الصفحات

الاثنين، 20 ديسمبر 2021

الطعن 7701 لسنة 84 ق جلسة 16 / 6 / 2015 مكتب فني 66 ق 134 ص 881

جلسة 16 من يونيه سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ جرجس عدلي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ معتز مبروك، محمد منصور، حازم شوقي ومنصور الفخراني نواب رئيس المحكمة.
---------------

(134)
الطعن رقم 7701 لسنة 84 قضائية

(1 - 7) قضاة "دعوى المخاصمة: نظر دعوى مخاصمة القضاة على درجتين".
(1) دعوى المخاصمة. دعوى مسئولية. الغرض منها. تعويض المخاصم عن الضرر الذي أصابه. أستنادها لقيام القاضي بعمل أو إصداره حكما مشويا بعيب يجيز مخاصمته. الأصل. عدم مسئوليته عما يصدره من تصرفات أثناء عمله. علة ذلك. الاستثناء. جواز مساءلته عن الضرر الناشئ عن تصرفاته في الأحوال المبينة بالمادة 494 مرافعات. سبيله. رفع دعوى المخاصمة. وفق إجراءات وضمانات لكفالة الطمأنينة للقاضي في عمله. مؤداه. عدم جواز التوسع في الاستثناء أو القياس عليه سواء فيما يتصل بأحوالها أو الخاضعين لأحكامها.
(2) تفسير النصوص القانونية. وجوب مراعاة التناسق فيما بينهما بعدم تفسير النص بمعزل عن الآخر.
(3) القضاة وأعضاء النيابة العامة. جواز مخاصمتهما. م 494 مرافعات. انصراف كلمة القضاة لقضاة المحاكم العادية باختلاف درجاتهم في هذه المحاكم التي تتكون من محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية بما يتبعها من محاكم جزئية وأعضاء النيابة العامة. عدم امتداد سريانها لغيرهم إلا بنص خاص.
(4) مساءلة القضاة تأديبياً. خضوعها لمبدأ التقاضي على درجتين. انعقاد الاختصاص بنظرها لمجلس تأديب برئاسة أقدم رؤساء محاكم الاستئناف من غير أعضاء مجلس القضاء الأعلى وعضوية أقدم قاضيين بمحكمة النقض وأقدم نائبي رؤساء محاكم الاستئناف. للنائب العام وللمحكوم عليه الطعن في الحكم الصادر منه أمام مجلس تأديب أعلى برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأحدث ثلاثة نواب لرئيس محكمة النقض. م 98 ، 107 ق السلطة القضائية المعدل بالقانوني رقمي 142 لسنة 2006، 17 لسنة 2007.
(5) دعوى تأديب القضاة. إناطة المشرع لمجلس التأديب بدرجتيه ولاية نظرها وفق قواعد إجرائية وضمانات أساسية بإصدار حكم بالبراءة أو بالعقاب وفقا لمدى ثبوت الواقعة المنسوبة وقدر جسامتها. المواد 99 ،100، 101، 102، 106، 107/ 1 ق السلطة القضائية المعدل. تفرد المجلس بتنظيم خاص في تشكيله بدرجتيه خلافا للقواعد المنظمة لتشكيل المحاكم العادية التي تؤلف من دوائر كل منها بمختلف درجاتها من قضاتها فحسب بنصوص إجرائية مستقلة. مؤداه. عدم إندراجه وفق ذلك التنظيم وتلك المغايرة ضمن مفهوم المحاكم العادية. أثره. عدم خضوع أعضاء مجلس التأديب بدرجتيه لأحكام مخاصمة القضاة.
(6) أعضاء المحكمة الدستورية العليا. خضوعهم لقواعد المخاصمة. م 15/ 1 ق 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا. خلو القرار بق 46 لسنة 1972 المعدل بق 142 لسنة 2006، 172 لسنة 2007 من النص على جواز مخاصمة أعضاء مجلس التأديب بدرجتيه أو الإحالة للأحكام المنظمة لقواعد مخاصمة قضاة المحاكم العادية الواردة بقانوني المرافعات والإجراءات الجنائية. مؤداه. عدم انطباق قواعد المخاصمة على قضاة مجلس التأديب بدرجتيه. أثره. عدم قبول دعوى مخاصمة رئيس مجلس تأديب القضاة الأعلى.
(7) الحكم بالغرامة ومصادرة الكفالة في دعوى مخاصمة القضاة. شرطه. القضاء بعدم جواز المخاصمة أو برفضها. القضاء بعدم القبول لعدم سريان أحكام دعوى المخاصمة الواردة بقانون المرافعات على رئيس مجلس التأديب الأعلى. أثره. انتفاء موجب القضاء بالغرامة. علة ذلك. المادتان 496، 499 مرافعات.

--------------

1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن دعوى المخاصمة هي دعوى مسئولية ترمي إلى تعويض ضرر أصاب المخاصم، وتستند إلى قيام القاضي بعمل أو إصدار حكم مشوب بعيب يجيز مخاصمته، وكان الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدره من تصرفات في عمله، لأنه يستعمل في ذلك حق خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه، وأجاز المشرع استثناء من هذا الأصل مساءلة القاضي عن الضرر الناشئ عن تصرفاته في عمله في أحوال معينة بينها على سبيل الحصر في المادة "494" من قانون المرافعات، ورسم طريقا خاصا لهذه المساءلة وهو رفع دعوى المخاصمة، وأفرد لها إجراءات خاصة وأحاطها بضمانات تكفل توفير الطمأنينة للقاضي في عمله، ومن ثم فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء أو القياس عليه سواء فيما يتصل بأحوالها أو الخاضعين لأحكامها.

2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه يتعين عند تفسير نصوص القانون مراعاة التناسق فيما بينها على نحو يوجب ألا يفسر نص بمعزل عن آخر.

3 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن المادة 494 من قانون المرافعات أجازت مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة، وكانت كلمة "القضاة" - في مقصود هذه المادة وحملا على سياق نص المادة 497 من ذات القانون التي تناولت ضوابط تحديد المحكمة المختصة بنظر موضوع المخاصمة - إنما تتصرف - بالنسبة إلى قضاة المحاكم العادية - إلى مختلف درجاتهم في هذه المحاكم التي تتكون من محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية بما يتبعها من محاكم جزئية، وأعضاء النيابة العامة، ولا يمتد سريانها إلى غيرهم إلا إذا نص قانون آخر يجيز ذلك.

4 - إن قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل بالقانونين رقمي 142 لسنة 2006، 17 لسنة 2007 - المعمول به اعتبارا من 9/ 5/ 2007 والمنطبق على الدعوى - قد أفرد الفصل التاسع من بابه الثاني للأحكام الخاصة بمساءلة القضاة تأديبيا، وعهد بذلك في المادة "98" منه إلى مجلس تأديب يشكل من أقدم رؤساء محاكم الاستئناف من غير أعضاء مجلس القضاء الأعلى رئيسا وعضوية أقدم قاضيين بمحكمة النقض وأقدم نائبي رئيس محكمة الاستئناف، وأورد في الفقرة الثانية من المادة "107" منه على أن للنائب العام وللمحكوم عليه الطعن في الحكم الصادر من مجلس التأديب سالف البيان خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره أمام مجلس تأديب أعلى يشكل برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأحدث ثلاثة نواب لرئيس محكمة النقض، مما مفاده أن المشرع جعل الاختصاص بالفصل في الدعوى التأديبية على درجتين، وأوكل الفصل فيها في الدرجة الأولى إلى خمسة من رجال القضاء، وفي الدرجة الثانية إلى سبعة من رجال القضاء هم بطبيعة مراكزهم وأقدميتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائي، وبالتالي أكثر خبره ودراية بأوضاع السلطة القضائية، وأعمق فهما للمقاييس الصارمة التي يتعين أن يؤدي العمل القضائي في إطارها، وأنفذ إلى الضوابط الكامنة في طبيعة الوظيفة القضائية وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التي ترد عنها كل ترخص أو شبهة تنال منها، مما يجعل المجلس - بدرجتيه على ضوء هذه الحقائق -الأقدر على الفصل في خصومة قد تؤول إلى عزل القاضي من وظيفته.

5 - إن مؤدى نصوص المواد 99، 100، 101، 102، 106، 107/ 1 من قانون السلطة القضائية المعدل المشار إليه سلفا - التي أوضحت طريقة رفع الدعوى التأديبية وبما كفلته للقاضي من ضمانات أساسية وصولا إلى القول الفصل فيها - أن المشرع ناط بمجلس التأديب - بدرجتيه - ولاية نظر دعوى تأديب القضاة - باعتباره هيئة قضائية - بإصدار حكم بالبراءة أو العقاب بالجزاء الذي يراه - اللوم أو العزل - وفقا لاقتناعه بمدى ثبوت الواقعة المنسوبة للقاضي وقدر جسامتها، وإلى جانب هذه الصفة القضائية للمجلس - بدرجتيه - فقد أولاه المشرع طبيعة خاصة مغايرة لطبيعة المحاكم العادية، إذ أفرده بتنظيم خاص تبرز ملامحه في تشكيله السالف البيان، وذلك خلافا للقواعد المنظمة لتشكيل المحاكم العادية التي تؤلف من دوائر كل منها بمختلف درجاتها من قضاتها فحسب، هذا إلى أن الخصومة التي أسند إليه الاختصاص بالفصل فيها قد احتجزها بنصوص إجرائية مستقلة عن تلك الواردة في قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإنه لا يندرج بحسب هذا التنظيم وتلك المغايرة تحت مفهوم المحاكم العادية، ولا يخضع أعضاؤه بالتالي لأحكام مخاصمة قضاتها.

6 - إن المشرع - وفي الإطار السالف بيانه - إذ ارتأى أخضاع المحكمة الدستورية العليا لقواعد المخاصمة فقد أفصح عن إرادته صراحة بنصه في الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشر من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية على سريان الأحكام المقررة في هذا الخصوص بالنسبة إلى مستشاري محكمة النقض في شأنهم، ومن ثم فإن القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية المعدل بالقانونين رقمي 142 لسنة 2006، 17 لسنة 2007 إذ جاء خلوا من نص على جواز مخاصمة أعضاء مجلس التأديب - بدرجتيه - أو الإحالة في هذا الشأن إلى الأحكام العامة المنظمة لقواعد مخاصمة قضاة المحاكم العادية الواردة في قانون المرافعات، فقد دل ذلك على أن المشرع حينما أسند الفصل في الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب - بدرجتيه - بتشكيلهما المار بيانه - وتحقيقا لغايته الأساسية في الحفاظ للوظيفة القضائية منزلتها ولقيمها الرفيعة سموها - قد اتجهت إرادته إلى جعلهم بمنأى عن قواعد المخاصمة، ومن ثم فإن مخاصمة المدعى عليه رئيس مجلس تأديب القضاة الأعلى تكون غير جائزة، ومن ثم تكون الدعوى فاقدة لمقومات قبولها.

7 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - إن مفاد المادتين 496، 499 من قانون المرافعات المعدل أن الحكم بالغرامة ومصادرة الكفالة يكون عندما تفصل المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وتقضي بعدم جواز المخاصمة أو برفضها، وهو ما لا يتأتى إلا بعد أن تكون دعوى المخاصمة قد استقامت أمامها بكافة عناصرها الشكلية اللازمة لقبولها، وهو ليس كذلك بصدد الدعوى المطروحة بعد أن خلصت المحكمة إلى عدم قبولها لعدم سريان أحكام دعوى المخاصمة الواردة في قانون المرافعات على المدعى عليه، مما لا موجب معه الحكم على المدعى بالغرامة المنصوص عليها في المادة 499 من القانون سالف البيان أو مصادرة الكفالة.

----------

الوقائع

حيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام على المدعى عليه بصفته رئيس مجلس الصلاحية الأعلى ورئيس محكمة النقض سابقا دعوى المخاصمة رقم ... لسنة 130 ق بتقرير في قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة بتاريخ 23/ 4/ 2013 بطلب بطلان الحكم الصادر في دعوى الصلاحية رقم ... لسنة 2009 وإلزامه بالتضامن مع المستشارين وزير العدل ورئيس محكمة النقض بصفتهما - غير المختصمين - بأن يؤدوا له مبلغ خمسة وعشرون مليون ومائتي وخمسون ألف جنيها تعويضا، على سند من أنه أحيل إلى مجلس التأديب - بهيئة عدم الصلاحية - إزاء ما نسب إليه من اشتراكه في تزوير محرر عرفي واستعماله وإنشاء وتشغيل شبكة اتصالات وتمرير مكالمات تليفونية دولية قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بالمخالفة للمواد المبينة بقرار الإحالة، وبتاريخ 6/ 12/ 2009 حكم المجلس حضوريا برفض الطلب والتوصية بتوجيه تنبيه له. طعن المدعى على هذا الحكم أمام مجلس التأديب الأعلى بالطعن رقم ... لسنة 2009، وفيه قضى بعدم قبول الطعن، ولما كان المدعى عليه ترأس مجلس التأديب الأعلى رغم أنه قريبا بالمصاهرة له من الدرجة الثالثة، كما سبق أن شارك في إجراءات رفع الحصانة القضائية عنه، بما يتوفر به مانع لديه من نظر الدعوى، وإذ لحقه من جراء ذلك أضرارا مادية وأدبية فأقام الدعوى وأرفق بها حافظة مستندات. حكمت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيا بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة النقض، وبعد أن قيدت بجداولها برقمها الحالي أودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم جواز المخاصمة. عرضت الدعوى على المحكمة فحددت جلسة لنظرها - في غرفة مشورة - وفيها حضر المدعى وصمم على ما جاء بتقرير المخاصمة، والتزمت النيابة رأيها وبجلسة 16/ 6/ 2015 قدم المدعي حافظة مستندات.

------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
وحيث أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن دعوى المخاصمة هي دعوى مسئولية ترمي إلى تعويض ضرر أصاب المخاصم، وتستند إلى قيام القاضي بعمل أو إصدار حكم مشوب بعيب يجيز مخاصمته، وكان الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدره من تصرفات في عمله، لأنه يستعمل في ذلك حق خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه، وأجاز المشرع استثناء من هذا الأصل مساءلة القاضي عن الضرر الناشئ عن تصرفاته في عمله في أحوال معينة بينها على سبيل الحصر في المادة "494" من قانون المرافعات، ورسم طريقا خاصا لهذه المساءلة، وهو رفع دعوى المخاصمة، وأفرد لها إجراءات خاصة، وأحاطها بضمانات تكفل توفير الطمأنينة للقاضي في عمله، ومن ثم فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء أو القياس عليه سواء فيما يتصل بأحوالها أو الخاضعين لأحكامها.
وحيث إنه يتعين عند تفسير نصوص القانون مراعاة التناسق فيما بينها على نحو يوجب ألا يفسر نص بمعزل عن آخر، وإذ أجازت المادة 494 من قانون المرافعات مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة، وكانت كلمة "القضاة" في مقصود هذه المادة - وحملا على سياق نص المادة 497 من ذات القانون التي تناولت ضوابط تحديد المحكمة المختصة بنظر موضوع المخاصمة - إنما تنصرف - بالنسبة إلى قضاه المحاكم العادية - إلى مختلف درجاتهم في هذه المحاكم التي تتكون من محكمة النقض، ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية بما يتبعها من محاكم جزئية، وأعضاء النيابة العامة، ولا يمتد سريانها إلى غيرهم إلا إذا نص قانون آخر يجيز ذلك.
وحيث إن قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل بالقانونين رقمي 142 لسنة 2006، 17 لسنة 2007 - المعمول به اعتبارا من 9/ 5/ 2007 والمنطبق على الدعوى - قد أفرد الفصل التاسع من بابه الثاني للأحكام الخاصة بمساءلة القضاة تأديبيا، وعهد بذلك في المادة "98" منه إلى مجلس تأديب يشكل من أقدم رؤساء محاكم الاستئناف من غير أعضاء مجلس القضاء الأعلى رئيسا وعضوية أقدم قاضيين بمحكمة النقض وأقدم نائبي رئيس محكمة الاستئناف، وأورد في الفقرة الثانية من المادة "107" منه على أن للنائب العام وللمحكوم عليه الطعن في الحكم الصادر من مجلس التأديب سالف البيان خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره أمام مجلس تأديب أعلى يشكل برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأحدث ثلاثة نواب لرئيس محكمة النقض، مما مفاده أن المشرع جعل الاختصاص بالفصل في الدعوى التأديبية على درجتين وأوكل الفصل فيها في الدرجة الأولى إلى خمسة من رجال القضاء، وفي الدرجة الثانية إلى سبعة من رجال القضاء هم بطبيعة مراكزهم وأقدمياتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائي، وبالتالي أكثر خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية، وأعمق فهما للمقاييس الصارمة التي يتعين أن يؤدى العمل القضائي في إطارها، وأنفذ إلى الضوابط الكامنة في طبيعة الوظيفة القضائية وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التي ترد عنها كل ترخص أو شبهة تنال منها مما يجعل المجلس - بدرجتيه على ضوء هذه الحقائق - الأقدر على الفصل في خصومة قد تؤول إلى عزل القاضي من وظيفته.
وحيث إن مؤدى نصوص المواد 99، 100، 101، 102، 106، 107/ 1 من قانون السلطة القضائية المعدل المشار إليه سلفا - التي أوضحت طريقة رفع الدعوى التأديبية وما كفلته للقاضي من ضمانات أساسية وصولا إلى القول الفصل فيها - أن المشرع ناط بمجلس التأديب - بدرجتيه - ولاية نظر دعوى - تأديب القضاة - باعتباره هيئة قضائية - بإصدار حكم بالبراءة أو العقاب بالجزاء الذي يراه - اللوم أو العزل - وفقا لاقتناعه بمدى ثبوت الواقعة المنسوبة للقاضي وقدر جسامتها، وإلى جانب هذه الصفة القضائية للمجلس - بدرجتيه - فقد أولاه المشرع طبيعة خاصة مغايرة لطبيعة المحاكم العادية، إذ افرده بتنظيم خاص تبرز ملامحه في تشكيله السالف البيان، وذلك خلافا للقواعد المنظمة لتشكيل المحاكم العادية التي تؤلف من دوائر كل منها بمختلف درجاتها من قضاتها فحسب، هذا إلى أن الخصومة التي أسند إليه الاختصاص بالفصل فيها قد احتجزها بنصوص إجرائية مستقلة عن تلك الواردة في قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإنه لا يندرج بحسب هذا التنظيم وتلك المغايرة تحت مفهوم المحاكم العادية، ولا يخضع أعضاؤه بالتالي لأحكام مخاصمة قضاتها.
وحيث إن المشرع - وفي الإطار السالف بيانه - إذ ارتأى إخضاع المحكمة الدستورية العليا لقواعد المخاصمة، فقد أفصح عن إرادته صراحة بنصه في الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشر من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية على سريان الأحكام المقررة في هذا الخصوص بالنسبة إلى مستشاري محكمة النقض في شأنهم، ومن ثم فإن القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية المعدل بالقانونين رقمي 142 لسنة 2006، 17 لسنة 2007 إذ جاء خلوا من نص على جواز مخاصمة أعضاء مجلس التأديب - بدرجتيه - أو الإحالة في هذا الشأن إلى الأحكام العامة المنظمة لقواعد مخاصمة قضاه المحاكم العادية الواردة في قانون المرافعات، فقد دل ذلك على أن المشرع حينما أسند الفصل في الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب - بدرجتيه - بتشكيلهما المار بيانه وتحقيقا لغايته الأساسية في الحفاظ للوظيفة القضائية منزلتها ولقيمها الرفيعة سموها قد اتجهت إرادته إلى جعلهم بمنأى عن قواعد المخاصمة، ومن ثم فأن مخاصمة المدعى عليه رئيس مجلس تأديب القضاة الأعلى تكون غير جائزة، ومن ثم تكون الدعوى فاقدة لمقومات قبولها.
وحيث إن مفاد المادتين 496، 499 من قانون المرافعات المعدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الحكم بالغرامة ومصادرة الكفالة يكون عندما تفصل المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وتقضى بعدم جواز المخاصمة أو برفضها، وهو ما لا يتأتى إلا بعد أن تكون دعوى المخاصمة قد استقامت أمامها بكافة عناصرها الشكلية اللازمة لقبولها، وهو ليس كذلك بصدد الدعوى المطروحة بعد أن خلصت المحكمة إلى عدم قبولها لعدم سريان أحكام دعوى المخاصمة الواردة في قانون المرافعات على المدعى عليه، مما لا موجب معه الحكم على المدعى بالغرامة المنصوص عليها في المادة 499 من القانون سالف البيان أو مصادرة الكفالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق