الصفحات

الأربعاء، 10 نوفمبر 2021

الطعن 13 لسنة 9 ق جلسة 14 / 12 / 1939 مج عمر المدنية ج 3 ق 14 ص 30

جلسة 14 ديسمبر سنة 1939

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

---------------

(14)
القضية رقم 13 سنة 9 القضائية

تضمينات. 

وعد بالزواج. عدول. متى يصح التضمين؟ (المادة 151 مدني)

----------------
إن الخطبة ليست إلا تمهيداً لعقد الزواج. وهذا الوعد بالزواج لا يقيد أحداً من المتواعدين، فلكل منهما أن يعدل عنه في أي وقت شاء؛ خصوصاً وأنه يجب في هذا العقد أن يتوافر للمتعاقدين كامل الحّرية في مباشرته لما للزواج من الخطر في شئون المجتمع، وهذا لا يكون إذا كان أحد الطرفين مهدّداً بالتعويض. ولكن إذا كان الوعد بالزواج والعدول عنه، باعتبار أنهما مجرّد وعد فعدول، قد لازمتهما أفعال أخرى مستقلة عنهما استقلالاً تاماً، وكانت هذه الأفعال قد ألحقت ضرراً مادياً أو أدبياً بأحد المتواعدين، فإنها تكون مستوجبة التضمين على من وقعت منه. وذلك على أساس أنها هي في حدّ ذاتها - بغض النظر عن العدول المجّرد - أفعال ضارّة موجبة للتعويض.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي المؤيد له، وهو المطعون فيه، ومن مذكرات الخصوم ومستنداتهم المقدّمة لهذه المحكمة والتي كانت من قبل مقدّمة لمحكمة الاستئناف - في أن الطاعنة رفعت على المطعون ضدّه الدعوى رقم 302 سنة 1935 كلي الإسكندرية قالت في صحيفتها المعلنة له في 18 من مايو سنة 1935 إنها لما قاربت سنّ الزواج خطبها المطعون ضدّه لنفسه، وقام الطرفان ببعض المراسم الدينية الابتدائية، وتعهد أمام الله ألا يتزوّج أحدهما بغير الآخر، وإنه لصلة القربى التي تجمعهما ازدادت تلك العهود والوعود توثقاً وارتبط كل منهما بها تمام الارتباط وعلم بها أفراد الأسرة وغيرهم، وإنه لما سافر إلى أوروبا لإتمام دراسته بها كان يرسل لها خطابات تشف عن تقديره لها وعن رغبته في إتمام الزواج منها حتى أنها - بتأثير هذه الوعود - قامت بإعداد الكثير من معدّات الزفاف من ملابس ومصوغات ومجوهرات وغيرها، وإنه لما أشيع أنها مخطوبة للمطعون ضدّه انصرف راغبو الزواج عن خطبتها، وإنه بعد عودته كان دائم الاتصال بها ممنياً إياها بقرب عقد الزواج، ثم انقطع عنها فجأة من غير إبداء أي سبب بعد أن كان قد مضى على الخطبة هذا الزمن الطويل. ثم قالت المدعية ما نصه: "إن الوعد بالزواج بدون إتمام العقد الشرعي، ولو أنه لا يكون زواجاً تاماً إلا أنه لا يبرئ الخاطب من المسئولية المدنية عن الضرر الذي يلحق مخطوبته إذا أساء استعمال هذا الحق في العدول. ولا تعارض كلية بين تقرير حق العدول وبين تقرير المسئولية عن إساءة استعمال هذا الحق لأن الشرع لم يجعل الحقوق متعاً للأفراد يلهون بها ويعبثون. فعدول الخاطب عن الخطبة وإن كان له أثره الشرعي في عدم تقيده بنتائجها فإن له أثره قانوناً بإلزامه بتعويض ما يلحق مخطوبته من الضرر بفعله. ومسئوليته في التعويض في هذه الحالة ليست مسئولية تعاقد بل هي مسئولية عن فعل ضار أو جنحة مدنية". ثم طلبت الطاعنة أن يقضي لها على المدّعى عليه في الطعن بتعويض قدّرته بألف جنيه مع المصاريف والأتعاب والنفاذ. نظرت محكمة الإسكندرية هذه الدعوى وفي 11 من مارس سنة 1936 حكمت حضورياً برفضها وألزمت المدّعية بالمصاريف و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة. ومما قالته في حكمها بعد أن سردت وقائع الدعوى ما يأتي:
"وحيث إن الخطبة حسبما هو مألوف لدى المسيحيين الأرثوذكسيين تنعقد بحضور كاهن من كهنة الكنيسة يتولى القيام بما تستلزمه من طقوس دينية ويحرّر محضراً بما أجراه وتم الاتفاق عليه. وشيء من هذا لم يحصل فيما بين المدّعية والمدّعى عليه فليس لها أن تتمسك بخطبة لا وجود لها وفقاً للأوضاع التي تعارف الناس عليها". ثم قالت في موضع آخر: "وحيث إنه لهذا يجب أن نطرح مسألة الخطبة جانباً وأن ننظر إلى النزاع على ضوء العلاقة التي تنم عنها المكاتبات العديدة المقدّمة من المدعية ولم ينكرها المدّعى عليه".
ثم استخلصت المحكمة من هذه المكاتبات أن هناك وعداً بالزواج ثم عدل عنه المطعون ضدّه وانقطعت الصلة بين الطرفين زهاء أربع سنوات قبل أن ترفع الطاعنة دعواها.
استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وطلبت للأسباب الواردة بصحيفة استئنافها المعلنة في 30 من مايو سنة 1936 الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع أن يحكم لها بطلباتها المقدّمة لمحكمة الدرجة الأولى مع المصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
وبعد أن نظرت محكمة الاستئناف هذه الدعوى حكمت حضورياً في 26 من إبريل سنة 1938 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفة بالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة للمستأنف عليه. وقد اتخذت محكمة الاستئناف أسباب الحكم الابتدائي أسباباً لحكمها.
لم يعلن هذا الحكم للطاعنة ولكنها طعنت فيه بطريق النقض بتقرير مؤرّخ في 16 من فبراير سنة 1939 أعلنته للمطعون ضدّه في 19 منه... إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون من الناحيتين الآتيتين: (أوّلاً) أثبت الحكم في أسبابه أن المطعون ضدّه وعد الطاعنة بأن يتزوّج منها، وأكد لها هذا كل التأكيد فصدّقت قوله وانتظرت مدّة طويلة. ومع ذلك فقد رأى الحكم أن هذا العمل لا يجعل المطعون ضدّه مسئولاً عن أي تعويض مع أن الضرر ظاهر تنطوي عليه الواقعة إذ أنه وعد شابة بالزواج. ودعوتها إلى الانتظار عشر سنوات من شأنه تفويت فرصة الزواج عليها وتعريضها لحياة غير التي أعدّت لها المرأة. وهذا مخالف لحكم المادة 151 من القانون المدني. وتضيف الطاعنة إلى ما تقدّم أن بحث الحكم في أنه لا توجد خطبة دينية هو بحث خارج عن موضوع الدعوى إذ أنها لم ترفع بطلب تنفيذ عقد زواج بل بتعويض عن فعل ضارّ. (ثانياً) استند الحكم المطعون فيه في رفض الدعوى إلى أنه كان يجب على الطاعنة أن تفطن إلى أن وعود المطعون ضدّه إنما كانت من لهو الشباب وأفانينه. وهذا النظر يؤدي إلى أن من خدع آنسة ووعدها بالزواج واستمر على ذلك سنوات يفوز بحماية القانون، مع أن الخديعة والغش ونكث العهد فضلاً عن مخالفتها للآداب العامة فهي مخالفة للقانون. هذا هو ما بني عليه الطعن المقدّم.
وحيث إن الخطبة والوعد بالزواج ليس إلا تمهيداً لرابطة الزوجية. وهذا الوعد لا يقيد أحداً من المتواعدين فلكل منهما أن يعدل عنه في أي وقت شاء، إذ لا مراء في أنه يجب أن يتحقق كامل الحرّية في إجراء عقد الزواج الذي له خطره في شئون المجتمع، والعثرة فيه تفوت هناءة دهر وتجلب شقاء سنين، وهذه الحرّية لا تقوم إذا ما هدّدها شبح التعويض.
وحيث إنه مما تتعين الإشارة إليه في هذا المقام أنه وإن كان لكلا المتواعدين على الزواج مطلق الحرّية في العدول عنه من غير أن يترتب على هذا العدول إلزام بتعويض مّا إلا أنه إذا لازمت الوعد بالزواج والعدول عنه أفعال مستقلة عنهما استقلالاً بِّيناً بحكم أنهما مجّرد وعد بالزواج فعدول عنه، وتكون هذه الأفعال ألحقت ضرراً مادياً أو أدبياً بأحد المتواعدين كانت هذه الأفعال موجبة للتضمين على من صدرت منه باعتبارها أفعالاً ضارة في ذاتها لا نتيجة عن العدول.
وحيث إنه بقطع النظر عن بعض العبارات التي استطرد إليها الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه، ولم يكن من داع للتصدّي لها وهي في ذاتها لا تأثير لها في النتيجة التي خلص إليها الحكم، فإن الثابت مما أورده أنه نفى وقوع أي فعل ضار بالطاعنة اقترن بعدول المطعون ضدّه عن وعده بالزواج منها حيث قال: "وحيث إن المراسلات المقدّمة في الدعوى تدل على أن علاقة الطرفين ترجع إلى سنة 1926 إن لم يكن قبلها. وفي أواخر سنة 1927 انقطع سيل هذه المكاتبات الجارف بعودة المدّعى عليه لبلاده، وقيل إنه نقل من القاهرة إلى الإسكندرية في سنة 1931. فعلى فرض أنه في خلال المدة التالية لأوبته وقبل انتقاله من القاهرة كان على اتصال بالمدعية ولم يكن ثمة موجب لمكاتبتها فقد توالت السنون بعد ذلك، والعلاقة إن لم تكن مقطوعة فلا أقل من أنها صارت فاترة. ويظهر أن المدعية أذعنت للأمر الواقع فلم تبد اعتراضاً أو استمساكاً بعلاقة استشعرت بأن مصيرها إلى الزوال، ولكنها لعلة غير ظاهرة حركت ساكناً بعد أربع سنوات منذ إعراض المدّعى عليه شاكية ما لحقها من ضرر".
وحيث إن الذي يؤخذ من هذا الذي ذكره الحكم أن الطاعنة بعد عدول المطعون ضدّه عن وعده بالزواج منها قد قبلت هذا العدول هي أيضاً، ومضى على ذلك نحو أربع سنوات قبل رفع الدعوى، مما استخلصت منه محكمة الموضوع استخلاصاً سائغاً أن العدول فوق أنه لم يلازمه أي ضرر مرتبط به كما تقدّم فإنه كان برضاء الطرفين. فلا سبيل بعد ذلك للمناقشة أمام محكمة النقض في هذا التقدير الموضوعي ولا في الادعاء بالضرر المقول به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق