الصفحات

الأحد، 28 نوفمبر 2021

القضية 19 لسنة 8 ق جلسة 18 / 4 / 1992 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 1 دستورية ق 30 ص 262

جلسة 18 إبريل سنة 1992

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبد الواحد والدكتور عبد المجيد فياض - أعضاء،

وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره - المفوض،

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد - أمين السر.

-------------------

قاعدة رقم (30)

القضية رقم 19 لسنة 8 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "إجراءات رفعها: طريقا الدفع والإحالة"، "نطاقها".
نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها، يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع وفى الحدود التي تقدر فيها جديته - دفع المدعى بعدم دستورية بعض مواد القانون، والتصريح له من محكمة الموضوع بالطعن عليها مضيفة إليها مادة أخرى دون دفع مسبق بعدم دستوريتها، أثره، عدم قبول الدعوى بالنسبة إليها - تخويل البند ( أ ) من المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا، محكمة الموضوع إحالة النصوص التشريعية التي يتراءى لها عدم دستوريتها للفصل في المسألة الدستورية، يقتضيها أن تصدر بالإحالة حكما قاطعا في دلالته على انعقاد إرادتها على أن تعرض بنفسها هذه المسألة على المحكمة الدستورية العليا، وأن يتضمن قضاؤها تحديدا كافيا للنص التشريعي المطعون عليه والنص الدستوري المدعى مخالفته، وأوجه المخالفة.
(2) دعوى دستورية "شرط المصلحة - مناط المصلحة".
المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع.
(3) دعوى دستورية "شرط المصلحة".
المصلحة الشخصية المباشرة لا تتحقق بالضرورة لمجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، وإنما يتعين أن يكون بتطبيقه على المدعى قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررا مباشرا.
(4) دعوى دستورية "الدعوى الدستورية بطريق الدفع الفرعي - شرط المصلحة".
ارتباط شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة - عدم جواز الطعن على النصوص التشريعية إلا بتوافر شرطين أوليين يحددان معا مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة: أولهما: إقامة المدعى الدليل على أن ضررا واقعيا لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرا ومستقلا بعناصره ممكنا إدراكه وليس متوهما أو نظريا أو مجهلا. ثانيهما: رابطة السببية بين الضرر والنص المطعون عليه بأن يكون الضرر المدعى به ناشئا عن هذا النص ومترتبا عليه - إذا لم يكن النص المطعون عليه قد طبق على المدعى أصلا، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية.
(5) دعوى دستورية "شرط المصلحة: ماهيته".
شرط المصلحة الشخصية المباشرة، هو الذي يحدد فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، ويبلور نطاق المسألة الدستورية التي تدعى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها، ويؤكد ضرورة أن تكون المنفعة التي يقرها القانون هي محصلتها النهائية - انفصاله دوما عن مطابقة النص التشريعي للدستور أو مخالفته لأحكامه.
(6) دعوى جنائية "أمر الحفظ والأمر بألا وجه - نيابة عامة.
الأمر الصادر من النيابة العامة بحفظ الشكوى إداريا بعد إجرائها التحقيق الابتدائي فيها، تصرف قضائي، إذ ينحل إلى أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، ويحوز الحجية (إزاء سلطة التحقيق التي أصدرته إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية:
(7) دعوى دستورية "المصلحة فيها" - دعوى جنائية "أمر بألا وجه: استئنافه" - دعوى مدنية - موظف عام.
استبعاد حق المدعى المدني في الطعن أمام محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة في أوامر النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، الصادرة في جرائم الموظفين أو المستخدمين العامين أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها عدا المنصوص عليها في المادة 123 عقوبات - الفقرة الأولى من المادة 210 إجراءات جنائية - استهداف المدعى المدني من الدفع بعدم الدستورية الذي أبداه أمام تلك الهيئة إسقاط حكم هذه الفقرة بوصفها هي التي تحول بذاتها بينه وبين الطعن في أمر النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة لجريمة اشتملها الحظر - انحصار مصلحته الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية في الطعن على هذه الفقرة دون ما عداها من مواد ليس لها من صلة بطلباته أما غرفة المشورة.
(8) مبدأ المساواة "ماهيته - صور التمييز".
مبدأ المساواة أمام القانون لا يعنى معاملة فئات المواطنين على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، ولا كذلك معارضة صور التمييز جميعها - أساس ذلك، إن من صور التمييز ما يستند إلى أسس موضوعية لا مخالفة فيها للدستور، إذ التمييز المنهى عنه هو الذي يكون تحكميا، باعتبار أن كل تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من ورائه، فإن صادم النص التشريعي بما انطوى عليه من التمييز هذه الأغراض، كان تحكميا وغير مستند إلى أسس موضوعية ومجافيا للمادة 40 من الدستور.
(9) دعوى جنائية - دعوى مباشرة - موظف عام.
استبعاد المشرع بموجب المادة 232 إجراءات جنائية الادعاء المباشر في الجرائم التي يرتكبها الموظفون أو المستخدمون العاملون أثناء تأديتهم لوظائفهم أو بسببها عدا المنصوص عليه في المادة 123 عقوبات - أساسه، موازنة المشرع بين حق المدعى المدني في الادعاء المباشر، وهو حق ورد على خلاف الأصل الذي قررته المادة 70 من الدستور التي لا تجيز إقامة الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون، وبين ما تقتضيه إشاعة الاطمئنان بين القائمين بالعمل العام بما يكفل قيامهم بأعباء الوظيفة أو الخدمة العامة دون تردد أو وجل يثنيهم عن تحمل تبعاتها - دلالته وما أكدته المذكرة الإيضاحية في شأن هذا القيد، أن تخويل المدعى المدني الحق في ملاحقة هؤلاء جنائيا بهذا الطريق بناء على دوافع واهية تكون الخصومة في إطارها شططا، إنما يلحق بالمصلحة العامة أضرارا بليغة.
(10) دعوى جنائية "أمر بألا وجه: استئنافه" - دعوى مدنية تابعة - موظف عام.
المادة 210/ 1 إجراءات جنائية - نصها على حظر طعن المدعى المدني في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين لجريمة وقعت منه أثناء تأديته وظيفته أو بسببها - دلالته، التزامه رد غائلة العدوان عن هؤلاء في مواجهة صور من إساءة استعمال الحق في التعويض كوسيلة لملاحقة جنائية تقوم على أدلة متخاذلة أو باعثها النزعة الطبيعية عند البعض إلى التجريح، وترجيح المشرع مصلحة أولى في تقديره بالاعتبار هي تلك التي يمليها الأداء الأقوم للوظيفة العامة دون تردد يقعد بشاغليها عن الوفاء بأمانة مسئوليتها.
(11) دعوى جنائية "رفعها - أمر بألا وجه: استئنافه" - دعوى مدنية تابعة - موظف عام - نيابة عامة.
حظر طعن المدعى المدني في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين لجريمة وقعت منه أثناء تأديته وظيفته أو بسببها - مادة 210/ 1 إجراءات جنائية - يتوخى حماية الوظيفة العامة من مخاطر اتهام موجه إلى شاغلها لا أساس له من واقع أو قانون، هذه الحماية لا تعنى إسقاط القانون عن هؤلاء الحق في ملاحقتهم لمعاقبتهم قضائيا عن تلك الجرائم وإن كان زمام رفع الدعوى الجنائية معقودا لنائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة بالنظر إلى ضرورة تقدير التهمة وأدلتها وفق مقاييس دقيقة تصون للوظيفة العامة حرمتها، وتكفل السير المنتظم لها في إطار المصلحة العامة.
(12) دعوى جنائية "أمر بألاَّ وجه: استئنافه" - دعوى مدنية تابعة - موظف عام - مبدأ المساواة.
النص في المادة 210/ 1 إجراءات جنائية على حظر طعن المدعى المدني في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين لجريمة وقعت منه أثناء تأديته وظيفته أو بسببها، وغايته صون الأداء الأفضل للوظيفة العامة من خلال توفير ضمانة تكفل للقائم بأعبائها أن يوزن الاتهام الموجه إليه بمقاييس دقيقة لا يكون معها العمل العام موطنا لشهوة التشهير بسمعته أو الازدراء بقدره دون أدلة كافية، يحقق مصلحة عامة وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا بين المخاطبين بأحكامه المتماثلة مراكزهم القانونية - لا إخلال بمبدأ المساواة.
(13) دستور "تفسير نصوصه" - مبدأ سيادة الشعب.
الأصل في النصوص الدستورية أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة وأن المعاني التي تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة بما يرد عنها التناقض أو التنافر - النص في المادة 3 من الدستور على أن السيادة للشعب وحده، ثم على أن تكون ممارساتها وحمايتها على الوجه المبين في الدستور، مؤداه أن أحكامه هى التي تحدد قواعد مباشرتها وتخومها.
(14) دعوى جنائية "أمر بألا وجه: استئنافه" - دعوى مباشرة - دعوى مدنية تابعة - موظف عام - نيابة عامة - مبادئ سيادة الشعب وسيادة القانون وخضوع الدولة للقانون.
تخويل الدستور المحكوم له، بوصفه مدعيا مدنيا، الحق في الادعاء المباشر في حالة بذاتها هي جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها - مادة 72 منه - وتفويضه المشرع فيما عداها لتحديد الأحوال التي تقام فيها الدعوى الجنائية عن غير طريق الجهة القضائية ويندرج تحتها الحق في الادعاء المباشر - مادة 70 منه - استبعاد المشرع في إطار هذا التفويض من نطاق الادعاء المباشر أى جناية أو جنحة يكون الاتهام بارتكابها أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها موجها إلى موظف أو مستخدم عام لضمان الأداء الأفضل للوظيفة العامة - استلهام الاعتبارات عينها واستبعاد نص الفقرة الأولى من المادة 210 إجراءات جنائية جرائم الموظفين والمستخدمين العامين أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها من نطاق الأوامر بألا وجه الجائز للمدعى المدني الطعن فيها، دون ما إهدار للحق في إحالتها إلى القضاء المختص عن طريق النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة - مما يدخل في نطاق السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق، بما لا مخالفة فيه لمبادئ سيادة الشعب وسيادة القانون وخضوع الدولة للقانون المواد 3، 64، 65 من الدستور.
(15) دعوى مدنية "حق المدعى المدني في الخيار بين الطريقين المدني والجنائي" - حق التقاضي "حق الالتجاء للقاضي الطبيعي".
ولوج المتضرر من الجريمة إلى القضاء الجنائي للفصل في الحقوق المدنية، لا يعدو أن يكون استثناء من أصل اختصاص القضاء المدني بنظر الدعوى المتعلقة بها بوصفة قاضيها الطبيعي - خيار المدعى المدني بين ولوج أي من الطريقين المدني والجنائي إذا كان كلاهما مفتوحا أمامه، وانغلاق الطريق الاستثنائي بالنسبة إليه، لا يحول دون لجوئه إلى القضاء المدني للمطالبة بحقوقه المدنية والتي لا يسقط حقه فيه إلا بسقوط الحق في الدعوى التي تقام لطلبها - مثال، المادة 210/ 1 إجراءات جنائية - لا إخلال بحق التقاضي عند الالتجاء للقاضي الطبيعي للدعوى - المادة 68 من الدستور.
(16) دعوى جنائية - دعوى مباشرة - دعوى مدنية - حق التقاضي "حق القصاص".
إغلاق المشرع طريق الادعاء المباشر في حدود سلطته التقديرية ولاعتبارات المصلحة العامة في جرائم الموظفين والمستخدمين العامين أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، دون ما إهدار للحق في ملاحقة مرتكبيها جنائيا عن طريق النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة وفق مقاييس موضوعية وعلى ضوء الأدلة التي تعزز الاتهام وترجحه، ودون ما إخلال بالحق في الفصل في الحقوق المدنية لجبر الأضرار الناشئة عن الجريمة - لا إهدار للحق في القصاص من مرتكبيها.
(17) حق التقاضي "حظر تحصين الأعمال والقرارات الإدارية من رقابة القضاء" - أمر بألا وجه - قرار قضائي.
حظر المادة 68 من الدستور النص في القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، لا ينسحب إلى القرارات القضائية ومنها أمر النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية باعتباره قرارا قضائيا يجوز حظر الطعن فيه في نطاق ما فصل فيه.

--------------
1 - إن ولاية المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالا مطابقا للأوضاع المقررة في قانونها، وإن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التي تقدر فيها جديته. إذا كان ذلك، وكان المدعى قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المواد 63، 64، 162، 210 من قانون الإجراءات الجنائية، فصرحت له برفع الدعوى بعدم دستورية تلك المواد، مضيفة إليها المادة 232 من القانون ذاته دون دفع مسبق بعدم دستوريتها، فإن الطعن بعدم دستورية هذه المادة الأخيرة يكون مجاوزا النطاق الذي تتحدد به المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، بما مؤدا انتفاء اتصال الدعوى الماثلة - في شقها الخاص بالطعن على المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية - بالمحكمة الدستورية العليا، اتصالا مطابقا للأوضاع التي رسمها قانونها، والتي لا يجوز الخروج عليها بوصفها ضوابط جوهرية فرضها المشرع لمصلحة عامة كي ينتظم التداعي في المسائل الدستورية وفقا للقواعد التي حددها، الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليها. وليس سائغا القول بأن المادة 232 المشار إليها والتي أضافتها محكمة الموضوع إلى المواد التي دفع المدعى أمامها بعدم دستوريتها، تعتبر محالة منها مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا، ذلك أن البند (أ) من المادة 29 من قانون هذه المحكمة، وإن خول محكمة الموضوع أن تحيل من جانبها النصوص التشريعية التي تقوم لديها شبهة قوية على مخالفتها أحكام الدستور، ويكون الفصل في دستوريتها لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة عليها، إلا أن مباشرة المحكمة الموضوع لهذا الاختصاص يقتضيها أن تصدر بالإحالة حكما بمعنى الكلمة، يكون قاطعا في دلالته على انعقاد إرادتها على أن تعرض بنفسها المسألة الدستورية على المحكمة الدستورية العليا، وأن يكون قضاؤها بالإحالة متضمنا تحديدا كافيا للنصوص التشريعية المطعون عليها، ونصوص الدستور المدعى مخالفتها، والأوجه التي تقوم عليها هذه المخالفة، وهو ما لم يتحقق في هذه الدعوى.
2 - المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطا لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع.
3 ، 4 - من المقرر أن المصلحة الشخصية المباشرة لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعى - قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررا مباشرا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة، وبالتالي لا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين أوليين يحددان معا مفهومها، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلال كل منهما عن الآخر لا ينفى تكاملهما، وبدونهما مجتمعين لا يجوز للمحكمة الدستورية العليا أن تباشر رقابتها على دستورية النصوص التشريعية، أولهما: أن يقيم المدعى - وفى حدود الصفة التي اختصم بها بالنص التشريعي المطعون عليه - الدليل على أن ضررا واقعيا - اقتصاديا أو غيره - قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرا، مستقلا بعناصره، ممكنا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررا متوهما أو نظريا أو مجهلا، ذلك أن إسناد الرقابة الدستورية إلى هذه المحكمة لا يتوخى الفصل في خصومة قضائية تكون فيها المصلحة نظرية صرفة كتلك التي تتوخى تقرير حكم الدستور مجردا في موضوع معين لأغراض أكاديمية أو أيدلوجية، أو دفاعا عن قيم مثالية يرجى تثبيتها، أو كنوع من التعبير في الفراغ عن وجهة نظر شخصية، أو لتوكيد مبدأ سيادة القانون في مواجهة صور من الإخلال بمضمونه لا صلة للطاعن بها، أو لإرساء مفهوم في شأن مسألة لم يترتب عليها ضرر بالطاعن ولو كانت تثير اهتماما عاما، وإنما قصد المشرع بهذه الرقابة أن تقدم المحكمة من خلالها الترضية التي تقتضيها أحكام الدستور عند وقوع عدوان على الحقوق التي كفلها، ومن ثم تكون هذه الرقابة موطئا لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية أثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها، ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئا عن هذا النص ومترتبا عليه، فإذا لم يكن النص التشريعي قد طبق على المدعى أصلا، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزة القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبل رفعها.
5 - إن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يبرز باعتباره محددا لفكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، ومبلورا نطاق المسألة الدستورية التي تدعى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها، ومؤكدا ضرورة أن تكون المنفعة التي يقرها القانون هي محصلتها النهائية، ومنفصلا دوما عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه للدستور أو مخالفته لأحكامه.
6 ، 7 -  لما كان المدعى - بوصفه مدعيا بالحقوق المدنية أثناء تحقيق أجرته النيابة العامة - قد طعن في القرار الصادر عنها بحفظ شكواه إداريا، وكان هذا القرار لا يعدو أن يكون تصرفا قضائيا من جانبها في التحقيق الابتدائي الذي أجرته متضمنا إنهاءه، وقوفا بالدعوى الجنائية عند هذه المرحلة لانتفاء مقتضيات رفعها - بحالتها - إلى القضاء، فإن ذلك القرار، وإعمالا لنص المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية، ينحل إلى أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية يكون بذاته مانعا من العودة إلى التحقيق الابتدائي إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية، وإذ طعن المدعى بالحقوق المدنية في هذا الأمر أمام محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة، وكانت الفقرة الأولى من المادة 210 إجراءات جنائية - التي تخول المدعى بالحقوق المدنية الطعن في الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى ما لم يكن صادرا في تهمة موجهة ضد أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أو أحد رجال الضبط لجريمة ارتكبها أثناء تأدية وظيفته أو بسببها من غير الجرائم المشار إليها في المادة 123 عقوبات - هى التي تحول بذاتها بين المدعى بالحقوق المدنية وبين الطعن في قرار أصدرته النيابة العامة في شأن اتهام موجه إلى خبير يشغل وظيفة عامة بمقولة ارتكابه جريمة أثناء تأديته لواجباتها، وكان الدفع بعدم الدستورية الذي أبداه المدعى أمام المحكمة منعقدة في غرفة المشورة يتوخى في حقيقة مرماه إسقاط حكم الفقرة الأولى سالفة البيان بوصفها عائقا يحول دون انفتاح طريق الطعن أمامه في القرار الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الإطار المتقدم، فإن مصلحته الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية الماثلة تنحصر في الطعن على هذه الفقرة وحدها وذلك دون المواد 63، 64، 162 من قانون الإجراءات الجنائية التي ليس لها من صلة بطلباته أمام غرفة المشورة، والتي يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن عليها.
8 - مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق لا يعنى أن تعامل فئاتهم - على ما بينها من تباين في مراكزها القانونية - معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 المشار إليها بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبات هو ذلك الذي يكون تحكميا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع التي تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها، أو اعتباره مدخلا إليها، فإن التمييز يكون تحكميا، وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيا لنص المادة 40 من الدستور.
9 - 11 - ادعاء من لحقه ضرر من الجريمة بالحقوق المدنية أثناء تحقيق تجريه النيابة العامة لجبر الأضرار الناجمة عن جريمة ارتكبها أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، قد يحمل في ثناياه اتهاما كيديا بسبب منفعة ضيعها أحد العاملين بالدولة على المدعى بالحقوق المدنية، أو لقيام من اتهمه من هؤلاء بعمل أضر به وإن كان تنفيذا لحكم القانون أو لإشباع شهوة الانتقام لضغائن شخصية أو إذكاء لنزعة النيل من الآخرين تطاولا على سمعتهم. لما كان ذلك، وكان المشرع قد وازن بين حق المدعى بالحقوق المدنية في الادعاء المباشر - وهو حق ورد على خلاف الأصل الذي قررته المادة 70 من الدستور التي لا تجيز إقامة الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون - وبين ما تقتضيه إشاعة الاطمئنان بين القائمين بالعمل العام بثا للثقة في نفوسهم، بما يكفل قيامهم بأعباء الوظيفة أو الخدمة العامة، دون تردد أو وجل يعوق الأداء الأكمل لواجباتها أو يدفعهم إلى التنصل من أعبائها توقيا لمسئوليتهم عنها، بما يثنيهم في النهاية عن تحمل تبعاتها، ويعطل قدرتهم على اتخاذ القرار الملائم، فأقر - في إطار هذه الموازنة - نص المادة 232 إجراءات جنائية مستبعدا بموجبها الادعاء المباشر في مجال الجرائم التي يرتكبها الموظفون أو المستخدمون العامون أثناء تأديتهم لوظائفهم أو بسببها عدا الجرائم المنصوص عليها في المادة 123 من قانون العقوبات، مؤكدا بهذا الاستبعاد ما قررته المذكرة الإيضاحية - للقانون رقم 121 لسنة 1965 - في شأن هذا القيد من أن النصوص العقابية تعامل الموظفين والمستخدمين العامين في شأن التجريم على نحو مغاير لغيرهم، سواء بتغليظ العقوبة عليهم لحملهم على الوفاء بواجباتهم التي حملتهم بها، أو بإفرادهم بجرائم وعقوبات يختصون بها دون غيرهم، متى كان ذلك، وكان المشرع قد دل بالأحكام السابق بيانها على أن تخويل المدعى بالحقوق المدنية الحق في ملاحقة هؤلاء جنائيا عن طريق الادعاء المباشر بناء على دوافع واهية تكون المخاصمة في إطارها شططا، إنما يلحق بالمصلحة العامة أضرار بليغة، وكان نص الفقرة الأولى من المادة 210 إجراءات جنائية المطعون عليه بحظره الطعن في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين لجريمة وقعت منه، أثناء تأديته وظيفته أو بسببها، قد التزم اتجاه رد غائلة العدوان عن هؤلاء في مواجهة صور من إساءة استعمال الحق في التعويض عن الأضرار الناشئة عن الجريمة كوسيلة لملاحقة جنائية تقوم على أدلة متخاذلة، أو يكون باعثها تلك النزعة الطبيعية - عند البعض - إلى التجريح، ومن ثم فإن المشرع يكون قد رجح بالنص التشريعي المطعون عليه مصلحة أولى في تقديره بالاعتبار، هي تلك التي يمليها الأداء الأقوم للوظيفة العامة دون تردد يقعد بشاغليها عن الوفاء بأمانة المسئولية المرتبطة بها، وتوقيا لخور يوهن عزائمهم، ويصرفهم عن النهوض بأعبائها. متى كان ذلك، فإن النص التشريعي المطعون عليه يكون قد توخى - وعلى ما تقدم - حماية الوظيفة العامة من مخاطر اتهام موجه إلى شاغلها لا يقوم على أساس سواء من ناحية الواقع أو القانون، وهى بعد حماية لا تعنى أن قانون الإجراءات الجنائية قد أسقط عن الموظفين أو المستخدمين العامين الحق في ملاحقتهم لمحاسبتهم أمام القضاء عن الجرائم التي وقعت منهم أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، ذلك أن الحق في إقامة الدعوى الجنائية قبلهم في شأن هذه الجرائم لا زال قائما كلما كانت الأدلة على وقوعها بأركانها التي عينها القانون وعلى نسبتها إلى فاعلها كافية، وإن كان زمام رفعها معقودا للنائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة، وذلك بالنظر إلى ضرورة تقدير التهمة وأدلتها وفق مقاييس دقيقة تصون للوظيفة العامة حرمتها وتكفل السير المنتظم لها في إطار المصلحة العامة ونزولا على موجباتها، وبذلك تكون الواقعة محل الاتهام الجنائي، وما أسفر عنه التحقيق بشأنها، وحكم القانون المتعلق بها، هي العناصر الموضوعية التي يتحدد على ضوئها مسار الدعوى الجنائية، إما وقوفا بها عند مرحلة التحقيق الابتدائي بإصدار النيابة العامة أمرا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وإما بإحالتها إلى المحكمة المختصة بنظرها على ضوء ما توافر من الأدلة المعززة للاتهام.
12 - إن النص في الفقرة الأولى من المادة 210 إجراءات جنائية على حظر طعن المدعى بالحقوق المدنية في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين لجريمة وقعت منه أثناء تأديته لوظيفته أو بسببها - المطعون عليه - لا يتوخى تمييز بعض المتهمين أو المذنبين على بعض، وإنما تحقيق غاية بعينها تتمثل في صدون الأداء الأفضل للوظيفة العامة من خلال توفير ضمانة لازمة تكفل لمن يقوم بأعبائها أن يوزن الاتهام الموجه إليه بمقاييس دقيقة لا يكون معها العمل العام موطئا لشهوة التشهير بسمعته أو الازدراء بقدره دون أدلة كافية تظاهر الاتهام وترجحه، ومن ثم يكون النص التشريعي المطعون عليه محققا لمصلحة عامة مرتكنا في بلوغها إلى أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا بين المخاطبين بأحكامه المتماثلة مركزهم القانونية بالنسبة إليه، وبالتالي تكون قالة الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون فاقدة لأساسها، حرية بالرفض.
13 ، 14 - النعي على نص الفقرة الأولى من المادة 210 إجراءات جنائية بأن استبعاده الجرائم التي تقع من الموظفين والمستخدمين العامين أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها من نطاق أوامر النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الجائز المدعى بالحقوق المدنية الطعن فيها يناقض لمادة 3 من الدستور التي تعقد السيادة للشعب وحده، والمادة 64 منه التي تجعل من سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، المادة 65 منها التي تحتم خضوع الدولة للقانون - مردود بأن الأصل في النصوص الدستورية أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة وأن المعاني التي تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التناقض أو التنافر، وكان الدستور بعد أن نص في المادة 3 مِنْهُ على أن السيادة للشعب وحده، حتم أن تكون ممارستها وحمايتها على الوجه المبين في الدستور، بما مؤداه أن أحكامه هي التي تحدد قواعد مباشرتها وتبين تخومها، وكان الدستور قد خول المحكوم له - وبوصفه مدعيا بالحقوق المدنية - الحق في الادعاء المباشر في حالة بذاتها هي جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها المنصوص عليها في المادة 72 منه، وفوض المشرع فيما عداها - وعلى ما تنص عليه المادة 70 - في تحديد الأحوال التي تقام فيها الدعوى الجنائية عن غير طريق الجهة القضائية، ويندرج تحتها الحق في الادعاء المباشر، وكان المشرع في إطار هذا التفويض والتزاما بأبعاده، قد استبعد من نطاق الادعاء المباشر أي جناية أو جنحة يكون الاتهام بارتكابها أثناء تأدية الوظيفة العامة أو بسببها موجها إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين وذلك لضمان الأداء الأفضل للوظيفة العامة، على ما تقدم، وكان النص التشريعي المطعون فيه متعلقا بجرائم الوظيفة العامة واقعا في إطارها، مستلهما الاعتبارات عينها التي قرر المشرع من أجلها استبعاد الادعاء المباشر في مجال الجرائم الوظيفية ودون ما إهدار للحق في إحالتها إلى القضاء المختص بنظرها عن طريق النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة إذا ما كانت الأدلة على وقوع الجريمة وعلى نسبتها إلى المتهم كافية، وكان حظر الطعن الذي تضمنه النص التشريعي المطعون عليه متعلقا بقرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية صدر عن النيابة العامة على ضوء تحقيقاتها، وكان هذا القرار قضائيا بمعنى الكلمة، فإن حظر الطعن فيه يدخل في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، بما لا مخالفة فيه لأحكام المواد 3، 64، 65 من الدستور.
15 ، 16 - النعي على نص الفقرة الأولى من المادة 210 إجراءات جنائية بأن حظره طعن المدعى بالحقوق المدنية في أوامر النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في جرائم الموظفين والمستخدمين العامين أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، يخل بالحق في التقاضي إذ يحول دون المضرور واللجوء إلى قاضيه الطبيعي لطلب التعويض من المسئول عن الفعل الضار فضلا عن القصاص منه - مردود، بأن المشرع وإن خول من لحقه ضرر من الجريمة أن يدعى بحقوق مدنية أثناء إجراء التحقيق، إلا أن اللجوء إلى القضاء الجنائي لفصل في الحقوق المدنية لا يعدو أن يكون استثناء من أصل اختصاص القضاء المدني بنظر الدعوى المتعلقة بها، ومن ثم كانت الدعوى المدنية المنظورة أمام القضاء الجنائي تابعة للدعوى الجنائية، وكان المدعى بالحقوق المدنية بالخيار بين ولوج أحد الطريقين المدني أو الجنائي إذا كان كلاهما مفتوحا أمامه، فإذا انغلق الطريق الاستثنائي بالنسبة إليه، ظل حقه في طلب تعويض الأضرار الناشئة عن الجريمة قائما أمام القضاء المدني، بوصفة حقا أصيلا - لا استثنائيا - بما مؤداه أن الأصل هو أن يكون الفصل في الدعوى المدنية بيد هذا القضاء بوصفه قاضيها الطبيعي، ومن ثم لا يكون النص التشريعي المطعون عليه قد حال دون لجوء المدعى بالحقوق المدنية إليه لجبر الضرر الذي لحقه من الجريمة التي ارتكبها أحد الموظفين أو المستخدمين العامين، ذلك أن الطريق إلى اقتضاء الحقوق المدنية أمام قاضيها الطبيعي يظل مفتوحا ولا يسقط حقه فيه إلا بسقوط الحق في الدعوى التي تقام لطلبها. أما عن الادعاء بحرمان المدعى بالحقوق الدنية من القصاص من هؤلاء لجريمة وقعت منهم أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، فمردود بأن الحق في الادعاء المباشر ليس إلا استثناء من أصل رفع الدعوى الجنائية بأمر من جهة قضائية، وقد أغلق المشرع - في حدود سلطته التقديرية ولاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة - هذا الطريق في مجال الجرائم الوظيفية ودون ما إهدار للحق في ملاحقة مرتكبيها جنائيا وفق مقاييس موضوعية وعلى ضوء الأدلة التي تعزز الاتهام وترجحه. إذ كان ما تقدم، فإن النص التشريعي المطعون عليه لا يكون قد أخل بالحق في الفصل في الحقوق المدنية لجبر الضرر الناشئ عن الجريمة الوظيفية أو أهدر الحق في القصاص من مرتكبها الأمر الذي يعتبر معه هذا النعي برمته على غير أساس.
17 - النعي على نص الفقرة الأولى من المادة 210 إجراءات جنائية بأنه إذ استبعد جرائم الموظفين والمستخدمين العامين أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها من نطاق أوامر النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية التي يجوز للمدعى بالحقوق المدنية الطعن فيها، فقد حصن قرارا صدر عن النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بالمخالفة لنص المادة 68 من الدستور - مردود بأن ما قررته هذه المادة من عدم جواز النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، لا ينسحب إلى القرارات القضائية، ويندرج تحتها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر عن النيابة العامة على ضوء التحقيق الذي أجرته، إذ يعتبر قراراً قضائيا بمعنى الكلمة ويجوز بالتالي حظر الطعن فيه في نطاق المسائل التي فصل فيها.


الإجراءات

في الثالث من أغسطس سنة 1986 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية المواد أرقام 63، 64، 162، 210، 232 من قانون الإجراءات الجنائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها رفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى كان قد أقام ضد وزير الثقافة الدعوى رقم 4133 لسنة 1983 مستعجل القاهرة طالبا الحكم بصفة مستعجلة بندب الخبير المختص لإثبات حالة أفلام الماستر فيديو التي قام تابعو الوزير بمحو تسجيلاتها، وتقدير قيمة ما أصابه من ضرر من جراء ذلك، فأصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في 7 نوفمبر سنة 1983 حكما تمهيديا بندب خبير مختص في المرئيات والصوتيات لمعاينة الأفلام المشار إليها وإثبات حالتها وتقدير قيمتها مسجلة وخالية وقيمة الضرر الناجم عن محوها، وكلفت المدعى إيداع أمانة قدرها مائة جنيه أتعابا للخبير، فقام المدعى بذلك، إلا أن مكتب خبراء جنوب القاهرة أخطأ بتكليفه أحد خبراء الجدول من المهندسين المعماريين بمباشرة المأمورية التي فصلها الحكم التمهيدي، وقد اعترض المدعى على قيام هذا المهندس بالمأمورية لعدم خبرته في مجال الصوتيات والمرئيات، إلا أنه مضى في مباشرتها وقام بقبض الأمانة، فتقدم المدعى بشكوى اتهم فيها ذلك المهندس باختلاس المال العام والاستيلاء عليه وانتحال صفة الخبير ذي الحق في اقتضاء الأمانة، ومن ثم ارتكابه الجرائم المنصوص عليها في المواد 112، 113، 211 من قانون العقوبات، وقامت النيابة العامة بتحقيق هذه الشكوى بسماع أقوال وكيل المدعى الذي ادعى مدنيا مطالبا إلزام المشكو ضده بتعويضه مؤقتا بما مقداره واحد وخمسون جنيها. وإذ أصدرت النيابة العامة قرارها بحفظ الأوراق وقيدها بدفتر الشكاوى الإدارية برقم 5664 لسنة 1985 إدارى عابدين، فقد تظلم الشاكى - بصفته مدعيا بالحقوق المدنية - من هذا القرار، ونظر تظلمه أمام محكمة جنايات القاهرة منعقدة في غرفة المشورة، حيث دفع بجلسة 15 يونية 1986 بعدم دستورية المواد 63، 64، 162، 210 من قانون الإجراءات الجنائية، فصرحت له باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية المواد المشار إليها والمادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية، فأقام دعواه الماثلة.
وحيث إن ولاية هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية - وعلى ما جرى به قضاؤها - لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالا مطابقا للأوضاع المقررة في قانونها، وكان نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التي تقدر فيها جديته، وكان المدعى - في الدعوى الماثلة - قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المواد 63، 64، 162، 210 من قانون الإجراءات الجنائية، فصرحت له برفع الدعوى بعدم دستورية تلك المواد مضيفة إليها المادة 232 من القانون ذاته دون دفع مسبق بعدم دستوريتها، فإن الطعن بعدم دستورية هذه المادة الأخيرة يكون مجاوزا النطاق الذي تتحدد به المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، بما مؤدا انتفاء اتصال الدعوى الماثلة - في شقها الخاص بالطعن على المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية - بالمحكمة الدستورية العليا، اتصالا مطابقا للأوضاع التي رسمها قانونها، والتي لا يجوز الخروج عليها بوصفها ضوابط جوهرية فرضها المشرع لمصلحة عامة كي ينتظم التداعي في المسائل الدستورية وفقا للقواعد التي حددها، الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إليها، وليس سائغا القول بأن المادة 232 المشار إليها والتي أضافتها محكمة الموضوع إلى المواد التي دفع المدعى أمامها بعدم دستوريتها، تعتبر محالة منها مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا، ذلك أن البند ( أ ) من المادة 29 من قانون هذه المحكمة وإن خول محكمة الموضوع أن تحيل من جانبها النصوص التشريعية التي تقوم لديها شبها قوية على مخالفتها أحكام الدستور، ويكون الفصل في دستوريتها لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة عليها، إلا أن مباشرة المحكمة الموضوع لهذا الاختصاص يقتضيها أن تصدر بالإحالة حكما بمعنى الكلمة يكون قاطعا في دلالته على انعقاد إرادتها على أن تعرض بنفسها المسألة على المحكمة الدستورية العليا، وأن يكون قضاؤها بالإحالة متضمنا تحديدا كافيا للنصوص التشريعية المطعون عليها ونصوص الدستور المدعى مخالفتها والأوجه التي تقوم عليها هذه المخالفة، وهو ما لم يتحقق في الدعوى الماثلة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطا لقبول الدعوى الدستورية، وإن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، وكان من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المصلحة الشخصية المباشرة لا تعتبر متحققة بالضرورة بناء على مجرد مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص - بتطبيقه على المدعى - قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور على نحو ألحق به ضررا مباشرا، وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية مرتبطا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة، وبالتالي لا تقوم هذه المصلحة إلا بتوافر شرطين أوليين يحددان معا مفهومها، ولا يتداخل أحدهما مع الآخر أو يندمج فيه، وإن كان استقلال كل منهما عن الآخر لا ينفى تكاملهما، وبدونهما مجتمعين لا يجوز لهذه للمحكمة أن تباشر رقابتها على دستورية النصوص التشريعية، أولهما أن يقيم المدعى - وفى حدود الصفة التي اختصم بها بالنص التشريعي المطعون عليه - الدليل على أن ضررا واقعيا - اقتصاديا أو غيره - قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرا، مستقلا بعناصره، ممكنا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررا متوهما أو نظريا أو مجهلا، ذلك أن إسناد الرقابة الدستورية إلى هذه المحكمة لا يتوخى الفصل في خصومة قضائية تكون فيها المصلحة نظرية صرفة كتلك التي تتوخى تقرير حكم الدستور مجردا في موضوع معين لأغراض أكاديمية أو أيدلوجية، أو دفاعا عن قيم مثالية يرجى تثبيتها، أو كنوع من التعبير في الفراغ عن وجهة نظر شخصية، أو لتوكيد مبدأ سيادة القانون في مواجهة صور من الإخلال بمضمونه لا صلة للطاعن بها، أو لإرساء مفهوم معين في شأن مسألة لم يترتب عليها ضرر بالطاعن ولو كانت تثير اهتماما عاما، وإنما قصد المشرع بهذه الرقابة أن تقدم المحكمة من خلالها الترضية التي تقتضيها أحكام الدستور عند وقوع عدوان على الحقوق التي كفلها، ومن ثم تكون هذه الرقابة موطئا لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية أثارها القانونية، ولا يتصور أن تقوم المصلحة الشخصية المباشرة إلا مرتبطة بدفعها، ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما تحتم أن يكون الضرر المدعى به ناشئا عن هذا النص ومترتبا عليه، فإذا لم يكن النص التشريعي قد طبق على المدعى أصلا، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبل رفعها.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، يبرز شرط المصلحة الشخصية المباشرة باعتباره محددا لفكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، ومبلورا نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومؤكدا ضرورة أن تكون المنفعة التي يقرها القانون هي محصلتها النهائية، ومنفصلا دوما عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه للدستور أو مخالفته لأحكامه.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المدعى - بوصفه مدعيا بالحقوق المدنية أثنا تحقيق أجرته النيابة العامة - قد طعن في القرار الصادر عنها بحفظ شكواه إداريا، وكان هذا القرار لا يعدو أن يكون تصرفا قضائيا من جانبها في التحقيق الابتدائي الذي أجرته متضمنا إنهاءه وقوفا بالدعوى الجنائية عند هذه المرحلة لانتفاء مقتضيات رفعها - بحالتها - إلى القضاء، فإن ذلك القرار، وإعمالا لنص المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية ينحل إلى أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية يكون بذاته مانعا من العودة إلى التحقيق الابتدائي إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية، وإذ طعن المدعى بالحقوق المدنية في هذا الأمر أمام محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة، وكانت الفقرة الأولى من المادة 210 إجراءات جنائية معدلة بالقانون 373 لسنة 1972 - التي تخول المدعى بالحقوق المنية الطعن في الأمر الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى ما لم يكن صادرا في تهمة موجهة ضد أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أو أحد رجال الضبط لجريمة ارتكبها أثناء تأدية وظيفته أو بسببها من غير الجرائم المشار إليها في المادة 123 عقوبات - هي التي تحول بذاتها بين المدعى بالحقوق المدنية وبين الطعن في قرار أصدرته النيابة العامة في شأن اتهام موجه إلى خبير يشغل وظيفته عامة بمقولة ارتكابه جريمة أثناء تأديته لواجباتها وكان الدفع بعدم الدستورية الذي أبداه المدعى أمام المحكمة منعقدة في غرفة المشورة يتوخى في حقيقة مرماه إسقاط حكم الفقرة الأولى سالفة البيان بوصفها عائقا يحول دون انفتاح طريق الطعن أمامه في القرار الصادر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الإطار المتقدم، فإن مصلحته الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية الماثلة تنحصر في الطعن على هذه الفقرة وحدها وذلك دون المواد 63، 64، 162 من قانون الإجراءات الجنائية التي ليس لها من صلة بطلباته أمام غرفة المشورة. ذلك أن المادة 63 بفقراتها الأربع لا شأن لها بقرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية صدر عن النيابة العامة على ضوء التحقيق الابتدائي الذي أجرته وأساس ذلك أنها تنظم اختصاص النيابة العامة في مجال تصرفها في التهمة وفق ما أسفرت عنه أعمال الاستدلال، وهى أعمال لا بد أن يعقبها بدء التحقيق الابتدائي إذا كانت الجريمة جناية، أما المادة 64 فتحدد الأحوال التي يجوز فيها للنيابة العامة أن تطلب من رئيس المحكمة الابتدائية ندب أحد قضاتها لمباشرة التحقيق في جناية أو جنحة، ولا صلة له بالتالي بمصلحة المدعى بالحقوق المدنية في دعواه الموضوعية التي يطعن فيها على قرار النيابة العامة بالأ وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر عنها بعد مباشرتها التحقيق بنفسها، والأمر كذلك بالنسبة إلى المادة 162 لأن حكمها خاص بحدود حق المدعى بالحقوق المدنية في الطعن - استئنافيا - على الأمر الصادر من قاضى التحقيق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن على المواد 63، 64، 162 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت مصلحة المدعى - في الدعوى الماثلة - تنحصر في الطعن على الفقرة الأولى من المادة 210 من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من حرمان المدعى بالحقوق المدنية من الطعن في الأمر الصادر من النيابة العامة بالأوجه لإقامة الدعوى الجنائية إذا تعلق بتهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أو أحد رجال الضبط لجريمة ارتكبها أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات، فقد غدا محتوما إخضاع هذه الفقرة لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة المشار إليها مخالفتها لمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور بمقولة أن ما سعى إليه النص المطعون عليه من تأمين شاغل الوظيفة العامة أو القائم بالخدمة العامة من شرور الادعاء عليه، وضمان جدية الاتهام الموجه إليه، لا يقتضى إفراده بحصانة غير مقررة بالنسبة إلى غيره من المواطنين، ذلك أن المتهمين والمجرمين يخضعون لمبدأ المساواة فلا يجوز تمييزهم إذا كانوا من الموظفين أو القائمين بخدمة عامة على غيرهم من أفراد الشعب مخدومهم.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق لا يعنى أن تعامل فئاتهم - على ما بينها من تباين في مراكزها القانونية - معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادة 40 المشار إليها، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبات هو ذلك الذي يكون تحكميا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع التي تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخلا إليها، فإن التمييز يكون تحكميا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيا لنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إنه إذ كان ذلك، وكان ادعاء من لحقه ضرر من الجريمة بالحقوق المدنية أثناء تحقيق تجريه النيابة العامة لجبر الأضرار الناجمة عن جريمة ارتكبها أحد الموظفين أو المستخدمين العامين أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، قد يحمل في ثناياه اتهاما كيديا بسبب منفعة ضيعها أحد العاملين بالدولة على المدعى بالحقوق المدنية، أو لقيام من اتهمه من هؤلاء بعمل أضر به وإن كان تنفيذا لحكم القانون، ألو لإشباع شهوة الانتقام لضغائن شخصية أو إذكاء لنزعة النيل من الآخرين تطاولا على سمعتهم، وكان المشرع قد وازن بين حق المدعى بالحقوق المدنية في الادعاء المباشر - وهو حق ورد على خلاف الأصل الذي قررته المادة 70 من الدستور التي لا تجيز إقامة الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون - وبين ما تقتضيه إشاعة الاطمئنان بين القائمين بالعمل العام بثا للثقة في نفوسهم بما يكفل قيامهم بأعباء الوظيفة أو الخدمة العامة، دون تردد أو وجل يعوق الأداء الأكمل لواجباتها أو يدفعهم إلى التنصل من أعبائها توقيا لمسئوليتهم عنها، بما يثنيهم في النهاية عن تحمل تبعاتها ويعطل قدرتهم على اتخاذ القرار الملائم، فأقر - في إطار هذه الموازنة - نص المادة 232 إجراءات جنائية مستبعدا بموجبها الادعاء المباشر في مجال الجرائم التي يرتكبها الموظفون أو المستخدمون العامون أثناء تأديتهم لوظائفهم أو بسببها عدا الجرائم المنصوص عليها في المادة 123 من قانون العقوبات، مؤكدا بهذا الاستبعاد ما قررته المذكرة الإيضاحية - للقانون رقم 121 لسنة 1965 - في شأن هذا القيد من أن النصوص العقابية تعامل الموظفين والمستخدمين العامين في شأن التجريم على نحو مغاير لغيرهم سواء بتغليظ العقوبة عليهم لحملهم على الوفاء بواجباتهم التي حملتهم بها، أو بإفرادهم بجرائم وعقوبات يختصون بها دون غيرهم، متى كان ذلك، وكان المشرع قد دل بالأحكام السابق بيانها على أن تخويل المدعى بالحقوق المدنية الحق في ملاحقة هؤلاء جنائيا عن طريق الادعاء المباشر بناء على دوافع واهية تكون المخاصمة في إطارها شططا، إنما يلحق بالمصلحة العامة أضرار بليغة، وكان النص التشريعي المطعون عليه بحظره الطعن في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين لجريمة وقعت منه، أثناء تأديته وظيفته أو بسببها - قد التزم اتجاه رد غائلة العدوان عن هؤلاء في مواجهة صور من إساءة استعمال الحق في التعويض عن الأضرار الناشئة عن الجريمة كوسيلة لملاحقة جنائية تقوم على أدلة متخاذلة أو يكون باعثها تلك النزعة الطبيعية - عند البعض - إلى التجريح، فإن المشرع يكون قد رجح بالنص التشريعي المطعون عليه مصلحة أولى في تقديره بالاعتبار هى تلك التي يمليها الأداء الأقوم للوظيفة العامة دون تردد يقعد بشاغليها عن الوفاء بأمانة المسئولية المرتبطة بها، وتوقيا لخور يوهن عزائمهم، ويصرفهم عن النهوض بأعبائها، متى كان ذلك، فإن النص التشريعي المطعون عليه يكون قد توخى - وعلى ما تقدم - حماية الوظيفة العامة من مخاطر اتهام موجه إلى شاغلها لا يقوم على أساس سواء من ناحية الواقع أو القانون، وهى بعد حماية لا تعنى أن قانون الإجراءات الجنائية قد أسقط عن الموظفين أو المستخدمين العامين الحق في ملاحقتهم لمحاسبتهم أمام القضاء عن الجرائم التي وقعت منهم أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، ذلك أن الحق في إقامة الدعوى الجنائية قبلهم في شأن هذه الجرائم لا زال قائما كلما كانت الأدلة على وقوعها بأركانها التي عينها القانون وعلى نسبتها إلى فاعلها كافية، وإن كان زمام رفعها معقودا للنائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة، وذلك بالنظر إلى ضرورة تقدير التهمة وأدلتها وفق مقاييس دقيقة تصون للوظيفة العامة حرمتها وتكفل السير المنتظم لها في إطار المصلحة العامة ونزولا على موجباتها، وبذلك تكون الواقعة محل الاتهام الجنائي وما أسفر عنه التحقيق بشأنها وحكم القانون المتعلق بها هي العناصر الموضوعية التي يتحدد على ضوئها مسار الدعوى الجنائية، إما وقوفا بها عند مرحلة التحقيق الابتدائي بإصدار النيابة العامة أمرا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وإما بإحالتها إلى المحكمة المختصة بنظرها على ضوء ما توافر من الأدلة المعززة للاتهام.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان النص المطعون عليه قد حظر الطعن في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الإطار المتقدم بيانه، لا بقصد تمييز بعض المتهمين أو المذنبين على بعض، وإنما لتحقيق غاية بعينها تتمثل في صون الأداء الأفضل للوظيفة العامة من خلال توفير ضمانة لازمة تكفل لمن يقوم بأعبائها أن يوزن الاتهام إليه بمقاييس دقيقة لا يكون معها العمل العام موطئا لشهوة التشهير بسمعته أو الازدراء بقدره دون أدلة كافية تظاهر الاتهام وترجحه، ومن ثم يكون النص التشريعي المطعون عليه محققا لمصلحة عامة مرتكنا في بلوغها إلى أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزا بين المخاطبين بأحكامه المتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليه، ومن ثم تكون قالة الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون فاقدة لأساسها، حرية بالرفض.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه مخالفته المواد 3، 64 و65 من الدستور، بمقولة أن الدولة هي جماع مؤسساتها التي تضم الموظفين والمستخدمين العامين كافة، وأنه إذ نص الدستور في المادة 64 على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وقرر في المادة 65 خضوع الدولة للقانون، فإن النص التشريعي المطعون عليه إذ حال بين المدعى بالحقوق المدنية والطعن في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى موظف أو مستخدم عام لجريمة وقعت منه أثناء تأديته وظيفته أو بسببها، يكون قد جاء مصادما لهاتين المادتين ومخالفا كذلك للمادة 3 من الدستور التي تعقد السيادة للشعب وحده.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الأصل في النصوص الدستورية - وعى لما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها تؤخذ باعتبارها متكاملة وأن المعاني التي تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التناقض أو التنافر، وكان الدستور بعد أن نص في المادة 3 على أن السيادة للشعب وحده، حتم أن تكون ممارستها وحمايتها على الوجه المبين في الدستور، بما مؤداه أن أحكامه هي التي تحدد قواعد مباشرتها وتبين تخومها وكان الدستور قد خول المحكوم له - وبوصفه مدعيا بالحقوق المدنية - الحق في الادعاء المباشر في حالة بذاتها هي جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها المنصوص عليها في المادة 72 منه، وفرض المشرع فيما عداها - وعلى ما تنص عليه المادة 70 - لتحديد الأحوال التي تقام فيها الدعوى الجنائية عن غير طريق الجهة القضائية ويندرج تحتها الحق في الادعاء المباشر، وكان المشرع في إطار هذا التفويض والتزاما بأبعاده قد استبعد من نطاق الادعاء المباشر أي جناية أو جنحة يكون الاتهام بارتكابها أثناء تأدية الوظيفة العامة أو بسببها موجها إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين وذلك لضمان الأداء الأفضل للوظيفة العامة على ما تقدم، وكان النص التشريعي المطعون عليه متعلقا بجرائم الوظيفة العامة واقعا في إطارها مستلهما الاعتبارات عينها التي قرر المشرع من أجلها استبعاد الادعاء لمباشر في مجال الجرائم الوظيفية ودون ما إهدار للحق في إحالتها إلى القضاء المختص بنظرها عن طريق النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة إذا ما كانت الأدلة على وقوع الجريمة وعلى نسبتها إلى المتهم كافية، وكان حظر الطعن الذي تضمنه النص التشريعي المطعون عليه متعلقا بقرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية صدر عن النيابة العامة على ضوء تحقيقاتها، وكان هذا القرار قضائيا بمعنى الكلمة، فإن حظر الطعن فيه يدخل في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في تنظيم الحقوق، بما لا مخالفة فيه لأحكام المواد 3، 64، 65 من الدستور.
وحيث إن المدعى ينعى على النص التشريعي المطعون عليه إخلاله بالحق في التقاضي إذ منع المضرور من الجريمة التي ارتكبها موظف أو مستخدم عام أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، من اللجوء إلى قاضيه الطبيعي لطلب التعويض من المسئول عن الفعل الضار فضلا عن القصاص منه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المشرع وإن خول من لحقه ضرر من الجريمة أن يدعى بحقوق مدنية أثناء إجراء التحقيق، إلا أن اللجوء إلى القضاء الجنائي للفصل في الحقوق المدنية لا يعدو أن يكون استثناء من أصل اختصاص القضاء المدني بنظر الدعوى المتعلقة بها، ومن ثم كانت الدعوى المدنية المنظورة أمام القضاء الجنائي تابعة للدعوى الجنائية، وكان المدعى بالحقوق المدنية بالخيار بين ولوج أحد الطرفين المدني أو الجنائي إذا كان كلاهما مفتوحا أمامه، فإذا انغلق الطريق الاستثنائي بالنسبة إليه، ظل حقه في طلب تعويض الأضرار الناشئة عن الجريمة قائما أمام القضاء المدني، بوصفه حقا أصيلا - لا استثنائيا - بما مؤداه أن الأصل هو أن يكون الفصل في الدعوى المدنية بيد هذا القضاء بوصفه قاضيها الطبيعي، ومن ثم لا يكون النص التشريعي المطعون عليه قد حال دون لجوء المدعى بالحقوق المدنية إليه لجبر الضرر الذي لحقه من الجريمة التي ارتكبها أحد الموظفين أو المستخدمين العامين، ذلك أن الطريق إلى اقتضاء الحقوق المدنية أمام قضيها الطبيعي يظل مفتوحا ولا يسقط حقه فيه إلا بسقوط الحق في الدعوى التي تقام لطلبها.
وحيث إنه على الادعاء بحرمان المدعى بالحقوق المدنية من القصاص من هؤلاء لجريمة وقعت منهم أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، فمردود بأن الحق في الادعاء المباشر ليس إلا استثناء من أصل رفع الدعوى الجنائية بأمر من جهة قضائية، وقد أغلق المشرع - في حدود سلطته التقديرية ولاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة على ما سلف بيانه - هذا الطريق في مجال الجرائم الوظيفية ودون ما إهدار للحق في ملاحقة مرتكبيها جنائيا وفق مقاييس موضوعية وعلى ضوء الأدلة التي تعزز الاتهام وترجحه، إذ كان ما تقدم، فإن النص التشريعي المطعون عليه لا يكون قد أخل بالحق في الفصل في الحقوق المدنية لجبر الضرر الناشئ عن الجريمة الوظيفية أو أهدر الحق في القصاص من مرتكبها الأمر الذي يعتبر معه هذا النعي برمته على غير أساس.
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص التشريعي المطعون عليه من أنه حصن قراراً صدر عن النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بالمخالفة لنص المادة 68 من الدستور، مردود بأن ما قررته هذه المادة من عدم جواز النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، لا ينسحب إلى القرارات القضائية، ويندرج تحتها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر عن النيابة العامة على ضوء التحقيق الذي أجرته، إذ يعتبر قرارا قضائيا بمعنى الكلمة ويجوز بالتالي حظر الطعن فيه في نطاق المسائل التي فصل فيها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، كان النص المطعون عليه لا يخالف من أوجه أخرى أى حكم من أحكام الدستور، فإنه يتعين والحالة هذه رفض الدعوى بالنسبة إلى الطعن على الفقرة الأولى من المادة 210 من قانون الإجراءات الجنائية.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن على نصوص المواد 63، 64، 162، 232 من قانون الإجراءات الجنائية، وبرفضها بالنسبة إلى الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة 210 من القانون ذاته، فيما تضمنه من عدم تخويل المدعى بالحقوق المدنية حق الطعن في أمر النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر في تهمة موجهة إلى موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأديته وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق