الصفحات

الاثنين، 31 مايو 2021

الطعن 507 لسنة 9 ق جلسة 17 / 4 / 1939 مج عمر ج 4 ق 376 ص 526

جلسة 17 إبريل سنة 1939

برياسة سعادة مصطفى محمد باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك ومحمود المرجوشي باشا ومحمد كامل الرشيدي بك وسيد مصطفى بك المستشارين.

---------------

(376)
القضية رقم 507 سنة 9 القضائية

إثبات. يمين متممة.

حلفها كذباً. الواقعة التي جرى عليها الاستحلاف. مبلغ يزيد على العشرة الجنيهات. إثبات كذب اليمين بشهادة الشهود. لا يجوز. مثال. تجزئة أقوال المتهم. متى يجوز؟
(المادة 260 ع = 301)

---------------
إذا اتهم شخص بأنه وجهت إليه اليمين المتممة من المحكمة المدنية فحلفها كذباً بأن أقسم أن له في ذمة خصمه عشرين جنيهاً، فتمسك أثناء محاكمته بعدم جواز إثبات كذب هذه اليمين بالبينة لأن الدين موضوع الحلف يزيد على النصاب القانوني الجائز إثباته بشهادة الشهود، فلم تأخذ المحكمة بهذا الدفع ورفضته استناداً إلى ما تضمنته أقواله في التحقيق من أنه قبض من خصمه مبلغ الخمسين جنيهاً الذي كان قد أقرضه إياه، وإلى أن ما جاء في أقواله تعليلاً لحقيقة التعاقد بينه وبين خصمه من أن هذا الأخير كان قد التزم أن يبيعه في مقابل هذا المبلغ خمسين أردباً من القمح وأن العشرين جنيهاً التي طالبه بها هي الفرق بين الخمسين جنيهاً التي قبضها وبين ثمن القمح الذي لم يقم بتوريده في الوقت المتفق عليه - ما جاء في أقواله من ذلك منفصل عن واقعة الخمسين جنيهاً انفصالاً يصح معه تجزئة أقواله ومحاسبته على مقتضى الشق الأوّل منها، وهو أنه دفع إلى خصمه خمسين جنيهاً وقبض منه خمسين، الأمر الذي تثبت به براءة ذمته، فإن المحكمة برفضها هذا الدفع على هذا الأساس تكون قد أخطأت في الاستشهاد على المتهم بأقواله، لأن هذه الأقوال على الصورة التي ذكرها الحكم متماسكة الأجزاء مرتبطة بعضها ببعض ومتعلقة - من جهة حقيقة أصل الدين - بوقائع متقارنة ومتعاصرة مما ينتفي معه القول بأن من صدرت عنه قصد منها التسليم بالواقعة الأولى كما صوّرها الحكم. إذ هذه الأقوال ليس فيها تسليم من جانب قائلها بأن الخمسين جنيهاً كانت ديناً عادياً له على خصمه لا ثمناً للقمح المتعاقد عليه؛ وإذاً فما كان يحق للمحكمة - وهي مقيدة في هذه الحالة باتباع القواعد المدنية للإثبات - أن تجزئ أقوال المتهم وتأخذ من بعضها دليلاً عليه وتهدر الباقي رغم ما في مجموع هذه الأقوال من تماسك يحدّد معناها ويكشف عن قصد قائلها في كلياتها وجزئياتها. ولا يغني عن خطأ المحكمة في ذلك ما لمحكمة الموضوع من الحق في أن تتخذ من مجموع الأقوال التي تصدر في التحقيقات من المدّعى عليه، بالرغم من عدم جواز تجزئتها، مبدأ دليل بالكتابة يسوّغ الإثبات بالبينة في الأحوال التي لا يجوز فيها ذلك، لأنها لم تبن حكمها على هذا الأساس من جهة ولأنها من جهة أخرى قد اكتفت في ثبوت إدانة المتهم بأقواله التي سلف ذكرها دون غيرها.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن في الأوجه المقدّمة منه على الحكم المطعون فيه أنه أدانه على اعتبار أن اليمين التي حلفها كاذبة مع أن هذه اليمين صحيحة، وما كان يحق للمحكمة أن تعتمد في القول بكذبها على شهادة شهود وقرائن لا يعتد القانون بها لأنه لا يجيز إثبات الواقعة التي جرى الاستحلاف عليها بالبينة. ويرتب الطاعن على ما تقدّم أن المحكمة إذ فعلت ذلك تكون قد خرجت على القواعد التي وضعها القانون للإثبات فأخطأت خطأ يعيب حكمها بما يوجب نقضه.
وحيث إن واقعة الحال في هذه الدعوى - حسب الثابت بالحكم المطعون فيه - هي أن المدّعي بالحق المدني رفع دعوى مباشرة على الطاعن أمام محكمة الجنح متهماً إياه بأنه في يوم 20 ديسمبر سنة 1936 بمحكمة مغاغة وجهت إليه اليمين من المحكمة فحلفها كذباً بأن أقسم كذباً بأن له في ذمة علي أفندي شفيق (المدعي المدني) مبلغ عشرين جنيهاً موضوع الدعوى المدنية رقم 202 سنة 1937، وقد نظرت الدعوى وقضي على المتهم بالعقوبة وبالتعويض للمدّعي بالحق المدني. وقد تمسك الطاعن أمام المحكمة الاستئنافية بعدم جواز إثبات كذب اليمين التي حلفها بالبينة لأن الدين موضوع الحلف يزيد على النصاب القانوني الجائز إثباته بشهادة الشهود فلم تأخذ المحكمة بهذا الدفع ورفضته استناداً إلى ما ذكرته من "أنه لا خلاف على صحة الأساس الذي بني عليه الدفع إلا أنه لا محل للأخذ به في الدعوى لاعتراف المتهم (الطاعن) صراحة بأنه استلم الخمسين جنيهاً وقد شفع اعترافه بواقعة أخرى مستقلة عن الواقعة التي اعترف بها قائلاً إنه تعاقد مع المدّعي المدني على أن يبيعه هذا الأخير خمسين أردباً من القمح تعهد بتوريدها في ميعاد اتفق عليه، فلما تأخر استحق له في ذمته مقابل الثمن الذي كان يحصل عليه فيما لو قام المدّعي بتنفيذ تعهده. وهذه الواقعة منفصلة عن موضوع اليمين التي وجهت إليه على أساس ما جاء في صحيفة دعواه، وفيها أنه يطالب بعشرين جنيهاً باقية من مبلغ خمسين جنيهاً اقترضه منه المدعي المدني وصرفه بشيك تحرر لإذنه. وما دامت الواقعتان منفصلتين عن بعضهما فمن الجائز قانوناً تجزئة الاعتراف والأخذ بجزء منه دون الآخر". ثم عرض الحكم للموضوع فقال "إن الحكم المستأنف في محله من حيث ثبوت التهمة. أما من حيث العقوبة فإن عقوبة الحبس محتمة طبقاً للمادة 260 من قانون العقوبات القديم، ولذا وجب تعديل الحكم والقضاء على المتهم بعقوبة الحبس".
وحيث إنه مع تسليم الحكم المطعون فيه بأن الواقعة التي جرى عليها الاستحلاف لا يصح - بحسب الأصل - إثباتها بغير الكتابة أجاز الإثبات فيها بغير هذا الدليل استناداً إلى ما تضمنته أقوال الطاعن في التحقيق من أنه قبض من المدعي بالحق المدني مبلغ الخمسين جنيهاً الذي كان قد أقرضه إياه، وإلى أن ما جاء في أقوال الطاعن تعليلاً لحقيقة التعاقد بينه وبين المدعي بالحق المدني من أن هذا الأخير كان قد التزم أن يبيع الطاعن في مقابل هذا المبلغ خمسين أردباً من القمح وأن العشرين جنيهاً التي رفعت بها الدعوى المدنية هي الفرق بين الخمسين جنيهاً التي قبضها وبين ثمن القمح الذي لم يقم بتوريده في الوقت المتفق عليه - ما جاء في أقوال الطاعن من هذا التعليل منفصل عن واقعة الخمسين جنيهاً انفصالاً يصح معه قانوناً تجزئة أقوال الطاعن ومحاسبته على مقتضى الشق الأول منها وهو أنه دفع إلى المدعي خمسين جنيهاً وقبض منه خمسين جنيهاً - الأمر الذي تثبت به براءة ذمة المدعي بالحق المدني.
وحيث إن أقوال الطاعن على الصورة التي ذكرها الحكم جاءت متماسكة الأجزاء مرتبطة بعضها ببعض، ومتعلقة - من جهة حقيقة أصل الدين - بوقائع متقارنة ومتعاصرة مما ينتفي معه القول بأن من صدرت عنه قصد منها التسليم بالواقعة الأولى كما صوّرها الحكم، إذ هذه الأقوال ليس فيها تسليم من جانب قائلها بأن الخمسين جنيهاً كانت ديناً عادياً على المدعي بالحق المدني لا ثمناً للقمح المقول بحصول التعاقد عليه. فما كان يحق للمحكمة، وهي مقيدة في هذه الحالة باتباع القواعد المدنية للإثبات، أن تجزئ أقوال الطاعن وتأخذ من بعضها دليلاً عليه وتهدر الباقي رغم ما في مجموع هذه الأقوال من تماسك يحدّد معناها ويكشف عن قصد قائلها في كلياتها وجزئياتها.
وحيث إنه وقد تبين خطأ الحكم في الاستشهاد على الطاعن بأقواله على النحو المتقدّم يكون هذا الحكم معيباً متعيناً نقضه لاعتماده على ما لا يجوز الاعتماد عليه قانوناً. ولا يغني عن ذلك ما لمحكمة الموضوع من الحق في أن تتخذ من مجموع الأقوال التي تصدر في التحقيقات من المدعى عليه، بالرغم من عدم جواز تجزئتها، مبدأ دليل بالكتابة يسوغ الإثبات بالبينة في الأحوال التي لا يجوز فيها ذلك. لأن الحكم المطعون فيه لم يبن على هذا الأساس من جهة، ولأنه من جهة أخرى قد اكتفى في ثبوت إدانة الطاعن بأقواله التي سلف ذكرها، ولم يتخذ الأسباب التي أوردها الحكم الابتدائي أساساً له. فهو من هذه الناحية خال من بيان الأسباب المؤدّية للإدانة.
وحيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة الموضوع للفصل فيها ثانية من دائرة استئنافية أخرى. وذلك من غير حاجة للبحث في باقي ما ورد في أوجه الطعن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق