الصفحات

السبت، 7 نوفمبر 2020

الطعن 25533 لسنة 60 ق جلسة 6 / 6 / 2015 إدارية عليا مكتب فني 60 ج 1 توحيد مبادئ ق 4 ص 34

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ جمال طه إسماعيل ندا رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. هاني أحمد الدرديري عبد الفتاح ود. عبد الفتاح صبري أبو الليل ومحمد عبد الحميد عبد اللطيف إبراهيم وبخيت محمد محمد إسماعيل وسالم عبد الهادي محروس جمعه ولبيب حليم لبيب ومحمود محمد صبحي العطار وحسن كمال محمد أبو زيد شلال وعطية عماد الدين محمد نجم وأحمد عبد الحميد حسن عبود. نواب رئيس مجلس الدولة 
------------------- 
1 - دعوى.
وجوب توقيع محام على عريضة الدعوى- الغرض الذي تغياه المشرع من ذلك هو التأكد من أن العريضة جاءت مُعَدة إعدادا قانونيا سليما، مما يوفر على المحكمة عناء الوقوف على عناصر النزاع، وما يستهدفه المدعي من دعواه، وحتى تنقطع المنازعات التي كثيرا ما تبدأ بسبب قيام من لا خبرة لهم بممارسة هذه الشئون ذات الطبيعة القانونية، مما يعود بالضرر على ذوي الشأن. 
2 - دعوى. 
تكييف الطلبات- مفهومه- التكييف هو وصف الوقائع وإبرازها كعنصر أو شرط أو قيد للقاعدة القانونية واجبة التطبيق- التكييف مهمة تقتضي جهدا في بحث طيات وقائع الدعوى، كما يقتضي فهم القانون والشروط اللازمة لإعمال نصوصه المختلفة- أوجب المشرع أن تشتمل عريضة الدعوى التي تقدم إلى قلم كتاب المحكمة على موضوع الطلب وأسانيده، ورتب على إغفال هذا الإجراء بطلان العريضة- الحكمة التي تغياها المشرع من ذلك هي تمكين المحكمة من الإلمام بمضمون الدعوى ومرماها، وإتاحة الفرصة للمدعى عليه لأن يُكوِّن فكرة وافية عن المطلوب منه. 
3 - دعوى. 
تكييف الطلبات- العبرة في تحديد طلبات المدعي هي بما يطلب الحكم به، فهو الذي يحدد نطاق دعواه وطلباته أمام القضاء- المحكمة ملزمة في قضائها بهذه الطلبات وما ارتكزت عليه من سبب قانوني، مادام لم يطرأ عليها تغيير أو تعديل أثناء سير الخصومة- لئن كان من حق المحكمة أن تعطي طلبات المدعي التكييف القانوني الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابساته، إلا أنه ينبغي عليها ألا تصل في هذا التكييف إلى حد تعديل طلباته، سواء بإضافة ما لم يطلب الحكم به صراحة، أو بتحوير تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصده ونيته الحقيقية من وراء إبدائها- إذا رأت المحكمة أن الوقائع التي يستند إليها المدعي لا تستجيب للحكم له بطلبه، فإنها تقضي برفضه- إذا كيفت المحكمة الدعوى على خلاف ما أقيمت به فإنها تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم، وورَدَ حكمها على غير محل، ووقع باطلا بطلانا مطلقا. 
4 - دعوى. 
التماس إعادة النظر- يجوز الطعن في الأحكام الصادرة عن محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية بطريق التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية- أحكام المحكمة الإدارية العليا كانت ومازالت لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر. 
5 - دعوى. 
تكييف الطلبات- لا يجوز تكييف طلب التماس إعادة النظر في حكم للمحكمة الإدارية العليا على أنه دعوى ببطلان هذا الحكم- المحكمة بذلك تكون قد قامت بتغيير واقعات الدعوى وطلبات الملتمس تغييرا جذريا- هذا الحكم يكون منبت الصلة عن الواقعات والطلبات المرفوع بها الالتماس، فيكون قد قضى بما لم يطلبه الملتمس، ولم يفصل في الخصومة المنظورة أمامه- المحكمة بذلك لا تكون قد استنفدت سلطتها في شأنه، ومن ثم لا يرتب أية حجية، ولا يرد عليه التصحيح- الأثر المترتب على ذلك هو إعادة الخصوم إلى الحالة التي كانوا عليها قبل إصداره، واستعادة المحكمة لسلطتها في الفصل في الالتماس المطروح عليها. 
6 - قواعد فقهية. 
لا قضاء إلا في خصومة، ولا خصومة بغير دعوى يقيمها مدعيها ويحدد طلباته فيها- الغرض المنشود من إقامة الدعوى هو استصدار حكم يقر الحق المرفوعة به، ويضع حدا للنزاع المتعلق بموضوعها. 
7 - مجلس الدولة. النعي ببطلان الحكم 
دائرة توحيد المبادئ- سلطتها في الحكم في موضوع الطعن- كما يجوز لهذه الدائرة أن تقتصر في حكمها على البت في المسألة القانونية التي كانت محلا لتناقض الأحكام، فإنه لا يوجد ما يحول بينها وبين الفصل في الطعن، متى استقامت عناصره، وكان صالحا للفصل فيه. 
--------------- 
الوقائع
في يوم الاثنين الموافق 17/3/2014 أودع الأستاذ/ ... المحامي بالنقض، بصفته وكيلا عن السيد/ ...، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 25533 لسنة 60 ق.عليا، طعنا بالبطلان على الحكم الصادر عن المحكمة بجلسة 1/6/2013 في الطعن رقم 8728 لسنة 59 ق. عليا، القاضي بقبول الطعن شكلا، وببطلان الحكم الصادر بجلسة 24/1/2012 في الطعن رقم 18256 لسنة 55 ق. عليا.
وطلب الطاعن – للأسباب التي أوردها بتقرير طعنه – الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع ببطلان الحكم الصادر بجلسة 1/6/2013 في الطعن رقم 8728 لسنة 59 ق. عليا.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ارتأت فيه إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة على وفق نص المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة؛ لإرساء مبدأ في شأن مدى جواز الطعن بالبطلان في الحكم الصادر في دعوى بطلان.
ونظر الطعن أمام الدائرة الرابعة (موضوع)، فقررت بجلستها المنعقدة بتاريخ 20/12/2014 إحالته إلى هذه الدائرة؛ لترجيح أحد اتجاهي المحكمة في شأن سلطتها في تكييف طلبات الخصوم، ومدى جواز الطعن بالبطلان في حكم صادر في دعوى بطلان.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ارتأت فيه ترجيح الاتجاه السائد في أحكام المحكمة الذي من مقتضاه أن المحكمة مقيدة في تكييف الدعوى بطلبات الخصوم فيها، متى أبديت هذه الطلبات في عبارات واضحة، وترجيح الاتجاه الذي أجاز الطعن بالبطلان في الأحكام الصادرة بالبطلان، وبقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وتحدد لنظر الطعن جلسة 10/1/2015، وتدوول نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث قدم الطاعن مذكرة بدفاعه صمم فيها على الحكم له بطلباته، وردت الجامعة المطعون ضدها على الطعن فقدمت حافظة مستندات ودفعت بعدم جواز نظر الطعن لسابقة الفصل فيه، وبجلسة 2/5/2015 قررت المحكمة حجز الطعن لإصدار الحكم فيه بجلسة 6/6/2015، وصرحت لمن يشاء بتقديم مذكرة بدفاعه خلال أجل حددته، وقد انقضى هذا الأجل دون أن يقدم أي من الخصوم مذكرة بدفاعه، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به. 
------------------ 
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أنه بتاريخ 21/6/2004 أصدر السيد رئيس جامعة قناة السويس القرار رقم 764 لسنة 2004 بإحالة الدكتور/ ... المدرس بقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية التربية إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة تدريس جامعة قناة السويس، لمحاكمته تأديبيا لما نسبته إليه النيابة العامة في القضية رقم 12 لسنة 2002 جنايات أمن دولة العريش.
وبجلسة 15/9/2004 قضى مجلس التأديب بمجازاة المحال بالعزل من الوظيفة؛ لثبوت طلبه من: . . . مبالغ مالية لاستعمال نفوذه المزعوم للحصول على أحكام قضائية لمصلحة الأخير في الدعويين رقمي 1355 و2060 لسنة 2000 جنح مستأنف العريش، بالحكم الصادر ضده في الجناية رقم 12 لسنة 2002 بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
ولم يرتض الطاعن هذا القضاء، فطعن عليه بالطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 ق. عليا. وبجلسة 14/1/2006 قضت المحكمة الإدارية العليا بقبول الطعنين شكلا، ورفضهما موضوعا، تأسيسا على سلامة الحكم المطعون فيه، وقيامه على سببه المبرر له.
وبتاريخ 5/5/2009 أقام الطاعن الطعن رقم 18256 لسنة 55 ق. عليا، ناعيا على الحكم عيب البطلان، لصدوره عن محكمة مشكلة من أربعة أعضاء بالمخالفة للقانون.
وبجلسة 24/11/2012 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وببطلان الحكم المطعون فيه، وببطلان قرار مجلس التأديب، وبسقوط الدعوى التأديبية.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من مطالعة مسودة الحكم أنها موقعة من أربعة أعضاء، وأن البين من مطالعة أصل الحكم صدوره عن خمسة أعضاء بالمخالفة لما هو ثابت بمحضر جلسة النطق به، إذ يبين حذف اسم أحد الأعضاء ووضعه بين قوسين، ويليه كلمة "صح"، مما مفاده غيابه عن جلسة النطق به، ومن ثم فإن السيد العضو لم يشترك في المداولة، ولم يوقع على المسودة، أو غاب عن جلسة النطق به، وبالتالي فإن الحكم يكون قد صدر عن أربعة أعضاء بالمخالفة للقانون.
وأضافت المحكمة أن الثابت من حافظة مستندات الجامعة المطعون ضدها أن مجلس التأديب الذي أصدر القرار المطعون عليه ترأسه الدكتور/ ... نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم، وهو كان عضوا بمجلس الجامعة الذي اجتمع بجلسته رقم(70) بتاريخ 29/4/2003، ووافق على وقف الطاعن عن العمل طوال فترة حبسه، وأوصى بإحالته إلى مجلس التأديب، وبالتالي فإنه يكون قد سبق أن أبدى رأيا، الأمر الذي يجعله غير صالح لنظر الدعوى التأديبية، ومن ثم فإن قرار مجلس التأديب الذي انعقد برئاسته يكون قد صدر باطلا، وأنه لما كانت إجراءات المحاكمة انتهت في 15/9/2004، فإنه يكون قد انقضى على ارتكاب المخالفة ثلاث سنوات، فتكون الدعوى التأديبية بشأنها قد سقطت بمضي المدة.
وبتاريخ 23/1/2013 طعنت الجامعة على هذا الحكم بطريق التماس إعادة النظر، وقيد الالتماس برقم 8728 لسنة 59 ق. عليا، طالبة قبول الالتماس شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم الملتمس فيه، تأسيسا على أن الملتمس ضده أدخل الغش على المحكمة.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ارتأت فيه الحكم بعدم جواز التماس إعادة النظر في الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا.

وبجلسة 1/6/2013 قضت المحكمة بقبول دعوى البطلان الأصلية شكلا، وفي الموضوع ببطلان الحكم المطعون فيه.
وأقامت قضاءها على أن حقيقة طلبات الجامعة – طبقا للتكييف القانوني الصحيح – هو بطلان الحكم المطعون عليه، وأن الثابت من مطالعة مسودة الحكم الصادر بجلسة 14/1/2006 في الطعنين رقمي 405 و670 لسنة 51 ق. عليا أن العضو الذي كتبه هو الذي أشر على "الشميز" بعبارة: "تم التصحيح"، كما أشر رئيس المحكمة بأنه تمت المداولة، وأن المسودة تضمنت أربعة توقيعات، وتوقيعًا بدا محوه، وأن التوقيع الذي تم محوه هو توقيع السيد العضو المقرر، وإذ لم يقدم الطاعن ما يثبت أن محو التوقيع كان سابقا على صدور الحكم، فإنه لا مناص من استصحاب الأصل العام باعتبار أن الإجراءات قد روعيت، وبالتالي فإن الحكم يكون قد صدر مشوبا بالبطلان.
ولم يرتض الطاعن هذا القضاء، فبادر إلى الطعن عليه بالطعن الماثل، ناعيا عليه عيب البطلان؛ لأنه كيّف التماس إعادة النظر على أنه دعوى بطلان أصلية، رغم أنه مقيد بطلبات الجامعة ولا يملك تعديلها، ولأنه خالف ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أنه لا يجوز الطعن بالبطلان في الأحكام الصادرة بالبطلان، فضلا عن انطوائه على تدليس آثم في مضمونه بالالتفاف على ما هو مستقر عليه من عدم جواز الطعن على أحكام المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر.
ومن حيث إنه عن هذه المسألة فهناك أحكام صدرت عن المحكمة الإدارية العليا، (ومنها الحكم الصادر بجلسة 10/12/2000 في الطعن رقم 2138 لسنة 47 ق. عليا) تمنح المحكمة سلطة إعطاء الدعوى وصفها الحق دون أن تتقيد في ذلك بطلبات الخصوم، وهناك أحكام أخرى (ومنها الحكم الصادر بجلسة 4/7/2004 في الطعن رقم 2805 لسنة 47 ق. عليا) قيدت سلطة المحكمة بطلبات الخصوم، متى أبديت هذه الطلبات في عبارات واضحة لا لبس فيها ولا غموض.
ومن حيث إن التكييف هو وصف الوقائع وإبرازها كعنصر أو شرط أو قيد للقاعدة القانونية واجبة التطبيق، وهو مهمة تقتضي جهدا في بحث طيات وقائع الدعوى، كما يقتضي فهم القانون والشروط اللازمة لإعمال نصوصه المختلفة؛ لذلك أوجب المشرع في المادة 25 من قانون مجلس الدولة (الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972) أن تشتمل عريضة الدعوى التي تقدم إلى قلم كتاب المحكمة على موضوع الطلب وأسانيده، وأن تكون العريضة موقعة من محام، ورتب على إغفال هذا الإجراء بطلان العريضة.
والحكمة التي تغياها المشرع من بيان وقائع الدعوى هو تمكين المحكمة من الإلمام بمضمون الدعوى ومرماها، وإتاحة الفرصة للمدعى عليه لأن يُكوّن فكرة وافية عن المطلوب منه.
والغرض الذي تغياه المشرع من وجوب توقيع محام على عريضة الدعوى هو التأكد من أن العريضة جاءت معدة إعدادا قانونيا سليما، مما يوفر على المحكمة عناء الوقوف على عناصر النزاع، وما يستهدفه المدعي من دعواه، وحتى تنقطع المنازعات التي كثيرا ما تبدأ بسبب قيام من لا خبرة لهـم بممارسة هذه الشئون ذات الطبيعة القانونية، مما يعود بالضرر على ذوي الشأن.
وبالتالي فإن العبرة في تحديد طلبات المدعي هي بما يطلب الحكم به، فمتى حدد المدعي نطاق خصومته، وصاغ محاميه هذه الطلبات، وبيّن سندها القانوني، فإن المحكمة ملزمة في قضائها بهذه الطلبات وما ارتكزت عليه من سبب قانوني، مادام لم يطرأ عليها تغيير أو تعديل أثناء سير الخصومة، أما إذا رأت المحكمة أن الوقائع التي يستند إليها المدعي لا تستجيب للحكم له بطلبه، فإنها تقضي برفضه، فإذا كيفت المحكمة الدعوى على خلاف ما أقيمت به فإنها تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم، ويضحى حكمها باطلا بطلانا مطلقا.
وترتيبا على ما تقدم، فإنه يتعين ترجيح الاتجاه الذي يرى أن المحكمة لدى مباشرتها لسلطتها في تكييف الدعوى مقيدة بطلبات الخصوم، متى كانت هذه الطلبات واضحة لا لبس فيها ولا غموض.– وحيث إن المادة 54 مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة مضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984 تنص على أنه: "إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون أنه صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا أحكام سابقة يخالف بعضها البعض، أو رأت العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة، تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة في كل عام قضائي من أحد عشر مستشارا برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه ...".
ومن حيث إن النص المتقدم كما يجيز للدائرة المنصوص عليها فيه أن تقتصر في حكمها على البت في المسألة القانونية التي كانت محلا لتناقض الأحكام، فإنه لا يحول بينها وبين الفصل في الطعن، متى استقامت عناصره وكان صالحا للفصل فيه.
ومن حيث إن المادة 25 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 أوجبت تقديم عريضة الدعوى إلى قلم كتاب المحكمة متضمنة - عدا البيانات العامة المتعلقة باسم الطالب ومن يوجه إليه الطلب – وقائع الدعوى وطلبات المدعي وأسانيدها القانونية وبيانا بالمستندات المؤيدة لطلبه، ونظرا إلى ما يستلزمه هذا الإجراء من تخصص وخبرة، فقد أوجب النص أن يقوم بإعداد هذه العريضة محام من المقبولين للمرافعة أمام المحكمة، لتأتي صياغتها موافقة لحقيقة مراد صاحب الشأن، ومعبرة عما يطلبه، وما يبغي الوصول إليه، وبالتالي فإنه متى استوفت عريضة الدعوى بياناتها الجوهرية، ووقعها محام من المقبولين للمرافعة أمام المحكمة، وكان المقرر أن المدعي هو الذي يحدد نطاق دعواه وطلباته أمام القضاء، فإن المحكمة ملزمة أن تسير في فلك تلك الطلبات، وبالتالي فإنه ولئن كان من حق المحكمة أن تعطي طلبات المدعي التكييف القانوني الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابساته، إلا أنه ينبغي عليها ألا تصل في هذا التكييف إلى حد تعديل طلباته، سواء بإضافة ما لم يطلب الحكم به صراحة، أو بتحوير تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصده ونيته الحقيقية من وراء إبدائها.

فإذا قامت المحكمة بتغيير واقعات الدعوى وطلبات المدعي تغييرا جذريا منقطع الصلة عن الطلبات والواقعات المرفوعة بها، فإن ذلك يؤدي إلى بطلان الحكم بطلانا مطلقا؛ ذلك لأن المقرر أنه لا قضاء إلا في خصومة، ولا خصومة بغير دعوى يقيمها مدعيها ويحدد طلباته فيها، وبالتالي فإن الغرض المنشود من إقامة الدعوى هو استصدار حكم يقر الحق المرفوعة به، ويضع حدا للنزاع المتعلق بموضوعها، ومن ثم فإن المحكمة ملزمة أن تفصل فيما طلبه المدعي على نحو جازم وصريح، وهو أمر نابع من طبيعة ووظيفة القضاء بوصفه احتكاما بين متخاصمين على حق متنازع فيه، فإذا ما خرجت المحكمة عن هذا النطاق، أو قضت على خلاف حقيقة طلبات الخصوم، ورد حكمها على غير محل، ووقع باطلا بطلانا مطلقا.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن السيد رئيس جامعة قناة السويس طعن على الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا بجلستها المنعقدة بتاريخ 24/11/2012 في الطعن رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا) بطريق التماس إعادة النظر، مرتكنا إلى نص المادة 241/1 من قانون المرافعات، ومن ثم فإن الطلب الذي طلبت الجامعة القضاء به على نحو جازم وصريح هو التماس إعادة النظر في الحكم الملتمس فيه، إلا أن المحكمة قامت بتغيير واقعات الدعوى وطلبات الملتمس تغييرا جذريا، وكيفت الالتماس - على خلاف مقصد الملتمس – على أنه دعوى بطلان أصلية، وقضت فيها على هذا الوجه، فجاء حكمها منبت الصلة تماما عن الواقعات والطلبات المرفوع بها الالتماس، ومن ثم فإن هذا الحكم يكون قد قضى بما لم يطلبه الملتمس، ولم يفصل في الخصومة المنظورة أمامه، وبالتالي فإن المحكمة لم تستنفد سلطتها في شأنه، فيكون قد صدر باطلا؛ لعدم تحقيقه الغرض المنشود من إقامة الالتماس، وهو الوصول إلى استصدار حكم يقر الحق المرفوعة به الخصومة، ويضع حدا للنزاع المتعلق بموضوعه.
ومتى شاب هذا الحكم عيب جوهري أفقده كيانه، وزعزع أركانه، وحال دون اعتباره موجودا، ولم تستنفد المحكمة سلطتها بشأنه؛ فإنه لا يرتب أي حجية، ولا يرد عليه التصحيح، ومن ثم فإن الأثر المترتب على ذلك هو إعادة الخصوم إلى الحالة التي كانوا عليها قبل إصداره، واستعادة المحكمة لسلطتها في الفصل في الالتماس المطروح عليها. ومن حيث إنه يتبين من استعراض التطور التشريعي للنصوص التي تنظم المحكمة الإدارية العليا أن المشرع أنشأ هذه المحكمة بالقانون رقم 165 لسنة 1955 لتكون خاتمة المطاف فيما يعرض من دعاوى على القضاء الإداري، وناط بها مهمة التعقيب النهائي على جميع الأحكام الصادرة عن محاكم مجلس الدولة، واتساقا مع ذلك فقد نص في المادة 15 من ذلك القانون على أنه لا يقبل الطعن في أحكام هذه المحكمة بطريق التماس إعادة النظر، وقد سكت القانونان رقما 55 لسنة 1959 و47 لسنة 1972 عن إيراد نص مماثل لهذه المادة، وإنما ورد فيهما النص على أنه يجوز الطعن في الأحكام الصادرة عن محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية بطريق التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وذلك في الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 55 لسنة 1959، والفقرة الأولى من المادة 51 من القانون رقم 47 لسنة 1972.
ولما كان ذلك وكانت المحكمة الإدارية العليا لم تتبدل منزلتها في هذين القانونين عما كانت عليه في القانون رقم 165 لسنة 1955، إذ ما برحت على رأس القضاء الإداري ونهاية المطاف، فقد جرى قضاء هذه المحكمة في ظل القانونين رقمي 55 لسنة 1959 و47 لسنة 1972 على أن أحكام المحكمة الإدارية العليا كانت وما زالت لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر.
ومن حيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 13/3/2005 في القضية رقم 16 لسنة 23القضائية (دستورية)، برفض الحكم بعدم دستورية نص المادة 51 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة فيما تضمنه من إسقاط أحكام المحكمة الإدارية العليا من عداد الأحكام التي يجوز الطعن عليها بطريق التماس إعادة النظر، الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم جواز نظر الالتماس.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
(أولا) بأن محاكم مجلس الدولة - لدى مباشرتها لسلطتها في تكييف الدعوى – مقيدة بطلبات الخصوم، متى كانت هذه الطلبات واضحة لا لبس فيها ولا غموض.
(ثانيا) بعدم جواز الطعن بالالتماس في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 24/11/2012 في الطعن رقم 18256 لسنة 55 القضائية (عليا).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق