الصفحات

الأربعاء، 24 مارس 2021

الطعنان 905 ، 915 لسنة 25 ق جلسة 25 / 5 / 1985 إدارية عليا مكتب فني 30 ج 2 ق 172 ص 1120

برئاسة محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية عبد الفتاح السيد بسيونى وعبد الفتاح محمد إبراهيم صقر وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله وحسن حسنين على.

----------------

(1) دعوى - الحكم في الدعوى - الطعن في الأحكام

المحكمة الإدارية العليا. مدى ولايتها عند نظر الطعن.

المحكمة الإدارية العليا - الطعون المقامة أمامها - الطعن أمام المحكمة الإدارية - الطعن المقام من طرفي المنازعة في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري يعيد طرح المنازعة برمتها على المحكمة الإدارية العليا بكافة عناصرها و الطلبات المبداة فيها لتفصل فيها و تنزل في شأنها صحيح أحكام القانون - يتعين التعرض لكافة جوانب المنازعة التي كانت مطروحة على محكمة القضاء الإداري و صدر فيها الحكم المطعون فيه .

 (2) دستور

الحصانة التي تضفيها نصوصه على بعض القرارات.

نص المادة 191 من دستور سنة 1956 أضفى حصانة دستورية على القرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة و جميع القوانين و القرارات المتصلة بها - هذه الحصانة نهائية لا تزول عن هذه القرارات و الإجراءات بانتهاء العمل بدستور سنة 1956 - لا مسوغ لتكرار النص عليها في الدساتير اللاحقة - إذا كان القرار السلبى محل المنازعة و هو قرار تحقق بعد صدور دستور سنة 1956 و استمر قائماً إلى الآن فإنه ينأى عن مجال حكم المادة 191 من الدستور - أساس ذلك : لم يدع أحد أن ثمة قراراً أو حكماً صدر عن مجلس قيادة الثورة أو إحدى الهيئات المشار إليها في المادة 191 قبل العمل بدستور سنة 1956 - القرار السلبى بالامتناع  باعتباره من القرارات المستمرة لا يتقيد الطعن بمواعيد دعوى الإلغاء - يجوز الطعن فيه ما ظل الاستمرار قائماً .

(3) دستور

 حظر المصادرة العامة.

حظرت الدساتير المصرية المتعاقبة نزع الملكية الخاصة جبراً عن صاحبها إلا للمنفعة العامة و مقابل تعويض - نص الدستور سنة 1971 على حظر التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام و بقانون و مقابل تعويض - حظر المصادرة العامة حظرا مطلقاً - لا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي .

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.

من حيث أن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.

ومن حيث أن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن ورثة المرحوم ..................... المذكورين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 1138 لسنة 26 ق بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 22/ 1/ 1972 طلبوا في ختامها الحكم أصليا:

أولا: ببطلان قرارات مصادرة أملاك مورث المدعين وسحب رخصة جريدة المصري ومنعها من الصدور وبطلان جميع ما ترتب عليها من آثار.

ثانيا: بإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعين مبلغ 10.000.000 (فقط عشرة ملايين من الجنيهات) كتعويض عن هذه الأموال والممتلكات (بعد خصم قيمة المحكوم به من محكمة الثورة بتاريخ 4/ 5/ 1954 وما نالهم من أضرار).

ثالثا: إلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

واحتياطيا: بوقف الدعوى حتى يستصدر الطالبون حكما من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النصوص المانعة من التقاضي بشأن هذه الدعوى ومع حفظ سائر الحقوق الأخرى للمدعين.

ثم أضاف المدعون إلى طلباتهم طلبين:

الأول: بالطعن على قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 2/ 1956 بنقل ملكية مطابع جريدة المصري إلى الشعب.

والثاني: بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 516 لسنة 1960 بنقل ملكية مطابع جريدة المصري إلى الدولة، كما قرر المدعون بتنازلهم عن الطلب الاحتياطي الخاص بالطعن بعدم الدستورية.

وبتاريخ 29/ 3/ 1977 أودع المدعون قلم كتاب محكمة القضاء الإداري عريضة طعن قيد برقم 923 لسنة 31 ق طلبوا في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بتعيين حارس من كبار موظفي وزارة المالية تكون مهمته إعداد محضر بجرد اللوحات الفنية المملوكة لمورثهم (والموضحة تفصيلا في نهاية هذه العريضة) وكذلك التحف ومجموعات طوابع البريد الثمينة ونقل هذه الأشياء وتحريزها وتشميعها وإيداعها بخزائن البنك الأهلي أو البنك المركزي في حضور ممثل المدعين وذلك إلى حين البت في الدعوى الموضوعية السالفة الذكر.

وقال المدعون شرحا لدعواهم أنه بتاريخ 4/ 5/ 1954 صدر حكم من محكمة الثورة على مورثهم غيابيا بالسجن عشر سنوات ومصادرة مبلغ 358.438 جنيها و184 مليما من أمواله وممتلكاته لصالح الشعب، وتم التصديق على هذا الحكم من مجلس قيادة الثورة في 5/ 5/ 1954 وما أن صدر الحكم المشار إليه حتى تعرضت جميع ممتلكات مورث المدعين - وكان في الخارج - لحملة استيلاء ومصادر ومنعت صحيفة المصري من الصدور، ومنذ ذلك الحين لم يصل إلى علمه بأي سبيل شيء عن طبيعة هذه القرارات أو نصها أو بياناتها الجوهرية أو شخص من أصدرها ولا ما تم بشأن أمواله وممتلكاته إلى أن توفاه الله في أغسطس سنة 1958، وكذلك لم يصل إلى علم ورثته من بعده شيء من ذلك إلى الآن، ولم يكن في وسع المورث أو المدعين من بعده آنذاك المطالبة بحقوقهم أو الاحتكام للقضاء نظرا للنصوص المانعة من التقاضي بشأن أعمال التصفية والحراسة ونظرا إلى الظروف السائدة في ذلك الحين، إلى أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا أحكامها بعدم دستورية النصوص المانعة من التقاضي، فأقدم المدعون على رفع هذه الدعوى.

وأودعت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاع المدعى عليهم جاء بها أن القرارات التي يطعن عليها المدعون صدرت من مجلس قيادة الثورة، وأن الطعن عليها غير جائز طبقا للمادة 191 من دستور سنة 1956 التي أضفت حصانة على جميع قرارات مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها أو المكملة أو المنفذة لها وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام، وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من هيئات أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم - وهذه الحصانة الدستورية بقيت دون مساس بها في ظل دساتير 1958، 1964، 1971. وانتهت المذكرة إلى طلب الحكم بعدم جواز نظر الدعويين مع إلزام المدعين بالمصروفات.

وبجلسة 17/ 4/ 1979 حكمت المحكمة:

أولا: برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعويين.

ثانيا: بعدم قبول الدعوى رقم 1138 لسنة 26 ق بالنسبة إلى طلباتها المتعلقة بسحب رخصة جريدة المصري ومنعها من الصدور.

ثالثا: بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعويين فيما عدا ذلك وإحالتهما بحالتهما إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية لنظرهما في الجلسة التي تحدد لذلك وإبقاء الفصل في المصروفات.

وأقامت قضاءها على أن عناصر الدعوى لا تتكشف من واقع ما تضمنته من أوراق ومستندات وما حوته مذكرات الخصوم من بيانات - عن وجود ما ينعى عليه المدعون بالبطلان من قرارات بمصادرة أموال وممتلكات مورثهم، وإنما الأمر يشير إلى أن هذه الأموال والممتلكات والمصالح ظلت على ذمة المورث وباسمه وتم التصرف فيها لحسابه وباعتبارها مملوكة له بمعرفة جهة الإدارة التي أسندت إليها هذه المهمة بقرار محكمة الثورة الصادر في 11 من يناير سنة 1955 بقصد اقتضاء المبلغ الذي سبق لها الحكم بمصادرته وهي إدارة تصفية الأموال المصادرة المنشأة بالقانون رقم 598 لسنة 1953 والصادر في شأنها القانونان رقم 634 لسنة 1953، ورقم 648 لسنة 1953 م.

وأضافت المحكمة أن المدعين لا يخاصمون حكم محكمة الثورة الصادر ضد مورثهم ويسلمون بأن تقتضي الدولة لحساب الشعب - كما قرر الحكم - المبلغ الذي قضى به ضد المورث، ومن ثم فإن نطاق دعواهم يقتصر على ما يزيد عن هذا المبلغ من قيمة أموال وممتلكات ومصالح مورثهم التي تم التحفظ ووضع اليد عليها غداة صدور الحكم المذكور وتعرضت للتصرف فيها لاستئداء ذلك المبلغ والدعوى بهذه المثابة - وفي ضوء ما سبق بيانه من غيبة أي قرار بمصادرة جميع أملاك المورث - إنما تستهدف الحكم للمدعين باسترداد ما يؤول إليهم من أموال مورثهم وذلك فيما يجاوز المبلغ المحكوم به ضده، أي أن الدعوى تعتبر من دعاوى الحساب أقامها المدعون لتحديد أموال وحقوق ومصالح مورثهم التي وضعت جهة الإدارة اليد عليها، ومقدار ما حصلته نتاجا لما تم التصرف فيه، وبيان قيمة الفرق بين هذه الحصيلة وبين المبلغ المحكوم بمصادرته، بقصد الحكم لهم بذلك الفرق وبما لم يتعرض للتصرف فيه من تلك الأموال والحقوق والمصالح أو التعويض عنه بحسب الأحوال وذلك بمراعاة ما قد يوجد من التزامات على المورث ما فتئت واجبة السداد سواء للغير أو للحكومة وبصفة خاصة لمصلحة الضرائب. وبنت المحكمة على ذلك أن دفع إدارة قضايا الحكومة بعدم جواز نظر الدعوى استنادا إلى أحكام المادة 191 من دستور عام 1956 يغدو على غير أساس من الواقع والقانون لأن هذه المادة إنما تضفي حصانة دستورية على قرارات مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها، وعلى ما أصدرته الهيئات التي شكلها المجلس المذكور من قرارات أو أحكام وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي أصدرت من هذه الهيئات أو من أية هيئة أخرى أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم، ولم يثبت للمحكمة أن أي قرار أو إجراء أو عمل أو تصرف تناول مصادرة أموال وحقوق ومصالح مورث المدعين فيما زاد على المبلغ المحكوم بمصادرته من محكمة الثورة ومن ثم فإن الحصانة الدستورية المشار إليها لا تجد لها محلا في موضوع الدعوى وعناصرها وبالتالي يتعين القضاء برفض الدفع. ومن ناحية أخرى فإن الدعوى والحال كذلك تكون غير داخلة في الاختصاص الولائي للمحكمة ولا في مجموع اختصاص القسم القضائي لمجلس الدولة طبقا لقانونه رقم 47 لسنة 1972 ذلك أن الدعوى تكاد في حقيقتها - حسبما سبق - أن تكون من دعاوى الحساب أو الاسترداد، فلا تتسع لها ولاية القسم القضائي بمجلس الدولة، في ضوء ما سبق التعرف عليه من عدم صدور قرار إداري بمصادرة مال للمورث غير ما قضت به محكمة الثورة.

وأردفت المحكمة أنه بالنسبة إلى ما أشار إليه الحاضر عن المدعين من طعن على قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 2/ 1956 بنقل ملكية مطابع جريدة المصري إلى الشعب وقرار رئيس الجمهورية رقم 516 لسنة 1960 بنقل تلك الملكية إلى الدولة، فالمستفاد من المذكرة الإيضاحية لهذا القرار أن مطابع جريدة المصري قد احتسبت القيمة التي قدرت لها بمعرفة جهة الإدارة المسئولة عن الإشراف على أموال وممتلكات المحكوم عليه والتصرف فيها لاقتضاء المبلغ المحكوم به ضده - قد احتسبت قيمتها ضمن هذا المبلغ المحكوم بمصادرته لصالح الشعب المصري، وقد ورد بالملفات بيان ذلك الحساب وتفاصيل ما اتبع من إجراءات لتقدير قيمة المطابع بمعرفة لجان عهد إليها بذلك، ومن ثم تكون تلك المطابع قد آلت إلى الشعب مقابل قيمتها التي يستحقها ضمن ذلك المبلغ الذي لا ينازع المدعون في استحقاقه للدولة باسم الشعب، وبالتالي فإن قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 2/ 1956 بالموافقة على نقل ملكية مطابع المصري للشعب وضمها لهيئة التحرير، وقرار رئيس الجمهورية رقم 516 لسنة 1960 بنقل ملكية المطابع ذاتها للشعب المصري وضمها إلى الاتحاد القومي، هذان القراران لا يكونان قد تضمنا مصادرة مطابع جريدة المصري وإنما - وبعد أن دخلت قيمة تلك المطابع ضمن كامل المبلغ المحكوم بمصادرته وفي حدوده - فإن محل القرارين ينحصر في بيان الجهة التي تتبعها تلك المطابع، وهو أمر لا شأن للمدعين به.

أما فيما يتعلق بما أثاره المدعون من الطعن على سحب رخصة جريدة المصري ومنعها من الصدور، فإن الأوراق لا تتضمن ما يدل أو يشير إلى صدور قرار بسحب تلك الرخصة أو منع الجريدة من الصدور، وكل ما تفصح عنه الأوراق في هذا الصدد أن الجريدة توقفت عن الصدور في اليوم التالي لحكم محكمة الثورة ضد مورث المدعين، ولعل مرد الأمر في ذلك كحدث تلقائي لم يتطلب تقريرا إراديا به من أية سلطة عامة، وإنما نجم بذاته في الواقع كرد فعل للحكم على المورث بالسجن عشر سنوات باعتباره صاحب الجريدة، أما مطابع الجريدة من آلات ومبان فقد خضعت لإجراءات التحفظ والتصرف ضمن باقي أموال وحقوق ومصالح المورث لاقتضاء المبلغ المصادر بموجب حكم محكمة الثورة على نحو ما سلف بيانه.

ومن ثم فإن الطعن في هذا الخصوص يكون جديرا بعدم القبول.

وخلصت المحكمة في حكمها المطعون فيه - أن عناصر الدعوى رقم 1138 لسنة 26 ق لا تكشف عن وجود قرار إداري بسحب رخصة جريدة المصري ومنعها من الصدور بما يجعل الدعوى غير مقبولة في هذا الصدد، ولا عن وجود قرارات بمصادرة أموال وممتلكات وحقوق مورث المدعين فيما يجاوز المبلغ المحكوم ضده بمصادرته، وأن دعواهم في ذلك الخصوص إنما تستهدف في حقيقة الأمر الحكم لهم باسترداد ما لم يتم التصرف فيه من تلك الأموال والممتلكات والحقوق وبحصيلة ما تم التصرف فيه منها زائدا عن المبلغ المحكوم بمصادرته - بمراعاة ما تتحمل به هذه الحصيلة من التزامات مطلوبة من المورث - الأمر الذي يجعلها من دعاوى الحساب أو المطالبة بالمستحق، وبالتالي يكون ما دفعت به الحكومة من عدم جواز نظر الدعوى على غير أساس من صحيح واقعها. وفي ذات الوقت تكون الدعوى بجميع طلباتها - عدا غير المقبول منها - خارجة عن الاختصاص الولائي لمحكمة القضاء الإداري مما يتعين معه القضاء بذلك وبإحالة الدعوى - في هذه الحدود - إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية لنظرها عملا بحكم المادة 110 مرافعات.

أما بالنسبة إلى الدعوى رقم 923 لسنة 31 ق بطلب تعيين حارس لإعداد محضر بجرد اللوحات الفنية والتحف ومجموعات طوابع البريد المملوكة لمورث المدعين ونقلها وتحريرها وإيداعها خزائن البنك الأهلي أو المركزي لحين البت في الدعوى الموضوعية رقم 1138 لسنة 26 ق، فإنه لما كانت الدعوى المذكورة تتناول طلبا فرعيا ووقتيا تابعا للدعوى الموضوعية ومتصلا بها، وقد انتهت المحكمة إلى عدم اختصاصها بنظر هذه الدعوى فإنه يتعين القضاء بذلك أيضا في الدعوى الفرعية.

ومن حيث أن الطعن رقم 905 لسنة 25 ق عليا المقام من ورثة المرحوم .......... يقوم على الأسباب الآتية:

1- أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن المدعين لا يخاصمون الحكم الصادر من محكمة الثورة بدعواهم غير صحيح، ذلك أن الطاعنين قد أوضحوا في عريضة دعواهم ومذكرات دفاعهم أنهم لا يخرجون حكم محكمة الثورة من نطاق طعنهم على تصرفات الحكومة غير الشرعية، وما كان يمكن أن لا يطعن المدعون في هذا الحكم وهم يعتبرونه نقطة البداية في مصادرة أموال مورث المدعين.

2- أن الحصانة الدستورية التي أشارت إليها المادة 191 من دستور سنة 1956 هي حصانة موقوتة في ظل هذا الدستور، وما كان غير جائز التعقيب عليه أو الطعن فيه في ظل دستور سنة 1956 أصبح جائزا في ظل دستور سنة 1971.

3- على الرغم من تكييف محكمة القضاء الإداري للدعوى بأنها دعوى حساب إلا أنها تعرضت أثناء تناولها لعناصر الدعوى لبعض القرارات الإدارية المطعون فيها والتي أخرجتها المحكمة من نطاق الخصومة لكي تتسلب من ولايتها في الفصل فيها ومن بينها قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 2/ 1956 بنقل ملكية مطابع جريدة المصري إلى الشعب، وقرار رئيس الجمهورية رقم 516 لسنة 1960 بنقل الملكية إلى الدولة.

4- ذهب الحكم المطعون فيه إلى أنه لم يتبين للمحكمة أنه قد صدر قرار بسحب ترخيص جريدة المصري وردت توقف الجريدة إلى حدث تلقائي نجم بذاته في الواقع كرد فعل للحكم على مورث المدعين بالسجن، ولقد استخلص الحكم هذه النتيجة من وقائع غير صحيحة في أمور لا يجوز الأخذ بها بالاستنتاج، ولقد قدم المدعون نسخة من جريدة الأهرام التي نشرت يوم 5/ 5/ 1954 أن مجلس قيادة الثورة أصدر قرارا بسحب ترخيص جريدة المصري ومنعها من الصدور، ولكن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أنه لا يكفي ذلك للتدليل على صدور مثل هذا القرار لأن النشر في جريدة يومية ليس دليلا على ثبوت صدور القرار. ولكنه ليس في مكنة المدعين أن يقدموا قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في هذا الشأن.

وقدم الطاعنون مذكرة ختامية في الطعن أحالوا فيها إلى التقرير الرسمي المقدم من لجنة الخبراء المشكلة بقرار السيد المستشار المدعي العام الاشتراكي رقم 8 لسنة 1983 بتاريخ 29/ 1/ 1983 والتي قامت بفحص الأوراق والمستندات لبيان أموال مورث الطاعنين وتصفية المركز المالي له بعد خصم كافة الخصوم من الأصول، وأشار الطاعنون إلى أنه يبين من تقرير الخبراء وقائمة المركز المالي الذي أعدوه أن مستحقات الحكومة كلها قيمتها 800495.121 جنيه وهذا الدين يغطيه في جانب الأصول ثلاثة بنود تحت عنوان "ملحقات جريدة المصري" و"أوراق مالية" و"متنوعات". ويبقى خاليا من أية أعباء باقي عناصر التركة. وبمقتضى العدل الذي تفرضه جميع الشرائع والقوانين برد الأموال المتبقية بعد خصم مستحقات الدولة إلى الطاعنين. غير أن استيلاء الدولة على حقوق الطاعنين بما يجاوز استحقاقها منذ سنة 1955 وإنكارها لهذه الحقوق منذ سنة 1972 يشكل قرارا إداريا ضمنيا بالمصادرة، يخالف نص المادة 36 من الدستور الصادر سنة 1972. وهذا القرار فيما يجاوز قيمة الغرامة المحكوم بها من محكمة الثورة لا يمكن اعتباره قرارا مكملا أو منفذا لهذا الحكم، ومن ثم لا يحصنه حكم المادة 191 من دستور سنة 1956 وفضلا عن ذلك فإن اغتصاب الدولة لأموال الطاعنين هو فعل مستمر متجدد وإصرار الدولة على استمرار المصادرة خصوصا بعد رفع الدعوى في سنة 1972 ينطوي على قرار ضمني بالمصادرة يخضع لأحكام دستور سنة 1971 الذي يحظر في المادة 36 منه المصادرة العامة للأموال ويجعل المصادرة الخاصة بحكم قضائي. وأضاف الطاعنون أن الدولة كان يتعين عليها أن تبيع الأموال الغير سائلة لمورث الطاعنين لاستيفاء مستحقاتها بطريق المزاد العلني، وليس عن طريق التخصيص كما فعلت بالنسبة لمطابع جريدة المصري وانتهى الطاعنون إلى طلب الحكم بإلغاء القرار الضمني بمصادرة أموال المرحوم ......... وما يترتب على ذلك من إلزام الدولة بأن ترد إلى ورثته كل أمواله العقارية والمنقولة الموجودة تحت يد الدولة أو أي من فروعها ومصالحها وهيئاتها ومؤسساتها مع تعويضهم عن الأموال التي يستحيل ردها لهلاكها أو سرقتها أو انتقال ملكيتها للغير حسن النية مع التعويض عن ريع هذه الأموال عن المنفعة الفائتة منذ سنة 1954 حتى الآن مع إلزام الدولة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

ومن حيث أن الطعن رقم 915 لسنة 25 ق عليا المقام من الحكومة ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه برفضه قبول الدفع بعدم جواز نظر الدعويين طبقا للمادة 191 من دستور سنة 1956 ذلك أن المطعون ضدهم حددوا طلباتهم في الدعويين بطلب الحكم ببطلان قرار مصادرة أملاك مورثهم طبقا لحكم محكمة الثورة، والحكم لهم بمبلغ عشرة ملايين جنيه كتعويض عن هذه الممتلكات والأموال المصادرة وما نالهم من أضرار، ومن ثم فإن القول بأن حقيقة الدعوى هي دعوى حساب أو دعوى استرداد هو قضاء بما لم يطلبه الخصوم ذلك أن دعوى الحساب أو الاسترداد لا تقوم إلا حيث تكون الحقوق المطالب بها معترفا بها من الخصوم بلا منازعة، ولإجراء المقاصة بين الحقوق والديون الحالة الواجبة الأداء لكل من طرفي الدعوى، أما في الحالة الماثلة فإن حكما صدر من محكمة الثورة ضد مورث المطعون ضدهم بمصادرة مبلغ من أمواله، ثم أعقبه حكم آخر من تلك المحكمة بالتصرف في أمواله بمعرفة الجهة المختصة وهي إدارة التصفية ثم قامت هذه الإدارة بالتصرف في ممتلكات وأموال مورث المطعون ضدهم تنفيذا لهذين الحكمين بما قيمته (11000 جنيه) مضافا إليه مبلغ (27500 جنيه) وهي القيمة المقدرة لمطابع جريدة المصري من آلات وأرض ومباني وكانت نتيجة هذا التصرف نقل ملكية مطابع جريدة المصري إلى الدولة ثم إلى هيئة التحرير بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من فبراير سنة 1956 ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 516 لسنة 1960 بنقل ملكية مطابع جريدة المصري من الدولة إلى الاتحاد القومي. وإذا كان التصرف في بعض ممتلكات مورث المطعون ضدهم بمعرفة الجهة المختصة قد تم تنفيذا لحكم محكمة الثورة فإن القول بوجود دعوى حساب أو استرداد يكون في غير محله. وإنما يتعين الحكم بعدم جواز نظر الدعويين باعتبار أنهما ينصبان على الطعن في حكم محكمة الثورة والقرارات الصادرة تنفيذا له من هيئات أمر مجلس قيادة الثورة بتشكيلها وذلك طبقا لحكم المادة 191 من دستور سنة 1956 م.

ومن حيث أنه من المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا وما استقر عليه العمل في الطعون المقامة أمامها، أن الطعن المقام من كل من طرفي المنازعة في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري، يعيد طرح المنازعة برمتها على المحكمة الإدارية العليا بكافة عناصرها والطلبات المبداة فيها لتفصل فيها وتنزل في شأنها صحيح أحكام القانون.

ومن ثم يتعين التعرض لكافة جوانب المنازعة التي كانت مطروحة على محكمة القضاء الإداري وصدر فيها الحكم المطعون فيه.

ومن حيث أن المدعين "ورثة المرحوم ........" كانوا يطلبون في صحيفة دعواهم رقم 1138 لسنة 26 ق الحكم:

أولا: ببطلان قرارات مصادرة أملاك مورثهم وسحب رخصة جريدة المصري ومنعها من الصدور وبطلان جميع ما ترتب عليها من آثار.

ثانيا: بإلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعين مبلغ 10.000.000 جنيه (عشرة ملايين من الجنيهات) كتعويض عن هذه الأموال والممتلكات (بعد خصم قيمة المحكوم به من محكمة الثورة بتاريخ 4/ 5/ 1954) وما نالهم من أضرار.

ثالثا: بإلزام المدعى عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.

ثم أضاف المدعون أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 30/ 5/ 1978 وفي مواجهة الحاضر عن الحكومة طلب إلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 2/ 1956 بنقل ملكية مطابع جريدة المصري إلى الشعب وقرار رئيس الجمهورية رقم 516 لسنة 1960 بنقل ملكية مطابع جريدة المصري إلى الدولة.

ومن حيث أن الحكومة لم تقدم دفاعا موضوعيا ذا بال، وإنما اكتفت بالدفع بعدم جواز نظر الدعوى استنادا إلى حكم المادة 191 من الدستور المؤقت الصادر سنة 1956 التي أضفت حصانة على جميع قرارات مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها أو المكملة أو المنفذة لها وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام، وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من هيئات أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم.

ومن حيث أنه عن طلب المدعين الحكم ببطلان وإلغاء قرار سحب رخصة جريدة المصري ومنعها من الصدور، فإن هذه المحكمة تؤيد ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه وما استظهره من الأوراق والمستندات من أنه ليس ثمة ما يدل أو يشير إلى صدور قرار بسحب رخصة الجريدة أو منعها من الصدور وأن مقتضى الحال - وقتذاك - يشير إلى أن جريدة المصري توقفت عن الصدور غداة صدور حكم محكمة الثورة ضد صاحبها المرحوم ........ بسجنه عشر سنوات ومصادرة المبلغ المحكوم به من أمواله في الوقت الذي كان موجودا فيه بالخارج، وخضوع مطابع الجريدة من آلات ومبان لإجراءات التحفظ والتصرف ضمن باقي أموال وحقوق المذكور لاقتضاء المبلغ المحكوم بمصادرته. ذلك أن الثابت من تقرير لجنة تصفية المركز المالي للمذكور المشكلة بقرار المدعي الاشتراكي رقم 8 لسنة 1983 بناء على ترشيح من وزير المالية - والمودع ملف الطعن - أنه بعد أن صدر حكم محكمة الثورة المشار إليه بتاريخ 4/ 5/ 1954، صدر قرار مجلس قيادة الثورة بتاريخ 9/ 5/ 1954 بتخويل وزير الإرشاد القومي إدارة مطابع جريدة المصري تنفيذا للحكم، وبتاريخ 19/ 5/ 1954 قرر مجلس الوزراء التصريح لوزير الإرشاد القومي بأن يتولى الحراسة على المطابع المذكورة. وبتاريخ 11/ 1/ 1955 صدر قرار مجلس قيادة الثورة بأن تتولى إدارة تصفية الأموال المصادرة الإشراف على أموال وممتلكات .......... والتصرف فيها لاقتضاء المبلغ المحكوم بمصادرته. وبتاريخ 12/ 4/ 1955 قرر المجلس الدائم للخدمات العامة تملك مطابع جريدة المصري وخصم قيمتها من المبلغ المحكوم به من محكمة الثورة.

وبتاريخ 7/ 12/ 1955 أصدر مجلس الوزراء قرارا بأن تتسلم وزارة الإرشاد القومي المطابع المذكورة وأن تقوم بشرائها من المجلس الدائم للخدمات.

وبتاريخ 8/ 2/ 1956 صدر قرار مجلس الوزراء بضم مطابع جريدة المصري ونقل ملكيتها إلى هيئة التحرير والعدول عن قرار مجلس الوزراء الصادر في 7/ 12/ 1955 بالترخيص لوزارة الإرشاد القومي بشراء هذه المطابع. وأخيرا صدر القرار الجمهوري رقم 516 لسنة 1960 بنقل مطابع جريدة المصري للشعب المصري وضمها إلى الاتحاد القومي. وكانت إدارة التصفية التي أناط بها القانون رقم 634 لسنة 1953 في شأن إدارة التصفية الاختصاص بإدارة وتصفية الأموال المصادرة بمقتضى حكم من محكمة الثورة، قد شكلت لجنة في 1/ 12/ 1955 لتقدير وتثمين مباني وأراضي مطابع جريدة المصري حيث قامت اللجنة بمهمتها وانتهت في 22/ 2/ 1956 إلى تقدير قيمة مباني وأراضي المطابع وآلاتها وخامات التشغيل التي تم التصرف فيها بمبلغ 298646.397 جنيه. ومن ثم سلمت المطابع إلى دار التحرير للطبع والنشر التابعة لهيئة التحرير بقيمتها المقدرة بمعرفة هذه اللجنة بعد خصمها من المبلغ المحكوم به ضد المرحوم .........

ومفاد ذلك أنه عقب صدور حكم محكمة الثورة ضد المرحوم .......، وضعت مطابع جريدة المصري تحت إدارة وحراسة وزارة الإرشاد القومي ثم أخذت إجراءات تقييمها وتقدير قيمتها بمعرفة إدارة التصفية المختصة قانونا، ثم تم التصرف فيها إلى دار التحرير للطبع والنشر التابعة لهيئة التحرير وخصمت قيمتها من المبلغ المحكوم بمصادرته من أموال المذكور. ولقد كان من الأمور الطبيعية إزاء قيام هذه الإجراءات المتعاقبة والظروف اللاحقة على صدور حكم محكمة الثورة المشار إليه، أن تتوقف جريدة المصري عن الصدور، دون تأويل هذا التوقف على أنه نتيجة صدور قرار بسحب ترخيص الجريدة سيما وأن كافة الأوراق والمستندات التي يمكن التعويل عليها في هذا الشأن قد خلت من الإشارة إلى ما يفيد صدور قرار من هذا القبيل، كما وأنه لا يجوز الاحتجاج بما نشر في جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 5/ 5/ 1954 من أن مجلس قيادة الثورة قد أصدر قرارا بسحب ترخيص جريدة المصري ومنعها من الصدور لأن ما ينشر في جريدة يومية لا يعدو أن يكون خبرا صحفيا تنشره الجريدة على مسئولية محرريها، ولكنه لا ينهض دليلا مثبتا على صدور مثل هذا القرار في المجال القانوني.

كذلك يبين أن قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 8/ 2/ 1956 بضم مطابع جريدة المصري ونقل ملكيتها إلى هيئة التحرير، وقرار رئيس الجمهورية رقم 516 لسنة 1960 بنقل تبعية مطابع جريدة المصري للشعب المصري وضمها إلى الاتحاد القومي، وهما القراران اللذان أضاف المدعون بجلسة 30/ 5/ 1978 طلب إلغائهما، هما في حقيقة الأمر - وحسبما ذهب إليه بحق الحكم المطعون فيه - لا يعنيان سوى نقل تبعية مطابع الجريدة - التي سبق أن تم تمليكها للمجلس الدائم للخدمات العامة في 12/ 4/ 1955 - إلى هيئة التحرير ومن بعدها إلى الاتحاد القومي، وهو أمر لا شأن للمدعين به، ولا مساس فيه بحقوقهم أو مراكزهم القانونية.

وبناء عليه يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق والقانون فيما قضى به من عدم قبول طلب إلغاء قرار سحب رخصة جريدة المصري ومنعها من الصدور، وكذا طلب إلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 8/ 2/ 1956 بضم مطابع جريدة المصري ونقل ملكيتها إلى هيئة التحرير، وقرار رئيس الجمهورية رقم 516 لسنة 1960 بنقل تبعية مطابع جريدة المصري للشعب المصري وضمها إلى الاتحاد القومي.

ومن حيث أن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه ما ذهب إليه من أن - المدعين لا يخاصمون الحكم الصادر من محكمة الثورة بتاريخ 4/ 5/ 1964 ويسلمون بأن تقتضي الدولة لحساب الشعب المبلغ الذي قضى بمصادرته من أموال مورثهم، وأن نطاق دعواهم يقتصر على ما يزيد عن هذا المبلغ من أموال مورثهم التي تم التحفظ ووضع اليد عليها بمعرفة جهة الإدارة ليرد إليهم". ويستطرد الطاعنون إلى أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه على هذا النحو غير صحيح، وأنهم أوضحوا في عريضة دعواهم ومذكرات دفاعهم أنهم لا يخرجون حكم محكمة الثورة من نطاق طعنهم على تصرفات الحكومة غير الشرعية باعتباره نقطة البداية في مصادرة أموال مورثهم.

ومن حيث أنه باستعراض طلبات المدعين الختامية التي أبدوها في صحيفة دعواهم وما قدموه من مذكرات وما أثبتوه من طلبات في محاضر الجلسات أثناء نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري، وتقصي مراميها يبين بوضوح أنه ولئن تعرضت مذكراتهم بالهجوم على حكم محكمة الثورة الصادر ضد مورثهم والظروف والملابسات السياسية التي تمت فيها المحاكمة - إلا أنهم لم يطلبوا صراحة ولا ضمنا أية طلبات من المحكمة تفيد الطعن على حكم محكمة الثورة المشار إليه، بل أنهم كما قضى بحق - الحكم المطعون فيه قد سلموا بأن تقتضي الدولة المبلغ الذي قضى حكم محكمة الثورة بمصادرته، ورد ما يجاوز ذلك من أموال مورثهم وممتلكاته إليهم.

ويؤكد ذلك أن الطاعنين قد صاغوا طلباتهم النهائية في الطعن الماثل حسبما وردت بالمذكرتين الختاميتين المقدمتين بجلستي 16/ 1/ 1984، 15/ 12/ 1984 على هذا النحو وحددوا طلباتهم فيها على أساس رد الأموال المتبقية بعد خصم مستحقات الدولة الثابتة والمتنازع فيها ومن بينها المبلغ المحكوم بمصادرته بمقتضى حكم محكمة الثورة الصادر في 4/ 5/ 1954 م.

وعلى أي حال وبافتراض أن الطاعنين كانوا يستهدفون في دعواهم الطعن على حكم محكمة الثورة المشار إليه، فإن المادة 191 من دستور سنة 1956 كانت تنص على أن جميع القرارات التي صدرت من مجلس قيادة الثورة، وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها، وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدر من هذه الهيئات أو من أية هيئة أخرى من الهيئات التي أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم، لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه أمام أي هيئة كانت".

ولقد جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا وكذا المحكمة العليا "دستورية" على أن هذا النص الدستوري قد أضفى حصانة دستورية على القرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها، وكل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس بتشكيلها من أحكام أو أوامر، وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من أية هيئة أنشئت بقصد حماية الثورة، وأن هذه الحصانة هي حصانة نهائية لا تزول عن هذه القرارات والإجراءات بانتهاء العمل بذلك الدستور، ولا مسوغ لتكرار النص عليها في الدساتير اللاحقة "حكم المحكمة العليا في الدعوى رقم 3 لسنة 5 ق دستورية جلسة 1/ 2/ 1975". ومفاد ذلك أنه بافتراض أن المدعين كانوا يهدفون بدعواهم إلى الطعن على حكم محكمة الثورة المشار إليه، فإنه لا يجوز نظر الدعوى في هذا الخصوص.

ومن حيث أنه بالنسبة إلى طلب المدعين الحكم ببطلان وإلغاء قرارات مصادرة أموال وأملاك مورثهم، فإنه وفقا لما جاء بمذكرتيهم الختاميتين المقدمتين في الطعن الماثل بجلستي 16/ 1/ 1984، 15/ 12/ 1984 يبين أنهم قد عدلوا طلبهم هذا - في ضوء ما ورد بتقرير اللجنة المشكلة بقرار المدعي العام الاشتراكي لتصفية المركز المالي لمورثهم - إلى طلب إلغاء القرار الضمني بمصادرة أموال المرحوم ........ وما يترتب على ذلك من إلزام الدولة بأن ترد إلى ورثته كل أمواله العقارية والمنقولة الموجودة تحت يد الدولة أو أي من فروعها ومصالحها وهيئاتها مع تعويض الورثة عن الأموال التي يستحيل ردها لهلاكها أو سرقتها أو انتقال ملكيتها للغير حسن النية، ومع التعويض عن ريع هذه الأموال والمنفعة القائمة منذ سنة 1954 حتى الآن مع إلزام الدولة المصروفات.

وقد ذكر الطاعنون شرحا لطلبهم المعدل أنه يبين من تقرير اللجنة المشار إليها وقائمة المركز المالي الذي أعدته اللجنة، أن مستحقات الدولة جميعها تبلغ 800495.121 جنيه وهذا الدين يغطيه في جانب الأصول ثلاثة بنود فقط وهي الواردة تحت عنوان "ملحقات جريدة المصري" و"أوراق مالية" و"متنوعات" ومن ثم يبقى خاليا من أية أعباء باقي عناصر التركة ويقتضي العدل الذي تفرضه كافة الشرائع والقوانين برد الأموال المتبقية بعد خصم مستحقات الدولة إلى الطاعنين. غير أن استيلاء الدولة على حقوق الطاعنين بما يجاوز استحقاقها منذ سنة 1955 وإنكارها لهذه الحقوق منذ إقامة الدعوى في سنة 1972 يشكل قرارا إداريا ضمنيا بالمصادرة، يخالف نص المادة 36 من دستور سنة 1971. وهذا القرار فيما تجاوز الغرامة المحكوم بها من محكمة الثورة لا يمكن اعتباره قرارا مكملا أو منفذا لهذا الحكم. ومن ثم لا يحصنه نص المادة 191 من دستور سنة 1956، وأضاف الطاعنون أن الدولة كان يتعين عليها أن تبيع الأموال غير السائلة لاستيفاء مستحقاتها بطريق المزاد العلني، وليس عن طريق التخصيص كما فعلت بالنسبة إلى مطابع جريدة المصري.

ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن الطاعنين كانوا قد تقدموا بشكوى إلى المدعي العام الاشتراكي يتضررون فيها من عدم رد أموال وممتلكات مورثهم إليهم، فأصدر المدعي العام الاشتراكي قراره رقم 8 لسنة 1983 بندب لجنة لتصفية المركز المالي للمرحوم ........ شكلت - بناء على ترشيح وزير المالية - من المراقب المالي لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، واثنين من المراقبين العامين للإدارة المركزية لحسابات الحكومة، وكلفت بفحص الأوراق والمستندات لبيان أموال الشاكين التي تم الاستيلاء عليها في سنة 1954 أثر صدور حكم محكمة الثورة ضد المرحوم .............، وبيان المبالغ المحكوم بها عليه أو التي كان مدينا بها وتصفية المركز المالي بعد خصم كافة الخصوم من الأصول، وتقديم تقرير مبين به الأموال السالفة الذكر، وما آلت إليه في الوقت الحالي ومستحقات الشاكين فيها، ورخص للجنة في الاطلاع على أوراق التحقيق وما به من مستندات والانتقال إلى أية جهة ترى الانتقال إليها لأداء المأمورية وسماع أقوال من ترى لزوما لسماعه. وبعد أن أدى أعضاء اللجنة اليمين أمام مساعد المدعي العام الاشتراكي بدأوا في القيام بمهام المأمورية المندوبين لها، وخلصوا إلى إعداد تقرير مفصل اثبتوا فيه الإجراءات التي قاموا بها والمستندات والملفات التي اطلعوا عليها والمواقع والبنوك والخزائن التي انتقلوا إليها وأرفقوا بالتقرير محاضر جرد الأموال والمنقولات التي لا تزال موجودة كودائع بالبنوك ثم بينوا بالتفصيل مفردات وعناصر الأصول والخصوم للمركز المالي للمرحوم .......................... وما تم التصرف فيه من هذه الأموال والممتلكات بمعرفة الإدارة العامة لتصفية الأموال المصادرة وما لم يتم التصرف فيه ولا زال موجودا أو لم يعثر عليه. كما أعدوا قائمة بالمركز المالي بعد أن قاموا بتقييم كافة عناصر الأصول تقييما نقديا، وخلصوا في نهاية قائمة المركز المالي إلى أن القيمة النقدية لمجموع عناصر الأصول تبلغ 3.042.242.375 جنيه وتبلغ قيمة الخصوم 800495.121 جنيه، ومن ثم يكون صافي قيمة الأصول المتبقية حسب التقييم النقدي الذي أجرته اللجنة هو مبلغ 2241747.254 جنيه (مليونين ومائتين وواحد وأربعين ألفا وسبعمائة وسبعة وأربعين جنيها ومائتين وأربعة وخمسين مليما).

ومن حيث أنه بجلسة فحص الطعون المنعقدة بتاريخ 16/ 10/ 1984 قدم الحاضر عن الطاعنين صورة رسمية من تقرير لجنة الخبراء وقائمة المركز المالي الذي أعدته، وطلب الحاضر عن الحكومة التأجيل للاطلاع على التقرير والرد، وتدوول الطعن لعدة جلسات لتقدم الحكومة ردها دون جدوى ثم أحيل الطعن للمحكمة الإدارية العليا ونظرته بجلسة 13/ 10/ 1984، وبعد أن حجزته للحكم بجلسة 15/ 12/ 1984، أعادته للمرافعة لتعقب الحكومة على تقرير لجنة الخبراء المشار إليه وعلى مذكرة الطاعنين الأخيرة وبجلسة 16/ 2/ 1985 قرر الحاضر عن الحكومة في محضر الجلسة أنه طلب من وزارة المالية التعقيب على التقرير ولكن لم يرد أي تعقيب وطلب أجلا آخر، وأجابته المحكمة إلى طلبه وأجلت نظر الطعن لجلسة 23/ 3/ 1985 لذات السبب دون جدوى ومن ثم قررت المحكمة حجز الطعن للحكم.

ومن حيث أنه إزاء عدم تعقيب الحكومة على ما جاء بهذا التقرير رغم إعطائها أكثر من مهلة للتعقيب عليه، ولاطمئنان المحكمة لما ورد في التقرير بالنظر إلى أن تشكيل اللجنة الذي أعدته كان بناء على ترشيح من وزير المالية وقد تضمن التشكيل نخبة من كبار موظفي الدولة المتخصصين، وقد أدوا - حسبما يبين من الاطلاع على التقرير - مهمتهم بدقة ملحوظة - ولم يتوانوا عن الانتقال إلى كافة المواقع والبنوك وجرد المخازن والودائع والاطلاع على المستندات والملفات وتحري الحقيقة من كافة مصادرها. لذا فإن المحكمة تطمئن لما ورد بالتقرير وتأخذ به وتعتبره في حكم التقارير التي يقدمها الخبراء الذين تندبهم المحاكم في مثل هذه المهام.

ومن حيث أن الثابت من الاطلاع على تقرير لجنة الخبراء المشار إليه أن إدارة تصفية الأموال المصادرة المنشأة بالقانون رقم 598 لسنة 1953 والتي أسند إليها القانون رقم 634 لسنة 1953 الاختصاص بتصفية الأموال المصادرة بمقتضى حكم من محكمة الثورة كانت قد تصرفت في جزء من أموال وممتلكات المرحوم ............ لاستيفاء المبلغ المحكوم بمصادرته بمقتضى حكم محكمة الثورة الصادر بتاريخ 4/ 5/ 1954 ومقداره 358438.184 جنيه فضلا عن استيفاء ديون وحجوز تنفيذية ومطالبات أخرى مستحقة لمصلحة الضرائب وبعض البنوك والمصالح والهيئات، وطولبت إدارة التصفية بخصمها من حصيلة التصرف في أموال وممتلكات المذكور وتبلغ قيمتها 442056.937 جنيه، ومن ثم فقد بلغ مجموع الالتزامات والديون المستحقة على المرحوم ..... 800495.121 جنيه (ثمانمائة ألف وأربعمائة وخمسة وتسعين جنيها ومائة وواحد وعشرين مليما) أما عن الأصول فهي - على ما يبين من تقرير اللجنة - تنقسم إلى ثلاث مجموعات:

(أ) أموال وممتلكات تصرفت فيها إدارة التصفية لاستيفاء الالتزامات والديون المذكورة.

وهذه الممتلكات هي مطابع جريدة المصري بشارع قصر العيني، ومطابع الجريدة بدير النحاس، ومطابع الجريدة ببولاق، وملحقات الجريدة، وأوراق مالية، ومتنوعات أخرى.

ويبلغ مجموع قيمة هذه الممتلكات - طبقا للتقييم النقدي الوارد بكشوف وسجلات إدارة التصفية حسب أسعار سنة 1954 مبلغ 1114149.135 (مليون ومائة وأربعة عشر ألفا ومائة وتسعة وأربعين جنيها ومائة وخمسة وثلاثين مليما).

(ب) أموال وممتلكات باقية لم يتم التصرف فيها بمعرفة إدارة التصفية وتشمل:

- جزء من أرض مطابع جريدة المصري بالقصر العيني مساحته 531.25 م2.

- جزء من أرض مطابع الجريدة بدير النحاس ومساحته 3079.1 م2.

- أرض زراعية بمدينة الشهداء محافظة المنوفية مساحتها فدانان.

- مجوهرات وتحف وطوابع بريد مودعة بتاريخ 19/ 11/ 1975 بالوديعة رقم 451 بالبنك المركزي المصري.

وقد قيمت لجنة الخبراء هذه الأراضي والتحف والمجوهرات حسب الأسعار السائدة في تاريخ إعداد التقرير بمبلغ 1378043.240 جنيه (مليون وثلاثمائة وثمانية وسبعين ألفا وثلاثة وأربعين جنيها ومائتين وأربعين مليما).

(جـ) منقولات وتحف وتابلوهات لم تعثر عليها اللجنة ولم تستدل على مكان وجودها، وهي عبارة عن محتويات مسكن المرحوم .......... الكائن بالشقتين 13، 18 بعمارة فرنسوا تاجر بقصر الدوبارة.

وهذه المحتويات واردة بكشوف الجرد التي كانت إدارة تصفية الأموال المصادرة قد أعدتها بعد صدور حكم محكمة الثورة على المذكور، وقدرتها الإدارة وقتئذ بمبلغ 55005.390 جنيه.

ونظرا لعدم العثور على تلك المحتويات فإن لجنة الخبراء لم تجد بدا من تقييم قيمة هذه المحتويات على أساس مضاعفة أثمانها - الواردة بكشوف الجرد - إلى عشرة أمثالها لتقترب من قيمتها الحالية، ومن ثم قدرت اللجنة لها مبلغ 550050 جنيه (خمسمائة وخمسين ألفا وخمسين جنيها).

ومن حيث أنه يستفاد مما تقدم أن حصيلة الأموال والممتلكات التي تصرفت فيها إدارة الأموال المصادرة - وفقا لأحكام القانون رقم 634 لسنة 1953 المشار إليه، جاوزت في قيمتها مجموع الالتزامات والديون المستحقة على المرحوم..... - بما فيها المبلغ المحكوم بمصادرته من أمواله بما يبلغ 313654.014 (ثلاثمائة وثلاثة عشر ألفا وستمائة وأربعة وخمسين جنيها وأربعة عشر مليما).

علما بأن ما نعاه الطاعنون على هذه التصرفات من أنه كان يتعين أن تتم بطريق المزاد العلني وليس عن طريق التخصيص والتقييم بمعرفة إدارة التصفية - مردود بأنه طبقا لحكم المادة الخامسة من القانون رقم 634 لسنة 1953 في شأن إدارة التصفية فإن الإدارة لا تتقيد في أداء مهمتها بالقوانين واللوائح والنظم التي تخضع لها المصالح الحكومية وأننا نتبع - طبقا لحكم المادة السادسة من هذا القانون - وما تضعه من لوائح داخلية في شأن المشتريات والمبيعات والحسابات وشئون الموظفين.

ومن حيث أن البادي من الأوراق أن إدارة تصفية الأموال المصادرة كانت قد فرغت من التصرف في الأموال والممتلكات سالفة الذكر بحلول نهاية عام 1956، واستوفت من حصيلة التصرف منذ ذلك التاريخ المبلغ المحكوم بمصادرته بحكم محكمة الثورة الصادر في 4/ 5/ 1954 ثم استوفت منه بعد ذلك كافة الديون والالتزامات العارضة التي استحقت للضرائب والبنوك والهيئات الأخرى. غير أنها - بعد أن استوفت كل ذلك - ظلت محتفظة بفائض حصيلة التصرف في هذه الأموال فضلا عن الممتلكات والأموال التي لم يتم التصرف فيها والسابق ذكرها، وذلك دون سبب مشروع أو مبرر سائغ.

ومن حيث أنه ولئن كان قد مضى حين من الدهر في مطلع قيام الثورة، لم تكن قواعد المشروعية تجد فيه مجالها الطبيعي والمناخ الذي تزدهر فيه، بحسبان أن الثورة كانت في مطلع سنواتها الأولى تسعى إلى تحقيق هدفها الأساسي في التغيير، ولو على حساب المشروعية - إلا أنه وقد استقرت للثورة أوضاعها وتبلور شكل النظام السياسي لها بصدور دستور سنة 1956، فقد كان يتعين أن تحل قواعد المشروعية وترسخ مبادئها سيما في مجال الحقوق العامة والضمانات الأساسية للأشخاص والأموال الخاصة والتي تعارف المجتمع الدولي وكافة الشرائع على تعريفها بحقوق الإنسان.

ومن حيث أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حصرت جميعها منذ دستور سنة 1923 على النص على مبدأ صون الملكية الخاصة، وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود وبالقيود التي أوردتها، ومن أجل ذلك حظرت الدساتير نزع الملكية الخاصة جبرا عن صاحبها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقا للقانون (المادة 9 من كل من دستور سنة 1923، دستور سنة 1930 والمادة 11 من دستور سنة 1956، والمادة 5 من دستور سنة 1958، والمادة 16 من دستور سنة 1964، والمادة 34 من دستور سنة 1971) كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض وحظر المصادرة العامة حظرا مطلقا ولم يجز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي.

ومن حيث أن مفاد ما تقدم أنه كان يتعين على جهة الإدارة بعد أن قامت تنفيذا لحكم محكمة الثورة الصادر في 4/ 5/ 1954 ولأحكام القانون رقم 634 لسنة 1953 في شأن إدارة التصفية - بالتحفظ على كافة أموال وممتلكات المرحوم ........ والتصرف في جزء منها، واستيفاء المبلغ المحكوم بمصادرته فضلا عن كافة الالتزامات والديون العارضة المستحقة عليه للغير - كان يتعين عليها أن ترد بعد ذلك - ما بقي من هذه الأموال والممتلكات إلى أصحاب الحق فيها، لينتفعوا بها ويمارسوا عليها حقوق الملكية الخاصة التي كفلتها وصانتها المبادئ الدستورية العامة ونصوص الدساتير المتعاقبة وكافة شرائع العدل ومن بينها دستور سنة 1956 ودستور سنة 1958 والدساتير اللاحقة.

ومن حيث أن حبس جهة الإدارة للأموال والممتلكات المتبقية واستمرار التحفظ عليها وحرمان أصحاب الحق فيها من الانتفاع بها أو التصرف فيها دون سبب مشروع أو مبرر سائغ لا يخرج في الحالة المعروضة عن فرضين:

1- أن تكون جهة الإدارة قد أضمرت مصادرة هذه الأموال مصادرة عامة وفي هذه الحالة تكون قد خالفت أحكام الدساتير المتعاقبة والمبادئ الدستورية العامة التي حظرت المصادرة العامة حظرا مطلقا، ولم تجز المصادرة إلا بحكم قضائي. وتكون في ذات الوقت قد خالفت صريح حكم محكمة الثورة الصادر في 4/ 5/ 1954 الذي لم يقض إلا بمصادرة مبلغ 358438.184 جنيه من أموال المرحوم .........

2- أو أن تكون جهة الإدارة قد اتجهت إرادتها - دون قصد المصادرة - إلى مجرد حبس هذه الأموال تحت يدها وحرمان أصحاب الحق فيها من الانتفاع بها، وفي هذه الحالة فإنه مع غياب صدور حكم قضائي أو قرار من سلطة مختصة بفرض الحراسة على تلك الأموال، يبيت ذلك التصرف من جهة الإدارة فاقدا لأي مبرر أو سبب قانوني مشروع.

وعلى أي من هذين الفرضين، فإن امتناع جهة الإدارة عن رد تلك الأموال والممتلكات إلى أصحاب الحق فيها، واستمرار حبسها عنهم منذ ذلك الحين، يشكل - ولا ريب - قرارا إداريا سلبيا بالامتناع، يدخل في عداد القرارات الإدارية التي أشارت إليها الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بنصها "ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح". وهذا القرار - لكل ما اعتوره من عيوب سبق ذكرها - معيب بعيب عدم المشروعية الجسيم الذي ينحدر به إلى درجة الانعدام.

هذا وإذا كان هذا القرار قد تحققت أركانه وتبلور قوامه منذ نهاية عام 1956 - كما سلف القول - واستمر قائما منذ ذلك الحين - إلا أنه قد تأكد وجوده واشتد عيبه بعد أن أقام المدعون دعواهم الماثلة بتاريخ 22/ 1/ 1972، مطالبين بأموالهم وممتلكاتهم التي آلت إليهم عن مورثهم، سيما وأن جهات الإدارة المدعى عليها لم تقدم في الدعوى دفاعا موضوعيا تبرر به حبس تلك الأموال عن أصحاب الحق فيها، وإنما كل ما فعلته هو أن دفعت بعدم جواز نظر الدعوى استنادا إلى حكم المادة 191 من دستور سنة 1956، والتزمت هذا النهج أيضا في الطعن أمام هذه المحكمة، ثم لاذت بالصمت عن التعقيب على تقدير لجنة الخبراء المشكلة بقرار المدعي العام الاشتراكي المشار إليه والذي أعدته نخبة من كبار موظفي الدولة المتخصصين بناء على ترشيح من وزير المالية.

ومن حيث أنه عن الدفع المبدى من الحكومة بعدم جواز نظر الدعوى استنادا إلى حكم المادة 191 من دستور سنة 1956 - وهو الدفع الذي قام عليه طعن الحكومة الماثل رقم 915 لسنة 25 ق عليا. فمردود عليه بأن هذه المادة وإن كانت قد أضفت حصانة دستورية نهائية على جميع قرارات مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها وجميع الإجراءات والأحكام والتصرفات التي صدرت من الهيئات التي أمر المجلس المذكور بتشكيلها أو الهيئات التي أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم إلا أن القرار السلبي محل هذه المنازعة وهو قرار تحقق بعد صدور دستور سنة 1956 واستمر قائما إلى الآن ينأى عن مجال حكم المادة 191 من هذا الدستور لأنه لم يدع أحد أن ثمة قرارا أو حكما صدر عن مجلس قيادة الثورة أو محكمة الثورة أو إحدى الهيئات المشار إليها في هذه المادة قبل العمل بدستور سنة 1956 - يقضي بحبس جميع أموال وممتلكات المرحوم ....... والتحفظ عليها وعدم ردها إلى أصحابها فيما عدا المبلغ الذي حكمت محكمة الثورة بتاريخ 4/ 5/ 1954 بمصادرته من هذه الأموال. ولقد سبق القول بأن هذا الحكم وحده هو الذي ينطوي تحت الحصانة المقررة في حكم المادة 191 من دستور سنة 1956 المشار إليها وبناء عليه يكون هذا الدفع غير قائم على أساس سليم من القانون حقيقا بالرفض، ويغدو معه الطعن رقم 915 لسنة 25 ق عليا المقام من الحكومة مرفوضا بدوره.

ومن حيث أنه متى كان ما تقدم فإن القرار السلبي بالامتناع عن رد باقي الأموال والممتلكات المستحقة للطاعن عن مورثهم، باعتباره من القرارات المستمرة لا يتقيد في الطعن عليه بمواعيد دعوى الإلغاء، وإنما يجوز الطعن فيه ما ظل الاستمرار قائما. ومن ثم تكون الدعوى المقامة من الورثة بتاريخ 22/ 1/ 1972 مقبولة شكلا.

ومن حيث أنه وقد ذهب الحكم المطعون فيه في خصوص هذا الطلب من الدعوى إلى خلاف ما تقدم فاعتبر الدعوى في هذا الخصوص من دعاوى الحساب وقضى بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظرها وبإحالتها إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، فإنه يكون قد جانب الصواب وأخطأ في تطبيق أحكام القانون وتأويلها، مما يتعين معه القضاء بإلغائه في هذا الشق من الدعوى والتصدي بالحكم في موضوع هذا الطلب باعتبار أن الدعوى مهيأة للفصل فيها، (وتفاديا لإطالة أمد النزاع الذي تقادم عهده).

ومن حيث أنه لما تقدم يتعين الحكم بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن رد باقي الأموال والممتلكات المستحقة للطاعنين عن مورثهم المرحوم .......، وتشمل الفائض النقدي من حصيلة التصرف في الممتلكات والأموال التي تصرفت فيها إدارة تصفية الأموال المصادرة ومقداره 313654.014 جنيه (ثلاثمائة وثلاثة عشر ألفا وستمائة وأربعة وخمسين جنيها وأربعة عشر مليما). وكذا الممتلكات والأموال التي لم يتم التصرف فيها وهي مساحة 531.25 م2 من أرض مطابع الجريدة بشارع قصر العيني ومساحة 3079.1 م2 من أرض مطابع الجريدة بدير النحاس، ومساحة فدانين من الأراضي الزراعية الكائنة بمدينة الشهداء بمحافظة المنوفية، والمجوهرات والتحف وطوابع البريد المودعة بالبنك المركزي المصري بالوديعة رقم 451 بتاريخ 19/ 11/ 1975.

أما عن المنقولات والتحف والأثاثات التي كانت موجودة بمسكن المرحوم ...... والثابتة بكشوف الجرد المعدة بمعرفة إدارة التصفية، والتي لم تعثر عليها لجنة الخبراء ولم تستدل على مكان وجودها فيرد إلى الطاعنين قيمتها التي قدرتها لجنة الخبراء باعتبارها مقابلا نقديا عنها وهي مبلغ 550050 جنيه (خمسمائة وخمسين ألفا وخمسين جنيها).

ومن حيث أنه عن طلب الطاعنين الحكم لهم بتعويض عن الأضرار التي لحقتهم من القرار المطعون فيه وعن ريع هذه الأموال والمنفعة الفائتة منذ سنة 1954 حتى الآن - فإنه لما كان المستفاد مما سبق أن أركان المسئولية المدنية تتوافر في الحالة المعروضة من خطأ وضرر ورابطة سببية تربط بينهما مما يرتب للطاعنين حقا في التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم بسبب القرار المطعون فيه - إلا أنه بالنظر إلى أن عناصر الضرر ومداه غير محددين في المنازعة الماثلة، ويستلزم الأمر للحكم بتعويض نهائي مباشرة إجراءات تحقيق وخبرة واستيفاء الأوراق والمستندات اللازمة في هذا الشأن، مما تقصر عنه الأوراق والمستندات المطروحة في المنازعة بحالتها الراهنة، لذا فإن المحكمة وقد ثبت لديها توافر أركان المسئولية المدنية من حيث المبدأ تحكم بتعويض مقداره قرش صاغ واحد.

ومن حيث أنه عن الدعوى رقم 923 لسنة 31 ق التي طلب فيها المدعون الحكم بصفة مستعجلة بتعيين حارس من كبار موظفي وزارة المالية تكون مهمته إعداد محضر بجرد اللوحات الفنية المملوكة لمورثهم وكذلك التحف ومجموعات طوابع البريد الثمينة ونقل هذه الأشياء وتحريزها وتشميعها وإيداعها بخزائن البنك الأهلي أو البنك المركزي في حضور ممثل المدعي إلى حين البت في الدعوى المعروضة - فإنه لما كان قد تم القضاء في الدعوى الموضوعية بهذا الحكم فضلا عن أن هذا الطلب الوقتي - حسبما استبان من سياق الوقائع في الطعن - متحقق فعلا إذ أن تلك التحف والمجوهرات ومجموعات طوابع البريد مودعة بالوديعة رقم 451 بتاريخ 19/ 11/ 1975 بالبنك المركزي المصري، وكانت مودعة قبل هذا التاريخ بالبنك الأهلي المصري بالأحراز أرقام 12267، 12268، 12269، 167/12542، 12543.

لذا فإن هذه الدعوى تكون قد استنفدت أغراضها ولا محل لبحثها.

ومن حيث أنه عن المصروفات فإنه لما كان الطاعنون من ورثة المرحوم ............ قد أجيبوا إلى بعض طلباتهم في الدعوى وخسروا البعض الآخر على الوجه السابق تفصيله، وأن جهة الإدارة قد خسرت طعنها وجانبا من الدعوى، فمن ثم تقسم المصروفات بين طرفي الدعوى مناصفة بينهما عملا بحكم المادة 186 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، وفي الموضوع:

أولا: برفض الطعن رقم 915 لسنة 25 ق عليا.

ثانيا: بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة بنظر طلب المدعين في الدعوى رقم 1138 لسنة 26 ق ببطلان قرارات مصادرة أملاك مورثهم، والتعويض عنها، وكذا الدعوى رقم 923 ق، وأحالتهما إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية.

ثالثا: بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن رد الأموال والممتلكات المستحقة للطاعنين والمشار إليها في أسباب هذا الحكم وما يترتب على ذلك من آثار.

رابعا: بأحقية الطاعنين في تعويض مؤقت مقداره قرش صاغ واحد.

خامسا: برفض الطعن رقم 905 لسنة 25 ق عليا فيما عدا ذلك وألزمت طرفي النزاع المصروفات مناصفة بينهما.

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق