الصفحات

الاثنين، 17 أغسطس 2020

الطعن 43 لسنة 2 ق جلسة 4 / 5 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 121 ص 207

جلسة 4 مايو سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وأمين أنيس باشا المستشارين.

---------------

(121)
القضية رقم 43 سنة 2 القضائية

)أ) موظف. 
قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 فبراير سنة 1916. اعتباره من أعمال السيادة العليا. فصل موظف بناء على هذا القرار. لا يوجب التعويض.
)ب) نقض وإبرام. 
أسباب الحكم. وقوع خطأ قانوني في بعض عباراتها. عدم تأثيره في صحة الحكم. لا نقض.

---------------
1 - إن القرار الصادر من مجلس الوزراء بتاريخ 8 فبراير سنة 1916 بالموافقة على عزل الموظفين المعتقلين بأمر السلطة العسكرية إنما هو عمل من أخص أعمال السيادة العليا التي لا يمكن أن يترتب عليها مسئولية مّا، أو أن يتولد منها أي حق من أي نوع كان، بالغا ما بلغ الضرر الذى نشأ عنه. فالموظف الذى يفصل من الخدمة بقرار وزاري بناء على ذلك القرار لا يحق له أن يطلب تعويض ما أصابه من الضرر بسبب فصله.
2 - إذا كانت الأسباب التي بني عليها الحكم صحيحة في جوهرها ولكن اعتورها خطأ قانوني في بعض العبارات، ومع استبعاد هذه العبارات يبقى الحكم مستقيما بما بقى له من الأسباب الصحيحة، فلا ينقض هذا الحكم.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى، حسب البيان الوارد في الحكم المطعون فيه وما هو موضح بالمذكرات والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة، في أن الدكتور عبد الفتاح يوسف أفندي (رافع النقض) التحق بخدمة الحكومة بوظيفة حكيم في القصر العيني من فبراير سنة 1909 واستمرّ يتنقل من وظيفة لأخرى حتى عين حكيما ثانيا لمستشفى أسيوط، وظل يقوم بعمله في هذا المستشفى إلى أن قبض عليه في 3 أغسطس سنة 1915 بأمر من السلطة العسكرية وبقى معتقلا حتى انتهت الحرب وأفرج عنه. وأنه في أثناء اعتقاله صدر قرار مجلس الوزراء بتاريخ 8 فبراير سنة 1916 بناء على مذكرة قدّمت له في 28 أكتوبر سنة 1915 من اللجنة المالية بفصل جميع الموظفين المعتقلين بأوامر من السلطة العسكرية فقرّرت وزارة الداخلية فصله من وظيفته وكان قد أوقف عن عمله من تاريخ اعتقاله، وبلّغته هذا القرار بكتاب مؤرّخ في 22 مارس سنة 1916. وأنه على أثر الإفراج عنه قدّم طلبا للتوظف وتوظف فعلا في مجلس مديرية أسيوط في أوّل أبريل سنة 1920 ثم طلب في 18 أبريل سنة 1926 توظيفه في وظيفة أخرى. ولما لم يجب إلى طلبه رفع الدعوى رقم 213 سنة 1930 مدنى كلى أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية طلب فيها الحكم له بمبلغ 19266 جنيها و236 مليما مع المصاريف والأتعاب وذلك بصفة تعويض نظير فصله من وظيفته فقضت المحكمة المذكورة بتاريخ 12 أبريل سنة 1931 برفض دعواه. وبتاريخ 7 يوليه سنة 1931 استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم 98 سنة 49 قضائية طالبا إلغاءه والحكم له بطلباته الابتدائية. وقد تأيد هذا الحكم منها بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1931.
وبتاريخ 17 مايو سنة 1932 قرّر حضرة الأستاذ عبد الكريم رءوف بك المحامي بتوكيله عن رافع النقض بالطعن بطريق النقض والإبرام في هذا الحكم المعلن لموكله بتاريخ 20 أبريل سنة 1932 طالبا نقضه وإحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل في دعوى التعويض من جديد مع إلزام وزارة الداخلية بالمصاريف والأتعاب. وأبدى سبعة أسباب:
(الأوّل) أن محكمة الاستئناف اعتبرت أن مجلس الوزراء يملك فصل الموظف كبيرا كان أو صغيرا بدون ضرورة لإحالته على مجلس التأديب طبقا لمرسوم 24 ديسمبر سنة 1888 وهذا تأويل غير صحيح لأن هذا المرسوم إنما مقتصر تطبيقه على كبار الموظفين فقط، أما صغارهم فلا يمكن فصلهم من وظائفهم إلا بقرار من مجالس التأديب التي أنشئت لحمايتهم.
(الثاني) أنه بفرض أن مجلس الوزراء يملك هذا الحق بالنسبة لصغار الموظفين فانه لم يصدر من مجلس الوزراء قرار بفصل الطاعن من وظيفته، بل صدر القرار من وزير الداخلية وحده. وهذه مخالفة شكلية وقعت في قرار فصله مبطلة له.
(الثالث) أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 فبراير سنة 1916 الذى قضى بفصل الموظف الذى يعتقل بأمر السلطة العسكرية ليست له قيمة قانونية لأنه تعديل لقوانين المعاشات فيما يتعلق بفصل الموظفين، والقانون لا يمكن تعديله إلا بقانون آخر.
(الرابع) أنه إذا صح وكان لقرار مجلس الوزراء الصادر في 8 فبراير سنة 1916 قيمة قانونية فانه قرار لا يمكن أن ينسحب على الماضي فلا يمكن تطبيقه على حالته لأنه اعتقل في 3 أغسطس سنة 1915 أي قبل صدوره بمدّة غير وجيزة.
(الخامس) أن القول من محكمة الاستئناف بأن الطاعن لم يكن قائما بعمله لسبب اعتقاله لا يفيد شيئا في فصله من وظيفته فصلا يخالف القانون. على أنه لم يقصر في عمله، بل حيل بينه وبين قيامه به بقوّة قاهرة اشتركت الحكومة نفسها في إيجادها وتنفيذها.
(السادس) أن استلام الطاعن لمكافأته بدون اعتراض وبدون أن يحرّك ساكنا مدّة طويلة ليس من شأنه أن يسقط حقه في المطالبة بالتعويض كما ذهبت محكمة الاستئناف في ذلك طالما لم تمض المدّة القانونية المسقطة للحقوق.
(السابع) أنه لا يمكن القول بأن قرار مجلس الوزراء عمل إداري صحيح قانونا إذ لم تراع في إصداره القوانين واللوائح المعمول بها، كما أن القرار الصادر من وزير الداخلية بفصله من وظيفته صدر من سلطة غير مختصة بإصداره.
وبعد استيفاء الإجراءات القانونية حدّد لنظر هذه الدعوى جلسة يوم الخميس 30 من شهر مارس سنة 1933.
وبالجلسة المذكورة صمم كل من الحاضرين عن طرفي الخصومة والنيابة على ما تدوّن بالمذكرات. ثم أجل الحكم لجلسة يوم الخميس 20 من شهر أبريل سنة 1933، ومنها لجلسة اليوم 4 مايو سنة 1933 لعدم إتمام المداولة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن أوجه الطعن تؤول في جملتها إلى أن الطاعن يعيب على محكمة الاستئناف أنها اعتمدت في قضائها عليه: (أوّلا) على قرار وزير الداخلية بفصله من وظيفته بينما أن وزير الداخلية غير مختص بإصداره. (ثانيا) على قانونية قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 فبراير سنة 1916 على أن هذا القرار ليست له أية قيمة قانونية. (ثالثا) على تأويلها الخاطئ لتأخيره في رفع دعوى التعويض مدّة طويلة، هذا التأخير الذى استنتجت منه تنازله عن كل مطالبة وقبوله القرار الخاص بفصله من وظيفته.
وحيث إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 فبراير سنة 1916 كان صدوره على أثر مذكرة مقدّمة له من اللجنة المالية في 28 أكتوبر سنة 1915 طلبت منه فيها "مراعاة للظروف الحالية ومحافظة على الأمن العام" أن يصدر قرارا خاصا بالتصريح بفصل جميع الموظفين المعتقلين بأمر السلطة العسكرية، فصدّق مجلس الوزراء على هذه المذكرة في جلسته المنعقدة في 8 فبراير سنة 1916 وبلغت هذه المذكرة لجميع مصالح الحكومة.
وحيث إن هذا التصديق من مجلس الوزراء هو إنشاء للقرار الخاص الذى طلبته اللجنة المالية، وبمجرّد صدوره وتبليغه لجميع الوزارات أصبح لكل وزارة الحق في تنفيذ هذا القرار بفصل أي موظف تابع لها ينطبق عليه القرار المذكور بدون حاجة إلى الرجوع إلى أحكام قوانين سنة 1883 و1885 و1888 والقوانين التي جاءت بعدها.
وحيث إن هذا القرار لا يمكن اعتباره أنه قانون حتى يطعن عليه بعدم توفر جميع الشروط الشكلية التي يجب توفرها في القوانين، بل هو أمر إداري، بل عمل حكومي من أخص أعمال السيادة العليا، أصدرته الحكومة في ظروف تعدّدت فيها الحوادث السياسية، التي يترتب عليها صدور أوامر الاعتقالات، رأت من ورائها الحكومة تعطيلا في الأعمال التي تستلزمها المصلحة العامة وخطرا على الأمن العام، فهو عمل من الأعمال التي تقوم بها الحكومة بصفتها السلطة المهيمنة على إدارة البلاد والمسئولة عن تسيير أمورها والمحافظة على الأمن فيها، فلا يمكن أن يترتب على عملها أية مسئولية أو أن يتولد منه حق من أى نوع كان بالغا ما بلغ الضرر الذى نشأ عنه.
وحيث إنه متى تقرّر ذلك يتعين الرجوع إلى الحكم المطعون فيه للوقوف منه على الأسباب التي بنى عليها وبحثها على ضوء المطاعن الموجهة إليها من الدكتور عبد الفتاح يوسف أفندي لمعرفة ما إذا كانت هذه المطاعن جديرة بالاعتبار تؤثر في نتيجة هذه الأسباب القانونية أم أن الحكم يستقيم بالرغم من وجاهة بعضها.
وحيث إن الأسباب الأساسية التي قام عليها الحكم تنحصر في اثنين وهما بنصيهما:
(الأوّل) أنه لمجلس الوزراء أن يصدر قراره المؤرّخ في 8 فبراير سنة 1916 بجواز فصل الموظف الذى يعتقل بأمر السلطة العسكرية في مصر ما دام أنه لا يمكن الاستفادة منه وهو معتقل. وهذا القرار نافذ على الحالات القائمة وقت صدوره. ولا يمكن اعتباره بمثابة قانون لا يرجع في سريانه إلى الماضي لأنه قرار بمثابة عمل إداري تصدره الحكومة في معالجة أمر واقع لا بد فيه من وضع حدّ له.
(الثاني) أنه وإن كان قرار مجلس الوزراء المذكور قد نص على أنه لا بد في فصل الموظف المعتقل من صدور قرار خاص به إلا أن المستأنف، وقد ظل مدّة تزيد عن الأربع عشرة سنة لا يحرّك ساكنا واكتفى بأن طلب التوظف وتوظف فعلا بمجلس مديرية أسيوط في أوّل أبريل سنة 1920 ثم طلب توظيفه في وظيفة أخرى في 18 أبريل سنة 1926 دون أن يبدى طعنا مّا في قرار فصله الصادر بتاريخ 22 مارس سنة 1916 من وزير الداخلية من حيث مطابقته أو عدم مطابقته لشروط نفاذ قرار مجلس الوزراء المذكور الصادر في 8 فبراير سنة 1916، فانه يفيد أنه قد تنازل عن طعنه هذا، وعلى الأخص إذا ما لوحظ أنه استلم المكافأة بعد تحويلها باسمه للبنك الأهلي في 2 ديسمبر سنة 1916 دون أى اعتراض مّا منه في يوم استلامه لها أو بعده بقليل أو كثير. وفوق ذلك فان حالته، من حيث اعتقاله ومن حيث عدم انتفاع الحكومة بعمله بسبب الاعتقال، أمر يدخل حتما تحت نص قرار مجلس الوزراء المذكور. ولذا يكون قرار وزير الداخلية في 22 مارس سنة 1916 بفصله في محله.
وحيث إن هذين السببين صحيحان في جوهرهما، إذ المستفاد منهما أن فصل الطاعن حصل بمقتضى قرار صادر من وزير الداخلية بناء على قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 فبراير سنة 1916 وأنه من حق مجلس الوزراء إصدار مثل هذا القرار الذى لا يمكن اعتباره أنه قانون لا يرجع في سريانه إلى الماضي لأنه قرار بمثابة عمل إداري تصدره الحكومة في معالجة أمر واقع لا بد فيه من وضع حدّ له، وهذا جميعه مطابق لما تقدّم بيانه.
وحيث إن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف في حكمها المطعون فيه من أن قرار 8 فبراير سنة 1916 قد نص على أنه لا بد في فصل الموظف المعتقل من صدور قرار خاص به لا أساس له، لأن قرار 8 فبراير سنة 1916 لم ينص على شئ من ذلك بالمرة، بل هو نفسه عبارة عن القرار الخاص بفصل كل موظف اعتقل أو يعتقل. وكذلك الحال بالنسبة للنتيجة التى رتبتها المحكمة على تأخر الطاعن في رفع دعوى التعويض، لأنه كما تقدّم القول، قرار 8 فبراير سنة 1916 عمل من أعمال السيادة التي لا يترتب عليها أية مسئولية أو يتولد عنها أى حق.
وحيث إنه باستبعاد هاتين العبارتين يستقيم الحكم لأن الأسباب الباقية صحيحة وتؤدّى إلى النتيجة القانونية التى قضت بها المحكمة.
وحيث إن هذه المحكمة لا ترى محلا للردّ على أوجه الطعن واحدا واحدا فان فيما تقدّم الكفاية للتدليل على عدم صحتها جميعها عدا الوجه السادس فانه لا نتيجة له سواء أكان سكوت الطاعن في الظروف التي ذكرتها المحكمة يعتبر تنازلا عن حقه من عدمه ما دام الحق الذى يدّعيه لا وجود له ويكون الطعن في غير محله. ويتعين رفضه مع مصادرة الكفالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق