الصفحات

الخميس، 15 أغسطس 2019

حكم محكمة استئناف القاهرة بنقض حكم البراءة لا يُعد عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا (لم يتعرض للنصوص التشريعية محل الدعوى)

الدعوى رقم 33 لسنة 40 ق "منازعة تنفيذ" جلسة 6 / 7 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يوليه سنة 2019م، الموافق الثالث من ذى القعدة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر


أصدرت الحكم الآتى
 في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 33 لسنة 40 قضائية "منازعة تنفيذ".
المقامة من
سامي محمد أحمد القرينى
ضد
1 - وزير العـدل
2 - المستشار النائب العـام

الإجراءات

   بتاريخ الرابع والعشرين من يوليو سنة 2018، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ الحكم الصادر بجلسة 13/12/2017، من محكمة استئناف القاهرة (الدائرة الجنائية) في الطعن رقم 23378 لسنة 85 قضائية، وفى الموضوع: بالمضي في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 22/2/1997، في الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق, والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى في الجنحة رقم 9187 لسنة 2014 جنح مصر الجديدة، بامتناعه دون مقتض عن تسليم الوحدات السكنية محل العقود، وقدَّمته إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنح مصر الجديدة، والمستأنفة برقم 1783 لسنة 2015 جنح مستأنف شرق القاهرة، التي قضت بجلسة 29/3/2015، ببراءته من الاتهام المنسوب إليه. وإذ لم ترتض النيابة العامة هذا الحكم، طعنت عليه بطريق النقض أمام محكمة استئناف القاهرة (الدائرة الجنائية)، بالطعن رقم 23378 لسنة 85 قضائية، ناعية عليه عدم إعمال المحكمة لسلطتها التقديرية في تعديل الاتهام، وقضائها بالبراءة، وذلك على الرغم من أن الوقائع المنسوب صدورها للمطعون ضده (المدعى)، تقع تحت وصف إجرامي آخر، ومواد اتهام أخرى، وقد امتنع المطعون ضده، بغير مقتض، عن تسليم الوحدات السكنية محل العقود، وهو الفعل المؤثم بالمادتين (336/1) من قانون العقوبات، و(23) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وبجلسة 13/12/2017، قضت محكمة استئناف القاهرة (الدائرة الجنائية) بنقض الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى المحكمة الابتدائية المختصة، لتحكم فيها من جديد، بهيئة استئنافية أخرى. مُشيدَّة قضاءها على أنه ولئن كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة متى تشككت في صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت عليه، فإن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محَّصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة، ووازنت بينها وبين أدلة النفي، فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى قالة أن الواقعة لا تنطوي إلا على منازعة مدنية، فضلاً عن خلو الأوراق مما يفيد وجود طرق احتيالية، قام المتهم بارتكابها، وهى عبارة غامضة ليس لها مدلول واضح محدد أرسلها الحكم، دون أن يعرض لأدلة الثبوت ويدلى برأيه فيها، فإن ذلك يُنْبئِ أن المحكمة أصدرت حكمها، دون تمحيص الدعوى والإحاطة بظروفها، مما يُعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح، فإن حكمها يكون قد جاء مشوبًا بالقصور، بما يبطله ويوجب نقضه، والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن". وقد ارتأى المدعى أن حكم محكمة استئناف القاهرة المشار إليه، وقد أخضع الفعل محل الاتهام للعقاب بموجب أحكام القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، يُعد عقبة في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 22/2/1997، في الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية"، ومن ثم فقد أقام دعواه المعروضة.

وحيث إن منازعة التنفيذ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قوامها أن التنفيذ قد اعترضته عوائق تحول قانونًا - بمضمونها أو أبعادها - دون اكتمال مداه، وتعطل أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التي تتوخى في ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صادر عن المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية نص تشريعي، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي يضمها، والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التي تقوم بينها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمـان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.

      وحيث إن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية – على ما استقر عليه قضاؤها – يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة، فصلاً حاسمًا بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى لو تطابقت في مضمونها. كما أن قوة الأمر المقضي لا تلحق سوى منطوق الحكم وما هو متصل بهذا المنطوق من الأسباب اتصالاً حتميًّا بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها.
      وحيث إنه يبين من الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 22/2/1997، في الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية" أنه قد تناول تحديد نطاق الدعوى الدستورية، فحصره في نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، بعد ربطها بالعقوبة على مخالفتها، المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر؛ ثم عمد إلى تحقيق شرط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى؛ استمساكًا بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن عينية الدعوى الدستورية لا تعنى اعتبار هذا الشرط منفكًّا عنها؛ بل هو مناط قبولها، فلا يكفى أن يتوافر عند رفعها، بل يتعين أن يظل قائمًا إلى حين الفصل فيها، توكيدًا لمبدأ حاصله أن المصلحة الشخصية المباشرة هي شرط ابتداء، واستمرار لقبول الدعوى الدستورية. واستظهارًا لهذا الشرط في إطاره ذاك؛ وبمراعاة أن الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية" – الصادر فيها الحكم المطلوب الاستمرار في تنفيذه – قد صادفها، أثناء نظرها، صدور القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التي لم يسبق تأجيرها، والأماكن التي انتهت عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها، فقد أقامت المحكمة منطوق قضائها بعدم قبول الدعوى على دعامات رئيسة؛ لا قوام لهذا المنطوق دونها، وتكوّن معه كلاًّ واحدًا لا يقبل التجزئة؛ مدادها الدستور؛ نصًّا وروحًا؛ لحمتها مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وسداها "صون الحرية الشخصية"؛ وبنيتها تقدير "الضرورة الاجتماعية" التي أملتها سياسة تشريعية، يتعين على المحكمة استنباط مقاصدها؛ ورصد غاياتها، متلائمة معها، ملتزمة بها غير قاصرة على مفاهيم حرفية عفا عليها الزمن، بمنهجية تأخذ في اعتبارها دومًا، أن الدستور وثيقة تقدمية نابضة بالحياة؛ فلا تصد عن التطور آفاقه الرحبة.
      متى كان ذلك وكانت المحكمة الدستورية العليا؛ قد شيدت حكمها بانتفاء مصلحة المدعى في الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، وما يرتبط به من نص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه، على انهدام الجزاء الجنائي، الذى فرضه النص الأخير – من منظور دستوري – منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996 – المشار إليه؛ فإن حكمها هذا، يكون مرتبطًا بهذين النصين، في الإطار الذى حددته لهما؛ بما مؤداه: وجوب القضاء - في أية منازعة متعلقة بتنفيذ ذلك الحكم - بإهدار جميع أشكال العوائق التي يكون من شأنها إعادة إحياء العقوبة، المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهى تلك العقوبة التي انتهى الحكم السالف الذكر إلى سقوطها في مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981.
      وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الحكم الجنائي الصادر في الطعن رقم 23378 لسنة 85 قضائية، الذى يطلب المدعى عدم الاعتداد به، باعتباره عقبة في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية"، قد صدر بنقض الحكم المطعون فيه، الذى كان قد قضى ببراءة المتهم (المدعى) من التهمة المنسوبة إليه، وقوامها الامتناع، بغير مقتض، عن تسليم الوحدات السكنية محل العقود المؤثم بالمادتين (336/1) من قانون العقوبات و (23) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المار ذكره، وكان هذا القضاء لم يتعرض للنصوص التشريعية محل الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية"، واقتصر الحكم على إعادة الدعوى إلى المحكمة الابتدائية المختصة لتتولى تحديد التكييف القانوني للواقعة المطروحة عليها، وتطبيق نصوص القانون عليها تطبيقًا صحيحًا، مما تنتفى معه صلته بالحكم الصادر من هذه المحكمة، ومن ثم فإن الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة (الدائرة الجنائية) في هذا الشأن، لا يُعد عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، لتنحل الدعوى المعروضة في حقيقتها إلى طعن في هذا الحكم، مما يخرج عن ولاية هذه المحكمة، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.
وحيث إنه عن الطلب العاجل في الدعوى بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة السالف البيان، فإنه يعد فرعًا من أصل النزاع في الدعوى المعروضة، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم، إلى القضاء بعدم قبولها، فمن ثم يكون طلب وقف التنفيذ قد بات غير ذي موضوع.


فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق