الصفحات

الخميس، 1 يوليو 2021

دستورية إغفال قانون الخدمة المدنية ضرورة إنذار الموظف كتابة قبل إنهاء خدمته للانقطاع عن العمل 15 يومًا متتالية

الدعوى رقم 81 لسنة 41 ق "دستورية" جلسة 5 / 6 /2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من يونيه سنة 2021م، الموافق الرابع والعشرين من شوال سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 81 لسنة 41 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بدمياط، بحكمها الصادر بجلسة 28/8/2019، ملف الدعوى رقم 2652 لسنة 7 قضائية.

المقامة من

عزة محمد محفوظ حسين تقى الدين

ضد

1- وزير الصحة

2- محافظ دمياط

3- وكيل وزارة الصحة والسكان بدمياط

الإجراءات

بتاريخ الرابع والعشرين من نوفمبر سنة 2019، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 2652 لسنة 7 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بدمياط بجلسة 28/8/2019، بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية البند (5) من المادة (69) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، والمادة (176) من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017، فيما لم يتضمناه من ضرورة إنذار الموظف كتابة قبل إنهاء خدمته للانقطاع عن العمل خمسة عشر يومًا متتالية.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعية في الدعوى الموضوعية، كانت قد أقامت الدعوى رقم 2652 لسنة 7 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بدمياط، ضد وزير الصحة والسكان، وآخرين، طالبة الحكم بإلغاء القرار رقم 31 لسنة 2018، الصادر بإنهاء خدمتها. وذكرت شرحًا لدعواها أنها كانت تعمل بوظيفة إخصائية تمريض بمديرية الشئون الصحية بدمياط، وحصلت على إجازة بدون مرتب للعمل بالخارج، تتجدد سنويًّا، خلال الفترة من 1/11/2011 حتى 31/10/2017، إلا أنها فوجئت بصدور القرار المطعون فيه بإنهاء خدمتها للانقطاع عن العمل. ونعت على هذا القرار مخالفته صحيح حكم القانون، لعدم إنذارها قبل إنهاء خدمتها، الأمر الذى حدا بها إلى إقامة دعواها بطلباتها السالف بيانها. وإذ تراءى للمحكمة أن نصى البند (5) من المادة (69) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، والمادة (176) من لائحته التنفيذية، فيما لم يتضمناه من ضرورة إنذار الموظف قبل إنهاء خدمته للانقطاع عن العمل خمسة عشر يومًا متتالية، يخالفان أحكام المواد (12، 13، 14، 53، 94) من الدستور، فقد أحالت أوراق الدعوى إلى هذه المحكمة للفصل في دستوريتهما.

وحيث إن المادة (69) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، تنص على أنه " تنتهى خدمة الموظف لأحد الأسباب الآتية:
1- بلوغ سن الستين بمراعاة أحكام قانون التأمين الاجتماعي ........
2- الاستقالة.
3- الإحالة إلى المعاش أو الفصل من الخدمة.
4- فقد الجنسية، ........

5- الانقطاع عن العمل بدون إذن خمسة عشر يومًا متتالية ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يومًا التالية ما يثبت أن الانقطاع كان بعذر مقبول.

6- الانقطاع عن العمل بدون إذن ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة.

7- عدم اللياقة للخدمة صحيًا وذلك بقرار من المجلس الطبي المختص".

وتنص المادة (176) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية المشار إليه، الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017 على أنه " إذا انقطع الموظف عن عمله بدون إذن خمسة عشر يومًا متتالية، ولم يقدم خلال الخمسة عشر يومًا التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول، أو إذا انقطع الموظف عن عمله بدون إذن ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة ولو عوقب تأديبيًا عن مدد الانقطاع غير المتصل، يجب على السلطة المختصة أو من تفوضه إنهاء خدمته من تاريخ انقطاعه المتصل عن العمل، أو من اليوم التالي لاكتمال انقطاعه غير المتصل".

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة، لقيام جهة الإدارة بإنذار المدعية، فهو مردود: بأن المشرع لم يتطلب ضرورة إنذار الموظف المنقطع عن عمله بدون إذن لمدة خمسة عشر يومًا متتالية، ومن ثم فلا يكون للإجراء الذى اتخذته جهة الإدارة من أثر قانوني يُعتد به، الأمر الذى يكون معه هذا الدفع فاقدًا لسنده القانوني، حقيقًا بالرفض.

وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعية الحكم بإلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمتها للانقطاع عن العمل مدة تزيد على خمسة عشر يومًا متتالية. وكان نص البند (5) من المادة (69) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، والمادة (176) من لائحته التنفيذية هما الحاكمين لإنهاء خدمة الموظف المنقطع عن العمل بدون إذن لمدة خمسة عشر يومًا متتالية، فإن المصلحة تكون متحققة بالنسبة لهذين النصين، لما للقضاء في دستوريتهما من أثر وانعكاس على الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، وقضاء المحكمة فيها، وبهما يتحدد نطاق الدعوى المعروضة.

وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النصين المحالين في النطاق المتقدم مخالفتهما لنصوص المواد (12، 13، 14، 53، 94) من الدستور الصادر سنة 2014، على سند من أن هذين النصين فيما لم يتضمناه من ضرورة إنذار الموظف الذى ينقطع عن عمله بدون إذن أو عذر مقبول لمدة خمسة عشر يومًا متتالية كتابة قبل إنهاء خدمته، على خلاف ما كان يتضمنه قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، الملغى، وقانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، إنما يتضمن إهدارًا للحق في العمل ومخالفة لمبدأي المساواة وسيادة القانون.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحريات الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها وفى قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية تفرقة أو تمييز في مجال الالتزام بها، بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقررًا وحكمًا لازمًا لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يتعين على كل سلطة عامة، أيًّا كان شأنها وأيًّا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هي خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضعت - متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة - للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التي اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح، بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها.

وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها - منذ دستور سنة 1923 - على تقرير الحقوق والحريات العامة في صلبها قصدًا من المشرع الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيدًا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، فإذا خرج المشرع فيما يقره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، وعن الإطار الذى عينه الدستور له، بأن قيد حرية أو حقًّا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًّا، وبالمخالفة للضوابط الحاكمة له، وقع عمله التشريعي في حومة مخالفة أحكام الدستور.

وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.

وحيث إن من المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة أن النصوص القانونية التي ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.

وحيث إن الدستور قد عُنى في المادة (14) منه بكفالة حق المواطنين في شغل الوظائف العامة على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وجعل شغل الوظائف العامة تكليفًا للقائمين بها لخدمة الشعب، وناط بالدولة كفالة حقوق شاغلي الوظائف العامة وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، وحظر فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يبينها القانون.

وحيث إن حق العمل وتولى الوظائف العامة، وفقًا لنصى المادتين (12، 14) من الدستور، ليس من الرخص التي تقبضها الدولة أو تبسطها وفق إرادتها، ليتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون عنها، وإنما قرره الدستور باعتباره شرفًا لمن يلتمس الطريق إليه من المواطنين، وواجبًا عليهم أداؤه، وحقًا لا ينهدم، فلا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجبًا لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان إلى غد أفضل.

وحيث إن مبدأ استمرار المرافق العامة في أداء رسالتها يوجب على الدولة وموظفيها أن يعملوا على ضمان سيرها بانتظام واضطراد، فالموظف بقبوله للوظيفة العامة يكون قد أخضع نفسه لكل الالتزامات المترتبة على ذلك المبدأ، إذ إن لكل وظيفة حقوقها وواجباتها، فلا تقابل مزاياها بغير مسئولياتها، ولا يكون وصفها وترتيبها منفصلاً عن متطلباتها التي تكفل للمرافق التي يديرها موظفوها حيويتها واطراد تقدمها.

وحيث إن المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون الخدمة المدنية المشار إليه، بينت العلة من مغايرة الأحكام التي تضمنتها مواده، لأحكام مواد قانون العاملين المدنيين بالدولة، ممثلة في أن التجربة العملية خلال الفترة الماضية كشفت عن الحاجة الملحة لوضع إطار قانوني جديد ينظم شئون الخدمة المدنية لمواجهة التحديات الراهنة على صعيد الإصلاح الإداري، لا سيما وقد رُفعت بشأن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ملايين الدعاوى القضائية، وأصدرت المحكمة الدستورية العليا أكثر من حكم بعدم دستورية بعض أحكامه، وصدرت بشأنه آلاف الفتاوى من مجلس الدولة وآلاف الكتب الدورية من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لتفسير ما غمُض به من أحكام، وتدخل المشرع سبعَ عشرة مرة لتعديل بعض أحكامه في محاولة منه لإصلاح ما في هذا القانون من ثغرات أدت – في ظل غياب الشفافية خاصة في مجال التعيينات وغياب نظام موضوعي لتقييم أداء الموظفين، ووجود نظام أجور معقد وغير واضح وغير عادل ويرسخ للتفاوت الشديد غير المبرر في الدخول – إلى تغول البيروقراطية في الجهاز الإداري ومن ثم تدنى الخدمات المقدمة للمواطنين. ومن هذا المنطلق كانت الحاجة ماسة إلى وضع قانون للخدمة المدنية يقوم على فلسفة جديدة – مغايرة تمامًا للفلسفة القائمة – مفادها حصول المواطن على الخدمة الحكومية بأعلى جودة وبشفافية مطلقة ونزاهة تامة، فالرؤية الأساسية للإصلاح الإداري هي إيجاد جهاز إداري ذي كفاءة وفاعلية، يتسم بالشفافية والعدالة ويخضع للمساءلة، ويُعنى برضا المواطن ويحقق الأهداف التنموية للبلاد، مستندًا إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة كأساس لنظام العمل.

وحيث إن المشرع في قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 قد راعى في تحديده للقواعد الحاكمة للإجازات التي يحصل عليها الموظف، بأجر أو بدون أجر، والحقوق الناشئة عنها، والالتزامات والواجبات المترتبة عليها، تحقيق التوازن بين حق الموظف في الحصول على الإجازات، التي قررها له القانون، واعتبارات المصلحة العامة، بحسبان الوظائف العامة طبقًا لنص المادة (14) من الدستور، تكليفًا للقائمين بها لخدمة الشعب ورعاية مصالحه، لذلك احتفظ المشرع للموظف بالحق في الحصول على إجازة بأجر كامل عن أيام عطلات الأعياد والمناسبات الرسمية، والإجازات المرضية، وزيارة الأماكن المقدسة، وإجازة الوضع للموظفة، وإجازة لمخالطة المريض، وإجازة لإصابات العمل، وإجازة للموظف المقيد بإحدى الكليات أو المعاهد أو المدارس طوال أيام الامتحانات، فضلاً عن إلزام الجهة الإدارية بمنح الموظف إجازة بدون أجر لمرافقة الزوج المرخص له بالعمل في الخارج، وإجازة للموظفة لرعاية طفلها لمدة عامين في المرة الواحدة، لثلاث مرات طوال الحياة الوظيفية ، وأخيرًا قرر المشرع الترخيص للجهة الإدارية في منح الموظف إجازة بدون أجر للأسباب التي يبديها وتقدرها السلطة المختصة وفقًا لحاجة العمل.

وحيث إن البين من استعراض نصى البند رقم (5) من المادة (69) من قانون الخدمة المدنية، والمادة (176) من لائحته التنفيذية المشار إليهما، أن المشرع قد التزم فيهما نطاق الدائرة التي يجيز فيها الدستور للمشرع أن يباشر سلطته التقديرية لمواجهة مقتضيات الواقع ومتطلباته، وهي الدائرة التي تقع بين حدي الوجوب والنهى الدستوريين، وأن الاختلاف بين الأحكام التي أتى بها كل من النصين المحالين، عن تلك التي كان يتضمنها قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، بما في ذلك استبعاد إنذار الموظف المنقطع عن عمله لمدة خمسة عشر يومًا متتالية، إنما جاء تعبيرًا عن تغير الواقع عبر مراحله الزمنية المختلفة، ومواجهة متطلباته الحالة، دون إهدار للضمانات الأساسية التي كفلها الدستور لحماية حقوق الموظفين، ومراعيًا في ذلك تحقيق التوازن بين مصالح أطراف العلاقة القانونية التي كفلتها المادة (27) من الدستور، فحرص التنظيم الذى سنه المشرع وضمنه كلاًّ من النصين المشار إليهما على تحقيق التوازن بين الحق في الوظيفة العامة كحق شخصي للمواطن، وما يرتبط به من حقوق قررها له الدستور في المادتين (12، 14) منه، وبين واجب الموظف في خدمة الشعب ورعاية مصالحه، بحسبان الوظيفة العامة طبقًا لنص المادة (14) من الدستور، تكليفًا للقائمين عليها لخدمة الشعب، ومن أجل ذلك حدد المشرع في النصين التشريعيين المحالين، ضوابط إنهاء خدمة الموظف المنقطع عن العمل، بأن تكون مدة انقطاعه خمسة عشر يومًا متتالية، وأن يكون هذا الانقطاع بغير إذن من جهة العمل، ومضى خمسة عشر يومًا تالية لمدة الانقطاع دون أن يقدم الموظف خلالها ما يثبت أن انقطاعه عن العمل كان بعذر تقبله جهة العمل، بحيث لا يجوز إنهاء خدمته إلا بعد انقضاء تلك المدتين الزمانيتين. ومن ناحية أخرى، ترك المشرع الأعذار القانونية المبررة للانقطاع عن العمل دون تحديد ماهيتها، فأوردها في عبارة عامة مطلقة، لتحكمها القواعد العامة، ليبقى دومًا تقدير السلطة المختصة لها وقبولها، وآثارها على العلاقة الوظيفية، ومدى التزامها حدود الضوابط القانونية الحاكمة للانقطاع عن العمل كسبب لإنهاء الخدمة، خاضعًا لتقدير القاضي الطبيعي، بوصفه الضمانة الأساسية لحماية الحقوق والحريات التي كفلها الدستور طبقًا لنصى المادتين (94، 97) منه، ليضحى النعي على النصين المشار إليهما مخالفة نصوص المواد (12، 13، 14) في غير محله حريًّا بالرفض.

وحيث إن الاختلاف بين الأحكام التشريعية التي تضمنها قانون الخدمة المدنية عن تلك التي كانت في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، قبل إلغائه، في نطاق الدعوى المعروضة، كانت غايته الاستجابة لمقتضيات الحال، وتغير الواقع عبر المراحل الزمنية المختلفة، وهو ما لا يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة، الذى يستقى – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أهم مقوماته من وحدة المرحلة الزمنية التي يطبق خلالها النص القانوني المطروح على المحكمة للفصل في دستوريته، فإذا تباينت النصوص التشريعية في معالجتها لموضوع واحد – كما هو الشأن في الحالة المعروضة – وكان كل منها قد طُبق في مرحلة زمنية مختلفة، فإن ذلك لا يُشكل بذاته إخلالاً بمبدأ المساواة، وإلا تحول هذا المبدأ من ضابط لتحقيق العدالة، إلى سد حائل دون التطور التشريعي، هذا فضلاً عن أن التنظيم الذى تضمنه كل من النصين المحالين، باعتبارهما الوسيلة التي اختارها المشرع، وقدر مناسبتها لمواكبة التطور الذى سعى إلى تحقيقه بالنسبة للوظيفة العامة والموظف العام، إنما يُعد مدخلاً حقيقيًا لبلوغ الغايات والأهداف التي حددها لذلك، والكافلة لتحقيقها، تتوافق مع طبيعة وجوهر العلاقة التنظيمية التي تحكم علاقة الموظف بالوظيفة العامة، وارتباط تلك الوظيفة الوثيق بالمصلحة العامة، ليضحى التنظيم المشار إليه، الذى يختلف عن ذلك الذى يتضمنه قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا يتعارض مع مبدأ المساواة الذى كفله الدستور في المادتين (4، 53) منه، ولا يُعد خروجًا على مبدأ سيادة القانون الذى اعتبره الدستور في المادة (94) أساسًا للحكم في الدولة، ولا يتضمن كذلك انتقاصًا من عناصر أو محتوى أي من الحقوق المتقدمة على نحو ينال من جوهرها وأصلها، وهو ما حظره الدستور بنص المادة (92).

وحيث إن النصين المحالين - في حدود النطاق المتقدم - لا يخالفان أي نص آخر في الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق