الصفحات

الاثنين، 13 ديسمبر 2021

الطعن 33 لسنة 28 ق جلسة 30 / 3 / 1961 مكتب فني 12 ج 1 أحوال شخصية ق 43 ص 300

جلسة 30 من مارس سنة 1961

برياسة السيد محمود عياد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: عبد السلام بلبع، ومحمود القاضي، وفرج يوسف، ومحمود توفيق إسماعيل المستشارين.

----------------

(43)
الطعن رقم 33 لسنة 28 القضائية "أحوال شخصية"

(أ) حكم "القبول المانع من الطعن".
شرط القبول المانع من الطعن أن يكون قاطعاً في الدلالة على رضاء المحكوم عليه به.
(ب) حكم "آثاره". وقف "تفسير شرط الواقف".
الحكم الصادر في دعوى تفسير شرط الواقف لا يعتبر حجة إلا على من كان ممثلاً في الدعوى ولا يستفيد منه باقي المستحقين.
(ج) دعوى "عدم سماعها". تقادم.
عدم اعتراف الشريعة الإسلامية بالتقادم المكسب أو المسقط. قاعدة عدم سماع الدعوى بالحق الذي مضت عليه المدة ليس مبناها بطلان الحق وإنما هي مجرد نهي للقضاة قصد به قطع التزوير والحيل. لا أثر له على أصل الحق. ليس في هذا المجال محل لإعمال قواعد التقادم الواردة بالقانون المدني.
(د) دعوى "عدم سماعها". وقف "تفسير شرط الواقف".
قوام الأعذار التي ذكرها الفقهاء مسوغة لسماع الدعوى رغم مضي المدة أن تكون في شتى صورها بحيث يتعذر معها على المدعي إمكان رفع الدعوى. الاختلاف في تفسير شرط الواقف لا يعد عذراً بهذا المعنى. المادة 375 من اللائحة الشرعية.
(هـ) دعوى "عدم سماعها". وقف "تفسير شرط الواقف".
اتفاق المستحقين على إرجاء توزيع ما اختلفا عليه من أعيان الوقف حتى يفصل فيه القضاء مع تمسك كل بوجهة نظره وعدم تسليمه للآخر بما يدعيه. قول الحكم إن هذا الاتفاق يرتفع به الإنكار للحق المانع من سماع الدعوى به بمضي المدة. تكييف له بما لا تحتمله نصوصه.

----------------
1 - يشترط في القبول المانع من الطعن في الحكم أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه به بما لا يحتمل شكاً أو تأويلاً، وإذن فإذا كان يبين من عقد الاتفاق الموقع من طرفي الخصومة أن الطاعنين احتفظوا بحقهم في الطعن بالنقض الذي رفعوه عن الحكم المطعون فيه، وأن المطعون عليهم قبلوا هذا التحفظ بحيث إذا نقض الحكم المطعون فيه لصالح الطاعنين التزام المطعون عليها بالتخلي فوراً عن الأراضي التي تسلموها فإن الدفع بعدم قبول الطعن لهذا السبب يكون في غير محله.
2 - الحكم الصادر في دعوى تفسير شرط الواقف لا يعتبر حجة إلا على من كان ممثلاً فيها ولا يستفيد منه باقي المستحقين.
3 - إنه وإن كانت الشرعية الإسلامية لا تعترف بالتقادم المكسب أو المسقط وتقضي ببقاء الحق لصاحبه مهما طال به الزمن إلا أنه إعمالاً لقاعدة تخصيص القضاء بالزمان والمكان شرع منع سماع الدعوى بالحق الذي مضت عليه المدة، وعدم السماع ليس مبنياً على بطلان الحق وإنما هو مجرد نهي للقضاة عن سماعها قصد به قطع التزوير والحيل. ولما كان المنع من السماع في هذه الصورة لا أثر له على أصل الحق ولا يتصل بموضوعه وإنما يقتصر حكمه على مجرد سماع الدعوى أو عدم سماعها فإنه لا يكون في هذا المجال محل لإعمال قواعد التقادم الواردة بالقانون المدني - ومتى كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأعلن تلك القواعد فإنه يكون مخالفاً للقانون.
4 - الأعذار التي ذكرها الفقهاء مسوغة لسماع الدعوى رغم مضي المدة وإن جاءت على سبيل المثال إلا أن قوامها أن تكون في شتى صورها بحيث يتعذر معها على المدعي إمكان رفع الدعوى، والاختلاف في تفسير شرط الواقف لا يعد عذراً بهذا المعنى.
5 - إذا كان الثابت أن المستحقين فريقان فريق يقول بقصر أيلولة أنصبة العقماء على الأخوة الأحياء، وفريق يدعيها للأحياء منهم والأموات، وكان كل فريق قد تمسك بوجهة نظره ولم يسلم للآخر بما يدعيه، واتفقا على إرجاء توزيع ما اختلفا عليه حتى يفصل فيه القضاء، فإن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن هذا الاتفاق يرتفع به الإنكار للحق المانع من سماع الدعوى به بمضي المدة مع التمكن وعدم العذر الشرعي يكون قد كيف الاتفاق بما لا تحتمله نصوصه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن وقائع النزاع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المرحوم محمد بهجت جوربجي وقف الأعيان المبينة بكتاب وقفه الذي ضبط أمام محكمة الجيزة الشرعية في 15 من رجب سنة 1304 هجرية على نفسه ومن بعده تكون حصة قدرها 3 ط من 24 ط ينقسم إليها هذا الوقف وفقاً على زوجاته معتوقاته الثلاث دلبا روجيلان وترتديل وعلى مديرته حسن ملك بالسوية بينهن، ومن بعد كل منهن يكون نصيبها وقفاً على أولادها منه للذكر ضعف الأنثى. وإن لم يكن لها أولاد نصيبها لمن يوجد من أولاد الواقف للذكر ضعف الأنثى مضافاً إلى ما يستحقونه من الوقف. والحصة الباقية وقدرها 21 ط تكون وقفاً على أولاده التسعة عبد اللطيف رجب وأحمد نظيف وإسماعيل بهجت ومحمد توفيق وعديله وتفيده وزينب وزكية ونفيسة. وعلى ما سيحدثه الله من أولاده ذكوراً وإناثاً للذكر ضعف الأنثى مدة حياتهم ثم من بعد كل منهم حصته وقفاً على أولاده ثم أولاد أولاده ثم على أولاد أولاد أولاده ثم على ذريتهم ونسلهم وعقبهم للذكر مثل حظ الأنثيين طبقة بعد طبقة ونسلاً بعد نسل وجيلاً بعد جيل الطبقة العليا منهم تحجب الطبقة السفلى من نفسها دون غيرها بحيث يحجب كل أصل فرعه دون فرع غيره - يستقل به الواحد منهم إذا انفرد ويشترك فيه الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع. على أن من مات منهم وترك ولد أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه من ذلك إلى ولده أو ولد ولده وإن أسفل فإن لم يكن له ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك انتقل نصيبه من ذلك إلى أخوته المشاركين له في الدرجة والاستحقاق مضافاً إلى ما يستحقونه من ذلك فإن لم يكن له إخوة ولا أخوات يكون نصيبه من ذلك لمن يوجه من مستحقي هذا الوقف الموقوف عليهم من ذرية الواقف ذكوراً وإناثاً للذكر مثل حظ الأنثيين مضافاً لما يستحقونه من ذلك. على أن من مات من ذرية الواقف الموقوف عليهم قبل دخوله في هذا الوقف واستحقاقه لشيء منه وترك ولداً أو ولد ولد أو أسفل انتقل نصيبه من ذلك إلى ولده أو ولد ولده وإن سفل ويستحق ما كان يستحقه أصله إن لو كان الأصل حياً يتداولون ذلك بينهم إلى حين انقراضهم أجمعين - وقد توفى الواقف وتوفيت زوجاته ومدبرته عن أولاده التسعة المذكورين، ثم توفيت عديلة بنت الواقف عن ذرية في سنة 1907 وتوفى ابنه عبد اللطيف رجب عقيماً في سنة 1908 وتوفيت زينب عن ذرية سنة 1931 وتوفيت زكية عن أولادها في سنة 1934 وتوفى أحمد نظيف عقيماً في أبريل سنة 1938 وتوفيت تفيده عن ذرية في يونيه سنة 1938 وتوفى إسماعيل بهجت عقيماً في سنة 1939 وأخيراً توفى محمد توفيق عن ذرية في سنة 1955. وقام خلاف بين المستحقين بشأن أنصبة العقماء الثلاثة - عبد اللطيف رجب وأحمد نظيف وإسماعيل بهجت أولاده الواقف وهل تؤول أنصباء هؤلاء العقماء إلى من كان موجوداً من أخوة العقيم وأخواته وقت وفاته فقط دون من مات منهم قبله أم تؤول إلى الجميع أحياء وأمواتاً فما أصاب الأحياء أخذوه وما أصاب الأموات أخذه أولادهم. وأقام عارف فهمي الشهير بحسني بن محمود حسني ابن السيدة عديلة بنت الواقف الدعوى رقم 240 سنة 1952 كلي أمام محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية ضد محمد توفيق بهجت جوربجي ابن الواقف بصفته ناظراً على الوقف يطالبه فيها باستحقاقه في أنصبة العقماء الثلاثة الذين توفوا بعد جدته عديلة أخت العقماء وقدره 3، 1/ 2 سهم من قيراط واحد من 24 ط وحكم له باستحقاقه لهذا النصيب في 11 من أبريل سنة 1954، فاستأنف ناظر الوقف هذا الحكم أمام المحكمة العليا الشرعية بالاستئناف رقم 147 سنة 1954 وطعن محمود مختار - الطاعن الثالث - على هذا الحكم بالاستئناف رقم 151 سنة 1954 على أساس أن الحكم المطعون عليه يتعدى إليه بالضرر. وقررت المحكمة العليا الشرعية ضم هذين الاستئنافين ثم قضت بجلسة 24 من أبريل سنة 1955 برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وطعنت السيدة وجيدة محمد رفاعي الطاعنة الرابعة على هذا الحكم أيضاً بالاستئناف رقم 56 سنة 73 ق وذلك بطريق التعدي. وبتاريخ 8/ 6/ 1957 قضت محكمة استئناف القاهرة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. وأثناء سريان النزاع القضائي الذي أثاره عارف فهمي تقدم المستحقون إلى القضاء بطلب قسمة الأعيان والموقوفة بينهم وقام الخلاف بينهم حول استحقاق أنصبه العقماء ولمن تؤول، ثم انتهى المستحقون إلى قسمة الأعيان كلها على صورتين إحداهما تقوم على أن نصيب العقيم يؤول إلى إخوته الأحياء والصورة الثانية تقوم على أن نصيب العقيم يؤول إلى إخوته الأحياء والأموات وما يصيب الميت يأخذه أولاده، ثم جنبوا الفرق بين الصورتين وهو ما يعادل الجزء المشكوك فيه محل النزاع - وحرروا بذلك عقداً تاريخه 28 أكتوبر سنة 1953، وأمرت المحكمة في مادة القسمة بإجرائها مع تجنيب نصيب العقيم على أن يبقى هذا الجزء تحت حراسة من سينزع منهم حتى يفصل نهائياً في النزاع القائم بشأنه. ثم أقام المطعون عليهم من الأول إلى السابعة ضد الطاعنة الأولى الدعوى رقم 1694 سنة 1956 كلي أمام محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية كما أقام باقي المطعون عليهم الدعوى رقم 1695 سنة 1956 كلي ضد الطاعنين وساق المدعون في كل من الدعويين الوقائع المتقدمة وقالوا إنه بعد صدور الحكم نهائياً في القضية الشرعية التي كان قد رفعها عارف فهمي ضد محمد توفيق بهجت وتفسير شرط الواقف في نصيب العقيم على أيلولته للأخوة والأخوات الأحياء منهم والأموات واستقرار حكم القضاء على هذا التفسير فقد أصبح كل واحد منهم يستحق في نصيب العقيم قدراً معيناً وحددوا الأنصباء وطلب كل منهم الحكم له على المدعى عليهم باستحقاق النصيب الوارد بالدعوى والأمر بالتسليم وأداء الغلة اعتباراً من أول يناير سنة 1941 مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ودفع المدعى عليهم - الطاعنون - الدعوى بعدم سماعها لمضي المدة طبقاً للمادة 375 من المرسوم بقانون رقم 78 سنة 1931 ورد المدعون - المطعون عليهم - على هذا الدفع بأن استحقاقهم كان محل خفاء في شرط الواقف وهو عذر يحول دون توجيه الدفع على الدعوى - وبتاريخ 26 من أكتوبر سنة 1957 حكمت المحكمة حضورياً بعدم سماع الدعوى وألزمت المدعين بالمصروفات وبمبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة استناداً إلى أن خفاء شرط الواقف لا يعتبر عذراً شرعياً يمنع من سريان التقادم. وأن مدة التقادم في دعوى الاستحقاق في الوقف هي خمس عشرة سنة وقد مضت وتوافرت كل الشروط المنصوص عليها في القانون. فاستأنف المطعون عليهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 190 سنة 74 ق أمام محكمة استئناف القاهرة. وبجلسة 29 من نوفمبر سنة 1958 قضت المحكمة حضورياً بإلغاء الحكم المستأنف وحكمت لكل من المستأنفين باستحقاقه النصيب المبين بالدعوى والوارد بالمنطوق وألزمت المستأنف عليهم بتسليم كل من المستأنفين ما حكم له به من استحقاق في نصيب العقماء وبأداء غلته اعتباراً من 28 أكتوبر سنة 1953 وألزمت المستأنف عليهم بالمصروفات عن الدرجتين وبمبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة عنهما - وقد طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 27 يناير سنة 1960 وتمسك الطاعنون بطلباتهم وصممت النيابة على ما جاء بمذكراتها وصدر قرار بإحالة الطعن إلى دائرة المواد المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية. وبتاريخ 11 فبراير سنة 1960 أودع الطاعنون صورة من تقرير الطعن مؤشراً عليها بقرار الإحالة ومعلنة للمطعون عليهم في يومي 6، 8 فبراير سنة 1960 كما أودعوا مذكرة شارحة. وبتاريخ 27، 29 فبراير سنة 1960 أودع المطعون عليهم مذكراتهم بالرد مع حوافظ بمستنداتهم. وتبادل كل من الطرفين التعقيب على دفاع خصمه ثم قدمت النيابة مذكرتها الختامية وأخيراً نظر الطعن أمام هذه الدائرة بجلسة 15/ 12/ 1960 حيث ترافع الطرفان وصمم كل على طلباته وصممت النيابة على رأيها المبين بمذكرتها طالبة الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن المطعون عليهم دفعوا بعدم قبول الطعن بالنسبة لمحمود مختار الطاعن الثالث - وقالوا في بيان ذلك إنه بعد صدور الحكم المطعون فيه في 29 نوفمبر سنة 1958 باع هذا الأخير مع السيدة وجيدة محمد رفاعي - الطاعنة الأخيرة - والسيدة زكية عبد القادر - المطعون عليها السابعة - إلى محمد السيد هارون مقادير من أطيان الوقف موضوع النزاع وأن القدر المبيع من السيدة زكية عبد القادر يبلغ مسطحه فدان و12 قيراطاً ويدخل ضمنه 12 قيراطاً قيمة ما يخصها في أنصباء العقماء طبقاً لما قضى به الحكم المطعون فيه وإذ كان الطاعن الثالث قد أقر صحة البيع الصادر من المطعون عليها السابعة فإنه يكون قد قبل الحكم المطعون ليه ومن ثم لا يقبل طعنه عليه بطريق النقض.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود ذلك أنه يبين من عقد الاتفاق المحرر في فبراير سنة 1959 والموقع عليه من طرفي الخصومة أن الطاعنين قد احتفظوا بحقهم في الطعن بالنقض الذي رفعوه عن الحكم المطعون فيه وأن المطعون عليهم قد قبلوا هذا التحفظ بحيث إذا حكم في الطعن بالنقض لصالح الطاعنين يلتزم المطعون عليهم بالتخلي فوراً عن الأراضي التي تسلموها ولما كان قبول الحكم المانع من الطعن مقيداً بأن يكون القبول قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه به بما لا يحتمل شكاً أو تأويلاً فإن الدفع بعدم قبول الطعن لهذا السبب يكون في غير محله.
ومن حيث إن المطعون عليهم دفعوا أيضاً بعدم قبول الطعن بالنسبة للسيدة وجيدة محمد رفاعي - الطاعنة الأخيرة - وركنوا في ذلك إلى أنها بعد أن صدر الحكم لمصلحة عارف فهمي في الدعوى رقم 240 سنة 1952 كلي القاهرة الابتدائية الشرعية باستحقاقه لحصة من أنصباء العقماء طعنت هي على هذا الحكم باعتباره متعدياً إليها وذلك بالاستئناف رقم 96 سنة 73 ق أمام المحكمة العليا الشرعية وقد قضى في هذا الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف وبذلك لم تعد لها مصلحة في الطعن بالنقض مما يستتبع عدم قبوله بالنسبة لها.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود ذلك أن النزاع في دعوى عارف فهمي كان مردداً بينه وبين محمد توفيق بهجت ومحمود مختار والسيدة وجيدة رفاعي الطاعنة الأخيرة ولما كان الاستحقاق في الوقف يؤول إلى المستحق عن الواقف وكان الحكم الصادر في تفسير شرط الواقف لا يعتبر حجة إلا على من كان ممثلاً في الدعوى ولا يستفيد منه باقي المستحقين وكان المطعون عليهم غير مختصمين في ذلك النزاع فإنهم لا يفيدون من الحكم الصادر فيه ومن ثم يكون للطاعنة الأخيرة أن تواجه المطعون عليهم بكافة ما لها من دفوع أو دفاع وبالتالي يكون الدفع بعدم قبول الطعن بالنسبة لها في غير محله.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الطاعنين أقاموا الطعن على ثلاثة أسباب ينعون في السبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفته للمادة 375 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية لأنه إذ قضى بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدفع بعدم سماع الدعوى لمضي المدة قد أخطأ - أولاً - في تكييف ما جاء بعقد القسمة خاصاً بأنصبة العقماء ثانياً - في فهم مقومات الدفع بعدم سماع الدعوى - وقالوا في بيان الوجه الأول إن الحكم المطعون فيه وهو في مقام الرد على الدفع بعدم السماع أورد ما جاء بعقد القسمة خاصاً بأنصبة العقماء وما قام بشأنها من خلاف بين المستحقين وهل يختص بهذه الأنصبة الأخوة الأحياء عند وفاة العقيم أم تشاركهم في ذلك ذرية الأخوة المتوفين قبله في حدود ما كان أصل كل منهم يستحقه لو كان حياً واتفاق المستحقين على تجنيب هذه الأنصبة ومجموعها 4 ط و556 س من 24 ط حتى يفصل نهائياً في النزاع القائم بشأنها أمام القضاء. واستخلص الحكم من عبارات عقد القسمة أن المراد بالفصل النهائي هو الفصل في دعوى عارف فهمي لا الفصل في دعوى كل من يدعي حقاً في هذه الأنصبة وأن المستحقين علقوا مصير هذه الأنصباء على الفصل في النزاع المشار إليه أي على شرط توقيفي هو تفسير المحكمة شرط الواقف بشأن نصيب العقيم وانتهى الحكم إلى أنه بهذا الاتفاق ارتفع الإنكار وحصل التنازل فعلاً عن التمسك بالتقادم عن المدة السابقة مقرراً أن التقادم أمر موضوعي في المواد المدنية من شأن الخصوم وحدهم ويجوز لمن له الحق فيه أن يتنازل عن التمسك به كما استند الحكم في تبرير رفضه للدفع إلى أنه لم يحصل التمسك به في قضية عارف فهمي وإلى أن أحد الطاعنين اشترى فداناً ونصل فدان بعقد من السيدة زينب عبد القادر وأنه يدخل ضمن ما باعته نصف فدان آل إليها استحقاقه عن العقماء مما يتضمن الإقرار بملكيتها لهذا القدر وأن المشتري لا ملك له فيه. وقال الطاعنون إن هذا الذي ذهب إليه الحكم تكييف خاطئ لأنه حمل عبارات عقد القسمة ما لا تحتمل ذلك لأن ما ورد به في جملته وفي تفصيله لا يمكن أن يفهم منه هذا الذي كيفه به الحكم لأن الطاعنين عند الاتفاق على القسمة لم يكونوا في مقام تمليك ولا إقرار بملك مرتبط بشرط أياً كان نوعه إذ لا يفهم من عبارات الاتفاق إلا انتظار فصل القضاء أي فصل كان مع الوعد بالخضوع له وتنفيذه وفرق بين هذا المعنى وبين التمليك بشرط توقيفي أو غير توقيفي. وأنه لا محل للتحدث عن التقادم المدني وتطبيق أحكامه لأن الذي يطبق هو ما نص عليه في المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي استبقاها المشرع للعمل بها فيما كان من اختصاص تلك المحاكم والدفع بعدم سماع الدعوى من الأمور الإجرائية التي تكون عند التقاضي وليست حقاً قائماً بذاته فلو أن المدعى عليه دفع به فعلاً وتنازل عنه ثم عاد إليه قبل أن يحكم بقبول هذا التنازل صحت عودته إلى التمسك به ولا محل أيضاً لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه تبريراً لرفض الدفع من أن عدم التمسك به في قضية عارف فهمي وبشراء أحد الطاعنين من السيدة زينب عبد القادر نصف فدان آل إليها من العقماء إذ أن لكل دعوى ظروفها وإن عدم إثارة الدفع في قضية عراف فهمي لا يعني التنازل عنه في كل القضايا وإذا كان لمحكمة الموضوع السلطة في تفسير المحرر الذي يطرح أمامها إلا أن تكييفها لما يتضمنه وتطبيق نصوص القانون عليه يخضع لرقابة محكمة النقض.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المستحقين وهم طرفا الخصومة قد اقتسموا أعيان الوقف بالعقد الذي حرر في 28 من أكتوبر سنة 1953 وقرروا فيه "إن هناك خلافاً حول أيلولة نصيب العقماء وهل يختص به الأخوة الأحياء فقط عند وفاة العقيم أم تشاركهم في ذلك ذرية الأخوة المتوفين قبله أيضاً في حدود ما كان أصل كل منهم يستحقه أن لو كان حياً باقياً. وهذا الخلاف معروض أمر الفصل فيه أمام القضاء ولرغبة المستحقين في إنهاء حالة الشيوع القائمة بينهم في أعيان الوقف وحتى يفصل في النزاع المشار إليه نهائياً - قد اتفقوا فيما بينهم على قسمة هذه الأعيان طلباً لهذا المشروع الذي ارتضاه الجميع من تجنيب الجزء المشكوك في أيلولته من نصيب العقماء" وقسم المستحقون أعيان الوقف على صورتين أحداهما قوامها أيلولة أنصبة العقماء إلى الأخوة الأحياء وحدهم والأخرى مقتضاها أيلولة هذه الأنصباء إلى الأخوة الأحياء وذرية من مات منهم ووضعوا أنصباء العقماء ومقدارها 4 ط و556 س من 24 ط تحت يد محمد توفيق بهجت وورثة السيدة نفسية هانم. ومؤدى ذلك أن المستحقين انتظموا فريقين فريق يقول بقصر أيلولة أنصباء العقماء إلى الأخوة الأحياء وفريق يدعيها الأحياء والأموات ويحل أبناء من ماتوا محل أصولهم، وإن الفريقين قد اتفقا على إرجاء توزيع ما اختلفا عليه حتى يفصل فيه القضاء ولما كان كل فريق قد تمسك بوجهة نظره ولم يسلم للآخر بما يدعيه فإن كل فريق تعتبر أنه وقف موقفه السابق على عقد القسمة وأصر على إنكار ما يدعيه الآخر. من ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قرر أن الإنكار قد ارتفع قد كيف الاتفاق بما لا تحتمله نصوصه ومتى تقرر ذلك فلا عبرة ما قرره الحكم في مقام التدليل على ارتفاع الإنكار من أن الحكم في قضية عارف فهمي جاء مكملاً للاتفاق الوارد بعقد القسمة.
ومن حيث إنه وإن كانت الشرعية الإسلامية لا تعترف بالتقادم المكسب أو المسقط وتقضي ببقاء الحق لصاحبه مهما طال به الزمن إلا أنه إعمالاً لقاعدة تخصيص القضاء بالزمان والمكان شرع منع سماع الدعوى بالحق الذي مضت عليه المدة وعدم السماع ليس مبيناً على بطلان الحق وإنما هو مجرد نهى للقضاة عن سماعها قصد به قطع التزوير والحيل. ولما كان المنع من السماع في هذه الصورة لا أثر له على أصل الحق ولا يتصل بموضوعه وإنما يقتصر حكمه على مجرد سماع الدعوى أو عدم سماعها فإنه لا يكون في هذا المجال محل لإعمال قواعد التقادم الواردة بالقانون المدني - ومتى كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأعمل تلك القواعد فإنه يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الطاعنين يقولون في بيان الوجه الثاني إن الحكم المطعون فيه أخذ في رفض الدفع بعدم سماع الدعوى بما تمسك به المطعون عليهم في ردهم على هذا الدفع من أن خفاء شرط الواقف في نصيب العقيم يعتبر مانعاً من سريان التقادم واستند الحكم في ذلك إلى ما قرره بأسبابه من أن "خفاء هذه النقطة ظل طويلاً مثار خلاف بين المحاكم الأمر الذي دعا دوائر المحكمة العليا الشرعية إلى الانعقاد مجتمعة وحسم الخلاف بجلاء وجه الصواب فيه... وقد جرى قضاء المحكمة العليا الشرعية على أن خفاء اشرط واختلاف المحاكم في تفسيره عذر قانوني لا يقبل معه الدفع بعدم السماع ذلك لأن الأعذار التي ذكرها الفقهاء مسوغة لسماع الدعوى مع طول المدة لم تذكر على سبيل الحصر وهذا العذر ليس أقل شأناً من الأعذار التي ذكرها الفقهاء" وهذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه غير صحيح لأن المتقدمين من الفقهاء لم يتناولوا في كلامهم الأعذار وإنما عرض لها متأخروهم وهم متفقون على حصر هذه الأعذار وأن الدعوى لا تسمع بعد مضي المدة إلا أن يكون المدعي غائباً أو صبياً أو مجنوناً وليس لهما ولي أو المدعى عليه أميراً جائراً يخاف منه. كما أخطأ الحكم في فهم الأحكام الفقهية في وصف الاختلاف في هذه المسألة إذ الواقع أن الآراء الفقهية والقضاء كانا مستقرين على أنه لا حق لولد من مات قبل العقيم في نصيبه كائناً ما كان إنشاء الوقف وكائنة ما كانت حالة الشرطين الاستثنائيين وهذا هو السبب الذي حمل المطعون عليهم وسلفاؤهم على السكوت والرضا التام بتوزيع الاستحقاق، ولا محل لما سمى به الحكم رفع الدعوى مغامرة لأن المحاكم لا تخلو في عصر من العصور من الاختلاف ولم يقل أحد أن هذا الاختلاف يسمى جهالة ومغامرة ولا أنه يصلح عذراً لأن يترك المدعي دعواه في مداها القانوني المحدد لرفعها.
ومن حيث إن المادة 375 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في 10 مايو سنة 1931 قد نصت على أن "القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التي مضى عليها خمس عشرة سنة تمكن المدعي من رفعها وعدم العذر الشرعي في عدم إقامتها إلا في الإرث والوقف فإنه لا يمنع من سماعها إلا بعد ثلاثة وثلاثين سنة مع التمكن وعدم العذر الشرعي وهذا كله مع الإنكار للحق في تلك المدة" وقد أورد بعض الفقهاء صوراً للأعذار هي أن يكون المدعي غائباً أو صبياً أو مجنوناً وليس لهما ولي أو المدعى عليه أميراً جائراً يخاف منه وعدد البعض الآخر هذه الأعذار وأضاف إليها أن يكون النزاع متعلقاً بأرض وقف لا ناظر له أو أن يكون المدعى عليه معسراً. ودلالة ذلك أن الأعذار وإن جاءت على سبيل المثال إلا أن قوامها أن تكون في شتى صورها مانعة للمدعي بحيث تتعذر معها مكنته من رفع الدعوى واختلاف التفسير في مدلول شرط الواقف لا يعد عذراً بهذا المعنى. ولما كان الخلف بين الطاعنين والمطعون عليهم قد ثار في شأن أيلولة أنصباء العقماء بعد دخولهم في الوقف وكان الرأي في ذلك قد انقسم فالبعض يقول بأيلولتها إلى الأخوة الأحياء فقط والبعض الآخر يرى أنها تؤول إلى الأحياء والأموات وما أصاب الأموات ينتقل إلى ذريتهم فإن هذا الاختلاف في الرأي لا يعد عذراً شرعياً مانعاً من رفع الدعوى ومتى كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب واعتبر أن اختلاف المحاكم في تفسير شرط الواقف الخاص بأيلولة أنصباء العقماء مانعاً من رفع الدعوى فإنه يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن ما نعاه الطاعنون في السبب الأول من أسباب الطعن صحيح وذلك يستتبع نقض الحكم دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.
ومن حيث إن الدعوى صالحة للفصل فيها بالنسبة للدفع بعدم السماع.
وحيث إنه لما كان الطاعنون ومن في مركزهم من المستحقين قد أنكروا على المطعون عليهم ومن آل إليهم الاستحقاق من بعدهم ما ادعوه من سهام في أنصبة العقماء وكان قد مضى بين تاريخ وفاة آخر عقيم وهو إسماعيل بهجت في سنة 1939 وبين رفع الدعوى الابتدائية في سنة 1956 أكثر من خمس عشرة سنة وكان المستحقون طوال هذه المدة على بينة من أمر الخلاف على أيلولة أنصباء العقماء وقد كان للمطعون عليهم وأصولهم مكنة رفع الدعوى ولكنهم ترددوا خشية عدم الأخذ بوجهة نظرهم فإنهم يكونون قد تركوا الدعوى لأكثر من خمس عشرة سنة مع التمكن وعدم العذر وإنكار خصومهم لادعائهم سهاماً في أنصباء العقماء وذلك يقتضي عدم سماع دعواهم.
ومن حيث إنه لما تقدم وللأسباب التي بني عليها الحكم المستأنف يكون الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدفع بعدم سماع الدعوى في غير محله وبالتالي يتعين القضاء بتأييد الحكم المستأنف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق