الصفحات

السبت، 29 مايو 2021

الطعن 1760 لسنة 35 ق جلسة 6/ 12/ 1965 مكتب فني 16 ج 3 ق 176 ص 916

جلسة 6 من ديسمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار مصطفى رضوان، ومحمد محمد محفوظ، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح.

-----------------

(176)
الطعن رقم 1760 لسنة 35 القضائية

(أ) ارتباط. نقض. "حالات الطعن بالنقض. الخطأ في تطبيق القانون". "سلطة محكمة النقض". تبديد. سلاح.
تقدير توافر الشروط المقررة في المادة 32 عقوبات أو عدم توافرها. موضوعي. كون الوقائع - كما أثبتها الحكم - تستوجب إعمال حكم تلك المادة. عدم تطبيقها يعتبر من الأخطاء التي تقتضى تدخل محكمة النقض. مثال بين جريمتي تبديد وتسليم سلاح.
(ب) إثبات. "إقرار". "إقرار غير قضائي".
الإقرار المنسوب إلى الطاعن في تحقيقات شكوى إدارية. طبيعته: إقرار غير قضائي. خضوعه من حيث قوته التدليلية لتقرير قاضى الموضوع.
(ج) إثبات. "قرينة". "قرينة بسيطة".
قرينة الحيازة في المنقول سند الملكية. قرينة بسيطة. جواز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة وقرائن الأحوال. مثال
(د) دفوع. "الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة". نظام عام.
الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة. دفع جوهري وان كان لا يتعلق بالنظام العام. على المحكمة أن تتعرض له وترد عليه ما دام أن الدفاع قد تمسك به قبل البدء في سماع أقوال الشهود. سكوت المتهم أو المدافع عنه عن التمسك به قبل الاستماع لأقوال الشهود. سقوط حقه في الدفع به.

--------------
1 - من المقرر أنه وإن كان تقدير توافر الشروط المقررة في المادة 32 من قانون العقوبات أو عدم توافرها أمرا داخلا في سلطة قاضى الموضوع، له أن يقرر فيه ما يراه استنادا إلى الأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه، إلا أنه متى كانت واقعة الدعوى - كما أثبتها الحكم المطعون فيه - تستوجب إعمال حكم تلك المادة فان عدم تطبيقها يكون من الأخطاء التي تقتضى تدخل محكمة النقض لتطبيق القانون على وجهه الصحيح استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه من بيان لواقعة الدعوى يتحقق به معنى الارتباط الوارد في الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات إذ أن عبارة الحكم تفيد أن جريمتي التبديد وتسليم السلاح في صورة الدعوى قد انتظمهما فكر جنائي واحد وجمعت بينهما وحدة الغرض فشكلت منهما وحدة قانونية لها أثرها في توقيع العقاب على مرتكبهما وهو ما كان يقتضى إعمال أحكام تلك المادة واعتبار الجريمتين جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما وهي جريمة التبديد. ولما كان الحكم قد قضى بعقوبة مستقلة عن كل تهمة من التهمتين المسندتين إلى الطاعن فانه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ولما كان تصحيح هذا الخطأ لا يخضع لأى تقرير موضوعي بعد أن قالت محكمة الموضوع كلمتها من حيث ثبوت إسناد الواقعتين اللتين دانت الطاعن بهما فانه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا وتصحيحه والاكتفاء بالعقوبة التي قضى بها الحكم عن جريمة التبديد باعتبارها الجريمة الأشد ومعاقبة الطاعن بها وحدها عن الجريمتين عملا بأحكام المادة 32 عقوبات.
2 - الإقرار المنسوب إلى الطاعن في تحقيقات شكوى إدارية يعتبر إقرارا غير قضائي يخضع من حيث قوته التدليلية لتقرير قاضى الموضوع الذى له أن يتخذ منه - متى اطمأن إليه - حجة في الإثبات، كما أن له أن يجرده من هذه الحجية دون أن يخضع في شيء من ذلك لرقابة محكمة النقض متى كان تقديره سائغا.
3 - قرينة الحيازة في المنقول سند الملكية قرينة بسيطة يجوز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة وقرائن الأحوال. ولما كان الحكم المطعون فيه قد رد على ما دفع به الطاعن في هذا الشأن واعتبر أن حيازته للبندقية لا تتولد عنها تلك القرينة لأنه إنما كان يحوزها مجرد حيازة مادية بصفته خفيرا خصوصيا لدى مالكها المجنى عليه ودلل على ذلك بأسباب سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها استمدها من أقوال المجنى عليه وأوراق ترخيص السلاح وما استظهرته المحكمة من تحقيقات شكوى إدارية فانه لا يكون ثمة محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص.
4 - من المقرر أن الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة وإن كان لا يتعلق بالنظام العام إلا أنه من الدفوع الجوهرية التي يجب على محكمة الموضوع أن تعرض له وترد عليه ما دام أن الدفاع قد تمسك به قبل البدء في سماع أقوال الشهود وأنه إذا لم يتمسك المتهم أو المدافع عنه بذلك الدفع قبل الاستماع لأقوال الشهود فان حقه في الدفع به يسقط على اعتبار أن سكوته عن الاعتراض على سماع الشهود بغير نزوله عن حقه المستمد من القواعد المقررة للإثبات في المواد المدنية التي هي قواعد مقررة لمصلحة الخصوم وليست من النظام العام. ولما كان يبين من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يعترض على سماع أقوال المجنى عليه في جنحة التبديد ولم يدفع قبل سماعه بعدم جواز الإثبات بالبينة ولم يرد الدفع بذلك إلا في مرافعة الدفاع عنه مما يفيد أنه قد نزل ابتداء عن التمسك بوجوب الإثبات بالكتابة ويمتنع عليه به العدول عن هذا التنازل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في يوم 25 من مارس سنة 1963 بدائرة مركز ديروط محافظة أسيوط: (الأول): أحرز بغير ترخيص سلاحا ناريا غير مششخن بندقية (والثاني) "الطاعن": (أولا): سلم سلاحه المرخص له بحمله آنف الذكر للمتهم الأول دون حصوله على ترخيص بحمله (ثانيا): بدد البندقية المبينة الوصف والقيمة بالمحضر سالف الذكر لعلي سليم عبد الله وكانت قد سلمت إليه لحراسة زراعة المجنى عليه فاختلسها لنفسه إضرارا بهذا الأخير. وطلبت عقابهما الأول بالمواد 1 و26/ 1 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والجدول رقم 2 المرافق والثاني بالمواد 1 و3 و29 من القانون سالف الذكر والمادة 341 من قانون العقوبات. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا بتاريخ 20 من أبريل سنة 1965 عملا بالمادتين 1 و26/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون 546 لسنة 1954 والجدول رقم 2 الملحق به مع تطبيق المواد 17 و55 و56 من قانون العقوبات وذلك بالنسبة إلى المتهم الأول والمواد 1 و3 و29 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والمادة 341 من قانون العقوبات وذلك بالنسبة للمتهم الثاني "الطاعن" (أولا) بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور وغرامة مائة قرش وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس فقط لمدة ثلاث سنوات (ثانيا) بمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة شهور عن التهمة الأولى وبثلاثة شهور عن التهمة الثانية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي تبديد سلاح ناري وتسليمه لآخر غير مرخص له بحمله قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن دفاع الطاعن قد بنى على أن البندقية التي نسب إليه اختلاسها مملوكة له وكانت في حيازته حيازة تعتبر سندا لملكيته وأنه لا يجوز نفى تلك القرينة المستفادة من الحيازة إلا باللجوء لقواعد الإثبات المدنية وهي لا تجيز إثبات ملكية البندقية البالغ ثمنها سبعة وعشرون جنيها بالبينة وعلى الرغم من ذلك فإن الحكم المطعون فيه اعتمد في التدليل على ملكية المجنى عليه للبندقية على غير الكتابة واستند في ذلك إلى أدلة ليس من شأنها أن تؤدى إلى ذلك الذي انتهى إليه، مطرحا الإقرار الصادر منه في الشكوى رقم 830 سنة 1963 إداري ديروط بأن تلك البندقية مملوكة للطاعن مؤسسا ذلك على مجرد إنكاره صدور هذا الإقرار منه، وهو ما يخالف قواعد الإثبات المقررة في القانون المدني ويجعل الحكم وقد دانه في جريمة التبديد موضوع التهمة الثانية المسندة إليه مخطئا في تطبيق القانون خطأ من شأنه التأثير في تكوين عقيدة المحكمة وهي بصدد الفصل في التهمة الأولى الموجهة إليه والتي ليس عليها من دليل سوى بعض القرائن القضائية التي تنهار بانهيار جريمة التبديد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله إنها "تتحصل في أنه أثناء مرور الملازم أول عبد الفتاح السيد مرسى ضابط مباحث مركز ديروط بزمام بلدة المحمودية مركز ديروط محافظة أسيوط وذلك في يوم 25/ 3/ 1963 وبرفقته الشرطي السرى عبد الغنى أحمد حسين إذ أبصر المتهم الأول عبد الرحمن حسن عبد الرحمن حاملا بندقية بحالة ظاهرة ولما حاول الهرب تمكن من ضبطه بها بمعاونة الشرطي السالف الذكر وقد تبين أن هذه البندقية مملوكة لمن يدعى علي سليم عبد الله الذي قدم إلى المركز أوراق ترخيصها إلى المتهم الثاني عبد الوهاب درويش حسن (الطاعن) لحراسة زراعته البالغ مساحتها 31 فدانا و9 قراريط و10 أسهم وحصل له على ترخيص بذلك ثم تسلمها الأخير على سبيل الأمانة لاستخدامها في هذا الغرض ولما أراد صاحبها الاستغناء عنه وأخطر المركز بذلك في 2/ 3/ 1963 وطلب سحب البندقية منه وإيداعها مخزن المركز حتى يعين خفيرا آخر بدلا منه زعم المتهم الأخير أن هذه البندقية قد فقدت منه بأن سقطت منه في البحر اليوسفى بعد أن قام بإخفائها لدى صهره المتهم الأول الذى ضبط بها مبددا إياها إضرارا بمالكها وقد تبين أن هذه البندقية غير مششخنة الماسورة وصالحة للاستعمال". واستند الحكم في التدليل على ثبوت الواقعة بالصورة المتقدمة إلى أقوال كل من الملازم أول عبد الفتاح السيد مرسى والشرطي عبد الغنى أحمد حسين وعلى سليم عبد الله وإلى تقرير فحص السلاح بمعرفة الطبيب الشرعي وبعد أن أورد مؤدى كل دليل على هذه الأدلة عرض لدفاع الطاعن ورد عليه في قوله "وحيث إن المتهم الثاني (الطاعن) زعم أن هذه البندقية ملكه هو دون الشاهد السابق وادعى أن والده اشتراها له وأنه قام بترخيصها لنفسه ثم فقدت منه بأن سقطت في البحر اليوسفى وهو يجتازه في إحدى "المعديات" ولم يكن معه أحد وقتذاك فأبلغ بفقدها في اليوم التالي أى في 2/ 3/ 1963. وحيث إنه قد تحرر عن هذه الواقعة المحضر الإداري رقم 830 لسنة 1963 ديروط وقد ثبت منه أيضا أن مالك البندقية علي سليم عبد الله قد أبلغ المركز كتابة في ذات التاريخ أى في يوم 2/ 3/ 1963 برغبته في الاستغناء عن خدمة المتهم الثاني الذى يعمل خفيرا لحراسة زراعته لوجود بديل عنه، وطلب في أقواله في هذا المحضر إلغاء الرخصة لهذا الخفير وإيداع البندقية مخزن المركز، وفي هذا المحضر أيضا ادعى المتهم المذكور أن هذه البندقية ملكه وحيث إنه بالاطلاع على أوراق الترخيص تبين أن البندقية تحمل رقم 3273 وهي من عيار 16 خرطوش وأن هذه الأوصاف مطابقة لأوصاف البندقية المضبوطة، كما ثبت من هذه الأوراق ما يقطع في الدلالة على ملكية علي سليم عبد الله لها منذ 1953 حتى الآن حيث كانت مرخصة باسم أخ المتهم الثاني كخفير لديه ثم فصله وطلب الترخيص له بحملها لأخيه المتهم الثاني؛ وكان يتقدم في كل عام بطلب تجديد هذا الترخيص له حتى تقدم أخيرا بطلب إلغاء الترخيص وإيداع البندقية بمخزن المركز حتى يعين بدلا عنه مما يدحض ادعاء المتهم المذكور بملكيته لهذه البندقية، كما أن في إبلاغه بفقدها في ذات التاريخ الذى أبلغ فيه مالكها المركز بسحب الترخيص منه ما يدل على أنه عمد إلى هذا الادعاء نكاية بمخدومه عندما أحس بأنه بسبيل فصله عن عمله، وفي ضبط هذه البندقية ذاتها بعد ذلك بأيام مع المتهم الأول وهو يمت بصلة مصاهرة وثيقة بالمتهم الثاني أقربها في التحقيقات، ما يفيد أنه سلمها إليه منتويا اختلاسها إضرارا بمالكها وكانت قد سلمت إليه على سبيل الأمانة. وحيث إن ما جاء في محضر الشكوى 830 لسنة 1963 ديروط منسوبا إلى علي سليم عبد الله مالك البندقية ردا على سؤال وجه إليه من المحقق من أن السلاح المرخص به للخفير "أي المتهم الثاني" هو ملك له واستند الدفاع إلى هذه العبارة في ثبوت ملكية البندقية إلى هذا المتهم فإن هذه العبارة قد جحد هو أنها صدرت منه وأصر في تحقيقات النيابة بالجلسة على أنه مالك البندقية دون المذكور، وقرائن الحال وسياق التحقيق وأوراق الترخيص المنضمة إلى الأوراق تساعد على صحة ذلك من أن البندقية ملكه هو بدليل أنه يقرر في ذلك المحضر وقبيل هذه الإجابة مباشرة أنه استغنى عن خدمات هذا المتهم وأنه وجد بديلا عنه أفضل منه وأنه يطلب إلغاء الترخيص الصادر له وإلغاء رخصته وإيداع البندقية في مخزن المركز وقد ردد هذا القول في بلاغه المؤرخ 2/ 3/ 1963 الذى يطلب فيه سحب السلاح من الخفير "المتهم الثاني" وإيداعه المخزن لحين تعيين خفير آخر بدلا منه وتاريخ بلاغه هذا كان في ذات اليوم الذى زعم فيه هذا المتهم أن البندقية قد فقدت منه حتى يفوت على مالكها سحبها منه وقد زعم في شكواه أن فقدها كان في اليوم السابق على هذا الإبلاغ ولو صح هذا الزعم لأبلغ بذلك في اليوم ذاته، كما لم يشر في أقواله أنه يعمل خفيرا لدى علي سليم عبد الله رغم أن الثابت في الرخصة أنها لغفارة زراعة الأخير. وحيث إن الدفاع عن المتهم دفع أيضا بأن حيازة المتهم الثاني للبندقية قرينة على ملكيته لها، كما أن قيمتها نحو 27 جنيها بإقرار علي سليم عبد الله بأنه أعطى هذا المبلغ في سنة 1953 لوالد المتهم لشرائها لحسابه كي يرخصها لابنه ليعمل خفيرا لديه ومن ثم فلا يجوز إثبات عكس ذلك إلا بالكتابة، هذا الدفاع مردود أيضا بأن استلام المتهم لهذه البندقية كان بسبب وظيفته كخفير خصوصي لدى مالكها، فضلا عن أن الحيازة المعنوية للأخير وملكيته لها ثابتة من أوراق التلخيص رقم 42 مسلسل بأنوب الجمل مركز ديروط وقد كان المالك حريصا في كل عام منذ تاريخ الترخيص على طلب تجديده للمتهم، بل ليس أدل على هذه الملكية مما ثبت مؤشرا به على الشكوى المقدمة منه في 12/ 1/ 1955 إلى المركز والمرفقة بملف الترخيص المشار إليه التي يبدى فيها عدم رغبته في تجديد الترخيص الصادر للمتهم المذكور لسوء سلوكه ويطلب إلغاءه وعدم تسليمه البندقية ويشير فيها إلى أن هذه البندقية خاصة به وأنها مودعة في المركز وقد أدى مضمون هذه الأقوال في المحضر المؤرخ 20/ 1/ 1955 الذى أشر عليه السيد مأمور المركز إلى الملازم أحمد وفائي لسرعة سحب السلاح وإيداعه المخزن على ذمة المالك لحين تعيين البدل........." لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة وإن كان لا يتعلق بالنظام العام إلا أنه من الدفوع الجوهرية التي يجب على محكمة الموضوع أن تعرض له وترد عليه ما دام أن الدفاع قد تمسك به قبل البدء في سماع أقوال الشهود وأنه إذا لم يتمسك المتهم أو المدافع عنه بذلك الدفع قبل الاستماع لأقوال الشهود فإن حقه في الدفع به يسقط على اعتبار أن سكوته عن الاعتراض على سماع الشهود يفيد نزوله عن حقه المستمد من القواعد المقررة للإثبات في المواد المدنية التي هي قواعد مقررة لمصلحة الخصوم وليست من النظام العام. ولما كان يبين من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يعترض على سماع أقوال المجنى عليه في جنحة التبديد ولم يدفع قبل سماعه بعدم جواز الإثبات بالبينة ولم يرد الدفع بذلك إلا في مرافعة الدفاع عنه مما يفيد أنه قد نزل ابتداء عن التمسك بوجوب الإثبات بالكتابة ويمتنع عليه بعدئذ العدول عن هذا التنازل ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، وكان قرينة الحيازة في المنقول سند الملكية إنما هي قرينة بسيطة يجوز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات بما فيه البينة وقرائن الأحوال وكان الحكم المطعون فيه قد رد على ما دفع به الطاعن في هذا الشأن واعتبر أن حيازته للبندقية لا تتولد عنها تلك القرينة لأنه إنما كان يحوزها مجرد حيازة مادية بصفته خفيرا خصوصيا لدى مالكها المجنى عليه ودلل على ذلك بأسباب سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها استمدها من أقوال المجنى عليه وأوراق ترخيص السلاح وما استظهرته المحكمة من تحقيقات الشكوى رقم 830 لسنة 1963 ديروط بالتفصيل البادي فيما تقدم، فإنه لا يكون ثمة محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص. لما كان ما تقدم، وكان الإقرار المنسوب إلى الطاعن في تحقيقات الشكوى المذكورة يعتبر إقرارا غير قضائي يخضع من حيث قوته التدليلية لتقدير قاضى الموضوع الذى له أن يتخذ منه - متى اطمأن إليه - حجة في الإثبات كما أن له أن يجرده من هذه الحجية دون أن يخضع في شيء من ذلك لرقابة محكمة النقض متى كان تقديره سائغا وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره. لما كان ذلك، وكان باقي ما يثيره الطاعن من منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التي تمت فيها لا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي خيانة الأمانة وتسليم السلاح لآخر غير مرخص له بحمله اللتين دين الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه عليها فإن ما يثيره الطاعن في طعنه برمته لا يكون مقبولا.

وحيث إنه لما كان ما تقدم جميعه، وكان من المقرر أنه وإن كان تقدير توافر الشروط المقررة في المادة 32 من قانون العقوبات أو عدم توافرها أمرا داخلا في سلطة قاضى الموضوع، له أن يقرر فيه ما يراه استنادا إلى الأسباب التي من شأنها أن تؤدى إلى ما انتهى إليه، إلا أنه متى كانت واقعة الدعوى - كما أثبتها الحكم المطعون فيه - تستوجب إعمال حكم تلك المادة فإن عدم تطبيقها يكون من الأخطاء التي تقتضى تدخل محكمة النقض بتطبيق القانون على وجهه الصحيح استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه من بيان لواقعة الدعوى يتحقق به معنى الارتباط الوارد في الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات إذ أن عبارة الحكم تفيد أن جريمتي التبديد وتسليم السلاح في صورة الدعوى قد انتظمها فكر جنائي واحد وجمعت بينهما وحدة الغرض فشكلت منهما وحدة قانونية لها أثرها في توقيع العقاب على مرتكبها وهو ما كان يقتضى إعمال أحكام تلك المادة واعتبار الجريمتين جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما وهي جريمة التبديد. ولما كان الحكم قد قضى بعقوبة مستقلة عن كل تهمة من التهمتين المسندتين إلى الطاعن، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ولما كان تصحيح هذا الخطأ لا يخضع لأى تقرير موضوعي - بعد أن قالت محكمة الموضوع كلمتها من حيث ثبوت إسناد الواقعتين اللتين دانت الطاعن بهما، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا وتصحيحه والاكتفاء بالعقوبة التي قضى بها الحكم عن جريمة التبديد باعتبارها الجريمة الأشد ومعاقبة الطاعن بها وحدها عن الجريمتين عملا بأحكام المادة 32 من قانون العقوبات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق