الصفحات

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020

الطعن 81 لسنة 6 ق جلسة 28 / 10 / 1937 مج عمر المدنية ج 2 ق 66 ص 178

جلسة 28 أكتوبر سنة 1937

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة باشا ومحمد فهمي حسين بك وحامد فهمي بك وعلي حيدر حجازي بك المستشارين.

------------

(66)
القضية رقم 81 سنة 6 القضائية

اختصاص:
(أ، جـ) المبارأة. الخلع. الطلاق على مال. خضوعها لأحكام الشريعة الإسلامية. المسائل المالية المترتبة على روابط الأحوال الشخصية. من اختصاص جهة الأحوال الشخصية. اختصاص المحاكم الأهلية بنظرها. مناطه.
(ب) الطلاق بعوض. ماهيته شرعاً. الطلاق الذي يستوجب لزوم المال على الزوجة. كيفيته. مجرّد الاتفاق على العوض وتنفيذ الزوجة له. النص في وثيقة الطلاق على أن المقابل هو الإبراء من النفقة ومؤخر الصداق. اعتبار هذا الاتفاق أساساً للإيجاب والقبول الشرعيين لوقوع الفرقة واستحقاق المال. مخالفته للقواعد الشرعية الواجب الأخذ بها في هذا الموطن.

-----------------
1 - المبارأة والخلع أو الطلاق على مال ليست من المعاوضات المالية التي تطبق في شأنها أحكام القانون المدني بل هي من التصرفات التي تدخل في نطاق الأحوال الشخصية فتخضع لأحكام الشريعة الإسلامية التي يرجع إليها وحدها لتقرير ما يجب أن يتم به رضاء الزوجين، وكيف يفصح عنه كل منهما فيما يصدر عنه من إيجاب وقبول، وكيف يكون الإيجاب والقبول معتبرين شرعاً حتى تقع الفرقة ويستحق المال.
2 - إن ركن الطلاق على مال (الذي هو عقد على الطلاق بعوض) هو الإيجاب والقبول بلفظ الطلاق معلقاً على المال المسمى بين الزوجين. ولذلك كان مجرّد الاتفاق على الطلاق وبدله في مجلس واحد بدون حصول الإيجاب والقبول على الصورة الشرعية المتقدّمة الذكر لا يعتبر طلاقاً مستوجباً لزوم المال على الزوجة. فالحكم الذي يعتبر أن الإيجاب والقبول الشرعيين لوقوع الفرقة بين الزوجين واستحقاق الزوج للعوض قد حصلا على أساس ما تم بينهما على ما ينبغي أن تبذله الزوجة من المال لزوجها ليطلقها عليه وتنفيذ هذا الاتفاق بإيفائها بعض المال المتفق عليه وتسليمه بباقيه سندات إذنية الخ، لا على أساس ما دوّن في وثيقة الطلاق من أن الخلع قد وقع على الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدّة هو حكم مخالف للقواعد الشرعية الواجب الأخذ بها في هذا الموطن ويتعين نقضه.
3 - المحاكم المدنية ممنوعة من النظر في المسائل المالية المترتبة على روابط الأحوال الشخصية من مهر أو نفقة أو بدل خلع إلا إذا كانت تلك المسائل ثابتة أصلاً ومقداراً من جهة الاختصاص الأصيلة وكانت مرفوعة إليها للنظر في المطالبة المدنية فقط. أما إذا كانت المسألة المتنازع عليها مما يتوقف على حلها تعيين مدى التزام أحد الزوجين بحق مالي فيوقف الفصل فيها حتى تفصل فيها جهة الأحوال الشخصية المختصة.


الوقائع

تتضمن وقائع الطعنين - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي المؤيد به ومن الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت مقدّمة من قبل لمحكمة استئناف مصر - في أنه بتاريخ 26 نوفمبر سنة 1909 عقد زواج السيدة عائشة فهمي على الدكتور أحمد السعيد بك بصداق قدره خمسمائة جنيه معجلة مائتان ومؤجله ثلاثمائة. وبعد نحو أربع سنوات من تاريخ هذا العقد، سافر الدكتور أثناءها إلى حرب البلقان، دخل بزوجته في بيتها. وكانا لم يتعارفا قبل الدخول، فما كادت تبدأ العشرة بينهما حتى شعرت بنفور منه واستمرت حياتهما الزوجية تعسة، وزادها تعاسة أنها لم تثمر لهما ذرّية. وأن الدكتور كان يعيش في بيتها ولا يتحمل شيئاً من النفقات. وقد بلغت حالة التعاسة هذه حدّاً تقول الزوجة إنه جعلها تفكر في الانتحار. ويعزو الدكتور هذه الحالة إلى أنه كان منصرفاً عنها إلى أعماله الكثيرة. ولما لم يفلح الأهل والأصدقاء أو الزمن في إصلاح ذات بينهما طلبت منه الطلاق فلم يمانع فيه، ولكن طلب أن تدفع له مائة ألف جنيه مقابلاً له. وألحفت في هذا الطلب مراراً في ظروف مختلفة، وتوسط بينهما كثيرون. وأخيراً وبعد مضي عدّة سنين توسط بينهما حسن سعيد باشا أحد أقارب الدكتور فاقترح أن يكتفي منها بثلاثين ألف جنيه وبمنزل لها يساوي عشرة آلاف جنيه. وما زال الباشا به وبها حتى قبلا. ثم عهد إلى الأستاذ عبد الكريم رؤوف بك المحامي بالقيام بكتابة الأوراق وإتمام الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذا الاتفاق. وفي مساء 29 يونيه سنة 1930 حضر الزوجان لمكتب هذا المحامي وأحضر المأذون الشرعي فسلم للزوج 15000 جنيه ووقعت الزوجة على الأوراق التي حررها حضرة المحامي وأرخها في 29 يونيه سنة 1930 وهي (1) ثلاثة سندات تحت إذن حضرة الدكتور كل منها بخمسة آلاف جنيه، وذكر فيها جميعاً أن قيمتها وصلت الست عائشة نقدية، وأنها إذا تأخرت عن دفع القيمة سرت عليها الفوائد بواقع المائة تسعة و(2) عقد بيع ابتدائي يتضمن بيع السيدة عائشة للدكتور أحمد السعيد بك لكامل أرض وبناء المنزل رقم 1 الكائن على شارعي فهمي والشيخ ريحان بقسم عابدين بثمن قدره 8000 جنيه دفع من حضرة المشتري في مجلس هذا العقد الذي يعتبر بمثابة مخالصة نهائية و(3) عقد اتفاق بين الطرفين يتضمن تكليف الدكتور بالاستمرار في وكالته عن الست عائشة في إدارة دائرتها ابتداء من تاريخه (أي 29 يونيه سنة 1930) نظير أتعاب قدرها 1200 جنيه و(4) عقد إيجار يتضمن تأجيرها له قصرها بالزمالك مدّة سنتين واستلامها مقدّماً أجرته البالغة 2400 جنيه. وبعد التوقيع منها على هذه الأوراق وتسليمها للزوج وثق المأذون بينهما الطلاق بقوله "إنه في يوم 29 يونيه سنة 1930 الساعة 9 أفرنكي مساءً حضر الدكتور أحمد السعيد بك ومعه زوجته عائشة هانم وتصادقا على الزوجية والدخول وقالت الزوجة المذكورة لزوجها المذكور أبرأتك من مؤخر صداقي ومن نفقة عدّتي لحين انقضائها منك شرعاً وسألتك الطلاق على ذلك فأجابها قائلاً لها أنت طالق على ذلك وأقرّ بأن هذا الطلاق هو الأوّل. وقد عرفتهما بأنها لا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين ثم وقع المطلق والمطلقة على هذا الإشهاد". وهكذا تمت الفرقة بين الزوجين وتزوّجت هي عقب انقضاء العدّة بزوج آخر وسكن الدكتور قصر الزمالك واستمر في إدارة أموالها كما كان قبل الطلاق تنفيذاً للاتفاق المتقدّم الذكر.
وفي 27 يونيه سنة 1931 دفعت له أجر الوكالة عن السنة الأولى. وفي 28 إبريل سنة 1933 حررت لمطلقها عقداً رسمياً ببيع المنزل السابق بيعه له من قبل بالعقد الابتدائي المتقدّم الذكر.
ولما لم تدفع السيدة عائشة شيئاً من قيمة السندات الثلاثة ولا من أجر الوكالة عن السنوات الثلاث التالية حرر لها الدكتور خطاباً في 18 يونيه سنة 1934 يطالبها بما استحق له ويعلنها بتنازله عن التوكيل فكان جوابها أن رفعت عليه دعوى أمام محكمة مصر الابتدائية قيدت بجدولها برقم 1260 سنة 1934 ذكرت في صحيفة افتتاحها المعلنة في 27 يونيه سنة 1934 أن حياتها الزوجية كانت تعسة غاية التعاسة، وأنها اضطرت إلى إعطاء ما أعطت مكرهة عليه، فهي باطلة من جهة لصدورها تحت الإكراه ولأن سببها غير شرعي لمنافاته للنظام العام والآداب العامة، وأن لها أن تطلب براءة ذمتها من قيم السندات الثلاثة التي حررتها للدكتور ورد ما أخذه منها، ولذلك التمست الحكم (أوّلاً) باعتبار السندات الثلاثة البالغ قيمتها خمسة عشر ألف جنيه المؤرخة في 29 يونيه سنة 1930 باطلة من نفسها وبراءة ذمتها هي منها ومن المطالبة بأي دين أو حق يدّعيه هو عليها و(ثانياً) إلزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ الخمسة عشر ألف جنيه السابق دفعه منها له و(ثالثاً) تثبيت ملكيتها للمنزل السابق صدور عقد البيع منها فيه وتسليمه لها ومحو كافة التسجيلات المتوقعة عليه و(رابعاً) إلزام المدعى عليه بالمصاريف وأتعاب المحاماة.
فكان من الدكتور أن رفع عليها وعلى بنك مصر دعوى أمام محكمة مصر الابتدائية قيدت بجدولها برقم 1413 سنة 1934 ذكر بصحيفة افتتاحها المعلنة في 16 و19 يوليه سنة 1934 أنه يداين المدعى عليها بخمسة عشر ألف جنيه بمقتضى سندات ثلاثة مؤرّخة في 29 يونيه سنة 1930 ويداينها أيضاً بمبلغ 3600 جنيه قيمة أتعاب وكالته عنها عن ثلاث سنوات بمقتضى عقد اتفاق مؤرّخ في 29 يونيه سنة 1930 والتمس الحكم بإلزام المدّعى عليها بأن تدفع له خمسة عشر ألف جنيه وفوائده بواقع المائة تسعة من تاريخ الاستحقاق عن كل سند لغاية السداد، وثانياً إلزامها بأن تدفع له مبلغ 3600 جنيه وفوائده باعتبار 5% من تاريخ المطالبة الرسمية لغاية السداد والمصاريف والأتعاب وتثبيت الحجز التحفظي المتوقع تحت يد بنك مصر وجعله حجزاً تنفيذياً. وبجلسة 23 أغسطس سنة 1934 حكمت المحكمة غيابياً: (أوّلاً) بإلزام المدّعى عليها بأن تدفع للمدّعي خمسة عشر ألف جنيه مصري وفوائده باعتبار المائة تسعة سنوياً لكل سند من السندات الثلاثة المبينة بالأسباب من تاريخ الاستحقاق لغاية السداد وتثبيت الحجز التحفظي تحت يد بنك مصر وجعله حجزاً تنفيذياً والمصاريف المناسبة والنفاذ بلا كفالة وخمسماية قرش أتعاباً للمحاماة. (ثانياً) فيما يختص بباقي الطلبات (أجرة التوكيل) بفتح باب المرافعة لجلسة 27 أكتوبر سنة 1934 لمناقشة المدعي أو وكيله فيما جاء بأسباب هذا الحكم وأبقت الفصل في المصاريف. وبإعلان مؤرّخ في 30 أغسطس سنة 1934 عارضت السيدة عائشة المحكوم عليها وطلبت للأسباب الواردة بإعلان المعارضة قبولها وإلغاء النفاذ المشمول به الحكم المعارض فيه وفي الموضوع أصلياً بارتباط هذه الدعوى بدعواها هي المقيدة برقم 1260 سنة 1934 بجدول المحكمة والمحدّد لنظرها جلسة 23 أكتوبر سنة 1934 تحضير، واحتياطياً برفض دعوى الدكتور أحمد السعيد بك مع إلزامه في الحالتين بالمصاريف وأتعاب المحاماة وحفظ كافة الحقوق الأخرى. وفي جلسة 6 سبتمبر سنة 1934 المحدّدة لنظر المعارضة حكمت المحكمة بقبول المعارضة شكلاً وإلغاء الحكم المعارض فيه فيما يختص بالنفاذ المعجل وتحديد جلسة 27 أكتوبر سنة 1934 لنظر موضوع المعارضة مع باقي الطلبات. وبالجلسة المذكورة قرّرت المحكمة ضم القضية الأولى للثانية وسمعت أقوال وطلبات الطرفين، ثم حكمت فيهما في يوم أوّل ديسمبر سنة 1934 (أوّلاً) في دعوى السيدة عائشة فهمي باعتبار السندات الثلاثة المؤرّخة في 29 يونيه سنة 1930 والبالغة قيمتها خمسة عشر ألف جنيه باطلة وبراءة ذمتها منها وبإلزام الدكتور أحمد السعيد بك بالمصاريف المناسبة لذلك وبإلغاء الحكم المعارض فيه القاضي بإلزام السيدة المذكورة بدفعها، وبرفض دعوى المعارض ضدّه سالف الذكر بخصوصها، وبإلزامه بالمصاريف المناسبة لها في دعواها الأصلية وفي المعارضة المرفوعة منها عن الحكم الغيابي. (وثانياً) في دعوى الدكتور أحمد السعيد بك بإلزام السيدة عائشة فهمي بأن تدفع له مبلغ 1800 جنيه أجرة وكالته عنها في ثلاث السنين موضوع التقاضي وفوائد هذا المبلغ بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 16 يوليه سنة 1934 حتى تمام الوفاء والمصاريف المناسبة مع تثبيت الحجز التحفظي بقدر ما يفي بما حكم له به. (وثالثاً) برفض ما عدا ذلك من الطلبات وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة.
فاستأنفت السيدة عائشة هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالبة قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف فيما لم يحكم به والحكم بما يأتي: (أوّلاً) رفض دعوى المستأنف عليه في مبلغ الـ 1800 جنيه وفوائده المحكوم له بها. (ثانياً) الحكم بإلزام المستأنف عليه بأن يدفع للمستأنفة الخمسة عشر ألف جنيه التي استلمها وببطلان العقدين الصادرين إليه من السيدة المستأنفة ببيع المنزل المتنازع عليه وهما العقد العرفي الغير المسجل الصادر بتاريخ 29 يونيه سنة 1930، والعقد الرسمي الصادر في 28 إبريل سنة 1933 والمسجل، وتثبيت ملكية السيدة المستأنفة لهذا المنزل وبتسليمه إليها ومحو التسجيلات المتوقعة عليه. (ثالثاً) بإلزام المستأنف عليه بجميع مصاريف الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة عنهما مع حفظ كافة الحقوق الأخرى. وقيد هذا الاستئناف برقم 52 سنة 52 قضائية.
واستأنفه أيضاً الدكتور أحمد السعيد بك طالباً قبول استئنافه شكلاً وفي الموضوع أوّلاً بتعديل الحكم المستأنف الصادر في دعوى المستأنف عليها والحكم برفضها فيما يتعلق بإبطال السندات الثلاثة البالغ قيمتها 15000 جنيه مع إلزامها بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. وثانياً (1) إلغاء الحكم المستأنف الصادر في المعارضة والحكم بإلزام المستأنف عليها بأن تدفع له مبلغ 15000 جنيه مصري والفوائد باعتبار 9% من تاريخ الاستحقاق للسداد وتأييد الحكم الغيابي الصادر في 23 أغسطس سنة 1934 (2) مع تعديله فيما يتعلق بأتعاب الوكالة والحكم فيها بإلزامها بمبلغ 1800 جنيه فوق ما قضت له المحكمة به ابتدائياً (3) إلزامها بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين وتثبيت الحجز التحفظي عن هذين المبلغين تحت يد بنك مصر. وقيد هذا الاستئناف بجدول محكمة استئناف مصر برقم 135 سنة 52 قضائية.
وبجلسة 9 يناير سنة 1935 قررّت محكمة الاستئناف ضم الاستئنافين أحدهما للآخر للحكم فيهما بحكم واحد. وبعد أن سمعت المرافعة وحجزت الدعوى للحكم قرّرت المحكمة بجلسة 8 ديسمبر سنة 1935 فتح باب المرافعة لمناقشة الطرفين شخصياً ووكيليهما في ظروف وملابسات العقود والسندات موضوع النزاع وفي غير ذلك مما تراه لازماً لتنوير الدعوى، وحدّدت لذلك جلسة 15 ديسمبر سنة 1935 وفيها حضر الطرفان ووكيلهما وسمعت المناقشة والطلبات كالوارد بمحضر الجلسة، ثم حجزت الدعوى للحكم مع تقديم مذكرات، ثم حكمت فيها بتاريخ 12 يناير سنة 1936 بقبول الاستئنافين شكلاً ورفض الدفع المقدّم من الدكتور أحمد السعيد بك الخاص بطلب بطلان الحكم المستأنف وفي الموضوع بتأييد الحكم المستأنف وإلزام كل مستأنف بمصاريف استئنافه والمقاصة في أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
أعلن هذا الحكم إلى الدكتور أحمد السعيد بك في 28 يوليه سنة 1936 فطعن فيه وكيله بطريق النقض في 25 أغسطس سنة 1936 بتقرير أعلن إلى الست عائشة هانم فهمي في نفس اليوم.
وطعن فيه أيضاً بطريق النقض وكيل الست عائشة في 26 أغسطس سنة 1936 بتقرير أعلن إلى الدكتور أحمد السعيد بك في 29 منه الخ.


المحكمة

ومن حيث إن مبنى الوجه الثالث من وجوه الطعن المرفوع من السيدة عائشة فهمي أن محكمة الاستئناف قد صدرت في قضائها بتأييد الحكم المستأنف عن أن بدل الطلاق الذي حصل الاتفاق عليه بين الزوجين الشامل لجميع ما أعطته من الأموال والسندات الإذنية هو الذي وقع به الخلع، وأن الإيجاب والقبول الشرعيين لهذا الخلع حصلا وتكررا في مجلسه على أساس هذا الاتفاق لا غيره، وأن تحرير وثيقة الخلع على مثل ما حررت به من أن الخلع قد وقع على البراءة من مؤخر الصداق ونفقة العدة لا يؤثر على الحقيقة. وتقول الطاعنة إن الذي وقع بينها وبين زوجها هو طلاق واحد بمقابل سمي وذكر في وثيقة الطلاق، وأن حكم الشرع الإسلامي أن البدل الذي يلزم الزوجة في الطلاق على مال هو المسمى في عقد الطلاق، ولا يتناول ما لم يذكر فيه، وأن ما كان اتفق عليه في مجلس عقد الطلاق ولم يسمَ فيه لا يلزم الزوجة. ولذلك كان للمطلقة أن تسترد ما أخذه مطلقها منها قبل وقوع الطلاق، لأنها تكون قد دفعته لا على وجه الهبة، بل على أنه واجب: إما بمجرّد الاتفاق، وإما بالطلاق الذي لم يسمَ فيه، ولأن من دفع شيئاً ليس واجباً عليه فله استرداده - تقول الطاعنة ذلك وتدعي أن محكمة الاستئناف إذ اعتبرت الاتفاقات السابقة على عقد الطلاق جزءاً من الإيجاب والقبول الشرعيين بالطلاق، على خلاف ما ورد بالوثيقة الشرعية تكون قد أخطأت في عدم الأخذ في الدعوى بحكم الشرع الإسلامي الواجب الأخذ به فيها، وتكون بذلك قد خالفت القانون الواجب تطبيقه. ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن هذا المطعن فضلاً عن كونه سبباً قانونياً صرفاً كان قائماً في الخصومة ليس بجديد، كما ظن الخصم، بل كانت الطاعنة قد عرضته على محكمة الاستئناف وناقشها فيه خصمها، ثم ناقشتهما فيه تلك المحكمة على ما جاء بمحضر الاستجواب المؤرّخ في 15 ديسمبر سنة 1935، ثم فصلت فيه بعد أن سألتهما عما إذا كان لهما اعتراض على اختصاصها بالفصل في المسألة الشرعية التي أثاراها وأجاباها بأن لا اعتراض لهما. ولهذا يكون دفع الدكتور أحمد السعيد بك بجدة المطعن غير صحيح.
وحيث إن هذا المطعن في جوهره يبعث هذه المحكمة كما بعث محكمة الاستئناف من قبل على التساؤل عما يكون به الإيجاب والقبول في الطلاق على مال، وعما إذا كان الاتفاق بين الزوجين على ما ينبغي أن تبذله المرأة من المال لزوجها ليطلقها عليه، ثم تنفيذه بإيفائها بعض هذا المال وتسليمه بباقيه سندات إذنية يوقعان الطلاق بغير صيغة أم أن هذا الطلاق لا يقع إلا بصيغة يصرح فيها الزوج بلفظ الطلاق على المال المتفق عليه. وهو يبعثها أيضاً كما بعث محكمة الاستئناف على التساؤل عما إذا كان بحث هذه المسألة الشرعية من اختصاص المحكمة الأهلية أم يجب أن تفصل فيها المحكمة الشرعية. ولهذا كان من محكمة الاستئناف بعد أن سمعت المرافعة بجلسة 19 أكتوبر سنة 1935 أن قررت بجلسة 8 ديسمبر سنة 1935 فتح باب المرافعة لمناقشة الطرفين شخصياً ووكيليهما في ظروف وملابسات العقود والمستندات موضوع النزاع وفي غير ذلك مما تراه لازماً لتنوير الدعوى. وقد استجوبتهما في جلسة سرية فجاء في محضر الاستجواب المؤرّخ في 15 ديسمبر سنة 1935 أن السيدة عائشة بعد أن ذكرت تعاسة حالتها الزوجية وأنها طلبت من زوجها الطلاق فأبى قالت: "فرحت لحسن سعيد باشا يفصل في المسألة وهو عارف أننا تعبانين فقال لازم تدي له حاجة علشان يسيبك ويطلع من العز اللي هوّ فيه. لازم تتفقوا على مبلغ علشان الطلاق... ادفعي له 15 ألف جنيه نقدية والباقي اعملي به كمبيالات... فأخذت المبلغ من البنك ورحت لعبد الكريم رؤوف بك وأعطيته المبلغ. وتاني يوم وكان يوم الأحد رحنا علشان الطلاق ومضيت العقود، وبعد كده نده للمأذون وجه وقع الطلاق". وجاء بهذا المحضر أن الدكتور قال: "هي اللي قالت لي على الطلاق وذلك قبل حصوله بأربع سنوات أو ثلاثة وفهمت من ذلك أنه غير جدّي وطلبت مقابل علشان تمتنع عن هذا الطلب مائة ألف جنيه... وأخيراً قلت لها ما تجيبي واحد يفصل في الموضوع واتفقنا على حسن سعيد باشا ورحنا كلمناه، فقال إنها تدفع لك 30 ألف جنيه وتعطيك البيت وتسيبها والسلام فرضيت... وكان رأيي بعد هذا أن آخذ المبلغ كتعويض على المدّة اللي فاتت وتعطيلي عن عملي من أجلها على أساس أنه من أجل التأثير على سمعتي". ولما سئل كيف تلقن السيدة أن تقول في مجلس الطلاق إنها أبرأتك بس من مؤخر الصداق، أجاب كنا عند عبد الكريم رؤوف بك وأعطتني الفلوس وعمل كل هذا وهو محاميها... ولما سئل عما إذا كانت الكمبيالات والخلع حصلا في مجلس واحد قال أيوه. ثم سئل يوم 29 يونيه حصل إيه فأجاب رحنا المغرب الساعة 7 مساءً عند عبد الكريم بك وكانت الأوراق جاهزة وهي راحت والفلوس معها ووقعت على الأوراق وأنا وقعت والمأذون كان موجود وراح موقع الطلاق، ثم سئلت السيدة عائشة عما حصل في هذا اليوم فقالت: "أنا أديت الفلوس لعبد الكريم من قبل المغرب علشان يطمئن ويجيبه يوقع الطلاق ورحت أنا في الميعاد فقال تعالي امضي ومضيت وبعد الإمضاء أرسلوا للمأذون وجه وحصل الطلاق". ولما انتهى الاستجواب سألت المحكمة الطرفين هل ليس لكما اعتراض على اختصاص المحكمة الأهلية، فأجابا بالنفي وصمما على الطلبات، فأجلت نطق الحكم لجلسة 12 يناير سنة 1936
وحيث إن محكمة الاستئناف بعد أن لخصت دفاع الطرفين وبعد أن قرّرت أن بدل الطلاق يصلح في ذاته أن يكون سبباً شرعياً لإعطاء ما دفع للزوج من النقود والمنزل والسندات الإذنية المقدّمة عقودها وأوراقها بالدعوى، وبعد أن قرّرت أن السيدة عائشة كانت في حالة اضطرار عند تقرير هذه الالتزامات بذمتها وأن الرأي الصواب الذي يتحقق به العدل هو تخفيض هذه الالتزامات إلى الحدّ المناسب الذي ستقضي به - بعد ذلك بحثت محكمة الاستئناف فيما يجب اعتباره قانوناً وشرعاً أنه هو دون غيره العوض الذي وقع الطلاق عليه واستحقه الزوج ولزم الزوجة فقالت: "وحيث إن المستأنفة تذهب إلى أن الإيجاب والقبول الشرعيين لم يتما إلا على الأساس الموضح في وثيقة الطلاق ذاتها التي تنص على أن مقابل الطلاق هو الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدّة".
" وحيث إن هذا القول منقوض بالوقائع الثابتة والمسلم بها من الجانبين وهي الوقائع السابق تقريرها في صدر هذا الحكم الثابت فيها أن الزوجين بعد محاولات كثيرة لم تنجح لجأ إلى حسن سعيد باشا وقبلا ما اقترحه عليهما على الصورة السابق بيانها التي يتضح منها أن البدل الذي حصل الاتفاق عليه لم يعدل عنه إلى غيره وأن الإيجاب والقبول الشرعيين حصلا وتكررا في مجلس الخلع وأنه على أساس هذا البدل لا غيره خصوصاً وأن لا خلاف في أن تسليم المستأنفة إلى المستأنف المبلغ والسندات، تم في نفس هذا المجلس".
"وحيث إنه مما يؤيد ذلك أن دعوى المستأنفة ذاتها رفعت على أساس أن بدل الخلع الذي تم الاتفاق عليه هو نفس البدل المتقدّم".
"وحيث إن تحرير وثيقة الخلع بالكيفية السابق بيانها وإغفالها ذكر هذا المقابل لا يؤثر على الحقيقة الثابتة المتقدّمة لأن هذه الوثيقة ليست سوى أداة ثبوت، ومن المعلوم أن الحق شيء وأداة إثباته شيء آخر فلا يصح الخلط بينهما".
ومن حيث إن المفهوم من هذا التسبيب أن محكمة الاستئناف - بعد أن أبعدت عن حسبانها أنها غير مختصة بحل تلك المسألة الشرعية التي انحصر النزاع فيها بين الطرفين والمتعلقة بما يمكن اعتباره شرعاً إيجاباً وقبولاً في الطلاق الذي أوقعه الزوج على المال الذي سمي فيه، وذلك بما أثبتته في محضر الاستجواب على لسان الوكيلين من أنه ليس لهما اعتراض على اختصاصها - بعد ذلك قد كيفت هذه المسألة على موجب قواعد الفقه المدني فاعتبرت الإيجاب والقبول الشرعيين قد حصلا وتكررا عند الاتفاق على تحديد بدل الخلع وعند تنفيذ هذا الاتفاق بقيام الزوجة بدفع بعض هذا البدل نقداً وبتوقيعها على عقد بيع المنزل والسندات الإذنية استبراء لها من باقيه الذي لزمها بذلك الاتفاق. ثم بررت هذا الاعتبار بما دوّنته في حكمها من أن تحرير وثيقة الخلع بالكيفية التي حررت بها وإغفالها ذكر هذا المقابل لا يؤثر على الحقيقة المتقدّمة لأن هذه الوثيقة ليست سوى أداة ثبوت، ولا يصح الخلط بين الحق ذاته وأداة ثبوته.
وحيث إن كون الطلاق على مال يقع بمجرّد الاتفاق عليه وعلى المال ثم بتنفيذه بإيفاء الزوجة بعضه نقداً وبتسليم الزوج سندات مالية بباقيه بدون إيجاب وقبول معتبرين شرعاً، وكون عوض الطلاق هو ما أثبته المأذون في وثيقة الطلاق أو غيره مما حصل الاتفاق عليه من قبل هما مسألتان متفرّعتان على معرفة بعقد الطلاق على المال ما هو وكيف يقع وما يشترط في صيغة الإيجاب والقبول لاعتبارهما شرعاً.
وحيث إن المبارأة والخلع أو الطلاق على مال ليست من المعاوضات المالية التي تطبق في شأنها أحكام القانون المدني بل هي من التصرفات التي تدخل في نطاق الأحوال الشخصية وتخضع بذلك لأحكام الشريعة الإسلامية الواجب الرجوع إليها وحدها لتقرير ما ينبغي أن يتم به رضا الزوجين وكيف يفصح عنه كل منهما فيما يصدر عنه من إيجاب وقبول وكيف يكون الإيجاب والقبول معتبرين شرعاً حتى تقع الفرقة ويستحق المال.
وحيث إن الطلاق بعوض في الشريعة الإسلامية معتبر من جانب الزوج أنه يمين أي تعليق للطلاق على قبول الزوجة للعوض المشروط فيه، ومعتبر من جانب الزوجة أنه تمليك المال بالطلاق الذي هو ملك الزوج، ومعتبر في حقهما معاً أنه عقد على الطلاق بعوض إذا أوجبه الزوج فإنما يكون إيجابه بتعليق الطلاق الذي هو عوضه بشرط قبولها المال الذي هو عوضها. ويكون إيجابه من جانب الزوجة بتعليق عوضها الذي تعطيه بإيقاع الطلاق الذي هو ملك الزوج. وكما كان ركن الطلاق بغير مال هو لفظ الطلاق الذي جعل دلالة على معناه لغة (وهو التخلية والإرسال ورفع القيد في الطلاق الصريح وقطع الوصلة ونحوه في طلاق الكناية) أو شرعاً (وهو إزالة الملك والحل في النوعين) كان ركن الطلاق على مال (الذي هو عقد على الطلاق بعوض) هو الإيجاب والقبول بلفظ الطلاق معلقاً على المال المسمى بينهما. ولذلك كان مجرّد الاتفاق على الطلاق وبدله في مجلس واحد بدون حصول الإيجاب والقبول على الصورة الشرعية المتقدّمة الذكر لا يعتبر طلاقاً مستوجباً لزوم المال على الزوجة.
وحيث إنه ينتج مما تقدّم أن محكمة الاستئناف - باعتبارها مجرّد الاتفاق على الطلاق وبدله وتنفيذه على مثل ما ورد على لسان الطرفين بمحضر الاستجواب أنه هو الذي وقعت به الفرقة واستحق المال، وبتقريرها أن العبرة في قدر هذا المال لا تكون بما ورد في وثيقة الطلاق إلى آخر ما سبق نقله عن حكمها المطعون فيه - أن محكمة الاستئناف تكون بذلك قد أخذت في الدعوى بغير القواعد الشرعية الواجب الأخذ بها فيها. وهذا يستوجب نقض الحكم المطعون فيه برمته بغير حاجة إلى بحث الوجوه الأخرى المبينة في الطعنين.
وحيث إن تلك المسائل المتقدّمة الذكر هي مسائل شرعية يتوقف على حلها تعيين مدى التزام الزوجة بالبدل الذي وقع به الطلاق شرعاً معلقاً على قبوله منها. وتعيين ذلك مما يتوقف عليه الفصل في موضوع الاستئنافين. وقد جرى القضاء على ألا تكون المحاكم المدنية مختصة بالنسبة للآثار المالية المترتبة على روابط الأحوال الشخصية من مهر أو نفقة أو بدل خلع إلا إذا كانت المسألة المالية ثابتة أصلاً ومقداراً من جهة الاختصاص وصار الأمر في الدعوى منحصراً في مجرّد مطالبة مدنية. أما إذا كانت المسألة الفرعية الشرعية المتنازع على حكمها مما يتوقف على حلها تعيين مدى التزام أحد الزوجين بحق مالي كما هو الحال في صورة الدعوى الحالية فقد جرى القضاء على وقف الفصل فيها من تلقاء نفسه حتى تفصل فيها جهة الأحوال الشخصية المختصة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق