الصفحات

الجمعة، 3 ديسمبر 2021

القضية 16 لسنة 23 ق جلسة 13 / 3 / 2005 مكتب فني 11 ج 1 دستورية ق 255 ص 1534

جلسة 13 مارس سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وماهر البحيري وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح وماهر سامي يوسف ومحمد خيري طه

وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

------------

قاعدة رقم (255)
القضية رقم 16 لسنة 23 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "استقلالها عن الدعوى الموضوعية".
تكييف الدعوى الموضوعية هو من اختصاص محكمة الموضوع، ولكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها فلا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في إجراءات وشرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى في شكلها وموضوعها.
(2) دعوى موضوعية "الفصل في شروط اتصالها بمحكمة الموضوع لا يدخل في مهام المحكمة الدستورية العليا".
الفصل في شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها ليس من بين المهام التي ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، وإنما تنحصر ولايتها فيما يُعرض عليها من مسائل دستورية لتقرر صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها بعد تثبتها من اتصال الدعوى الدستورية بها، بإجراء صحيح وفقاً للأوضاع المقررة في قانونها.
(3) دعوى دستورية "الدفع بعدم قبول الدعوى لمخالفة نص قانوني لآخر هو دفع بعدم الاختصاص".
الدفع بعدم قبول الدعوى - لمخالفته نص قانوني لنص قانوني آخر - إذا ثبت صحته - يعد دفعاً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وليس دفعاً بعدم قبولها، ومن ثم فإن الدفع بعدم القبول من هذا الوجه أيضاً لا يقوم على أساس صحيح يبرره متعيناً رفضه.
(4) دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
(5) المحكمة الإدارية العليا على قمة القضاء الإداري "أحكامها تعد أحكاماً باتة كأحكام محكمة النقض، لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر".
المحكمة الإدارية العليا على قمة القضاء الإداري ونهاية المطاف فيه، والأحكام الصادرة منها تعد أحكاماً باتة لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية، مثلها في ذلك مثل محكمة النقض التي وضعها المشرع على رأس جهة القضاء العادي، من السائغ التسوية بين كلا المحكمتين في عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة منهما بطريق التماس إعادة النظر.
(6) حق التقاضي "دعوى البطلان الأصلية تضمن حق التقاضي عوضاً عن إغلاق باب التماس إعادة النظر".
عدم جواز الطعن على أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر لا ينال من كفالة حق التقاضي - يمكن لذوي الشأن إذا قام بهذه الأحكام سبب من أسباب البطلان أن يقيموا دعوى بطلان أصلية.
(7) مبدأ المساواة "معناه - أسس موضوعية للتمييز".
مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تُعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، إذ أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40(.

----------------
1 - تكييف الدعوى وما إذا كانت دعوى بطلان أصلية أو التماس إعادة النظر هو من اختصاص محكمة الموضوع، والمستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها فلا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في إجراءات وشرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى في شكلها وموضوعها.
2 - الفصل في شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها ليس من بين المهام التي ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، وإنما تنحصر ولايتها فيما يُعرض عليها من مسائل دستورية لتقرر صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها بعد تثبتها من اتصال الدعوى الدستورية بها، بإجراء صحيح وفقاً للأوضاع المقررة في قانونها.
3 - وحيث إنه عن الوجه الثاني من الدفع بعدم قبول الدعوى، فإن البين من الاطلاع على صحيفة الدعوى الدستورية أن المدعي أقام دعواه بعدم دستورية النص الطعين تأسيساً على مخالفته لنص المادتين (40 و68) من الدستور، وإيراد نص المادة (241) من قانون المرافعات في صحيفة الدعوى الدستورية من جانب المدعي كان في مقام بيان الأحوال التي يجوز للخصوم أن يلتمسوا فيها إعادة النظر في الأحكام الصادرة بشأنهم بصفة انتهائية، فضلاً عن أن هذا الوجه من الدفع - إذا ثبت صحته - يعد دفعاً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وليس دفعاً بعدم قبولها، باعتبار أن الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا لا تمتد لتشمل التعارض بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة، ومن ثم فإن الدفع بعدم القبول من هذا الوجه أيضاً لا يقوم على أساس صحيح يبرره متعيناً رفضه.
4 - وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان المدعي يهدف من دعواه الموضوعية إعادة النظر في حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا" ويتحقق له ذلك إذا فصلت هذه المحكمة في أمر دستورية الفقرة الأولى من المادة (51) من قانون مجلس الدولة التي حددت الأحكام التي يجوز الطعن فيها بطريق التماس إعادة النظر، فإن مصلحته في الدعوى الماثلة تتحدد بنص تلك الفقرة وحدها ولا تمتد لباقي أحكام النص الأخرى.
5 - وحيث إنه يبين من استعراض التطور التشريعي للنصوص التي تنظم المحكمة الإدارية العليا وتبين اختصاصاتها أن المشرع أنشأ هذه المحكمة بالقانون رقم (165) لسنة 1955 لتكون خاتمة المطاف فيما يُعرض من أقضية على جهة القضاء الإداري، وناط بها مهمة التعقيب النهائي على جميع الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري، واتساقاً مع ذلك فقد نص في المادة (15) من ذلك القانون على أنه لا يُقبل الطعن في أحكام هذه المحكمة بطريق التماس إعادة النظر. وبالرغم من أن القانونين التاليين لهذا القانون نهجا نهجاً مخالفاً لذلك، حيث اكتفيا ببيان الأحكام الجائز الطعن فيها بطريق التماس إعادة النظر، فأجازت المادة (19) من القانون رقم 55 لسنة 1959 الطعن بهذا الطريق في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية، ثم أضاف القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972 إليها طائفة أخرى من الأحكام هي الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية، إلا أن المحكمة الإدارية العليا لم تتبدل منزلتها في القانونين الأخيرين عما كانت عليه في القانون رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه، إذ ما زالت على قمة القضاء الإداري ونهاية المطاف فيه، والأحكام الصادرة منها تعد أحكاماً باتة لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية، مثلها في ذلك مثل محكمة النقض التي وضعها المشرع على رأس جهة القضاء العادي، سيما وأن أوجه الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وهي حالات مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله وبطلان الحكم وصدوره خلافاً لحكم حاز قوة الشيء المحكوم فيه هي بذاتها أوجه الطعن بالنقض طبقاً لقانون المرافعات المدنية والتجارية، ومن ثم كان من السائغ التسوية بين كلا المحكمتين في عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة منهما بطريق التماس إعادة النظر. ولا ينال مما تقدم، القول بأن دور محكمة النقض يخالف دور المحكمة الإدارية العليا باعتبار أن الأولى تراقب صحة تطبيق القانون في المحاكم الأدنى منها، في حين أن الثانية تُعد محكمة موضوع، ذلك أن محكمة النقض تشارك المحكمة الإدارية العليا دورها في نظر موضوع الدعوى، وذلك إذا حكمت بنقض الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه، أو كان الطعن للمرة الثانية ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه.
6 - وحيث إن عدم جواز الطعن على أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر لا ينال من كفالة حق التقاضي، إذ ليس من شأنه أن تُغلق أبواب الطعن على تلك الأحكام، إذ يمكن لذوي الشأن إذا قام بهذه الأحكام سبب من أسباب البطلان أن يقيموا دعوى بطلان أصلية بقصد إهدار آثارها واعتبارها كأن لم تكن، وذلك إذا ما شابها عيب جوهري يجردها من أركانها الأساسية أو يفقدها صفة الأحكام، ودعوى البطلان تُجاوز بآثارها الحالات التي أجاز قانون المرافعات المدنية والتجارية الطعن في الأحكام الصادرة فيها بطريق التماس إعادة النظر.
7 - مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تُعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، إذ أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40). إذ كان ذلك، وكان ما قرره النص الطعين من تعداد للأحكام التي يجوز الطعن عليها بطريق التماس إعادة النظر، قاصراً إياها على الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية مخرجاً منها أحكام المحكمة الإدارية العليا يجد سنده في أن هذه الأخيرة تتربع على رأس القضاء الإداري وتعد خاتمة المطاف فيما يُعرض عليه من أقضية، كما أن لها القول الفصل في مدى اتفاق أحكام هذا القضاء وصحيح حكم القانون لدى مراجعتها وتمحيصها، فإن النعي عليه بمخالفة المادة (40) من الدستور يكون منتحلاً.


الإجراءات

بتاريخ العاشر من فبراير سنة 2001، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة (51) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 فيما لم يتضمنه من جواز الطعن في أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أنه سبق أن أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 165 لسنة 28 قضائية ضد المدعي متهمة إياه بأنه بصفته رئيساً لمجلس إدارة شركة النصر للإسكان والتعمير (سابقاً) خرج على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤد العمل المنوط به بدقة وأمانة ولم يحافظ على أموال وممتلكات الشركة التي يعمل بها على النحو الوارد بتقرير الاتهام. وبجلسة 31/ 12/ 1986 قضت المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بمجازاته بعقوبة الإحالة إلى المعاش. وإذ لم يرتض المدعي هذا القضاء، فقد طعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا" فقضت بجلسة 15/ 3/ 1988 بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً. وبتاريخ 1/ 7/ 1993 قدم إلى المحكمة الإدارية العليا التماساً لإعادة النظر في قضائها قُيد برقم 3840 لسنة 39 قضائية "عليا"، فقضت بعدم جواز نظر الالتماس تأسيساًَ على أن أحكام المحكمة الإدارية العليا لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر، وبتاريخ 10/ 1/ 1996 قدم المدعي التماساً جديداً لإعادة النظر قُيد برقم 1219 لسنة 42 قضائية "عليا" طالباً الحكم أصلياً ببطلان الحكم الصادر في الطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا" واحتياطياً بوقف نظر الالتماس لمدة ثلاثة أشهر لإقامة دعوى بعدم دستورية نص المادة (51) من قانون مجلس الدولة فيما لم يتضمنه من جواز الطعن في أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر. وتدوول الالتماس أمام تلك المحكمة إلى أن قررت حجزه للحكم فيه بجلسة 19/ 11/ 2000، وبها قررت إعادته إلى المرافعة لجلسة 11/ 2/ 2001، وصرحت للطاعن بإقامة دعوى بعدم دستورية نص المادة (51) من قانون مجلس الدولة، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة على وجهين، الأول: تخلف شرط المصلحة، وذلك تأسيساً على أن الفصل في دستورية النص الطعين لن يكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية التي تدور حول بطلان الحكم الصادر في الطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا" بطلاناً مطلقاً، والثاني: أن المناعي التي وجهها المدعي إلى النص الطعين تقوم على مخالفته لأحكام قانون المرافعات، ومن ثم فلا يعدو الأمر إلا أن يكون مخالفة لنص تشريعي لنص تشريعي آخر من ذات المرتبة مما لا تختص بنظره المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن الوجه الأول من الدفع بعدم القبول مردود بأن المدعي يهدف من دعواه الموضوعية قبول التماسه بإعادة النظر في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا"، والقضاء بعدم دستورية نص المادة (51) من قانون مجلس الدولة فيما لم يتضمنه من جواز الطعن في أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر سيؤدي إلى قبول التماسه وأن تعاود تلك المحكمة نظر الدعوى في ضوء ما يبديه المدعي أمامها من أسباب تبرر التماسه طبقاً لما يقضي به نص المادة (241) من قانون المرافعات، فضلاً عن أن تكييف الدعوى وما إذا كانت دعوى بطلان أصلية أو التماس إعادة النظر هو من اختصاص محكمة الموضوع، والمستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها فلا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في إجراءات وشرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى في شكلها وموضوعها، كما أن الفصل في شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها ليس من بين المهام التي ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، وإنما تنحصر ولايتها فيما يُعرض عليها من مسائل دستورية لتقرر صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها بعد تثبتها من اتصال الدعوى الدستورية بها، بإجراء صحيح وفقاً للأوضاع المقررة في قانونها.
وحيث إنه عن الوجه الثاني من الدفع بعدم قبول الدعوى، فإن البين من الاطلاع على صحيفة الدعوى الدستورية أن المدعي أقام دعواه بعدم دستورية النص الطعين تأسيساً على مخالفته لنص المادتين (40 و68) من الدستور، وإيراد نص المادة (241) من قانون المرافعات في صحيفة الدعوى الدستورية من جانب المدعي كان في مقام بيان الأحوال التي يجوز للخصوم أن يلتمسوا فيها إعادة النظر في الأحكام الصادرة بشأنهم بصفة انتهائية، فضلاً عن أن هذا الوجه من الدفع - إذا ثبت صحته - يعد دفعاً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وليس دفعاً بعدم قبولها، باعتبار أن الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا لا تمتد لتشمل التعارض بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة، ومن ثم فإن الدفع بعدم القبول من هذا الوجه أيضاً لا يقوم على أساس صحيح يبرره متعيناً رفضه.
وحيث إن المادة (51) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن "يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية بطريق التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية أو قانون الإجراءات الجنائية، حسب الأحوال وذلك بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة المنظورة أمام هذه المحاكم.
ولا يترتب على الطعن وقف تنفيذ الحكم، إلا إذا أمرت المحكمة بغير ذلك، وإذا حكم بعدم قبول الطعن أو برفضه، جاز الحكم على الطاعن بغرامة لا تتجاوز ثلاثين جنيهاً، فضلاً عن التعويض، إذا كان له وجه".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان المدعي يهدف من دعواه الموضوعية إعادة النظر في حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 900 لسنة 33 قضائية "عليا" ويتحقق له ذلك إذا فصلت هذه المحكمة في أمر دستورية الفقرة الأولى من المادة (51) من قانون مجلس الدولة التي حددت الأحكام التي يجوز الطعن فيها بطريق التماس إعادة النظر، فإن مصلحته في الدعوى الماثلة تتحدد بنص تلك الفقرة وحدها ولا تمتد لباقي أحكام النص الأخرى.
وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين - محدداً نطاقاً على النحو المتقدم - أنه إذ أسقط أحكام المحكمة الإدارية العليا من عداد الأحكام التي يجوز الطعن عليها بطريق التماس إعادة النظر، فإنه يكون قد خالف حكم المادة (68) من الدستور التي كفلت لكل مواطن الحق في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي لرد ما يقع من عدوان على الحقوق التي يدعيها، كما أنه لم يساو في الحكم بين المحكمة الإدارية العليا وغيرها من جهات القضاء الإداري من المحاكم الإدارية والتأديبية ومحكمة القضاء الإداري فأجاز الطعن في الأحكام الصادرة منها جميعاً بطريق التماس إعادة النظر دون أحكام المحكمة الإدارية العليا، حال أن هذه الأخيرة تشترك مع غيرها من محاكم القسم القضائي بمجلس الدولة في أنها تفصل في موضوع الدعوى بالإضافة إلى تحققها من عدم مخالفة الحكم الطعين لأحكام القانون.
وحيث إن النعي بمخالفة النص الطعين لنص المادة (68) من الدستور مردود، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع غير مقيد - في مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء - بأشكال محددة تُمثل أنماطاً جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل بل يجوز له أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقاً مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي.
وحيث إنه يبين من استعراض التطور التشريعي للنصوص التي تنظم المحكمة الإدارية العليا وتبين اختصاصاتها أن المشرع أنشأ هذه المحكمة بالقانون رقم (165) لسنة 1955 لتكون خاتمة المطاف فيما يُعرض من أقضية على جهة القضاء الإداري، وناط بها مهمة التعقيب النهائي على جميع الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري، واتساقاً مع ذلك فقد نص في المادة (15) من ذلك القانون على أنه لا يُقبل الطعن في أحكام هذه المحكمة بطريق التماس إعادة النظر. وبالرغم من أن القانونين التاليين لهذا القانون نهجا نهجاً مخالفاً لذلك، حيث اكتفيا ببيان الأحكام الجائز الطعن فيها بطريق التماس إعادة النظر، فأجازت المادة (19) من القانون رقم 55 لسنة 1959 الطعن بهذا الطريق في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية، ثم أضاف القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972 إليها طائفة أخرى من الأحكام هي الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية، إلا أن المحكمة الإدارية العليا لم تتبدل منزلتها في القانونين الأخيرين عما كانت عليه في القانون رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه، إذ ما زالت على قمة القضاء الإداري ونهاية المطاف فيه، والأحكام الصادرة منها تعد أحكاماً باتة لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية، مثلها في ذلك مثل محكمة النقض التي وضعها المشرع على رأس جهة القضاء العادي، سيما وأن أوجه الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وهي حالات مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله وبطلان الحكم وصدوره خلافاً لحكم حاز قوة الشيء المحكوم فيه هي بذاتها أوجه الطعن بالنقض طبقاً لقانون المرافعات المدنية والتجارية، ومن ثم كان من السائغ التسوية بين كلا المحكمتين في عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة منهما بطريق التماس إعادة النظر.
ولا ينال مما تقدم، القول بأن دور محكمة النقض يخالف دور المحكمة الإدارية العليا باعتبار أن الأولى تراقب صحة تطبيق القانون في المحاكم الأدنى منها، في حين أن الثانية تُعد محكمة موضوع، ذلك أن محكمة النقض تشارك المحكمة الإدارية العليا دورها في نظر موضوع الدعوى، وذلك إذا حكمت بنقض الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه، أو كان الطعن للمرة الثانية ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن عدم جواز الطعن على أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر لا ينال من كفالة حق التقاضي، إذ ليس من شأنه أن تُغلق أبواب الطعن على تلك الأحكام، إذ يمكن لذوي الشأن إذا قام بهذه الأحكام سبب من أسباب البطلان أن يقيموا دعوى بطلان أصلية بقصد إهدار آثارها واعتبارها كأن لم تكن، وذلك إذا ما شابها عيب جوهري يجردها من أركانها الأساسية أو يفقدها صفة الأحكام، ودعوى البطلان تُجاوز بآثارها الحالات التي أجاز قانون المرافعات المدنية والتجارية الطعن في الأحكام الصادرة فيها بطريق التماس إعادة النظر.
وحيث إن النعي بمخالفة النص الطعين لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40) من الدستور مردود، بأن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يعني أن تُعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، إذ أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة (40). إذ كان ذلك، وكان ما قرره النص الطعين من تعداد للأحكام التي يجوز الطعن عليها بطريق التماس إعادة النظر، قاصراً إياها على الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية مخرجاً منها أحكام المحكمة الإدارية العليا يجد سنده في أن هذه الأخيرة تتربع على رأس القضاء الإداري وتعد خاتمة المطاف فيما يُعرض عليه من أقضية، كما أن لها القول الفصل في مدى اتفاق أحكام هذا القضاء وصحيح حكم القانون لدى مراجعتها وتمحيصها، فإن النعي عليه بمخالفة المادة (40) من الدستور يكون منتحلاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق