الصفحات

الاثنين، 17 أغسطس 2020

الطعن 9 لسنة 2 ق جلسة 2 / 6 / 1932 مج عمر المدنية ج 1 ق 55 ص 120

جلسة 2 يونيه سنة 1932

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وأمين أنيس باشا المستشارين.

-------------

(55)
القضية رقم 9 سنة 2 القضائية

(أ) دعوى وضع يد.

صدور حكم لشخص بتسلم عقار، ادّعاء ثالث ملكية العين عند تنفيذ الحكم. استئجاره العين ممن صدر له الحكم. رفع المستأجر عليه دعوى إلغاء عقد الإجارة ومنع التعرّض. الحكم الصادر فيها. جواز الطعن فيه بطريق النقض.
(المادة 10 من قانون إنشاء محكمة النقض(
(ب ، ج) إكراه:
(ب) العمل الذى يقع به الإكراه المبطل للرضا في المشارطات. وجوب كونه عملا غير مشروع.
(جـ) سلطة قاضى الموضوع التامة في تقدير درجة الإكراه وتأثيره من الوقائع. تقدير كون الأعمال الواقع بها الإكراه مشروعة أم غير مشروعة. رقابة محكمة النقض في ذلك.
(المادة 135 مدنى(

------------------
1 - صدر لشخص حكم على آخر بتسلم عقار، ولدى تنفيذه ادّعى ثالث أنه مالك العين، وانتهت معارضته في التنفيذ باستئجاره العين ممن صدر له الحكم. فاذا رفع المستأجر بعد ذلك على مؤجره دعوى منع التعرّض، وطلب فيها إلغاء عقد الإجارة، وحكم له بذلك مع منع التعرّض، فهذا الحكم كله يعتبر أنه صادر في قضية من قضايا وضع اليد، ويجوز للمحكوم عليه الطعن فيه أمام محكمة النقض بمقتضى المادة 10 من قانون إنشائها، ولا يصح لخصمه أن يدفع بعدم جواز الطعن فيما يتعلق بشطر الحكم الخاص بإلغاء عقد الإيجار.
2 - إن المادة 135 من القانون المدني، وإن لم تنص على اشتراط عدم مشروعية العمل الذى يقع به الإكراه المبطل للمشارطات، إلا أن ذلك مفهوم بداهة، إذ الأعمال المشروعة قانونا لا يمكن أن يرتب عليها الشارع بطلان ما ينتج عنها.
3 - لقاضى الموضوع السلطة التامة في تقدير درجة الإكراه من الوقائع، وهل هو شديد ومؤثر في الشخص الواقع عليه أولا، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك. أما تقدير كون الأعمال التي وقع بها الإكراه مشروعة أو غير مشروعة فمما يدخل تحت رقابة محكمة النقض متى كانت تلك الأعمال مبينة في الحكم لأن هذا التقدير يكون هو الوصف القانوني المعطى لواقعة معينة يترتب على ما قد يقع من الخطأ فيها الخطأ في تطبيق القانون.
فاذا صدر حكم على مستأجر بإخلاء العين المستأجرة، ولدى تنفيذ هذا الحكم تعرّض ثالث مدّعيا أنه مالك العين وانتهت معارضته في التنفيذ بأن استأجر هو العين ممن صدر له حكم الإخلاء، فلا يصح القول بأن عقد الإجارة الأخير قد شابه من تنفيذ الحكم إكراه مبطل له، بل يكون هذا العقد صحيحا منتجا لكل آثاره.


الوقائع

رفع المدّعى عليهما في الطعن ميشيل حاجى ديمتريو ومحمد بدر هذه الدعوى على الطاعن محمود سليمان الكمالى وقرّرا فيها أنهما وضعا اليد على قطعة أرض كائنة بالإبراهيمية التابعة لرمل الإسكندرية وأحاطاها بسور وأنهما ينتفعان بها منذ أكثر من خمس سنوات في تخزين وصنع أدوات الزخرف والبياض وأن المدّعى عليه تواطأ مع آخر يدعى محمد على حميض بأن حرر له عقد إجارة عن الأرض المذكورة، ثم زعم أن حميضا تأخر في الإيجار فرفع عليه دعوى صورية أمام محكمة المنشية الأهلية واستصدر في غيبته حكما يقضى بفسخ عقد الإجارة وإخلاء الأرض وتسليمها إليه. وفى يوم 5 أبريل سنة 1926 انتقل أحد محضري المحكمة لتنفيذ حكم الإخلاء فتعرّض له الطالبان لأن الحكم لم يكن صادرا ضدّهما ولا في مواجهتهما فلا يجوز تنفيذه عليهما. ولكن المحضر لم يعبأ بهذا الإشكال وشرع في إخراج أدواتهما من الأرض، وتحت تأثير هذا الإكراه حررا للمدّعى عليه عقد إجارة، ثم رفعا هذه الدعوى وطلبا الحكم بمنع تعرّض المدّعى عليه لهما في الأرض وبإلغاء العقد سالف الذكر مستندين في تأييد دعواهما إلى أن الأرض كانت في حيازتهما قبل التنفيذ بدليل وجود أدواتهما فيها وأن الحكم الذى قدّم لتنفيذه ليس حجة عليهما لأنهما لم يكونا طرفا فيه وأن عقد الإيجار المحرّر بينهما في يوم التنفيذ مشوب بالإكراه. فأحالت محكمة أوّل درجة الدعوى إلى التحقيق ثم قضت لمصلحتهما في غيبة المدّعى عليه. فعارض المذكور وطعن ببطلان الحكم الغيابي لبطلان إعلانه بصحيفة التكليف بالحضور ولعدم تنفيذ الحكم في مدّة ستة أشهر، وطلب في الموضوع إلغاء الحكم المعارض فيه وبرفض الدعوى ولكن محكمة أوّل درجة قضت بالتأييد. فرفع استئنافا عن هذا الحكم أمام محكمة الإسكندرية الأهلية وأعاد تمسكه بدفعه وطلب في الموضوع رفض الدعوى فأحالت المحكمة الاستئنافية الدعوى إلى التحقيق مرّة ثانية ثم قضت بتأييد الحكم المستأنف في 2 ديسمبر سنة 1931.
وبتاريخ 26 يناير سنة 1932 قرّر الأستاذ أحمد رشدي المحامي بتوكيله عن الطاعن بالطعن بطريق النقض والإبرام في هذا الحكم الذى لم يعلن لموكله طالبا الفصل في أصل الدعوى ونقض الحكم المطعون فيه وإلغاء الحكم المستأنف وقبول الدفوع الفرعية وبطلان الإجراءات الخاصة بإعلان الدعوى والحكم الغيابي أو التقرير بسقوط الحكم لعدم نفاذه في بحر ستة أشهر أو رفض دعوى المطعون ضدّهما موضوعا مع إلزامهما على أية حال المصاريف جميعها ومقابل أتعاب المحاماة. وبعد استيفاء الإجراءات القانونية حدّد لنظر هذه القضية جلسة يوم الخميس 26 مايو سنة 1932. وبالجلسة المذكورة صمم كل من طرفي الخصومة على طلباته وأصرت النيابة على ما جاء بمذكرتها ثم أجل الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن الطعن رفع في 26 يناير سنة 1932 عن حكم صادر من المحكمة الابتدائية بصفة استئنافية بتاريخ 2 ديسمبر سنة 1931 في دعوى منع تعرّض مطلوب فيها أيضا الحكم ببطلان عقد إيجار استصدره الطاعن من المدّعى عليهما رافعى دعوى منع التعرّض باعتبار أن ذلك العقد صدر تحت سلطان الإكراه الأدبي، وهذا الحكم غير معلن للطاعن.
وبما أن المدّعى عليهما دفعا بعدم جواز الطعن بخصوص الحكم ببطلان عقد الإيجار واعتباره صادرا باكراه لأنه ليس خاصا بوضع يد ولا متعلقا بأمر اختصاص حتى يجوز الطعن فيه أمام محكمة النقض.
وبما أن الحكم المطعون فيه صدر في دعوى منع تعرّض مطلوب فيها أيضا إبطال عقد الإيجار لتكون دعوى منع التعرّض صحيحة فالحكم بإبطال العقد جزء من الحكم في منع التعرّض وليس حكما مستقلا وغير مرتبط بدعوى منع التعرّض.
وبما أن طلب إبطال عقد الإيجار قصد منه رافعا الدعوى الوصول إلى تصحيح دعوى منع التعرّض بجعل وضع يدهما بنية الملك وغير معيب فإبطال العقد حينئذ عنصر من عناصر وضع اليد وجزء لا يتجزأ منه، إذ لو بقى عقد الإيجار صحيحا لكان وضع يدهما نيابة عن المؤجر ولما جاز لهما طلب منع تعرّض الطاعن (وهو المؤجر). على أن المدّعى عليهما اعتبرا أخذ الطاعن عقد الإيجار منهما تعرّضا لهما في وضع اليد، ولهذا يكون الحكم المطعون فيه صادرا في قضية وضع يد، وجميع الطلبات المقضي بها فيه مكوّنة كلها لعناصر دعوى منع التعرّض، ويكون الدفع بعدم جواز الطعن في جزء من الحكم غير وجيه ويتعين رفضه وقبول الطعن شكلا.
الوجه الثالث
وبما أن الوجه الثالث يتلخص في أن المحكمة الاستئنافية قد أخطأت وخالفت القانون في اعتبارها عقد الإيجار المؤرّخ 5 أبريل سنة 1926 صادرا من المدّعى عليهما تحت سلطان الإكراه الأدبي المبطل للمشارطات، لأنه مع التسليم بأنه لولا الشروع في تنفيذ الحكم الصادر للطاعن بإخلاء الأرض لما وقع المدّعى عليهما على عقد الإيجار فان ذلك العقد لا يعدّ باطلا لأن الإكراه الموجب لبطلان المشارطة يجب أن يتحقق فيه شرطان: (الأوّل) أن يكون ناشئا عن عمل غير مشروع. (الثاني) أن يكون شديدا بحيث يحصل منه تأثير لذوى التمييز. والشرط الأوّل غير محقق هنا لأن العمل المدّعى بأن الإكراه نشأ عنه وهو تنفيذ حكم الإخلاء مشروع.
وبما أن المادة 135 من القانون المدني وإن لم تنص على اشتراط عدم مشروعية العمل الذى وقع به الإكراه الموجب لبطلان المشارطات إلا أن ذلك مفهوم بالبداهة لأن الأعمال المشروعة قانونا لا يمكن أن يرتب عليها الشارع بطلان ما ينتج عنها. وقد أجمع الفقهاء على اشتراط هذا الشرط باعتباره مرادا للشارع ولو لم ينص عليه.
وبما أن تقدير درجة الإكراه وهل هو شديد ومؤثر أو غير مؤثر على الشخص الواقع عليه متروك لقاضى الموضوع بلا سلطان عليه من محكمة النقض، أما كون الأعمال التي وقع بها الإكراه مشروعة أو غير مشروعة، متى تعينت في الحكم، فمما يدخل تحت رقابة محكمة النقض لأنه وصف قانوني لواقعة معينة يترتب على الخطأ فيها الخطأ في تطبيق القانون.
وبما أن تنفيذ حكم صدر على مستأجر بإخلاء العين المستأجرة منه هو عمل مشروع قانونا ضدّ كل من يوجد في تلك العين وقت التنفيذ ما دام هذا الشخص لم يستشكل في التنفيذ للمحضر. فاذا ترتب على الشروع في التنفيذ أن استأجر من وجد في العين وقت التنفيذ تلك العين تحت تأثير هذا الإكراه الأدبي فان العقد لا يكون مشوبا باكراه مبطل له بل يكون صحيحا منتجا لكل آثاره، والقضاء بغير ذلك خطأ.
وبما أن محكمة الاستئناف أثبتت في حكمها أن الإكراه حصل بتنفيذ حكم الإخلاء، وأنه كان شديدا لدرجة أنه أثر على المدّعى عليهما وجعل رضاهما معيبا، ولكنها قد فاتها أن التنفيذ الذى حصل به الإكراه مشروع وقانوني، وبذلك لم يتحقق أحد شرطي الإكراه المبطل للمشارطات.
وبما أنه مما سبق يكون تقدير قاضى الموضوع لدرجة الإكراه من الوقائع وكونه شديدا ومؤثرا أو غير مؤثر على ذوى التمييز وعلى الواقع عليه الإكراه أى ملجئ أو غير ملجئ لا سلطان لأحد عليه فيه لأنه تقدير لوقائع وظروف مطروحة أمامه. أما كون العمل الذى حصل به الإكراه أو تسبب عنه غير مشروع أو مشروعا فمما يدخل تحت رقابة محكمة النقض لأن ذلك شرط من شروط الإكراه المبطل للمشارطات ووصف قانوني لما يثبته قاضى الموضوع من الوقائع المكرهة.
وبما أن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بما قصده المشرع في المادة (135) من القانون المدني من أنه يجب أن يكون الإكراه بعمل غير مشروع فيتعين قبول هذا الوجه ونقض الحكم في جميع أجزائه بالنسبة لعقد الإيجار ولمنع التعرّض.
وبما أن الدعوى صالحة للحكم وقد طلب رافع النقض الفصل فيها في حالة قبول النقض.
وبما أنه مع اعتبار عقد الإيجار المؤرّخ 5 أبريل سنة 1926 الصادر من المدّعى عليهما صحيحا تكون حيازتهما للعين موضوع النزاع ووضع يدهما عليها حاصلا بطريق النيابة عن المؤجر وهو الطاعن ولا تكون مؤدّية إلى التملك ولا تصلح أساسا لدعوى منع التعرّض. ولذا يتعين إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى منع التعرّض ودعوى إبطال عقد الإيجار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق