الصفحات

الأحد، 21 نوفمبر 2021

الطعن 111 لسنة 39 ق جلسة 17 / 3 / 1969 مكتب فني 20 ج 1 ق 73 ص 335

جلسة 17 من مارس سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد صبري، وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور خلف.

--------------

(73)
الطعن رقم 111 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د) نقد مقاصة. جريمة. "أركان الجريمة". تهريب. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". قانون. "تفسيره". عقوبة. "تطبيقها". "العقوبة التكميلية". مصادرة.
(أ) حاصل تشريع الرقابة على عمليات النقد الأجنبي أمران: حظر مطلق، وتنظيم إداري يسمح بالاستثناء.
(ب) جريمة المقاصة في قانون الرقابة على عمليات النقد الأجنبي. تعريفها؟
(ج) ضبط النقد الأجنبي. ليس ركناً في جريمة المقاصة. عدم جواز اشتراطه دليلاً عليها. أثر عدم ضبطه في العقوبة.

)د) جريمة تعامل غير المقيم بالنقد المصري. تعريفها؟
(هـ) مأمورو الضبط القضائي. "اختصاصهم". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "بوجه عام".
الإجراءات التي يقوم بها مأمور الضبط القضائي في سبيل كشف الجرائم والتوصيل إلى معاقبة مرتكبيها شرط صحتها؟
(و، ز) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض. "حالات الطعن بالنقض. الخطأ في تطبيق القانون".
(و) كفاية تشكك القاضي في ثبوت التهمة للقضاء بالبراءة. حد ذلك؟
)ز) عيوب التسبيب الموجبة للإحالة. لها الصدارة على الطعن بمخالفة القانون الموجب للتصحيح.

----------------
1 - إن البين من تشريع الرقابة على عمليات النقد الأجنبي عموماً، ومن مذكرته التفسيرية، وأعماله التحضيرية ومن القانون رقم 109 لسنة 1939 الذي نسخت أحكامه بالقانون رقم 80 لسنة 1947، ومن أصله التاريخي والمصدر الذي استمد منه في التشريع الفرنسي أن الرقابة على عمليات النقد تنصب على كل عملية من أي نوع أيا كان الاسم الذي يصدق عليها في القانون يكون موضوعها نقداً أجنبياً ما دام من شأنها أن تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى ضياع نقد أجنبي كان من حق الدولة أن تحصل عليه، إذ أن الشارع فرض نوعاً من الحجز أو الاستيلاء أو التجميد على النقد الأجنبي كله ووضعه تحت تصرف الدولة المهيمنة على الاقتصاد القومي لا يباح لأي شخص أن يتصرف في مبلغ منه إلا بإذنها. وكل إخلال بالتجميد الذي فرضه الشارع في هذا الشأن يقع حتماً في نطاق التأثيم والعقاب. فحاصل تشريع الرقابة على النقد الأجنبي أمران: حظر مطلق، وتنظيم إداري يسمح بالاستثناء.
2 - إن المقاصة بمعناها العام داخلة بالضرورة في نطاق الحظر الذي فرضه القانون رقم 80 لسنة 1947، وقد عرفها الشارع بموضوعها وبالغاية منها. والمستفاد من تعريفه لها أنها كل اتفاق يتم بين أطرافه على تحقيق تقابل ملحوظ فيه أن يكون أحد المقابلين بنقد أجنبي مما ينطوي على إجراء تحويل أو القيام بالتسوية للديون بين مصر والخارج. ولا شأن للمقاصة بهذا المعنى في تشريع الرقابة على عمليات النقد الأجنبي بالمقاصة المنصوص عليها في المادة 362 وما بعدها من القانون المدني باعتبارها سبباً من أسباب انقضاء الالتزامات يقع على نحو ذاتي بقوة القانون ولو بغير علم المتعاملين، إذ هي تساقط دينين متقابلين: دين واجب الأداء، ودين مستحق الوفاء. بل المقصود هو المقاصة الاختيارية التي تتجه فيها إرادة أطرافها إلى إحداث أثرها بجعل دين في مقابلة دين تهريباً للنقد الأجنبي واحتيالاً على أحكام القانون. وعلى ذلك يدخل في عموم المقاصة بالمعنى المقصود كل أداء لأي مبلغ في مصر بالعملة المصرية نظير مبلغ يدفع في الخارج ما دام ملحوظاً في الأداء والاستئداء انطواء أي منهما على تعامل مقنع بنقد أجنبي أو إجراء تحويل أو تسوية للديون بين مصر والخارج باستنزال أو خصم دين من دين بمقدار الأقل من الدينين - كما هو الحاصل في الدعوى. والمقاصة بذاتها لا تقتضي نقل النقد من مصر أو إليها بل يصح أن تتم ولو بقيود دفترية بحتة، كما يحصل في نظام الحسابات الجارية ونظام غرف المقاصة في المصارف لأن من مزايا المقاصة بطبيعتها تفادي نقل الأموال.
3 - إن ضبط النقد الأجنبي ليس ركناً في جريمة المقاصة، ولا يصح اشتراطه دليلاً عليها، يدل على هذا أن الشارع نفسه افترض في المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 عدم ضبط المبالغ محل الدعوى ورتب على ذلك وجوب الحكم على الجاني بغرامة إضافية تعادل قيمتها باعتبارها عقوبة وجوبية تكميلية بديلاً للمصادرة.
4 - إن المقصود بالتعامل بالنقد المصري - حسبما جرى قضاء محكمة النقض في تفسير نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 المضافة بالقانون رقم 57 لسنة 1950 - هو كل عملية من أي نوع يكون فيها دفع بالنقد المصري إخلالا بواجب التجميد الذي فرضه الشارع على أموال غير المقيم وضرورة وضعها في حساب غير مقيم في أحد المصارف المرخص لها في مزاولة عمليات النقد، حتى يأذن وزير المالية بالإفراج عما يرى الإفراج عنه منها، واستيداع النقد المصري وتسليمه بالوكالة عن غير المقيم بغير المصارف المعتمدة يعتبر ولا شك عملية من هذا القبيل. ومتى كان الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذه الجريمة بل أغفلها جملة، فإنه يكون معيباً بالخطأ في القانون.
5 - من المقرر أن مهمة مأمور الضبط القضائي - بمقتضى المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية - الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، فكل إجراء يقوم به في هذا السبيل يعتبر صحيحاً منتجاً لأثره، ما لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة أو التحريض على مقارفتها وطالما بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة، ولا تثريب على مأمور الضبط أن يصطنع في تلك الحدود من الوسائل البارعة ما يسلس لمقصوده في الكشف عن الجريمة ولا يتصادم مع أخلاق الجماعة، ومن ذلك التخفي وانتحال الصفات، واصطناع المرشدين ولو أبقى أمرهم سراً مجهولاً.
6 - من المقرر أنه وإن كان يكفي أن يتشكك القاضي في ثبوت التهمة ليقضي للمتهم بالبراءة، إلا أن حد ذلك أن يكون قد أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وألم بأدلتها، وخلا حكمه من الخطأ في القانون ومن عيوب التسبيب وهي ما تردى فيه الحكم المطعون فيه إذ لا وجه لما أطلقه من تعييب الإجراءات أو تخلف شرائط المقاصة المؤثمة في القانون.
7 - من المقرر أن لعيوب التسبيب الموجبة للإحالة الصدارة على الطعن بمخالفة القانون الموجب للتصحيح.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده وآخر بأنهما في خلال سنة 1964 وحتى 18 أبريل سنة 1964 بدائرة قسم الموسكي: (أولاً) قاما بعملية من عمليات النقد الأجنبي إذ أجريا مقاصة منطوية على تحويل نقد أجنبي للخارج بأن قبض المتهم الأول من السيد بدوي عبد الرؤوف رياض مبلغ 60 ديناراً كويتياً ودفع له المتهم الثاني (المطعون ضده) ما يقابلها بالنقد المصري في الجمهورية العربية المتحدة مبلغ مائة جنيه مصري وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخصة لها. (ثانياً) قاما بعملية من عمليات النقد الأجنبي إذ أجريا مقاصة منطوية على تحويل نقد أجنبي للخارج، بأن قبض المتهم الأول من مجهول يدعى "سليم" نقداً أجنبياً ودفع له المتهم الثاني ما يقابله بالنقد المصري في الجمهورية العربية المتحدة مقداره مائتا جنيه مصري - وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص لها. (ثالثاً) شرعا في القيام بعملية من عمليات النقد الأجنبي لإجراء مقاصة منطوية على تحويل نقد أجنبي بأن سلم المتهم الأول إلى المتهم الثاني مبلغ مائتي جنيه مصري واتفق معه على دفعها لمن يتقدم إليه بعلامة رمزية ليقبض مقابلها في الخارج على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص لها. وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتها فيه هو ضبط المتهم الثاني قبل إتمام الجريمة. (رابعاً) تعاملاً بالنقد المصري الموضح في التهم الثلاث السابقة والبالغ قدره 400 جنيه مصري حالة كون أولهما من غير المقيمين بالجمهورية العربية المتحدة والثاني وكيلاً عنه وذلك على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً وعن غير طريق المصارف المرخص لها. وطلبت عقابهما بالمادتين 1 و9 من القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل والقرار الوزاري رقم 51 لسنة 1947 المعدل. ومحكمة القاهرة الجزئية للجرائم المالية - وبعد أن دفع الحاضر عن المتهم الثاني ببطلان إجراءات التحقيق - قضت غيابياً بالنسبة إلى المتهم الأول وحضورياً بالنسبة إلى المتهم الثاني عملاً بمواد الاتهام (أولاً) برفض الدفع ببطلان إجراءات التحقيق (وثانياً) حبس المتهم الأول ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة خمسمائة قرش لوقف التنفيذ وحبس المتهم الثاني شهراً واحداً مع الشغل وكفالة مائتي قرش لوقف التنفيذ (وثالثاً) مصادرة مبلغ 131 ج و600 م مائة وواحد وثلاثين جنيهاً وستمائة مليم من المبلغ المضبوط مع المتهم الثاني وتغريم المتهمين غرامة إضافية قدرها مائتان وثمانية وستون جنيهاً وأربعمائة مليم. فاستأنف المتهم الثاني (المطعون ضده) هذا الحكم، ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من جرائم المقاصة والتعامل بالنقد المصري بصفته وكيلاً عن غير مقيم انطوى على الخطأ في القانون، وشابه التخاذل والقصور في التسبيب، ذلك بأنه أورد أسباباً مبهمة خلط فيها بين صحة الإجراء وثبوت الواقعة على نحو لا يكشف عن عقيدة المحكمة، ولا يبين منه الوجه القانوني لانتفاء جرائم المقاصة وقال بأنه لم يثبت أن أموالاً خرجت من مصر أو دخلت إليها وأن نقداً أجنبياً لم يضبط مع أن الجريمة لا تقتضي شيئاً من ذلك سواء لتوافر أركانها أو لتحقق ثبوتها، ولم يعرض للتهمة الرابعة الخاصة بالتعامل بالنقد المصري عن غير مقيم، مما يعيبه بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه في شأن بيان واقعة الدعوى أنها تتحصل في أن مأمور الضبط في قسم مكافحة التهريب نمى إليه أن المتهم الأول - صاحب محلات السلام بالكويت - يرأس شبكة تعمل على تهريب الأموال بطريق المقاصة بين الكويت ومصر، وذلك بقبض مدخرات المصريين الذين يعملون بالكويت وبعض الكويتيين الذين يفدون للسياحة ثم يوفد من يتسلم نقداً مصرياً من المتهم الثاني - المطعون ضده - بواقع مائة جنيه مصري عن كل ستين ديناراً كويتياً، فأراد أن يكشف عن هذه الجريمة فأرسل مرشداً من قبله دفع ستين ديناراً للمتهم الأول وتسلم منه خطاباً فيه رموز تشير إلى التهريب - ثم سلم المطعون ضده الخطاب وتسلم منه مائة جنيه بالنقد المصري طبقاً للأمر الصادر إليه بالشفرة من المتهم الأول، وكان التسليم والتسلم تحت رقابة مأمور الضبط الذي قام بضبط الخطاب والمبلغ جميعاً واعترف المطعون ضده بأنه سلم المرشد مائة جنيه من مبلغ أربعمائة جنيه كان المتهم الأول قد أودعها لديه ليدفع منه إلى من يعينه من قبله، وأنه سبق له أن سلم شخصاً مائتي جنيه أخرى من المبلغ المذكور المودع لديه تنفيذاً للتعليمات التي صدرت إليه من المتهم الأول، ودلل الحكم الابتدائي على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة الواردة في المساق المتقدم ومنها اعتراف المطعون ضده نصا في اقتراف جرائم المقاصة والتعامل بالنقد المصري بالوكالة عن غير مقيم في مصر وانتهى من تسبيبه وخلص من استدلاله إلى صحة الإجراءات وثبوت التهم الأربع جميعاً في حق المطعون ضده، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى ببراءته منها بما نصه "وحيث إن المحكمة لا تطمئن إلى ما اتخذ في هذه القضية من إجراءات إذ أن تسليم النقد الأجنبي إلى المتهم الأول... تم بواسطة مرشد مجهول قام بتسليم مبلغ سبعين ديناراً كويتياً إلى صديق له بالخارج لتسليمه إلى ذلك المتهم. والمحكمة كي تطمئن إلى إسناد التهمة للمتهم لا بد أن تطمئن إلى صحة الإجراءات التي اتخذت في هذه القضية وأن تتحقق بنفسها من سلامتها الأمر الغير متوافر حدوثه في هذه الدعوى، فلم يثبت لا في الأوراق ولا أمام المحكمة أن المرشد قام بدفع نقد أجنبي إلى المتهم الأول كما لم يثبت أن هناك أموالاً خرجت من مصر أو أدخلت إليها دون الطريق القانوني، وعملية الخروج أو الدخول بمعنى عملية التحويل لا تفترض ولا تستنج، بل لا بد أن يقوم الدليل الذي لا يقبل الشك على تمامها فعلاً، ومتى كان ذلك، فإن المقاصة بمعناها القانوني تكون غير متوافرة. إذ أن من شروطها أن يكون الغرض من دفع المبلغ في مصر هو في مقابل دين في الخارج، فإذا كان المتهم الثاني - المطعون ضده - لا يعلم بوقوع الدين بين المرشد والمتهم الأول, فإن شرطاً جوهرياً من شروط المقاصة يكون غير متوافر، ولا تقوم جريمة المقاصة بدونه، وإذا أضيف إلى ما تقدم أن تجريم المقاصة في هذه الحالة هو خشية تضييع نقد أجنبي على البلاد، فإذا بقي النقد المصري في البلاد كما حدث لحساب غير مقيم في البلاد دون إجراء أية مقاصة نقدية ودون حرمان للدولة من نقد أجنبي، فلا جريمة ولا شروع في ارتكابها، وأخيراً فإنه لم يضبط نقد أجنبي في الدعوى كي يمكن القول بتوافر الجرائم المنسوبة إلى المتهم. وحيث إنه لما سلف تكون التهم المنسوبة إلى المتهم على غير أساس من الحق والقانون ويتعين الحكم ببراءته.." وهذا الذي أورده الحكم المطعون فيه ينطوي على الخطأ في تطبيق القانون، والتخاذل في التسبيب، ذلك بأن القانون رقم 80 لسنة 1947 بشأن الرقابة على عمليات النقد قد نص في الفقرة الأولى من المادة الأولى منه على أنه (يحظر التعامل في أوراق النقد الأجنبي أو تحويل النقد من مصر أو إليها، كما يحظر كل تعهد مقوم بعملة أجنبية، وكل مقاصة منطوية على تحويل أو تسوية كاملة أو جزئية بنقد أجنبي وغير ذلك من عمليات النقد الأجنبي سواء أكانت حالة أم لأجل إلا بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من وزير المالية وعن طريق المصارف المرخص لها في ذلك) وجاء في المذكرة التفسيرية للقانون ما نصه (وجب أن يكون الحظر شاملاً العملات الأجنبية وجميع العمليات التي يمكن أن تتم بها كما حرص المشرع كذلك على منع المقاصة المنطوية على تحويل أو تسوية كاملة أو جزئية بنقد أجنبي إلا بالشروط والأوضاع التي يعينها وزير المالية حتى لا يدع ثغرة للتحايل عن طريقها في المنع الوارد بالقانون. وقصد بمنع المقاصة مواجهة أمثال العمليات الآتية التي تتم بالعملة المصرية (أولاً) الدفعات التي تتم لحساب أو بأمر أشخاص مقيمين خارج مصر (ثانياً) الدفعات التي تتم على اعتبار أن شخصاً يستوفى مبلغاً أو يكتسب حق ملكية خارج مصر أو على أساس إنشاء أو تحويل حق مؤكد أو محتمل لصالح شخص يقبض مبلغاً، أو باكتساب ملكية خارج مصر أو على أساس القيام بعمل يخول شخصاً حقاً مرتبطاً بالعمليات المذكورة وتوضيحاً لذلك نذكر أن من الأمثلة الكثيرة في العمل التي يقصد بها حرمان مصر من الحصول على العملة الأجنبية أن الشخص المقيم في مصر إذا كان مديناً لدائن في الخارج ودائناً لمدين في الخارج كذلك فإنه بدلاً من أن يدفع ما عليه في الحساب المحجوز ويستوفي ما له بالعملة الأجنبية، يستوفي ما له مما عليه، وبذلك يتساقط دينه وحقه معاً، ثم يستوفى الدائن في الخارج من المدين في الخارج بالعملة الأجنبية، وعلى هذا الوجه يضيع على مصر عملة أجنبية، ويتفادى الدائن في الخارج أن يعتبر دينه في حساب محجوز، وتحاشيا لهذا كله منعت المقاصة المنطوية على تحويل أو تسوية كلية أو جزئية بنقد أجنبي إلا بالشروط والأوضاع التي يحددها وزير المالية" والبين من تشريع الرقابة على عمليات النقد الأجنبي عموماً، ومن مذكرته التفسيرية، وأعماله التحضيرية ومن القانون رقم 109 لسنة 1939 الذي نسخت أحكامه بالقانون رقم 80 لسنة 1947 ومن أصله التاريخي والمصدر الذي استمد منه في التشريع الفرنسي وهو المرسوم بقانون رقم 47 - 1337 الصادر في 15 من يوليو سنة 1947 أن الرقابة على عمليات النقد تنصب على كل عملية من أي نوع أياً كان الاسم الذي يصدق عليها في القانون يكون موضوعها نقداً أجنبياً ما دام من شأنها أن تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى ضياع نقد أجنبي كان من حق الدولة أن تحصل عليه، إذ أن الشارع فرض نوعاً من الحجز أو الاستيلاء أو التجميد على النقد الأجنبي كله ووضعه تحت تصرف الدولة المهيمنة على الاقتصاد القومي لا يباح لأي شخص أن يتصرف في مبلغ منه إلا بإذنها. وكل إخلال بالتجميد الذي فرضه الشارع في هذا الشأن يقع حتماً في نطاق التأثيم والعقاب. فحاصل تشريع الرقابة على النقد الأجنبي أمران: حظر مطلق، وتنظيم إداري يسمح بالاستثناء. والمقاصة بمعناها العام داخلة بالضرورة في نطاق هذا الحظر، وقد عرفها الشارع بموضوعها وبالغاية منها. والمستفاد من تعريفه لها أنها كل اتفاق يتم بين أطرافه على تحقيق تقابل ملحوظ فيه أن يكون أحد المقابلين بنقد أجنبي مما ينطوي على إجراء تحويل أو القيام بتسوية للديون بين مصر والخارج ولا شأن للمقاصة بهذا المعنى في تشريع الرقابة على عمليات النقد الأجنبي بالمقاصة المنصوص عليها في المادة 362 وما بعدها من القانون المدني باعتبارها سبباً من أسباب انقضاء الالتزامات يقع على نحو ذاتي بقوة القانون ولو بغير علم المتعاملين، إذ هي تساقط دينين متقابلين: دين واجب الأداء، ودين مستحق الوفاء. بل المقصود هو المقاصة الاختيارية التي تتجه فيها إرادة أطرافها إلى إحداث أثرها بجعل دين في مقابلة دين تهريبا للنقد الأجنبي واحتيالاً على أحكام القانون. وعلى ذلك يدخل في عموم المقاصة بالمعنى المقصود كل أداء لأي مبلغ في مصر بالعملة المصرية نظير مبلغ يدفع في الخارج ما دام ملحوظاً في الأداء والاستئداء انطواء أي منهما على تعامل مقنع بنقد أجنبي أو إجراء تحويل أو تسوية للديون بين مصر والخارج باستنزال أو خصم دين من دين بمقدار الأقل من الدينين - كما هو الحاصل في الدعوى. والمقاصة بذاتها أياً كانت لا تقتضي نقل النقد من مصر أو إليها بل يصح أن تتم ولو بقيود دفترية بحتة، كما يحصل في نظام الحسابات الجارية ونظام غرف المقاصة في المصارف لأن من مزايا المقاصة بطبيعتها تفادي نقل الأموال. كما أن ضبط النقد الأجنبي ليس ركناً في الجريمة، ولا يصح اشتراطه دليلاً عليها، يدل على هذا أن الشارع نفسه افترض في المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 عدم ضبط المبالغ محل الدعوى ورتب على ذلك وجوب الحكم على الجاني بغرامة إضافية تعادل قيمتها باعتبارها عقوبة وجوبية تكميلية بديلاً للمصادرة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يبين وجه عدم اطمئنان المحكمة إلى سلامة الإجراءات، وكان ما ساقه من أقاويل مهمة خلط فيها بين الإجراء الذي أسلس لضبط الواقعة وبين ثبوتها بالدليل المعتبر، لا يكشف عن وجه استدلاله ولا ينبئ عن أن المحكمة فهمت الواقعة على حقيقتها ومحصت أدلتها ومنها اعتراف المطعون ضده نصاً في اقتراف جرائم المقاصة الثلاث، وفحوى الخطاب المتضمن الرموز الدالة على التهريب، وضبط المبلغ المدفوع في مقابل النقد الأجنبي، وهي أدلة مستقلة خاصة بالمطعون ضده ولا شأن لها بالإجراءات السابقة عليها والتي اتخذت مع المتهم الأول المقيم في الكويت وحده، وكان من المقرر أن مهمة مأمور الضبط بمقتضى المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبيها، فكل إجراء يقوم به في هذا السبيل يعتبر صحيحاً منتجاً لأثره، ما لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة أو التحريض على مقارفتها وطالما بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة، ولا تثريب على مأمور الضبط أن يصطنع في تلك الحدود من الوسائل البارعة لمقصوده في الكشف عن الجريمة ولا يتصادم مع أخلاق الجماعة، ومن ذلك التخفي وانتحال الصفات، واصطناع المرشدين ولو أبقى أمرهم سراً مجهولاً. وكان من المقرر كذلك أنه وإن كان يكفي أن يتشكك القاضي في ثبوت التهمة ليقضي للمتهم بالبراءة، إلا أن حد ذلك أن يكون قد أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وألم بأدلتها، وخلا حكمه من الخطأ في القانون، ومن عيوب التسبيب وهي ما تردى فيه الحكم المطعون فيه إذ لا وجه لما أطلقه من تعييب الإجراءات أو تخلف شرائط المقاصة المؤثمة في القانون حسبما تقدم. لما كان ذلك وكان ما وقع من المطعون ضده من أداء نقد مصري لحساب غير مقيم بصفته وكيلاً عنه تتحقق به جريمة التعامل في النقد المصري، ذلك بأن الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1947 في شأن تنظيم الرقابة على عمليات النقد والمضافة بالقانون رقم 57 لسنة 1950 قد نصت على أنه "يحظر على غير المقيمين في المملكة المصرية أو وكلائهم التعامل بالنقد المصري أو تحويل أو بيع القراطيس المالية المصرية إلا بالشروط والأوضاع التي تعين بقرار من وزير المالية" وقد جرى قضاء هذه المحكمة في تفسير هذا النص على أن المقصود بالتعامل بالنقد المصري كل عملية من أي نوع يكون فيها دفع بالنقد المصري إخلالاً بواجب التجميد الذي فرضه الشارع على أموال غير المقيم وضرورة وضعها في حساب غير مقيم في أحد المصارف المرخص لها في مزاولة عمليات النقد، حتى يأذن وزير المالية بالإفراج عما يرى الإفراج عنه منها، واستيداع النقد المصري وتسليمه بالوكالة عن غير المقيم بغير المصارف المعتمدة يعتبر ولا شك عملية من هذا القبيل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذه الجريمة بل أغفلها جملة، فإنه يكون فوق تخاذله وقصوره معيباً بالخطأ في القانون بما يتعين معه النقض والإحالة، لأن لعيوب التسبيب الموجبة للإحالة الصدارة على الطعن بمخالفة القانون الموجب للتصحيح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق