الصفحات

الخميس، 2 مايو 2019

الطعن 19514 لسنة 83 ق جلسة 5 / 4 / 2014 مكتب فني 65 ق 23 ص 233

جلسة 5  من إبريل سنة 2014
برئاسة السيد القاضي / عاطف عبد السميع فرج نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / د. صلاح حسن البرعي ، محمد جمال الشربيني ، علاء مدكور وجمال حليس نواب رئيس المحكمة .
----------
(23)
الطعن 19514 لسنة 83 ق
(1) دعوى جنائية " تحريكها " . جريمة " أنواعها . جرائم الجلسات " . شهادة زور . حكم " ما يعيبه في نطاق التدليل " . إثبات " شهود " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " .
تحريك الدعوى الجنائية من المحكمة في جرائم الجلسات . أمر استثنائي . شرطه : وقوع الجنحة أو المخالفة بالجلسة وقت انعقادها وإقامتها في الحال . تراخي اكتشافها إلى ما بعد الجلسة . يوجب نظرها وفقاً للقواعد العادية . أساس ذلك ؟
إدانة المحكمة الطاعنين بجريمة الشهادة الزور باعتبارها واقعة أثناء انعقاد الجلسة رغم عدم توجيه الاتهام لهم قبل قفل باب المرافعة . خطأ في القانون . علة ذلك ؟
لا يصح تكذيب الشاهد في إحدى رواياته اعتماداً على رواية أخرى له دون قيام دليل يؤيد ذلك . إدانته في جريمة شهادة الزور لمجرد أن روايته أمام المحكمة خالفت ما قاله في التحقيقات الأولية . غير صحيح . علة ذلك ؟
مثال لتسبيب معيب في حكم صادر بالإدانة في جريمة الشهادة الزور .
(2) نقض " أثر الطعن " . شهادة زور .
نقض الحكم الصادر بإدانة طاعنين عن جنحة شهادة زور أبدوها في جناية مسندة لطاعن آخر . يوجب نقضه بالنسبة للأخير . علة ذلك ؟
(3) شهادة زور . اختصاص " الاختصاص النوعي " . محكمة الجنايات " اختصاصها " . محكمة الجنح . ارتباط .
إعادة محاكمة المحكوم عليهم من محكمة الجنايات في جريمة الشهادة الزور بعد نقض الحكم لهم . أصلها أن تكون أمام محكمة الجنح الجزئية . ارتباطها بجناية نُقِض الحكم الصادر فيها . يقتضي نظرهما أمام محكمة الجنايات . علة ذلك ؟
----------
1- لما كان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه أورد في مدوناته أنه بجلسة .... مثل شهود الإثبات الثلاثة – الطاعنون من الثاني حتى الرابع – وتحت القسم شهدوا بأن المتهم – الطاعن الأول – لم يكن متواجداً على مسرح الحادث وقت قتل المجني عليه .... ثم عرض لتهمة الشهادة الزور المسندة للطاعنين من الثاني حتى الرابع بقوله : " وحيث إنه عن جريمة الشهود ، ولما كان الشهود 1 .... 2 .... 3 .... قد تعمدوا تغيير الحقيقة في وقائع شهادتهم أمام المحكمة بإنكار الحق وتغيير الباطل بقصد تضليل القضاء وكان من شأن شهادتهم أمام المحكمة أن تسبب ضرراً بتبرئة مجرم وتؤثر في الحكم لصالح المتهم ولم يعدلوا عن أقوالهم الكاذبة بجلسة المحاكمة حتى إقفال باب المرافعة في الدعوى فيكونون قد ارتكبوا جريمة الشهادة الزور الأمر المعاقب عليه بمقتضى المادة 294 عقوبات مما يتعين أخذهم بمقتضاها " . لما كان ذلك ، وكانت المادة 244/1 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه : " إذا وقعت جنحة أو مخالفة في الجلسة يجوز للمحكمة أن تقيم الدعوى على المتهم في الحال ، وتحكم فيها بعد سماع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم " ، وتنص المادة 246 من ذات القانون على أن : " الجرائم التي تقع في الجلسة ولم تقم المحكمة الدعوى فيها حال انعقادها يكون نظرها وفقاً للقواعد العادية " ، فقد دل الشارع بذلك على أن حق المحكمة في تحريك الدعوى الجنائية مشروط بوقوع الجنحة أو المخالفة بالجلسة وقت انعقادها وبأن تبادر المحكمة إلى إقامة الدعوى في الحال فور اكتشافها ، كما دل على أنه إذا تراخى اكتشاف الواقعة إلى ما بعد الجلسة فإن نظرها " الجنحة أو المخالفة " يكون وفقاً للقواعد العادية ولا تملك المحكمة تحريكها من تلقاء نفسها ، ولما كان الأصل أن النيابة العامة هي صاحبة الدعوى الجنائية وهي التي تملك تحريكها ومباشرتها وكان ما خوله الشارع للمحاكم – لاعتبارات قدرها – من حق تحريك الدعوى الجنائية بالنسبة لجرائم الجلسة أمراً استثنائياً فإنه ينبغي عدم التوسع في تفسيره وقصره على أضيق نطاق ، ولما كانت تهمة الشهادة الزور لم توجه للطاعنين قبل قفل باب المرافعة في الدعوى المطروحة على المحكمة ومن ثم فإن المحكمة تصبح من الوقت الذي اعتبرت المرافعة فيه منتهية لا ولاية لها في الفصل في الجرائم التي وقعت أمامها في الجلسة ولم تقم الدعوى منها حال انعقادها ويكون نظرها وفقاً للقواعد العادية على ما تقضي به المادة 246 إجراءات جنائية ، ومن ثم فإن المحكمة إذ خلصت إلى أن الجريمة التي وقعت من الطاعنين من الثاني حتى الرابع تعتبر واقعة أثناء انعقاد الجلسة وأقامت الدعوى ضدهم في الحال وأصدرت حكمها المطعون فيه تكون قد خالفت القانون ، هذا إلى أنه لما كان الأصل أنه لا يصح تكذيب الشاهد في إحدى رواياته اعتماداً على رواية أخرى له دون قيام دليل يؤيد ذلك ، لأن كلتا الروايتين مصدرهما واحد له اعتبار ذاتي واحد ولأن ما يقوله الشخص الواحد كذباً في حالة وما يقرره صدقاً في حالة أخرى إنما يرجع إلى ما تنفعل به نفسه من العوامل التي تلابسه في كل حالة مما يتحتم معه أن لا يؤخذ برواية له دون أخرى صدرت عنه بناء على ظروف يترجح معها صدقه في تلك الرواية دون الأخرى ، وإذ كان مثول الشاهد أمام هيئة المحكمة في جلسة المحاكمة بين رهبة الموقف وجلاله وقدسية المكان محوطاً بالضمانات العديدة المعلومة التي وضعها القانون للحصول منه على الحقيقة الخالصة ذلك فيه ما من شأنه أن يشعر بعظم مسئوليته فيما يدلي به في آخر فرصة تسمع فيها أقواله مما يصح معه في العقل أن يفترض أنه وهو في هذه الحالة يكون أدنى إلى أن تغلب عليه النزعة إلى الحق فيؤثره ولا يتمادى في الحنث بيمينه إذ كان قد حلفها من قبل ، إذ كان ذلك كذلك فإن اعتبار روايته الأولى - عند اختلاف روايته - هي الصحيحة لا لشيء إلا لكونها هي الأولى لا يكون له ما يقتضيه بل لعل شهادته أمام المحكمة تكون هي الأولى بهذا الاعتبار ، وإذن فإن إدانة الشاهد في جريمة شهادة الزور لمجرد أن روايته أمام المحكمة قد خالفت ما قاله في التحقيقات الأولية لا تكون مقامة على أساس صحيح من شأنه في حد ذاته أن يؤدي إليها ، وخصوصاً أنه يجب في سبيل تحقيق العدالة على الوجه الأكمل أن يفسح أمام الشاهد المجال ليقرر الحق وألا يعتد بأقواله الأولى التي سبق إبداؤها في التحقيقات إلى حد تعريضه للعقوبة الجنائية إذ هو عدل عنها وذلك حتى لا ينغلق في وجهه الباب إذا ما عاوده ضميره إلى الرجوع إلى الحق والإقلاع عما كان عليه من باطل ، الأمر الذي راعاه القانون نفسه إذ لم يعاقب على شهادة الزور إذا عدل الشاهد عن الباطل وقرر الحق في أية مرحلة كانت عليها الدعوى حتى تمام نظرها أمام المحكمة . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف الأنظار القانونية المتقدمة ، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه والإعادة .
2- لما كان الحكم قد دان الطاعنين الثاني والثالث والرابع بجنحة شهادة الزور التي أبدوها في الجناية المسندة للطاعن الأول ، وكان نقض الحكم بالنسبة للطاعنين من الثاني حتى الرابع يقتضي نقضه أيضاً بالنسبة إلى الطاعن الأول دون حاجة إلى بحث أسباب طعنه لأن إعادة المحاكمة بالنسبة للطاعنين الثاني والثالث والرابع وما تجري عليه أو تنتهي عنده يقتضي لحسن سير العدالة أن تكون إعادة البحث في الواقعة من جميع نواحيها .
3- لما كان إعادة محاكمة المحكوم عليهم من محكمة الجنايات في جريمة شهادة الزور بعد نقض الحكم بالنسبة لهم يجب - بحسب الأصل - أن تكون أمام محكمة الجنح الجزئية لتفصل في الجريمة المسندة إليهم بالطريق العادي ما دامت قد زالت حالة التلبس التي استلزمت محاكمتهم أمام محكمة الجنايات لوقوع الجريمة منهم أمامها بالجلسة ، إلا أنه نظراً للارتباط بين هذه الجريمة وبين الجناية المسندة إلى الطاعن الأول الذي نقض الحكم بالنسبة له أيضاً يكون من المصلحة – تحقيقاً لحسن سير العدالة – أن تنظر الدعوى بالنسبة للجميع أمام محكمة واحدة وهي محكمة الجنايات دون أن يكون في ذلك تقليل من الضمانات القانونية بالنسبة للمتهمين المذكورين ، وبالتالي فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى جميع الطاعنين والإعادة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة الطاعن الأول وآخر سبق الحكم عليه بأنهما : 1– قتلا وآخران توفيا المجني عليه .... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على ذلك وقاموا بانتظاره في المكان الذي أيقنوا تواجده فيه وأعدوا لذلك أسلحة نارية " بندقية آلية " وما أن ظفروا بالمجني عليه حتى قاما بإطلاق أعيرة نارية للشد من أذر المتهمين المتوفيين حال ارتكابهما الجريمة وإزهاق روح المجني عليه واحدثا إصابته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته قاصدين من ذلك قتله . 2- أحرزا سلاحين ناريين مششخنين " بندقيتين آليتين " سريعة الطلقات حال كونهما مما لا يجوز الترخيص بحيازتهما أو إحرازهما . 3- أحرزا ذخائـر عدة طلقات مما تستعمل على الأسلحة النارية آنفة البيان حال كونهما مما لا يجوز الترخيص بحيازتها أو إحرازها . 4– أطلقا أعيرة نارية داخل قرية .
وأحالتهما إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحـالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230 ، 231 ، 232 ، 294 ، 377/ 6 من قانون العقوبات والمواد 1/ 2 ، 6 ، 26 /5،3 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والبند ب من القسم الثاني من الجدول رقم 3 الملحق به ، مع إعمال المادتين 17 ، 32 عقوبات أولاً : بمعاقبة الطاعن الأول بالسجن المؤبد عما أسند إليه . ثانياً : بمعاقبة كل من الطاعنين الثاني والثالث والرابع بالحبس لمدة ثلاث سنوات عن تهمة الشهادة الزور .
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 المحكمـة
حيث إن مما ينعاه الطاعنون الثاني والثالث والرابع على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة الشهادة الزور قد أخطأ في تطبيق القانون ، وشابه القصور في التسبيب ؛ ذلك بأن المحكمة لم تقم الدعوى الجنائية عليهم حال انعقاد الجلسة وحتى قفل باب المرافعة مما يغل يدها عن القضاء فيها ، ولم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دانهم بها ومؤدى الأدلة التي استخلص منها ثبوتها في حقهم ، كما أغفل بيان الواقعة التي أدليت فيها الشهادة وموضوع هذه الشهادة وما غاير الحقيقة فيها ومدى تأثيرها على المتهم الأصلي في الدعوى والضرر الذي ترتب عليها ولم يستظهر تعمد الطاعنين قلب الحقائق وإخفائها عن سوء قصد بغية تضليل القضـاء واعتمد الحكم في إدانتهم على أن روايتهم التي أدلوا بها في التحقيقات تخالف تلك التي أبدوها في الجلسة دون بيان الأدلة التي تدل على صدقهم في تلك الرواية عما عداها ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه أورد في مدوناته أنه بجلسة .... مثل شهود الإثبات الثلاثة – الطاعنون من الثاني حتى الرابع – وتحت القسم شهدوا بأن المتهم – الطاعن الأول – لم يكن متواجداً على مسرح الحادث وقت قتل المجني عليه .... ثم عرض لتهمة الشهادة الزور المسندة للطاعنين من الثاني حتى الرابع بقوله : " وحيث إنه عن جريمة الشهود ، ولما كان الشهود 1.... 2 .... 3 .... قد تعمدوا تغيير الحقيقة في وقائع شهادتهم أمام المحكمة بإنكار الحق وتغيير الباطل بقصد تضليل القضاء وكان من شأن شهادتهم أمام المحكمة أن تسبب ضرراً بتبرئة مجرم وتؤثر في الحكم لصالح المتهم ولم يعدلوا عن أقوالهم الكاذبة بجلسة المحاكمة حتى إقفال باب المرافعة في الدعوى فيكونون قد ارتكبوا جريمة الشهادة الزور الأمر المعاقب عليه بمقتضى المادة 294 عقوبات مما يتعين أخذهم بمقتضاها " لما كان ذلك ، وكانت المادة 244/1 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه : " إذا وقعت جنحة أو مخالفة في الجلسة يجوز للمحكمة أن تقيم الدعوى على المتهم في الحال ، وتحكم فيها بعد سماع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم " ، وتنص المادة 246 من ذات القانون على أن : " الجرائم التي تقع في الجلسة ولم تقم المحكمة الدعوى فيها حال انعقادها يكون نظرها وفقاً للقواعد العادية " ، فقد دل الشارع بذلك على أن حق المحكمة في تحريك الدعوى الجنائية مشروط بوقوع الجنحة أو المخالفة بالجلسة وقت انعقادها وبأن تبادر المحكمة إلى إقامة الدعوى في الحال فور اكتشافها ، كما دل على أنه إذا تراخى اكتشاف الواقعة إلى ما بعد الجلسة فإن نظرها " الجنحة أو المخالفة " يكون وفقاً للقواعد العادية ولا تملك المحكمة تحريكها من تلقاء نفسها ، ولما كان الأصل أن النيابة العامة هي صاحبة الدعوى الجنائية وهي التي تملك تحريكها ومباشرتها وكان ما خوله الشارع للمحاكم – لاعتبارات قدرها – من حق تحريك الدعوى الجنائية بالنسبة لجرائم الجلسة أمراً استثنائياً فإنه ينبغي عدم التوسع في تفسيره وقصره على أضيق نطاق ، ولما كانت تهمة الشهادة الزور لم توجه للطاعنين قبل قفل باب المرافعة في الدعوى المطروحة على المحكمة ومن ثم فإن المحكمة تصبح من الوقت الذي اعتبرت المرافعة فيه منتهية لا ولاية لها في الفصل في الجرائم التي وقعت أمامها في الجلسة ولم تقم الدعوى منها حال انعقادها ويكون نظرها وفقاً للقواعـد العاديـة على ما تقضي به المادة 246 إجراءات جنائية ، ومن ثم فإن المحكمة إذ خلصت إلى أن الجريمة التي وقعت من الطاعنين من الثاني حتى الرابع تعتبر واقعة أثناء انعقاد الجلسة وأقامت الدعوى ضدهم في الحال وأصدرت حكمها المطعون فيه تكون قد خالفت القانون ، هذا إلى أنه لما كان الأصل أنه لا يصح تكذيب الشاهد في إحدى رواياته اعتماداً على رواية أخرى له دون قيام دليل يؤيد ذلك ، لأن كلتا الروايتين مصدرهما واحد له اعتبار ذاتي واحد ولأن ما يقوله الشخص الواحد كذباً في حالة وما يقرره صدقاً في حالة أخرى إنما يرجع إلى ما تنفعل به نفسه من العوامل التي تلابسه في كل حالة مما يتحتم معه أن لا يؤخذ برواية له دون أخرى صدرت عنه بناء على ظروف يترجح معها صدقه في تلك الرواية دون الأخرى ، وإذ كان مثول الشاهد أمام هيئة المحكمة في جلسة المحاكمة بين رهبة الموقف وجلاله وقدسية المكان محوطاً بالضمانات العديدة المعلومة التي وضعها القانون للحصول منه على الحقيقة الخالصة ذلك فيه ما من شأنه أن يشعر بعظم مسئوليته فيما يدلي به في آخر فرصة تسمع فيها أقواله مما يصح معه في العقل أن يفترض أنه وهو في هذه الحالـة يكـون أدنى إلى أن تغلب عليه النزعة إلى الحق فيؤثره ولا يتمادى في الحنث بيمينه إذ كان قد حلفها من قبل ، إذ كان ذلك كذلك فإن اعتبار روايته الأولى - عند اختلاف روايته - هي الصحيحة لا لشيء إلا لكونها هي الأولى لا يكون له ما يقتضيه بل لعل شهادته أمام المحكمة تكون هي الأولى بهذا الاعتبار ، وإذن فإن إدانة الشاهد في جريمة شهادة الزور لمجرد أن روايته أمام المحكمة قد خالفت ما قاله في التحقيقات الأولية لا تكون مقامة على أساس صحيح من شأنه في حد ذاته أن يؤدي إليها ، وخصوصاً أنه يجب في سبيل تحقيق العدالة على الوجه الأكمل أن يفسح أمام الشاهد المجال ليقرر الحق وألا يعتد بأقواله الأولى التي سبق إبداؤها في التحقيقات إلى حد تعريضه للعقوبة الجنائية إذ هو عدل عنها وذلك حتى لا ينغلق في وجهه الباب إذا ما عاوده ضميره إلى الرجوع إلى الحق والإقلاع عما كان عليه من باطل ، الأمر الذي راعاه القانون نفسه إذ لم يعاقب على شهادة الزور إذا عدل الشاهد عن الباطل وقرر الحق في أية مرحلة كانت عليها الدعوى حتى تمام نظرها أمام المحكمة . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف الأنظار القانونية المتقدمة ، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه والإعادة . لما كان ذلك ، وكان الحكم قد دان الطاعنين الثاني والثالث والرابع بجنحة شهادة الزور التي أبدوها في الجناية المسندة للطاعن الأول ، وكان نقض الحكم بالنسبة للطاعنين من الثاني حتى الرابع يقتضي نقضه أيضاً بالنسبة إلى الطاعن الأول دون حاجة إلى بحث أسباب طعنه لأن إعادة المحاكمة بالنسبة للطاعنين الثاني والثالث والرابع وما تجري عليه أو تنتهـي عنده يقتضي لحسن سير العدالة أن تكون إعادة البحث في الواقعة من جميع نواحيها . لما كان ذلك ، وكان إعادة محاكمة المحكوم عليهم من محكمة الجنايات في جريمة شهادة الزور بعد نقض الحكم بالنسبة لهم يجب - بحسب الأصل - أن تكون أمام محكمة الجنح الجزئية لتفصل في الجريمة المسندة إليهم بالطريق العادي ما دامت قد زالت حالة التلبس التي استلزمت محاكمتهم أمام محكمة الجنايات لوقوع الجريمة منهم أمامها بالجلسة ، إلا أنه نظراً للارتباط بين هذه الجريمة وبين الجناية المسندة إلى الطاعن الأول الذي نقض الحكم بالنسبة له أيضاً يكون من المصلحة – تحقيقاً لحسن سير العدالة – أن تنظر الدعوى بالنسبة للجميع أمام محكمة واحدة وهي محكمة الجنايات دون أن يكون في ذلك تقليل من الضمانات القانونية بالنسبة للمتهمين المذكورين ، وبالتالي فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى جميع الطاعنين والإعادة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق