الصفحات

الأحد، 1 مارس 2020

دستورية اعفاء الأندية الرياضية من 75% من مقابل استهلاك الكهرباء

الدعوى رقم 241 لسنة 31 ق "دستورية" جلسة 1 / 2/ 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الأول من فبراير سنة 2020م، الموافق السابع من جمادى الآخرة سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار سعيد مرعى عمرو     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجـار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل     نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
   في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 241 لسنة 31 قضائية "دستورية".
المقامة من
رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة القناة لتوزيع الكهرباء
ضد
1 – رئيس الجمهوريــــة
2 - رئيس مجلس الــوزراء
3- وزيـــر الكهربــاء
4 - رئيس المجلس القومى للرياضة
5- رئيس المجلس القومي للشبـــاب
6- رئيس مجلس إدارة النادي المصري للألعاب الرياضية ببورسعيد

الإجراءات
      بتاريخ الثاني عشر من نوفمبر سنة 2009، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص البند (د) من المادة (16) من قانون الهيئات الخاصة للشباب والرياضة الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1975، فيما نص عليه من إعفاء تلك الهيئات من 75% من مقابل استهلاك النور.

    وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
  وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وبجلسة 4/1/2020، قررت المحكمة حجز الدعوى ليصدر فيها الحكم بجلسة اليوم، مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوع، لم تقدم خلاله مذكرات

المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن رئيس مجلس إدارة النادى المصرى للألعاب الرياضية (المدعى عليه الأخير) كان قد أقام الدعوى رقم 579 لسنة 2008 مدنى كلى، أمام محكمة بورسعيد الابتدائية، ضد الشركة المدعية، طالبًا الحكم بندب خبير حسابي تكون مهمته حساب كمية الكهرباء التى استهلكها النادى، وبيان قيمتها عن مدة ثلاث سنوات سابقة لإقامة الدعوى، طبقًا لنص المادة (16) من قانون الهيئات الخاصة للشباب والرياضة الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1975، تمهيدًا للحكم برد ما حصلته الشركة من النادي دون وجه حق، وذلك على سند من أن تلك الشركة هى المنوط بها حساب الكمية المستهلكة من الكهرباء اللازمة لإنارة النادى، وتقدير قيمتها النقدية، وقد خالفت الشركة نص البند (د) من المادة (16) من القانون المشار إليه، الذى يقضى بإعفاء الأندية الرياضية من 75% من قيمة استهلاكها من الكهرباء، بأن قامت بمحاسبة النادي عن استهلاكه من الكهرباء بنسبة 100% من قيمتها، وقد اضطر النادى لسداد كامل القيمة التى حددتها الشركة، خشية قطع التيار الكهربائى عن النادى. وحال نظر الدعوى بجلسة 15/10/2009، دفعت الشركة بعدم دستورية نص المادة (16) من القانون المشار إليه، وبجلسة 22/10/2009، قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.

وحيث إن المادة (1) من قانون الهيئات الخاصة للشباب والرياضة الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 51 لسنة 1978 ( قبل إلغائه بقانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017 وقانون تنظيم الهيئات الشبابية الصادر بالقانون رقم 218 لسنة 2017) تنص على أن " تُعتبر هيئة أهلية عاملة في ميدان رعاية الشباب والرياضة في تطبيق أحكام هذا القانون كل جماعة ذات تنظيم مستمر تتألف من عدة أشخاص طبيعيين أو اعتباريين لا تستهدف الكسب المادي ويكون الغرض منها تحقيق الرعاية للشباب وإتاحة الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وذلك عن طريق توفير الخدمات الرياضية والقومية والاجتماعية والروحية والصحية والترويحية في إطار السياسة العامة للدولة والتخطيط الذى يضعه المجلس الأعلى للشباب والرياضة".
وتنص المادة (16) من القانون ذاته على أن " لكل من الهيئات الأهلية لرعاية الشباب والرياضة التمتع بالإعفاءات والامتيازات الآتية: (أ) .... (ب)......(ج) ...... (د) الإعفاء من 75% من مقابل استهلاك النور والمياه على الأقل، ....(هــ)....(و)......".

وتنص المادة (72) منه على أن " النادي الرياضي هيئة تكونها جماعة من الأفراد بهدف تكوين شخصية الشباب بصورة متكاملة من النواحي الاجتماعية والصحية والنفسية والفكرية والروحية عن طريق نشر التربية الرياضية والاجتماعية وبث روح القومية بين الأعضاء من الشباب وإتاحة الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهـــم. وكذلك تهيئة الوسائل وتيسير السبل لشغل أوقـــات فراغ الأعضـاء. وذلك كله طبقًا للتخطيط الذى تضعه الجهة الإدارية المركزية".

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.    متى كان ما تقدم، وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول طلب النادى المصرى للألعاب الرياضية - المدعى عليه الأخير - وهو أحد الهيئات الأهلية لرعاية الشباب والرياضة - بسداد مقابل استهلاكه من النور طبقًا لنص البند (د) من المادة (16) من قانون الهيئات الخاصة للشباب والرياضة الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1975، (قبل إلغائه بالقانونين المشار إليهما)، الذى أعفى النادى من نسبة 75% من هذا المقابل على الأقل، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للشركة المدعية تكون متحققة في الطعن على هذا النص فيما تضمنه من إعفاء الأندية الرياضية من 75% من مقابل استهلاكه من النور على الأقل، بحسبان الفصل في دستورية ذلك النص سوف يكون له انعكاسه على الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، وقضاء تلك المحكمة فيها.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد اطرد على أن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة . متى كان ذلك، وكان الإعفاء الوارد بالنص المطعون فيه ، هو سند النادى المدعى عليه الخامس لإجابة طلباته في الدعوى الموضوعية، وهو محل التطبيق فيها، نظرًا لما يرتبه من آثار قانونية بالنسبة لأطرافها ، في شأن مدى أحقية النادى في استرداد المبالغ المالية التى حصلتها منه شركة الكهرباء بغير حق خلال السنوات الثلاث السابقة لإقامة الدعوى الموضوعية في سنة 2008 ، ومن ثم فإن إلغاء ذلك النص، ضمن كامل نصوص القانون رقم 77 لسنة 1975المشار إليه، بموجب قانون الرياضة الصادر بالقانـون رقم 71 لسنة 2017، وقانـون تنظيم الهيئات الشبابية الصادر بالقانـون رقم 218 لسنة 2018، لا يحول دون بقاء مصلحة الشركة المدعية قائمة في الطعن على دستورية هذا النص.

وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه إخلاله بالحماية المقررة للملكية الخاصة ومساسًا بحرمتها ومصادرة لها، وذلك بحرمانها من الحصول على 75% من مقابل استهلاك الكهرباء التى قامت بتوريدها للنادى المدعى عليه الخامس، حال كونها إحدى شركات قطاع الأعمال العام، ويمثل في الآن ذاته إهدارًا لحرية التعاقد، ويفرض أعباء مالية على الشركة تؤول مباشرة لصالح طائفة معينة بذاتها، دون أن تدخل خزانة الدولة أو تقع ضمن مواردها، وذلك كله بالمخالفة لأحكام المواد (8، 23، 26، 29، 30، 31، 32، 33، 34، 35، 36، 38، 40، 41، 61، 66، 119) من دستور 1971، المقابلة للمواد (33، 35، 38، 40، 124، 126) من الدستور الحالى.

وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيـره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أُلغى بمقتضى نص المادة السادسة من قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017، وكذا نص المادة الخامسة من قانون تنظيم الهيئات الشبابية الصادر بالقانون رقم 218 لسنة 2017، وذلك بعد صدور الدستور الحالى بتاريخ 18/1/2014، وكانت المناعى التى وجهتها الشركة المدعية للنص المطعون فيه تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعى، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالى باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إن ما تنعاه الشركة المدعية على النص المطعون فيه أنه يمثل عدوانًا على الملكية الخاصة، ومساسًا بحرمتها ومصادرةً لها، فمردود    بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن اضطلاع الملكية الخاصة، التى صانها الدستور بمقتضى نص المادة (35) ، بدورها في خدمة المجتمع، يدخل في إطار أدائها لوظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة لا يتحدد نطاقهــا من فـــراغ، ولا تفرض نفسها تحكمًا، بل تمليها طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، وبمراعاة أن القيود التى يفرضها الدستور على الملكية للحد من إطلاقهـا، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل يمليها خير الفرد والجماعة.

وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن النصوص القانونية التى ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.

وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضـــوع تنظيم الحقــــوق - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة في المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التى يُقدّر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وكلما كان التنظيم التشريعى مرتبطًا منطقيًّا بهذه الأغراض - وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقًا للدستور.

وحيث إن الدستور قد ألقى بنصى المادتين (82، 84) منه التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة بكفالة رعاية الشباب والنشء، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعية، وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعى، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة، وكفالة ممارسة الرياضة كحق لجميع المواطنين، واتخاذ التدابير اللازمة لتشجيع ممارستهم الرياضة، واكتشاف الموهوبين رياضيًّا ورعايتهم.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الهيئات العاملة في ميدان الشباب والرياضة، باعتبارها من الهيئات الخاصة ذات النفع العام، تتوخى تنمية الشباب في مراحل عمره المختلفة، وإتاحة الأوضاع المناسبة لتطوير ملكاتهم عن طريق توفير الخدمات الرياضية والقومية والاجتماعية والروحية والصحية في إطار السياسة العامة للدولة. وقد صدر قانون الهيئات الخاصة للشباب والرياضة بالقانون رقم 77 لسنة 1975 متضمنًا تنظيمًا شاملاً لهذه الهيئات، ومؤكدًا بصريح نص المادة (15) منه أن الهيئات الأهلية لرعاية الشباب والرياضة تعتبر من "الهيئات الخاصة ذات النفع العام"، وأن كلاً منها يتمتع - بنص القانون - بامتيازات السلطة العامة الواردة بهذا القانون، وذلك تقديرًا منه لأهمية دور هذه الهيئات في مجال رعاية النشء وتنمية ملكاته وتأهيله للنهوض بمسئولياته، وتحمل تبعاتها في سبيل الارتقاء بأمته ودعم مكانتها في أكثر الميادين أهمية.

وحيث إن ما تضمنه النص المطعون فيه من إعفاء الأندية الرياضية من 75% من مقابل استهلاك الكهرباء على الأقل، يستهدف عدم اقتطاع النسبة محل الإعفاء من الموارد المالية للأندية الرياضية، كى تسددها مقابل ماتستهلكه من الكهرباء، وبقائها مخصصة لمزاولة أنشطتها المتصلة بالمصلحة العامة، التى تُعد رعاية الشباب والنشء وتنمية قدراتهم المختلفة، وكفالة ممارسة الرياضة لجميع المواطنين - أحد أوجهها الحيوية، وكان هذا الإعفاء متناسبًا مع هذا الوجه من أوجه المصلحة العامة، التى لا يقتصر مفهومها على المصلحة المباشرة المرتبطة بالغرض الذى أُنشئت شركات توريد الكهرباء من أجله فقط، وإنما بالمصلحة العامة بمعناها الأشمل، وبأوجهها المختلفة، بهدف توفير الكهرباء اللازمة لإشباع حاجات المواطنين المختلفة، ومن بينها توفير ما يلزم لمباشرتهم لحقهم في ممارسة الرياضة الذى تتيحه لهم تلك الأندية، وكذا تحقيق رعاية الشباب وتنمية قدراتهم، بوصفه التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة. ومن ثم يكون المشرع قد ضمَّن النص المطعون فيه تنظيمًا يتوافق مع الأغراض والأهداف التى رصدها له، وسعى إلى تحقيقها من خلاله، وتوافرت فيه الرابطة المنطقية والعقلية بتلك الأهداف، وذلك في إطار استعمال المشرع لسلطته التقديرية في تنظيم الهيئات الخاصة بالشباب والرياضة، على نحو يحقق المصلحة العامة، ويمكنها من تحقيق الأغراض التى حددها لها، وذلك على الوجه الأكمل، باستعمالها لكافة مواردها المالية ورصدها لتحقيق هذه الأهداف والأغراض، دون أن يقتطع منها النسبة محل الإعفاء لتخصيصه لسداد مقابل استهلاك الكهرباء. ذلك أن المشرع في مجال سلطته التقديرية في الاختيار بين البدائل المتاحة أمامه، قد فاضل بين وجهين من أوجه المصلحة العامة، أولهما: يتمثل في حصول الشركات المملوكة للدولة ملكية خاصة، على كامل قيمة الكهرباء التى تم توريدها للأندية الرياضية، باعتبارها من الهيئات الخاصة ذات النفع العام، الأمر الذى يصب بشكل مباشر في المصلحة العامة المتعلقة بإيرادات أملاك الدولة، وبقدرة هذه الشركات على مزاولتها لأنشطتها. وثانيهما: المصلحة العامة المتمثلة في رعاية الشباب والنشء، وكفالة ممارسة الرياضة، وحق جميع المواطنين في إتاحة الفرص المناسبة لهذه الممارسة، وهو ما قدر معه المشرع أولوية الوفاء بالالتزام الدستوري الأخير، من خلال توفير قدر من الإعفاءات للأندية الرياضية باعتبارها من الهيئات الخاصة لرعاية الشباب والرياضة المضطلعة بهذه المهمة، وأن تتحمل الدولة كمالك للجهات القائمة على هذا المرفق الحيوى قدرًا من العبء المالى الناتج عن قيمة استهلاك الأندية الرياضية من الكهرباء بنسبة 75% على الأقل، باعتباره أحد وسائلها لدعم هذه الأندية، تمكينًا لها من أداء دورها، ومن ثم فإنه يكون قد التزم الضوابط الدستورية الحاكمة لسلطته في هذا المجال، الأمر الذى ينفى عن النص المطعون فيه مخالفته لنصوص المواد (27، 32، 33، 34، 35، 40) من الدستور.

وحيث إنه عن نعى الشركة المدعية على النص المطعون فيه إهداره لحرية التعاقد، فمردود بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حرية التعاقد - أيًّا كان الأصل الذى تتفرع عنه أو تُرد إليه - لا يعنى على الإطلاق أن يكون لسلطان الإرادة دور كامل ونهائى، بما مؤداه أن للمشرع أن يرسم للإرادة حدودًا لا يجوز أن يتخطاها سلطانها، ليظل دورها واقعًا في دائرة منطقية، تتوازن الإرادة في نطاقها بدواعى العدل وتحقيق الصالح العام.

وحيث إن النص المطعون عليه، فيما تضمنه من إعفاء الأندية الرياضية من 75% على الأقل من مقابل ما استهلكه من الكهرباء ، قد جاء مقررًا قيدًا عامًا على جميع العقود التي تبرمها الجهات القائمة على توريد الكهرباء للأندية الرياضية، مستهدفًا تحقيق المصلحة العامة، من خلال عدم الانتقاص، بقدر نسبة هذا الإعفاء، من الموارد المالية لتلك الأندية، حتى تتمكن من تحقيق أغراضها، التي تتصل برعاية الشباب والنشء، وكفالة ممارسة الرياضة لجميع المواطنين، وهو ما يحقق التوازن بين مصالح أطراف العلاقة العقدية المشار إليها، الذى أوجبت كفالته المادة (27) من الدستور، وفاءً من الدولة بأحد التزاماتها الدستورية التي قررتها المادتان (82، 84) من الدستور، ومن ثم يكون الإعفاء الوارد بذلك النص غير مناقض لطبيعة العقد أو اعتبارات العدالة, ومتناسبًا مع المصلحة العامة التى يبتغى تحقيقها، دون مساس بحرية التعاقد، باعتبارها أحد روافد الحرية الشخصية التى كفلها الدستور في المادة (54).

وحيث إنه عما تنعاه الشركة المدعية على النص المطعون فيه، في حدود نطاقه المتقدم، من أنه يتضمن فرض أعباء مالية على الشركة تؤول مباشرة لصالح طائفة معينة بذاتها، دون أن تدخل خزانة الدولة، أو تُعد ضمن مواردها، فمردود بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا وبصفة نهائية من المكلفين بها، لا يملكون التنصل من أدائها، باعتبار أن حصيلتها تعينها على النهوض بخدماتها ومهامها التي يفيد مواطنوها منها بوجه عام، فلا تكون الضريبة التي يتحملون بها إلا إسهامًا منطقيًّا من جانبهم في تمويل أعبائها، ولا تقابلها بالتالي خدمة بذاتها أدتها مباشرة لأحدهم. وذلك على نقيض رسومها التي لا تقتضيها إلا بمناسبة عمل أو أعمال محددة بذاتها أدتها بعد طـلبها منها، فلا يكون حصولها على مقابل يناسبها - وإن لم يكن بقدر تكلفتها - إلا جزاءً عادلاً عنها، ومن ثم تكون هذه الأعمال مناط فرضها، وبما يوازيها.

   كما أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مؤدى النص في عجز الفقرة الرابعة من المادة (38) من الدستور من أن "يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب، والرسوم، وأية متحصلات سيادية أخرى، وما يـودع منها في الخزانة العامة للدولة"، أن الدستور وإن كان قد أوجب أصلاً عامًا يقتضى أن تصب حصيلة الضرائب العامة وغيرها من الإيرادات العامة للدولة في الخزانة العامة للدولة، لتتولى تحديـد مصارفها تحت رقابـة المؤسسة التشريعية، بقصـد تحقيق الصالح العام، على ما نصت عليه المادة (124) من الدستور، فإن ما يستفاد من هذا النص بدلالة المخالفة - وعلى ما أفصحت عنه مناقشات لجنة الخمسين التي أعدت مشروع الدستور - أن الدستور قد أجاز للمشرع، على سبيل الاستثناء، وفى أضيق الحدود، أن يحدد ما لا يودع من حصيلة الموارد المالية في الخزانة العامة، ليكون إعمال هذه الرخصة – بحسبانها استثناءً من الأصل العام- أداته القانون، وفى حدود تنضبط بضوابط الدستور، فلا يصح هذا التخصيص إلا إذا كان الدستور ذاته قد نص في صلبه على تكليف تشريعي صريح ذي طبيعة مالية، قدَّر لزوم وفاء المشرع به، وأن يتصل هذا التكليف بمصلحة جوهرية أولاها الدستور عناية خاصة، وجعل منها أحد أهدافه، وأن يقدر استنادًا إلى أسباب جدية، صعوبة تخصيص هذا المورد من الموازنة العامة في ظل أعبائها. فمتى استقام الأمر على هذا النحو، جاز للمشرع تخصيص أحد الموارد العامة إلى هذا المصرف تدبيرًا له، إعمالاً لأحكام الدستور، وتفعيلاً لمراميه.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه لم يتضمن فرض ضريبة أو رسم أو أىّ من التكاليف العامة الأخرى تخصص مباشرة لصالح الأندية الرياضية، وإنما تضمن حكمًا بإعفاء تلك الأندية من سداد 75% على الأقل من مقابل استهلاكها من الكهرباء، بهدف تحقيق المصلحة العامة التي أوجبها الدستور على وجهها المتقدم، وهو ما يدخل في نطاق السلطة التقديرية للمشرع، في مجال تنظيم الحقوق والحريات، دون مساس بأصلها أو جوهرها، باعتباره قيدًا عامًا قرره الدستور بمقتضى نص المادة (92)، ومن ثم لا يكون النص المطعون فيه متعارضًا ونصوص المواد (38، 92، 124، 126) من الدستور.


وحيث إن النص المطعون فيه - في نطاقه المتقدم - لا يخالف أى نص آخر في الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.


فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق