الدعوى رقم 114 لسنة 27 ق "دستورية". جلسة 6 / 11 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من نوفمبر سنة 2021م،
الموافق الأول من ربيع الآخر سنة 1443 هـ.
أصدرت الحكم الآتي
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار
والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد
الرزاز نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 114 لسنة 27
قضائية "دستورية".
المقامة من
نبيل عبد الجليل أحمد، بصفته رئيس مجلس إدارة شركة أميجو سدر
للاستثمار والتنمية السياحية
ضــــد
1 - رئيس الجمهوريــــة
2 - وزيــر القوى العاملة، بصفته الرئيس الأعلى لمجلس إدارة صندوق تمويل
التدريب والتأهيل
3 - الأمين العام لصندوق تمويل التدريب والتأهيل
4 - رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
--------------
" الإجراءات"
بتاريخ الثامن عشر من مايو سنة 2005، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه
الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية نص الفقرة
الأولى من المادة (134) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003. وقدمت
هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى. كما قدم المدعى عليه
الثالث مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة
المفوضين تقريرًا برأيها. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت
المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
--------------
" المحكمــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن الشركة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 9352 لسنة 2004 مدنى كلى حكومة،
أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، ضد المدعى عليه الثاني، طالبة الحكم بإعفائها
من سداد نسبة 1% من صافى أرباحها السنوية، المفروضة بمقتضى نص الفقرة الأولى من
المادة (134) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، لصالح صندوق تمويل
التدريب والتأهيل، المنشأ بموجب أحكام هذا القانون. وإبان نظر الدعوى، دفع محامى
الشركة بجلسة 7/ 4/ 2005، بعدم دستورية ذلك النص، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا
الدفع، أجلت نظر الدعوى لجلسة 19/ 5/ 2005، وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى
الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة، ناعية على النص المطعون فيه مخالفة نصوص
المواد (4 و8 و32 و34 و40) من دستور سنة 1971.
وحيث إن قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، أفرد الكتاب
الثالث منه للتوجيه والتدريب المهني، وخصص الباب الأول منه لتنظيم هذا التدريب،
ناصًّـا في المادة (132) منه على أن " يشكل المجلس الأعلى لتنمية الموارد
البشرية، ويصدر بتحديد اختصاصه ونظام العمل به، قرار من رئيس الجمهورية، ويتولى
رسم السياسة القومية لتخطيط التنمية البشرية، ووضع برنامج قومي لتنميتها،
واستخدامها الاستخدام الأمثل بالتنسيق مع الوزارات والجهات المختصة ".
ونص في المادة (133) منه على أن " ينشأ صندوق لتمويل التدريب
والتأهيل تكون له الشخصية الاعتبارية العامة، ويتبع الوزير المختص، وذلك لتمويل
إنشاء وتطوير وتحديث مراكز وبرامج التدريب التي تستهدف المواءمة بين احتياجات سوق
العمل المحلى والخاص ......". ونصــت الفقرة الأولى من المادة (134) منه (
النص المطعون فيه) على أن " تتكون موارد الصندوق المشار إليه في المادة
السابقة من:1- 1% من صافى أرباح المنشآت الخاضعة لأحكام هذا القانون، والتي يزيد
عدد العاملين بها على عشرة عمال ...... ".
وحيث إن الشركة المدعية قدمت لمناعيها على النص المطعون فيه أنها
تأسست طبقًا لأحكام قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 230 لسنة 1989، الذى حل
محله قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1997، ويسرى عليها
قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003. وإذ ألزمها النص المطعون فيه بأداء
نسبة 1% من صافى أرباحها للصندوق المشار إليه، لاستخدامها أكثر من عشرة عمال، فإنه
يكون قد أنشأ ازدواجًا في الأعباء المالية التي تتحمل بها، لأنها ملتزمة أيضًا
بسداد نسبة 10% من صافى أرباحها السنوية للعاملين لديها، إعمالاً لنص المادة (41)
من قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية
المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981.
ومن جانب آخر، فإن نسبة الـــ 1% الواردة في النص المطعون عليه لا
تلتزم بها المنشآت التي تستخدم أقل من عشرة عمال، وذلك دون مسوغ، مما يتعارض ومبدأ
عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة؛ ويخل بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، خاصة
أن الشركات الملتزمة بهذه النسبة ستقوم بتحميلها على سعر منتجاتها، الأمر الذى
يؤثر سلبًا على فرص منافستها لنظيرتها التي تنتجها الشركات غير الملتزمة بأداء هذه
النسبة. كما ينتقص ذلك النص من صافى أرباح الشركة الملتزمة بأداء هذه النسبة، بما
ينال من الحماية المقررة للملكية الخاصة، على نحو يعوق استمرارها في أداء دورها في
خدمة الاقتصاد القومي. فضلاً عن أن النص المطعون فيه يتعارض مع ما كفلته المادة
(6) من قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 230 لسنة 1989 للمشروعات الخاضعة
لأحكامه من التمتع بالمزايا والضمانات التي تضمنها، مع جواز إضافة مزايا أخرى،
وحظرت المادة (9) من ذلك القانون فرض أية أعباء أو قيود أو التزامات مالية على
المشروعات الخاضعة لأحكامه تخل بينها وبين غيرها من المشروعات التي تنشأ خارج
نطاقه، وبذلك يكون النص المطعون فيه مخالفًا لأحكام المواد (4 و8 و32 و34 و40) من
دستور سنة 1971 - التي تقابل أحكام المواد (4 و8 و9 و27 و33 و35 و53) من الدستور
القائم الصادر سنة 2014.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المطعون فيه لنص المادة (41) من
القانون رقم 159 لسنة 1981، ولنصى المادتين (6) و(9) من القانون رقم 230 لسنة
1989، السالفي الذكر، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط اختصاصها بالفصل في دستورية
القوانين واللوائح أن يكون أساس الطعن هو مخالفة التشريع لنص دستوري، ولا شأن لها
بالتعارض بين نصين تشريعيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما
لم يكن هذا التعارض منطويًا - بذاته - على مخالفة دستورية. ومن ثم، فإن النعي الذى
أثارته الشركة المدعية في هذا الخصوص - أيًّا كان وجه الرأي في قيام هذا التعارض -
لا يعدو أن يكون نعيًا بمخالفة قانون لقانون آخر، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه
المحكمة، فيتعين الالتفات عنه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة
يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية،
وليس من معطياتها النظرية، وهو كذلك يقيد تدخلها في هذه الخصومة فلا تفصل في غير
المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي. فمن ثم، يتحدد مفهوم
هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى الدليل على أن ضررًا واقعيًا -
اقتصاديًا أو غيره - قد لحق به، ويتعين دومًا أن يكون الضرر المدعى به مباشرًا،
منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم
عليها، ممكنًا تصوره، ومواجهته بالترضية القضائية لتسوية آثاره؛ ثانيهما: أن يكون
هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً.
فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير
المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على
انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها
لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصــل في الدعـــوى
الدستوريـــة عما كان عليه قبلها.
لما كان ما تقدم، وكانت الشركة المدعية تبتغى من دعواها الموضوعية
إبراء ذمتها من أداء الفريضة المالية المقررة بمقتضى نص البند (1) من الفقرة
الأولى من المادة (134) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، من
إلزام المنشآت الخاضعة لأحكامه، ويزيد عدد العاملين بها على عشرة عمال، بسداد نسبة
1% من صافى أرباحها لصالح صندوق تمويل التدريب والتأهيل المنشأ بموجب نص المادة
(133) من ذلك القانون، فإن مصلحة الشركة المدعية تكون متحققة في الفصل في دستورية
هذا النص.
وحيث إن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الرقابة الدستورية على
القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور تخضع لأحكام
الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم
وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التي
يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين
التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها الشركة المدعية للنص المطعون
فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة
في الدستور من حيث محتواها الموضوعي. ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها القضائية
على دستورية النص المطعون فيه - الذى ما زال ساريًا ومعمولاً بأحكامه - من خلال
أحكام الدستور القائم الصادر سنة 2014.
وحيث إن الدستور القائم، في إطار تحديده للمقومات الاجتماعية
والاقتصادية للدولة، قد استشعر أهمية استمرار تدريب العاملين لضمان توافق أدائهم
مع التطورات المستحدثة في مختلف المجالات، فألقى على عاتق الدولة، في المادة (20)
منه، التزامًا بتشجيع التعليم الفني والتقني والتدريب المهني وتطويره، والتوسع في أنواعه
كافة، وفقًا لمعايير الجودة العالمية، بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل. ومن ثم،
فقد صار تنظيم التدريب المهني للعاملين وتطويره مرتكزًا جوهريًا، وضرورة لازمة،
تعكس أحد أهداف النظام الاقتصادي الذى يرنو، على ما نصت عليه المادة (27) من
الدستور، إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة
الاجتماعية، بما يكفل زيادة معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى
المعيشةِ، وزيادة فرص العمل، وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الدستور وإن
قرن العدل بكثير من النصوص التي تضمنها، وخلا في الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه،
فإن مفهوم العدل - سواء بمبناه أو أبعاده - يتعين أن يكون محددًا من منظور اجتماعي،
باعتبـار أن العدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التي لا تنفصل الجماعة في
حركتها عنها، والتي تبلور مقاييسها في شأن ما يعتبر حقًا لديها، فلا يكون العدل
مفهومًا مطلقًـــا باطراد، بل مرنًا ومتغيرًا وفقًا لمعايير الضمير الاجتماعي
ومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجًـــا متواصلاً منبسطًا على أشكال من
الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التي يفرضها المشرع على
المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافًا،
وإلا كان القانون منهيًا للتوافق في مجال تنفيذه، وغدا إلغاؤه لازمًا .
وحيث إن الدستور الحالي قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ
تكافؤ الفرص، باعتباره إلى جانب مبدأ العدل أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته
الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين
جميع المواطنين، دون تمييز، التزامًا دستوريًا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه
فكاكا. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفرص التي كفلها
الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًا لضمان عدالة
توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد
يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك
العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الإخلال بالمساواة أمام القانون، الذى كفله الدستور في المادتين
(4 و53) منه - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - يتحقق بأي عمل يهدر الحماية
القانونية المتكافئة تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أو عن طريق
سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أيًّا من هاتين السلطتين لا يجوز لها أن تفرض
تغايرًا في المعاملة ما لم يكن مبررًا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التي
يتوخاها العمل التشريعي الصادر عنها؛ وليس بصحيح أن كل تقسيم تشريعي يعتبر تصنيفًا
منافيًا لمبدأ المساواة، بل يتعين دومًا أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها
وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام
القانون إلا على ضوء مشروعيتهــا، واتصال هذه الوسائل منطقيًا بها، ولا يتصور بالتالي
أن يكون تقييم التقسيم التشريعي منفصلاً عن الأغراض التي يتغياها المشرع، بل يرتبط
جواز هذا التقسيم بالقيود التي يفرضها الدستور على هذه الأغراض، وبوجود حد أدنى من
التوافق بينها وبين طرائق تحقيقها، ويستحيل بالتالي أن يكون التقدير الموضوعي
لمعقولية التقسيم التشريعي منفصلاً كليًّا عن الأغراض النهائية للتشريع.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقام على أن الملكية الخاصة، في إطار
النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقًّا مطلقًـا، ولا هي
عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع
بعناصرها. ومن ثم، ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهى
وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل تمليها طبيعة الأموال
محـل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين،
في بيئة بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان المشرع، من خلال النص المطعون فيه، قد هدف
إلى تنظيم وتطوير التدريب المهني للعاملين وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وبما
يتناسب مع احتياجات سوق العمل، باعتبار ذلك هو أحد الالتزامات الجوهرية التي
ألقاها الدستور، في نص المادة (20) منه، على عاتق الدولة، ضمانًا للوصول إلى ما
يستهدفه النظام الاقتصادي من تحقيق الرخاء في البلاد، من خلال التنمية المستدامة
والعدالة الاجتماعية، على ما نصت عليه المادة (27) منه، وبما يضمن الحياة الكريمة
للمواطنين؛ وكان ذلك هو محور اهتمام الدستور ومبتغاه، بعد تحديده للهدف من بلوغه،
وتخويله المشرع التدخل بتنظيمه بما يحقق العدالة الاجتماعية والخير العام
للمواطنين. وكان النص المطعون فيه قد سمح بتدبير مورد مالي لصندوق تمويل التدريب
والتأهيل الذى أنشأه، ليضطلع هذا الصندوق بالمهام الموكولة إليه في مجالات إنشاء
وتطوير وتحديث مراكز وبرامج التدريب بما يسمح لها بتوفير احتياجات سوق العمل
المحلى والخاص في الجهات الخاضعة لقانون العمل، من العمالة الماهرة المدربة،
ملبيًّا في ذلك للالتزام الذى عهد به الدستور في المادة (20) منه إلى الدولة في هذا
المجال، كما سعى من وراء ذلك إلى تشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية
الصغر، تنفيذًا للتكليف الذى فرضه الدستور على الدولة بمقتضى نص المادة (28) منه،
ليضحى التنظيم الذى تضمنه النص المطعون فيه - بإدراجه ضمن موارد هذا الصندوق نسبة
1% من صافى أرباح المنشآت التي يزيد عدد العاملين بها على عشرة عمـال، الخاضعة
لأحكام قانون العمل المشار إليه، مقدرًا في ذلك القدرة التكليفية لهذه المنشآت،
ومستبعدًا من هذا الإلزام المنشآت التي لا تحقق أرباحًا، وتلك التي يقل عدد
العاملين بها عن عشرة عمال - هو الوسيلة المنضبطة التي اختارها المشرع، للوصول إلى
الغايات والأهداف التي حددها القانون، ورصدها الدستور في النصوص المشار إليها،
والكافلة لتحقيقها، بما لا يكون متضمنًا معه تمييزًا تحكميًا في مجال تحديد
المشروعات التي تتحمل بهذه الفريضة المالية، بل يستند إلى أسس موضوعية تبرره، ليس
فيها مخالفة لمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، اللذين كفلهما الدستور في المواد (4 و9
و53) منه.
وحيث إن المشرع قد راعى في تقريره للتكليف المالي الذى تضمنه النص
المطعون فيه أن يكون بقانون، التزامًــا بالأداة التي حددها الدستور، وتحقيقًـــا
لمصلحة جوهرية عناها، وأولاها اهتمامه؛ وقد جاء هذا التكليف في حدود معتدلة، دون
شطط في تقديره، ودون مساس بأصول هذه المنشآت وأملاكها، بل إشراكًا لهذه المنشآت في
منظومة تنمية عمليات التدريب وتنمية الموارد البشرية على المستوى القومي، على
النحو الذى تتحقق معه أهداف النظام الاقتصادي للدولة من تحقيق الرخاء والعدالة
الاجتماعية، ورفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة
فرص العمل، وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
متى كان ذلك، وكان تحقيق العدل في مجال علاقات العمل والنشاط الاقتصادي
يتطلب مشاركة حقيقية من جانب أصحاب الأعمال والمنشآت للارتقاء بمستوى العاملين
لديهم، وحسن تأهيلهم، بما يدفع بعجلة العمل إلى الأمام، وينهض بأحوال العمال في حاضرهم
ومستقبلهم، وينعكس أثره بالضرورة على جودة الإنتاج والخدمات التي تقدمها المنشأة،
ويسهم بالتالي في تنمية الاقتصاد الوطني، دون تحميل المنشآت الاقتصادية بأعباء
إضافية تثقل كاهلها، أو تؤثر على قدرتها التنافسية، ويحقق في الوقت ذاته التوزيع
العادل للأعباء المالية التي تتطلبها المشاركة الفاعلة لهذه المنشآت مع الدولة في الوفاء
بمتطلبات التنمية الاقتصادية بمختلف محاورها، وعلى الأخص ما يتصل منها بخطط
التدريب والتأهيل وتنمية الموارد البشرية، وذلك كله في إطار المسئولية الاجتماعية
للقطاع الخاص في خدمة الاقتصاد الوطني والمجتمع، التي حرص الدستور على توكيدها في المادة
(36) منه، وألزم الدولة بموجبها بالعمل على تحفيز هذا القطاع على أدائها، فوق كونه
يمثل أحد مظاهر الوظيفة الاجتماعية التي تضطلع بها الملكية الخاصة في خدمة
المجتمع. ومن ثم، فقد جاء مسلك المشرع في النص المطعون فيه متفقًا وأحكام الدستور
نصًا وروحًا، وبما لا خروج فيه على قواعد العدالة الاجتماعية، والحماية المقررة
لحق الملكية المنصوص عليها في المواد (27 و33 و35 و36) منه.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع الدستور من أي وجه آخر.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية
المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق