للوصول إلى تسجيل العقد، وأنه لا يجوز للقاضي أن يغتصب من أحد الخصمين اعترافه بالتوقيع للحكم بصحته ويكون بهذا قد صدق على عقد كرهًا عن أحد طرفيه، واقتبس تأييدًا لرأيه عبارة للأستاذ مرقص بك فهمي وهي (أن تصديق الموظف أو القاضي على توقيع الخصوم أو على عقودهم لا يتصور قانونًا ولا يجوز أن يحصل إلا بحضور أصحاب الشأن وبإقرارهم أمامه أنهم يريدون هذا العقد، ثم بتوقيعهم فعلاً عليه أمامه، أما التصديق القهري فإنه عمل لا يتصور عقلاً).
واعتمد حضرته على هذا ليحكم بحرمان القاضي من الحكم بصحة التوقيع.
وفي رأيي أن المادة (251) مرافعات أهلي وما تلاها قد أعطت القاضي سلطة الموثق بالنسبة للتصديق على الإمضاء أو الختم والأدلة على ذلك ما يأتي:
( أ ) تقول المادة (لأجل اعترافه بأن هذا السند بخطه أو إمضائه) وظاهر من النص أن المطلوب الحصول على تصديق المحكمة على اعتراف الخصم بالإمضاء.
(ب) تقول المادة (ولو لم يحل ميعاده) وهذا النص يدل على أن المطلوب من القاضي هو تحرير محضر بالتصديق على الاعتراف لا أن يحكم حكمًا في حق لم يحصل ميعاده بعد، أي أن القاضي موثق وهذا بالطبع في حالة اعتراف صاحب الإمضاء.
(ج) وأقطع مما تقدم في سلطة التوثيق أن المادة (252) مرافعات تقول (وفي حالة الاعتراف تصدق المحكمة على ذلك لمن طلبه وتكون كافة المصاريف عليه).
كما أن للقاضي بموجب القانون العام أن يرغم المتعاقد على تنفيذ تعهده بإلزامه بالتوقيع الذي أبى أن يقوم به أمام الكاتب المختص، وذلك استنادًا إلى أن القاضي هو السلطة التي ترغم المتعاقدين على تنفيذ التزاماتهم، كما أن قانون التسجيل نفسه يرتب على العقود العرفية غير المسجلة التزامات شخصية ومن أظهر هذه الالتزامات الالتزام بالتوقيع من جانب صاحب الإمضاء أسوة بتسليم العقار وغير ذلك.
أما عن البيانات المشترطة في العقود ولإمكان تسجيلها فلا خوف من هذه النقطة أولاً لأن القاضي لا يتعرض في حكمه بصحة التوقيع لغير البحث في حصول التوقيع من عدمه - وثانيًا - لأن قانون التسجيل نص في المادة السابعة على وجوب تسجيل عرائض الدعاوى التي تمس الحقوق العينية، ولذلك تحتم أقلام كتَّاب المحاكم ضرورة مراجعة هذه العرائض والتأشير عليها من مصلحة المساحة لاستيفاء كافة البيانات التي يشترطها قانون التسجيل ولا يمكن قبول تلك الدعاوى للإعلان أو القيد ما لم تؤشر عليها مصلحة المساحة، وإذن تكون تلك الأحكام بعد صدورها قابلة للتسجيل بعد مراجعتها ومطابقتها لعريضة الدعوى ولا تختلف عن نتيجة مراجعة العقد نفسه بمعرفة أقلام التسجيل.
وبيَّن حضرة الأستاذ أوجه الاعتراض على نظريته وهذه الاعتراضات هي:
1 - أن الحكم بعدم قبول دعوى صحة التوقيع مخالف لصريح المادة (251) مرافعات) ورده على هذا أن نطاق تلك المادة محدود فإذا تجاوزه المدعي إلى حالة لا يسمح بها القانون كانت دعواه غير مقبولة - وأرى أن هذا رد غير مقنع وأن نص المادة مطلق غير مقيد فلم تحرم دعوى صحة التوقيع في أحوال وتجيزها في أحوال أخرى، والقول بعدم قبول دعوى صحة التوقيع لا أساس له من القانون ما دامت المادة (251) مرافعات قائمة بل أن هذه المادة رحمة وعلاج لمن بيده عقد ويأبى خصمه التوقيع نكثًا بعهوده.
2 - يرى حضرة الأستاذ ضرورة رفع دعوى صحة التعاقد بدلاً من دعوى صحة التوقيع وأرى أن ما أبديته بالنسبة للمراجعة للعرائض على يد من المساحة كافٍ لزوال كل اعتراض، ولا يمكن إجبار المدعي على طرح عقده برمته على القضاء وله أن يقتصر على طلب الحكم بصحة التوقيع.
3 - أن التسجيل لا يصحح العقد الباطل فلا خوف من الحكم بصحة التوقيع وبتسجيله - ويرد حضرته على هذا الاعتراض بقوله إن هذا التسجيل عبث إذا كان العقد سيبطل إذ لا محل لإجازة تسجيل عقد رغم أنف المتعاقد وهو يطعن عليه بما يبطله.
وردنا على ذلك أنه لا خطر من التسجيل ما دامت البيانات الشكلية مستوفاة بالمرور من مصلحة المساحة وما دامت الإمضاءات مصدقًا عليها أمام القاضي نفسه على أن التصديق أمام الكاتب لا يمنع كل الطعون الخاصة بموضوع العقد كما هو واقع أمامنا كل يوم فلكل طرف أن يطعن بالصورية أو بالغش أو بالخطأ في البيانات الخ – فما يخشاه حضرة الأستاذ في حالة الحكم بصحة التوقيع واقع أيضًا في حالة التصديق أمام قلم الكتاب.
4 - أنه يمكن جعل الحكم قاصرًا على صحة التوقيع دون الإشارة إلى الإذن بالتسجيل - ويرد حضرته على هذا الاعتراض بقوله إن هذا الحكم يسجل برغم عدم النص على الإذن بالتسجيل في الحكم - ونقول أن أغلب الأحكام لا تنص على الإذن بالتسجيل قائلة أن ذلك ليس من شأن المحكمة بل مرجعه استيفاء إجراءات شكلية بمعرفة أقلام التسجيل وهذه لا تسجل الحكم إلا إذا كانت البيانات كلها مستوفاة.
ومن رأيي أنه لا محل لحرمان القاضي من سلطة الحكم بصحة التوقيع المخولة له بالمادة (251) مرافعات بغير إلغاء هذا النص وحرمان المتمسك بالعقد من الانتفاع بهذه المادة ولا محل لإلزام المتعاقد بسلوك طريق دعوى صحة التعاقد إذ لا شك أن دعوى صحة التعاقد لها من الأسانيد القانونية والأحكام المقررة ما يجعلها غوثًا للمنكوبين وعقابًا للمتعنتين.

عباس محمد الدسوقي
المحامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق