الصفحات

الجمعة، 15 مايو 2020

الطعن 4356 لسنة 52 ق جلسة 15/ 12/ 1982 مكتب فني 33 ق 208 ص 1004


جلسة 15 من ديسمبر سنة 1982
برياسة السيد المستشار/ محمد وجدى عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان، حسين كامل حنفي، محمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي.
---------------
(208)
الطعن رقم 4356 لسنة 52 القضائية

1 - خطأ. مسئولية جنائية. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها". قتل خطأ. إصابة خطأ.
تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه. موضوعي. حد ذلك؟
2 - حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام".
ابتناء الحكم على أدلة ليس بينها تناسق تام لا يعيبه. حد ذلك؟
3 - إثبات "اعتراف" "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". اعتراف.
الاعتراف من المسائل الجنائية. من عناصر الاستدلال.
لمحكمة الموضوع ألا تعول عليه متى تراءى لها مخالفته للحقيقة والواقع.
4 - مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. رابطة سببية. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير توافر رابطة السببية بين الخطأ والنتيجة. موضوعي.
5 - حكم "بياناته. بيانات الديباجة". محضر الجلسة.
محضر الجلسة يكمل الحكم في خصوص سائر بيانات الديباجة. عدا التاريخ.
6 - دعوى مدنية "تعويض". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مسئولية مدنية. ضرر.
إدانة الطاعن عن القتل الذى حكم بالتعويض من أجله. كفايتها لبيان وجه الضرر المستوجب للتعويض. عدم بيان الحكم من بعد الضرر بنوعيه وعناصره. لا يعيبه. علة ذلك؟
7 - دعوى مدنية "نظرها والحكم فيها". تعويض. ضرر. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. مالا يقبل منها".
القضاء بتعويض والد المجنى عليهما عما لحقه من ضرر مباشر عن الجريمة وليس عن الضرر الذى أصاب ولديه شخصيا وانتقل إليه الحق في التعويض عنه. صحيح. أساس ذلك؟
8 - دعوى مدنية. اختصاص.
اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى المدنية. شرطه؟
القضاء على الطاعن لصالح المسئول عن الحقوق المدنية بأن يدفع له ما عساه أن يدفعه الأخير إلى المدعى بالحقوق المدنية خطأ في القانون. علة ذلك؟.

------------
1 - من المقرر أن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيا ومدنيا، هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب، مادام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق.
2 - لا يقدح في الحكم، ابتناؤه على أدلة ليس بينها تناسق تام، مادام ترادفها وتظاهرها على الإدانة قاضيا لها في منطق العقل بعدم التناقض.
3 - من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك المحكمة كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها ألا تعول عليه متى تراءى لها أنه مخالف للحقيقة والواقع.
4 - تقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافرها، هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها، مادام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق.
5 - من المقرر أن محضر الجلسة يكمل الحكم في خصوص سائر بيانات الديباجة - عدا تاريخ صدوره.
6 - من المقرر أنه يكفى في بيان وجه الضرر المستوجب للتعويض أن يثبت الحكم إدانة المحكوم عليه عن الفعل الذى حكم بالتعويض من أجله. ولا يعيب الحكم عدم بيانه الضرر بنوعيه المادي والأدبي، ولا عدم بيانه عناصر الضرر ذلك بأن في إثبات الحكم وقوع الفعل الضار من المحكوم عليه، ما يتضمن في ذاته الإحاطة بأركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، ويوجب الحكم عليه بالتعويض.
7 - من المقرر أن القانون لا يمنع أن يكون المضرور أي شخص ولو كان غير المجنى عليه، مادام قد ثبت قيام هذا الضرر، وكان الضرر ناتجا عن الجريمة مباشرة، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أمام أول درجة أن والد المجنى عليهما قد ادعى مدنيا قبل الطاعن والمسئول عن الحقوق المدنية بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت، وكان مفاد ما أورده الحكم المطعون فيه أنه قضى للمدعى بالحقوق المدنية بالتعويض عن الضرر المباشر الذى أصابه عن الجريمة موضوع الدعوى الجنائية، وليس عن الضرر الذى أصاب المجنى عليهما شخصيا وانتقل إليه الحق في التعويض عنه منهما، وكان الأصل في المساءلة المدنية، وجوب تعويض كل من أصيب بضرر يستوى في ذلك الضرر المادي والضرر الأدبي، وكان الحكم قد انتهى إلى تعويض المدعى بالحقوق المدنية (وهو والد المجنى عليهما) عما لحقه من ضرر، فأنه لا يكون قد أخطأ في القانون. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يذهب في طعنه إلى أن المدعى بالحقوق المدنية قد رفع دعواه لحساب الغير أو نيابة عنه، فان أغفال الحكم ذكر صفته التي ادعى بها مدنيا صراحة، لا يترتب عليه تجهيل لها، باعتبار أن الأصل في الشخص أنه يعمل لحساب نفسه.
8 - لما كان الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح الشارع استثناءً رفعها إلى المحكمة الجنائية، متى كانت تابعة للدعوى الجنائية، وكان الحق المدعى به ناشئا عن ضرر للمدعى من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية، أى أن يكون طلب التعويض ناشئا مباشرة عن الفعل الخاطئ المكون للجريمة محل الدعوى الجنائية المنظورة، فاذا لم يكن كذلك سقطت تلك الإباحة وكانت المحاكم الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية، ومتى تقرر أن تلك الإجازة مبناها الاستثناء، فقد وجب أن تكون ممارستها في الحدود التي رسمها القانون، ويكون توزيع الاختصاص على هذا النحو من النظام العام لتعلقه بالولاية، وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد قضى على الطاعن لصالح المسئول عن الحقوق المدنية بأن يدفع له ما عساه يدفعه الأخير إلى المدعى بالحقوق المدنية، تأسيسا على حق المسئول في الرجوع عليه بما يدفعه عنه من تعويض، فان الدعوى على هذا الأساس تكون محمولة على سبب غير الجريمة المطروحة على المحكمة، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون من هذه الناحية.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: (أولا) تسبب خطأ في قتل...... وكان ذلك ناشئا عن إهماله ورعونته وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر دون أن يتأكد من خلو الطريق أمامه ولدى تفاديه الاصطدام بسيارة أخرى اصطدم بالمجنى عليها مما أدى إلى إصابتها بالإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياتها. (ثانيا) تسبب خطأ في إصابة....... وكان ذلك ناشئا عن إهماله ورعونته وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر دون أن يتأكد من خلو الطريق أمامه ولدى تفاديه الاصطدام بسيارة أخرى اصطدم بالمجنى عليه مما أدى إلى إصابته على النحو المبين بالتقرير الطبي. (ثالثا) قاد سيارة بدون رخصة قيادة. (رابعا) قاد سيارة بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر. وطلبت عقابه بالمادتين 238/ 1 و244/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1 و2 و3 و4 و75/ 3 و77 من القانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1976 واللائحة التنفيذية. وادعى والد المجنى عليهما مدنيا قبل المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية، متضامنين بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. كما أقامت وزارة الداخلية (المسئولة عن الحقوق المدنية) دعوى ضمان قبل المتهم بأن يدفع لها ما عسى أن يقوم المسئول عن الحقوق المدنية يدفعه من التعويض المقضي به. ومحكمة جنح قسم ثان أسيوط الجزئية قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام (أولا) بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل ستة شهور وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من يوم صيرورة الحكم نهائيا على أن يكون الإيقاف شاملا لأى عقوبة تبعية ولكافة الآثار الجنائية المترتبة على الحكم وذلك عن التهم الأولى والثانية والرابعة ومعاقبته عن التهمة الثالثة بتغريمه عشرة جنيهات مع الإيقاف - مع الزام المتهم متضامنا مع السيد وزير الداخلية باعتباره المسئول عن الحقوق المدنية بأن يدفعا إلى المدعى بالحق المدني مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. (ثانيا) وفى دعوى الضمان الفرعية بالزام المتهم...... بأن يدفع للمسئول عن الحقوق المدنية ما عسى أن يدفعه هذا الأخير عن المتهم من التعويض المقضي به. فاستأنف المحكوم عليه -. ومحكمة أسيوط الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة
ومن حيث ان الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه، أنه اذ دانه بجرائم القتل الخطأ والإصابة الخطأ وقيادة سيارة بدون رخصة قيادة وقيادتها بحالة تعرض الأشخاص والأموال للخطر، قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد وفى القانون، ذلك بأنه أقام قضاءه بتوافر الخطأ الموجب لمسئولية الطاعن الجنائية والمدنية على أنه لا يحسن القيادة مستدلا على ذلك بعدم حصوله على ترخيص بقيادة السيارة، وأنه كان يسير بسرعة 40 كيلو مترا وهى سرعة تجاوز السرعة الواجبة بالنظر إلى ملابسات الحال ومقتضياته، في حين أن عدم حصوله على رخصة قيادة لا يدل بذاته على جهله أصول القيادة أو ارتكابه الخطأ المؤدى إلى حدوث الوفاة أو الإصابة، كما أن أحدا من الشهود لم يقرر أن السيارة كانت تسير بسرعة 40 كيلو مترا سوى الشاهد......، الذى أسند إليه الحكم القول بمشاهدته الطاعن ينزل من السيارة بعد أن صدمت المجنى عليه وأنه اصطحبه إلى المستشفى ومعهما المجنى عليهما، حال أن الشاهد المذكور لم يقرر ذلك في أية مرحلة من مراحل الدعوى، خاصة أن المدعو...... قد أعترف أنه هو الذى كان يقود السيارة وأن عدل عن ذلك من بعد، ولم يبين الحكم رابطة السببية بين الإصابة التي لحقت بالمجنى عليها الأولى وبين وفاتها استنادا إلى دليل فنى إذ اقتصر التقرير الطبي على وصف إصابة المجنى عليها دون أن يبين سببها وصلتها بوفاتها، كما خلا من بيان المدعى بالحقوق المدنية، وخلا من بيان عناصر الضرر الذى أصابه ومداه، وهل هو ضرر شخصي أم أنه حاق بالمجنى عليهما وانتقل إليه، هذا إلى أنه قضى في دعوى الضمان الفرعية بالزام الطاعن أن يدفع للمسئول عن الحقوق المدنية ما عسى أن يدفعه الأخير من تعويض، حال أن المطلوب كان الزامه بدفع ما عساه أن يحكم به عليه، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي القتل الخطأ والإصابة الخطأ اللتين دان الطاعن بهما، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائيا ومدنيا، هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب، مادام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق، وكان الحكم قد استظهر ركن الخطأ وأثبته في حق الطاعن بقوله "أن الثابت في يقين المحكمة أن المتهم المقدم...... رئيس وحدة مطافئ أسيوط كان يقود السيارة رقم 1 مطافئ أسيوط وقت ارتكاب الحادث وان التهمة المسندة إليه ثابته في حقه من أقوال الشهود والمصابة، ذلك بأنه لم يتخذ الحيطة اللازمة عند انحرافه بالسيارة قيادته من شارع....... إلى شارع....... وأنه لم يهدئ السرعة بالإضافة إلى أنه لم يحسن القيادة ولا يحمل رخصة، وأنه قاد السيارة بحالة ينجم عنها الخطر مما أدى إلى اصطدامه بالمجنى عليهما وإحداث إصابتهما المبينة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياة...... وإصابة شقيقها......، وأنه حسب أقوال الشهود كان يقود السيارة بسرعة 40 كيلو مترا في الساعة، وأن المحكمة تأخذ من أقوال الشهود جملة وتفصيلا حقيقة مؤداها أن التهمة ثابتة في حق المتهم بجميع أركانها من خطأ وضرر وتوافر السببية بينهما" ثم أضاف قوله أن "السرعة التي تصلح أساسا للمساءلة الجنائية في جريمتي القتل الخطأ والإصابة الخطأ ليس لها حدود ثابتة وإنما هي التي تجاوز الحد الذى تقتضيه ملابسات وظروف المرور وزمانه ومكانه، فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجروح" فان الحكم يكون قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى أن الطاعن كان يقود السيارة بسرعة في ظروف كان يتحتم عليه فيها الإقلال من سرعته عند دخوله من شارع إلى شارع آخر كان به المجنى عليهما مما ترتب عليه أن أصطدم بهما وأحدث بهما الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياة المجنى عليها الأولى وإصابة المجنى عليه الثاني، وهو ما يوفر قيام ركن الخطأ في جانب الطاعن، فان ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل، ولا يقدح في ذلك أن يكون أحد شهود الإثبات هو وحده الذى حدد مقدار السرعة التي كانت عليها السيارة وقت الحادث، دون غيره من الشهود، مادام الحكم قد استمد من أقوال هؤلاء الأخيرين - بما له معينه من المفردات المضمومة تحقيقا لوجه الطعن - أن سرعة السيارة كانت تتجاوز الحد الذى تقتضيه ظروف المرور وزمانه ومكانه، لما هو مقرر من أنه لا يقدح في الحكم، ابتناؤه على أدلة ليس بينها تناسق تام، مادام ترادفها وتظاهرها على الإدانة قاضيا لها في منطق العقل بعدم التناقض، كما لا ينال منه ما أورده في أسبابه من أن الطاعن لا يحمل رخصة قيادة، إذ أن هذا من الحكم لم يكن إلا تقرير لواقع - لم يجحده الطاعن - لم يستند الحكم إليه في قضائه، ولم يكن له أثر في عقيدته. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن خطأ الحكم فيما نسبه إلى الشاهد...... من مشاهدته للطاعن ينزل من السيارة بعد الحادث بعد أن صدمت المجنى عليهما ومصاحبته إياه والمجنى عليهما إلى المستشفى، في حين أن الشاهد جهل رتبة الضابط ولم يصفه أو يذكر اسمه لا يعدو كونه خطأ ماديا لا أثر له في منطق الحكم واستدلاله على ارتكاب الطاعن للحادث، فان دعوى الخطأ في الإسناد لا تكون مقبولة، لما هو مقرر أن الخطأ في الإسناد الذى يعيب الحكم هو الذى يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم أنه بعد أن حصل دفاع الطاعن بما مؤداه إنكاره ما نسب إليه من اتهام وقوله أن آخر....... قد اعترف بأنه هو الذى كان يقود السيارة وقت الحادث، خلص إلى أن الطاعن هو الذى كان يقود السيارة وقت الحادث وأنه مرتكبه، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك المحكمة كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها ألا تعول عليه متى تراءى لها أنه مخالف للحقيقة والواقع، وكان ما أورده الحكم من أدلة كافيا وسائغا على أن الطاعن هو مرتكب الحادث، فلا تقبل مجادلتها أو مصادرتها في هذا الشأن لكونه من الأمور الموضوعية التي تستقل بها بغير معقب. لما كان ذلك، وكان تقدير توافر السببية بين الخطأ والنتيجة أو عدم توافرها، هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها، مادام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق، وكان الحكم قد خلص في منطق سائغ وتدليل مقبول إلى ثبوت ما يوفر ركن الخطأ في جانب الطاعن وتوافر رابطة السببية بين هذا الخطأ ووفاة المجنى عليها الأولى وإصابة المجنى عليه الثاني استنادا إلى التقرير الطبي الموقع عليهما، وان ما لحق بهما من إصابات نتيجة حادث عربة، فان ما يثيره الطاعن في هذا المنحى لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محضر الجلسة يكمل الحكم في خصوص سائر بيانات الديباجة - عدا تاريخ صدوره - وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه، وان خلت ديباجته من بيان المدعى بالحقوق المدنية إلا أن البين من محاضر جلسات المحاكمة أمام محكمة أول درجة أنها استوفت هذا البيان، ومن ثم فان استناد الحكم المطعون فيه إلى أسباب الحكم الابتدائي بجعله بمنأى عن البطلان. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفى في بيان وجه الضرر المستوجب للتعويض أن يثبت الحكم إدانة المحكوم عليه عن الفعل الذى حكم بالتعويض من أجله. ولا يعيب الحكم عدم بيانه الضرر بنوعية المادي والأدبي، ولا عدم بيانه عناصر الضرر، ذلك بأن في أثبات الحكم وقوع الفعل الضار من المحكوم عليه، ما يتضمن في ذاته الإحاطة بأركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، ويوجب الحكم عليه بالتعويض، وكان الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها ارتكاب الطاعن لجريمتي القتل الخطأ والإصابة الخطأ اللتين دانه بهما، وهى الفعل الضار الذى ألزمه بالتعويض على مقتضاه، فلا تثريب على المحكمة من بعد أن لم تبين مدى الضرر ولا عناصره التي قدرت التعويض المحكوم به على أساسها، إذ الأمر في ذلك متروك لتقديرها بغير معقب. فان ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان القانون لا يمنع أن يكون المضرور أي شخص ولو كان غير المجنى عليه، مادام قد ثبت قيام هذا الضرر، وكان الضرر ناتجا عن الجريمة مباشرة، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أمام أول درجة أن والد المجنى عليهما قد أدعى مدنيا قبل الطاعن والمسئول عن الحقوق المدنية بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت، وكان مفاد ما أورده الحكم المطعون فيه أنه قضى للمدعى بالحقوق المدنية بالتعويض عن الضرر المباشر الذى أصابه عن الجريمة موضوع الدعوى الجنائية، وليس عن الضرر الذى أصاب المجنى عليهما شخصيا وانتقل إليه الحق في التعويض عنه منهما، وكان الأصل في المساءلة المدنية، وجوب تعويض كل من أصيب بضرر يستوى في ذلك الضرر المادي والضرر الأدبي، وكان الحكم قد انتهى إلى تعويض المدعى بالحقوق المدنية (وهو والد المجنى عليهما) عما لحقه من ضرر، فانه لا يكون قد أخطأ في القانون. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يذهب في طعنه إلى أن المدعى بالحقوق المدنية قد رفع دعواه لحساب الغير أو نيابة عنه، فان أغفال الحكم ذكر صفته التي أدعى بها مدنيا صراحة، لا يترتب عليه تجهيل لها، باعتبار أن الأصل في الشخص أنه يعمل لحساب نفسه، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد على غير سند. لما كان ذلك، وكان الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح الشارع استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية، متى كانت تابعة للدعوى الجنائية، وكان الحق المدعى به ناشئا عن ضرر للمدعى من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية، أى أن يكون طلب التعويض ناشئا مباشرة عن الفعل الخاطئ المكون للجريمة محل الدعوى الجنائية المنظورة، فاذا لم يكن كذلك سقطت تلك الإباحة وكانت المحاكم الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية، ومتى تقرر أن تلك الإجازة مبناها الاستثناء، فقد وجب أن تكون ممارستها في الحدود التي رسمها القانون، ويكون توزيع الاختصاص على هذا النحو من النظام العام لتعلقه بالولاية، وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد قضى على الطاعن لصالح المسئول عن الحقوق المدنية بأن يدفع له ما عساه يدفعه الأخير إلى المدعى بالحقوق المدنية، تأسيسا على حق المسئول في الرجوع عليه بما يدفعه عنه من تعويض، فان الدعوى على هذا الأساس تكون محمولة على سبب غير الجريمة المطروحة على المحكمة، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون من هذه الناحية، بما يتعين معه نقضه نقضا جزئيا فيما قضى به في دعوى الضمان وبعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظرها، مع ألزام الطاعن مصاريف الدعوى المدنية، والزام المسئول عن الحقوق المدنية مصاريف دعواه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق