الصفحات

الأحد، 18 أبريل 2021

دستورية عدول العامل عن الاستقالة خلال أسبوع من تاريخ إخطار رب العمل له بقبولها

الدعوى رقم 64 لسنة 36 ق "دستورية" جلسة 6 / 3 / 2021

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من مارس سنة 2021م، الموافق الثاني والعشرين من رجب سنة 1442 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر


أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 64 لسنة 36 قضائية "دستورية".


المقامة من

رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة الفرعونية للأدوية (فاروفارما)

ضــــد

1- رئيس الجمهوريـــة

2- رئيس مجلس الــوزراء

3- رئيس مجلس النـواب

4- وزيـر العـدل

5- هشام محمد محمود شمـخ

الإجـراءات

بتاريخ الثلاثين من أبريل سنة 2014، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (119) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه الأخير كان من العاملين بالشركة المدعية، بوظيفة سائق، وبتاريخ 19/10/2009، تقدم باستقالته من العمل، وإزاء عدم التزامه، واختلاسه بعض البضائع المملوكة للشركة، تم قبول استقالته، إلا أنه عدل عن الاستقالة في اليوم السابع لتاريخ تقديمها، استنادًا لنص المادة (119) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، الأمر الذى لم تعول عليه الشركة، وقامت بتعيين آخر بدلاً منه، فأقام الدعوى رقم 3266 لسنة 2009 مدنى كلى عمال، أمام محكمــة الإسكندريـة الابتدائية، ضد الشركة، طالبًا الحكم، بإلزامها بأن تؤدى له، أولاً: تعويضًا عن فصله التعسفي، ثانيًا: أجره عن الفترة من 1/9 حتى 20/10/2009، ثالثًا: المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية التي لم يحصل عليها، والمقدر بـ (46) يومًا، رابعًا: بأحقيته في قيمة الحافز عن شهر أغسطس عام 2009. وبجلسة 24/6/2011، قضت المحكمة بإلزام الشركة بأن تؤدى له مبلغ (8000) جنيه، تعويضًا عن الإنهاء التعسفي لعقد العمل، ومبلغ (1287) جنيهًا، مقابل أجره خلال الفترة من 1/9 حتى 20/10/2009، شاملاً الأجر الإضافي. وبجلسة 31/10/2012، قضت المحكمة بأحقية المدعى في المقابل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية التي لم يحصل عليها، بواقع مبلغ 1196 جنيهًا، وقيمة الحافز عن شهر أغسطس 2009 بواقع مبلغ 154 جنيهًا. وإذ لم ترتض الشركة هذين الحكمين، فاستأنفتهما أمام محكمة استئناف الإسكندرية، التي ضمت الاستئنافين، ليصدر فيهما حكم واحد، وأثناء نظرهما قدمت الشركة مذكرة، ضمنتها دفعًا بعدم دستورية المادة (119) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة المدعية برفع دعواها الدستورية، أقامت الدعوى المعروضة

وحيث إن المادة (119) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، تنص على أن " لا يعتد باستقالة العامل إلا إذا كانت مكتوبة، وللعامل المستقيل أن يعدل عن استقالته كتابة خلال أسبوع من تاريخ إخطار صاحب العمل للعامل بقبول الاستقالة، وفى هذه الحالة تعتبر الاستقالة كأن لم تكن".

وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تُعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية، لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام قاضى الموضوع - فإذا لم يكن له بها من صلة، كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة. بما مؤداه أنه لا يكفى لقبولها أن يكون النص التشريعي المطعون عليه مخالفًا في ذاته للدستور، بل يتعين أن يكون هذا النص، بتطبيقه على المدعى، قد أخل بأحد الحقوق التى كفلها الدستور، على نحو ألحق به ضررًا مباشرًا. متى كان ذلك، وكان مبنى الفصل التعسفي الذى يطالب المدعى عليه الأخير بالتعويض عنه، المردد أمام محكمة الموضوع، هو امتناع الشركة المدعية عن إعادته إلى عمله بعد عدوله عن الاستقالة خلال المهلة التى حددها نص المادة (119) المطعون عليه، الحاكم للمسألة المطروحة على محكمة الموضوع، وتتضرر منه الشركة، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للشركة المدعية تكون متوافرة في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما نصت عليه تلك المادة من أنه " وللعامل المستقيل أن يعدل عن استقالته كتابة خلال أسبوع من تاريخ إخطار صاحب العمل للعامل بقبول الاستقالة، وفى هذه الحالة تعتبر الاستقالة كأن لم تكن"، لما للقضاء في دستوريته من أثر مباشر وانعكاس أكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها.

وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون عليه - في النطاق المحدد سلفًا- مخالفته لنصوص المواد (13، 32، 34، 40) من الدستور الصادر عام 1971 – المقابلة لنصوص المـواد (13، 33، 35، 53) من الدستور القائم - على سند من أن المدعى عليه الأخير كان يعمل لديها في وظيفة سائق، وقدم طواعية استقالته، وبالتالي يكون قد أنهى علاقة العمل بإرادته، وإعمالاً لنص المادة (91) من القانون المدني، فإن الاستقالة تمثل تعبيرًا عن إرادته، وتنتج أثرها في إنهاء علاقة العمل من وقت قبولها، إلا أن محكمة الموضوع استندت إلى الخلل التشريعي الوارد بالنص المطعون فيه، الذى أجاز للعامل العدول عن الاستقالة كتابة خلال أسبوع مـــــن تاريخ إخطاره من رب العمل بقبول استقالته، وهو ما يخرج عن القواعد العامة، ويتضمن تمييزًا للعامل على حساب رب العمل، وينال من ملكيته الخاصة.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق – ومن بينها حق العمل – أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها.

وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا. وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.

وحيث إنه يتعين لاتفاق التنظيم الذى يسنه المشرع مع أحكام الدستور أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي اعتنقها المشرع في موضوع محدد وفاء بمصلحة عامة لها اعتبارهـا، والوسائل التي اتخذهـا طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها هذا الموضوع عن أهدافها، بل يتعين أن تُعد مدخلاً إليها.


وحيث إن المشرع قد تناول بالنص المطعون فيه تنظيم الاستقالة باعتبارها سبيل العامل لإنهاء علاقة العمل من جانبه، ولذلك كان إنتاجها لآثارها في إنهاء تلك العلاقة رهنًا بكونها صادرة عن إرادة حرة طليقة من كل ما يشوبها من عيوب، ومن أجل ذلك جعل المشرع إنتاج الاستقالة لأثرها في حق العامل من تاريخ إخطار صاحب العمل له بقبولها، وليس من تاريخ تقديمها، كما منح العامل مدة أسبوع للعدول عنها، وهى مهلة قصد بها المشرع منح العامل فرصة للتروي في شأن الاستقالة، وأنها ليست وليدة اندفاع منه لم يقدر عواقبه، وأن ممارسته لحقه فيها قد تم في إطار الدائرة التي رسمها المشرع لها، بعيدًا عن كل مظاهر التأثير على إرادته وحريته في اختيار الإنهاء الإرادي لعلاقة العمل من جانبه، بما يوفـر الحماية للعامل، لكونه الطرف الضعيف في علاقة العمل، ولذلك كان اعتبار الاستقالة كأن لم تكن هو الأثر القانوني الذى يتواكب مع عدول العامل عن الاستقالة خلال تلك المهلة، وليبقى حقه في هذا الشأن مقيدًا دومًا بالقيد العام الذى تقرره القواعد العامة، بألا يكون استعماله له داخلاً في نطاق الاستعمال غير المشروع للحق، الذى حظره المشرع بمقتضى نص المادة (5) من القانون المدني، بما يسهم في بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفي علاقة العمل، على النحو الذى أوجبته المادتان (13، 27) من الدستور، ليضحى هذا التنظيم هو الوسيلة التي تتناسب مع تلك الأغراض والأهداف المشروعة التي قصد المشرع بلوغها من إقراره، والكافلة لتحقيقها، وترتبط بها برابطـة منطقية، باعتبارهـا مدخلاً لها، ولا يتضمن – من ثم – تمييزًا بين طرفي علاقة العمل، ســواء في ذلك العامـل أو صاحب العمل، بما لا مخالفة فيه لمبدأ المساواة الذى كفلته كـــل من المادتين (4، 53) من الدستور.

وحيث إنه ولئن كان الدستور – في المادتين (33 و35) منه - قد كفل حق الملكية الخاصة، وأحاطه بسياج من الضمانات التي تصون هذه الملكية، وتدرأ كل عدوان عليها، فإنه في ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، ما دامت لم تبلغ هذه القيود مبلغًا يصيب حق الملكية في جوهره أو يُعدم جل خصائصه.

وحيث إن التنظيم التشريعي الذى أورده المشرع بالنص المطعون فيه - وهو نص مستحدث لم يكن له مثيل في قانون العمل الملغى الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981، ولا بأي قانون آخر ينظم علاقة العاملين المدنيين بالدولة أو القطاع العام بالجهات التي يعملون بها - قد راعى التوازن في علاقات العمل، باعتبارها قائمة بين طرفين - العامل وصاحب العمل- تربطهما علاقة تحكمها أسس معينة، وذلك وفاءً من المشرع بالتزامه الدستوري المقرر بنصي المادتين (13، 27) من الدستور، بتحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة في علاقة العمل، بما يحفظ حقوق العمال. وفى هذا الإطار، خول النص المطعون فيه العامل حق العدول عن الاستقالة خلال أسبوع من تاريخ إخطار رب العمل له بقبولها، فإن تم العدول عنها خلال هذا الأجل، اعتبرت الاستقالة كأن لم تكن، للاعتبارات السالف بيانها، ولا يضير ذلك صاحب العمـل، لكون هذا العدول يتم خلال مدة زمنية قصيرة، بما يضمن استمرار العمل في المنشأة على النحو المعتاد، دون مساس بملكية صاحب العمل، باعتبار أن رأس ماله أحد وسائل إدارة ونجاح منشأته، وتعود إليه ثمارها. ومـن ثـم فإن قالة مخالفة النص المطعــون فيه لأحكام نصى المادتين (33، 35) من الدستور، تكون فاقدة لسندها.

وحيث إن النص المطعون فيه، لا يتصادم وأى نص آخر من نصوص الدستور، ومن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق