الصفحات

السبت، 23 يناير 2021

الطعن 6470 لسنة 52 ق جلسة 14 / 4 / 1983 مكتب فني 34 ق 108 ص 544

جلسة 14 من إبريل سنة 1983

برئاسة السيد المستشار/ حسن جمعه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد أبو زيد، محمد نجيب صالح، عوض جادو ومصطفى طاهر.

---------------

(108)
الطعن رقم 6470 لسنة 52 القضائية

 (1)قتل عمد. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
نية القتل. أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر. استخلاص توافرها من عناصر الدعوى. موضوعي.
(2) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إثبات "بوجه عام".
متى يبطل التناقض الحكم؟
(3) علاقة السببية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
علاقة السببية في المواد الجنائية. مناط تحققها؟ تقديرها. موضوعي.
 (4)قتل عمد. رابطة السببية. إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استظهار الحكم قيام علاقة السببية بين إصابات القتيل وفعل التغريق. وبين وفاته. نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية. لا قصور.
 (5)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها.
(6) اشتراك. اتفاق. إثبات "بوجه عام". سبق إصرار. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
ثبوت سبق الإصرار في حق المتهمين يستلزم بالضرورة توافر الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف الجريمة بنفسه منهم.
 (7)قتل عمد. سبق إصرار. فاعل أصلي. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مسئولية جنائية "التضامن في المسئولية".
متى يعتبر الشخص فاعلاًً أصلياً. برغم عدم ارتكابه فعلاً يدخل في الركن المادي للجريمة؟
(8) عقوبة "العقوبة المبررة" "تقدير العقوبة". فاعل أصلي. شريك. وصف التهمة. نقض "المصلحة في الطعن".
عدم جدوى النعي على الحكم تغير صفة المتهم من شريك في الجريمة إلى فاعل أصلي فيها. ما دام أنه عاقب الطاعن بالعقوبة المقررة للشريك.
تقدير العقوبة. مرده الواقعة الجنائية وما أحاط بها من ظروف. لا الوصف القانوني لها.
(9) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام" "شهود". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم قبول النعي على الحكم خطأه في الإسناد. متى أقيم على ما له أصل في الأوراق.
(10) قتل عمد. إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات وصدوره اختياراً من عدمه. موضوعي.
 (11)حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم. طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
(12) قتل عمد. سبق إصرار. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".

سبق الإصرار. ماهيته؟
(13) قتل عمد. سبق إصرار. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
العبرة في سبق الإصرار بما ينتهي إليه الجاني من خطة رسمها لتنفيذ الجريمة. ولو قصر زمن هذا التفكير. المنازعة في ذلك أمام محكمة النقض. غير جائزة.
(14) إثبات "بوجه عام". سبق إصرار. قتل عمد. مسئولية جنائية. فاعل أصلي.
توافر ظرف سبق الإصرار. يرتب تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية.

-------------
1 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
2 - من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
3 - من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.
4 - متى كان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر علاقة السببية بين إصابات المجني عليه التي أورد تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية وفعل التغريق الذي قارفه الجناة بدفع المجني عليه في مياه الترعة بعد إحداث إصاباته والضغط على كتفيه وبين وفاته فأورد من واقع ذلك التقرير أن حدوث هذه الإصابات بالمجني عليه تؤثر على درجة الوعي لديه أو تفقده الوعي ومن شأنها مع الوجود في وسط مائي أن يحدث الغرق وأن الوفاة نشأت عن أسفكسيا الغرق الذي ساهمت فيه هذه الإصابات فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعن من قصور في هذا الصدد.
5 - الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندهما وأكدته لديها - كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً.
6 - إذا كان من المقرر أن مجرد إثبات ظرف سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف الجريمة بنفسه من المصرين عليها وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينته من الوقائع المفيدة لسبق الإصرار، وكان الحكم قد أثبت تصميم المتهمين على قتل المجني عليه فإن ذلك يرتب تضامناًً في المسئولية يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه.
7 - لما كان ما أثبته الحكم كاف بذاته للتدليل على اتفاق الطاعن مع الطاعنين الثاني والثالث والمتهمين الآخرين - المحكوم عليهم غيابياً - على قتل المجني عليه من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قد قصَد قصْد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة المعتدى عليه ومن ثم يصح طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبار الطاعن فاعلاً أصلياً في جريمة القتل العمد المقترن التي وقعت تنفيذاً لذلك التصميم أو هذا الاتفاق.
8 - لما كانت العقوبة المقضي بها على الطاعن - وهي الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة الاشتراك في جناية القتل العمد مع سبق الإصرار مجردة من ظرف الاقتران فإن مجادلته فيما أثبته الحكم من وصف الجريمة بالنسبة له باعتباره فاعلاً أصلياً ونعيه على الحكم لعدم توافر ظرف الاقتران لا يكون له محل ولا مصلحة له منه، ولا يغير من ذلك القول بأن المحكمة قد أخذته بالرأفة وأنها كانت عند تقدير هذه العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة بالنسبة له إذ أن تقدير المحكمة للعقوبة مرده ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني وما أحاط بها من ظروف لا الوصف القانوني الذي تعطيه المحكمة لها ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بدعوى الخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد.
9 - متى كان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من اعتراف الطاعنين الأول والثالث والمتهمين الثاني والرابع والسادس المحكوم عليهم غيابياً له صداه وأصله الثابت في الأوراق فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له محل بما تنحل معه منازعتهما في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى ومصادرتها في عقيدتها وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
10 - من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات فلها بهذه المثابة أن تقرر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه أو إلى غيره من المتهمين قد انتزع منهم بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن تعييب الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله.
11 - لا يقدح في سلامة الحكم ما أورده من أن المتهم المتوفى قد أصيب بالإغماء أمام وكيل النيابة في حين أن الثابت - على ما يبين من المفردات أنه أصيب بالإغماء أمام رئيس المباحث عقب القبض عليه فقام بنقله إلى المستشفى وأثبت هذه الواقعة في محضره المؤرخ 25 - 5 - 1980 وقام بعرضه على النيابة في ذات التاريخ، فإنه مع التسليم بأن الأمور جرت بداية ومآلاً على هذا النحو فإنها ليست بذات أثر على جوهر الواقعة التي اقتنعت بها المحكمة وهي أن هذا المتهم قد أصيب بالإغماء ونقل إلى المستشفى وتوفى بها وفاة طبيعية نتيجة حالته المرضية يستوي في هذا المقام أن يكون قد أصيب بالإغماء أمام وكيل النيابة أو الضابط وأن يقوم هذا الأخير بنقله إلى المستشفى تلقائياً أو تنفيذاً لأمر النيابة ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا تكون مقبولة لما هو مقرر من أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
12 - من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج.
13 - ليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافر ولا تقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض.
14 - إذا كان ما أورده الحكم سائغاً وسديداً ويستقيم به التدليل على تحقق قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين كما هو معرف به في القانون وهو ما يرتب بينهما وبين من أسهموا في ارتكاب الفعل معهما تضامناً في المسئولية يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه إذ يكفي ظهورهم معاً على مسرح الجريمة وقت ارتكابها وإسهامهم في الاعتداء على المجني عليه فإذا ما أخذت المحكمة الطاعنين عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليه تنفيذاً لهذا القصد والتصميم الذي انتوياه دون تحديد لفعلهما وفعل من كانوا معهما ومحدث الإصابات وفعل التغريق الذي أدى إلى وفاته بناء على ما اقتنعت به للأسباب السائغة التي أوردتها من أن تدبيرهما للجريمة قد أنتج النتيجة التي قصدا إحداثها وهي الوفاة فإن ما يثيره الطاعنان بشأن عدم تحديد الحكم من قام من المتهمين بالاعتداء على المجني عليه بالضرب وإغراقه في المياه وعدم إشارته إلى مساهمة الطاعنين بنصيب قل أو أوفى في هذه الأفعال يكون غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم: (أولاً) قتلوا..... عمداً ومع سبق الإصرار بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله وأعدوا لذلك سلاحاً نارياً (بندقية) وآلات راضة (عصي وحديدة) وتوجهوا إليه في مسكنه الذي أيقنوا سلفاً بتواجده به واصطحبوه إلى حيث ضربوه بعصي حديد حتى فقد وعيه وألقوه في ترعة فحدثت إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وقد تقدمت هذه الجناية جنايتان أخريان هما أنه في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر: ( أ ) سرقوا النقود المبينة وصفاً وقدراً بالتحقيقات المملوكة للمجني عليه سالف الذكر و..... بطريق الإكراه الواقع عليهما بأن انتحلوا صفة الشرطة السريين وهددوهما بسلاح ناري وتمكنوا بتلك الوسيلة من الإكراه من سلب نقودهما. (ب) قبضوا على المجني عليه سالف الذكر بدون وجه حق بأن ادعوا أنهم من رجال الشرطة السريين وتزيا أحدهم بزي عسكري وتوجهوا لمسكنه وأجروا تفتيشه وقبضوا عليه دون أمر الحكام المختصين. (ثانياً): المتهمين جميعاً أيضاً: أحرزوا بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن (بندقية). وأحالتهم النيابة العامة إلى محكمة جنايات شبين الكوم لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. وادعى (والدي المجني عليه) مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 234/ 1، 2، 280، 282، 213 من قانون العقوبات والمادتين 1/ 1، 26/ 1، من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقوانين أرقام 546 لسنة 1954، 75 لسنة 1958، 26 لسنة 1979 والجدول رقم 2 مع تطبيق المادتين 32/ 2، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين (الطاعنين) بالأشغال الشاقة المؤبدة عما أسند إليهم وبإلزامهم وآخرين متضامنين بأن يؤدوا للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

أولاً: عن الطعن المقدم من الطاعن الأول:
حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجنايتي سرقة بإكراه وقبض بدون وجه حق وبجناية إحراز سلاح ناري غير مششخن بغير ترخيص قد شابه القصور والتناقض في التسبيب وانطوى على الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه لم يدلل على توافر نية القتل لدى الطاعن تدليلاً كافياً ووقع في تناقض حين استدل على توافر هذه النية بالإصابات التي لحقت بالمجني عليه رغم أن تقرير الصفة التشريحية الذي عول عليه قد أثبت أن تلك الإصابات أفقدت المجني عليه الوعي وليس من شأنها إحداث الوفاة التي نشأت عن أسفكسيا الغرق بما تنتفي معه علاقة السببية بين هذه الإصابات والوفاة، وقد أقام الحكم قضاءه على القطع بأن إصابات المجني عليه أفقدته الوعي ومن شأنها مع الوجود في وسط مائي أن يحدث الغرق في حين أن الثابت من تقرير الصفة التشريحية أن هذه المساهمة كانت على سبيل الاحتمال لا القطع وفضلاً عن ذلك فإن الحكم عاقب الطاعن، باعتباره فاعلاً أصلياً في جناية القتل العمد المقترن وطبق في حقه نص المادة 234/ 2 من قانون العقوبات رغم أن ما أسند إلى الطاعن من أفعال لا يتجاوز الاشتراك في الجريمة مما كان يوجب معاملته بمقتضى المادة 235 من ذات القانون التي تنص على عقوبة مخففة بالنسبة للشريك والنزول بالعقوبة إلى السجن في حدود ما ترسمه المادة 17 من قانون العقوبات التي أعملتها المحكمة فضلاً عن عدم توافر ظرف الاقتران الأمر الذي يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن المجني عليه قضي بإدانته وإلزامه بالتعويض في جناية إحداث عاهة بقريب المتهمين الثلاثة الأول أدت إلى إصابته بالشلل وبعد تنفيذه العقوبة والإفراج عنه ماطل في أداء التعويض مما أوغر صدر هؤلاء المتهمين نحوه فاتفق المتهمان الأول (الطاعن الأول) والثاني على قتله وتنفيذاً لهذا الاتفاق ومنذ ستة أشهر سابقة على الحادث توجها إلى بلدة المتهمين الرابع والسادس وعرضا عليهما ما عقدا العزم عليه فقبلا المساهمة معهما في الجريمة ثم اتفقا بدورهما مع قريبهما المتهم الثالث (الطاعن الثاني) الخفير النظامي ببلدة المجني عليه على أن يكون في انتظارهم ليراقب الطريق أثناء ارتكابهم الجريمة، وليلة الحادث توجه المتهمان الأول والثاني بسيارة أولهما إلى بلدة المتهمين الرابع والسادس وصحباهما في السيارة كما صحبهم أيضاً المتهم الخامس (الطاعن الثالث) وتوجهوا إلى بلدة المجني عليه وترجل المتهمون الرابع والخامس والسادس من السيارة وكان الرابع يحمل بندقية والسادس مرتدياً زياً عسكرياً وكان المتهم الثالث في انتظارهم تاركاً منطقة حراسته لهذا الغرض ورافقهم إلى قرب منزل المجني عليه ثم انتظر لتأمين الطريق بينما اتجه هؤلاء إلى المنزل وطرقوا بابه فترددت والدة المجني عليه في فتحه وعندما استيقظ المجني عليه وفتح لهم صفعه أحدهم بدعوى أنه هارب من الخدمة العسكرية وأن أخاه اختلس أموالاً أميرية وعاثوا في المنزل تفتيشاً حتى عثروا على مبلغ 53 جنيه وعندما حاولت والدة المجني عليه استرداد النقود منهم دفعها أحدهم بقبضة يده وقبض على المجني عليه أمام والديه واقتادوه خارج المنزل فتبعتهم والدته حتى غابوا عن بصرها في الظلام ووصلوا به إلى مكان السيارة التي كان ينتظر فيها المتهمان الأول والثاني بجوار شاطئ ترعة وهناك أكملوا خطتهم بأن انهال عليه اثنان منهم ضرباً بأجسام صلبة راضة على مؤخرة رأسه وكتفيه وظهره حتى فقد وعيه ثم ألقوا به في مياه الترعة وضغط أحدهم على كتفيه حتى توفى بأسفكسيا الغرق. وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعن والمحكوم عليهم الآخرين أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن اعتراف المتهمين الأول (الطاعن الأول) والثاني والرابع والخامس (الطاعن الثالث) والسادس من أقوال المتهم الثالث (الطاعن الثاني) ومن تحريات الشرطة ومن تقرير الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة تتوافر بها كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وتؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في قوله "وتستخلص المحكمة هذه النية من أن المتهمين في قبضهم على المجني عليه من منزله لا يمكن أن يكون لمجرد ضربه ضرباً يعجزه لأن ذلك كان ميسوراً لمن دخلوا المنزل منهم بحجة أنهم من رجال المباحث ثم اقتياده إلى شاطئ ترعة النعناعية حيث انهال عليه اثنان منهم بالضرب على مؤخرة رأسه وكتفيه وظهره بأجسام صلبة راضة حتى فقد الوعي ثم ألقوه في الترعة وضغط أحدهم على كتفيه حتى مات بأسفكسيا الغرق مما يقطع بتوافر نية إزهاق الروح". كما نقل الحكم عن تقرير الصفة التشريحية بما له أصله الثابت من الأوراق - على ما يبين من المفردات المضمومة - أن المجني عليه مصاب بجرح رضي بيمين مؤخر الرأس خلف الأذن اليمنى ومثله بمؤخر الرأس خلف الأذن اليسرى وانسكابات دموية غزيرة بأعلى الظهر والكتفين الأيمن والأيسر ويجوز حدوث هذه الإصابات من أجسام صلبة راضة أياً كان نوعها وأن من شأنها أن تؤثر على درجة الوعي أو تفقد المجني عليه الوعي كما أن من شأنها مع الوجود في وسط مائي أن يحدث الغرق وأن الوفاة حدثت نتيجة أسفكسيا الغرق الذي ساهمت فيه هذه الإصابات. ولما كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد ساق على قيام هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن على ما تقدم وكان الحكم لم يقتصر في استظهار نية القتل على الاستدلال بالإصابات التي أحدثها الجناة بالمجني عليه - كما يدعي الطاعن في طعنه - بل ومن تغريقه في مياه الترعة والضغط على كتفيه حتى توفى نتيجة أسفكسيا الغرق وبما لا يتعارض مع ما نقله عن تقرير الصفة التشريحية على النحو السالف ذكره وهو استخلاص سائغ لا تناقض فيه فإن قالة التناقض والتخاذل تنحسر عن الحكم المطعون فيه لما هو مقرر من أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في شأن استدلاله على توافر نية القتل يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر علاقة السببية بين إصابات المجني عليه التي أورد تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية وفعل التغريق الذي قارفه الجناة بدفع المجني عليه في مياه الترعة بعد إحداث إصاباته والضغط على كتفيه وبين وفاته فأورد من واقع ذلك التقرير أن حدوث هذه الإصابات بالمجني عليه تؤثر على درجة الوعي لديه أو تفقده الوعي ومن شأنها مع الوجود في وسط مائي أن يحدث الغرق وأن الوفاة نشأت عن أسفكسيا الغرق الذي ساهمت فيه هذه الإصابات فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعن من قصور في هذا الصدد، أما ما يثيره الطاعن في خصوص اعتماد الحكم على تقرير الصفة التشريحية مع أنه بني على الترجيح لا القطع في خصوص إسهام الإصابات في حدوث الغرق ففضلاً عن أن الطبيب الشرعي قد قطع بذلك في تقريره - على ما يبين من المفردات - فهو مردود بأن الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها - كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت ظرف سبق الإصرار بما ينتجه من وجوه الأدلة السائغة بما لا مطعن عليه من الطاعن، وإذ كان من المقرر أن مجرد إثبات ظرف سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف الجريمة بنفسه من المصرين عليها وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينته من الوقائع المفيدة لسبق الإصرار، وكان الحكم قد أثبت تصميم المتهمين على قتل المجني عليه فإن ذلك يرتب تضامناً في المسئولية يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه، هذا إلى أن ما أثبته الحكم كاف بذاته للتدليل على اتفاق الطاعن مع الطاعنين الثاني والثالث والمتهمين الآخرين - المحكوم عليهم غيابياً - على قتل المجني عليه من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قصَد قصْد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ومن ثم يصح طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبار الطاعن فاعلاًً أصلياً في جريمة القتل العمد المقترن التي وقعت تنفيذاً لذلك التصميم أو هذا الاتفاق، وفضلاً عن ذلك فإنه لما كانت العقوبة المقضى بها على الطاعن - وهي الأشغال الشاقة المؤبدة - تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة الاشتراك في جناية القتل العمد مع سبق الإصرار مجردة من ظرف الاقتران فإن مجادلته فيما أثبته الحكم من وصف الجريمة بالنسبة له باعتباره فاعلاً أصلياً ونعيه على الحكم لعدم توافر ظرف الاقتران لا يكون له محل ولا مصلحة له منه، ولا يغير من ذلك القول بأن المحكمة قد أخذته بالرأفة وأنها كانت عند تقدير هذه العقوبة تحت تأثير الوصف الذي أعطته للواقعة بالنسبة له إذ أن تقدير المحكمة للعقوبة مرده ذات الواقعة الجنائية التي قارفها الجاني وما أحاط بها من ظروف لا الوصف القانوني الذي تعطيه المحكمة لها ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بدعوى الخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن هذا الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: عن الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث:
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانهما بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجنايتي سرقة بإكراه وقبض بدون وجه حق وبجناية إحراز سلاح ناري غير مششخن بغير ترخيص قد شابه الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب وانطوى على الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه نسب إلى اعتراف الطاعن الأول والمتهمين الثاني والرابع والسادس - على خلاف الثابت بالأوراق أن الطاعن الثاني كان في انتظارهم ورافق المتهمين الرابع والسادس والطاعن الثالث في طريقهم إلى مسكن المجني عليه وانتظرهم في الخارج لمراقبة الطريق وأنهم صحبوا معهم الطاعن الثالث في طريقهم إلى مكان الحادث لذات الغرض الذي اتفقوا عليه، كما أسند إلى الطاعن الثالث اعترافه بمصاحبة المتهمين الأربعة سالفي الذكر في سيارة الطاعن الأول إلى بلدة المجني عليه وأنه دخل معهم منزل المجني عليه بدعوى أنهم من رجال المباحث واستولى من المنزل على مبلغ 53 ج ثم اقتادوا المجني عليه بعد القبض عليه إلى حيث تمت جريمة قتله رغم خلو اعترافه من ذلك، هذا إلى أن الطاعنين دفعا ببطلان هذه الاعترافات لصدورها تحت تأثير الإكراه والتعذيب من رجال الشرطة بدلالة وفاة المتهم "......" نتيجة التعذيب وقد أطرح الحكم هذا الدفاع قولاً منه بأن وفاته كانت طبيعية بعد إصابته بالإغماء أمام وكيل النيابة المحقق مع أن الثابت في الأوراق أن هذا المتهم لم يمثل أمام وكيل النيابة لإصابته بالإغماء أمام ضابط المباحث الذي قام بنقله إلى المستشفى، وفضلاً عن ذلك فإن ما أورده، الحكم بياناً لنية القتل وظرف سبق الإصرار لا يكفي لاستظهارهما والاستدلال على توافرهما في حق الطاعنين وقد عاقبهما الحكم باعتبارهما فاعلين أصليين في جريمة القتل العمد رغم أنه لم يحدد المتهمين الذين قاموا بالاعتداء على المجني عليه بالضرب وتغريقه في المياه ولم ينسب إلى الطاعنين المساهمة في هذه الأفعال، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من اعتراف الطاعنين الأول والثالث والمتهمين الثاني والرابع والسادس المحكوم عليهم غيابياً له صداه وأصله الثابت في الأوراق فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له محل بما تنحل معه منازعتهما في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى ومصادرتها في عقيدتها وهو ما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما دفع به الطاعنان من بطلان اعتراف المتهمين لأنه وليد إكراه وتعذيب بدلالة وفاة أحد المتهمين نتيجة التعذيب ورد عليه بقوله "وتشيح المحكمة عن هذا الدفاع جملة وتفصيلاً إذ الثابت أن...... أصيب بالإغماء أمام وكيل النيابة المحقق بجلسة 25 - 5 - 1980 فنقل إلى المستشفى للعلاج حيث وافاه أجله في يوم 30 - 5 - 1980 فكلفت النيابة لجنة من أطباء مستشفى منوف العام بكتابة تقرير مطول عن سبب الوفاة وقد انتهت هذه اللجنة إلى أن الوفاة طبيعية نتيجة المرض من ضغط الدم وأن السحجة المستديرة وقطرها أقل من نصف سنتيمتر بأسفل ساقه اليمنى مغطاة بقشرة ومضى عليها أكثر من عشرة أيام وتحدث من الارتطام بجسم صلب وقد انتهى الطبيب الشرعي في تقريره المؤرخ 30 - 6 - 80 إلى ما يؤيد رأي اللجنة الطبية عن الإصابة بالساق اليمنى - السحج - وأن وفاته نتيجة ارتفاع شديد مفاجئ في ضغط الدم وما صاحب ذلك من نزيف على سطح المخ وساعدت على ذلك حالة المتوفى المرضية المزمنة الموصوفة بالقلب والرئتين، فالاستدلال على أن أقوال المتهمين لم تكن وليدة إرادة حرة بوفاة المذكور يكون استدلال غير صحيح بعد إجماع رأي أهل الخبرة على أن الوفاة طبيعية نتيجة حالة مرضية مزمنة وصفها الطبيب الشرعي تفصيلاً بتقرير الصفة التشريحية وقد أصابت النيابة العامة فيما فعلت فسدت بذلك على المتهمين كل ذريعة لهم في هذا الخصوص، وليس أدل على أن أقوال المتهمين كانت وليدة إرادة حرة أن بعض من اعترف منهم قد جاهد في تخفيف مسئوليته ملقياً بعبء الجرم على الآخرين في حين لاذ البعض بالإنكار التام عن نفسه وليس هذا شأن من يكون واقعاً تحت إكراه، وكان خير شاهد على هذا هو عدم تطابق أقوالهم ولو كانت بإملاء رجال المباحث كما زعم المتهمون لكانت أقرب إلى التطابق لاتحاد مصدرها ولهذا كله ولاطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت السابق سردها يكون دفاع المتهمين منهاراً من أساسه" ولما كان الطاعنان لا يماريان في صحة ما نقله الحكم عن التقارير الفنية في معرض رده على دفاعهما، وكان هذا الذي رد به الحكم على ما أثير بشأن تعييب اعتراف المتهمين سائغاً في تفنيده وفي نفي أية صلة له بأي نوع من الإكراه، وكان من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية هو من العناصر التي تمتلك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات فلها بهذه المثابة أن تقرر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه أو إلى غيره من المتهمين قد انتزع منهم بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن تعييب الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله. ولا يقدح في سلامة الحكم في هذا الصدد ما أورده من أن المتهم المتوفى قد أصيب بالإغماء أمام وكيل النيابة في حين أن الثابت - على ما يبين من المفردات - أنه أصيب بالإغماء أمام المقدم "......" رئيس المباحث عقب القبض عليه فقام بنقله إلى المستشفى وأثبت هذه الواقعة في محضره المؤرخ 25 - 5 - 1980 وقام بعرضه على النيابة في ذات التاريخ، فإنه مع التسليم بأن الأمور جرت بداية ومآلاً على هذا النحو فإنها ليست بذات أثر على جوهر الواقعة التي اقتنعت بها المحكمة وهي أن هذا المتهم قد أصيب بالإغماء ونقل إلى المستشفى وتوفى بها وفاة طبيعية نتيجة حالته المرضية يستوي في هذا المقام أن يكون قد أصيب بالإغماء أمام وكيل النيابة أو الضابط وأن يقوم هذا الأخير بنقله إلى المستشفى تلقائياً أو تنفيذاً لأمر النيابة ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد في هذا الصدد لا تكون مقبولة لما هو مقرر من أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة. لما كان ذلك, وكان ما يعيبه الطاعنان في شأن تدليل الحكم على نية القتل قد سبق الرد عليه لدى بحث أوجه الطعن المقدم من الطاعن الأول فإن النعي على الحكم في هذا الصدد بالقصور أو الفساد في الاستدلال يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان الحكم قد عرض لظرف سبق الإصرار وأثبته في حق الطاعنين والمتهمين الآخرين في قوله "الثابت مما تقدم أن الجناة قد انتهوا بتفكير هادئ إلى الخطة السابقة بعد بيانها من انتحال صفة رجال المباحث لاقتحام منزل المجني عليه للقبض عليه واقتياده إلى حيث يزهقون روحه انتقاماً منه لما صار إليه أمر خال أولهم وقريب الثاني والثالث منهم المدعو...... الذي كان قد أدين المجني عليه بإحداث عاهته التي ألزمته الفراش ومماطلة المجني عليه في أداء ما قضي به عليه من تعويض مما جعل الجانيان الأول والثاني يترددان على زميلاهما الرابع والسادس ببلدتهما أكثر من مرة لتنفيذ ما عقدوا العزم عليه من شهور عدة سابقة على يوم الحادث ولا يقدح في توفر سبق الإصرار في حق الجانبين الثالث والخامس (الطاعنين الثاني والثالث) أن هذا الخامس لم يعلم بالجريمة إلا والسيارة تقل الجناة إلى مسرح الجريمة بل إن هذا يدل على أنه إذ وافق عليها وشارك في تنفيذها كان بعيداً كل البعد عن ثورة الانفعال هادئ النفس وأعمل فكره في روية وانتهى به الأمر إلى المشاركة في التنفيذ، والأمر كذلك بالنسبة للخفير النظامي ثالث الجناة الذي كان في استقبال الجناة وأرشد من توجه منهم إلى منزل المجني عليه وظل يرقب لهم الطريق تنفيذاً للمخطط الإجرامي المعد من قبل ولم يعد إلى منطقة حراسته إلا بعد أن انتهت المأمورية التي كان مكلفاً بها بعد قتل المجني عليه وانصراف باقي الجناة". ولما كان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً ولا تقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض، وإذا كان ما أورده الحكم فيما سلف سائغاً وسديداً ويستقيم به التدليل على تحقق قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين كما هو معرف به في القانون وهو ما يرتب بينهما وبين من أسهموا في ارتكاب الفعل تضامناً في المسئولية يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه إذ يكفي ظهورهم معاً على مسرح الجريمة وقت ارتكابها وإسهامهم في الاعتداء على المجني عليه فإذا ما أخذت المحكمة الطاعنين عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليه تنفيذاً لهذا القصد والتصميم الذي انتوياه دون تحديد لفعلهما وفعل من كانوا معهما ومحدث الإصابات وفعل التغريق الذي أدى إلى وفاته بناء على ما اقتنعت به للأسباب السائغة التي أوردتها من أن تدبيرهما للجريمة قد أنتج النتيجة التي قصدا إحداثها وهي الوفاة فإن ما يثيره الطاعنان بشأن عدم تحديد الحكم من قام من المتهمين بالاعتداء على المجني عليه بالضرب وإغراقه في المياه وعدم إشارته إلى مساهمة الطاعنين بنصيب قل أو أوفى في هذه الأفعال يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق