الصفحات

الجمعة، 24 سبتمبر 2021

الطعن 29288 لسنة 59 ق جلسة 11 / 10 / 1990 مكتب فني 41 ق 158 ص 903

جلسة 11 من أكتوبر سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم البنا نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ د. على فاضل نائب رئيس المحكمة وعبد اللطيف أبو النيل نائب رئيس المحكمة وعمار إبراهيم وأحمد جمال عبد اللطيف.

----------------

(158)
الطعن رقم 29288 لسنة 59 القضائية

 (1)اختصاص "الاختصاص الولائي". محكمة أمن الدولة. طوارئ. قانون "تفسيره". سلاح. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
محاكم أمن الدولة المنشأة طبقا لقانون الطوارئ. استثنائية إحالة بعض الجرائم المعاقب عليها بالقانون العام. ومنها الجرائم المنصوص عليها في القانون 394 لسنة 1954. لا يسلب المحاكم العادية اختصاصها بالفصل في هذه الجرائم. أساس ذلك ؟
 (2)قتل عمد. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". جريمة "أركانها". ظرف مشدد. سبق إصرار. اشتراك. مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قصد القتل أمر خفى. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. استخلاص توافره. موضوعي.
تقدير توافر ظرف سبق الإصرار. موضوعي.
ثبوت سبق الإصرار في حق الطاعنين. يلزم عنه ثبوت الاشتراك في حق من لم يقارف الجريمة بنفسه من المصرين عليها تضامنا في المسئولية بينهم.
مثال لتسبيب سائغ لتوافر نية القتل وظرف سبق الإصرار.
 (3)إثبات "اعتراف". دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف للإكراه". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير الاعتراف في المسائل الجنائية. وصحة ما يدعيه المتهم من انتزاعه منه بالإكراه. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع ببطلان الاعتراف للإكراه.
 (4)جريمة "أركانها". ظروف مشددة. سبق إصرار. أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". دفاع شرعي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
سبق التدبير للجريمة أو التحيل لارتكابها. ينتفى به حتما. موجب الدفاع الشرعي.
تقدير قيام أو انتفاء حالة الدفاع الشرعي. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي.
(5) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "الأسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها. غير جائز.

--------------
1 - لما كان قرار رئيس الجمهورية رقم 560 لسنة 1981 بإعلان حالة الطوارئ وأمر رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة 1981 بإحالة بعض الجرائم إلى محاكم أمن الدولة طوارئ ومنها الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر والقوانين المعدلة له، قد خلا كلاهما، كما خلا أي تشريع آخر، من النص على إفراد محاكم أمن الدولة المشكلة وفق قانون الطوارئ بالفصل وحدها - دون سواها - في جرائم القانون رقم 394 لسنة 1954 آنفة البيان، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن محاكم أمن الدولة محاكم استثنائية اختصاصها محصور في الفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، ولو كانت في الأصل مؤثمة بالقوانين المعمول بها، وكذلك الجرائم المعاقب عليها بالقانون العام وتحال إليها من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، وان الشارع لم يسلب المحاكم صاحبة الولاية العامة شيئا البته من اختصاصها الأصيل الذى اطلقته الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية الصادر به القانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل، ليشمل الفصل في الجرائم كافة - إلا ما استثنى بنص خاص - وبالتالي يشمل هذا الاختصاص الفصل في الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل، ويؤيد هذا النظر ما نصت عليه المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الأخيرة من أنه في أحوال الارتباط التي يجب فيها رفع الدعوى عن جميع الجرائم أمام محكمة واحدة اذا كانت بعض الجرائم من اختصاص المحاكم العادية وبعضها من اختصاص محاكم خاصة يكون رفع الدعوى بجميع الجرائم أمام المحاكم العادية ما لم ينص القانون على غير ذلك، لما كان ذلك، وكانت النيابة العامة - قد التزمت هذا النظر وأحالت الدعوى إلى محكمة الجنايات العادية. وتصدت تلك المحكمة للفصل فيها - وهى مختصة بذلك - فإن النعي بصدور الحكم من محكمة غير مختصة يكون غير سديد.
2 - لما كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، وان استخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطتها التقديرية، كما أنه من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج. وكان ما أورده الحكم على النحو المتقدم يكفى في استظهار نية القتل لدى الطاعنين وفى الكشف عن توافر سبق الإصرار في حقهما وهو ما يلزم عنه ثبوت الاشتراك في حق من لم يقارف الجريمة بنفسه من المصرين عليها ويرتب تضامنا في المسئولية بين الطاعنين بصرف النظر عن الفعل الذى قارفه كل منهما ومدى مساهمته في النتيجة المترتبة عليه، ومن ثم يكون منعى الطاعنين في هذا الصدد في غير محله.
3 - لما كان الاعتراف في المسائل الجنائية هو من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع، كما أن لها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها - كالشأن في الطعن المطروح - على أسباب سائغة.
4 - إن حالة الدفاع الشرعي لا تتوافر متى اثبت الحكم التدبير للجريمة بتوافر سبق الإصرار أو التحيل لارتكابها مما ينتفى به حتما موجب الدفاع الشرعي، هذا إلى أن الدفاع الشرعي ينفيه أيضا ما اثبته الحكم من أن الطاعن الأول هو الذى فاجأ المجنى عليهما بالاعتداء، وإذ كان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى ولمحكمة الموضوع الفصل فيها بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتائج التي رتبتها عليها كما هو الحال في الدعوى المطروحة فإن منعى الطاعنين على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله.
5 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يثيرا منازعة ما لدى محكمة الموضوع بشأن مكان حصول الواقعة، فليس لهما - من بعد - أن ينعيا عليها قعودها عن الرد على دفاع لم يثيراه أمامها ولا يقبل منهما التحدي بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: قتلا....... عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية وعقدا العزم في قتله واعد المتهم الأول لذلك سلاحا ناريا مششخنا (مسدس) وترصداه في المكان الذى ايقنا سلفا مروره فيه وما أن ظفر به حتى اطلق صوبه المتهم الأول عيارا ناريا قاصدا من ذلك قتله بينما وقف المتهم الثاني على مسرح الجريمة يشد من أزره فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وقد تقدمت هذه الجناية جناية أخرى هى أنهما في الزمان والمكان سالف الذكر شرعا في قتل....... عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية وعقدا العزم على قتله واعد الأول لهذا الغرض السلاح الناري سالف الذكر وترصداه في المكان الذى ايقنا سلفا مروره فيه وما أن ظفرا به حتى اطلق عليه الأول عيارا ناريا قاصدا من ذلك قتله بينما وقف الثاني على مسرح الجريمة يشد من أزره فحدثت به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه هو مداركه المجنى عليه بالعلاج. المتهم الأول: أولا: احرز بغير ترخيص سلاحا ناريا مششخنا (مسدس). ثانيا: احرز ذخيرة (طلقات) مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصا له في حيازته أو إحرازه. وأحالتهما إلى محكمة جنايات قنا لمعاقبتهما طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد 45، 46، 230، 231، 232، 234/ 2 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 6، 26/ 2 - 5، 30 من القانون رقم 354 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والبند الأول من الجدول رقم 3 المرفق مع تطبيق المادتين 32، 17 من قانون العقوبات. أولا: بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة عما اسند اليه. ثانيا: بمعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات ومصادرة السلاح المضبوط.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بجناية شروع في قتل، ودان أولهما بجريمة إحراز سلاح ناري غير مرخص به وذخائر قد شابه البطلان والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال، ذلك بأن الدعوى أحيلت من النيابة العامة إلى محكمة الجنايات العادية وتصدت تلك المحكمة للفصل فيها في حين أن المحكمة المختصة بنظرها في محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، وجاء الحكم قاصرا في استظهار نية القتل لدى الطاعنين، مكتفيا في هذا الشأن بما أورده في مقام الاستدلال على توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد، هذا إلى أن سبق الإصرار غير متوافر مما تنتفى معه مسئولية الطاعن الثاني الذى لم يكن له دور في الواقعة، وخلص الحكم إلى رفض دفاع الطاعن الأول القائم على بطلان الاعتراف المعزو إليه لكونه وليد إكراه معنوي ونفسى، ودفاع الطاعنين المؤسس على توافر احدى حالات الدفاع الشرعي، بما لا يسوغ رفضهما ويخالف صحيح القانون وأخيرا فقد نازع الطاعنان في حصول الواقعة في المكان الذى وجدت فيه جثة المجنى عليه الأول بيد أن الحكم المطعون فيه اغفل هذا الدفاع، وذلك كله مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن النيابة العامة رفعت الدعوى الجنائية ضد الطاعنين بوصف انهما في يوم 10 يونيو سنة 1986: أولا الطاعنان: قتلا........ عمدا مع سبق الإصرار والترصد......... وقد تقدمت هذه الجناية جناية أخرى هي أنهما في الزمان والمكان سالفى الذكر شرعا في قتل..... عمدا مع سبق الإصرار الترصد..... ثانيا الطاعن الأول: أ - احرز بغير ترخيص سلاحا ناريا مششخنا "مسدسا". ب: احرز ذخيرة "طلقات" مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصا له في حيازته وإحرازه. وطلبت عقابهما بالمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات والقانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل. ومحكمة جنايات قنا قضت حضوريا بتاريخ 27 مايو سنة 1989 بمعاقبة الطاعن الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة وبمعاقبة الثاني بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وبمصادرة السلاح المضبوط. لما كان ذلك، وكان قرار رئيس الجمهورية رقم 560 لسنة 1981 بإعلان حالة الطوارئ وأمر رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة 1981 بإحالة بعض الجرائم إلى محاكم أمن الدولة طوارئ ومنها الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر والقوانين المعدلة له، قد خلا كلاهما، كما خلا أى تشريع آخر، من النص على إفراد محاكم أمن الدولة المشكلة وفق قانون الطوارئ بالفصل وحدها - دون سواها - في جرائم القانون رقم 394 لسنة 1954 آنفة البيان، وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن محاكم أمن الدولة محاكم استثنائية اختصاصها محصور في الفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، ولو كانت في الأصل مؤثمة بالقوانين المعمول بها، وكذلك الجرائم المعاقب عليها بالقانون العام وتحال إليها من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، وان الشارع لم يسلب المحاكم صاحبة الولاية العامة شيئا البته من اختصاصها الأصيل الذى اطلقته الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية الصادر به القانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل، ليشمل الفصل في الجرائم كافة - إلا ما استثنى بنص خاص - وبالتالي يشمل هذا الاختصاص الفصل في الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل، ويؤيد هذا النظر ما نصت عليه المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الأخيرة من أنه في أحوال الارتباط التي يجب فيها رفع الدعوى عن جميع الجرائم أمام محكمة واحدة اذا كانت بعض الجرائم من اختصاص المحاكم العادية وبعضها من اختصاص محاكم خاصة يكون رفع الدعوى بجميع الجرائم أمام المحاكم العادية ما لم ينص القانون على غير ذلك، لما كان ذلك، وكانت النيابة العامة - قد التزمت هذا النظر وأحالت الدعوى إلى محكمة الجنايات العادية. وتصدت تلك المحكمة للفصل فيها - وهى مختصة بذلك - فإن النعي بصدور الحكم من محكمة غير مختصة يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن المجنى عليه الثاني..... كان قد اتهم بقتل شقيق الطاعن الأول سنة 1978 وقضى ببراءته. ومنذ ذلك الحين والطاعن المذكور يتحين الفرصة للثأر لشقيقه، وقد واتته هذه الفرصة يوم الحادث عند مشاهدته المجنى عليه سالف الذكر بسوق الناحية فعقد العزم على قتله وأحضر سلاحه وذخيرته من مسكنه واستعان بالطاعن الثاني لمؤازرته وتربصا بالمجنى عليه في طريق عودته إلى منزله واذا اقبل عليهما وبصحبته المجنى عليه الأول يستقلان جرارا زراعيا توقف بهما في مكان الحادث، فقد اطلق الطاعن الأول مقذوفا ناريا صوب المجنى عليه الثاني قاصدا قتله فأصابه في ذراعه الأيمن ولما حاول المجنى عليه الأول رد هذا العدوان بمطواة اشهرها في وجهه عاجله المذكور بعيار ناري أصابه في وجهه فأرداه قتيلا. وساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة لها معينها من أقوال الشهود ومعاينة مكان الحادث وتقرير الطب الشرعي واعتراف الطاعن الأول في تحقيقات النيابة وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، ثم عرض الحكم لنية القتل وظرف سبق الإصرار واستدل عليهما بالخصومة الثأرية الناجمة عن مقتل شقيق الطاعن الأول وعزمه على الثأر من المجنى عليه...... وإعداده السلاح الناري المحشو بالذخيرة وتدبره الأمر في هدوء وروية واستعانته بالطاعن الثاني ليشد من أزره، وتربصهما في الطريق الذى ايقنا عودة المجنى عليهما منه ومفاجأة المجنى عليه الثاني بإطلاق عيار ناري عليه ثم اطلاق عيار آخر على رأس المجنى عليه الأول من مسافة قريبة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، وإن استخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطتها التقديرية، كما أنه من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج. وكان ما أورده الحكم على النحو المتقدم يكفى في استظهار نية القتل لدى الطاعنين وفى الكشف عن توافر سبق الإصرار في حقهما وهو ما يلزم عنه ثبوت الاشتراك في حق من لم يقارف الجريمة بنفسه من المصريّن عليها ويرتب تضامنا في المسئولية بين الطاعنين بصرف النظر عن الفعل الذى قارفه كل منهما ومدى مساهمته في النتيجة المترتبة عليه، ومن ثم يكون منعى الطاعنين في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان اعتراف الطاعن الأول في تحقيقات النيابة لصدوره تحت تأثير الإكراه، واطرحه استنادا إلى أن ما أثير في هذا الشأن جاء مجهلا لم يبين فيه الدفاع ماهية الإكراه الذى تعرض له الطاعن، فضلا عن كونه مجرد قول مرسل خلت الأوراق مما يظاهره وكان الاعتراف في المسائل الجنائية هو من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع، كما أن لها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها - كالشأن في الطعن المطروح - على أسباب سائغة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون بدوره غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما دفع به المدافع عن الطاعنين من أنهما كانا في حالة دفاع شرعي عن النفس واطرحه بقوله "بالنسبة للدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي بالنسبة لمقتل..... فانه يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد وقع فعل إيجابي من المجنى عليه يخشى منه المتهم وقوع جريمة وان يكون المتهم قد اعتقد بوجود خطر حال على نفسه وان يكون فعل المتهم لرد العدوان هو الوسيلة الوحيدة لرده كما انه من المقرر في صحيح القانون انه متى ثبت التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار عليها أو التحيل لارتكابها انتفى حتما موجب الدفاع الشرعي الذى يفترض ردا حالا لعدوان حال دون الإعداد وأعمال الخطة لنفاذه، لما كان ذلك، وكان الثابت من ماديات الدعوى أن المتهم بعد أن اعد عدته للانتقام من المجنى عليه........ أخذا بثأر شقيقه انتظره في المكان الذى يقن عودته منه حاملا سلاحه المحشو بالذخيرة فتأهب للانقضاض عليه وما أن رآه حتى فاجأه بإطلاق النار عليه فلما أراد......... رد هذا العدوان وإيقافه شاهرا مطواه عاجله بطلق ناري أرداه قتيلا الأمر الذى يبين منه أن المتهم الأول فضلا عن تدبيره وإصراره السابق على القتل فإنه هو الذى بدأ بالعدوان على المجنى عليه........ ومن ثم يكون ما صدر عن المتهم الأول من قتل...... هو استمرار لعدوانه على المجنى عليه......... السابق إصراره على الانتقام منه وتربص له وبالتالي يكون الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي على غير أساس ويتعين القضاء برفضه". وكان هذا الذى أورده الحكم كاف وسائغ ويتفق وصحيح القانون. ذلك أن حالة الدفاع الشرعي لا تتوافر متى اثبت الحكم التدبير للجريمة بتوافر سبق الإصرار أو التحيل لارتكابها مما ينتفى به حتما موجب الدفاع الشرعي، هذا إلى أن الدفاع الشرعي ينفيه أيضا ما أثبته الحكم من أن الطاعن الأول هو الذى فاجأ المجنى عليهما بالاعتداء، وإذ كان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى ولمحكمة الموضوع الفصل فيها بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتائج التي رتبتها عليها كما هو الحال في الدعوى المطروحة فإن منعى الطاعنين على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يثيرا منازعة ما لدى محكمة الموضوع بشأن مكان حصول الواقعة، فليس لهما - من بعد - أن ينعيا عليها قعودها عن الرد على دفاع لم يثيراه أمامها ولا يقبل منهما التحدي بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك. فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق