الصفحات

الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

الطعنان 5730 ، 6585 لسنة 55 ق جلسة 6 / 2 / 2010 إدارية عليا مكتب فني 57 ج 2 ق 134 ص 1293

1 - السيد الأستاذ المستشار/ عبد الله سعيد أبو العز رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
والسادة الأساتذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
2- مجدي حسين محمد العجاتي 3- حسين محمد عبد المجيد بركات
4- أحمد عبد التواب محمد موسى 5- أحمد عبد الحميد حسن عبود
6- محمد أحمد أحمد ضيف 7- شحاتة علي أحمد أبو زيد
8- منير عبد القدوس عبد الله 9- محمد صلاح جودة عبد المنعم 
---------------- 
(1) اختصاص 
ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة– تختص بنظر المنازعات المتعلقة بإجراءات الترخيص أو الانتفاع بالأنشطة داخل المحميات الطبيعية- تدور هذه المنازعات في فلك القانون العام. 

(2) دعوى 
التدخل في الدعوى- التدخل الانضمامي- وسائل التدخل- المقصود بالتدخل الانضمامي هو المحافظة على حقوق المتدخل عن طريق مساعدة أحد طرفي الخصومة الأصليين في الدفاع عن حقوقه- لا يجوز للمتدخل الانضمامي التقدم بطلبات تغاير طلبات الخصم الذي يتدخل لتأييده، لكن يجوز له أن يبدي وجوه دفاع تأييدا لطلباته. 

(3) حقوق وحريات 
الحق في السكن والحق في العمل- أورد الدستور هذين الحقين تقريرا، وكفلتهما الدولة التزاما، وتناولهما المشرع تنظيما، في إطار حاصله أن لكل حق من الحقوق أوضاعا يقتضيها منحه، وآثارا تترتب عليه، مع التزام يقع على عاتق سلطات الدولة كل حسب اختصاصه الدستوري بتسهيل الحصول عليه، وبما لا يخل بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، وبما يستقيم مع كون الدولة هي القوامة على مصادر الثروة، والتزامها بإشباع الحاجات العامة عن طريق المرافق العامة التي تقوم على إدارتها، وكلها تدخل في نطاق المال المملوك للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة. 

(4) حقوق وحريات 
مبدأ المواطنة– ترسيخ مبدأ المواطنة– المحافظة على مصالح الأفراد الخاصة في إطار المصلحة العامة يمثل أرقى مظاهر المحافظة على الأمن القومي والتعبير الحقيقي عن قدرة الدولة على ترسيخ مبدأ المواطنة- واجب الدولة الأساس هو حفظ السلام والأمن الداخلي، وأن تراعي فيما يصدر عنها من قرارات وإجراءات ما يحفظ أمن المواطنين وسلامتهم ومصادر رزقهم المشروعة، وهي أمور في مجملها برهان على قوة الدولة وهيبتها وقدرتها على ضبط الشعور العام للمواطنين- ربط فكرة المحافظة على الأمن القومي بإقامة مشروع سياحي لا يستقيم مع علو فكرة الأمن القومي. 

(5) أملاك الدولة العامة 
الملكية العامة- يقصد بها تلك الأموال المملوكة للشعب المصري بجميع طوائفه، وتقوم الدولة والأشخاص الاعتبارية المختلفة على أمرها في ظل حماية تحول دون إهدارها أو التفريط فيها أو استخدامها في غير وجه المصلحة العامة- تشارك الملكية العامة مع الملكية الخاصة والملكية التعاونية في الدور الاجتماعي للمال، وتكوِّن جميعها مصادر الثروة القومية. 

(6) أملاك الدولة الخاصة والعامة 
ضابط التفرقة بينهما– المال يكون عاما حال تخصيصه للنفع العام بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص، ويكون خاصا حيث يكون للدولة التصرف فيه وإدارته، شأنها في ذلك شأن الأفراد. 

(7) أملاك الدولة الخاصة والعامة 
الغرض من استخدام المال العام أو الخاص– يجب أن تكون غاية استخدام المال العام أو الخاص هي إشباع الحاجات العامة للمواطنين والحفاظ على السلام الاجتماعي بين طبقات المجتمع، مهما اختلفت احتياجات الدولة وتعاظمت رغبتها في استخدامه– الدولة في جميع الحالات يجب عليها أن تضع قصد تحقيق الأرباح من استخدامه سببا تاليا في الأهمية لذلك؛ تدعيما لمفهوم الأمن القومي الذي لا يتحقق واقعا ملموسا إلا بالرضاء العام، وهو سبيل تدعيم الانتماء والولاء كرباط مقدس بين المواطن والأرض التي ينتمي إليها ماديا ومعنويا. 

(8) ملكية
تنظيم حق الملكية- لم تعد الملكية في إطار النظم الوضعية حقا مطلقا، ولا عصية على التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكما، بل عليها مراعاة طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها لها مقوماتها وتوجهاتها. 

(9) قرار إداري
ركن الغاية- عيب الانحراف في استعمال السلطة- الانحراف في استعمال السلطة لا يتحقق فقط إذا صدر القرار مستهدفا غاية شخصية ترمي إلى الانتقام أو تحقيق نفع شخصي، بل يتحقق كذلك إذا صدر مخالفا لروح القانون- البحث في الانحراف من عدمه يفترض ابتداء صدور قرار إداري سليم في عناصره وظاهر الصحة في غايته. 

(10) قرار إداري
ركن الغاية- مبدأ تخصيص الأهداف- لا يكتفي القانون بتحقيق المصلحة العامة بمعناها الواسع، بل تخصيص هدف معين يكون نطاقا للعمل الإداري- اختصاص الإدارة بهذا الشأن اختصاص مقيد- مخالفة القرار لهدف استلزمه القانون هو وصْمٌ للقرار بعدم المشروعية بالمعنى الواسع- لا يخرج القضاء الإداري حال استنباط الهدف من النصوص التشريعية عن نطاق رقابة المشروعية على ما يصدر عن الجهة الإدارية من قرارات، وهو لا يبتدع هدفا عاما يفرضه على جهة الإدارة، بل يكشف عن الهدف التشريعي الذي اتجه إليه المشرع صراحة أو ضمنا- الرقابة القضائية لا تعد تدخلا أو حلولا محل السلطة التنفيذية، وإنما هي تطبيق واضح لمبدأ الفصل المرن بين السلطات التي تمثل الرقابة القضائية أوضح مظاهره. 

(11) قرار إداري
رقابة الملاءمة- لا محل لرقابة القضاء الإداري على الملاءمات التقديرية التي تباشرها السلطة الإدارية المختصة عند إصدار قراراتها، سواء من حيث اختيارها لمحل القرار أو وقت وأسلوب تنفيذه، مادام أن ذلك يكون في إطار الشرعية وسيادة القانون، وذلك ما لم تتنكب الإدارة الغاية وتنحرف عن تحقيقها إلى غاية أخرى لم يقصدها المشرع عندما خولها تلك السلطة التقديرية، أو تتعمد تحقيق غايات خاصة لا صلة لها بالمصلحة العامة- يتعين ألا يغفل ذلك عن أن السلطة القضائية مسئوليتها الأولى إقامة العدالة وحماية الشرعية والمشروعية وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات العامة والخاصة المشروعة للمصريين جميعا، وفي إطار ما أوردته نصوص الدستور والقانون من أصول ومبادئ عامة حاكمة لنظام الدولة والمجتمع وغايات المصلحة العامة القومية، وترتيب أولويات تلك الغايات على وفق مقتضيات السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام الاجتماعي وتكافؤ الفرص لجميع المصريين، وعدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة. 

(12) قرار إداري
وقت إصداره- إذا لم يفرض المشرع على الإدارة أن تتدخل بقرار خلال فترة معينة، فإنها تكون حرة في اختيار وقت تدخلها، ولو كانت ملزمة أصلا بإصداره على وجه معين؛ ذلك أن الوقت المناسب لإصدار القرار لا يمكن تحديده سلفا- يَحُدُّ حريةَ الإدارة في اختيار وقت تدخلها، شأنها في ذلك شأن أية سلطة تقديرية، ألا تكون الإدارة مدفوعة في هذا الاختيار بعوامل لا تمت للمصلحة العامة، وأن تحسن اختيار وقت تدخلها، فلا تتعجل في إصدار قرار أو تتراخى في إصداره بما يرتب أضرارا للأفراد نتيجة صدور القرار في وقت غير ملائم. 

(13) نهر النيل
حمايته- حمّل المشرع الأراضي المحصورة بين جسري النيل أيا كان مالكوها بقيود تشريعية، منها عدم جواز إجراء أي عمل أو إحداث حفر من شأنه تعريض الجسور للخطر، أو الـتأثير في التيار تأثيرا يضر بهذه الجسور، إلا إذا كان ذلك بناء على ترخيص من وزارة الري. 

(14) محميات طبيعية
المقصود بها– هي كل مساحة من الأرض أو المياه الساحلية أو الداخلية بها ميزة وجود كائنات حية (نباتات أو حيوانات أو أسماك أو ظواهر طبيعية) ذات قيمة ثقافية أو علمية أو سياحية أو جمالية– أَوْكَلَ المشرع إلى رئيس مجلس الوزراء تحديد المحميات الطبيعية بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة- تهدف التشريعات الصادرة بشأنها إلى عدم المساس بالحالة الطبيعية والبيئية التي تكون عليها المحمية عند صدور القرار باعتبارها كذلك- هذا الهدف تدور حوله وفي نطاقه جميع الإجراءات والاشتراطات الخاصة بالمحميات الطبيعية- كل تدخل بأي نشاط مخالف، أو إقامة أي مشروعات ومبانٍ في أية محمية، تكون مشروعيته مرهونة بموافقة رئيس مجلس الوزراء، وعلى ألا يترتب على هذه الموافقة أي تغيير في الحالة الطبيعية والبيئة الثابتة واقعا للمحمية. 
------------------ 
الوقائع
في يوم الخميس الموافق 25/12/2008 أودع الأستاذ/... المحامي بالنقض وكيلا عن الطاعن تقريرا بالطعن قيد برقم 5730 لسنة 55 ق. ع، وذلك طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثانية) في الدعوى رقم 782 لسنة 62 ق الصادر بجلسة 16/11/2008، القاضي بعدم قبول طلبات تدخل الثاني والثالث والرابع، وإلزام كل متدخل مصروفات تدخله، وبقبول الدعوى الأصلية، وطلب التدخل الأول شكلا، وفي موضوعها بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

وأعلن تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق.
- وفي يوم الثلاثاء الموافق 13/1/2009 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين بصفاتهم الطعن رقم 6585 لسنة 55 ق. ع تقريرا بالطعن على حكم محكمة القضاء الإداري (الدائرة الثانية) المشار إليه آنفا، وطلبت في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم الطعين، والقضاء مجددا برفض الدعوى الأصلية، وطلب التدخل الأول، وإلزام المطعون ضدهم عدا الأخير –بصفته– المصروفات عن درجتي التقاضي.
وأعلن تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق.
- وتحددت لنظر الطعنين جلسة 2/3/2009 أمام دائرة فحص الطعون، وتدوول نظرهما بجلسات المحكمة على الوجه المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 16/11/2009 قدم الحاضر عن المطعون ضدهم في كل من الطعنين مذكرتي دفاع طلب في ختامها الحكم برفض الطعنين، وإلزام الطاعنين (الجهة الإدارية) المصروفات، واستند في دفاعه إلى أن القانون رقم 102 لسنة 1983 وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 264 لسنة 1994 قد توخيا بأحكامهما صون المحميات الطبيعية في مواجهة الأفعال التي تغير من خصائصها وتكويناتها الجيولوجية أو الجغرافية أو تشوه طبيعتها، وأن جزيرة القرصاية تقع تحت رقم (92) بالكشوف المرافقة لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998 بشأن المحميات الطبيعية، وأن حق جهة الإدارة في استرداد الأراضي المملوكة لها رهين بمراعاة تحقيق المساواة بين قاطني جزيرة القرصاية، وجزيرتي الذهب والوراق اللتين صدر بشأنهما قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 848 لسنة 2001، متضمنا عدم جواز إخلاء المباني السكنية المقامة عليهما، وعدم التعرض لحائزي الأراضي الزراعية على هاتين الجزيرتين، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى إلغاء قرار جهة الإدارة فإنه يكون قد أصاب وجه الحق وصحيح حكم القانون.
وبالجلسة نفسها قرر السيد الأستاذ المستشار/ مفوض الدولة بأنه يرى الحكم بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وإلزام الجهة الطاعنة المصروفات.
وقررت الدائرة إحالة الطعنين إلى الدائرة الأولى (موضوع) لنظرهما بجلسة 5/12/2009، وقد تأيد الرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة بتقريرها المودع ملف الطعن، وبجلسة 2/1/2010 قدم الحاضر عن الجهة الإدارية مذكرة بدفاعها طلب في ختامها الحكم بالطلبات الواردة في تقرير الطعن رقم 6585 لسنة 55 ق. ع، وبرفض الطعن رقم 5730 لسنة 55 ق.ع مع إلزام الطاعن المصروفات،كما قدم الحاضر عن المطعون ضدهم مذكرة بدفاعهم صمم فيها على سابق دفاعه، وبالجلسة نفسها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به. 
----------------- 
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد إتمام المداولة قانونا.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من الجهة الإدارية بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، فإنه وفى ظل العمل بأحكام القانون رقم 102 لسنة 1983 بشأن المحميات الطبيعية، وقراري رئيس مجلس الوزراء رقمي 264 لسنة 1994 بقواعد وشروط مباشرة الأنشطة بالمحميات الطبيعية، ورقم 1969 لسنة 1998 بتحديد المحميات الطبيعية، غدت إجراءات الترخيص أو الانتفاع على تلك المحميات تدور في فلك القانون العام، ومن ثم تكون المنازعات في هذا الشأن منازعات إدارية يختص بها القضاء الإداري دون سواه، عملا بحكم المادة رقم (172) من الدستور، ومن ثم يضحى الدفع بعدم الاختصاص الولائي لمحاكم القضاء الإداري غير قائم على سند من الواقع والقانون، وتقضي المحكمة برفضه.
- وحيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية والإجرائية، ومن ثم فإنهما يكونا مقبولين شكلا.
- وحيث إن عناصر النزاع الماثل تخلص في أن المطعون ضدهم الأول والثاني والثالث في الطعنين الماثلين أقاموا الدعوى رقم 782 لسنة 62 ق أمام محكمة القضاء الإداري، واختصموا فيها كلا من رئيس مجلس الوزراء ومحافظ الجيزة بصفتيهما، وطلبوا في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تجديد عقود إيجاراتهم، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ثم اختصموا بصحف معلنة باقي المدعى عليهم في الدعوى المشار إليها، وذكروا شرحا لدعواهم أن كلا منهما حائز أكثر من 2.5 قيراط من الأراضي الزراعية، وأقاموا منزلا على مساحة (216) مترا بجزيرة القرصاية التابعة لجزيرة الذهب بمحافظة الجيزة، وذلك بموجب عقود انتفاع درجت المحافظة على تجديدها بعد قيامهم بالوفاء بالتزاماتهم، وقد تم إدخال جميع المرافق، ولا يقل عدد سكان الجزيرة عن ألفي نسمة، وقد فوجئوا بقيام وزارة الدفاع بناء على تعليمات من مجلس الوزراء مؤرخة في 21/6/2007 بالتنبيه على الهيئة العامة لمشروعات التعمير والهيئة العامة للإصلاح الزراعي بعدم تجديد عقود تأجير الأراضي الزراعية لهم بدءا من 30/10/2007، مع ضرورة إخلاء هذه الأراضي، وذلك بالمخالفة لقرار رئيس مجلس الوزراء السابق رقم 848 لسنة 2001، وقد تدخل الطاعن في الطعن رقم 5730 لسنة 55 ق في الدعوى أثناء تداولها، وقدم صحيفة غير معلنة أودعها قلم كتاب المحكمة في 21/2/2008، وطلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم 848 لسنة 2001، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إلزام وزارة العدل إتمام إجراءات توثيق وشهر الأرض محل وضع يده، ومقدارها خمسة قراريط وواحد فدان، وما عليها من منزل مساحته مئة وخمسون مترا، وقد أفرغ طلباته في صحيفة معلنة أودعت قلم كتاب المحكمة في 22/5/2008، وطلب في ختامها الحكم بالطلبات نفسها، وأضاف إليها طلبه اتخاذ إجراءات الشهر والتوثيق لقطعة الأرض التي يحوزها.

وبجلسة 16/11/2008 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم قبول طلبات التدخل لكل من الثاني والثالث والرابع، وألزمت كل متدخل مصروفات تدخله، وبقبول الدعوى الأصلية وطلب التدخل الأول شكلا، وفى موضوعهما بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب، وألزمت الإدارة مصروفات الطلبين.

وشيدت المحكمة قضاءها على أن تنفيذ القرار المطعون فيه يترتب عليه تشريد عدد كبير من الأفراد والأسر لفقد المأوى، وهو ما يهدد الأسس والقيم العامة التي يقوم عليها المجتمع من رعاية للأسرة والأخلاق وحمايتها وخروج الملكية الخاصة عن أداء وظيفتها الاجتماعية والمساس باستقرار المدعين وغيرهم ممن شملهم هذا القرار دون ضرورة ملحة تدعو إلى ذلك، هذا فضلا عن قيام اضطراب في الأمن العام لا يعرف مداه، والحفاظ على ما تقدم يمثل وجه المصلحة العامة القومية الأكثر إلحاحا والأخطر شأنا، وهي أولى بالرعاية من مجرد إزالة التعدِّي، وأن الاستمرار في الامتناع عن تجديد العلاقة القانونية التي كانت تربطها بقاطني الجزيرة يغدو مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة وإساءة استعمالها في ظل وظيفة الدولة الحالية.

- وإذ لم يرتض الطاعن في الطعن رقم 5730 لسنة 55 ق.ع الحكم المطعون فيه فأقام الطعن المشار إليه عاليه، طالبا الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بالنسبة للشق الخاص بعدم قبول تدخله، والقضاء مجددا بقبوله شكلا، وفي الموضوع بطلباته الواردة في صحيفة التدخل الانضمامي، واستند في طعنه إلى أنه متدخل انضماميا للمدعين بصحيفة تدخل انضمامي مؤرخة في 22/5/2008 مختصما المطعون ضدهم من الرابع حتى السابع، وذلك تأسيسا على أنه يضع يده وينتفع بقطعة أرض طرح النهر، وهي أرض مكلفة طبقا للكشف الرسمي الصادر عن مأمورية ضرائب الجيزة، وأن الحكم المطعون قد صدر مشوبا بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وأنه تدخل في الدعوى طبقا لأحكام المادة رقم (126) من قانون المرافعات، والتي تخول له التدخل شفاهة بمحضر الجلسة في حضور المطعون ضدهم والثابت حضورهم جميع جلسات التداعي، كما أن تدخله قد ضمَّنه صحيفة التدخل الانضمامي المسدد رسمها في 22/5/2008، وأنه تم تسليم صورتها إلى الخصوم الذين حضروا بالجلسة، ومن ثم خلص الطاعن إلى الحكم له بطلباته.

- وإذ لم يلق الحكم المطعون فيه قبولا لدى الطاعنين بصفاتهم في الطعن رقم 6585 لسنة 55 ق.ع فأقاموا الطعن المشار إليه استنادا إلى أن الحكم تبنى فكرة الموازنة بين المنافع والأضرار المترتبة على القرار الإداري، وهي الفكرة التي سبق أن اعتنقها القضاء الإداري رغم عدم وجود محل لتطبيقها، لعدم صدور قرارات بالإزالة والإخلاء من شأنها ترتيب الأضرار التي تحدث عنها الحكم، وأن المحكمة الإدارية العليا قد رفضت تلك النظرية لما ينطوي عليه هذا التطبيق من تجاوز لحدود ولاية القضاء الإداري، ونطاق وظيفته باعتباره قضاء مشروعية، وقد أجمل الطاعنون أسباب طعنهم في عدم صدور أي قرارات بالإزالة والإخلاء، وأن سبب النزاع يرجع إلى صدور توجيهات رئيس مجلس الوزراء في 21/5/2007 بعدم تجديد عقود الإيجار الخاصة بالأرض الزراعية بعد 30/10/2007، مع إعداد دراسة بالبدائل المختلفة للتعامل مع واضعي اليد وأسلوب التحصيل لحق الدولة على الأراضي التي تم تغيير استخداماتها، وأن تغيير الأسلوب مرجعه ضرورة الاتفاق مع النظام القانوني التي تخضع له المحميات الطبيعية.

ونعى الطاعنون على الحكم المطعون فيه تجاوز حدود ولاية القضاء، وعدم سلامة تبريرات الحكم لإعمال نظرية الموازنة، خاصة أن القرار المطعون فيه قد صدر متفقا وأحكام القانون رقم 102 لسنة 1983، وأن العلاقة الإيجارية التي كانت قائمة بين الهيئة العامة للإصلاح الزراعي والهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية وواضعي اليد قد أصبحت مخالفة للقانون منذ صدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998 بتغيير وجه العلاقة من التأجير إلى الانتفاع المؤقت، وانتقال تبعية الجزيرة من الهيئة المشار إليها إلى جهاز شئون البيئة.

وخلص الطاعنون إلى طلب الحكم بطلباتهم الواردة في تقرير الطعن.

وحيث إنه عن الطعن الأول رقم 5730 لسنة 55 ق.ع فإن المادة رقم (126) من قانون المرافعات تنص على أنه: "يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضما لأحد الخصوم أو طالبا الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى. ويكون التدخل بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدم شفاهة في حضورهم ويثبت في محضرها، ولا يقبل التدخل بعد إقفال باب المرافعة".

ومفاد ذلك أن التدخل الانضمامي في الدعوى يكون بوسيلتين:

(أُولاهما) بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة.

و(ثانيتهما) طلب التدخل شفاهة في الجلسة بحضور الخصم، ولا يقبل التدخل بعد إقفال باب المرافعة.

وقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن حق المتدخل في التدخل الانضمامى إنما يقتصر على مجرد تأييد أحد طرفي الخصومة الأصليين، بما يترتب على ذلك من أنه لا يجوز له أن يتقدم بطلبات تغاير طلبات الخصم الذي يتدخل لتأييده بحيث يجوز له أن يبدي وجوه دفاع تأييدا لطلباته (المحكمة الإدارية العليا الطعن رقم 1875،1914 لسنة 30 ق.ع بجلسة 9/3/1991)، والتدخل الانضمامي مقصود به المحافظة على حقوق المتدخل عن طريق مساعدة أحد طرفي الخصومة في الدفاع عن حقوقه.

وحيث إن الثابت من أوراق الطعن أن طلبات المدعين في الدعوى رقم 782 لسنة 62ق قد انحصرت في إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تجديد عقود إيجار الأراضي الكائنة بجزيرة القرصاية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، في حين أن طلبي المتدخل/نصر... (الطاعن في الطعن الماثل) قد تضمنا طلب إتمام إجراءات التوثيق والشهر للأرض وضع يده بناحية القرصاية، ويفترق هذا الطلب عن طلبات الدعوى الأصلية ولا يرتبط بها، هذا فضلا عن اختلاف خصوم طلب التدخل عن خصوم الدعوى، وذلك باختصام الطاعن في مرحلتي الدعوى والطعن لكل من وزير العدل بصفته والشهر العقاري بمحافظة الجيزة، ولا يصلح نظر هذه الطلبات مع طلبات الدعوى الأصلية لتخلف مناط قبول طلبي التدخل.

وحيث إن الحكم المطعون فيه قد استند إلى هذه الأسباب ضمن أسباب رفض طلبي التدخل، فإنه يكون قد صدر متفقا وأحكام القانون وظروف الدعوى، ومن ثم تقضي المحكمة برفض الطعن، وإلزام الطاعن المصروفات.

وحيث إنه عن موضوع الطعن رقم 6585 لسنة 55 ق.ع فإن المادة رقم (29) من الدستور تنص على أن: "تخضع الملكية لرقابة الشعب وتحميها الدولة، وهي ثلاثة أنواع: الملكية العامة والملكية التعاونية والملكية الخاصة".

وتنص المادة (30) من الدستور على أن: "الملكية العامة هي ملكية الشعب، وتتمثل في ملكية الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة".

وتنص المادة (59) من الدستور على أن: "حماية البيئة واجب وطني، وينظم القانون التدابير اللازمة للحفاظ على البيئة الصالحة".

وتنص المادة (64) من الدستور على أن: "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة".

وتنص المادة (156) من الدستور على أن: "يمارس مجلس الوزراء بوجه خاص الاختصاصات الآتية: "أ-... ج- ملاحظة تنفيذ القوانين والمحافظة على أمن الدولة وحماية حقوق المواطنين ومصالح الدولة".

وتنص المادة رقم (1) من القانون رقم 102 لسنة 1983 بشأن المحميات الطبيعية على أنه: "يقصد بالمحمية الطبيعية في تطبيق هذا القانون: أي مساحة من الأراضي أو المياه الساحلية تتميز بما تضمه من كائنات حية نباتات أو حيوانات أو أسماك أو ظواهر طبيعية ذات قيمة ثقافية أو علمية أو سياحية أو جمالية، ويصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء".

وتنص المادة الثانية من القانون المذكور على أن: "يحظر القيام بأعمال أو تصرفات أو أنشطة أو إجراءات من شأنها تدمير أو إتلاف أو تدهور البيئة الطبيعية أو الإضرار بالحياة البرية أو البحرية أو النباتية أو المساس بمستواها الجمالي بمنطقة المحمية.

ويحظر على وجه الخصوص ما يلي: ... تلويث تربة أو مياه أو هواء منطقة المحمية بأي شكل من الأشكال، كما يحظر إقامة المباني والمنشآت أو شق الطرق أو تسيير المركبات...".

وتنص المادة رقم (1) من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 264 لسنة 1994 الصادر بالشروط والقواعد والإجراءات الخاصة بممارسة الأنشطة في مناطق المحميات الطبيعية على أنه: "لا يجوز إقامة المباني أو المنشآت أو شق الطرق أو تسيير المركبات أو ممارسة أية أنشطة زراعية أو صناعية أو تجارية في مناطق المحميات الطبيعية إلا بتصريح من جهاز شئون البيئة".

وتنص المادة رقم (2) من القرار المشار إليه على أن: "يقدم طلب التصريح بممارسة النشاط في منطقة المحمية إلى إدارة مشروعات المحميات الطبيعية بجهاز شئون البيئة...".

وتنص المادة رقم (3) من ذلك القرار على أن: "يكون التصريح نظير مقابل انتفاع يحدده جهاز شئون البيئة وتئول الحصيلة إلى صندوق المحميات الطبيعية".

وتنص المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998 بإنشاء محميات طبيعية على أن: "تعتبر محمية طبيعية في تطبيق أحكام القانون المشار إليه الجزر الواقعة داخل مجرى نهر النيل شمال ووسط وجنوب الوادي وقناطر الدلتا وفرعي رشيد ودمياط، والموضحة على الخرائط المرفقة والمبينة أسماؤها ومساحتها وموقعها وحدودها بالكشوف المرفقة التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من هذا القرار المشار إليه، والمنشور في الوقائع المصرية بالعدد رقم (142) تابع في 27/6/1998".

وحيث إن المستفاد مما تقدم أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى، وهو موئل الحريات والحقوق العامة، وبين روافده ضمانات حمايتها، وتحدد أحكامه السلطات العامة ووظائفها وحدود نشاطها، وبأحكامه تخضع الدولة في مباشرة سلطتها للقانون، والذي غدا مبدأ أصوليا يقوم عليه النظام القانوني المصري، ويمثل بذاته أساسا لنظام الحكم، وقد حرص الدستور المصري الحالي شأنه في ذلك شأن ما سبقه من دساتير على احترام حقوق الأفراد، وقد أفصحت وثيقة الدستور –صراحة– عن أن كرامة الفرد انعكاس طبيعي لكرامة الوطن باعتبارها حجر الأساس الذي تقوم عليه الجماعة الوطنية المصرية.

وحيث إن حقوق الأفراد وحرياتهم وعلى رأسها حق المواطن في السكن، وحقه في العمل قد أوردها الدستور تقريرا، والتزمت الدولة بكفالتها، وتناولها المشرع بالتنظيم في إطار حاصله أن لكل حق من الحقوق أوضاعا يقتضيها منحه، وآثارا تترتب عليه، مع التزام يقع على عاتق سلطات الدولة كل حسب اختصاصه الدستوري بتسهيل الحصول عليه، وبما لا يخل بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، وبما يستقيم مع كون الدولة هي القوامة على مصادر الثروة والتزامها بإشباع الحاجات العامة عن طريق المرافق العامة التي تقوم على إدارتها، وكلها تدخل في نطاق المال المملوك للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة.

وحيث إن الملكية العامة هي تلك الأموال المملوكة للشعب المصري بجميع طوائفه، وتقوم الدولة والأشخاص الاعتبارية المختلفة على أمرها في ظل حماية تحول دون إهدارها أو التفريط فيها، أو استخدامها في غير وجه المصلحة العامة، وتشارك الملكية العامة مع الملكية الخاصة والملكية التعاونية في الدور الاجتماعي للمال، وتكوِّن جميعها مصادر الثروة القومية، وإذا كان قضاء المحكمة الدستورية العليا قد تواتر على أن الملكية في إطار النظم الوضعية التي تراوح بين الفردية وتدخل الدولة لم تعد حقا مطلقا ولا عصية عن التنظيم التشريعي، وليس لها من الحماية ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها، ومن ثم ساغ تحميلها بالقيود التي تتطلبها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، ولا تفرض نفسها تحكما بل عليها مراعاة طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي رصدها عليها، محددة على ضوء واقع اجتماعي معين، في بيئة بذاتها، لها مقوماتها وتوجهاتها. (المحكمة الدستورية العليا القضية رقم 14 لسنة 15 ق دستورية بجلسة 6/7/1996)، والمال المملوك للدولة يكون عاما حال تخصيصه للنفع العام بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص، ويكون خاصا لها التصرف فيه وإدارته شأنها في ذلك شأن الأفراد، وكلاهما أدوات تستخدمها الدولة لتحقيق وجه المصلحة العامة لأفراد الشعب والحفاظ على السلام الاجتماعي بين طبقات المجتمع مهما اختلفت احتياجاتها وتعاظمت رغبتها في استخدامه، والدولة في جميع الحالات واجب عليها أن تضع قصد تحقيق الأرباح من استخدامه سببا تاليا في الأهمية لإشباع الحاجات العامة للمواطنين والمحافظة على استقرار المجتمع، تدعيما لمفهوم الأمن القومي الذي لا يتحقق واقعا ملموسا إلا بالرضاء العام، وهو سبيل تدعيم الانتماء والولاء كرباط مقدس بين المواطن والأرض التي ينتمي إليها ماديا ومعنويا.

وحيث إن نهر النيل كان ومازال شريان الحياة لمصر والمصريين، ارتوى شعبه من مياهه وتكونت من ترسيبات مياهه الأرض الخصبة التي عاش عليها الإنسان زارعا مستقرا على ضفتيه، والنيل -من قبل ومن بعد- مؤذن الحضارة المصرية التليدة التي لم يقف نورها وتطورها عند المصريين، وإنما كانت ملهما لحضارات نشأت في أنحاء العالم المختلفة تفاعلا وتأثرا.

وحيث إن جمال نهر النيل لم يقف عند حد واديه من منبعه إلى مصبه في حدود مصر الشمالية، وإنما بجزر يزدان بها تناثرت كاللؤلؤ المنثور على صفحته البيضاء، معلنة أن عطاء الله لمصر والمصريين قد امتد إلى داخل مياه النهر أرضا خضراء تعطي زارعيها طيب الزروع وعاطر الهواء، وهي والنهر العظيم إلهام للأدباء والشعراء، وفرض واجب على الشعب والدولة حمايته امتدادا لحكمة قدماء المصريين حكاما ومحكومين أقسموا على احترامه ونظافته وسهولة جريان مياهه حتى مصبه.

وحيث إنه سيرا على هذا الاتجاه وتدعيما له فقد تدخل المشرع احتراما لمكانة نهر النيل بإصدار التشريعات المتعاقبة لحمايته من عبث العابثين، وآية ذلك القانون رقم 12 لسنة 1984 الذي حمَّل الأراضي المحصورة بين جسري النيل –أيا كان مالكوها– بقيود تشريعية، منها عدم جواز إجراء أي عمل أو إحداث حفر من شأنه تعريض الجسور للخطر أو الـتأثير في التيار تأثيرا يضر بهذه الجسور إلا إذا كان ذلك بناء على ترخيص من وزارة الري، كما صدر القانون رقم 102 لسنة 1983 في شأن المحميات الطبيعية وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 264 لسنة 1994 بالشروط والقواعد والإجراءات الخاصة بممارسة الأنشطة في مناطق المحميات، وقرار رئيس الوزراء 1969 لسنة 1998، وجميعها أكدت على أن المحمية الطبيعية هي كل مساحة من الأرض أو المياه الساحلية أو الداخلية بها ميزة وجود كائنات حية (نباتات أو حيوانات أو أسماك أو ظواهر طبيعية ذات قيمة ثقافية أو علمية أو سياحية أو جمالية)، ووسّد المشرع إلى رئيس مجلس الوزراء تحديد هذه المحميات بناءً على اقتراح جهاز شئون البيئة، وقد حظرت المادة الثانية من قانون المحميات الطبيعية القيام بأي أعمال أو تصرفات أو أنشطة من شأنها تدمير أو إتلاف أو تدهور البيئة الطبيعية، وحظر المشرع على وجه الخصوص إقامة المباني أو المنشآت أو شق الطرق أو تسيير المركبات، وقد قرن قرار رئيس الوزراء رقم 264 لسنة 1994 التصريح بإقامة المباني بضرورة المحافظة على طبيعة المنطقة وعدم الإضرار بالحياة البحرية أو البرية أو النباتية أو القيمة الجمالية للمحمية.

وتنفيذا لأحكام القانون رقم 102 لسنة 1983 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998 باعتبار الجزر الواقعة داخل مجرى نهر النيل بشمال ووسط وجنوب الوادي وقناطر الدلتا وفرعي رشيد ودمياط محميات طبيعية، وقد وردت جزيرة القرصاية تحت رقم (92) بالكشوف المرفقة بقرار رئيس مجلس الوزراء، ووصفها بأنها مساحة (117.5) فدان ونوع الإشغال زراعات تقليدية ومباني منشآت سياحية، والجهة المالكة (أملاك دولة) وعدد السكان (1500نسمة)، وهو الأمر الذي يقطع بأن قرار رئيس مجلس الوزراء قد صدر محددا في نطاق السلطة المخولة له للنشاط القائم وهو النشاط الزراعي، وأن هذا النشاط كان ضمن عناصر تقدير اعتبار جزيرة القرصاية محمية طبيعية، وقد سبق لرئيس الوزراء تأكيد هذا النظر بقراره رقم 848 لسنة 2001 والمتضمن عدم إخلاء أي مبنى من المباني السكنية المقامة بجزيرتي الذهب والوراق بمحافظة الجيزة، ولا يجوز التعرض لحائزي الأراضي الزراعية في الجزيرتين، وهو قرار يمثل تحقيق وجه المصلحة العامة من جانب الدولة المتمثل في المحافظة على أمن وسلامة واستقرار قاطني هذه المحميات على مصدر رزقهم.

وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أن القرار الإداري هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين، متى كان ذلك ممكنا وجائزا وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة، كما استقر الفقه والقضاء الإداري على أن الانحراف في استعمال السلطة لا يتحقق فقط حين صدور القرار مستهدفا غاية شخصية ترمي إلى الانتقام أو تحقيق نفع شخصي، بل يتحقق إذا صدر القرار مخالفا لروح القانون، فالقانون لا يكتفي فقط بتحقيق المصلحة العامة بمعناها الواسع، بل تخصيص هدف معين يكون نطاقا للعمل الإداري، واختصاص الإدارة بشأنه اختصاص مقيد، والقضاء الإداري حال استنباط الهدف من النصوص التشريعية لا يخرج عن نطاق رقابة المشروعية على ما يصدر عن الجهة الإدارية من قرارات؛ وذلك بحسبان أن كل حالة يحدد فيها المشرع غاية أو هدفا محددا للتشريع، ويكون الخروج عليه بأداة أدنى مخالفة لركن السبب والمحل، وفى كل الأحوال فإن البحث في الانحراف من عدمه يفترض ابتداء صدور قرار إداري سليم في عناصره وظاهر الصحة في غايته، وتضحى مخالفة القرار لهدف استلزمه القانون وَصْمٌ للقرار بعدم المشروعية بالمعنى الواسع، والقضاء الإداري لا يبتدع هدفا عاما يفرضه على جهة الإدارة وإنما يكشف عن الهدف التشريعي الذي اتجه إليه المشرع صراحة أو ضمنا، والتقرير -كالحالة الأولى- والاجتهاد في الثانية لا يسوغ للإدارة –كما ورد في تقرير الطعن– اعتبار أن ذلك يعد تدخلا من جانب القضاء بإصدار توجيه للإدارة باتخاذ إجراء معين، فالرقابة القضائية لا تكون بحال من الأحوال تدخلا أو حلولا، وإنما هي تطبيق واضح لمبدأ الفصل المرن بين السلطات التي تمثل الرقابة القضائية أوضح مظاهره، فضلا عن طبيعة الأحكام القضائية باعتبارها كاشفة عن صحيح حكم القانون.

وحيث إن جميع التشريعات الصادرة بشأن المحميات الطبيعية من حيث تعريفها وتحديدها تقطع بقيام هدف تشريعي حاصله عدم المساس بالحالة الطبيعية والبيئية التي تكون عليها المحمية عند صدور القرار باعتبارها كذلك، وهذا الهدف تدور حوله وفي نطاقه جميع الإجراءات والاشتراطات الخاصة بالمحميات الطبيعية.

وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أنه وإن كان صحيحا أنه لا محل لرقابة القضاء الإداري على الملاءمات التقديرية التي تباشرها السلطة الإدارية المختصة عند إصدار قراراتها، سواء من حيث اختيارها لمحل القرار أو وقت وأسلوب تنفيذه، مادام أن ذلك يكون في إطار الشرعية وسيادة القانون، وذلك ما لم تتنكب الإدارة الغاية وتنحرف عن تحقيقها إلى غاية أخرى لم يقصدها المشرع عندما خولها تلك السلطة التقديرية، أو تتعمد تحقيق غايات خاصة لا صلة لها بالمصلحة العامة، إلا أن ذلك يتعين ألا يغفل عن أن السلطة القضائية -وبين أركانها الأساسية محاكم مجلس الدولة- مسئوليتها الأولى إقامة العدالة وحماية الشرعية والمشروعية وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات العامة والخاصة المشروعة للمصريين جميعا، وفي إطار ما أوردته نصوص الدستور والقانون من أصول ومبادئ عامة حاكمة لنظام الدولة والمجتمع وغايات المصلحة العامة القومية، وترتيب أولويات تلك الغايات وفقا لمقتضيات السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام الاجتماعي وتكافؤ الفرص لجميع المصريين، وعدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة.

(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1875، 1914 لسنة 30 ق. ع بجلسة 9 مارس 1991)

كما قضت تلك المحكمة بأنه إذا لم يفرض المشرع على الإدارة أن تتدخل بقرار خلال فترة معينة فإنها تكون حرة في اختيار وقت تدخلها، حتى لو كانت ملزمة أصلا بإصداره على وجه معين، ذلك أن الوقت المناسب لإصدار القرار لا يمكن تحديده سلفا، غير أنه يحد حرية الإدارة في اختيار وقت تدخلها شأنها في ذلك شأن أية سلطة تقديرية ألا تكون الإدارة مدفوعة في هذا الاختيار بعوامل لا تمت للمصلحة العامة، وألا تحسن اختيار وقت تدخلها فتتعجل إصدار قرار أو تتراخى في إصداره بما يرتب أضرارا للأفراد نتيجة صدور القرار في وقت غير ملائم.

(المحكمة الإدارية العليا الطعن رقم 3350 لسنة 44 ق. ع بجلسة 7/2/2004 مجموعة مبادئ المحكمة الإدارية العليا السنة التاسعة والأربعون)

وحيث إن الثابت من أوراق الطعن رقم 6585 لسنة 55ق.ع أن المطعون ضدهم والخصوم المتدخلين معهم يحوزون أرضا زراعية ثابت فيها النشاط الزراعي لمزروعات تقليدية تقع داخل جزيرة القرصاية، وأن علاقة قانونية كانت قائمة بين المذكورين والهيئة العامة للإصلاح الزراعي تتمثل في قيام الأخيرة بتحصيل مقابل الانتفاع وصرف مستلزمات الإنتاج الزراعي للأراضي والمساحات الواردة تفصيلا في المستندات المقدمة من المطعون ضدهم والخصوم المتدخلين، كما تضمنت أوراق الطعن إيصالات سداد كهرباء ومقايسات كهرباء لمبان خاصة بالمذكورين المقيمين داخل الجزيرة، وكل ذلك مؤيد بإيصالات سداد من مصلحة الضرائب العقارية، ويبين من التقرير المعد عن جزيرة القرصاية (المقدم ضمن حافظة مستندات الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية) أنه قد ورد للهيئة كتاب النيابة الإدارية للزراعة والري بخصوص تحقيقات تجريها بمناسبة قيام بعض رجال الأعمال بردم جزء من مجرى نهر النيل لإنشاء جزيرة على مساحة (6 أفدنة) شرق جزيرة القرصاية، كما ورد للهيئة في 24/6/2007 الكتاب رقم 12051 من الأمانة العامة لوزارة الدفاع رقم 14/16/217 في 21/6/2007 بشأن التوجيهات الصادرة عن رئيس مجلس الوزراء في 21/5/2007 بخصوص جزيرة القرصاية بمحافظة الجيزة، وعلى ضوء توصيات الاجتماع المنعقد بمقر وزارة الدفاع في 7/6/2001 بحضور الأجهزة المختصة بالدولة، والمنتهي إلى إخطار جميع المتعاملين بعدم تجديد تأجير الأراضي الزراعية بعد 30/10/2007، كما قدم المطعون ضدهم صورة من خطاب صادر عن السكرتير العام المساعد بمحافظة الجيزة –لم تنكره أو تجحده الجهة الإدارية- يفيد بأن أحد الأمراء من دولة خليجية قدم طلبا لإقامة مركز سياحي متكامل على مساحة (100000) متر بجزيرة القرصاية جنوب كوبري الجيزة، وأن محافظ الجيزة وجه بدراسة إمكانية تدبير مساكن بديلة لقاطني الجزيرة.

كما يبين من مذكرة الهيئة المشار إليها والمرسلة إلى هيئة قضايا الدولة (المقدم صورتها ضمن حافظة مستندات الجهة المذكورة بجلسة 3/2/2008) أن الهيئة تتولى إدارة واستغلال والتصرف في أراضي طرح النهر، وتمارس سلطات المالك مع وزارة الري طبقا لأحكام القانون رقم 7 لسنة 1991 في شأن بعض الأحكام المتعلقة بأملاك الدولة الخاصة، وأشارت المذكرة إلى أنه قد ورد للهيئة كتاب وزير الزراعة مرفق به مذكرة محافظ الجيزة بشأن استغلال أرض جزيرة القرصاية لإقامة مركز سياحي عالمي، وعمل بحث اجتماعي لسكان الجزيرة بغرض النظر في إمكانية تعويضهم عن النشاط الاقتصادي مصدر رزقهم، وأن الهيئة قد قامت بتجديد ثلاثة عقود لغير المطعون ضدهم، وتم انتهاء مدتها، وأعلنت الهيئة أسفها عن التجديد للعقود المنتهية في 27/9/2007 بناء على التوجيهات الصادرة عن رئيس مجلس الوزراء.

كما أوضحت بعض الصور الفوتوغرافية المقدمة ضمن حافظة المستندات المقدمة من المطعون ضدهم بجلسة 7/3/2007 عن قيام بعض أفراد القوات المسلحة باقتحام الجزيرة -ولم تنكر جهة الإدارة ذلك–، على الرغم من أن المادة الثالثة من القانون رقم 7 لسنة 1991 بشأن بعض الأحكام المتعلقة بأملاك الدولة الخاصة تقضي بأن تتولى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية إدارة واستغلال والتصرف في أراضي استصلاح واستزراع الأراضي وأراضي البحيرات وأراضي طرح النهر، وتمارس عليها سلطات المالك في كل ما يتعلق بشئونها، ولا شك أن من هذه الأراضي أرض المحميات الصادر بتحديدها قرار مجلس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998، وقد وسدت أحكام القانون رقم 102 لسنة 1983 (المادة 4)، وقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 ( المادة 2) إلى جهاز البيئة الإشراف على المحميات واقتراح أية أنشطة عليها.

ولا خلاف على أن كل ما تقدم يقطع بأن تدخل وزارة الدفاع وغيرها من الجهات الأخرى بشأن التصرفات الخاصة بأرض الجزيرة يمثل تدخلا غير مبرر، وأن انصياع الهيئة المذكورة المتمثل في إخطار المستأجرين بعدم تجديد عقودهم معها لا يقوم على سبب صحيح من القانون، كما أن ما يدور في خلد الجهة الإدارية وأفصحت عنه الأوراق من وجود مشروع استثماري بدعوى تحقيق المصلحة العليا للدولة وتغيير الوجه الحضاري أمر يتعارض كلية مع أحكام قانون المحميات الطبيعية والقرارات المنفذة له، والتي تقطع بأن الهدف الأساسي من ذلك التشريع هو المحافظة على الحالة الطبيعية للمحمية عند صدور قرار باعتبارها كذلك، وأن كل تدخل بأي نشاط مخالف أو إقامة أي مشروعات ومبانٍ في أي محمية مشروعيته رهينة بموافقة رئيس مجلس الوزراء، ولا يترتب على هذه الموافقة أي تغيير في الحالة الطبيعية والبيئة الثابتة واقعا للمحمية.

وحيث إنه ولما كانت أوراق الطعن تقطع بأن النشاط الزراعي والصيد يسودان على أرض محمية جزيرة القرصاية، وأن المطعون ضدهم والخصوم المتدخلين قد أقاموا مجتمعا زراعيا وتجاريا يعتمد على حرفتي الزراعة والصيد بتلك المحمية، فضلا عن وجود بعض المشروعات السياحية الصغيرة، كما ورد تفصيلا بقرار رئيس مجلس الوزراء المنشئ للمحمية الطبيعية (جزيرة القرصاية)، فمن ثم يكون مسلك الجهة الإدارية بالامتناع عن تجديد عقود الإيجار أو تقرير حق الانتفاع لواضعي اليد من سكان جزيرة القرصاية مشوبا بعدم المشروعية؛ لانحرافه عن الالتزام بغاية المصلحة العامة القومية والحفاظ على البيئة الطبيعية للجزيرة كما أفرزتها الطبيعة أرضا خصبة داخل مجرى النهر.

ولا يحاج على ذلك بما سطره دفاع الجهة الإدارية من وجود رغبة في التطوير للجزيرة سياحيا؛ بحسبان أن كل تطوير محكوم بالمحافظة على البيئة الزراعية للجزيرة، ولا يتنافى معه العمل على استقرار سكان الجزيرة بوضعهم الحالي يمارسون مهنتهم الأصلية بزراعة الأرض وصيد الأسماك وغير ذلك من المهن التجارية الصغيرة التي كانت تحت نظر رئيس الوزراء عند إصدار قراره رقم 1969 لسنة 1998 بإنشاء المحمية ضمن الإطار العام والذي يرتبط وصف تلك المحمية ببقائه.
كما لا يحاج على ما تقدم بوجود اعتبارات للأمن القومي تقتضي عدم تجديد عقود الإيجار وطرد سكان الجزيرة؛ بحسبان أن واجب الدولة الأساسي حفظ السلم والأمن الداخلي، وأن تراعي فيما يصدر عنها من قرارات وإجراءات ما يحفظ أمن المواطنين وسلامتهم ومصادر رزقهم المشروعة، وهي أمور في مجملها برهان على قوة الدولة وقدرتها على ضبط الشعور العام للمواطنين، كما أنها تعبر عن الوجه الأمثل للمحافظة على هيبة الدولة وأنها القوامة على تحقيق المصلحة العامة لأفراد الشعب، وفي الصدارة طبقات الشعب التي اتخذت من حرفة الزراعة حرفة أصلية ومستقرا لها يرتبط بالمكان ارتباطا وثيقا لا يغني عنه تدبير مسكن أو غير ذلك من الوسائل، ولا خلاف على أن ربط فكرة المحافظة على الأمن القومي بإقامة مشروع سياحي لا يستقيم مع علو فكرة الأمن القومي، كما أن المحافظة على مصالح الأفراد الخاصة في إطار المصلحة العامة يمثل أرقى مظاهر المحافظة على الأمن القومي والتعبير الحقيقي عن قدرة الدولة على ترسيخ مبدأ المواطنة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن تجديد العلاقة القانونية بينها وبين واضعي اليد على أرض جزيرة القرصاية، فإنه يكون قد التزم بصحيح حكم القانون والواقع، وأصاب وجه الحق، ويضحى الطعن الماثل غير قائم على سنده الصحيح في الواقع والقانون خليقا بالرفض.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة رقم (184) مرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، ورفضهما موضوعا، وألزمت الطاعنين المصروفات. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق