الصفحات

الثلاثاء، 7 سبتمبر 2021

الطعن 4224 لسنة 57 ق جلسة 17/ 11/ 1988 مكتب فني 39 ج 1 ق 163 ص 1074

جلسة 17 من نوفمبر سنة 1988

برئاسة السيد المستشار/ أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر وحسن عميره نائبي رئيس المحكمة ومحمد زايد ورشدي حسين.

------------------

(163)
الطعن رقم 4224 لسنة 57 القضائية

(1) رشوة. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
توافر قيام جريمة الرشوة من جانب الموظف ولو كان غير مختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة. كفاية أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض منها.
(2) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حرية القاضي الجنائي في تكوين اقتناعه من أي دليل له مأخذه في الأوراق.
تزيد الحكم فيما لم يكن بحاجة إليه. لا يعيبه.
(3) رشوة. جريمة "أركانها". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". عقوبة "العقوبة المبررة". ارتباط.
تعييب الحكم فيما تساند إليه في خصوص جريمة عرض رشوة لم تقبل. عدم جدواه طالما أن المحكمة عاقبت الطاعن بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة الارتشاء المنصوص عليها بالمادة 104 عقوبات.
 (4)رشوة. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائي في جريمتي الارتشاء وعرض الرشوة. متى يتوافر؟
عدم تحدث الحكم استقلالاً عن ركن القصد الجنائي. لا يعيبه. أساس ذلك؟
 (5)إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
أخذ المحكمة بشهادة شاهد. مفاده: إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله. لا يعيب الحكم ما دام استخلص الحقيقة بما لا تناقض فيه.
(6) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إحالة الحكم في بيان شهادة الشهود إلى أقوال شاهد آخر. لا يعيبه متى كانت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه منها. لا يقدح في ذلك اختلاف الشهود في بعض التفصيلات أساس ذلك؟
 (7)حكم "بطلانه" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لا ينال من سلامة الحكم ما استطرد إليه تزيداً. طالما لم يكن له من أثر في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها.
(8) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفوع "الدفع بتلفيق التهمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بتلفيق التهمة. موضوعي.

---------------
1 - من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف هو المختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض منها.
2 - إن القاضي الجنائي حر في أن يستمد عقيدته من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق، كما وأنه لا ينال من سلامة الحكم وقد أقام مسئولية الطاعن على أساس توافر اختصاصه الحقيقي ما استطرد إليه من الإشارة إلى أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ولو كان لا يدخل في اختصاصه اكتفاء بزعمه الاختصاص عملاً بالمادة 103 مكرراً من قانون العقوبات، إذ أن ما ذهب إليه الحكم في هذا الصدد لا يعدو أن يكون تزيداً فيما لم يكن بحاجة إليه فلا يعيبه، ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الوجه غير سديد.
3 - لما كان ما أورده الحكم في المساق المتقدم من قيام الطاعن بعرض رشوة لم تقبل منه على اثنين من الموظفين مقابل العمل على تنفيذ الحكم السالف تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً عقوبات التي دانه الحكم بها، فإن منعاه على الحكم بالقصور في هذا الخصوص لا يكون له وجه، فضلاً عن أن انتفاء جدوى هذا النعي ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وعاقبته بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة الارتشاء المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات التي أثبتها الحكم في حقه.
4 - بعمل من أعمال وظيفته وللإخلال بواجباتها على اعتبار أنها ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها، وأنه بوصفه عارضاً لرشوة لم تقبل منه حاول إرشاء الموظفين المشار إليهما مع علمه بصفتهما مقابل اتجارهما بوظيفتهما واستغلالها، وكان ما أورده الحكم من ذلك كافياً في الدلالة على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن في جريمتي الارتشاء وعرض الرشوة المسندتين إليه فلا يعيب الحكم أنه لم يتحدث استقلالاً عن ركن القصد الجنائي طالما أن قيامه مستفاد من مجموع عباراته.
5 - لمحكمة الموضوع وزن أقوال الشهود والتعويل عليها مهما وجه إليها من مطاعن ومتى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه كما هو الحال في الدعوى المطروحة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
6 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ولا يؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم ذلك بأن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداه، وكان البين من أسباب الطعن ذاتها أن الخلاف في أقوال الشهود المشار إليهم بها إنما يتعلق ببعض التفاصيل الثانوية بما لا يؤثر في الوقائع الجوهرية التي استند إليها الحكم من هذه الأقوال.
فإنه لا ضير على الحكم من الإحالة في بيان أقوال شاهدين منهم إلى ما أورده من أقوال الشاهدين الآخرين.
7 - لما كان البين من الاطلاع على الحكم أنه عول في إدانة الطاعن على الأدلة المستقاة من أقوال شهود الإثبات وهي أدلة سائغة وكافية في حمل قضائه وأنه بعد أن أورد مؤداها استطرد إلى القول بأن محضر تفريغ المحادثات المسجلة بين الطاعن والشاهد الأول أبان أنها تدور حول وقائع الرشوة، فإنه يكون من غير المنتج النعي على الحكم في شأن هذه التسجيلات طالما أنه لم يستطرد إليها إلا تزيداً بعد استيفائه أدلة الإدانة، إذ لم يكن بحاجة إلى هذا الاستطراد في مجال الاستدلال ما دام أنه أقام ثبوت الجريمة على ما يحمله وكان لا أثر لما تزيد إليه في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها.
8 - الدفع بتلفيق الاتهام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من الحكم بل يكفي أن يكون الرد مستفاداً من الأدلة التي عولت عليها المحكمة بما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع عن المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولاً: بصفته موظفاً عمومياً كاتباً بلجنة الحانوتية والتربية بمحافظة القاهرة طلب لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب من....... مبلغ ألف جنيه على سبيل الرشوة عرض منه مبلغ خمسمائة جنيه على....... مدير إدارة الشئون العقارية بمحافظة القاهرة ووعد بعرض رشوة أخرى على....... مدير الإدارة الهندسية للجبانات بمحافظة القاهرة مقابل قيام ثلاثتهم بتنفيذ الحكم الصادر من مجلس الدولة في القضية رقم........ ولكن الموظفين العموميين لم يقبلا الرشوة منه. ثانياً: بصفته سالفة الذكر طلب وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب من........ مبلغ ثلاثمائة جنيه وأخذ منه مائتي جنيه على سبيل الرشوة مقابل استلامه منه دون إتباع الإجراءات الإدارية اللازمة في شكاوى بعض المواطنين ضد خصمه...... لعرضها على اللجنة. وإحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 103، 104، 109 مكرراً من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ألفي جنيه فطعن كل من الأستاذ/...... المحامي عن الأستاذ/........ المحامي والأستاذ/....... المحامي عن الأستاذ/........ المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي الارتشاء وعرض الرشوة قد شابه الفساد في الاستدلال والتناقض والقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد، ذلك أنه عول في إثبات اختصاص الطاعن بالعمل المطلوب أداؤه على أقوال بعض الموظفين ممن لا دراية لهم والتفت عما قام عليه دفاعه المؤيد بأقوال نفر من المسئولين من انحسار هذا الاختصاص عنه هذا إلى تردده بين مساءلته على أساس الاختصاص الحقيقي أم مجرد الاختصاص المزعوم طبقاً للمادة 103 مكرراً من قانون العقوبات والتي ما كان يجوز إعمال حكمها دون لفت نظر الدفاع طالما لم يتضمنها أمر الإحالة، وقد دان الطاعن بجريمة عرض الرشوة المعاقب عليها بالمادة 109 مكرراً من قانون العقوبات مع خلوه من بيان أركانها، كما لم يستظهر توافر القصد الجنائي في جرائم الرشوة المسندة إليه، واعتمد في إدانته على أقوال شهود الإثبات رغم ما شابها من الكذب والتناقض، وأحال في بيان أقوال الشاهدين...... وعضو الرقابة الإدارية..... إلى مضمون ما شهد به الشاهدان....... وعضو الرقابة الإدارية........ رغم اختلافهم في بعض الوقائع، واستند من بين ما استند إليه - إلى التسجيلات الصوتية المقدمة في الدعوى من أن الأحاديث التي تضمنتها خلت من ذكر وقائع الرشوة ولم يثبت أنها بصوت الطاعن، وأخيراً فقد أغفل الحكم الرد على ما ساقه الطاعن من أوجه دفاع عديدة تكشف عن تلفيق الاتهام، كل ذلك مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن كاتباً بلجنة "الحانوتية والتربية" بإدارة الجبانات بمحافظة القاهرة أبدى للمبلغ استعداده للعمل على تنفيذ حكم صادر من المحكمة الإدارية لصالح والده الذي يعمل "تربياً" في شأن نزاعه مع آخر على الإشراف على إحدى الجبانات وأن يسلمه خطاباً بهذا المعنى نظير حصوله على مبلغ ألف جنيه على سبيل الرشوة، فتظاهر المبلغ بالموافقة وأبلغ الرقابة الإدارية بالأمر، ثم قام الطاعن بعرض رشوة على كل من مقرر اللجنة المتقدمة ومدير الإدارة الهندسية للجبانات بمحافظة القاهرة لحملهما على الموافقة على تنفيذ الحكم السالف إلا أنهما لم يقبلا الرشوة منه. وعلى أثر ذلك اتفق الطاعن مع والد المبلغ على أن يتسلم منه. مقابل رشوة بعض الشكاوى ضد خصمه بغير اتباع الإجراءات المقررة لعرضها على اللجنة التي يعمل بها وصولاً إلى مساءلة خصمه المذكور، وتم ضبطه بعد استئذان النيابة العامة في كمين أعد له وبحوزته مبلغ الرشوة الذي تقاضاه وقدره مائتا جنيه، ودلل على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة، وأثبت على الطاعن أخذاً بأقوال مقرر اللجنة المشار إليها وبعض العاملين بها أن له نصيباً من الاختصاص في تنفيذ الحكم السالف يتمثل في تحرير الخطابات للجهات المعنية بتنفيذه فضلاً عن اختصاصه بحكم عمله بتسلم الشكاوى التي ترد للجنة حول شئون الجبانات، وانتهى إلى إدانته عن جريمتي الارتشاء وعرض الرشوة عملاً بالمواد 103، 104، 109 مكرراً من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف هو المختص بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض منها، وكان الحكم - على ما سلف بيانه - قد أثبت باستدلال سائغ توافر قدر من الاختصاص للطاعن بالعمل الذي تقاضى الجعل لأدائه، وخلص إلى إدانته عن الارتشاء المسند إليه بمقتضى المادتين 103، 104 من قانون العقوبات، فإن منعى الطاعن بأن الحكم اعتمد في إثبات اختصاصه على أقوال بعض الشهود دون البعض الآخر ممن نفوا عنه هذا الاختصاص لا يكون له محل لما هو مقرر من أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد عقيدته من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق، كما وأنه لا ينال من سلامة الحكم وقد أقام مسئولية الطاعن على أساس توافر اختصاصه الحقيقي ما استطرد إليه من الإشارة إلى أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ولو كان لا يدخل في اختصاصه اكتفاء بزعمه الاختصاص عملاً بالمادة 103 مكرراً من قانون العقوبات، إذ أن ما ذهب إليه الحكم في هذا الصدد لا يعدو وأن يكن تزيداً فيما لم يكن بحاجة إليه فلا يعيبه، ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الوجه غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في المساق المتقدم من قيام الطاعن بعرض رشوة لم تقبل منه على اثنين من الموظفين مقابل العمل على تنفيذ الحكم السالف تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً عقوبات التي دانه الحكم بها، فإن منعاه على الحكم بالقصور في هذا الخصوص لا يكون له وجه، فضلاً عن انتفاء جدوى هذا النعي ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وعاقبته بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة الارتشاء المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات التي أثبتها الحكم في حقه لما كان ذلك، وكان البين مما أورده الحكم أن الطاعن بوصفه مرتشياً قد طلب وأخذ العطية المتمثلة في مبلغ من النقود لقاء القيام بعمل من أعمال وظيفته وللإخلال بواجباتها على اعتبار أنها ثمن لإتجاره بوظيفته واستغلالها، وأنه بوصفه عارضاً لرشوة لم تقبل منه حاول إرشاء الموظفين المشار إليهما مع علمه بصفتهما مقابل إتجارهما بوظيفتهما واستغلالها، وكان ما أورده الحكم من ذلك كافياً في الدلالة على توافر القصد الجنائي لدى الطاعن في جريمتي الارتشاء وعرض الرشوة المسندتين إليه فلا يعيب الحكم أنه لم يتحدث استقلالاً عن ركن القصد الجنائي طالما أن قيامه مستفاد من مجموع عباراته. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع وزن أقوال الشهود والتعويل عليها مهما وجه إليها من مطاعن ومتى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، ولا يؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم ذلك بأن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداه، وكان البين من أسباب الطعن ذاتها أن الخلاف في أقوال الشهود المشار إليهم بها إنما يتعلق ببعض التفاصيل الثانوية بما لا يؤثر في الوقائع الجوهرية التي استند إليها الحكم من هذه الأقوال، فإنه لا ضير على الحكم من الإحالة في بيان أقوال شاهدين منهم إلى ما أورده من أقوال الشاهدين الآخرين. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على الحكم أنه عول في إدانة الطاعن على الأدلة المستقاة من أقوال شهود الإثبات وهي أدلة سائغة وكافية في حمل قضائه، وأنه بعد أن أورد مؤداها استطرد إلى القول بأن محضر تفريغ المحادثات المسجلة بين الطاعن والشاهد الأول أبان أنها تدور حول وقائع الرشوة، فإنه يكون من غير المنتج النعي على الحكم في شأن هذه التسجيلات طالما أنه لم يستطرد إليها إلا تزيداً بعد استيفائه أدلة الإدانة، إذ لم يكن بحاجة إلى هذا الاستطراد في مجال الاستدلال ما دام أنه أقام ثبوت الجريمة على ما يحمله وكان لا أثر لما تزيد إليه في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها. لما كان ذلك، وكان الدفع بتلفيق الاتهام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من الحكم بل يكفي أن يكون الرد مستفاداً من الأدلة التي عولت عليها المحكمة بما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع عن المتهم لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق