الصفحات

الخميس، 4 مارس 2021

الطعن 33873 لسنة 84 ق جلسة 29 / 6 / 2015 مكتب فني 66 ق 79 ص 572

جلسة 29 من يوليه سنة 2015

برئاسة السيد القاضي / مجدي أبو العلا نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أشرف محمد مسعد ، خالد حسن محمد ، جمال حسن جودة وشعبان محمود نواب رئيس المحكمة .
-----------

(79)

الطعن رقم 33873 لسنة 84 القضائية

إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . محكمة النقض " نظرها موضوع الدعوى " . كسب غير مشروع .

الكسب غير المشروع طبقاً للقانون 62 لسنة 1975 . ماهيته وصورتيه ؟

وجوب بناء الأحكام الجنائية على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال .

أصل البراءة . قاعدة أساسية في النظام الاتهامي . لا ترخص فيها . أثر ذلك ؟

 مثال لحكم صادر بالبراءة من محكمة النقض لدى نظرها موضوع الدعوى في جريمة كسب غير المشروع .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من المقرر أن المقصود بالكسب غير المشروع كل مال تملكه الموظف أو من في حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصراً من عناصرها باستغلال ما تسبغه عليه وظيفته أو يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الاجتراء على محارم القانون ، مما يمس ما يُفترض في الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة ، وهذا هو المعني الذي عناه الشارع وبيَّنه سواء فيما أورده نصه أو فيما أفصح عنه في الأعمال التحضيرية استهدافاً للقضاء على الشره إلى المال ، وقلة الأمانة والإبقاء على سلامة أداة الحكم وسمعته ، وذلك بإحكام الرقابة على الموظفين ومن في حكمهم من ذوي الصفة النيابية العامة ، والكسب غير المشروع أخذاً من نص قانونه رقم 62 لسنة 1975 لا يعدو صورتين الأولى :- وهي المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون المذكور ، وهي التي يثبت فيها في حق الموظف – ومن في حكمه أياً كان نوع وظيفته – استغلاله بالفعل لأعمال ، أو نفوذ ، أو ظروف وظيفته ، أو مركزه ، وحصوله كذلك بالفعل على مال مؤثم نتيجة لهذا الاستغلال ، والثانية :- وهي المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة ذاتها ، وهي التي لا يثبت فيها هذا الاستغلال الفعلي على الموظف أو من في حكمه ، ولكن يثبت أن لديه في ماله زيادة عجز عن إثبات مصدرها ، وفي هذه الحالة يتعيَّن أن يكون نوع وظيفة الموظف مما يتيح له فرص الاستغلال على حساب الدولة أو على حساب الغير ، ويتعيَّن على قاضي الموضوع لإعمال هذه القرينة أن يثبت في حكمه توافر هذين الأمرين ، وهما الزيادة غير المبررة في مال الموظف ، وكون نوع وظيفته بالذات يتيح له فرص هذا الاستغلال حتى يصح اعتبار عجزه عن إثبات مصدر الزيادة في ماله قرينة قانونية عامة على أن هذه الزيادة تمثل كسباً غير مشروع ، وكان من المقرر – كذلك - أن الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال والفروض والاعتبارات المجردة . لما كان ما تقدم ، وكان البيِّن من مطالعة أوراق الدعوى ، وما تضمنته أقوال الشهود أنها قد خلت من دليل معتبر على أن المتهم قد حصل على ثروته نتيجة استغلاله لأعمال وظيفته ، أو أن تلك الوظيفة سواء وقت أن كان يعمل فنياً بالهيئة العامة لــــ .... أو صراف خزينة بــــ .... التابعة لذات الهيئة ، أو مديراً للشئون المالية والإدارية بــــ .... يتيح له نفوذها أو ظروفها أو مركزه فيها الحصول على ثروته محل الاتهام نتيجة استغلاله لها ، وكان ما ساقته سلطة الاتهام من قرائن أسمتها أدلة الاتهام لا ترقى إلى مستوى الدليل اليقيني على ثبوت استغلال المتهم لوظيفته والحصول من ورائها على كسب غير مشروع ، أو أنها من الوظائف التي تتيح له ذلك – فيما خلا ما جاء بالتحريات على لسان مُجْرِيها في هذا الشأن ، والتي لا تطمئن إليها المحكمة لعدم قيام دليل تستند إليه ، وهي من بعد لا تعدو أن تكون رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب ، وما تضمنته أقوال الشاهدة / .... (مدير عام الشئون القانونية بالهيئة العامة للــ .... ) من قرائن لا تصلح أن تكون دليلاً على اقتراف المتهم الواقعة المسندة إليه ، ذلك أنها بُنيت على شفا جرف هار من الريب والافتراضات ، وجاءت مثلها كافة القرائن التي حوتها أوراق الدعوى في عبارات عامة مرسلة ، ودون أن تتضمن تحديد وقائع محددة كسب منها المتهم كسباً غير مشروع ، وبُنيت على مجرد الاتهام في قضايا لم يثبت من الأوراق صدور أحكام فيها بالإدانة نهائية وباتة ، وعلى الظن والاستنتاج ، وعلى عجز المتهم عن إثبات مصدر مشروع لثروته ، وهو الأمر الذي تتشكك معه المحكمة في صحة إسناد الاتهام للمتهم . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن أصل البراءة يعتبر قاعدة أساسية في النظام الاتهامي لا ترخص فيها ، تفرضها حقائق الأشياء وتقتضيها الشرعية الإجرائية وحماية الفرد في مواجهة صور التحكم والتحامل ، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل جاد قاطع يبلغ مبلغ الجزم واليقين ولا يدع مجالاً لشبهة انتفاء التهمة أو الشك فيها ، ودون ذلك لا ينهدم أصل البراءة ، وكانت المحكمة لا تطمئن إلى ما أسمته سلطة الاتهام أدلة الثبوت واستندت إليها ، وترى فيها أنها مجرد قرائن تطرحها ولا تطمئن إليها وترى أنها لا تبلغ حد الكفاية لإدانة المتهم بجريمة الكسب غير المشروع ، ومن ثم يتعيَّن القضاء ببراءته مما أسند إليه عملاً بالمادة 304 /1 من قانون الإجراءات الجنائية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائـع

 اتهمت النيابـة العامـة الطاعن بأنـه : بصفته من العاملين بالجهاز الإداري للدولة " مدير إداري للشئون المالية والإدارية بـــ .... " حصل لنفسه على كسب غير مشروع وقيمته .... جنيهاً و.... قرشاً مستغلاً في ذلك سلطان ونفوذ وظيفته بأن تلاعب في حسابات .... ، والاختلاس ، والاستيلاء على أموالها بطرق احتيالية والتزوير في مستنداتها كما اعتاد الحصول على منافع مادية وعينية من المقاولين الموردين المتعاملين مع جهة عمله ، وأقام علاقات مشبوهة معهم مما نتج عنه زيادة في عناصر ذمته المالية ، وبصورة مما لا تتناسب مع مصادر دخله ، وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها على الرغم من عدم وجود ثمة ممتلكات له قبل توليه الخدمة ، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .

         وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعـاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/1 ، 2 ، 18/1 من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع والمادة 15/3 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1112 لسنة 1975 بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ .... جنيهاً و.... قرشاً وإلزامه بسداد مبلغ .... جنيهاً و.... قرشاً للخزانة العامة .

فطعن المحكوم عليه في هذ الحكم بطريق النقض .

ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً ، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة .

ومحكمة الإعادة بهيئة مغايرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/1 ، 2 ، 14/2 ، 18/1- 4 من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع والمادة 15/3 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1112 لسنة 1975 باللائحة التنفيذية للقانون المذكور بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ .... جنيها و.... قرشاً ، وإلزامه برد مبلغ .... جنيهاً و.... قرشاً للخزانة العامة للدولة .

فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض " للمرة الثانية " ، ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً ، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه ، وتحديد جلسة .... لنظر موضوع الدعوى .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

من حيث إن هذه المحكمة – محكمة النقض – قضت بنقض الحكم المطعون فيه لثاني مرة وحددت جلسة اليوم لنظر الموضوع عملاً بالمادة (39/6) من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 .

        من حيث إن إدارة الكسب غير المشروع أسندت للمتهم / .... أنه في خلال الفترة من عام .... وحتى عام .... – بدائرة قسم .... – محافظة .... :- بصفته من العاملين بالجهاز الإداري للدولة " مديراً إدارياً للشئون المالية والإدارية بـــ .... " حصل لنفسه على كسب غير مشروع وقيمته ( .... ) .... جنيهاً و.... قرشاً ، مستغلاً في ذلك سلطان ونفوذ وظيفته بأن دأب على التلاعب في حسابات .... ، والاختلاس ، والاستيلاء على أموالها بطرق احتيالية والتزوير في مستنداتها ، كما اعتاد الحصول على منافع مادية وعينية من المقاولين الموردين المتعاملين مع جهة عمله ، وأقام علاقات مشبوهة معهم مما نتج عنه زيادة في عناصر ذمته المالية ، وبصورة لا تتناسب مع مصادر دخله ، وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها على الرغم من عدم وجود أي ممتلكات له قبل توليه الخدمة ، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات ، وطلبت عقابه بالمواد 1/1 ، 2 ، 14/ 2 ، 18 /1-4 من القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع ، والمادة 15/ 3 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1112 لسنة 1975 باللائحة التنفيذية للقانون المذكور .

   وقد ركنت إدارة الكسب غير المشروع في إثبات الاتهام قبل المتهم إلى أقوال وتحريات الضابط / .... عضو هيئة الرقابة الإدارية ، وأعضاء لجنحة الفحص (....، و.... ، و.... ، و.... و....) ، وما شهدت به .... ( مدير عام الشئون القانونية بالهيئة العامة للـــ ....) ، وما ورد بملاحظات هيئة الفحص والتحقيق ، إذ شهد الضابط / .... بأن التحريات السرية التي أجراها دلته على أن المتهـم / .... " مدير إدارة الشئون المالية والإدارية بـ .... سابقاً " قام باستغلال وظيفته بأن دأب على التلاعب في حسابات .... ، والاختلاس ، والاستيلاء على أموالها بطرق احتيالية ، والتزوير في مستنداتها ، كما اعتاد الحصول على منافع مادية وعينية من المقاولين والموردين المتعاملين مع جهة عمله ، وأقام علاقات مشبوهة معهم ، مما أدى إلى تضخم عناصر ذمته المالية بطريقة غير مشروعة ، وبصورة لا تتناسب مع مصادر دخله ، وأنه لم يكن يمتلك شيئاً قبل التحاقه بالعمل الوظيفي ، وأن سمعته ليست فوق مستوى الشبهات ، وسبق اتهامه في عدة قضايا منها القضية رقم .... حصر تحقيق أموال عامة عليا ، والدعوى رقم .... بالمحكمة التأديبية العليا ، وأن من ممتلكاته : 1- شقة رقم .... الدور ... بالعقار ... شارع .... مساحتها .... م2 ، 2- منزل من طابقين بــــ ... زمام .... مركز .... محافظة .... مساحتها .... م ، 3- سيارة .... موديل ..... فضي اللون رقم .... ملاكي .... ، 4- سيارة .... موديل .... كحلي اللون رقم .... ملاكي .... ، 5- حساب رقم .... بنك .... فرع .... ، 6- حساب رقم .... البنك .... فرع .... ، وبتفتيش مسكن المتهم بناء على الإذن الصادر بذلك عثر على كشف حساب من بنك .... فرع .... وآخر من البنك .... فرع .... ، ورخصة سيارة برقم .... ملاكي .... ، كما عثر بـشقته بـ .... على إخطار سداد بشركة .... "استغلال غاز" ، وأن دخله من عمله الوظيفي منذ تعيينه في عام .... حتى تاريخ ضبطه مبلغ .... جنيه ، وليس له أية عائد سوى عمله الوظيفي ، وأضاف أن تحرياته أكدت فضلاً عن استغلال المتهم لأعمال وظيفته على نحو ما تقدم عدم تناسب مصادر دخله مع ممتلكاته التي أسفرت عنها التحريات .

   وشهد .... (رئيس قسم الخبراء بإدارة الكسب غير المشروع) بتكليفه من إدارة الكسب غير المشروع بتشكيل لجنة برئاسته وعضوية كل من :- .... ، و.... ، و.... ، و.... لفحص ممتلكات المتهم ، وانتهت اللجنة إلى نتيجة مؤداها أنه بفحص عناصر الذمة المالية للمتهم منذ تعيينه في عام .... وحتى عام .... تاريــخ ضبطه تبين وجود مصروفات غير معلومة المصدر قدرها (....) .... جنيهاً و.... قرشاً .

    وشهدت / .... (مدير عام الشئون القانونية بالهيئة العامة للـــ ...) أنها أبلغت من هيئة الرقابة الإدارية بقيام المتهم بإضافة شيكات مستحقة لأحد الموردين يدعى .... لحسابه الخاص ، وقام بتحصيلها لنفسه ، وقامت بإبلاغ النيابة العامة عن تلك الواقعة ، وتم قيدها بدفاترها ، وأضافت بأن وظيفة المتهم تتيح له استغلال سلطات وظيفته من أجل تحقيق كسب غير مشروع ، وأنها سبق لها التحقيق معه لارتكابه مخالفات إدارية ، ومجازاته بالإضافة إلى أنه أحيل للنيابة الإدارية ، وتمت إحالة للمحاكمة التأديبية لقيامه بالتلاعب في مستندات الصرف الخاصة بعملية إنشاء وتطوير .... .

    وجاءت ملاحظات هيئة الفحص والتحقيق مقتبسة من أقوال ضابط الواقعة وتحرياته وما قال به أعضاء لجنة الفحص ، والشاهدة الأخيرة ولا تعدو أن تكون ترديداً لشهاداتهم آنفة البيان ، اللهم إلَّا ما نقلته عما جاء بإقرارات الذمة المالية للمتهم وزوجته وأولاده ، والتي أفادت بعدم وجود ممتلكات لهم حتى عام .... .

        وحيث إنه بسؤال المتهم بالتحقيقات أنكر ما أسند إليه من اتهام ، واعتصم بذلك طوال جلسات محاكمته أمام محكمتي الجنايات ، ولم يحضر أمام هذه المحكمة وحضر عنه وكيل .

    وحيث إن ممثل النيابة الحاضر بالجلسة صمم على طلب معاقبة المتهم طبقاً لمواد الاتهام .

     وحيث إن المحكمة تمهد لقضائها في هذا الاتهام بأن المقصود بالكسب غير المشروع كل مال تملكه الموظف أو من في حكمه فصار ضمن ذمته المالية عنصراً من عناصرها باستغلال ما تسبغه عليه وظيفته أو يخوله مركزه من إمكانيات تطوع له الاجتراء على محارم القانون ، مما يمس ما يفترض في الموظف العام أو من في حكمه من الأمانة والنزاهة ، وهذا هو المعني الذي عناه الشارع وبينه سواء فيما أورده نصه أو فيما أفصح عنه في الأعمال التحضيرية استهدافاً للقضاء على الشره إلى المال ، وقلة الأمانة والإبقاء على سلامة أداة الحكم وسمعته ، وذلك بإحكام الرقابة على الموظفين ومن في حكمهم من ذوي الصفة النيابية العامة ، والكسب غير المشروع أخذاً من نص قانونه رقم 62 لسنة 1975 لا يعدو صورتين الأولى :- وهي المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون المذكور ، وهي التي يثبت فيها في حق الموظف – ومن في حكمه أياً كان نوع وظيفته – استغلاله بالفعل لأعمال ، أو نفوذ ، أو ظروف وظيفته ، أو مركزه ، وحصوله كذلك بالفعل على مال مؤثم نتيجة لهذا الاستغلال ، والثانية :- وهي المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة ذاتها ، وهي التي لا يثبت فيها هذا الاستغلال الفعلي على الموظف أو من في حكمه ، ولكن يثبت أن لديه في ماله زيادة عجز عن إثبات مصدرها ، وفي هذه الحالة يتعيَّن أن يكون نوع وظيفة الموظف مما يتيح له فرص الاستغلال على حساب الدولة أو على حساب الغير ، ويتعيَّن على قاضي الموضوع لإعمال هذه القرينة أن يثبت في حكمه توافر هذين الأمرين ، وهما الزيادة غير المبررة في مال الموظف ، وكون نوع وظيفته بالذات يتيح له فرص هذا الاستغلال حتى يصح اعتبار عجزه عن إثبات مصدر الزيادة في ماله قرينة قانونية عامة على أن هذه الزيادة تمثل كسباً غير مشروع ، وكان من المقرر – كذلك - أن الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال والفروض والاعتبارات المجردة . لما كان ما تقدم ، وكان البيِّن من مطالعة أوراق الدعوى ، وما تضمنته أقوال الشهود أنها قد خلت من دليل معتبر على أن المتهم قد حصل على ثروته نتيجة استغلاله لأعمال وظيفته ، أو أن تلك الوظيفة سواء وقت أن كان يعمل فنياً بالهيئة العامة لــــ .... أو صراف خزينة بــــ .... التابعة لذات الهيئة ، أو مديراً للشئون المالية والإدارية بــــ .... يتيح له نفوذها أو ظروفها أو مركزه فيها الحصول على ثروته محل الاتهام نتيجة استغلاله لها ، وكان ما ساقته سلطة الاتهام من قرائن أسمتها أدلة الاتهام لا ترقى إلى مستوى الدليل اليقيني على ثبوت استغلال المتهم لوظيفته والحصول من ورائها على كسب غير مشروع ، أو أنها من الوظائف التي تتيح له ذلك ، فيما خلا ما جاء بالتحريات على لسان مُجْرِيها في هذا الشأن ، والتي لا تطمئن إليها المحكمة لعدم قيام دليل تستند إليه ، وهي من بعد لا تعدو أن تكون رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب ، وما تضمنته أقوال الشاهدة / .... (مدير عام الشئون القانونية بالهيئة العامة للــــ .... ) من قرائن لا تصلح أن تكون دليلاً على اقتراف المتهم الواقعة المسندة إليه ، ذلك أنها بنيت على شفا جرف هار من الريب والافتراضات ، وجاءت مثلها كافة القرائن التي حوتها أوراق الدعوى في عبارات عامة مرسلة ، ودون أن تتضمن تحديد وقائع محددة كسب منها المتهم كسباً غير مشروع ، وبنيت على مجرد الاتهام في قضايا لم يثبت من الأوراق صدور أحكام فيها بالإدانة نهائية وباتة، وعلى الظن والاستنتاج ، وعلى عجز المتهم عن إثبات مصدر مشروع لثروته ، وهو الأمر الذي تتشكك معه المحكمة في صحة إسناد الاتهام للمتهم . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن أصل البراءة يعتبر قاعدة أساسية في النظام الاتهامي لا ترخص فيها - تفرضها حقائق الأشياء وتقتضيها الشرعية الإجرائية وحماية الفرد في مواجهة صور التحكم والتحامل - بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل جاد قاطع يبلغ مبلغ الجزم واليقين ولا يدع مجالاً لشبهة انتفاء التهمة أو الشك فيها ، ودون ذلك لا ينهدم أصل البراءة ، وكانت المحكمة لا تطمئن إلى ما أسمته سلطة الاتهام أدلة الثبوت واستندت إليها ، وترى فيها أنها مجرد قرائن تطرحها ولا تطمئن إليها وترى أنها لا تبلغ حد الكفاية لإدانة المتهم بجريمة الكسب غير المشروع ، ومن ثم يتعيَّن القضاء ببراءته مما أسند إليه ، عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق