الصفحات

الأحد، 2 فبراير 2020

الالزام بالرسوم القضائية في حالة رفض الدعوى (رغم الاعفاء) فهم خاطئ للنص وتطبيق غير صحيح لأحكامه.

الدعوى رقم 19 لسنة 33 ق " دستورية " جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمـد عمـاد النجـار والدكتـور عبدالعزيـز محمـد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا       نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 33 قضائية " دستورية ".

المقامة من
محمد عبد العزيز عطية
ضد
1 - رئيس الجمهوريــة
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب (مجلس النواب حاليًا)
4- وزيــــر العــدل
5- معاون تنفيذ محكمة السويس
الإجراءات
بتاريخ الثامن من فبراير سنة 2011، أودع المدعى صحيفة الدعوى المعروضة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة السادسة من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، المعدل بالقانون رقم 180 لسنة 2008.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت في ختامها الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعى، كان أحد العاملين بشركة مصر إيران للغزل والنسيج، وصدر قرار بفصله من عمله، فأقام، ضد الشركة، الدعوى رقم 240 لسنة 2009 عمال كلى، أمام محكمة السويس الابتدائية، طالبًا الحكم بإلغاء قرار فصله والقضاء بعودته إلى العمل، مع استحقاقه لكامل أجره لحين عودته للعمل، وتعويضه بمبلغ مائة ألف جنيه عما أصابه من أضرار. وتدوولت الدعوى أمام تلك المحكمة، وبجلسة 19/11/2009، قضت برفض الدعوى، وألزمت المدعى المصروفات. وبناء على ذلك صدر أمر تقدير الرسوم النسبية ورسم الخدمات عن تلك الدعوى، بموجب المطالبة رقم 395 لسنة 2009/2010، بمبلغ 4972 جنيهًا "رسم نسبى"، ومبلغ 2483,75 جنيهًا "رسم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية"، فتظلم المدعى من تلك المطالبة، طالبًا إلغاءها، كما أقام دعوى مبتدأه للمنازعة في أساس الالتزام، قُيدت برقم 450 لسنة 2010 عمال كلى، أمام المحكمة ذاتها، وبجلسة 29/7/2010، قررت المحكمة ضم الدعوى الأخيرة إلى التظلم ليصدر فيهما حكم واحد، وحال نظرهما دفع المدعى بعدم دستورية المادة السادسة من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، والمادتين (14و16) من قانــــون الرســــوم القضائية الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1944، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، صرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة، قاصرًا طلباته فيها على نص المادة (6) من قانون العمل المشار إليه.
وحيث إنه من المقرر – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها، يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التي تقدر فيها جديته، وصرحت برفع الدعوى الدستورية بشأنه، وبما لا يجاوز الطلبات الختامية الواردة بصحيفة الدعوى الدستورية أو يتعدى نطاقها. متى كان ذلك، وكان المدعى قد قصر طلباته في صحيفة الدعوى المعروضة على نص المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، دون باقي النصوص التشريعية التي دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية عنها، ومن ثم يقتصر نطاق الدعوى المعروضة على نص المادة (6) المشار إليها، دون سواها.
وحيث إن المادة (6) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، تنص على أن: "تعفى من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي الدعاوى الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام هذا القانون التي يرفعها العاملون والصبية المتدرجون وعمال التلمذة الصناعية أو المستحقون عن هؤلاء، وللمحكمة في جميع الأحوال أن تشمل حكمها بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، ولها في حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها.
وتعفى الفئات المشار إليها في الفقرة السابقة من رسم الدمغة على كل الشهادات والصور التي تعطى لهم، والشكاوى والطلبات التي تقدم منهم تطبيقًا لأحكام هذا القانون."
وحيث إن المدعى ينعى على نص هذه المادة الإخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، والإخلال بالحق في التقاضي؛ لتحميلها العامل عبء المصروفات القضائية بما يثقل كاهله، ويُقعد همته عن إقامة الدعاوى القضائية دفاعًا عن حقوقه .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وهو كذلك يقيد مباشرتها لولايتها في شأن هذه الخصومة، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي. ويتحدد مفهـوم هـذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى - في حدود الصفة التي اختصم بها النص المطعون عليه - الدليل على أن ضررًا واقعيًا - اقتصاديًا أو غيره - قد لحق به، سواء أكان هذا الضرر الذى يتهدده وشيكًا، أم كان قد وقع فعلاً. ويتعين دومًا أن يكون هذا الضرر مباشرًا، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكنًا تصوره ومواجهته بالترضية القضائية لتسوية آثاره. ثانيهما : أن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه. وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته الدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ في تأويل أو تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في دائرة المخالفة الدستورية إذا كانت صحيحة في ذاتها، ذلك أن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً، ولا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها على أحكامه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على الأعمال التشريعية جميعها. فإذا كان الضرر المدعى به ليس مرده إلى النص المطعون بعدم دستوريته، وإنما مرده إلى الفهم الخاطئ له والتطبيق غير الصحيح لأحكامه، غدت المصلحة في الدعوى الدستورية منتفية.

متى كان ذلك، وكانت رحى الخصومة في الدعوى الموضوعية تدور حول منازعة المدعى في الرسوم القضائية (النسبية) والرسم المستحق لصندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، الواردة بأمر تقدير الرسوم المار ذكره، دون سائر العناصر الداخلة في المصروفات، ومن ثم فإن نطاق الدعوى المعروضة يتحدد فيما نص عليه عجز الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، من أن للمحكمة " في حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها"، دون سائر أحكام تلك المادة.
وحيث إن مدلول الرسوم القضائية لا يختلف عن مدلول المصروفات القضائية، في اشتمال كل منهما على رسم الدعوى، ورسوم الصور والشهادات والملصقات والأوراق القضائية والإدارية، وأجر نشر الإعلانات، والمصاريف الأخرى، كأمانة الخبير وبدل سفر الشهود، وغيرها مما كان لازمًا لتحقيق الدعوى أو اتخاذ إجراءات تحفظية أثناء سيرها، وأتعاب المحاماة. إلا إنه حال وجود نص قانوني يقضى بالإعفاء من الرسوم القضائية، لاعتبارات قدرها المشرع، إما لتيسير السبيل للمطالبة القضائية بما يُعتقد أنه حق، أو تقديرًا من الدولة لرفع العبء عن بعض الجهات أو الهيئات، فإن أثر هذا الإعفاء يقتصر على ما هو مستحق فقط من رسوم للدولة عند رفع الدعوى أو الطعن في الحكم الصادر فيها، باعتبار أن الرسم مبلغ من النقود تحصله الدولة جبرًا من شخص معين مقابل خدمة يؤديها له أحد مرافقها، ومن ذلك مرفق القضاء. أما ما ينفقه الخصم الآخر الذي كسب الدعوى من رسوم أو مصاريف، فإنه إعمالاً لنص المادة (184) من قانون المرافعات، يتعين إلزام خاسر الدعوى بها، وهو من رفعها أو دفعهـا بغير حق، إذ عليه أن يتحمل ما ألجأ إليه خصمه من دفع رسوم ومصروفات. وأساس الإلزام بالمصاريف أن الخصومة القضائية، كوسيلة قانونية لحماية الحق، يجب ألا يؤدى استخدامها من قبل صاحب الحق إلى إنقاص حقه بمقدار ما تحمله من نفقات في سبيل حمايته، فلا ينبغي أن يكون طلب الحق سببًا للغرم والخسران. وذلك كله، ما لم ينص القانون صراحةً على أن الإعفاء من الرسوم القضائية، يشمل ما توجبه المادة (184) من قانون المرافعات، من إلزام خاسر الدعوى بالمصاريف، ويدخل في حسابها مقابل أتعاب المحاماة.
وحيث كان ما تقدم، وكان المشرع بموجب صدر نص الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، قد أعفى العاملين والصبية المتدرجين وعمال التلمذة الصناعية أو المستحقين عن هؤلاء، من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي عن الدعاوى التي يرفعوها متى كانت ناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام ذلك القانون. وكانت غاية المشرع من قصر الإعفاء على الرسوم القضائية، التي تؤول إلى خزانة الدولة، تمكين العمال من الولوج إلى ساحة القضاء للدفاع عن مصالحهم، غير محملين بعبء هــــذه الرسوم، واضعًا نصب عينيه تباين أوضاعهم المالية التي لا تُمكن قطاعًا كبيرًا منهم من تحمل هذا العبء المالي، وحتى لا يحول هذا العبء بين العامل وطرح دعواه على القضاء. ومن جانب آخر، فقد نص عجز الفقرة الأولى من المادة (6) من ذلك القانون على أن للمحكمة " في حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها"، لينصرف حكم هذه المصروفات إلى ما ينفقه الخصم الآخر – رب العمل – الذي كسب الدعوى، من رسوم أو مصاريف جراء هذه الخصومة القضائية.

متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن أمر تقدير الرسوم محل التداعي في الدعويين الموضوعيتين، قد انصب على مطالبة قلم كتاب المحكمة للعامل (المدعى) بالرسوم القضائية النسبية، ورسم الخدمات، بعد أن قُضى برفض دعواه العمالية. وكانت تلك الرسوم محل إعفاء صريح بموجب صدر نص الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، ومن ثم فإن الضرر الذي لحق بالمدعى لا يكون راجعًا إلى النص المطعون فيه، وإنما إلى الفهم الخاطئ لهذا النص، والتطبيق غير الصحيح لأحكامه، من قبل السلطة المختصة، والذي لا يشكل عيبًا دستوريًّا، يستنهض ولاية هذه المحكمة، الأمر الذى تنتفى معه مصلحة المدعى في الطعن على هذا النص، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى بالمصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق