الصفحات

الخميس، 7 مايو 2020

الطعن 1337 لسنة 28 ق جلسة 30 / 12 / 1958 مكتب فني 9 ج 3 ق 277 ص 1148


جلسة 30 من ديسمبر سنة 1958
برئاسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: مصطفى كامل، وفهيم يسى جندي، ومحمد عطية إسماعيل، ومحمود حلمي خاطر المستشارين.
------------------
(277)
الطعن رقم 1337 سنة 28 القضائية

(أ، ب) حكم. البيانات الواجبة في تسبيب الأحكام.
بيان تاريخ الواقعة. هو أمر موضوعي متى أقيم الدليل عليه.
خيانة الأمانة. طبيعة الجريمة وتحديد تاريخ ارتكابها.
جواز اعتبار تاريخ امتناع الوكيل عن رد الأمانة أو عجزه عن ردها بعد مطالبته بذلك تاريخاً لارتكاب الجريمة. علة ذلك.
(ج) دفوع إجرائية جوهرية. موقف أسباب الحكم بالنسبة لها. دعوى جنائية. تحريكها 
حق المدعي المدني في تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر. شروط التحريك. شرط عدم سابقة صدور أمر نهائي في الدعوى الجنائية بالأوجه لإقامتها. ما يقتضيه هذا الشرط. مثال.
(د) نقض. طعن. المصلحة في الطعن. بطلان. شروط التمسك به. 
متى تنتفي المصلحة في التمسك ببطلان الإجراءات؟
مثال للحكم الصادر بعقوبة واحدة في تهم متعددة بناء علي الارتباط المنصوص عليه في المادة 32/ 2 ع.
(هـ) دعوى مدنية. 
مباشرتها أمام القضاء الجنائي. سقوط حق المدعي المدني في اختيار الطريق الجنائي لاختياره الطريق المدني أولاً. وجوب اتحاد موضوع الدعويين. صورة واقعة تتوافر فيها المغايرة بين موضوع الدعويين.
)و) إثبات. 
حرية القاضي في تكوين عقيدته. المادة 302 أ. ج. محكمة الموضوع حق محكمة الموضوع في أن تأخذ بأدلة في حق متهم ولا تأخذ بها في حق متهم آخر ولو كانت متماثلة.

----------------
1 - تعيين تاريخ وقوع الجرائم عموما - ومنها جريمة خيانة الأمانة - هو من الأمور الداخلة في اختصاص قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض، وعلى قاضي الموضوع أن يحقق تاريخ حدوثها كما يحقق تاريخ حدوث جميع الجرائم الأخرى، وله مطلق الحرية في بحث كل ظروف الواقع الفعلي واستخلاص هذا التاريخ منها ومتى أقام الدليل عليه فهو بمعزل عن كل رقابة.
2 - يغلب في جريمة التبديد أن يغير الجاني نية حيازته دون أن يكون هناك من الأعمال المادية الظاهرة ما يدل على ذلك، فلا تثريب على الحكم في اعتبار تاريخ امتناع " الوكيل - وهو الطاعن - عن رد الأمانة أو عجزه عن ردها بعد مطالبته بذلك، تاريخاً لارتكاب الجريمة.
3 - إذا رد الحكم الاستئنافي على دفع الطاعن الأول بعدم جواز محاكمته بشأن جريمة التزوير بقوله " إن دعوى الاشتراك في التزوير منظورة عن طريق الجنحة المباشرة والتي أعلنت قبل أن توجه النيابة اتهامها بالاشتراك في التزوير وقبل قرار الحفظ الذي أصدرته عند انتهائها من تحقيقاتها فلا يقدح في قضاء محكمة أول درجة بإدانة المتهم أن النيابة قد قررت صرف النظر عن تهمة التزوير لأنها كانت مطروحة أمام المحكمة عن طريق قانوني ثم كونت عقيدتها من حيث ثبوت الاتهام وصحته وقضت بما قضت بتأثيم المتهم عنها " فإن هذا الرد سائغ مقبول.
4 - لا جدوى للطاعن فيما ينعاه على المحكمة من عدم اطلاعها على المحررات المطعون فهي بالتزوير، إذ أن الحكم المطعون فيه قد دانه بتهمتي التبديد واشتراك في التزوير، والحد الأقصى لكل من الجريمتين واحد وهو الحبس لمدة ثلاث سنوات، والمحكمة لم تحكم عليه إلا بعقوبة واحدة تطبيقاً للمادة 32 من قانون العقوبات فلا مصلحة للطاعن إذن من طعنه.
5 -  إذا كان المدعون بالحق المدني لم يطلبوا في الدعوى المدنية المرفوعة منهم أمام المحكمة المدنية إلا بطلان عقد الإيجار الصادر من الطاعن الأول للطاعن الثاني بسبب صوريته فقضى لهم بذلك، وكان المدعون لم يطلبوا في دعواهم المباشرة أمام محكمة الجنح إلا تعويض الضرر الناشئ عن تبديد أموالهم، فإن الدفع المقدم من الطاعنين بعدم قبول الدعوى لأن المدعيين لجأوا إلى القضاء المدني يكون على غير أساس.
6 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأدلة في حق متهم ولا تأخذ بها في حق متهم آخر ولو كانت متماثلة.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة بشرى حنا حنين (الطاعن الأول) بأنه: أولاً - بدد المبالغ المبينة بالمحضر والتي سلمت إليه لتوصيلها إلى الخواجات أنطونيو وروبرتو فيفو ترباي باعتباره وكيلا عنهم فاختلسها لنفسه بينة تملكها إضراراً بالمجني عليهم. وثانيا - بدد المنقولات المبنية بالمحضر والمملوكة للخواجات سالفي الذكر والتي سلمت إليه على سبيل الوكالة لإدارتهما فاختلسها لنفسه بنية تملكها إضراراً بالمجني عليهم. كما اتهمتهم في الجنحة المباشرة رقم 742 سنة 1952 ملوي بأنهم 1 - بشرى حنا حنين (الطاعن الأول). 2 - أنيس جبران. و3 - ملك بطرس النحال (الطاعن الثاني) و4 - مقار صليب سمعان بأنهم: الأول - (أولاً) اختلس من أموال نيتو ترباس مبلغ 140000 جنيه المبنية بعريضة الدعوى وثانيا - اشترك مع المتهم الثاني في جريمة التزوير المبينة بعريضة الدعوى إذ حرضه على ارتكاب الفعل المكون لها فوقعت بناء على هذا التحريض ثم استعمل الدفترين المزورين مع علمه بتزويرهما بأن قدمهما نيابة ماوي. والمتهم الثاني: ارتكب تزويرا في دفترين من دفاتر الحساب الخاصة بالطالبين الثاني والثالث المبينين بعريضة الدعوى بأن أضاف إليهما بجوار كل من إمضاءاتهما الموقع بها على آخر رقم في كل صفحة عبارة Vu et Approuve. والمتهمان الثالث والرابع: اشتركا مع المتهم الأول في جريمة الاختلاس المبنية بعريضة الدعوى، وطلبت عقابهم بالمواد 341، 211، 215، 40/ 1 - 3، 41 من العقوبات وادعى بحق مدني انطونيو الفوتو وروبرتو فيفو ثرباي وطلبوا الحكم لهم قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 48000 جنيه على سبيل التعويض ومحكمة ملوي الجزئية قضت حضورياً للمتهمين الأول والثالث والرابع وفي غيبة المتهم الثاني أولاً - بحبس المتهم الأول - بشرى حنا حنين بصل ثلاث سنوات مع الشغل وكفالة مائة جنيه مصري لوقف التنفيذ وثانيا - بحبس المتهم الثالث ملك بطرس النحال ستة أشهر مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات مصرية لوقوف التنفيذ وذلك تطبيقا لمواد الاتهام والمادة 32 من عقوبات بالنسبة للأول. وثالثاً - ببراءة المتهمين الثاني والرابع أنيس جبران ومقار صليب سمعان مما أسند إليهما وبرفض الدعويين المدنيتين قبلهما وألزمت رافعها بالمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ مائة قرش مقابل أتعاب المحاماة للمتهم الرابع. ورابعاً - بإحالة الدعويين المدنيتين بالنسبة للمتهمين الأول والثالث إلى محكمة ملوي المدنية بلا مصاريف وخامساً: أعفت المتهمين من المصروفات الجنائية، فاستأنف المتهمان الأول والثالث وطلبا الحكم ببراءتهما مما أسند إليهما، كما استأنف المدعون بالحق المدني والتمسوا إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إحالة الدعوى المدنية إلى محكمة ملوي الجزئية والقضاء بإلزام المتهمين متضامنين بأن يدفعوا لهم مبلغ 48029 جنيها و10 مليم والمصاريف والأتعاب عن الدرجتين، ومحكمة المنيا الابتدائية نظرت الدعوى وقضت غيابياً للثاني أنيس جبران وحضورياً للباقين بقول الاستئناف شكلاً. وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام المدعين بالحق المدني والمتهمين الأول والثالث بالمصروفات الاستئنافية المدنية وأعفتهما من المصروفات الجنائية. فطعن المحكوم عليهم بطريق النقض..... إلخ.

المحكمة
... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون، والقصور في الأسباب، والتناقض ذلك أن الحكم المطعون فيه قضى باعتبار الواقعة جنحة تبديد واشتراك فيه واشتراك في تزوير، ولم يحكم بانقضاء الدعوى الجنائية فيها بمضي المدة بالنسبة للوقائع التي مضى على وقوعها ثلاث سنوات قبل بدء التحقيق في 26 مايو سنة 1949 استند الحكم المطعون فيه على ما ورد بحكم محكمة أول درجة بصدد الرد علي هذا الدفع. وقد دان هذا الحكم الطاعن الأول بالنسبة لوقائع معينة دون أن يعني بإثبات تواريخها ومنها ما يرجع إلى خمس أو ست أو سبع سنين سابقة على بدء التحقيق وهذا النقص في البيان يعيب الحكم ويجعله قاصر البيان قد أورد الحكم المطعون فيه بعض التواريخ بالنسبة لوقائع الاختلاس فذكر أن بيع البركة في سنة 1943، واختلاس الأدوات الزراعية والمنقولات كان في القضية رقم 1270 لسنة 1939 مدني أبو قرقاص، وأن شراء الطاعن الأول أطيان طوخ باسم المجني عليهم كان في سنة 1944، ودفع الطاعن الأول بانقضاء الدعوى الجنائية تطبيقا لنص المادتين 15، 17 من قانون الإجراءات وإذ كان قد انقضى على الواقعة أكثر من أربع سنوات ونصف من وقت وقوعها إلى يوم نشر قانون الإجراءات الجنائية في أكتوبر سنة 1951، فإن الدعوى الجنائية بالنسبة لكل جريمة وقعت قبل 17 من أبريل سنة 1947 تكون قد انقضت ولو كانت مدة السقوط قد انقطعت بإجراء من إجراءات التحقيق أو المحاكمة. وقد أغفلت محكمة الجنح هذا الدفاع ولم تفصل فيه. وقد دفع الطاعن الأول أيضاً أمام محكمة ثاني درجة بعدم جواز محاكمة عن جريمة التزوير لأن النيابة أصدرت قراراها بصرف النظر عن واقعة التزوير لعدم ثبوتها وأقامت الدعوى الجنائية بالنسبة لواقعة التبديد لهذا الأمر حجيته في عدم رفع لدعوى بشأن واقعة التزوير فإذا ما دانت المحكمة الطاعن الأول عن هذه الواقعة، فقد جاء حكمها مشوباً بالخطأ في القانون. وإذ لم تطلع المحكمة أثناء نظر الدعوى على المحررات المطعون فيها بالتزوير فإن ذلك مما يعيب إجراءات المحاكمة يستوجب نقض الحكم، هذا إلى أن الدعوى الجنائية وخاصة بالنسبة للطاعن الثاني غير مقبولة لأنه لا يجوز للمدعيين بالحق المدني وقد لجأوا إلى القضاء المدني وحصلوا على حكم في الدعوى رقم 380 لسنة 1949 كلي مدني المنيا ببطلان عقد إيجار أبرمه الطاعن الأول مع الطاعن الثاني ووصفوه بالصورية أن يعودوا بعد ذلك ويلجأوا إلى القضاء الجنائي بطريق الجنحة المباشرة طبقاً لنص المادة 264 من قانون الإجراءات الجنائية وقد دفع الطاعن الأول بعدم قبول الدعوى المدنية استناداً إلى توجيه تهمة التبديد لا يكون إلا بعد تصفية الحساب للتحقق من توافر القصد الجنائي، ولذلك أثره في عدم قبول الدعوى الجنائية، يضاف إلى ذلك أن الحكم المطعون فيه دان الطاعنين جريمة التبديد والاشتراك فيه علي الرغم من الدفع بانتفاء القصد الجنائي تأسيسا على احتدام الخلاف حول أجر الوكالة وتعدد أقلام الحساب وتشابكها وضخامة مفرداته مما يمنع قيام جريمة التبديد ولو ثبت من تصفية الحساب وجود مبالغ في ذمة الطاعن، وكان اختيار المحكمة لبعض الوقائع دون لعرض لمجموعها وعدم توفيق الخبير الحسابي في نتيجته وما شاب الحكمين الابتدائي والاستئنافي من الإبهام بالنسبة لباقي الواقع مما يعيب الحكم بالبطلان لعدم إمكان معرفة ما يصيب المحكوم عليه من توقيع عقوبة واحدة عن التهم جميعا، هذا إلى أن حكم محكمة أول درجة في صدد إدانة الطاعن الثاني قال " إنه عن تهمة الاشتراك في الاختلاس بطريق المساعدة المسندة إليه فقد قال الدفاع عنه أن استئجار موكله المذكور لأطيان بأقل من أجر المثل لا يعد جريمة.... وأن ما ذهب إليه الدفاع في هذا الصدد صحيح في أساسه إلا أن الثابت من وقائع هذه الدعوى، وعلى الخصوص مما سجله حكم محكمة المنيا الابتدائية المؤيد استئنافياً، أن الإجازة التي يتحدث عنها صورية ليس لها مكيان في عالم الوجود.... "ومع ذلك قضى ذلك الحكم ببراءة المتهم الرابع موقفه مثل موقف الطاعن تماماً بمقولة أن العقود للمتهم الرابع التي قضى ببراءته بعدت عن الشبهة إلى حد ما، لا كتلك الني صدرت بني الطاعن الأول والتي وانتهت على تأييد إدانة الأخير وفي هذا الاضطراب والتناقض الاستناد إلى الصورية التي قضى بها الحكم المدني، ما يعيب الحكم ويدمغه بالبطلان.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المدعيين بالحق المدني رفعوا الدعوى رقم 742 سنة 1952 مباشرة أمام محكمة ملوي الجزئية بعريضة أعلنت في 25، 19 مارس، 13 أبريل سنة 1952 ضد:
1 - بشرى حنا حنين بصل (الطاعن الأول) 2 - أنيس جبران 3 - ملك بطرس النحال (الطاعن الثاني) 4 - نصار صليب سمعان وتضمنت عريضة الدعوى أن الأول اختلس من أموال فيفو ثرياي مبلغ 140 ألف جنيه اشترك مع المتهم الثاني في تزوير دفترين، ثم استعملها مع علمه بتزويرها بأن قدمهما لنيابة ملوي - والثاني ارتكب تزويرا في دفتر من دفاتر الحساب بأن أضاف بجوار إمضاء كل من الطالبين الثاني والثالث عبارة Vu et Approuve. الثالث والرابع اشتركا مع الأول في جريمة الاختلاس وطلب المدعون بالحقوق المدنية عقابهم بالمواد 341، 211، 215، 40/ 1 - 3 من قانون العقوبات مع إلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لهم 48000 جنيه على سيل التعويض. واتهمت النيابة الطاعن الأول في الجنحة رقم 1698 لسنة 1952 ملوي بأنه: أولاً ببد المبالغ المبينة بالمحضر والتي سلمت إليه لتوصيلها إلى انطونيو الفتو رديركو نيثوترباي باعتباره وكيلا عنهم واختلسها لنفسه بنية تملكها إضرارا بالمجني عليهم، ثانياً: بدد المنقولات المبنية بالمحضر والمملوكة للمجني عليهم سالفي الذكر والتي سلمت إليه على سبيل الوكالة لإدارتهما فاختلسها لنفسه بنية تملكها إضراراً بالمجني عليهم وقد أصدرت محكمة جنح ملوي الجزئية قرارها بضم القضيتين ليصدر فيهما حكم واحد، وقضت بمعاقبة المتهمين الأول والثالث (الطاعنين) بمقتضى المواد 341 و211 و215 و40/ 1 - 3 و41 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة للأول. أولاً: بحبس الطاعن الأول بشرى حنا حنين بصل ثلاث سنوات مع الشغل وكفالة مائة جنيه لإيقاف التنفيذ. وثانياً بحبس المتهم الثالث (الطاعن الثاني) ملك بطرس النحال ستة أشهر مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات مصرية لإيقاف التنفيذ. وثالثا: ببراءة المتهمين الثاني والرابع مما أسند إليهما ورفض الدعويين المدنيتين قبلهما ألزمت رافعيها بالمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة للمتهم الرابع. ورابعاً - إحالة الدعويين المدنيتين بالنسبة للمتهم الأول والثالث إلى محكمة ملوي المدنية بلا مصاريف واستأنف المتهمان الأول والثالث (الطعانان) وكذات المدعون بالحقوق المدنية وقضت محكمة ثاني درجة بقبول الاستئنافات شكلا وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام المدعيين بالحق المدني والمتهمين الأول والثالث بالمصروفات الاستئنافية مع إعفاء المتهمين المستأنفين من المصروفات الجنائية. وقد قال الحكم المطعون فيه بصدد بيان واقعة الدعوى " إنها تخلص في أن المدعيين بالحق المدني أبلغوا نيابة المنيا في 2 مايو سنة 1949 ضد المتهم الأول بشرى حنا حنين بصل (الطاعن الأول) يطلبون فهيا تكليفه بتسليمهم التوكيل الصادر إليه مع طلب تصفية حساباتهم لديه عن إدارة أملاكهم وذلك بوصفه وكيلاً عنهم إذ أنه بمطالبته بذلك امتنع عن تقديم ما في عهدته لهم" وأيد هذا الحكم ما ذهبت إليه محكمة أول درجة من الاستدلال على ثبوت التهمة الأولى قبل المتهم الأول - وقد تعرض حكم محكمة أول درجة للوقائع المكونة لجريمة التبديد فقال " وحيث إنه لا مساغ للجدل في أن تهمتي التبديد والاختلاس ثابتتان في حق المتهم الأول بأجلى وضوح بالنسبة لما يأتي: أولا مبلغ 1330 ج كان قد حصله لحساب المدعيين بالحق المدني من إيجار سنة 1949 إخفاء عنهم، مبلغ 1180 ج حصله لحساب المدعيين بالحق المدني من المستأجر محمد أبو زيد بموجب ورقة محاسبة موقع عليها منه مؤرخة 23 من أبريل سنة 1949. ثانيا: - مبلغ 22859 ج و948 م اعترف المتهم الأول في خطابه للمدعيين بالحق المدني المؤرخ 29/ 7/ 1948 بأن رصيدهم حتى 31 ديسمبر سنة 1947. ثالثاً: - منقولات وزراعية عزبة كوم الزهير، فقد ثبت من الحكم الصادر من محكمة المنيا الابتدائية بتاريخ 9 من مارس سنة 1950 في القصية رقم 38 لسنة 1949 مدني كلي المنيا والمؤيد استئنافياً في القضية رقم 341 سنة 17 ق مصر أن المتهم الأول عقد إيجاره صورية مع المتهم الثالث ملك بطرس عطية بتاريخ أول مارس سنة 1949 عن عزبة كوم الزهير البالغ مساحتها حوالي مائة فدان. رابعاً - المبالغ التي لم يقيدها المتهم الأول في الدفاتر منها مبلغ 72 ج ثم فدان بركة باعه إلى آخرين، ومبلغ 5439 ج و974 م زمامات قديمة، مبلغ 1364 ج و365 م من رهينة كوم الزهير " ثم تطرق حكم محكمة أول درجة إلى الدفع من الطاعن الأول بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة فقال: " إن هذا الدفاع عديم الجدوى ذلك أنه حتى 10 من أبريل سنة 1949وهو تاريخ الإنذار الذي أرسله إلى المدعيين بالحق المدني مطالباًُ بانتداب خبير حكومي لتصفية الحساب بينه نبينهم، يسلم ضمناً بأنه لم يهضم شيئاً من حقوقهم، وليس في نيته هضمهما، وقد رددا هذا الكلام عند استجوابه بمعرفة النيابة بتاريخ 24 من فبراير سنة 1950. ومن المقرر أن النائب يجوز لحساب الأصيل فإذا جحد النائب حق موكله وأنكره زالت عنه صفة النيابة وأضحى أجنبياً عنه، وحينئذ يبدأ سريان مدة التقادم، ولهذا قالوا أن التقادم لا يبدأ إلا من اليوم الذي تتكشف فيه نية الحائز في اغتيال المال الذي يجوزه لحساب الأصيل كأن يطالبه برده فيمتنع " وقيد الحكم المطعون فيه محكمة أول درجة في هذا الصدد بقوله: " إنه عن الدفع بسقوط الدعوى العمومية فقد تناوله حكم محكمة أول درجة بما فيه الكفاية، ولا ترى هذه المحكمة مزيجاً عليه إلا التنويه بما ذكره حكم النقض في القضية رقم 606 لسنة 23 في تأييد لما ذهب إليه حكم محكمة أول درجة "، ولما كان ذلك، وكان تعيين تاريخ وقوع الجرائم عموما، ومنها جريمة خيانة الأمانة، هو من الأمور الداخلة في اختصاص قاضي الموضوع، لا رقابة عليه في ذلك المحكمة النقض، وعلى قاضي الموضوع لان يحقق تاريخ حدوثها، كما يحقق تاريخ حدوث جميع الجرائم الأخرى، وله مطلق الحرية في بحث كل ظروف الواقع الفعلي، واستخلاص هذا التاريخ منها متى أقام الدليل عليه، فهو بمعزل عن محل رقابة، وكان يغلب في جريمة التبديد أن يغير الجاني نية حيازته، دون أن يكون هناك من الأعمال المادية الظاهرة ما يدل على ذلك، فلا تثريب على الحكم في اعتبار تاريخ امتناع الوكيل - وهو الطاعن - عن رد الأمانة أو عجزه عن ردها بعد مطالبته بذلك تاريخهاً لارتكاب الجريمة - ولما كان الحكم قد رد على دفع الطاعن الأول بعدم جواز محاكمته بشأن جريمة التزوير بقوله: " إن دعوى الاشتراك في التزوير منظورة عن طريق الجنحة المباشرة 942 لسنة 1952 والتي أعلنت قبل أن توجه النيابة اتهامها بالاشتراك في التزوير وقبل قرار الحفظ الذي أرصدته النيابة عند انتهائها من تحقيقاتها، فلا يقدح في قضاء محكمة أول درجة بإدانة المتهم أن النيابة قد قررت صرف النظر عن تهمة التزوير لأنها كانت مطروحة أمام المحكمة عن طريق قانوني ثم كونت عقيدتها من حيث ثبوت الاتهام وصحته وقضت بما قضت بتأثيم المتهم عنها " - و هذا الرد سائغ مقبول - ولما كان فضلا عن ذلك لا جدوى مما يثيره الطاعن الأول في هذا الشأن فيما ينعاه على المحكمة من عدم اطلاعها على المحررات المطعون فيه بالتزوير إذ أن الحكم المطعون فيه قد دان هذا الطاعن بتهمتي التبديد واشتراك في التزوير، والحد الأقصى لكل من الجريمتين واحد، وهو الحبس لمدة ثلاث سنوات، والمحكمة لم تحكم عليه إلا بعقوبة واحدة تطبيقاً للمادة 32 من القانون العقوبات، فلا مصلحة للطاعن إذن من طعنه - ولما كان المدعون بالحق المدني لم يطلبوا في الدعوى المدنية المرفوعة منهم أمام محكمة المنيا الكلية إلا بطلان عقد الإيجار الصادر من الطاعن الأول للطاعن الثاني بسبب صوريته، فقضى لهم بذلك وكان المدعون لم يطلبوا في دعواهم المباشرة أمام محكمة الجنح إلا تعويض الضرر الناشئ عن تبديد أموالهم فإن الدفع المقدم من الطاعنين بعدم قبول الدعوى لأن المدعيين لجأوا إلى القضاء المدني يكون على غير أساس - ولما كانت محكمة الموضوع قد اقتنعت بتوافر القصد الجنائي لجريمة التبديد، وأثبته في حكمها بأسباب سائغة تؤدي إلى منا رتبه عليها، فإن ما يثيره الطاعنان بهذا الشأن لا محل له، وهو لا يخرج من معاودة الجدل في موضوع الدعوى والمناقشة حول تقدير أدلتها مما لا تقبل أمام محكمة النقض - ولما كان ما أثاره الطاعن الثاني عن قصور الحكم حين دانه مع ما ذهب إليه من تبرئة المتهم الرابع مردود بأنه جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع. وكانت هذه المحكمة قد بينت واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية المكونة لجريمة الاشتراك في التبديد، أوردت على ثبوتها في حق الطاعن الثاني أدلة صالحة لأن تؤدي إلى إدانته بقولها: " وحيث إنه عن المتهم الثالث ملك بطرس (الطاعن الثاني) - وقد وجه إليه أنه اشترك مع المتهم الأول في جريمة الاختلاس - فالواضح أن المتهم الثالث علم بما سبكه المتهم الأول في إدارة أموال المجني عليهم وما يبغيه من وراء تلك الإدارة المعوجة التي انتهى بها إلى تحقيق مغانم له وشاركه فيها المتهم الثالث الذي وصف نفسه بأنه ناظر زراعة المتهم الأول وأنه استأجر منه عزبة بأكملها أرضاً وعقاراً وشاركه في ذلك وليد المتهم الأول مجدي بشرى الذي لكم يكن رأى النور عند تحرير عقد الإيجار من المتهم الأول والمتهم الثالث، وأن هذه الحقيقة لا يغيب عن ذلك المتهم، فهو يعلم أن المتهم الأول في ذلك الحين لم يكن له وليد حتى يشركه معه بصرف النظر عن صغر السن وعدمه......... وكونه يوقع عقداً على هذه الشاكلة ويساعد المتهم فيما ذهب إليه لا يمكن إلا أن يكون شريكاً معه فيما اقترفه من اختلاسات مساعدا له في ذلك ولا ترى المحكمة ما يعيب الحكم محكمة أول درجة فيما ذهب إليه بصدد هذا المتهم ولا محل للقول بأن المحكمة برأت المتهم الرابع الذي كان ماثلاً أمامها رغم علاقة المصاهرة التي تربطه بالمتهم الأول لأن العقود المحررة للمتهم الرابع بعدت عنه الشبهة إلى حد ما، لا كتلك التي حررت بين المتهم الأول والثالث، ومن ثم ترى المحكمة تأييد الاتهام بالنسبة للمتهم الثالث". ولما كان هذا الذي استخلصه الحكم ما أورده هو استخلاص سائغ لا عيب فيه، وكان للمحكمة أن تأخذ بأدلة في حق متهم ولا تأخذ بها في حق متهم آخر ولو كانت متماثلة. لما كان ما تقدم كله، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق